أبو الفضل الميداني

أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني معروف لدى قراء العربية بكتابه الشهير مجمع الأمثال والحكم، أضخم مجموعة للأمثال العربية القديمة تملكها المكتبة العربية في الوقت الحاضر وقد أصبح الكتاب ومؤلفه مترادفين فما يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر، ومع ذلك فإن الدراسات عن الميداني وكتابه قليلة نسبياً بين علمائنا المحدثين، ويكفي أن ندلل على ذلك بأن كتاب ((مجمع الأمثال)) لم يحظ حتى الآن بطبعة محققة تحقيقاً علمياً يشفي الغليل أو يبل الصدى بالرغم من ضخامة هذا الكتاب وغزارة مادته وأهميتها.

والميداني نسبة غلبت على كثير من العلماء عدا صاحب ((مجمع الأمثال)) نذكر منهم على سبيل المثال: محمد بن أحمد بن معقل الميداني[1]، وعباس بن سهل الميداني[2] وعلي بن محمد بن أحمد بن عبدالمؤمن الميداني[3]، ومحمد بن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالوهاب الميداني[4] وعبدالرحمن بن جامع بن غنيمة الميداني[5]. وهي نسبة إلى الميدان: اسم يطلق على عدة مواضع في البلاد الاسلامية أشار السمعاني إلى موضعين منها هما: ميدان زياد بنيسابور ومحلة الميدان في أصبهان[6]. وذكر ياقوت أنه اسم يطلق على أربعة مواضع ثم سرد سبعة مواضع بهذا الاسم هي: 1 - ميدان زياد محلة بنيسابور. 2 - الميدان محلة بأصبهان. 3 - ميدان اسفريس محلة بأصبهان. 4 - شارع الميدان محلة ببغداد. 5 - الميدان محلة بشرقي بغداد بباب الأزج. 6 - الميدان محلة بخوارزم. 7 - ميدان: مدينة بما وراء النهر في أقصاه قرب اسبيجاب[7].

وذكر ياقوت هذا الاسم مرة أخرى في كتابه ((المشترك وضعاً والمفترق صقعاً)) وقال إنه اسم لستة مواضع هي التي ذكرها في ((معجم البلدان)) مع اسقاط الموضع الأخير (رقم 7)[8]. وهناك غير هذه الأماكن المذكورة محلة ((الميدان)) في دمشق وينسب إليها عالم آخر هو شمس الدين محمد بن يوسف الميداني (توفي 1033هـ)[9]. وصاحبنا منسوب إلى ميدان زياد بن عبدالرحمن محلة من محال نيسابور، والقدماء غالباً ما يتبعون هذه النسبة بقولهم ((النيسابوري)) تمييزاً له عن المنسوبين إلى المواضع الأخرى وقد غلبت النسبة إلى الميدان عليه واشتهر بها حتى لا تكاد تنصرف إلى غيره في الوقت الحاضر. عاش الميداني حياته تحت ظلال الحكم السلجوقي في مدينة من أهم المدن الاسلامية ((نيسابور)) عين خراسان كما وصفها بذلك المأمون[10] وسرة خراسان وغرتها كما يقول الثعالبي[11] وهي مدينة اشتهرت بكثرة العلماء من مفسرين ومحدثين ولغويين، وما أكثر من نسب إليها منهم في كتب الطبقات والتراجم. وقد كانت مزدهرة إبان الحكم السلجوقي وقبله فقد كانت تقود الحركة العلمية في بلاد فارس جميعها، ويكفي أنها أول مدينة في الاسلام فتحت فيها مدرسة نظامية[12] ثم عجت بالمدارس[13] بل كانت في القرن الرابع الهجري أكبر مدن الشرق[14].

وليس لدينا ما يفيد عن تاريخ ولادة الميداني ولذا فمن الصعب الجزم بجميع عهود الملوك السلاجقة الذين أظله حكمهم، غير أننا نظن أنه أدرك طرفاً من عهد عضد الدين أبي شجاع ألب أرسلان (حكم من سنة 455- 465هـ/ 1063- 1072م) ومن المؤكد أنه عاصر عهد ملكشاه الأول (من سنة 465- 487هـ/ 1072- 1092م) ومن أتى بعده من الملوك السلاجقة حتى عهد معز الدين أبي الحارث سنجر (من 511- 552/ 1117- 1157م) الذي أدرك من عهده ما يقارب السبع سنوات (توفي الميداني سنة 518هـ) فيكون بهذا قد عاصر معظم ملوك السلاجقة الكبار[15].

ومن الممكن الافتراض أن الميداني قد أدرك طرفاً من عهد طغرل بك فيكون بذلك قد عاصر كل السلاجقة الكبار ونحن نبني هذا على واقعة ذكرها القفطي في إنباه الرواة (ط دار الكتب المصرية 1/121) عند ترجمته للميداني فهو يقول أنه – أي الميداني – قد كتب عن الإمام أبي الحسن علي بن فضّال المجاشعي النحوي القادم على نيسابور عند منصرفه من غزنة سنة سبعين وأربعمائة، فإذا افترضنا أن متوسط سن الميداني في ذلك الوقت الذي طلب فيه العلم على الإمام أبي الحسن هو عشرون سنة يكون قد ولد في حدود سنة 450هـ، ويكون قد أدرك ما يقارب خمس سنوات من أواخر عهد طغرل بك، أما إذا كانت سنه أكبر من ذلك فيكون قد أدرك سنوات أكثر من عهد طغرل بك. فإذا قرنا هذه الحادثة بما هو معروف من تخصص الميداني بصحبة الإمام الواحدي (وقد توفي الأخير في سنة ثمان وستين وأربعمائة) تؤيد ما ذكر من اشتغاله بطلب العلم في ذلك الوقت.

كانت الفترة التي عاشها الميداني من التاريخ فترة ضعف سياسي في الدولة الاسلامية ولكنها مع ذلك كانت فترة خصب فكري لا تقتصر على نيسابور أو خراسان وإنما تمتد إلى أرجاء الأقطار الإسلامية الأخرى ويكفي أن نعلم أن معاصري أبي الفضل الميداني كانوا من أجلة العلماء والأدباء والشعراء فمنهم جار الله الزمخشري العالم اللغوي الأديب النحوي المفسر (ت538/ 1144م) والزوزني شارح المعلقات (ت486هـ/ 1093م) والتبريزي شارح الحماسة والمعلقات (ت502هـ/ 1109م) والطغرائي صاحب لامية العجم (ت515هـ/ 1120م) والحريري صاحب المقامات واللغوي النحوي المعروف (ت522هـ/ 1138م) والشهرستاني صاحب الملل والنحل (ت548هـ/ 1153م) والجواليقي صاحب المعرب (ت539هـ/ 1145م) وغيرهم كثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معلموه

طلب الميداني العلم فيما يظهر في مدينة نيسابور ولا تذكر المصادر له رحلات في طلب العلم خارجها. ويبدو أن المدينة كانت مكتفية بما فيها من مشاهير العلماء، بل كان العلماء يفدون إليها من كل حدب وصوب. فتتلمذ على الإمام علي بن أحمد الواحدي (ت468هـ)[16] وكان إمام عصره في اللغة والتفسير وكان مختصاً بنظام الملك ملكشاه الأول[17]. وقد سمع الميداني منه التفسير وقرأ عليه النحو[18] واختص بملازمته. وكتب الميداني أيضاً عن الإمام أبي الحسن علي بن فضّال المجاشعي أثناء إقامته بنيسابور وهو من أشهر لغويي عصره وقد وصف بأنه من أوعية العلم، وقد انخرط أيضاً في سلك جماعة نظام الملك في أواخر أيامه[19].

