محضر الجلسة السادسة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه

محضر الجلسة السادسة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه، في 29 يوليو 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي-كيرزن)، بين الوفد الرسمي المصري وبين اللورد كيرزن ومساعديه بوزارة الخارجية، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 136 - 144".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

افتتحت الجلسة الساعة الخامسة والنصف مساء.

اللورد كيرزن - خشيت إن لم نجتمع أن ترموني بمجافاة اللياقة معكم. ولعلكم لا تجهلون أن لدينا الآن أزمات متعددة أخص بالذكر منها مشكلة سيليزيا بيننا وبين فرنسا. ثم لنا مع أمريكا واليابان شاغل من مؤتمر واشنجتون. كما لنا من مؤتمر رؤساء وزارات الأملاك المستقلة شاغل آخر، وكلما هممت بمقابلتكم شغلتني الشواغل. وأشكر لكم أنكم تكرمتم بإرسال مذكرات عن المسائل التي تناقشنا فيها (وعدّد المسائل الأربع) وقد طلبت الاجتماع بكم اليوم لأؤكد لكم أنى قرأتها بإمعان ولأبدى بعض ملاحظات ولأرجوكم الإجابة على بعض الأسئلة ونظرا لضيق الوقت فسأبدي ملاحظاتي بلا انتظار جواب عليها في هذه الجلسة - وقد أسافر قريبا. وأرجو أن يكون لي معك (مخاطبا عدلي باشا) أو مع الوفد في الأسبوع الآتي حديث عن الخطوة التي تلي ما وصلنا إليه لتزيد المسألة وضوحا، ولنقرب أسباب التوفيق بين وجهتي نظرنا - وها هو ما أقول اليوم تعليقا على المذكرات: أما المذكرة الأولى عن الحالة المالية فهي مذكرة قديرة وأظنها لصدقي باشا. ولكن لا يسبق إلى ظنه أنى لذلك أقبل ما جاء فيها أو أسلم به. وقد بدأ الكلام فيها عن حالة المالية السابقة وحالتها الحاضرة. والفرق واضح لا شك فيه، فقد كانت مصر مفلسة. وهي الآن تتمتع بالرخاء ولكن ذلك لم يتم بمقدرة الماليين المصريين، وإنما تم بفضل التداخل الأجنبي والرقابة الأجنبية. وقد أراد بعد ذلك أن يزيح عنى الخوف على المستقبل فأكد حكمة المصريين وحرصهم على المثابرة على الخطة التي سلكت حتى الآن، أكد كذلك أن المالية المصرية ستدار على الوجه الذي تكون معه بريطانيا والدول في أمن على مصالحها. وليس أحب إلى من أن أتقبل ذلك وأن أصدقه لو استطعت إلى ذلك سبيلا. ويحضرني الآن حادثة أريد أن أذكركم بها وليس العهد بها ببعيد. فقد طلبت إلينا وزارتكم الحالية بتأثير الرأي العام المصري أن تتولى الحكومة شراء مقادير من القطن لتحسين أسعاره، وهي طريقة لا تتفق في شيء مع أصول الاقتصاد غير أن اللورد أللنبي حين أبلغنا رغبة الوزارة نصح بعدم التعرض لها وبإطلاق يدها في تنفيذ تلك الرغبة فقبلت رأيه ولم أحل بينها وبين ما تريد مع يقيني بخطأ الطريقة. على أنه لم يكن لهذا الشراء أقل تأثير في سوق القطن ولم ينتج عنه إلا تحميل الحكومة مصاريف كثيرة والمجازفة بأموال طائلة. ولست أطعن على صدقي باشا في ذلك التصرف لأني أظنه كان يريد إرضاء الرأي العام. ولكن هذا يدل على أن القول بأن المالية المصرية ليست في حاجة لمراقبة مما يصعب التسليم به، لأن هذا الرأي العام سيكون كما كان. وقد يلجئ إلى مثل هذه التصرفات من وقت لآخر.

ثم يلى ذلك فقرة عن مصالح الأجانب واشتباكها بمصالح المصريين واعتبار المصلحتين مصلحة واحدة. نعم هذا صحيح ولكنى أرى أنه يوجب مراقبة ولا يمنعها. وليست المصلحة البريطانية وحدها رائد نظرنا فإن مصالح الأجانب واجبة الرعاية أيضا. ولو أن صدقى باشا قال لممثل دولة أجنبية إننا سنكون أحرارا ولن تكون علينا رقابة بعد الآن لاضطرب ذلك الممثل واحتج. وليست لدى أرقام أستدل بها على مقدار ما لكل دولة من الدول الأجنبية من المصالح والديون ولعلكم تفيدوننى عن ذلك.

صدقى باشا - ديننا خاص وعام، أما العام فإن الفرنسويين لهم فيه معظم الدين الموحد في حين أن الانجليز لهم معظم الدين الممتاز. على أن ثلث الدين العام موجود الآن في مصر وتدفع فوائده في مصر.

