مشروع المعاهدة المصرية البريطانية

مشروع المعاهدة المصرية البريطانية، 1929، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 301 - 308".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

لوحظ على هذه الفقرة أنه يفهم منها أن ثمة التزامات دولية توجب التعاون بين الدول، والواقع أن ليس شئ من ذلك. وأنه إذا أريد التعاون فإن محله هو تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحفظ سلام العالم. وقد طلب تعديل هذه الفقرة بما يتفق مع هذا المعنى الأخير.

فقرة ثالثة من الديباجة

إنه وإن يكن مفهوم الاتفاق بيننا ألا يبقى أى أثر لإنذار سنة 1924، فمن غير المرغوب فيه أن يشار في المعاهدة إلى ذلك الإنذار. لما تنطوى عليه هذه الإشارة من الذكريات المؤلمة. خصوصا وأن كل ما نشأ عن الإنذار من الخلافات والمشاكل بين البلدين يدخل في عموم المسائل المعلقة التى احتفظ بها تصريح 28 فبراير سنة 1922

لذلك كله يحسن أن تحذف هذه الفقرة.

فقرة رابعة من الديباجة

أخذ على هذه الفقرة أنها تشير إلى "مهمة مشتركة بين الدولتين لحفظ السلام وضمان سلامة أراضى بلديهما واستقلالهما".

فإنه إذا كان من الواجب أن تصاغ الحقوق والتكاليف في المعاهدة على أساس التبادل فإن صيغة يستفاد منها أن مصر تضمن سلامة بريطانيا العظمى واستقلالها لا يمكن إلا أن تكون نابية على السمع غريبة المعنى مريبته. وقد تنصرف في نفس من يقرؤها أو يسمعها إلى أنها ضرب من ضروب التعمية تجثم الحماية من وراء أستارها. لا سيما وأن الفقرة تتضمن إشارة إلى مهمة مشتركة بين البلدين، مع أن الاشتراك لا يتصور ابتداء وقبل المحالفة بالنسبة لانجلترا، ولا يتصور كذلك بالنسبة لمصر، إلا أن يكون فرعا عن حماية تجعل المحافظة على سلامة الأراضى المصرية واستقلالها أمرا مشتركا بين مصر وبريطانيا.

لذلك كله وجب أن تحذف كل إشارة إلى مهمة مشتركة.كما وجب تغيير التعبير الخاص بضمان سلامة الأراضى والاستقلال بآخر أكثر ملاءمة وأصلح لأن يكون أمرا تشترك فيه إنجلترا ومصر على السواء. وقد اتفق على أن يكون ذلك التعبير الجديد هو الدفاع عن أراضى البلدين.

(المادة الأولى)

أخذ على هذه المادة أنها تزيد لا محل له. فقد ورد مثل عبارتها في الديباجة. ثم إن حل المسائل يخلص من الأحكام التى اتخذت أساسا للتسوية بأكثر مما يخلص من مثل هذا التأكيد الشكلى. وقد سبقت الإشارة إلى الاعتراض على إعادة ذكرى إنذار سنة 1924 في المعاهدة.

لذلك وجب أن تحذف المادة أصلا. وأن يحل محلها كمادة أولى، بعد تعديل طفيف، الجزء الأخير من المادة الثانية، وهو إعلان زوال الاحتلال، باعتبار أن ذلك الإعلان هو الطابع الظاهر المميز للمعاهدة، أما التعديل فهو حذف عبارة "الموجود حتى الآن" في وصف الاحتلال، فإن هذا الوصف قد يفهم منه من طرف خفى أن بقاء القوات البريطانية في منطقة القناة ضرب جديد من الاحتلال أو احتلال غير الاحتلال المعروف، ومن أجل ذلك أقترح أن تضاف إلى المادة الثامنة الخاصة بالإذن لتلك القوات بالمرابطة في منطقة القناة. تلك العبارة الواردة في مشروع ملنر، ومشروع الوفد لسنة 1920 الدالة على أن بقاء تلك القوات لا يعد احتلالا ولا يمس سيادة البلاد وذلك مبالغة في نفي كل شبهة، مما سيأتى الكلام عليه بصدد تلك المادة.