وممن تلقى الميداني العلم عليهم يعقوب بن أحمد النيسابوري[20] كما أخذ عن علماء آخرين لا تذكر المصادر عنهم شيئاً وإنما تشير إليهم بإبهام كقول ابن خلكان: ((ثم قرأ على غيره))[21]. أي غير الواحدي، وكذلك يفعل القفطي في ((إنباه الرواة))[22].

تصدر الميداني بعد ذلك للتدريس في نيسابور وتتلمذ عليه كثيرون، وأجاز في مسموعاته وتخرج به خلق ومنهم من كان من العلماء المشاهير كالإمام أحمد بن علي بن أبي صالح البيهقي المعروف بأبي جعفرك[23] وقد كان إماماً في القراءات والتفسير والنحو واللغة[24] وقد قرأ على الميداني كتاب ((الصحاح)) للجوهري وحفظه عن ظهر قلب[25] وله مؤلفات منها ((تاج المصادر)) والمحيط ((بلغات القرآن)) و ((ينابيع اللغة)). وله تلاميذ كثيرون وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة.


تلاميذه

ومن تلاميذ الميداني ابنه ((سعيد بن أحمد الميداني)) وكان عالماً فاضلاً وسار على منوال أبيه في التعلم والتعليم حتى قال عنه البيهقي في ((وشاح الدمية)): وهذا الإمام تأدب بآداب أبيه اللائحة، واجتهد في سلوك سبيله الواضحة، حتى تحقق فيه قول القائل: ما أشبه الليلة بالبارحة))[26] – غير أن السمعاني – وكان قد سمع منه – يشير إلى أن سعيداً لا يبلغ في درجته العلمية منزلة أبيه إذ يقول: ((كان فاضلاً ولا كأبيه، مرعى ولا كالسعدان))[27]. وقد صنف كتاب ((الأسمى في الأسما)) على غرار كتاب أبيه ((السامي في الأسامي))، وكتاب ((غرائب اللغة))، و ((نحو الفقهاء))[28].

اشتهر الميداني في عصره وبعد عصره بالعلم والأدب وكانت له منزلة عظيمة عند العلماء، نأخذ هذا مما تكتبه عنه كتب التراجم من صفات الإكبار والإجلال مما يدل على منزلته العلمية العالية، فقد وصفه القفطي بأنه ((إمام أهل الأدب في عصره، وقد اشتهر بأدبه وعرف في البلدان بتصانيفه الحسان))[29]. وقال عنه البيهقي في ((وشاح الدمية)): ((الإمام صدر الأفاضل أحمد بن محمد الميداني، صدر الفضلاء وقدوة الأدباء، قد صاحب الفضل في أيام نفد زاده، وفنى عتاده، وضاعت عدته، وبطلت أهبته، فقوّم سناء العلوم بعدما غيّرتها الأيام بصروفها، ووضع أنامل الأفاضل على خطوطها وحروفها، ولم يخلق الله فاضلاً في عصره إلا وهو في مأدبة آدابه ضيف، وله من بابه شتاء وصيف))[30].

ووصفه الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) بالنحوي الأصولي صاحب التصانيف[31]، وقال عنه الخوانساري في ((روضات الجنات)): ((كان من أرباب الفضل والأدب المشاهير، فاضلاً عارفاً باللغة صاحب التصانيف المفيدة فيها وفي غيرها))، وقال عنه السمعاني: ((كان أديباً فاضلاً عارفاً بأصول اللغة))[32]. وكذلك وصفه ابن خلكان[33]، وابن الأنباري[34]، والسيوطي[35]. وأكثر الكتب التي ترجمت له وصفته بالأديب اللغوي النحوي فتشير بذلك إلى مجال اختصاصه وفيه أكثر مؤلفاته. غير أن بعض المصادر تذكر أنه سمع الحديث ورواه فهو أيضاً من المحدثين. وبما أنه تتلمذ على الواحدي الإمام المفسر وأخذ عنه التفسير كما روى ذلك القفطي (إنباه: 1/121) فلعله قد اشتغل بتفسير القرآن في حلقات درسه. وقد أثرت له بعض المقطوعات الشعرية في بعض المصادر وهي في مجموعها لا تتعدى أربع مقطوعات يتفق في إيرادها كل من ياقوت في معجمه والقفطي في إنباه الرواة. ويبدو أن السبب في ذلك أن كلاً منهما قد استقى معلوماته من أبي الحسن البيهقي في كتابه ((وشاح الدمية))، ومن عبدالغافر بن إسماعيل في كتابه ((السياق)). وأول هذه المقطعات بيتان كان يرددهما الميداني كما يقول ابن خلكان[36]، ويظن أنهما له، بينما يجزم عبدالغافر بن إسماعيل وكذلك البيهقي بنسبتهما له[37] وهما: تنفس صبح الشيب في ليل عارض فقلت: عساه يكتفي بعذارى[38] فلما فشا عاتبته فأجابني: ألا هل ترى صبحاً بغير نهار ؟ ومن المقطعات التي تروى له قوله: حننت إليهم والديار قريبة فكيف إذا سار المطي مراحلا وقد كنت قبل البين – لا كان بينهم – أعاين للهجران فيهم دلائلا وتحت سجوف الرقم أغيد ناعم يميس كخوط الخيزرانة مائلا[39] وينضو علينا السيف من جفن مقلة يريق دم الابطال في الحب باطلا وتروي له المصادر أيضاً هذين البيتين: شفة لماها زاد في آلامي في رشف ريقتها شفاء سقامي قد ضمّنا جنح الدجى، وللثمنا صوت كقطك أرؤس الأقلام[40] ورابع هذه المقطعات التي يرويها مترجموه هي قوله في وصف كاذب: يا كاذباً أصبح في كذبه أعجوبة أية أعجوبه وناطق ينطق في لفظة واحدة سبعين أكذوبه شبّهك الناس بعرقوبهم لما رأوا أخذك أسلوبه فقلت: كلا إنه كاذب عرقوب لا يبلغ عرقوبه[41]

