محضر الجلسة الثالثة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه

محضر الجلسة الثالثة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه، في 14 يوليو 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922، (عدلي-يكن)، بين الوفد المصري وبين اللورد كيرزون ومساعديه، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 110 - 117"

كرتون من مجلة پنش، في 8 فبراير 1922.
حية أخرى في النيل القديم
اللورد أللنبي (للورد كرزون): "ربما من الأفضل أن أبقي قدماي عليها، حتى تفكر في النغمة المناسبة التي تغريها بسماع أوامرك."


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

افتتحت الجلسة الساعة 4 والدقيقة 15 بعد الظهر.

اللورد كيرزن- نسيت بالأمس أن أرجوكم ألا تبلغوا الصحف شيئا عن مفاوضاتنا ، وكل ما أرى ذكره هو خبر الاجتماع الذي حصل وتاريخ الاجتماع المقبل. ونحن محترسون فأرجوكم الاحتراس. بالأمس بحثنا المسألة العسكرية، وبعد نهاية الجلسة أرسلت لكم ورقة غير رسمية تتضمن بيان النقط الكبرى في تلك المسألة، وإني مستعد أن أعيد المناقشة في هذا الآن أو بعد الآن كما ترون.

عدلي باشا- أفضل تأجيل المناقشة إلى ما بعد،- حتى نتذاكر فيها فيما بينا (وذكر وصول الورقة وأنه اعتبرها مجرد تذكرة ولذلك لم يجب عليها.

اللورد كرزون- إذن تكون المناقشة في أي وقت تريدون وإنما أنبهكم إلى أهمية المسألة.

في تقرير ابتدائي رفعه اللورد ملنر بعد رجوعه من مصر، ولم ينشر، رأي أن تكون العلاقات الخارجية تحت إشراف المندوب السامي، ولكنه بعد أن حادثكم وحادث زغلول باشا عدّل رأيه، وقرر أن، هناك نزعة قوية لطلب التمثيل السياسي إلى آخر ما ورد في صحيفة 27 من تقريره. وقد ذكر في تقريره ما يقال دفاعا عنها وما يرد عليها من الاعتراضات. وفى ختام هذا الموضوع من التقرير نقطة أريد أن ألفت نظركم إليها بصفة خاصة وهي: "هذه هي الأدلة والبراهين التي حملتنا على إعادة النظر في مركزنا بإزاء مسألة الصفة السياسية، مع علمنا تمام العلم . كما قلنا للوفد صريحا. أن تساهلنا في هذا الأمر قد يلقي الرعب المقلق في دوائر الرأي العام البريطاني ، ويخشى أنه يمنع الشعب البريطاني من قبول الاتفاق برمته. وإذا بنينا حكمنا على ما نشأ عنه من الانتقاد والأقوال الدالة على عدم الرضى عنه في دوائر كثيرة اتضح أننا أصبنا ولم نخطئ في توقعنا له المعارضة الشديدة ". فترون أن اللورد ملنر كان يخشى أن هذه المسألة تثير هنا اعتراضات كثيرة- وقد تذاكرنا فيها في الوزارة وفى مؤتمر رؤساء الوزارات ورأيت أنهم جميعا يشاطرون اللورد ملنر مخاوفه، على أن هناك نقطة وجدت الوزارة متفقة معكم فيها. وهي أن الظروف التي اقترنت بالحماية من زوال وزارة الخارجية وإشراف المندوب السامي على أعمالها لا محل لبقائها، ويجب أن تعود الأحوال إلى ما كانت عليه من وزارة و وزير، وأن يكون للدول ذات المصالح في مصر أن ترسل ممثلين يتعاملون مع وزير الخارجية المصري- ومن المستحسن أن توضع في المعاهدة عبارة تدل على أنه فيما يتعلق بإدارة الأعمال الخارجية في القاهرة يجب أن يكون وزير الخارجية متصلا بالمندوب السامي، وأن يكون عالما بكل مل يجرى من تلك الأعمال إذ إن إلغاء الامتيازات يحدث لهذا المندوب مركزا خاصا ويجعله قائما على المصالح الأجنبية- هذا شئ لا صعوبة فيه، وإنما الصعوبة في تمثيل مصر في البلاد الأجنبية. وقد رأيت في الوزارة نزعة قوية ضد هذا التمثيل، ويرى الوزراء أنه وإن كان الغالب أن الممثل المصرى يكون مخلصا في عمله. فقد يعرض أن الممثلين المصريين في عواصم أجنبية يكونون منشأ للمشاكل والدسائس والأخطار - العالم يتغير بسرعة ولا يبعد في زمن قريب أن يتولى أمر الحكومة المصرية رجال غيركم لا يكون إحساسهم منطويا على الود لنا ، فإذا وفرت لكم مثل هذه المزية- مزية التمثيل- وقعت بيننا حتما صعوبات ومشاكل بل جاز أن تبرم عهود تنقض ما نحن صانعون الآن. على أنه لا يراد بكم أن تفقدوا وسائل النظر في مصالحكم في الخارج ؛ وليس ما يمنع من أن تتولوها بقناصل، ولكن فيما يتعلق بالمسائل السياسة يحسن أن تعتمدوا على حاضر استعداد حكومة إنجلترا وحسن خدماتها.