(المادة الثانية)

أقترح تغيير صيغة الجزء الأول من هذه المادة على نحو ما يرى في صيغة المادة الثانية. من مشروع (ب) اتقاء لشبهة أن مصر تعترف بأن بين بريطانيا ومصر علاقات خاصة. من نوع الحماية كانت قائمة قبل المحالفة وجاءت هذه بديلا منها.

وقد سبق الكلام عن الجزء الثانى بصدد الكلام على المادة الأولى.

(المادة الثالثة)

أقترح أن تنزع هذه المادة أصلا من المعاهدة. فإن الواقع في أمر دخول مصر عصبة الأمم أنه ليس جزءا من التسوية التى يراد وضعها بين البلدين. وأنه مستقل عنها. وتحقيق لأمنية قديمة لم تزل حكومات مصر المتعاقبة منذ إعلان استقلالها ترجو تحقيقها، وإذا كان ثمة ارتباط بينه وبين تسوية مرضية بين البلدين. فهو أن عدم التوفيق إلى تلك التسوية كان حتى الآن حائلا دون إخراج الأمنية المذكورة إلى حيز التحقيق الفعلى. فالارتباط تاريخي ليس بينه و بين إجراء التسوية علاقة مباشرة.

ثم إن المادة بوضعها وصيغتها أشبه ما تكون بفرض يفرض على مصر، وشرط يؤخذ عليها كما لو كانت كارهة للدخول، وقد تلقى في روع القارئ أن مصر تدخل العصبة لتكون من أتباع بريطانيا وحاشيتها فيها.

على أن مصر تحرص كل الحرص على الحصول على تعضيد بريطانيا العظمى لها في دخول العصبة. فليس ما يمنع إذن من أن يكون طلب التعضيد وقبوله موضوع كتابين يتبادلان بين الحكومتين ملحقين بالمعاهدة.

ولقد أفاض الجانب البريطانى في استحسان تضمين المعاهدة أمر عزم مصر على طلب الاندماج في عصبة الأمم. لما في ذلك من إرضاء النزعة الدولية المحببة الآن، ومن إكرام العصبة واحترامها. وذكر فضلا عن ذلك أن المعاهدة تشير في أكثر من مكان إلى الواجبات المترتبة على ميثاق العصبة. أو إلى أحكام ذلك الميثاق. وأنه يحسن لإعطاء تلك الإشارات حق معناها وكامل مفهومها. أن يكون في صدر المعاهدة إعلان عزم الحكومة المصرية في هذا الشأن.

اتفق إذن على أن تضمن المادة في المعاهدة. غير أنه قبل أن تعدل على وجه يرضى كرامة مصر، ويدل على أن دخول مصر العصبة تحقيق لأمل قديم لها وعلى أن ذكر ذلك من جانب مصر جاء على سبيل الخبر. ومن جانب بريطانيا على نيل التعهد بالتعضيد.

(المادة الرابعة)

هذه المادة توجب تبادل الرأى لتسوية المسائل الخلافية بالطرق السلمية. فمفهومها أن التبادل لا يكون إلا حين يبلغ الخلاف حد الخطر على صفاء العلاقات، ولكنها صيغت في شئ من الإبهام قد يسمح بالقول بأن تبادل الرأى يكون في كل مسألة تقوم مع دولة أجنبية، ومنذ يبدأ اختلاف الرأى أى منذ تنشأ المسألة، ومنشأ الإبهام أن شرط التبادل جعل أن تكون المسألة تفضى إلى الحرب إذا لم تحل، وكم من المسائل الخارجية حتى الصغير منها ينطبق عليه هذا الوصف، ولقد يكفى أن تشتبك بمسألة أيا كانت اعتبارات كرامة أو شرف قومى لتصبح في المقام الأول من الخلافات، ولما كان مثل ذلك الاشتباك مألوفا خصوصا في بلاد الشرق التى عاشت طويلا ترسف في أغلال الامتيازات وكان ذلك الاشتباك على أى حال جائز التقدير في أى زمان ومكان، فإن تعريف شرط التبادل يوشك أن يشمل كل ما تتناوله العلاقات الخارجية لمصر.