ولم اطلع على شعر له أكثر من هذا في كتب التراجم التي بين يدي، ولاشك أن ما ذكرناه لا يمثل إلا النزر القليل من شعره، فقد ذكر القفطي أن له شعراً كثيراً[42]. ولسنا نعلم إذا كان شعره قد جمع في ديوان أم لا، وإذا كان قد جمع فلعله فقد مع ما فقد من كتبنا القديمة. وشعره كما يبدو من هذه النماذج من النوع السهل الذي يعتمد على المحسنات البديعية وهو لا يشذ عن الطريقة التي سار عليها الشعراء في عصره ولكنه مع ذلك قليل التكلف وظاهر المرح. وقد روى القفطي لابنه سعيد قطعة جيدة من الشعر، مما يدل على أن ابنه قد سار على منواله حتى في قرض الشعر[43].

عاش الميداني حياته في نيسابور وتدل مقدمات كتبه على أنه كان على اتصال ببعض وجهاء عصره ولعل منهم من تتلمذ عليه كعلي بن مسعود بن إسماعيل الذي أهدى إليه كتابه السامي في الأسامي وقد وصفه بـ((الشيخ العميد الأجل الأعز ثقة الملك، شمس الكتاب أبي البركات)) ثم عقب مع ذلك بعد الدعاء له بقوله ((وهو أدام الله حراسته صدر جريدة المختلفة إلى، وفارس مضمار الواردة على، بل هو الحسام جلاه صِقل طبعيُّ فاخلصه، والغمام انشأه نوء فضلي فانشصه فهو اليوم قرة عيني، وفلذة كبدي وأعز عليّ من نفسي وولدي))[44]. من هؤلاء الوجهاء محمد بن أرسلان الذي أشار عليه بتأليف ((مجمع الأمثال))[45] وأبو الحسن علي بن محمد الفنجكردي وقد حضَّه على إتمام كتاب ((السامي في الأسامي))[46]. ومما يجدر ذكره أن الميداني قد وصف بأنه عاش حياته من كسب يده[47] ولا ندري إذا كان يمارس مهنة غير التعليم إذ تصمت المصادر عن ذكر أيِّ مهنة له غير التعليم. وتجمع المصادر على أنه توفي رحمه الله في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة[48]، في يوم أربعاء[49]. ولا يشذ عن هذا الاجماع إلا صاحب كتاب ((الفلاكة والمفلوكين)) فإنه يؤرخ لوفاته بسنة تسع وثلاثين وخمسمائة[50] وواضح أنه خلط بين وفاته وبين وفاة ابنه أبي سعد سعيد الذي تؤرخ أكثر المصادر لوفاته بهذه السنة[51].

آثاره

تقبل الوسط العلمي الاسلامي مؤلفات الميداني بقبول حسن، وأثنى عليها العلماء. ووصفوه بأنه صاحب التصانيف الحسنة[52]، والمفيدة[53] وأطرى القفطي طريقته في التأليف فقال: ثم أخذ في التصنيف فأحسن كل الإحسان فيما جمعه وصنفه وأربى على من تقدم بالترتيب والتحقيق، واستدرك على بعض من زلَّ قبله من المصنفين وأصلح مواضع الغلط))[54]. وقد عالجت معظم مؤلفات الميداني – إن لم يكن كلها – اللغة، وقد كان بعضها تعليمياً صرفاً مثل كتاب ((الهادي للشادي)) الذي يؤخذ من اسمه أنه دليل للمبتدئ في النحو، ويذكر ابن الأنباري أن الزمخشري قد اعترض على هذه التسمية وقال للميداني: ((كيف سميت هذا الكتاب مع نفاسته وغموض معانيه ودقتها بهذا الإسم ؟، فإن الشادي من أخذ طرفاً من العلم، وهذا الكتاب لا يليق إلا بمن كان منتهياً، لا مبتدئاً))[55]. وقد وصف الخوانساري هذا الكتاب بأنه ((كتاب في مداليل الأدوات وطرق استعمالها، وفيه أيضاً أبواب متفرقة من العربية وفوائد نادرة جمة على صغر حجمه))[56]. وذكر أن هذا الكتاب قد شرحه عبدالوهاب الزنجاني صاحب ((متن التصريف)) المعروف بتصريف العزي[57]. ولا يزال هذا الكتاب مخطوطاً ومحفوظاً – طبقاً لما أورده بروكلمان – في مكتبتي ليدن وباريس[58]. ومن تلك الكتب التعليمة كتاب ((نزهة الطرف في علم الصرف)) وهو رسالة صغيرة طبعت في استانبول[59]، ومنها كتاب ((النحو الميداني)) وقد أورده حاجي خليفة باسم كتاب ((الأنموذج)) في النحو[60] وكذلك فعل الخوانساري[61]، أما ياقوت فيجعلهما كتابين مستقلين وتبعه – فيما يبدو – كاترمير Quatremere ولعلهما كذلك[62]. وتوجد من هذا الكتاب نسختان في مكتبتي ليدن وباريس[63]. ومن تلك الكتب أيضاً كتاب ((المصادر)) ذكره الخوانساري وحاجي خليفه[64]. ومنها كتاب ((شرح المفضليات)) وهو كتاب اختلف في موضوعه فرأى كاترمير أنه شرح لمجموعة المفضليات الشعرية المشهورة المنسوبة للمفضل الضبي[65] غير أن حاجي خليفة يشير إلى أن المقصود بذلك إنما هو أسماء التفضيل[66]. ويظهر أنه كتاب يدور حول باب التفضيل في النحو وليس له علاقة بمجموعة المفضليات الشعرية. إذ إن الميداني كان مهتماً بالنحو كثيراً وفي أغلب مؤلفاته. ومن كتب الميداني التي استهدفت اللغة أيضاً كتاب ((قيد الأوابد من الفوائد)) وهو كتاب رد فيه على الجوهري في صحاحه ودل على بعض مواضع سهوه، وقد اشتهر الميداني بالتحقيق والتدقيق يدل على ذلك قول القفطي الذي ذكرناه آنفاً من أنه – أي الميداني – ((قد أربى على من تقدم بالترتيب والتحقيق واستدرك على بعض من زل قبله من المصنفين وأصلح مواضع الغلط))[67].