هذه هى الآراء الراجحة في هيئة الوزارة الإنجليزية، وأريد أن أسمع رأيكم بكل احترام. وإذ كنت أتكلم باسم الحكومة الإنجليزية فقد رأيت أن أدلكم على النزعة الغالبة فيها- وقد ذكر لي اللورد ملنر أنه سلم بهذه المسألة لأنه ألفى المصريين يعلقون عليها أهمية كبرى ولكنه لا يزال كثير المخاوف.

عدلي باشا- هذه مسألة يراها المصريون أساسية في مطالبهم. لا حبا في الصيغ والألفاظ ، ولكن لأنها الوسيلة لتقرير شخصيتهم المستقلة، وقد ذكرت للورد ملنر أن جعل العلاقات الخارجية تحت إشراف إنجلترا ليس إلا مظهرا للحماية، كذلك ذكرت له أننا نريد أن نكون على اتصال بالمدنية الغربية، ليمكننا أن نعمل على ترقية الشؤون المصرية، و يتسنى لنا الاشتراك في الحركة العالمية. وفى التجارة وغيرها من المرافق مسائل لا يحسن علاجها إلا إذا كان هناك مصرى يمثلنا ويطلعنا على كل شئ- أما الخطر الذى تشيرون إليه فقد قلنا فيه إنه إذا حصلت مصر على مطالبها فلا يمكن أن تنقلب للعداء والدسيسة. إذ لا مصلحة لها في ذلك. على أن الذين يخلقون الدسائس ليسوا هم المعتمدين السياسيين لأن عليهم مسئولية أعمالهم، فلا يسعهم أن يعقدوا معاهدة أو يتخذوا تدابير ضد مصلحة إنجلترا، و إنما يقوم بمثل هذه الأعمال أشخاص ليست لهم صفة رسمية. وأذكر على سبيل المثال (بارون أو بنهايم) فقد اشتغل زمنا بالدسائس في مصر ولم يكن له شأن رسمى في القنصلية الألمانية ، فإنكار التمثيل السياسي على مصر لا يمنع من دس الدسائس وخلق المشاكل في الخارج ما دام لا يحتاج فيها إلى ممثل سيأسى بالذات، وفوق ذلك فإن من يريد دس الدسائس لا يعدم وسيلة لذلك، فقد يتذرع إلى ذلك بممثلى الدول الأجنبية في القاهرة إن عزت عليه الطرق الأخرى. فترون أنه لا يمكن أن نتخذ تدابير مطلقة لكل فرض أو احتمال، وما لم تسد الثقة بيننا فلا سبيل إلى وضع اتفاق مقبول، لأنه إذا ضمن الاتفاق قيودا كثيرة أصبح حتما غير مقبول، ولا أرى أن مركزنا يكون قد تغير عن ذى قبل إذا لم تتمتع مصر بالتمثيل السياسي.

رشدي باشا- أنضم إلى ما قاله عدلي باشا، وأزيد أنه لا خطر من الدسائس لأننا إذا حصلنا على الاستقلال كان أحب شيء إلينا وأوجبه علينا حليف قوي، ولا يسعنا أن نجده في غير إنجلترا، ولا أرى كيف يتفق الرأي القائل بإشراف إنجلترا على العلاقات الخارجية مع فكرة إلغاء الحماية لأن هذا الإشراف من خصائص الحماية، ولا يتفق مع الرغبة والاستعداد اللذين أظهرتموهما - وأكرر ما قاله عدلي باشا من أن الأمة لا يمكن أن تقبل إشرافا، ونحن نريد أن نؤسس صداقة متينة ولا يكون ذلك إلا بقبول مبدأ التمثيل السياسي- لا ننكر أنه يسعكم أن تلزمونا بما تريدون لأنكم أقوى منا ؛ ولكن لن يكون بيننا في هذه الحالة صداقة. ولو كنت مكانكم لما ترددت في أن الأفضل أن تكسبوا صداقتنا لا أن تتركونا خصماء.

