محضر الجلسة الخامسة عشر بين معالي صدقي باشا وبين وزارة التجارة

محضر الجلسة الخامسة عشر بين معالي صدقي باشا وبين وزارة التجارة، في 26 أغسطس 1921، مفاوضات سنة 1921- 1922 (عدلي- كرزون)، بين إسماعيل صدقي باشا، ووزارة التجارة. منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955 ص 169 - 171".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

بعد ظهر هذا اليوم انتقل صدقي باشا مستصحبا المستر مري مندوب وزارة الخارجية إلى وزارة التجارة فتقابلا مع السير سدني شيمن وكيلها الدائم ودار الحديث الآتي عن قناة السويس.

صدقي باشا- ما الغرض الذي ترمي إليه وزارة التجارة من النص الذي طلبت وزارة الخارجية تدوينه بالمعاهدة في هذا الشأن.

السير سدني شيمن - ترتبط بالقناة ثلاث مصالح: مصلحة مالية محضة وهي مصلحة الشركة ومصلحتان أخريان: الأولى للحكومة المصرية التي ستؤول إليها القناة، والثانية للحكومة البريطانية التي يهمنا استمرار تأدية القناة لوظيفتها من جهة الملاحة البريطانية ؛ وهذه المصلحة الأخيرة تقتضي أن تكون القناة دائما مصونة وأن يداوم إصلاحها وعمل ما تتطلبه الملاحة فيها. وقد يلحق بهذه المصلحة الأخيرة ضرر عند اقتراب ميعاد انتهاء الامتياز إذ يكون من الصعب على الشركة أن تتحمل النفقات الباهظة التي تقضيها أعمال الإصلاح والصيانة، وهي على وشك أن ينتهي امتيازها أو بعبارة أخرى لا يكون لديها الوقت الكافي لاستهلاك ما تنفقه. فالحكومة البريطانية يهمها في هذا الموضوع أن تنظر إلى بعيد، بل ويهمها أن تنظر إلى ما بعد انتهاء الامتياز مما سيأتي دوره في الكلام.

صدقي باشا- إن مصر تقدر المصلحة التي ترمي إليها إنجلترا حق قدرها، وصيانة القناة لا تهم إنجلترا وحدها بل تهم مصر أيضا. ومادامت القناة مآلها إليها فمن صالحها أن تؤول إليها مصونة كاملة المعدات التي تجعلها تقوم بالغرض الذي أنشئت من أجله. على أن هناك نقطتين في مذكرة وزارة الخارجية تجب الملاحظة عليهما : النقطة الأولى أن المذكرة تكلمت عن مدّ الامتياز، وألاحظ على ذلك أن مصر قد رفضت هذا الامتداد منذ عشر سنوات. فلا قبل لمندوبيها بالكلام فيه الآن ، على أن الغرض الذي ترمي إليه إنجلترا ليس الامتداد من شروطه اللازمة. فلقد يتحقق غرض استمرار الصيانة والإصلاح بالامتداد، كما يتحقق كذلك باتفاقات أخرى تلتزم فيها مصر مثلا بالاشتراك في نفقات الإصلاح عند حصولها أو بدفع جانب من قيمة الإصلاح عند نهاية الامتياز، فلا يصح إذاً قصر الكلام على الامتداد دون غيره من الحلول الممكنة ، إذ ليس الامتداد إلا وسيلة من وسائل عدة. والنقطة الثانية وهي الرجوع إلى جمعية الأمم عند عدم الاتفاق على حل ؛ وألاحظ بهذا الشأن أن الخلاف لا يكون في هذه الحالة بين حكومتين بل بين حكومة وشركة. وهذا النوع من الخلاف ليس محلا للعرض على جمعية الأمم. وبصرف النظر عن ذلك فإنه يكون من المستغرب.

أن خلافا ماليا بين حكومة وشركة ارتبطت معها بشروط تستطيع جمعية الأمم أن تتدخل في شأنه بين المتعاقدين وتخلي الشركة مما التزمت به في شروط الامتياز المحررة بينها وبين الحكومة التي منحتها ذلك الامتياز. وزيادة على ذلك فإن مصر في الوقت الحاضر لا تلتزم بشيء فيما يتعلق بالقناة وستبقى كذلك إلى سنة 1968 ، وحتى ذلك التاريخ لن يكون لها ولا عليها في القناة شيء، فكيف يستطيع مندوبها أن يربطها في شأن القناة بروابط جديدة إذا كانت الآن غير مطالبة بأي واجب وكنت أفهم- إذا لم يكن بد من ذكر شيء في المعاهدة عن قناة السويس- ألا يعدو طلب الحكومة الإنجليزية إثبات ما يفيد أن الحكومة المصرية مستعدة لتلقي الاقتراحات الخاصة بصيانة القناة وإصلاحها ووضعها موضع البحث. على أن هذا مما يقتضي على كل حال أن أراجع فيه الوفد.

