محضر الجلسة التاسعة عشر بين عدلي باشا ومستر لندسي بوزارة الخارجية

محضر الجلسة التاسعة عشر بين عدلي باشا ومستر لندسي بوزارة الخارجية، في 17 أكتوبر 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي-كرزون)، بين عدلي يكن باشا ومستر لندسي بوزارة الخارجية. منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 179 - 183"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

في يوم السبت 15 أكتوبر. أرسلت إلى المستر لندسي مذكرات أربع. فيما يتعلق بالمسائل الآتية: مندوب الدين، حماية الأجانب؛ أسلاك التلغراف البحرية والتلغراف اللاسلكي؛ قناة السويس - وقد ضمنت هذه المذكرات باختصار وجهة نظر الوفد في هذه المسائل المختلفة، واختصت المذكرات الثلاث الأولى بمشروع نصوص عن المواضيع التي تضمنتها؛ وأشير في الكتاب الذي أرسلت به المذكرات إلى أنه سترسل مذكرة خامسة عن تعويضات الموظفين يوم الاثنين؛ وضرب دولة عدلي باشا في هذا الكتاب موعدا للمقابلة مع المستر لندسي يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة. وقد حصل الاجتماع في الميعاد المتفق عليه.

المستر لندسي - ( بعد أن شكر دولة عدلي باشا على إرساله هذه المذكرات طرق موضوع مندوب الدين ). إن الصيغة التي تقترحونها لا تجعل لذلك المندوب حق طلب ما يريده من المعلومات عن الإدارة المالية.

عدلي باشا - لا شك أنه يستطيع دائما الحصول على المعلومات عن الحالة المالية. ولكن الصيغة التي اقترحتموها قد تفيد أن له حق التدخل في تلك الإدارة والرقابة على أعمال وزارة المالية والمتفق عليه بيننا أن ذلك لا يكون له.

المستر لندسي - إنما أردت أنه إذا أحب أن يعرف مثلا مقدار الإيرادات أو المصروفات في وقت معين أن يستطيع الحصول على ذلك، وأخشى مع الصيغة التي تقترحونها أن ينكر عليه طلب كهذا وأن ترفض إجابته إليه.

عدلي باشا - لا أرى أن رفض ذلك ميسور أو متصوّر، خصوصا وأن المعلومات التي يمكن أن تطلب عن الإدارة المالية هي بطبيعتها علنية وتحصل فيها المناقشة بلا انقطاع أمام الهيئة النيابية فيمكنك أن تطمئن من هذه الوجهة. على أنه يجب أن تقدر مركزي في هذه النقطة. فقد اقترح اللورد ملنر في مشروعه أن يعين مستشار مالي يعهد إليه باختصاصات صندوق الدين ويكون تحت تصرف الحكومة فيما تريد استشارته فيه، فلما استشيرت البلاد في المشروع وضعت تحفظا يرمي إلى حذف العبارة المتعلقة بجواز استشارة ذلك الموظف المالي.

وقد انتهى الأمر بيننا على أن يبقى صندوق الدين؛ فلا حاجة للبحث في نقل اختصاصه إلى موظف آخر. غير أني قبلت أن المندوب الإنجليزي يستشار فيما ترى الحكومة استشارته فيه، وسلمت بأن يكون له الدخول عند رئيس الوزارة وعند وزير المالية باعتبار ذلك الدخول أمرا يرتبط بطبيعة جواز الاستشارة إذ لا يفكر أحد في أن يحال بين ذلك المندوب وبين أولى الأمر المصريين حينما يدعى إلى الاستشارة في أمر بناء على طلبهم فيجيء لإبداء رأيه؛ ولما لم يقصر دخوله على حالة دون أخرى فلن يحال طبعا بينه وبينهما إذا هو جاء للاستعلام عن أمر. فترى أني تجاوزت فيما قبلت حدود التحفظات التي دلت عليها الإدارة العامة في مصر، ولست أدرى إن كنت أستطيع حمل المصريين على قبول كل ما فعلت.