اللورد كيرزن- القول بأن لا صداقة إلا بالتمثيل السياسي. و بغيره لا يكون بيننا إلا العداء مبالغة في الدفاع- كل الذي أقترحه هو أني أسترجع كل ما ترتب على الحماية، فتصبح هناك وزارة خارجية ووزير خارجية، وإنما يشترط أن يتصل هذا الوزير بالمندوب ، وكل ما عرضته في غير ذلك هو أن تتركوا أمر مسائلكم الخارجية في العواصم الأجنبية للممثلين البريطانيين، وليس في هذا تحقير للمصريين أو امتهان أو عداوة- وإني أرحب بتأكيداتكم عن الصداقة فيما بيننا ولكني أذكر زمنا كانت القاهرة فيه مهدا للدسائس، وسببا لإشكالات وصعوبات بين إنجلترا من جانب وفرنسا وإيطاليا من جانب آخر- لا أقول إن هذا سيتجدد، ولكني أخشى أن ينشأ خلاف بيننا و بين أصدقائنا- نحن الآن تربطنا وفرنسا علاقات حسنة ولم يكن الأمر دائما كذلك وقد سوّينا مشاكلنا مع ألمانيا ولم يكن الأمر أبدا على ذلك الحال، وكذلك إيطاليا، فإذا تولى أمر مصر حكومة لا تشاطركم عواطفكم، أو تشترك معكم في وجهة النظر. فليس ما يمنع من أن تنتهز أول فرصة خلاف يقوم بيننا و بين أصدقائنا فتجرى وراء ظهورنا أشياء لا نرضاها. وأريد أن أسألكم هذا السؤال، فيما خلا اعتبارات العواطف. والمسألة أكثر ما فيها عواطف: أي مصالحكم يؤذى أو يلحق به ضرر ماديا أو سياسيا؟

عدلي باشا- نعم إن مصالحنا السياسية ليس ذات صبغة عالمية، ولسنا ندعي أن مصر ستكون عاملا مؤثرا في الموازنات الدولية وحركات السياسة العالمية، و لكن التمثيل ضروري لنا، وهو من خصائص الاستقلال وليس من ينكر هذا الحق حتى على أصغر الحكومات ؛ وحقا لا يمكن أن يفهم الاستقلال بدونه على أني لا أرى كيف يجول بخاطركم أن يكون لنا مصلحة في أن نستبدل محالفة بأخرى أو أن يكون لممثلينا ؛ مع وجود محالفة بيننا ؛ اتجاه سياسي عام مخالف لكم ويظهر أني لم أقنعكم بألا خطر من التمثيل ؛ ولكني شخصيا مقتنع بألا خطر منا على الإطلاق ، وبأنه ليس لمصر أدنى مصلحة في مناوأة الحكومة الإنجليزية، ثم إنكم أقوياء ونحن ضعفاء، وفي مثل هذه الأحوال تنقلب الدسائس دائما وبالا على الضعيف، والدسائس كما تقدم لي ذكره ، يقوم بها أي إنسان ولا حاجة فيها إلى ممثل سياسي بالذات.

اللورد كيرزن- أسلم بأن كل الوسائل ممكنة ، ولكن ما للممثلين السياسيين من المركز والمكانة والسلطة من شأنه أن يزيد في خطر الدسائس إذا جاءت منهم ؛ وهب أنه بعد زمن ؛ يتفاوت في الطول والقصر؛ قام حزب وحكومة لا يريدان حماية المواصلات الإمبراطورية أو نقطة عسكرية بريطانية- إنك تؤكد الآن أن ذلك لن يكون، ولكن أَبِكَ أن تضمن المستقبل.

عدلي باشا- هذا كل ما يسعنى قوله ويجب من جانبكم أن تولوا الثقة فيما نقول وألا تزعجكم أوهام الأخطار.

اللورد كيرزن- ولكن لم تتشدّدون في هذا التمثيل.

عدلي باشا- أتشدّد فيه لأسباب لا علاقة لها بالخطر الذى تتخوفون منه وقد ذكرتها.