وأشار إلى ذلك البيهقي في ((الوشاح)) إذ قال: ((فقوم سناد العلوم بعدما غيرتها الأيام))[68]. ويبدو أن الميداني قد اشتهر أيضاً بتدريس كتاب ((الصحاح)) للجوهري وأصبح مرجعاً فيه فكان التلاميذ يأتون إليه لدراسة هذا الكتاب. ففي ترجمة تلميذه أبي جعفرك يقول ياقوت: ((حفظ كتاب الصحاح في اللغة عن ظهر قلب بعدما قرأه على أبي الفضل أحمد بن محمد الميداني))[69]. ويقول علي بن زيد البيهقي في ترجمته لنفسه: ((ثم حضرت درس الإمام الفاضل أحمد بن محمد الميداني في محرم سنة عشرة وخمسمائة وصححت عليه كتاب السامي في الأسامي من تصنيفه وكتاب المصادر للقاضي الزوزني.... ومجمع الأمثال من تصنيفه وكتاب صحاح اللغة للجوهري))[70] وقد استفاد الميداني في نقده لكتاب الجوهري من كتاب ((تهذيب اللغة)) للأزهري[71]. ولا زال هذا الكتاب مخطوطاً في مكتبة برلين تحت رقم 6942[72]. ومن كتب الميداني أيضاً كتاب ((مأوى الغريب ومرعى الأديب)) ذكره حاجي خليفة[73]. وكتاب ((منية الراضي برسائل القاضي))[74] وهو مجموعة من رسائل قاضي هراة المنصور بن الأزدي الهروي[75]. ومن كتب الميداني التي اشتهرت كتاب ((السامي في الأسامي)) وهو معجم عربي – فارسي وقد جعله أربعة أقسام تندرج تحتها فصول. وهذه الأقسام هي:

  • القسم الأول: في الشرعيات وما يناسبها.
  • القسم الثاني: في الحيوانات وما ينضاف إليها.
  • القسم الثالث: في العلويات.
  • القسم الرابع: في السفليات.

وقد أقبل العلماء على هذا الكتاب أيما إقبال، وقدروه حق قدره وقرظوه شعراً ونثراً ويلخص لنا هذا الاقبال الخوانساري عندما تحدث عن هذا الكتاب إذ قال: ((بديع النسق والأعمال، جيد في بابه قلما يوجد من غير مصادر الدقة العربية اسم عربي لم يعرف فيه بالفارسية القديمة على أحسن وأمتن تبيان.. ... وقد بالغ في وصف هذا الكتاب كثير من أصحابنا في إجازاتهم واعتنوا في النقل عنه في مواضع الحاجة كثيراً، وناهيك به مبيناً لأرباب الكتابة والشعر ونقاد الكلام من النظم والنثر، وقد كتب بعضهم في كشف رموز هذا الكتاب ووصف غموضه كتاباً سماه بالإبانة عندنا نسخة منه. وهو من أهم اللوازم لمن أراد الانتفاع بالسامي في الحقيقة))[76]. وممن قرظه شعراً أسعد بن محمد المرساني (؟) إذ قال: هذا الكتاب الذي سماه بالسامي دَرْج من الدر، بل كنز من السام ما صنفت مثله في فنه أبداً خواطر الناس من حام إلى سام فيه قلائد ياقوت مفصلة لكل أروع ماضي العزم بسام فكعب أحمد مولاي الامام سما فوق السماكين من تصنيفه ((السامي))[77] أنهى الميداني هذا الكتاب في 14 رمضان سنة سبعة وتسعين وأربعمائة (11 يونيه 1104م) ويوجد في عدة مخطوطات في مكتبات عديدة[78]. وقد طبع لأول مرة على الحجر في إيران سنة 1273 مع مجموعة تشمل ((سر الأدب في مجاري لغة العرب)) للثعالبي، و ((فروق اللغات)) للجزائري، وشرح قصيدة كعب بن زهير ((بانت سعاد)) للتبريزي، وحقق الكتاب أخيراً الدكتور محمد هنداوي، ولم أستطع الحصول على نسخة من هذه الطبعة.

كتاب مجمع الأمثال

مجمع الأمثال هو أهم كتب الميداني وعليه تنبني شهرته، ويرتبط به اسمه كثيراً حتى إذا ما ذكره مترجموه قالوا: صاحب ((الأمثال))[79]، أو صاحب كتاب الأمثال[80]. تمييزاً له عن غيره وتعريفاً له بكتابه الشهير، وفي مجمع الأمثال أودع الميداني معرفته وعلمه الغزير في اللغة العربية والأدب، وأظهر شخصيته العلمية المتميزة. وتذكر المصادر أن شيئاً من التنافس قد حدث بينه وبين معاصره جار الله الزمخشري بسبب تأليف هذا الكتاب، فقد قيل إن الزمخشري عندما رأى كتاب الميداني ((مجمع الأمثال)) وجده أحسن ترتيباً من كتابه ((المستقصى في أمثال العرب))، فندم على تأليف المستقصى ولم يكتف بذلك بل أنه عمد إلى اسم الميداني فزاد به قبل الميم نوناً فصار ((النميداني)) ومعناه في الفارسية: ((الذي لا يعرف شيئاً)). ويقال إن الميداني، ردّاً على هذا العمل، قام بتغيير اسم الزمخشري وذلك باسقاط الميم منه وإبدالها نوناً حتى صار ((الزنخشري)) ومعناه – في زعمهم – ((بائع زوجته))[81]. وإذا صح أن يكون معنى النميداني في الفارسية هو ((الذي لا يعرف شيئاً)) فإن معنى كلمة ((الزنخشري)) لا تعني ((بائع زوجته)). وقد علل كاترمير هذا الخطأ بأن العلماء الذين أوردوا هذه اللفظة كانوا متضلعين بالعربية أكثر من تضلعهم بالفارسية، فخلطوا بين ((زن)) بمعنى امرأة في الفارسية، وبين كلمة ((شرى)) بمعنى باع في العربية[82].

وفي قصة أخرى يشير حاجي خليفة إلى أن الزمخشري قد أعجب بكتاب ((مجمع الأمثال)) للميداني، وندم على تأليف كتابه المستقصى[83]. وقد مرَّ بنا إعجاب الزمخشري بكتاب الميداني الآخر المسمى بـ((الهادي للشادي)) ولعل قصة تغيير الاسم تندرج تحت الفكاهة والمزاح أكثر من أي شيء آخر ونجد لذلك دليلاً في رد الميداني على الزمخشري برسالة له بعد تلك الحادثة إذ قال: ((... إذا رجعت وقبلنا عذرك وهذه فكاهة لا تليق بالمشايخ))[84].