وقوينا الاعتراض على صيغة المشروع بأن الحكم الذى أتت به المادة ينفد على بريطانيا كما ينفذ على مصر بحكم قبول مبدأ تكافؤ الحقوق والتكاليف. فيجب لذلك أن يكون متصوّر التطبيق لمصلحة، مصر على الوجه الذى ينطبق به عليها.

لذلك كله. أقترح أن يكون مناط شرط التبادل تحقق الحالة التى يوجد معها خطر قطع العلاقات. لا احتمالا تقديريا يكاد لا يتخلف في المشاكل الدولية، واختيرت للدلالة على هذه الحالة الصيغة التى جاء ذكرها في المادة الثانية عشرة من ميثاق عصبة الأمم والتى رتبت عليها الواجبات الدولية الخاصة بحفظ السلام ومنع أسباب الحرب.

(المادة الخامسة)

تختلف هذه المادة عن مثيلاتها في المشروعات السابقة في أنها ترتب لبريطانيا العظمى وعليها بقدر ما ترتب لمصر وعليها من الحقوق والتكاليف. وهو خلاف له خطره، ثم إنها قصرت ما يمتنع علي كل حليف عقده من المعاهدات المضرة بمصالح الحليف الآخر على المعاهدات السياسية، وهى صيغة أعم وآكد في حرية العمل من الإشارة إلى حرية مصر في خصوص المعاهدات التجارية.

(المادة السادسة)

أخذ على هذه المادة أنها تكلف مصر الاعتراف بأنها وحدها المسئولة عن أرواح الأجانب وأموالهم، وهو أمر لم تزل تلح في المطالبة به. وتنكر أن يكون الحال فيه على غير ما قضت به المادة. و إذا كان أحد جديرا بأن ينفرد بهذا الاعتراف. فهو الذى سيتحول حاله بهذا الحكم ويطرح عن كاهله ما كان قد تطوع في احتماله.

كذلك أخذ على جزئها الأخير أن الأصل في حماية أرواح الأجانب وأموالهم أنها جزء غير منفصل من حماية أرواح وأموال السكان قاطبة. بل الحق أن حماية الأرواح والأموال ليست إلا حكم البلاد حكما عادلا منظما. وهو شأن كل بلد يزعم لنفسه حق المشاركة في الحياة الدولية ويعتد لنفسه بمثل ما لمصر من العدة. فليس لهذه المادة مفهوم غير أن الأمر ردّ إلى نصابه الطبيعى ودخلت حماية الأجانب في عموم ما في ذمة الحكومة المصرية وعنقها من حماية سكان البلاد. إذن يكون الكلام في اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق تنفيذ تعهدات مصر في هذا الصدد إخراجا للمسألة عن وضعها الحقيقى، فضلا عن أنه يخشى تأويله على أنه يجعل سبيلا للتداخل في الإدارة المصرية في سكونها وحركتها كلما عن لبريطانيا رأى فيما يجب اتخاذه من التدابير لحماية أرواح الأجانب وأموالهم. لا تكون الحكومة المصرية قائلة به أو عاملة عليه.

لذلك حذفت الإشارة إلى التدابير اللازمة. فأصبحت الجملة تكريرا بصورة أخرى للمعنى المستفاد من الشق الأول من المادة ومجرد تأكيد وقطع عهد بأن سيجرى حكم البلاد بطريقة عادلة منتظمة.

(المادة السابعة)

لم يكن بد في محالفة من فرض حالة الحرب. ولكن هذه الحالة لم تفرض في هذه المادة إلا محوطة بالإشارة إلى المادة الرابعة من جانب، وإلى المادة الرابعة عشرة من جانب آخر. أى أنها فرضت حربا نشبت في حدود الالتزام الذى أخذته الدول على نفسها بنبذ الحرب كأداة للسياسة القومية. ولم يفلح في تجنبها كل ما قامت به الدولتان من تبادل الرأى وكل ما كفله ميثاق جمعية الأمم من الوسائل الناجحة.