رشدى باشا- ذكرتم الدسائس وقد وقع حقيقة شئ من ذلك، ولكن السبب فيه أن إنجلترا كانت تريد أن تبسط سلطانها على مصر، وكان المصريون يعملون بكل الوسائل ليحولوا دون ذلك ولكن الاتفاق بينكم ، إذا قدر لنا أن نصل إلى تحقيقه، ينيلنا ما نريد، ولا يكون لنا إذن مصلحة في نقضه. ولو كنا في عزلة لا لتمسنا مثل هذا الاتفاق ؛ وإذا صح أن المصلحة مقياس العمل. أيقنتم أنه سوف لا نمحو بأيدينا ما اكتسبناه من المزايا- قلتم إن الممثل قد يتعاهد ضدكم، ولكن كيف يتعاهد ؟ وما هي قيمة المعاهدة التى نبرمها إذا جاءت على نقيض المحالفة ؟ وهي لا يمكن أن تبقى سرية ويجب أن تسجل في مكتب عصبة الأمم.

عدلي باشا- إذا جعلتم دأبكم طلب ضمانات مطلقة. فإننا لا نخرج من هذا الحديث إلا بمجموعة قيود تجعل الاتفاق غير ميسور.

صدقي باشا- قبل الحماية كانت الدسائس تجرى لأن الحالة السياسية لم تكن محدودة ، فقد كانت هناك السيادة التركية، وكان الاحتلال والامتيازات. ولكن تحديد العلاقات مع مصر والدول يقضى على أسباب هذه الدسائس .

رشدي باشا- الاتفاق المرضى يقطع أسباب كل الدسائس، و يكون لنا بعد ذلك كل المصلحة في بقائه .

اللورد كيرزن- يسرنى أنكم حسنوا التفاؤل بالمستقبل، ولست كذلك، وليس بمستبعد أن تعمل الحكومة الألمانية أو التركية على إحراج مركز إنجلترا إذا كان لديهما معتمدون مصريون - قد تكون أوهامنا مبالغا فيها، ولكنى أردت أن أنقل لكم آراء حكومتى، وسأنقل إليها آراءكم وقوة يقينكم في الدفاع عنها .

عدلي باشا- مهما تكن الحالة الجديدة فهل تعتقدون أن البلد تخاطر بالمركز الجديد ؟ أنتم الأقوى. ويمكنكم إذا خرجنا عن الجادة أن تردونا إلى الطريق المستقيم .

اللورد كيرزن- لا أريد أن أزج بدولتي في مثل هذه المتاعب والإشكالات.

صدقي باشا- أترانا دسسنا في أثناء زمن الحماية؟ إننا في ذلك والوقت. أي في وقت قيام الحرب حيث كانت سوق الدسائس رائجة. التزمنا خطة الأمانة نحوكم .

رشدي باشا- نعم إن مصر لم تدس لكم الدسائس أملا في الوصول إلى اتفاق مرض.

صدقي باشا- ثم إننا اتجهنا إليكم بعد الهدنة.

رشدي باشا- أتظنون أننا نفضل ألمانيا عليكم ؟ إني أعتقد أننا إذا اتصلنا بألمانيا لم يكن لها هم إلا استغلالنا، ولقد كنت مستعدا لحمل السلاح ضد تركيا وألمانيا. لأني أرى مصلحتنا في بقاء صداقتنا قائمة مع إنجلترا.

اللورد كيرزن- هذا حسن، ولا شك عندي في صدق تصريحاتكم، ولكني عشت كثيرا ورأيت تغييرات غريبة. على أني سأبلغ الحكومة آراءكم، ويسرني أننا من الجانبين كنا معتدلين في إبداء آرائنا. (منتقلا إلى موضوع مندوب إنجلترا في مصر) : نقترح أن يثبت في المعاهدة أن المندوب يكون متصلا بوزارة خارجيتكم. إذ لا يجوز أن يكون ذلك المندوب جاهلا بما يجري فيها وفى وسعنا أن نجد عبارة لا تمسكم. ورأينا أنه إذا ظل ممثلنا يلقب مندوبا ساميا فإن هذا يكون لفائدتكم وفي مصلحتكم، وسيكون لممثلكم عندنا نفس اللقب. نعم نحن لا نريد أن يكون الممثل المصري وزيرا معتمدا، ولكن يخيل لي أن اقتراحي يرضيكم .

