صالح بن عبد القدوس

صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي. وهو شاعر عباسي كان مولي لبني أسد. كان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الإخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.

مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره. قال المرتضى: (قيل رؤي ابن عبد القدوس يصلي صلاة تامة الركوع والسجود، فقيل له ما هذا ومذهبك معروف؟ قال: سنة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الولد!) وعمي في آخر عمره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاته

اتهم بالزندقة وقتل بها؛ قيل إن الخليفة المهدي العباسي قتله وقيل أيضاً أن هارون الرشيد قتله وصلبه على جسر بغداد.[1]


أسلوبه الشعري

يتميز شعره بنبرة تشاؤمية، ولا غرابة في ان يكون كذلك بالنسبة لانسان عاش في حقبة مليئة بالقلاقل السياسية، والاضطرابات الطبقية والخلافات العقائدية، وهو في مجمله امثال ومواعظ وحكم وعبر وتجارب حياتية تدور حول الترهيب من الدنيا وأحوالها، والآخرة وأهوالها، والزهد في العيش، والتقتير في المعيشة، والحث على التقوى زالصبر والمجاهدة ومحاسبة النفس وردعها عن الملذات، ومن سماته قوة وجزالة الألفاظ، وجمال التعبير، وروعة التصوير، والالتجاء الى المحسنات البديعية والقياس والنقارنة للتدليل على تيمتي الخير والشر، والعذاب يوم الحساب الى غير ذلك من الصفات والتوصيفات.

وقد ذكره الثعالبي في كتابه " لباب الآداب " وقال عنه : كل شعره حكم وأمثال ..

ويقول ابن الأثير في تاريخه: "كانت تلك التهمة في زمنه وسيلة للايقاع والانتقام" وقد اعدم العديد من الشعراء والمفكرين بتهم ظنية تقوم على الوشايات الكيدية الكاذبة .

" يروي ابن القارح في رسالته الى ابي العلاء المعري: "أحَضرَ - اي المهدي- صالح بن عبد القدوس واحضرَ النطْعَ (شبيه بكرسي الاعدام) والسيافَ، فقال صالح: عَلامَ تقتلني ؟!

فاخذ غفلته السيافُ فاذا راسه يتدَهدأُ على النطعِ ".

وفي هامش "رسالة الغفران" التي حققتها د. عائشة عبد الرحمن يذكر ان "المهدي" نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وُصلب بضعة ايام ثم دفن عام 778 . يظل سؤال بن عبد القدوس: علامَ تقتلني ؟! عالقاً في الاذهان وشاخصاً في صفحات التاريخ المشوهة والمخفية ليومنا هذا ليشكل ادانة قوية وفاضحة لكل عصور الاستبداد التي نهشت العقل والقلب والجسد ."

يقول عباس محمود العقاد: ّأن هذا الحكيم قد حوسب بقوله وقتل؛ لأنه درج منذ صباه على رأي في الدين لم يعدل عنه بعد بلوغ الشيخوخة كما قال مُتَّهِمُوهُ، فألزموه الحجة من كلامه؛ حيث قال في قصيدة أخرى من قصائد الحكمة:

لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه
إذا ارْعَوَى عاد إلى جهله كذي الضنى عاد إلى نكسه

وكان متهمًا بالزندقة، فنقل الوُشاة أحاديثَ زندقته إلى الخليفة المهدي، فقال له بعد أن مَثَلَ بين يديه: ألست أنت القائل:

والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يُوارَى في ثرى رَمْسه؟

فقال: بلى يا أمير المؤمنين! … فعاد الخليفة يقول: وهكذا أنت، لا تترك أخلاقك حتى تموت! وأمَر به فصُلِبَ ومات …

ومن أخبار الزندقة، التي قيل إنها نقلت عنه، أنه شُوهد يصلي صلاةً حسنةَ الركوع والسجود، فَسُئِلَ: ما هذا ومذهبك معروف؟! فلم ينكر ذلك المذهب، ولكنه قال: سُنَّةُ البلد، وعادة الجسد، وسلامة الأهل والولد …!

وهو القائل:

أنست بوحدتي ولزمت بيتي فتم الصفو لي ونما السرور
وأدَّبني الزمان فليت أني هُجِرْتُ، فلا أُزار ولا أزور
ولست بسائل ما عشتُ يومًا أقام الجند أم نزل الأمير؟

بل هو القائل كل كلام يحتاج إليه الفتى المنصوح من الشيخ الحكيم؛ ليعرف طريق الخلاص من المصير الذي صار إليه، بمنطق لسانه، بعد أن عرف كل ما عرف، وقال كل ما قال!

ولكنَّه القدر، كما قيل، يعمي البصر، وقد عمي ابن عبد القدوس وفقد بصره قبل أن يفقد حياته (سنة 167للهجرة) … ولعله — غفر الله له — قد عاش ومات مفترًى عليه؛ إذ ليس الافتراء على أمثاله بالعجيب ولا بالقليل!"

انتهى كلام العقاد.