كانت الفترة التي عاش فيها الميداني من حيث حركة تدوين الأمثال فترة جمع للتراث العظيم الذي ألفه الاخباريون واللغويون القدماء في هذا الحقل. كما كانت فترة غلب عليها التأليف في الموسوعات. وكان كتاب الميداني أحد هذه الكتب الموسوعية الضخمة، ومن هنا تأتي أهميته لدارس الأمثال العربية القديمة. فقد استوعب جل – إن لم يكن كل – المؤلفات العربية التي سبقته في جمع الأمثال وأكثر هذه المؤلفات التي استوعبها، ضاعت مع ما ضاع من مصادرنا القديمة فلم نعد نعرف عنها غير أسمائها. وقد ذكر الميداني – في مقدمة مجمع الأمثال – أنه رجع إلى أكثر من خمسين كتاباً في الأمثال وذكر لنا أهم هذه المجموعات التي اعتمد عليها وهي – حسب الترتيب الزمني – كالآتي:

1- مجموعة أبي عمرو بن العلاء (ت145هـ/ 770م)[85].
2 - مجموعة المفضل ابن يعلى الضبي (ت170هـ/ 786م)[86].
3 - مجموعة أبي فيد مؤرج السدوسي (ت195هـ/ 809م)[87].
4- مجموعة أبي عبيدة معمر بن المثنى (ت210هـ/ 825م)[88].
5 - مجموعة أبي زيد الأنصاري (ت215هـ/ 830م)[89].
6 - مجموعة الأصمعي (عبدالملك بن قريب) (ت حوالي 216هـ/ 831م)[90].
7 - مجموعة أبي عبيد القاسم بن سلام (ت حوالي 223هـ/ 837م)[91].
8 - مجموعة المفضل بن سلمة الضبي (كتاب الفاخر) (ت290هـ/ 903م)[92].
9 - مجموعة حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت360هـ/ 970م)[93].

وهو يشير إلى أنه اعتمد – فيما يختص بقصص الأمثال – على أعمال كل من عبيد بن شرية وعطاء بن مصعب والشرقي بن القطامي، ومع ذلك فإن ما ذكره الميداني – في مقدمة كتابه – من أسماء ومراجع لا تُكوِّن إلا النزر القليل من عشرات اللغويين والنحويين والرواة الذين يشير إليهم في تضاعيف مجمع الأمثال[94]. وقد لاحظ زلهايم Sellheim أن الميداني لم يذكر أبا هلال العسكري صاحب كتاب الأمثال ولا أبا عبيد البكري صاحب كتاب فصل المقال في شرح كتاب الأمثال كمصدرين من مصادره[95].

منهج الميداني في مجمع الأمثال: قسم الميداني كتابه إلى ثمانية وعشرين باباً حسب الأبجدية العربية ثم ألحق بهذه الأبواب بابين أحدهما يحوي قائمة بأيام العرب في الجاهلية والاسلام والثاني يضم حكماً ووصايا منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وبعض الصحابة والتابعين والسلف. والكتاب في هيكله العام يضم مجموعتين من الأمثال:

  • الأولى: الأمثال القديمة.
  • الثانية: الأمثال المولّدة.

ويدخل تحت المجموعة الأولى أمثال جاءت على وزن أفعل التفضيل مثل قولهم: أجرأ من أسد وما إلى ذلك يفردها الميداني في أبواب ((داخلية)) يقدم لها بقوله: ((ما جاء على أفعل من هذا الباب)).

وعلى الرغم من شعور الميداني بأن الأمثال القديمة يجب أن تفرد عن الأمثال المولدة إلا أنه لم يلتزم ذلك بدقة. فقد تخللت الأمثال القديمة بعض الأمثال المولدة وخاصة في القسم الذي خصص للأمثال على وزن افعل فإن من تلك الأمثال مالا يعود إلى عصور العرب القديمة وإنما هو نتاج عصور تالية. يدل على ذلك أن تلك الأمثال إما أن تكون منسوبة إلى شخصيات عباسية أو تتحدث عن حوادث تمت في العصر العباسي[96]، ومع ذلك فإننا يمكن أن نعزو كثيراً من الاختلاط الذي حدث بين الأمثال القديمة والمولدة إلى النساخ. وطريقة الميداني في عرض مادته تتلخص في أن يذكر المثل ثم يتبعه بشرح وفي بعض الأحيان بذكر الحادثة التي أدت إلى ضرب هذا المثل، وكثير من هذا القصص المرتبط بالأمثال خيالي يقصد منه تفسير المثل واثبات أصله[97]، ولكنه مع ذلك يعطي صورة واضحة لحياة وأفكار وعادات وتقاليد المجتمع الذي ظهر منه وشاع فيه.

وكثير من أمثال الميداني منسوب إلى قائلين معينين، ونسبة الأمثال إلى قائلين معينين كانت – ولا زالت – موضع شك بين الباحثين الذين يرون أن هذه الأمثال قد وضعت وضعاً في أفواه قائليها كما حدث لكثير من أمثال الأمم الأخرى ولعل من أوضحها كتاب الأمثال المنسوب إلى سليمان الحكيم في العهد القديم[98]. ويبدو لي أن هذا الحكم ربما احتاج بعض التعديل بالنسبة للأمثال العربية لعدة أسباب: 1 - إن ما حدث لكتاب الأمثال الموجود في العهد القديم لا يعني بالضرورة أن يحدث للأمثال العربية. 2 - إن دراستنا قد أظهرت أن معظم الأمثال التي اقترضها العرب من الأمم الأخرى قد ظلت بدون نسبة إلى قائلين معينين، ولو كان من عادة الرواة والمؤلفين العرب إيجاد قائلين للأمثال لما عجزوا عن الصاق هذه الأمثال بشخصيات معينة. وما وجدناه من الأمثال العربية القديمة منسوباً للقمان ثم وجد عند أمم أخرى مضافاً إلى شخصيات أخرى فإن هذا يعني أن لقمان وخاصة بعد الاسلام قد أصبح شخصية حكيمة أضيفت إليها جميع الحكم التي وردت إلى العرب من أمم أخرى وذلك بعد أن أكد القرآن الكريم حكمته في سورة من سوره. ولعل أكثر هذه الحكم قد دخل إلى العرب في فترة متأخرة حينما اتصلوا بالحضارات الأجنبية واستفادوا من التراجم المختلفة. 3 - إن ما نسب من أمثال الأمم الأخرى إلى شخصيات عربية إنما أضيف إلى قوم لا يستبعد أن يكون لهم اتصال بالأمم والثقافات الأخرى. مثال ذلك التي وجدت عند احيقار الحكيم الأشوري ثم وجدناها مضافة إلى ابجر بن جابر العجلي أو هند بنت النعمان بن المنذر. وكلا الشخصيتين كانتا على اتصال وثيق بالحضارة الآرامية لأن كلاً منهما كان مسيحياً. فلا يبعد أن يتلفظ أحدهما بمثل آرامي يلتقطه منه الناس على أنه من صنعه ثم ينسبونه إليه فيما بعد. وهذا يعني أن جامعي الأمثال العربية لم يكونوا مخطئين دائماً عندما ينسبون أمثالاً إلى أشخاص معينين.