اللورد كيرزن - أعلم فيما يختص بالتجارة أن معظم التجارة الصغرى بيد المصريين وأن أعمال التجارة الكبرى بيد الأجانب، ألا ترون من ذلك أن المصلحة ليست مصلحة سياسية بريطانية ولكنها مصلحة الأجانب على العموم.

ثم تكلم صدقى باشا في المذكرة عن الأعمال الإضافية للمندوب المالى. وهى مرتبات المحاكم المختلطة. ومعاشات الموظفين الأجانب. ومرتبات المندوبين المالى والقضائى ومن يلحق بهما من الموظفين. وهو يقول في هذا الشأن أنه لا حاجة إلى النص على اختصاص المندوب بهذه المسائل، لأن الضمانة عنها مقررة بنصوص المعاهدة نفسها. وأرى أنه إذا كان المقصود أن تقرر المعاهدة نفسها ضمانة هذه الالتزامات، فإن اعتراضه يكون حقا ولا يكون ثمت حاجة إلى النص عليها في صدد اختصاصات المندوب المالى.

أما الأمر المهم في مسألة المندوب المالى فإنى آسف أننا لسنا متفقين فيه على أن الذى أريد أن أصل معكم اليه، هو أن يكون المندوب المالى بحيث يستطيع أن يحذر من الوقوع في خطأ كبير إذا تبين أن الحكومة ستقدم عليه - ولست أرى من حسن الجواب على ذلك أن تلهجوا دائما بذكر السيادة والمساس بها، ولا أخفيكم أنى كلما سمعت استنادا إلى هذه السيادة شككت في قوة حجة المعارض. وكثيرا ما نرى الفرنسويين يتشدقون بها وقد رأيناهم يذهبون إلى أن معارضتهم في إرسال جنود إلى سيليزيا مساس بحقوق سيادتهم. والذى أراه أن الاحتجاج بالسيادة لا يسهل حل المسألة وأن الذى يجب أن نسعى إليه هو الوصول إلى حل عمليّ.

وقد ذكر صدقي باشا في هذا الصدد عبارة أهنئه عليها. وهي من نوع ما نقوله نحن في برلماننا ولكنها ليست بذات وزن كبير. يقول إن الاختصاص الذي نقترحه للمندوب المالي يضعه فوق أمة بأسرها وأن البرلمان المصري ضمانة كافية، على أننا نحن الذين لنا مجلس تمتد خبرته على مدى ثمانمائة سنة لا نشك في أنه غير كفء للرقابة المالية، أفمع ذلك يكون البرلمان المصري الحديث النشء ضمانة تغني عن الرقابة؟ والذي أرجوه هو أن تجدوا الصيغة المناسبة التي تدل على أننا لا نريد أن نتداخل في سلطتكم أو في استقلالكم. وإنما نريد أن نتقي الأغلاط وأن نمنعها - وقد كنت أعتقد أنكم تفرحون لاقتراحنا. وأنكم لا تبتئسون أن يحاول أحد أن يجنبكم ارتكاب الأغلاط.

وقد تلمح المسألة من وجهة أخرى فقد يقال اتركوهم يخطئوا فإن هذا أدنى إلى تحقيق ظنكم بهم. ولكني لا أنكركم أني أفضل اتقاء وقوع الخطأ على إثبات صحة نظري وصدق حدسي. وأرجو أن يوقن صدقي باشا أني لا أتهم أبناء بلده بأكثر مما أتهم أبناء بلدي، والواقع أنه قد تقع أغلاط وأنه يجب لذلك وضع ضوابط وحواجز تحول دون وقوعها. وأعتقد أنكم تتبينون أن مصلحتكم أنتم هي التي تقضي بذلك. وأرجو أن تجيلوا الفكر في الملاحظات التي أبديتها لكم وما دفعني إلى إبدائها إلا رغبتي في إظهار اعتباري لمذكراتكم ولأدلكم على أني طالعتها بدقة.

أما المندوب القضائي فقد كررتم في مذكرتكم عنه ما ذكرتموه هنا من كفاية النائب العمومي والاستغناء به عنه. ولكن النائب العمومي الآن موظف في المحاكم المختلطة له سلطة لا تكاد تكون شيئا. كما ذكر ذلك المستر مري ولم ينكره عليه أحد. ويجوز أنه إذا أصلحت المحاكم المختلطة يصبح لهذا الموظف شأن كبير ولكن متى يقع ذلك؟ إننا لنخشى ألا يكون ذلك عاجلا. فقد يحتاج أمر ترتيب النظام الجديد للمحاكم المختلطة إلى أشهر أو سنين. فماذا تكون فائدة اقتراحكم الآن؟ وأريد أن أذكر الوفد بأنه كما قد تقع أغلاط كبيرة في المسائل المالية كذلك يجوز أن تقع أغلاط في المسائل القضائية. وقد أقمت في الشرق طويلا ورأيت من ذلك شيئا كثيرا. ومثل هذه الأغلاط جائز الوقوع دائما وقد يترتب عليها أضرار بمصالح الأجانب، على أنه إذا جاز وقوع الأغلاط وجب أن يفكر في شخص يمنع وقوعها. فإذا وقعت يستوثق من عقاب الجاني - هذا أمر يهم الأجانب. وإذا كانت بريطانيا ستسأل عن حماية الأجانب فإن ذلك مما يطلبونه. ولا أريد أن نشتبك في جدل بشأن هذه المسألة اليوم. لأنها مسألة تفصيلية، ولكنني أكتفي بأن أقول بأنه يجب أن يكون لهذا الأمر ضمانة ولا أظن أن من المتعذر عليكم أن تجدوا حلا لهذه المسألة. فإن كل المطلوب هو أن لا تقع أغلاط وأن المصالح الأجنبية تؤمن.