قصائده

القصيدة الزينبية

تُنسب القصيدة الزينبية للإمام علي بن أبي طالب في عدة مصادر، بينما يرجح الكثير من رواة الشعر ومؤرخي الأدب نسبتها إلى الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، وإن وردت في ديونيهما معا مع تفاوت طفيف، أولا لورود اسم علي في ختام قصيدة غلي، وثانيا لورود أسماء لم تكن في عصره، كشخصية أشعب، الذي عاش بعده بقرن ونيف، والأكيد انها مجمعة من عدة مصادر أدبية، ولا نكاد نجزم أنها لشاعر واحد.[2]

وتقع القصيدة الزينبية في خمسة وستين بيتا، وسميت بالزينبية نسبة لمطلعها حيث يرد اسم زينب، ولا نعرف من هي زينب، وأن استخدم اللازمة شعراء آخرون.

صرمت حبالك بعد وصلك زينبُ والدهرُ فيه تصرمٌ وتقلب
نشرت ذوائبها التي تزهو بها سوداً ورأسُك كالثغامة أشيب
واستنفرت لما رأتك وطالما كانت تحن إلى لقاك وترغب
وكذاك وصلُ الغانيات، فإنه آلٌ ببلقعة وبرقٌ خلب
فدع الصبا، فلقد عداك زمانه وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشبابُ، فما له من عودةٍ وأتى المشيبُ، فأين منه المهرب
دع عنك ما قد كان في زمن الصبا واذكر ذنوبك، وابكها يا مذنب
واذكر مناقشة الحساب، فإنه لا بد يحصى ما جنيت ويكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه، وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دارٌ حقيقتها متاع يذهب
والليل، فاعلم، والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب
وجميع ما خلفته وجمعته حقاً يقيناً بعد موتك ينهب
تباً لدار لا يدوم نعيمها ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصيحة أولاكها برٌ نصوح للأنام مجرب
صحب الزمان وأهله مستبصراً ورأى الأمور بما تثوب وتعقب
لا تأمن الدهر الخئون، فإنه مازال قدماً للرجال يؤدب
وعواقب الأيام في لذاتها غصص يذلُّ لها الأعز الأنجب
فعليك تقوى الله، فالزمها تفز إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعته تنل منه الرضا إن المطيع له لديه مقرب
واقنع، ففي بعض القناعة راحةٌ واليأس عما فات، فهو المطلب
فإذا طمعت كسيت لثوب مذلة فلقد كسيَ ثوب المذلة أشعب
وتوق من غدر النساء خيانةً فجميعهن مكايدٌ لك تنصب
لا تأمن الأنثى حياتك إنها كالأفعوان يراع منه الأنيب
لا تأمن الأنثى زمانك كله يوماً، ولو حلفت يميناً تكذب
تغرى بلين حديثها وكلامها وإذا سطت فهي الصقيل الأشطب
وابدأ عدوك بالتحية، ولتكن منه، زمانك، خائفاً تترقب
واحذره، إن لاقيته متبسماً فالليث يبدو نابه إذ يغضب
إن العدو وإن تقادم عهده فالحقد باق في الصدور مغيب
وإذا الصديق رأيته متملقاً فهو العدو، وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئٍ متملق حلو اللسان، وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً ويروغ منك كما يروغ الثعلب
وصل الكرام وإن جفوك بهفوةٍ فالصفح عنهم والتجاوز أصوب
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المُقارنِ ينسب
إن الغني من الرجال مكرمٌ وتراه يرجى ما لديه ويرهب
ويبشُّ بالترحيب عند قدومه ويقام عند سلامه ويقربُ
والفقر شين للرجال، فإنه حقاً يهون به الشريف الأنسب
واخفض جناحك للأقارب كلهم بتذلل، واسمح لهم إن أذنبوا وذر الكذوب
فلا يكن لك صاحباً إن الكذوب يشين حراً يصحب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل نادٍ تخطب
واحفظ لسانك واحترز من لفظه فالمرء يسلم باللسان ويعطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به إن الزجاجة كسرها لا يشعب
وكذاك سر المرء إن لم يطوه نشرته ألسنة تزيد وتكذب
لا تحرصن، فالحرص ليس بزائدٍ في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب
ويظل ملهوفاً يروم تحيلاً والرزق ليس بحيلة يستجلب
كم عاجز في الناس يأتي رزقه رغداً ويحرم كيسٌ، ويخيب
وارع الأمانة، والخيانة، فاجتنب واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب
وإذا أصابك نكبةٌ فاصبر لها من ذا رأيت مسلماً لا ينكب
وإذا رميت من الزمان بريبةٍ أو نالك الأمر الأشق الأصعب
فاضرع لربك، إنه أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد وأقرب
كن ما استطعت عن الأنام بمعزلٍ إن الكثير من الورى لا يصحب
واحذر مصاحبة اللئيم، فإنه يعدي كما يعدي السليم الأجرب
واحذر من المظلوم سهماً صائباً واعلم بأن دعاءه لا يحجب
وإذا رأيت الرزق عز ببلدةٍ وخشيت فيها أن يضيق المذهب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا طولاً وعرضاً، شرقها والمغرب
ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي فالنصح أغلى ما يباع ويوهب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صل الكرام وإن رموك بجفوة

صِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوه نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ
في الرِّزق بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
وإذارُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ

المصادر

  1. ^ صالح بن عبد القدوس - الموسوعة العربية Archived 2018-02-21 at the Wayback Machine
  2. ^ "قصائد لها قصة : صالح بن عبد القدوس - القصيدة الزينبية". أنطولوجيا. 2017-09-21. Retrieved 2018-12-26.
  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بصالح بن عبد القدوس، في معرفة الاقتباس.