لم يكن كذلك بد، مع أساس التكافؤ في الحقوق والواجبات، من أن يبادر كل حليف بنجدة حليفه. على أن اختلاف ما بين البلدين من الوسائل والموقع دعا إلى شيء من التخصيص في وصف تلك النجدة. فهى بالنسبة لمصر أوسع من جانب وأضيق من جانب آخر. مما يدين به الحليف عادة لحليفه. هى أوسع إذ تتعهد مصر، في حالة ما إذا لم تكن الحرب نشبت فعلا بل كانت توشك أن تنشب فقط (حالة خطر الحرب) بأن تبذل ما في وسعها من التسهيلات والمساعدات في الأراضى المصرية. وهى أضيق لأن التسهيلات والمساعدات في الأراضى المصرية هى أخص ما يطلب من مصر سواء في حالة الحرب أو في حالة خطر الحرب. ليست النجدة في خارج الأراضى المصرية ممتنعة أصلا، وما كانت لتكون كذلك، مع اعتماد التكافؤ في الحقوق والواجبات أساسا للمحالفة ولكنها لا تكون بحسب نص المادة إلا على سبيل الندرة والاستثناء. ثم إنه إذا طلبت مثل تلك النجدة من مصر. فهى لا تطلب على سبيل الأمر والتحكم كما يكون الحال بين التابع والمتبوع. وإنما تطلب من حليف حر يقيس ما يطلب منه بمعيار ملابساته الخاصة من ممكنات وضرورات. ويوقن أن ما يقدمه من نجدة سيقرب أسباب انتصار فيه الخير الكبير لنفسه ولحليفه.

ذلك هو روح المادة والمفهوم الذى قبلت على أساسه. فليس فتح البلاد وغزوها بالذى يوجب على مصر أى التزام قانونى بحكم المعاهدة، إذ كان منافيا لميثاق نبذ الحرب، ولا قمع الفتن بالذى تحتمل معه النجدة، إذ كان لا يوصف في العرف الدولى بأنه حرب.

وقد رئى أن تفصل الفقرة الأخيرة من المادة الخاصة بالمدربين العسكريين لتكون مادة مستقلة لعدم اتصالها مباشرة بما سبقها. (راجع مادة 8 من المشروع ب). كما رئى تغيير التعليل الذى بني عليه التعهد فبدلا من أن يكون احتمال التعاون الفعال بين الجيشين. أصبح استحسان الوحدة في التدريب والأساليب. وذلك لتجنب إثارة الشبهة في نشاط الاستعدادات الحربية كما هو مفهوم صيغة هذه الفقرة. وعلى الخصوص لجعل العلة أكثر ملاءمة وتناسبا مع قدر المعلول وأصح سببية. فإن التعاون، وهو أمر تقضى به المعاهدة في ظروف معينة، لا يصلح سببا لنتيجة مرهونة باختيار مصر كما هو الشأن في الالتجاء إلى معلمين أجانب وإنما يصلح السبب إذا كان استحسانا واستحبابا.

(المادة الثامنة)

اقترح تعديل هذه المادة لتحديد أن المقصود بالحماية هو قناة السويس وحدها باعتبارها طريقا أساسيا للمواصلات بين الأجزاء المختلفة للإمبراطورية البريطانية، وذلك لدفع زعم ألفناه من بعض المعتمدين البريطانيين من أن مصر جميعها طريق أساسى للمواصلات البريطانية. وبذلك ينتفى أن يكون للقوات المرابطة في منطقة القناة أى شأن أو أى غرض يتعلق بما عدا تلك المنطقة من جهات القطر. وتكون العبارة الأخيرة من المادة بحسب مشروع (ب) وهى الخاصة بإنكار صفة الاحتلال على القوات المذكورة قد اكتسبت قوة معنى وصدق دلالة مضاعفين.

كذلك طلبت إضافة عبارة "فى الأماكن التى يتفق عليها بعد" بعد عبارة "الأراضى المصرية" لكى لا يتبادر للذهن أن الجانب الشرقى من القطر أصبح خالصا لتلك القوات، وليتبين أن حدود مكان مرابطة القوات وامتداده محل اتفاق، أجل باعتباره من الاتفاقات التفصيلية اكتفاء ببيان الموقع العام لمرابطة القوات، وأوثر تحديد ذلك الموقع بخط الطول؛ وهو يقع أبعد إلى جانب الشرق من التل الكبير.