رشدي باشا- هذا جميل. ولكني لا أظنه بالغا شيئا من رضى المصريين، إذ إن الرأي السائد في الأمة هو أن المندوب السامي رمز الحماية، ويجب أن يلحظ في الاتفاق إمكان قبول الأمة به، وهي لا تقبل الحماية ولا ترضى ببقاء آثارها. وهل في الأمر ما يساوي أن تثيروا الخلاف والمعارضة من أجل لقب ؟

اللورد كيرزن- أعتقد أنك مخطئ فيما تقول، إذ لا يزال مسلما به أن يكون لإنجلترا مركز خاص، ولا أعتقد أنه يمكنني النجاح إذا عرضت تغيير اللقب. بل أخشى أنهم يضربون بالمعاهدة عرض الحائط . ويدهشني أنكم لا تشاطرونني الرأي.

عدلي باشا- لم أتبين كيف يكون مركز ممثل مصر في إنجلترا

اللورد كيرزن- هذا أمر يمكن تسويته وحله، فلا نضع ممثل مصر في درجة ممثل أورگواي (Uruguay) مثلا.

عدلي باشا - لم تنشأ وظيفة المندوب السامي إلا مع الحماية. فهي مرتبطة بها وهي الشارة الدالة على بقائها. وهذا هو الشعور العام.

اللورد كيرزن -هذا اللقب لا علاقة له بالحماية. فقد كان لنا في أوربا عدة مندوبين سامين وفى بلاد مختلفة، فهل كنا فرضنا حمايتنا على كل هذه البلاد ؟

عدلي باشا - ألا يمكن التمييز بينه وبين غيره بلقب آخر .

اللورد كيرزن - عندنا في الهند ألقاب كثيرة، ولكنى لا أقترح عليكم مثل هذه الألقاب كما لا أقترح عليكم لقب (Resident) فإنه لا يعجبكم طبعا.

رشدى باشا - المهم أن اختصاصاته مميزة له .

اللورد كيرزن - إذا وجدتم لقبا جديدا كنت شاكرا لكم.

عدلي باشا - ابعثوا لنا بسفير، وإذا كان اصطلاحكم هو أن يمثلكم في البلاد التى من درجة مصر وزير معتمد (Minister) فإن في هذا الدلالة الكافية على أهمية مركز ممثلكم.

اللورد كيرزن - أظن أن هذا غير مستطاع.

(ثم أوقفت الجلسة وأعيدت بعد ربع ساعة).

اللورد كيرزن- أحب أن أقول كلمة عن المركز الذى يشغله الموظفون الإنجليز في الوزارات المهمة- رأي اللورد ملنر في مشروعه أن مصر تعين مستشارا ماليا بموافقة الحكومة الإنجليزية ، وقد ذكر اختصاصاته في المشروع وختمها بعبارة تجعل عمله مبهما غير واضح، فإن الحكومة حرة في أن تستشيره أو لا تستشيره. وأذكر بالأمس عند قراءة التحفظات، أن عدلي باشا طلب حذف عبارة الاستشارة مشيرا إلى أنه ما دام للحكومة المصرية الخيار في استشارته فالنص عليها لا لزوم له، وقد كان الرأى الراجح في الوزارة عند المناقشة في هذه المسألة أننا لا نريد التداخل في الإدارة الداخلية، وأن أبعد خاطر عنا أن نحاول دس أصابعنا في كل شئ، وستكون المسئولية عن الحكم حسنا كان أو رديئا على المصريين وحدهم، ولا يعنينا بعد ذلك أن تخرج مصر من التجربة رافعة الرأس أو مهيضة الجناح. ولكن الذى يعنينا والذى نحسه بشدة هو أمر علاقاتنا بالدول، فإن اختصاصات صندوق الدين ستؤول إلينا وتكون بيد المستشار.

ثم إن للأجانب في بلادكم مصالح تجارية كبرى. ولا بد أن يكون الاتفاق بحيث يؤمن الأجانب على هذه المصالح- على أنه لا معنى لأن يكون هناك مستشار مالي إذا لم يكن يعلم بما يجرى أى إذا كان عجلة خامسة. وستقع مساوئ ومظالم لستم مسئولين عنها، و إنما هى رد فعل الحرية بعد الإشراف، فمصلحتكم ومصلحة الدول الأخرى أن تحرصوا على استمرار الثقة بكم، وذلك لا يكون إلا باستخدام رجل كفء ، وهذا هو الذى يهمكم من وجود المستشار المالى.