المستر لندسى - ( منتقلا إلى الكلام عن الحكمداريين ): إنكم وقتم بقاءهم بخمس سنين وقد لا يكون في ذلك التأمين الكافي، ثم إن هناك مجالا للاعتراض على الاقتصار على الحكمداريين فإنهم لا عمل لهم في غير المدن الثلاث. أي إن الأجانب في غير هذه المدن وفي الأرياف يكونون وليس ما يؤمنهم على أرواحهم وأموالهم، وقد كنت فكرت في إنشاء مكتب يشتغل بأمور أمن الأجانب في إدارة الأمن العام ليسدّ هذه الحاجة.

عدلي باشا - قد يوجد في الواقع موظفون أجانب لأداء الأعمال المتعلقة بأمن الأجانب في وزارة الداخلية، ولكني أسألك، ماذا ترى من الحماية للأجانب في أن ينص على إنشاء مكتب يعرض على الوزير المسائل المتعلقة بهم. إني لا أرى في ذلك شيئا من معاني الحماية أو التأمين. ولكني ألمح الأمر من وجهة أخرى. فإن مسألة وزارة الداخلية مسألة دقيقة من قديم إذ كانت هذه الوزارة تقبض بيدها على أهم مظاهر السلطة والنظام. وكان التداخل في شئونها من جانب الإنجليز محل الشكوى المرة من المصريين، فالتسليم بإنشاء مكتب فيها مهما صغر شأنه وضعفت أهميته قد يؤخذ علينا. فيقال لنا نجحتم في استبعاد موظف في وزارة الحقانية وهي بطبيعتها محدودة الاختصاص بأمور معينة لا تتعدّاها لتقيموا مقامه هيئة أو مكتبا يكون خليفة المستشار الداخلي أو مفتش البوليس العام أو ما شئت تسميته من هذه الوظائف التي تمد يدها إلى كل الأعمال. أي أنه يعاب علينا أن نكون قد أردنا اتقاء تداخل محصور فسلمنا بتداخل عام شامل.

المستر لندسى - إن وجود المستشارين السلطانيين للأغراض التي بيناها في مذكرتنا مهم في نظرنا، على أن في وسعنا أن نستغني عنه. ولكن الذي لا غنى عنه هو إنشاء ذلك المكتب لصعوبة الاكتفاء بالحكمدراين في تأمين الأجانب.

عدلي باشا - نحن نريد التوصل إلى اتفاق يمكن أن يقبل في مصر. أي يكون لنا الأمل في أنه يرضي المصريين، وكلانا في هذه الغاية سواء، ولكنكم كلما زدتم من الهيئات التي تحل محل نفوذكم الحالي مهما تكن أسماؤها، وكلما زدتم في اختصاصاتها، جعلتم الأمل في رضى المصريين بمشروع المعاهدة وقبولهم له أقل وأضعف. وقد وقفنا عند الحد الأدنى لمطالب المصريين وتجنبنا كل ما يمكن أن يعترض عليه بالتشديد أو المبالغة.

( ثم خاض في حديث الموظفين لا فيما يتعلق بالتعويضات - فقد أجل إرسال المذكرة حتى يفحص عدلي باشا بعض مسائلها التفصيلية - وإنما فيما يتعلق بتعيين الأجانب بدلا من الإنجليز )

المستر لندسى - أظن أنكم تسلمون بأن ذلك لا يجوز أن يجري لكم في غرض أو غاية.

عدلي باشا - نعم، حقيقة لا نفكر في الاستغناء عن الإنجليز لنحل محلهم أجانب غيرهم وليس لدينا مانع من أن نقبل نصا بهذا المعنى.

المستر لندسى - ولكنكم لا ترضون الصيغة التي نقترحها من اشتراط استشارة الممثل البريطاني في تعيين الأجانب.

عدلي باشا - نعم، لا نرضاها لأن فيها تداخلا شديدا في إدارة مصر لشئونها، والذي يهمكم من الأمر قد قبلناه، فما حاجتكم لوضع هذا القيد العام على تصرفاتنا؟

المستر لندسى - المفهوم أنكمَ لا تريدون إحلال أجانب غير إنجليز محل الإنجليز حتى ولو بصورة غير مباشرة.