(المادة التاسعة)

اعترض على الفقرة الأخيرة من هذه المادة بأنها تضيق ما وسعته الفقرة الأولى، وأنها على أى حال شرح وتفصيل لا يجوز أن تكون المعاهدة محلا له. ولذلك استقر الرأي على حذفه من هذه المادة، ورئى أن يتبادل بين الحكومتين كتابان يكونان أكثر دلالة على ما تحتفظ الحكومة المصرية لنفسها من حرية.

(المادة العاشرة)

أخذ على الفقرة الأولى أن مصر ما بها أن تعترف بأمر بح صوتها بالنداء به، وأن الاعتراف يجب أن يصدر ممن كانوا حتى الآن متمسكين بالامتيازات لا يقبلون فيها تبديلا أو تعديلا.

أما الفقرة الأخيرة فقد تساءلنا ماذا يكون مرمى التعهد الوارد بها. وأشرنا إلى أن تضمين هذا التعهد في المعاهدة يجعل مادة التحكيم (14) منصبة عليه؛ وزدنا أنه بمقتضى التعهد وعملا به يصبح لمصر أن تضع ما تشاء من التشريعات وتطبقها على الأجانب. فإذا رأت بريطانيا في شىء من تلك التشريعات إجحافا بالأجانب أو تنافيا مع المبادئ العامة للتشريع عند الدول ذوات الامتيازات وخالفتها مصر في الرأى، حل الخلاف بطريق التحكيم.

وهذا الوضع يشبه من بعض الوجوه ما كان قد اقترحه مشروع ملنر من إعطاء الممثل البريطانى حق المعارضة (Veto) فيما يطبق على الأجانب من التشريعات، على أنه يفضل الاقتراح القديم في أنه بدلا من أن يكون حقا فرديا للممثل البريطانى يصبح الخلاف بين الدولتين محل تحكيم على يد هيئة دولية.

وقد أبدينا أننا لا نرى مانعا من قبول هذه الصورة الجديدة في ضمان حقوق الأجانب، لاسيما وأننا لا نرى فرقا بينها وبين الضمانات التى وردت في مشروع الاتفاق الدولى الذى وضعته عصبة الأمم، والذى رسم القواعد العامة لمعاملة الأجانب وجعل التحكيم طريق حل الخلافات بين الدول في تنفيذ تلك القواعد.

ويكاد يكون الفرق الوحيد بين حكم الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من مشروع المعاهدة وبين مشروع الاتفاق الدولى المتقدم ذكره، أن طلب التحكيم في الحالة الأولى خاص بإنجلترا وفى الحالة الثانية مشاع بين جميع الدول الموقعة على الاتفاق. على أن هذا الفرق أيضا لا يلبث أن يزول يوم توقع مصر ذلك الاتفاق فيصبح حق طلب التحكيم عاما بعد أن كان خاصا وتصبح حالة مصر حالة الدول الأخرى. ويحل محل الامتيازات نظام تحكيم فيه الأمان الكافى لمصالح الأجانب ومرافقهم.

على هذا الوجه من تأويل الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة لا يكون ثمة محل لترك سلطة للمحاكم المختلطة في التصديق على أى تشريع مالى أو غيره كما جاءت الإشارة إلى ذلك في مشروع الكتابين اللذين يتبادلان بشأن الامتيازات بحسب مشروع (أ). إذ لا يجوز الجمع بين تعهد يحميه التحكيم أمام هيئة دولية وبين تصديق تتولاه المحاكم المختلطة باعتبارها ممثلة للدول، فإن أحد الاثنين يجب أن يغنى عن الآخر. فحيث يكون تصديق لا يجوز أن يصبح التشريع المصدق عليه محل احتكام بعد ذلك. وحيث يجوز الاحتكام إلى هيئة دولية لا يكون محل لأن تتداخل المحاكم المختلطة في الأمر.

