قبة الصخرة بالإنجليزية Dome of the Rock، هي أحد أهم المعالم الإسلامية في فلسطين، أمر ببنائها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان وتم تشييدها بين عامي 66 هـ/685 م و 72 هـ/691 م. تقع قبة الصخرة في حرم المسجد الأقصى في مدينة القدس. أقيمت القبة على الصخرة التي عرج بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى في ليلة الإسراء والمعراج.

مسجد قبة الصخرة
الصخرة التي عرج منها الرسول (ص).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/ 691م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس. وقد وضع تصميم مخطط قبة الصخرة المشرفة على أسس هندسية دقيقة ومتناسقة تدل على مدى إبداع العقلية الهندسية الإسلامية، حيث اعتمد المهندس المسلم في تصميم هيكلها وبنائها على ثلاث دوائر هندسية ترجمت بعناصر معمارية لتشكل فيما بعد هذا المعلم والصرح الإسلامي العظيم. وما العناصر المعمارية الثلاثة التي جاءت محصلة تقاطع مربعين متساويين فهي: القبة التي تغطي الصخرة وتحيط بها، وتثمينتين داخلية وخارجية تحيطان بالقبة نتج فيما بينهما رواق داخلي على شكل ثماني الأضلاع.

 
Print from 1887. (Architect Frederick Catherwood was the first westerner known to have made detailed drawings of the Dome of the Rock, which he accomplished during a six-week period in 1833)[5]


النزاع حول البناء

 
الثلج يتساقط على قبة الصخرة، 17 فبراير 2021.

لقد بات معروفاً تماماً أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام 76هـ/ 691م أي في فترة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، وذلك حسب النص المادي والموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي الأموي والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها. يقول النص (( .. بنى هذه القبة عبدالله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ..)) وهنا لا للقارئ أن يتساءل كيف تداخل اسم "المأمون" الخليفة العباسي (198-218 هـ/ 813833م) مع التاريخ 72 هـ.

 
الزخارف الخارجية لقبة الصخرة

والجواب هنا أنه أثناء أعمال الترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي المأمون ، قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبد الملك الخليفة الأموي مؤسس وباني قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسي أن يغير التاريخ حيث تم اكتشاف الأمر بسهولة.

ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعب القبول به: ذلك أن التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلى الفترة الأموية وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية من نصوص تؤكد أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء هذه القبة وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين.

فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري، والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام الإمبراطوريتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت .

 
قبة الصخرة على الجنيه الفلسطيني 1939

وكذلك حسب ما جاء في الصفحة 188 من كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، الجزء الأول، حيث يقول:

(( ..السنة السابعة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة اثنتين وسبعين – فيها بنى عبد الملك بن مروان قبة الصحرة بالقدس والجامع الأقصى، وقد ذكرناه في الماضية، والأصح أنه في هذه السنة، وسبب بناء عبد الملك أن ان عبد الله بن الزبير لما دعا لنفسه بمكة فكان يخطب في أيام منى وعرفة وينال من عبد الملك ويذكر مثالب بني أمية، ويذكر أن جده الحكم كان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، فمال أكثر أهل الشام إلى ابن الزبير، فمنع عبد الملك الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليصرفهم بذلك عن الحج والعمرة، فصاروا يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ضحاياهم، وصار أخوه عبد العزيز بن مروان صاحب مصر يعرف بالناس بمصر ويقف بهم يوم عرفة.))[1]

أسباب البناء

السبب الديني

عند محاولة تحليل السبب خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة والعظمة، فمما لا شك فيه أن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدة الإسلامية لما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والروايات التاريخية المنقحة، فلولا وجود هذه الصخرة كرمز ديني إسلامي ارتبطت بمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها.