السير سدني شيمن- ( وكان يشترك معه في الحديث موظف آخر ومندوب وزارة الخارجية ) : هذا كلام وجيه ولكن أشد ما يعنينا هو أن يطمئن رجال الملاحة في إنجلترا، وهم كما تعلمون ذوو نفوذ لا يفوقه نفوذ في هذه البلاد. قد يخشى أن يقع في بحث هذا الموضوع تسويف وتطويل، وتعاق بذلك الإجراءات الخاصة بإصلاح القناة، فهل هناك مانع من أن يذكر أن الحكومة المصرية تبت الرأي في بحر عشر سنوات؟

صدقي باشا- ماذا تريد بالرأي ؟ ألا يصح أن يكون الرأي بالرفض؟

السير سدني شيمن- بلى.

صدقي باشا- إذاً فلا لزوم لذكر المدة لأن هذا لا يقدم المسألة بالنسبة لكم. أما من جانب المصريين فإن ذكر المدة سيثير عندهم الخوف من الوقوع تحت تكليف خاص واجب الأداء في بحر عشر سنوات، ويترتب على عدم أدائه إرغام ما- وهذا مالا يسعنا قبوله. وأرى أن ذكر تلقي الاقتراحات وبحثها فيه الكفاية لكم ، على أن هذا لا يمنع إمكان حصول البحث قبل مضي العشر سنوات خصوصا وأن التعهد من جانبنا بالبحث يفتح لكم مجال الاستعلام منا عن نتيجته بعد زمن معقول من تقديم الاقتراحات.

(ووقفت المسألة عند هذا الحد).

السير سدني شيمن- قلت لكم إننا ننظر إلى بعيد، فهل تسمح لي أن أسائلك ما هي ضمانتنا بعد انتهاء الامتياز ؟ وهلا يمكن أن نطلب منكم تعهدا بأن تبقى القناة للغرض الذي أنشئت له حينما تضعون يدكم عليها.

صدقي باشا- إن المعاهدات تبنى عادة على تقدير المعاملات التي تدخل في حيز المعقولات، وإنه مما لا يعقل مطلقا ولا يمكن افتراضه أننا حينما تؤول إلينا القناة نقضي على مصلحتنا السياسية والمالية بسدها أو الإضرار بها. إن القناة إذا آلت إلينا أصبح إيرادها كله لنا. وإذا بلغ بنا سخف التصرف إلى محاولة إتيان هذا العمل الجنوني فإن مجرد النظر إلى العواقب السياسية يقعد بنا عنه. إننا إذا حاولنا شيئا من ذلك لما تعرضنا لغضب إنجلترا فقط، بل لغضب العالم أجمع. ومع ذلك فما هو الاحتياط الذي تريده ومعنا هنا مندوب وزارة الخارجية الذي يعلم أن مشروع المعاهدة مبني في أهم أجزائه على حفظ المواصلات الإمبراطورية. والقناة ، كما هو معروف أداة هذه المواصلات. ما هو الاحتياط الذي تريده أكثر من قبولنا لمبدأ وجود قوة تحفظون بها مصالحكم المرتبطة بهذه القناة.

السير سدني شيمن- هذا حسن، ولكن يوجد شيء آخر أكبر ارتباطا بالعواطف منه بالمصالح الحقيقية ، وذلك أن رجال الملاحة تعودوا أن يعاملوا شركة ذات تقاليد وطرائق خاصة في المعاملة، وهي شركة قناة السويس. وأصبحوا يثقون بها كما نثق نحن الإنجليز مثلا ببنك إنگلترة وكان يهمنا لذلك أن يحتفظ بإدارة هذه الشركة للقناة بعد نهاية الامتياز.

صدقي باشا - ليس في استطاعة المفوضين المصريين أن يتعهدوا بشيء من ذلك. لأن هذا الغرض لا يتحقق إلا بمد الامتياز. والمد لا يمكن التكلم فيه الآن. ولست أرى كيف أن صيغة من الصيغ تضمن لكم إرضاء هذه العاطفة. ومع ذلك فإني لا أستطيع فهم هذا الشاغل قبل انتهاء الامتياز بخمسين سنة. أفلا يصح أن أغراض رجال الملاحة ومراميهم وقت انتهاء الامتياز تكون قد خالفت أغراض ومرامي رجال الملاحة في الوقت الحاضر.

السير سدني شيمن- هذا صحيح، وأرجو ألا يضيركم كثرة اشتغالنا بهذا الموضوع ومغالاتنا أحيانا فيه لأنه حيوي جدا بالنسبة لنا ، وإني أشكركم على هذه البيانات التي جعلت من السهل وجود الصيغة التي ترضينا وترضيكم عند استئناف المفاوضات في شهر أكتوبر.


المصادر