عدلي باشا - طبعا لا نريد ذلك. وقد دلتنا أحكام المحاكم على أن ستر الرغبة في التخلص من موظف باسم إلغاء وظيفة أو بغير ذلك من الأسماء لا يجعل العمل الظالم قانونيا، ولا يحول دون الحكم على الحكومة بالتعويض. وإذا حلا للحكومة المصرية أن تستغني عن موظف إنجليزي لتعين محله مصريا لمدة قصيرة ثم لتعين أجنبيا آخر محل المصري. أو إذا حلا لها أن تلغي وظيفة يشغلها إنجليزي لتعيدها بعد ذلك باسم جديد وتضع فيها أجنبيا آخر، أقول إذا حلا للحكومة المصرية أن تفعل ذلك فليس من ينكر عليكم الحق في الاعتراض على أعمالها.

المستر لندسى - أفهم وجه اعتراضكم على الصيغة. وأعتقد أنه من الميسور الوصول في هذه المسألة إلى حل مرض.

( ثم تعرضا لمسألة أسلاك التلغراف البحرية ):

إن الذي يعنينا في الحقيقة هي مسألة التلغراف اللاسلكي من وجهة الدعوات الخطرة التي يمكن أن تروج بها. ويهمنا لذلك أن لا يعطي امتياز به إلا بموافقتنا.

عدلي باشا - إنني أتساءل عن فائدة اشتراط موافقة ممثلكم على منح هذه الامتيازات، فإن من يطلب امتيازا كهذا يحرص على أن يطلبه باسم لا يثير خوفا أو شبهة في بادئ الأمر، ثم هو يتحول بعد ذلك؛ فعلى أي أساس يكون ممثلكم أحرص من الحكومة المصرية وأقدر على اتقاء نشر الدعوات الخطرة. وهل تعتقد مع ذلك أن شركة تجارية أسست لغرض الربح والفائدة ترفض رسالة حتى من لينين مثلا؟

المستر لندسي - أعتقد أنه يصعب عليها رفض ذلك (ثم عطف على النص المقترح من الوفد): إن هذا النص من الفضول ولا لزوم له. لأني لا أقدّر أنكم تفكرون في إلغاء الامتيازات الحالية.

عدلي باشا - نعم، لا نفكر في ذلك، وإنما وضعنا هذا النص لأنكم طلبتموه. ولأنه الوحيد بين ما طلبتموه الذي يسعنا قبوله. أما إعطاء الحكومة الإنجليزية إجازة عامة لإنشاء ما تريده لنفسها أو للشركات التي توصي بها فهذا ما لا قبل لنا بقبوله. وحتى في الوقت الحاضر والحماية الإنجليزية مبسوطة على مصر، فإن المرجع في أمثال هذه المسائل إلى مجلس الوزراء لا إلى سلطة أخرى، أفتظن من الجائز أن تكون الحكومة المصرية أقصر يدا في نظامها الجديد منها في نظامها الحاضر؟

المستر لندسي - أما ما يختص بمسألة قناة السويس. فقد أردت بذكرها في المعاهدة أن أمهد السبيل للحكومة في أن تفكر في المسألة، فقد يخشى أن الحكومة المصرية بسبب موقف الجمعية العمومية في موضوع مدّ الامتياز تتعمد تجنب بحث المسألة لا لاعتقادها بعدم الفائدة من المدّ وإنما لمجرد الخوف من مصادمة الرأي العام واتقاء لسخطه. وقد نكون بالغنا في الصيغة التي اقترحناها، ولكن ألا يجوز أن نكون أدنى إلى رضاكم إذا اقتصرنا على القول بأنه في العشر السنين الأولى من المعاهدة تبحث الحكومة المصرية في خير طريقة لدوام حفظ القناة وحسن صيانتها.

عدلي باشا - لست، بنفسي، أرى مانعا من صيغة كهذه لأنها لا تقيد الحكومة بشيء ولكن الإحساس العام في مصر بحسب ما تبيناه من استشارة أهل الرأي لا يريد أي نص عن القناة في المعاهدة. ثم أي فائدة لكم في نص لا يقدم ولا يؤخر.


المصادر