وقد حررت قبل أن أجيء إليكم عبارة على عجل ضمنتها نوع الاختصاصات التى تكون لمثل هذا الموظف الذى لقبه اللورد ملنر بالمستشار المالي- وقد كنا نتكلم في مسألة الألقاب، وأقترح ألا يسمى مستشارا ماليا، فقد ترون في ذلك مهانة مستفادة من معنى حاجتكم إلى الاستشارة. بل أن يسمى (Commissar Financier:Financial Commissioner) مندوبا ماليا.

عدلي باشا - أذكر أن المصريين راعتهم هذه التسمية. فكل تغيير في اللقب يكون له قبول حسن .

رشدي باشا - لذلك سبب نفسي معروف. وهو أن المستشار اغتصب سلطة الوزير.

اللورد كيرزن- (قرأ الاختصاصات. وقد أثبتت في ورقة أرسلت بعد الجلسة، وأوردت في مجموعة المذكرات).

إني لا أستحسن عبارة اللورد ملنر، كذلك لا تستحسنونها أنتم أيضا- ولما كنت في الهند أنشأت لجنة لإدارة السكة الحديد، ولم أرد أن أحدد اختصاصها، فجعلت لرئيسها حق الدخول عليّ، وكلما استشكل في مسألة جاءني مستفتيا. وهكذا جرت الأمور على أحسن حال.

وهناك مسألة أخرى. أولاها اللورد اللنبي أهمية خاصة. وهي أنه لا يحق لمصر أن تعقد قرضا، أو أن تحوّل إيراد مصلحة من المصالح العامة إلا بموافقة المندوب المالي- وقد سألني بعضهم وأنا أناقشه في هذا. و ما شأن الري ؟ إنكم لا تجهلون أهميته لمصر. كما لا تجهلون أن أعمال الري الكبرى قام بها الإنجليز بخبرتهم المكتسبة في الهند. وهي من مفاخرهم. ويجب. لبقائها أن تستمر تحت إشراف حقيقي فعال- ولذلك أسائلكم. أيكون للمندوب المالي رقابة عليه ؟ وكيف يجري من غير رقابة وإشراف ؟

عدلي باشا - نحن نتولى أمورنا بأنفسنا.

اللورد كيرزن - هذا جميل ولكن أيكون كافيا ؟

عدلي باشا- الواقع أننا سنلجأ إلى أهل الفن والخبرة في هذا الباب.

اللورد كيرزن - من يضمن عدم وقوع الخطأ ؟ إن الرجال السياسيين لا يفقهون هذه المسائل كثيرا، وأنا لا أطلب منكم الآن جوابا. وإنما أنبهكم إلى أن هذا أمر يهم مصالح الأجانب ، وللأجانب مصالح غير الدين، ولا يتوقع أن تستقيم أعمال مصلحة الري إلا إذا كانت في أيدي أكفاء .

رشدي باشا - مصلحة المصريين أنفسهم أن يكون الري قبل كل شيء على أحسن حال. ثم إن أملاك الأجانب قليلة بالنسبة لأملاك المصريين.

اللورد كيرزن- ليس هذا كافيا. ولقد رأيت في الهند أغلاطا فاضحة، وأذكر أن إحدى الإمارات الهندية الوطنية طلبت مني أن أعين لها مندوبا ماليا وآخر للري.

عدلي باشا - ذكر تاريخ أعمال الرى، وبيّن أن الأعمال المهمة من عهد محمد على تمت بواسطة الاستعانة بالأجانب، وليس في المصالح المصرية المهمة ما يعنى له المصريون مثل هذا، فهم خير رقيب على طريقة إدارته).

صدقي باشا- المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر. فلا يخشى من أن نفرط فيها.

اللورد كيرزن- لى كذلك كلمة عن الموظف القضائي. وأرى أن عبارة اللورد ملنر بصدده يعيبها الإبهام الذى أخذته على عبارة المستشار المالى. وقد كان من بين التحفظات التى قرأتموها علىّ حذف هذه العبارة اكتفاء بوجود نائب عمومي. ولذلك حررت عبارة على طراز ما حررته في موضوع المندوب المالى (وقرأها وقد أوردت في مجموعة المذكرات). وأرجو عند إعادة المناقشة في هذا الموضوع أن تذكروا لى اختصاصات النائب العمومى، وكيف ترون أنه يحل محل الموظف القضائى.


ورفعت الجلسة حيث كانت الساعة السادسة.

الإمضاء

عبد الحميد بدوي


المصادر