وكثيراً ما يشرح الميداني الألفاظ الصعبة في الأمثال. وفي هذه الحال نجده يمتح من ينابيع اللغويين الذين سبقوه في التأليف وكثيراً ما يؤيد ذلك بآرائه الشخصية، فإن المقدرة العظيمة التي كان الميداني عليها في معرفة اللغة العربية لا تعود إلى معلوماته الواسعة بآراء من سبقوه من اللغويين وحسب، وإنما تعود إلى حكمه الشخصي واجتهاده ونقده واقتراحاته فيما يخص بعض الألفاظ أو التراكيب، وهو كثيراً ما يلجأ إلى دراسة تركيب الكلمة وما يدل عليه اشتقاقها الأصلي حتى يصل إلى شيء يرجحه ويرتاح له. مثال ذلك تفسيره الشخصي لكلمتي أبدح ودبيدح في المثل: ((أخذه بأبدح ودبيدح)) إذ يقول: ((قلت: تركيب هذه الكلمة يدل على الرخاوة والسهولة والسعة مثل: البداح للمتسع من الأرض ومثله: تبدحت المرأة إذا مشت مشية فيها استرخاء فكأن معنى المثل: ((أكل ماله بسهولة من غير أن يناله نصب))[99]. ومن تلك التفسيرات التي تعتمد على ملاحظة ((تركيب)) الكلمة تفسيره للمثل: ((جاء بأم الربيق على أُريق)) إذ يقول: ((قلت: هذا التركيب يدل على شيء يحيط بالشيء ويدور به كالربقة، وربقت فلاناً في هذا الأمر أي أوقعته فيه حتى ارتبق وارتبك، فكأن أم الربيق داهية تحيط وتدور بالناس حتى يرتبقوا ويرتبكوا بها))[100].

أما عن نقده لمن سبقوه من العلماء فإننا نجده يوجهه – في الغالب – إلى شخصيتين من المؤلفين أحدهما: حمزة بن الحسن الأصفهاني صاحب كتاب ((الأمثال على أفعل)) الذي استوعبه الميداني في كتابه. والشخصية الثانية هي شخصية الإمام إسماعيل بن حماد الجوهري مؤلف كتاب ((الصحاح)). وقد مرَّ بنا أن الميداني قد ألف نقداً لهذا الكتاب أسماه: ((قيد الأوابد من الفوائد)). ونقد الميداني هادئ رزين موضوعي لا يجرح ولا يعنف وكثيراً ما يتبع اسم الشخص المنتقد بالدعاء له. وكمثال على هذا النقد نأخذ تعقيبه على حمزة عند شرحه لمثل: أَحَنُّ مِن شارِفْ.: ((الشارف: الناقة المسنة وهي أشد حنيناً على ولدها من غيرها، قلت: كذا أورده حمزة رحمه الله: حنيناً على. والصواب حنيناً إلي أو حناناً على إن أراد العطف والرأفة[101]. وزيادة على ما يورده من قصص وشروح لأمثاله كثيراً ما يتبع الشرح بجمل قصيرة يريد منها تبيين مغزى المثل ومضربه مثل قوله بعد شرح المثل: عند جهينة الخبر اليقين: ((يضرب في معرفة الشيء حقيقة))[102]. وفي بعض الأحيان تَقْصُر هذه الجمل عن المغزى الحقيقي للمثل. أو تتناول جانباً جزئياً منه مثال ذلك تعليقه على المثال: ((عصبه عصب السلمة)) إذ قال: ((يضرب للبخيل يستخرج منه الشيء على كره))[103]. وواضح أن قصر مغزى المثل على حالة البخيل ليس له ما يبرره. وإنما هو يضرب في المعاملة الشديدة الصارمة تجاه الآخرين سواء كانوا بخلاء أو غير ذلك.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدراسات العلمية حول مجمع الأمثال

تركزت معظم أعمال الدارسين – منذ القرن السابع عشر الميلادي – حول كتاب الميداني في محاولات متكررة لتحقيقه ونشره. ففي أوروبا أصبح من المتفق عليه بين الباحثين أن أول من فكر في نشر نص الميداني بأكمله هو المستشرق الإنجليزي ((إدوارد بوكوك Edward pocock (1604م- 1691)). وقد أعد بوكوك نسخة مزودة ببعض الشروح باللاتينية غير أن محاولته توقفت بموته فذهبت مخطوطته إلى مكتبة بودليان Bodlian في اكسفورد[104].

وقد قامت بعد بوكوك عدة محاولات لنشر الكتاب منها محاولة جون جاكوب رايسكه J. jakob Reiske (1716- 1774م) الذي كان من أكثر محبي الميداني تحمساً. ولكنه اضطر لضغط بعض الظروف المادية إلى تأجيل مشروعه الكبير لنشر مجمع الأمثال مكتفياً بنشر مجموعة مأخوذة من الميداني تضم أمثالاً تتعلق بالعصا. وذلك في سنة 1758م في مدينة لايپزج [105]. ومن الأوربيين الذين فكروا في نشر كتاب الميداني المستشرق شيديوس E. Sheidius الذي حاول نشر كل الكتاب ولكن مشروعه ما لبث أن فشل وبدلاً منه أصدر مجموعة صغيرة من أربع وعشرين صفحة مأخوذة من الميداني[106]. وفي سلسلة المحاولات المتكررة لنشر مجمع الأمثال، انتسخ هـ. أ. شلتنز H. A. Schultens (1749- 1793م) ترجمة بوكوك وشرحه للكتاب عندما سافر إلى اكسفورد عام 1772م. ثم نشر في السنة التالية مقتطفات منه ولكن أمله في نشر الكتاب كاملاً لم يتحقق.

وقد اجتذب مجمع الأمثال مجموعة أخرى من الدارسين من المستشرقين أمثال: ن. ج. شرودر N. G. Schroeder تلميذ شلتنز[107]، وروزنملر Rosenmuller[108] وشيد Scheid[109] وس. د. ساسي[110]S. de Sacy وكنكل Kunkel[111] وكاترمير الذي نشر أجزاء من ترجمته لمجمع الأمثال في المجلة الآسيوية Nouveau Journal asiatique, (1828) I- 177 ff (Janvier 1838, p. 21I وهابشيت Habicht[112] ولكن جهود هؤلاء جميعاً لم تكلل بالنجاح.

غير أن أول من استطاع أن يفوز بنشر مجمع الأمثال كاملاً هو العالم الألماني ج. و. فريتاج G. W. Freytag الذي نشر النص العربي للأمثال متبوعاً بترجمة لاتينية لشرح الميداني في ثلاث مجلدات ظهر أولها في بون سنة 1838م تحت عنوان: Arabum Proverbia وثانيها سنة 1839م وثالثها سنة 1843.