 
قبة الصخرة كما تبدو من القدس القديمة

السبب السياسي

وكان مدينة بيت المقدس هي الأخرى مدينة مقدسة عند المسلمين. وقد أصبح العرب من القرن الثامن الميلادي يؤلفون الكثرة الغالبة من سكانها. وأراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يكون فيها مسجد للمسلمين لا يقل فخامة عن كنيسة القبر المقدس حين جددت بعد أن دمرها كسرى أبرويز، فاستخدم خراج مصر في تشييد عدة صروح تعرف في مجموعها باسم الحرم الشريف، وشيد في الطرف الجنوبي من المدينة (691-694) المسجد الأقصى. وقد دمر زلزال هذا المسجد في عام 746، ثم أعيد بناؤه في عام 785، وأدخلت عليه فيما بعد تعديلات كثيرة، ولكن القبلة لا تزال كما كانت في أيام عبد الملك، كما أن معظم العمد مأخوذ من بازيليكا جستنيان التي كانت قائمة في أورشليم. ويرى المقدسي أن بيت المقدس أجمل من المسجد الأموي العظيم المقام في دمشق، ويقول المسلمون إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد التقى فيهِ بإبراهيم، وموسى، وعيسى، وأنه صلى فيه معهم، وانه رأى بالقرب منه الصخرة (التي يعتقد بنو إسرائيل أنها "سرة الدنيا") والتي أراد إبراهيم أن يضحي عندها بإسحق (حسب المعتقد اليهودي)، والتي تلقى عندها موسى تابوت العهد[بحاجة لمصدر](بالرغم من أن موسى لم يدخل فلسطين)، والتي شاد عندها سليمان وهيرود هيكلهما. ويؤمن المسلمون أن النبي محمد   صعد عندها إلى السماء، بل ويعتقد بعض المسلمين أن الإنسان لو أوتي إيماناً قوياً لأبصر في الصخرة أثار قدميه.

وما أن استولى عبد الله بن الزبير، في عام 684، على مكة وما يدخل فيها من إيراد الحج، أراد عبد الملك أن يجتذب إلى الشام أموال الحج، وأن يحج الناس إلى الصخرة بدلاً من أن يحجوا إلى الكعبة، فأقام صناعه على بناء هذه التحفة التاريخية (691) "قبة الصخرة" الشهيرة على الطراز البيزنطي-السوري، وسرعان ما أضحت هذه القبة "رابعة عجائب العالم الإسلامي" (والثلاث الأخرى هي مساجد مكة والمدينة ودمشق). ولم يكن هذا البناء في أول امره مسجداً، بل كان حرماً مقدساً حول الصخرة؛ وقد أخطأ الصليبيون مرتين حين أطلقوا عليه اسم "مسجد عمر". ويبلغ ارتفاع القبة 112 قدماً، وهي قائمة على بناء ذي ثمانية أضلاع مشيد من الحجارة المربعة. ويبلغ محيط هذا البناء 528 قدماً. والقبة نفسها مصنوعة من الخشب ومغطاة من الخارج بالنحاس الأصفر المذهب ذي النقوش البارزة. وللبناء أربعة أبواب جميلة-عتباتها مصفحة بالبرونز-تؤدي إلى الداخل الذي تقسمه صفوف من العمد المتخذة من المرمر المصقول، متتالية ومتحدة في المركز، إلى أشكال مثمنة الأضلاع كل منها أصغر من الذي في خارجه. وهذه العمد الفخمة من الآثار الرومانية القديمة، وتيجانها بيزنطية الطراز. وتمتاز الأجزاء التي بين العقود بما فيها من قطع الفسيفساء، التي تصور أشجاراً لا تقل في جمالها عن تصوير كوربيه Courbet. وأجمل من هذا على جماله فسيفساء الجزء الأسفل من القبة. وعلى الطنف التي فوق العمد الخارجية نقش بالخيط الكوفي ذو حروف صفراء على قطع من القرميد زرقاء، أمر به صلاح الدين في عام 1187، وهو مثل جميل رائع من هذه الزخرفة المعمارية الفذة. وتحيط العمد بهذه الصخرة الضخمة غير المنتظمة الشكل التي يبلغ محيطها مائتي قدم. وقد وصفها المقدسي بقوله:

"فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة، وتلألأت المنطقة، ورأيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرق مثل هذه القبة"(80).