على أنه بعد بسط الأمر على هذا الوجه. لم تستطع الحكومة البريطانية أن ترى الظرف الحاضر ملائما لترك الطريقة المتبعة من تصديق المحاكم المختلطة على التشريعات، ولذلك لم تجد بدا من إسقاط الإشارة إلى التعهد في صلب المعاهدة ونقل عباراته إلى الكتب التي تتبادل بشأن الامتيازات. لا على أنها بيان تعهد من جانب مصر وإنما على أنها تحديد لمهمة المحاكم المختلطة التى تتسع من جانب لتشمل التشريعات المالية وتضيق من جانب آخر فتكون مجرد استيثاق من أن التشريع المالى لا يتضمن تمييزا غير عادل ضد الأجانب ومن أن التشريعات الأخرى لا تتنافى مع "المبادئ المأخوذ بها عموما في التشريعات الحديثة من حيث انطباقها على الأجانب" (وهى المبادئ التى يقوم عليها مشروع الاتفاق الدولى الذى سبقت الإشارة إليه). وقد اقترحت هذه الصيغة بدلا من صيغة "مبادئ التشريع العام لجميع الدول ذوات الامتيازات" إذ لم يكن لهذه الصيغة الأخيرة معنى ظاهر أو محدد. وعلى ذلك لا يكون للمحاكم المختلطة تداخل - كما تحاول الآن في بعض الظروف - في موضوع التشريع ومناسبته. وتصبح الحكومة وهى وحدها المسئولة عن حكم البلاد حرة في تكييف نظمها التشريعية والمالية على الوجه الذى تراه أجدر بالمسئوليات التى تضطلع بها.

(المادة الحادية عشرة)

أخذ على هذه المادة أنها تشير إلى علاقات خاصة بين الطرفين. وأنها لذلك قد تثير الشبهة في أن مقصود الإشارة علاقة من نوع الحماية. مع أن الحكم الوارد فيها لا يتعلق إلا بأمر من أمور المجاملة والكرامة بين حليفين ترتب على المحالفة نفسها وعلى الصداقة بين البلدين، لذلك وجب أن تصدر المادة بنفس العلة التى صدرت بها المادة التاسعة من هذا المشروع.

ثم إن إيجاب تقديم السفير البريطانى على غيره من ممثلى الدول الأجنبية إذا كان هذا التقديم لا يتفق مع قواعد البروتوكول المتواضع عليها. لا يمكن أن يقبل من هؤلاء الممثلين، على خلاف القواعد التى رتبها مؤتمر فينا لأسبقية الممثلين، إلا على تقدير أن مصر في مركز يختلف عن مركز البلاد المستقلة التى تنفذ فيها القواعد المتقدم ذكرها بلا بحث أو تعديل. وهو مالا تريده مصر أو ترضاه. على أن مصر لا تكره أن يكون لممثل حليفتها العظيمة أكبر قسط من الكرامة والتقدم وهى لذلك لا ترى بأسا من أن تختصه بأكبر مرتبة دبلوماسية. ومظهر ذلك الاختصاص أنها لا تقبل من الدول الأخرى أن يمثلها سفير. على أن تقبل مرتبة السفير لممثل حليفتها. ذلك أن مراتب الممثلين أمر يتفق عليه بين الدولة التى ترسلهم والدولة التى يرسلون إليها. وأن لمصر تمام الحرية في أن تكتفى بوزراء مفوضين لتمثيل الدول الأجنبية عندها. بهذا يصبح الحكم خاليا من كل شذوذ أو استثناء. ومجرد أثر لمجاملة حليف وحفاوته بحليفه. و يكون للممثل البريطانى حق التقدم على غيره من ممثلى الدول وفقا لقواعد البروتوكول المعمول بها لا خروجا عليها. ولمصر في هذا الصدد أسوة حسنة بسويسرا.

كذلك أخذ على هذه المادة أنها لا تقرر التكافؤ بين البلدين في أمر التمثيل. في حين أن هذا الشأن أظهر ما يجب أن يكون فيه التكافؤ. وعملا بالحكم المتقدم ذكره يكون لمصر لدى بلاط سانت جيمس سفير (وهو الآخر يتقدم على ممثلى الدول الذين يكونون من درجة وزير مفوض).

(المادة الخامسة عشرة)

أخذت على هذه المادة مآخذ من حيث الصياغة القانونية كما أخذ عليها أنها تفتح الطريق لأن تطلب بريطانيا العظمى تعديل أحكام المعاهدة لمصلحتها دون مصلحة مصر. مع أن ذلك الاحتمال يجب أن يكون منقطعا. ولذلك وجب أن تعدل لينتفى مثل ذلك الاحتمال.


المصادر