لقد أسقط فريتاج نص شرح الميداني العربي، واكتفى بترجمة هذا الشرح إلى اللاتينية بتصرف كبير، وقد أخل ذلك بقيمة الكتاب بعض الشيء ولكنه مع ذلك عمل جليل جعل كتاب الميداني يصل إلى أيدي الدارسين في أوروبا بسهولة ويسر. وقد أصبح كتاب فريتاج الآن أحد المصادر ((الكلاسيكية)) التي ينظر إليها الناس بتقدير كبير، ولا زال العلماء والمستشرقون يعتمدون على هذا الكتاب في أبحاثهم ودراساتهم، ولا يكادون يعولون على غيره من طبعات مجمع الأمثال، لفرط ثقتهم به واعتمادهم عليه.

أما في الشرق فإن مجموعة الميداني – بالرغم من اعتراف الناس بها كأكبر مرجع للأمثال العربية القديمة – فإنها لم تر النور إلا في سنة 1248هـ/ 1867م عندما نشر النص العربي في بولاق تحت إشراف الشيخ محمد قطة العدوي[113] والشيخ محمد الصباغ. ثم طبع الكتاب في طهران سنة 1290هـ/ 1873م وفي القاهرة مرة أخرى 1310هـ/ 1892م، ثم توالت بعد ذلك طبعات أخرى ليس فيها النسخة المحققة تحقيقاً جيداً. ومن هذه الطبعات طبعة المكتبة التجارية بتحقيق الشيخ محمد محي الدين عبدالحميد سنة 1959م وهي طبعة تجارية تحتاج إلى كثير من التحقيق والنقد، إذ لا يشير ((المحقق)) إلى نسخ خطية اعتمد عليها ولا يسميها، ولعله اعتمد إحدى الطبعات المصرية القديمة، ولا يوجد إلى الآن في البلاد العربية طبعة معتمدة على المقارنة بين المخطوطات المختلفة ومحققة تحقيقاً علمياً صحيحاً على الرغم من أن نسخ مجمع الأمثال موجودة في مخطوطات كثيرة تنوف على الثلاثمائة كما ذكر ذلك بروكلمان [114].

اختصر مجمع الأمثال الشيخ يوسف الجنوبي (؟) ومخطوطة هذا المختصر موجودة في مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة تحت رقم 182 مجاميع. وتقع في اثنتين وسبعين ورقة كل ورقة تسعة عشر سطراً. كما قام الشيخ إبراهيم الأحدب اللبناني[115] بنظم أمثال مجمع الأمثال وشرحها وذلك في كتابه ((فرائد اللآل في مجمع الأمثال))، وطبع الكتاب في بيروت سنة 1312هـ/ 1895م. ولعل من المفيد – في معرض الكلام عن الدراسات العلمية عن مجمع الأمثال – أن نذكر أن لكاتب هذا البحث دراسة نقدية مقارنة لأمثال الميداني القديمة، نال بها كاتبها درجة الدكتوراه من جامعة ليدز Leeds في بريطانيا بعنوان ((دراسة نقدية مقارنة للأمثال العربية القديمة الموجودة في مجموعة الميداني)) وذلك سنة 1966م. ولا يزال ((مجمع الأمثال)) كنزاً مطموراً يحتاج إلى تكاتف العلماء والدارسين لاستخراج نفائسه والاستفادة منها.