وقد أخفق عبد الملك فيما كان يسعى من إحلال هذه الصخرة عند المسلمين محل الكعبة، ولو أنه نجح فيما كان يبتغيه في أن يجعل بيت المقدس مركز الأديان الثلاثة التي كانت تتنافس في الاستحواذ على روح الإنسان في العصور الوسطى.[2]

وقد أورد اليعقوبي هذا السبب، واتهم فيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعاً في ذلك مبايعة الحجاج لعبد الله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر من تشويه صورتها مقابل الخلافة العباسية.

 
سيدات فلسطينيات بعد الصلاة في مسجد قبة الصخرة ويعلو القبة الزخارف العربية

رواية ابن كثير في "البداية والنهاية"

قال ابن كثير في البداية والنهاية - الجزء الثامن، سنة 66 هـ فصل (مسير ابراهيم بن الأشتر الى عبيد الله بن زياد ):

عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة وكان يخطب في أيام منى وعرفة ومقام الناس بمكة وينال من عبد الملك ويذكر مساوى بنى مروان ويقول إن النبى ص لعن الحكم وما نسل وأنه طريد رسول الله ص ولعينه وكان يدعو إلى نفسه وكان فصيحا فمال معظم أهل الشام إليه وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤسهم ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه وكان يشنع عليه بمكة ويقول ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى والخضراء كما فعل معاوية ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه وجمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة وأمر رجاء بن حيوة ويزيد ان يفرغا الأموال إفراغا ولا يتوقفا فيه فبثوا النفقات وأكثروا فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء وفرشاها بالرخام الملون وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء وآخر من أدم للصيف وحفا القبة بأنواع الستور وأقاما لها سدنة وخداما بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة والسلاسل الذهب والفضة شيئا كثيرا وجعل فيها العود القمارى المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياما ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس وأنه دخل الصخرة وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس وافتن الناس بذلك افتنانا عظيما وأتوه من كل مكان وقد عملوا فيه من الأشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة وقدم رسول الله ص ووادى جهنم وكذلك في أبوابه ومواضع منه فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا وبالجملة أن ضخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض ومنظرا وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شىء كثير وأنواع باهرة ولما فرغ رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوه فضل من المال الذى أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال وقيل ثلاثمائة ألف مثقال فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك فكتب إليهما قد وهبته منكما فكتبا إليه إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حلى نسائنا فكتب إليهما إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث فلما كان في خلافة أبى جعفر المنصور قدم بيت المقدس في سنة أربعين ومائة فوجد المسجد خرابا فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التى على القبة والأبواب وأن يعمروا بها ما تشعت في المسجد ففعلوا ذلك وكان المسجد طويلا فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد في عرضه ولما أكمل البناء كتب على القبة مما يلى الباب القبلى أمر ببنائه بعد تشعيثه أمير المؤمنين عبد الملك سنة اثنتين وستين من الهجرة النبوية وكان طول المسجد من القبلة إلى الشمال سبعمائة وخمسة وستون ذراعا وعرضه أربعمائة وستون ذراعا وكان فتوح القدس سنة ستة عشر والله سبحانه وتعالى أعلم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المجاراة للعمارة البيزنطية

هل كان ضرورياً أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان يستطيع أن يبنيها بشكل أبسط وغير مكلف، ولكن إذا أمعنا النظر بالظروف التي أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبة وحللناها نجد أنه كان لا بد لأمير المؤمنين الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبني هذه القبة بهذا الشكل لإظهار عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظميين الفرس والروم. ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، كان السكان في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات، ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤية الحضارة البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسة القيامة في القدس الشريف وكنيسة المهد في بيت لحم. فما كان للخليفة الأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة محاكياً فيها العمارة البيزنطية ليبين ويثبت للسكان مدى وقوة الدولة الإسلامية الجديدة .

وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام 985م حينما وضحه أثناء مناقشته مع عمه (البناء) بخصوص العمارة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصه على لسان عمه ((.. ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة (القيامة) وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى ..)) . [3]

 
لافتة عبرية على مدخل قبة الصخرة

مراحل البناء

المرحلة الأولى

رسم دائرة قطرها 20.44 م حول جسم الصخرة البارز فوق سطح الأرض ، وتم وضع أربع دعائم على شكل مربع على محيط الدائرة، كما تم وضع ثلاثة أعمدة بين كل دعامة وأخرى، وهكذا يصبح مجموع الأعمادة اثني عشر عموداً وأربع دعائم موزعة بانتظام على محيط الدائرة التي تحيط بالصخرة المشرفة، وتم وصل هذه الأعمدة مع الدعائم بواسطة الأقواس على ارتفاعات واحدة، وبنيت فوق الأقواس حلقة دائرية عريضة تسمى بالعنق أو الإطار ليكون المحيط الذي ترتكز عليه قبتان من الخشب، إحداهما قبة صغيرة داخلية تطل عى الصخرة مباشرة، والأخرى فوق القبة الصغيرة وتطل على ساحة الحرم الشريف، وقد تم فتح 16 نافذة في الإطار الذي يحمل القبة من أجل دخول النور والهواء، وقد ارتفعت القواعد إلى الأعلى حتى تقوم بحمل القبتين.

 
The Dome of the Rock illustrated Jewish religious works as early as the 16th century

المرحلة الثانية

وهي تمثل مجموعة من الدعائم على شكل ثماني يحيط بالقبة المركزية، وقد تم توزيع الدعائم الثماني على زوايا المثمن، كما تم إقامة عمودين بين كل دعامتين، وبهذا يكون مجموع الأعمادة 16 عموداً تم وصلها مع الدعائم بواسطة الأقواس، وقد تم عمل هذه المرحلة الإنشائية لحمل السقف الذي يغطي المسافة بين القبة وبين الجدار الخارجي الذي يمثل المرحلة الثالثة من المخطط الهندسي.

المرحلة الثالثة

وهي تتكون من ثمانية جدران حجرية، تم تنظيمها على شكل ثماني خارجي يحيط بالمراحل السابقة، ويبلغ طول ضلع الثماني هذا 20.60م وتبلغ سماكة الجدار 1.30م بينما يبلغ ارتفاعه 9.5م وقد تم فتح أربع بوابات رئيسية ومحورية في أربعة جدران متقابلة تواجه الجهات الأربع، بينما تم فتح خمس نوافذ في كل جدار من الجدران الثمانية، وبهذا يكون مجموع النوافذ أربعين نافذة بالإضافة إلى الأبواب الرئيسية الأربعة.

المرحلة الرابعة

وكانت المرحلة الختامية في مجال الإنشاء المعماري ، وهي إقامة السقف الخشبي فوق المساحة الواصلة بين الجدران الخارجية حتى عنق القبة المركزية بحيث يستند على الأعمدة المتوسطة التي تتكون منها المرحلة الثانية، ويتكون السقف من الجسور الضخمة والعوارض الخشبية المسطحة، وبهذا تم تحديد المخطط الأرضي ومجسم البناء المعماري بحيث كانت وظيفة الدعائم والأعمدة والجدران لتحديد أبعاد المخطط وشكله الهندسي، بينما تم اعتماد بناء القبة والأقواس والجدران لتقوم بوظيفة حمل السقف الذي يغطي كافة المساحات حول الصخرة المشرفة بشكل دقيق ومحكم، ولعل هذا الأسلوب يذكرنا بإقامة خيمة أو صيوان بأسلوب هندسي رفيع، لقد تحدد في بناء قبة الصخرة ضبط كافة الأقسام والوحدات والعناصر المعمارية بشكل دقيق جداً، وظهرت لنا جميع النسب الهندسية متماثلة ودقيقة تدل على مهارة هندسية متناهية وذوق هندسي بديع. [4]