المراجع

[1] السمعاني: كتاب الأنساب: طبعة مصورة لمخطوطة المتحف البريطاني بتقويم مارجوليوث، - لندن 1912 ورقة 538أ. [2] نفس المصدر. [3] معجم البلدان، طبعة بيروت 1957م 5/241. [4] نفس المصدر. [5] نفس المصدر. [6] الأنساب للسمعاني 548أ. [7] معجم البلدان 5/241 وانظر أيضاً ((مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع)) لصفي الدين عبدالمؤمن البغدادي تحقيق علي محمد البجاوي (مصر 1955) 3/1343. وتاج العروس: (ماد). [8] ياقوت الحموي: ((المشترك وضعاً والمفترق صقعاً)) تحقيق وستنفلد، جوتنجن 1846 – ص412. [9] انظر ترجمته في الاعلام للزركلي 7/291. [10] الثعالبي: لطائف المعارف، تحقيق إبراهيم الأبياري ص191. [11] نفس المصدر والصفحة. [12] آدم متز: الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة محمد عبدالهادي أبي ريده (ط3) 1/318. [13] لطائف المعارف ص5. [14] آدم متز، نفس المصدر 2/271. [15] استعرنا تعبير السلاجقة الكبار من: Stanley Lane Poole, the Mohammadan Dynasties 1925, p. 135. [16] انظر ترجمته في انباه الرواة 2/225 وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (القاهرة 1326) ص327. [17] بغية الوعاة: نفس الصفحة. [18] إنباه 1/121. [19] نفس المصدر 2/299. [20] ياقوت: معجم الأدباء (طبعة أحمد رفاعي) 5/45. [21] ابن خلكان: وفيات الأعيان (ط محمد محي الدين عبدالحميد) القاهرة 1948، 1/130. [22] إنباه 1/121. [23] الكاف الملحقة بجعفر للتصغير في اللغة الفارسية، وانظر ياقوت: معجم الأدباء 4/49 وبغية الوعاة ص150. [24] إنباه 1/89، والبغية 150، ومعجم الأدباء 1/414. [25] البغية: نفس الصفحة. [26] إنباه: 2/51. [27] السمعاني: الأنساب: 548أ. [28] البغية: 254، وابن خلكان: 1/130، والخوانساري: روضات الجنات: ط إيران سنة 1347هـ ص80. [29] إنباه: 1/121. [30] إنباه: 1/122، ياقوت: معجم الأدباء 5/48. [31] الذهبي: تذكرة الحفاظ: ط. حيدراباد 1334هـ 4/63. [32] الأنساب: 548أ. [33] وفيات الأعيان: 1/130. [34] نزهة الألباء ص469. [35] بغية الوعاة: 155. [36] ابن خلكان: وفيات الأعيان: 1/130. [37] انظر الإنباه 1/123، وياقوت: معجم الأدباء 5/48. [38] العذار: جانب اللحية. [39] إنباه: 1/122، وياقوت: معجم الأدباء 5/49. [40] إنباه: 1/123، وياقوت: معجم الأدباء: 5/50. [41] إنباه: 1/123، وياقوت: معجم الأدباء 5/50. [42] إنباه: 1/122. [43] إنباه: 2/52. [44] السامي في الأسامي: ط إيران 1273هـ ص2. [45] السامي: ص5. [46] مجمع الأمثال ط محي الدين عبدالحميد 1/3. [47] ياقوت: معجم الأدباء 5/49. [48] ياقوت: معجم الأدباء / ، والبغية 155، والإنباه 1/122، وابن خلكان 1/130 وتذكرة الحفاظ للذهبي، 4/63 والخوانساري: روضات 80. [49] الإنباه: نفس الصفحة، والبغية: نفس الصفحة. [50] الفلاكة والمفلوكون: محمد بن علي الدلجي، ط مطبعة الآداب، النجف 1385هـ ص130. [51] انظر على سبيل المثال: البغية 254. [52] نزهة الألباء 466. [53] ابن خلكان 1/130، والخوانساري، روضات الجنات 79. [54] إنباه: 1/121. [55] نزهة الألباء ص446- 447. [56] روضات ص79. [57] نفس المصدر. [58] أنظر: Brockelmann, G. Geschichte der Arabischen Litteratur, Leiden, 1943- 49, I, 344, & S. 507 I.. وسنرمز إليه بـ GAL في هذا البحث. Encyclopedie de l'Islam, III, 151. وسنرمز لهذا المصدر بـ EIF في هذا البحث. [59] بروكلمان في: EIF, III/151 . [60] حاجي خليفة: كشف الظنون. ط. فلوجل، ليبزج 1835- 1853 – 1/468 رقم: 1391. [61] روضات ص80. [62] انظر: Quatremère, M. ((Mémoire sur la Vie et les Ouvrages de Maidani)), Nouveau Journal Asiatique, Tom I, (Mars 1829) p. وسنرمز له بـ NJA فيما بعد. [63] بروكلمان نفس المصدر. [64] الخوانساري: روضات: ص80 وحاجي خليفة 5/574 رقم 12138 وانظر أيضاً NJA في نفس الموضع. [65] NJ نفس المصدر. [66] حاجي خليفة 4/61 رقم 7537. [67] إنباه: 1/121. [68] نفس المصدر. [69] ياقوت: معجم الأدباء 4/50. [70] ياقوت: معجم الأدباء 13/221. [71] بروكلمان في EIF نفس الموضع السابق وانظر أيضاً: Gal, S.I. p: 507 . [72] انظر المصدرين السابقين. [73] كشف الظنون: 5/574 رقم 11283. [74] انظر كاترمير: نفس المصدر. و Gal, S, I. p. 507 . [75] انظر: Gal, S, I. p. 154 . [76] الخوانساري: روضات الجنات ص80. [77] ياقوت: معجم الأدباء 5/46. [78] بروكلمان: EIF نفس الموضع. [79] انظر مثلاً: بغية الوعاة: 254 والفلاكة والمفلوكون 130. [80] انظر مثلاً: 2/51. [81] انظر في هذه القصة: ياقوت: ارشاد (ط أوروبا) 2/108 وحاجي خليفة 5/393 وقد أورد تفسيراً للحنائي مخالفاً لما ذكرناه، وانظر أيضاً: ابن الأنباري: نزهة الألباء ص467 حيث تجد معنى آخر لكلمة (الزنخشري). [82] كاترمير: NJA, p. 181 . [83] حاجي خليفة: نفس الموضع. [84] ابن الأنباري: نزهة الألباء ص467. [85] مفقوده. [86] مخطوطتها موجودة في مكتبة Trinity College في كيمبردج تحت رقم I/916 وقد طبعت في استنبول سنة 300هـ وفي القاهرة سنة 1327هـ. [87] مخطوطتها في الاسكوريال تحت رقم 2/1705. [88] مفقودة. [89] مفقودة. [90] مفقودة. [91] موجودة في عدة مخطوطات بروايتين إحداهما رواية ابن خالويه والثانية رواية تلميذ المؤلف أبي الحسن علي بن عبدالعزيز. انظر لمعرفة أماكن مخطوطاتها: GAL, I p. 106. [92] مخطوطاته موجودة في عدة مكتبات، طبع مرتين، مرة في ليدن بتحقيق س. أ. ستوري سنة 1915، والثانية في القاهرة بتحقيق عبدالعليم الطحاوي سنة 1960. [93] مخطوطاته موجودة في عدة مكتبات انظر ((العرب)) م2 ج11 ص1052 و ج12 ص1122 وملحق الجزء السادس من السنة الثالثة ص44. [94] انظر القائمة التي أوردها G.W. Freytag لمصادر الميداني في كتابه: Arabum Proverbia, Vol. III, Pt. 2, p. 199- 216. وقد أشار زلهايم إلى أنها غير كاملة: انظر كتابه: Die Klassisch – arabischen Sprichwörtersammlungen, The Hague, 1954-, P. 148. وسنشير إلى هذا الكتاب بـ((زلهايم)) في بقية هذا البحث. [95] زلهايم ص: 148. [96] انظر – على سبيل المثال – الأمثال ذات الأرقام الآتية من مجمع الأمثال – ط محمد محي الدين عبدالحميد 1959م: 2278، 627، 1419، 2913، 1836 (المثل الأخير منسوب إلى أبي العتاهية انظر الحيوان للجاحظ 3/479) وانظر في موضوع اختلاط الأمثال القديمة بالمولدة: عبدالمجيد عابدين ؛ الأمثال في النثر العربي القديم ص182. [97] انظر على سبيل المثال: الأمثال: 635، 640، 1061، 4082، 4208. [98] انظر زلهايم: ص26 وعابدين: الأمثال في النثر العربي القديم ص134 وبلاشير في مقاله. ((Contribution à l'étude de la literature proverbiale des Arabes A l'époque archaique)) Arbica, I (1954), pp. 64 ff. [99] مجمع الأمثال: ط محمد محي الدين عبدالحميد 1/63 رقم 20308. [100] مجمع الأمثال 1/169 رقم 888 وانظر تفسيرات مماثلة للأمثال ذات الأرقام: 1044، 1648، 1793، 4358. [101] مجمع الأمثال: 1/228 رقم 1218. [102] مجمع الأمثال: 2/5. [103] مجمع الأمثال: 2/17 رقم 2437. [104] كاترمير NJA ص191، وانظر أيضاً زلهايم ص3. [105] كاترمير: نفس المصدر، وزلهايم ص4. [106] كاترمير: ص193. [107] زلهايم: نفس الموضع السابق. [108] نفس المصدر. [109] نفس المصدر. [110] انظر شوفان V. Chauvin في كتابه: ((Bibliographie des ouvrages arabes ou relatifs aux arabes, liege, 1892, 1- 13. [111] نفس المصدر، ص12. [112] نفس المصدر، ص13. [113] انظر ترجمته في الأعلام للزركلي، ط2 ج1/48. [114] EIF . [115] انظر ترجمته في الأعلام للزركلي ط2 ج1/48.

المصادر