صورة بانورامية لمدينة القدس القديمة تحيط بقبة الصخرة

زخارف قبة الصخرة المشرفة

راجع المقال الفرعي زخارف قبة الصخرة المشرفة

الزخارف الرخامية

لقد استخدم الفنان المسلم المادة الرخامية في زخرفة قبة الصخرة المشرفة بشكل ملفت للنظر، حيث استخدمها في الأعمدة وتيجانها وفي تكسية الواجهات الداخلية والخارجية للتثمينة الخارجية وكذلك في تكسية الدعامات الحجرية، ولكن ثمة عنصر آخر شكله من المادة الرخامية أيضاً وهو الأفاريز الرخامية (الإطارات) التي علت الدعامات الحجرية المكسية بالرخام، وكذلك الواجهات الداخلية للتثمينة الخارجية، حيث جاءت هذه الأفاريز الرخامية المحفورة والمزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، متجانسة إلى حد كبير مع الزخارف الفسيفسائية من ناحية ألوانها وموضوعات زخرفتها. وقد عرف أسلوب عمل هذه الأفاريز الرخامية باسم (Champelve) ، حيث اشتهر في العصرين البيزنطي والأموي. وأن جميع هذه الأفاريز الرخامية الموجودة في قبة الصخرة المشرفة، لتعود إلى الفترة الأموية متزامنة مع تاريخ بنائها سنة 72هجرية/ 691 ميلادية .

ويجدر الإشارة أيضاً إلى الزخارف الخشبية التي جاءت أيضاً متجانسة في عناصرها وموضوعاتها مع الزخارف الفسيفسائية والرخامية في قبة الصخرة المشرفة.

الزخارف القاشانية

القاشاني هو ذلك الأجر المزجج والملون والذي يعرف في بلادنا بالبلاط الصيني. وقد استخدم لأول مرة في عمارة قبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قام باستبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية منذ العهد الأموي، بالبلاط القاشاني المزجج والملون وذلك في سنة 959هجرية/ 1552 ميلادية .

وقد عرف بالبلاط القاشاني نسبة إلى مدينة قاشان الواقعة في خراسان في بلاد فارس، حيث كان في بادئ الأمر يصنع في هذه المدينة وينقل بعد ذلك إلى البلاد المراد استخدامه فيها .

وإن القاشاني الذي استخدم في عمارة قبة الصخرة في عهد السلطان سليمان القانوني، كان قد صنع في قاشان ومن ثم نقل إلى القدس .

ولكن ما لبثت هذه الصناعة أن انتقلت في نهاية القرن السادس عشر إلى القدس وذلك عن طريق استقطاب صنّاع مهرة من بلاد فارس ليقوموا بتصنيع البلاط في القدس نفسها، فقد تعلمها الكثير من صنّاع أهل الشام وفلسطين فنقلوها إلى بلاد الشام بسرعة فائقة، حتى غدا هذا الفن منتشراً ومشهوراً في القرنين السابع والثامن عشر الميلادي في بلاد الشام .

وقد استطاع الفنان المسلم أن يجسد روح العقيدة الإسلامية أيضاً في هذا العصر الزخرفي وذلك باستخدامه مواضع مشابهة لتلك الموجودة في الزخارف الفسيفسائية بالداخل والتي تمثلت بالعناصر النباتية والهندسية والخط الإسلامي .

صحن قبة الصخرة المشرفة

المقصود بصحن قبة الصخرة هو الساحة الخارجية أو الباحة التي تحيط بمبنى قبة الصخرة، والتي ترتفع عن أرضية الحرم الشريف 12 قدم (4م). ويتوصل إليها عن طريق مراق (درج)، توجت بقناطر حجرية تتألف من مجموعة عقود حجرية تقوم على أعمدة رخامية عرفت باسم "الموازين". وقد أشار المقدسي إلى وجود أربع مراق في صحن الصخرة، حيث يقول في وصفه للمسجد الأقصى ما نصه (43) : ((.. والصحن مبلط – يقصد الحرم الشريف – وسطه دكة – يقصد فناء الصخرة – مثل مسجد يثري يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة ..)) وأما ابن الفقيه فقد أشار إلى وجود ست مراق تؤدي إلى صحن الصخرة .

فمن المحتمل أن تاريخ تأسيس وبناء هذه الموازين يعود للفترة الأموية حيث صممت لتفي بالغرض الجمالي والهندسي وهو مَلءُ الفراغ الموجود في صحن قبة الصخرة ليتجانس مع مخططها الهيكلي من جهة، وللغرض التوجيهي وهو الإشارة والدلالة إلى مداخلها من جهة أخرى.

يبلغ عدد هذه الموازين أو القناطر أو البوائك (جمع بائكة) ثمانية، حيث مرت هذه البوائك في مراحل ترميم مختلفة تراوحت بين الصيانة والترميم إلى إعادة بنائها من جديد. وقد وزعت في جهات صحن الصخرة الأربع على النحو التالي:

في الجهة الجنوبية اثنتان وهما : (صورة/ دليل الموقع 4-5) .

القنطرة الجنوبية ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري .

القنطرة الجنوبية الشرقية ويعود تاريخها إلى سنة 412 هجرية/ 1021 ميلادية.

وفي الجهة الشمالية اثنتان وهما: (صورة / دليل الموقع 5-7).

القنطرة الشمالية ويعود تاريخها إلى سنة 721 هجرية/ 1321 ميلادية.

القنطرة الشمالية الشرقية ويعود تاريخها إلى سنة 726هجرية/ 1325 ميلادية .

وفي الجهة الغربية ثلاثة وهي : (صورة / دليل الموقع 8 – 10)

القنطرة الغربية (المتوسطة) ويعود تاريخها إلى سنة 340 هجرية/ 955 ميلادية .

القنطرة الشمالية الغربية ويعود تاريخها إلى سنة 738هجرية/ 1337 ميلادية .

القنطرة الجنوبية الغربية ويعود تاريخها إلى سنة 877 هجرية/ 1472 ميلادية .

في الجهة الشرقية قنطرة واحدة وهي: (صورة /دليل الموقع 11)

القنطرة الشرقية ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي .

تقوم أيضاً على صحن الصخرة المشرفة مجموعة من القباب تعود تواريخ إلى فترات نشائها إإسلامية مختلفة ومتتابعة، كما تقوم في الجهة الشمالية لصحن قبة الصخرة مجموعة غرف صغيرة تعرف بالخلاوي (جمع خلوة) أقيمت في صف واحد، حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المسلمون والمحافظة على قبة الصخرة

راجع المقال الفرعي المسلمون والمحافظة على قبة الصخرة

القبة والعمارة الإسلامية

إن الأسلوب الهندسي لمخطط بناء قبة الصخرة يرتبط بأصول هندسية عربية الجذور منذ الفترة السابقة للإسلام ، ولعل المباني الثمانية الشكل التي ظهرت خلال القرنين الرابع والسادس الميلادي تؤكد أن بلاد الشام بصورة عامة ، وإقليم فلسطين بصورة خاصة قد مارست هذا الأسلوب ، وخاصة في المباني ذات الأهمية البالغة، مثل: كنيسة المهد القديمة، و كنيسة القيامة ، و كنيسة الصعود ، و كنيسة هبة الله في جبال جرزيم ، و كاتدرائية بصرى في منطقة حوران ، فهي تؤكد الجذور العربية لهذا المخطط الثماني.

أنظر أيضا

وصلات خارجية

مصادر

  1. ^ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الجزء الأول، ص188
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  3. ^ ويكيبديا
  4. ^ المركز الفلسطيني لإعلام