عدلي باشا - أستأذنكم في ملاحظة. فقد ذكرتم أنه ليس للنائب العمومي الآن سلطة. وسوف لا تكون له سلطة حقيقية واسعة إلا مع ترتيب المحاكم المختلطة الجديد. وهو قد لا يتم قبل أشهر أو سنين، غير أن المفهوم عندنا هو أن البحث في شأن المندوب القضائي كان ملحوظا فيه أن طلب تعيين ذلك المندوب مرتبط بإلغاء، الامتيازات وتنظيم المحاكم المختلطة. ولذلك جرى الحديث بأن المعاهدة يعلق نفاذها على تمام الاتفاق مع الدول. ولكن عبارتكم تدل على أنه قد يقدر نفاذ المعاهدة حالا. وتبقى حينذاك مسألة الامتيازات وتنظيم المحاكم المختلطة إلى أن تتم المفاوضات بشأنها فهل أنا محق في استنتاجي؟

اللورد كيرزن - ملاحظتكم وجيهة. ويصح أن نقدر أن يتم الاتفاق قبل نجاح المفاوضات مع الدول جميعها. ونحسب لذلك حسابه من حيث الاحتياط الذي يجب اتخاذه.

عدلي باشا - يهمنا أن نعرف حقيقة مذهب الحكومة الإنجليزية في الأمر. فقد كنا نعتبر حتى الآن مسائل اختصاص المحاكم المختلطة. وتعيين مندوب قضائي، وإلغاء الامتيازات مسائل يرتبط بعضها ببعض، فإذا أريد الفصل بينها فلنا في ذلك كلام آخر.

اللورد كيرزن - (بعد الاستعلام من رجاله): إن الاتفاق تم مع خمس دول و بقيت سبع وتعرفون أن أمثال هذه المفاوضات طويلة وأنها تقترن دائما بطلب عوض وكثيرا ما تثار أثناء هذه المفاوضات مسائل تؤخر فصلها مما لا علاقة له بمصر. مثال ذلك: أننا كلما حدثنا فرنسا في أمر مصر فتحت لنا باب الكلام في طنجة.

(ثم انتقل إلى مسألة العلاقات الخارجية) رأيت أن المذكرة تكرير لما ذكرتموه هنا. وكل ما ألاحظه عليها مسألة أو اثنتان لم تكونوا فيها عادلين فقد قلتم إنه إذا أرادت حكومة مصرية أن تلجأ إلى الدسائس في عاصمة أجنبية كان في مقدورها أن تفعل ذلك بواسطة وسائل خفية، ولهذا الرد وجاهة. ولكنه ليس ردا قاطعا. لأنه لا يزل للممثل السياسي المصري سلطة وقوة في إجراء الدسائس ليست للعمال المستترين. وقد أردت أن ألفتكم إلى ذلك حتى لا يخيل لكم أن ردكم قاطع.

( ثم ذكر عبارة . " Par quelle etrange aberration ect " وقال ردا عليها ) ليس من الصعب أن أتصور حالة يكون فيها ممثلو مصر في عواصم أجنبية في زمن حرب راغبين في الصيد في الماء العكر.

كذلك لستم عادلين فيما ذكرتموه من أن اشتراط أن يكون بين المندوب السامى ووزير الخارجية المصرية أوثق علاقة (closest relation ) قد يحمل على الظن بأنه يراد جعله تحت مراقبته وإشرافه فإنى طبعا لا أعنى ذلك. وكما قال صدقى باشا في كفاءة رجال مصر. فكذلك أقول لكم عن مندوبنا إنه سيدرك واجبه حق الإدراك. وأنه سوف لا يضع أنفه في كل مسألة. وكل ما أريده هو أن يتكلم معه وزير خارجيتكم في الشؤون المهمة. وفى الأملاك المستقلة حيث الحكومة مستقلة حقيقة تجدهم يطلعون الحاكم العام على ما يجرى. وإذا فكر رئيس الوزارة في أمر هام حدث الحاكم العام فيه، وما أريده هو أن لا يكون المندوب السامى جاهلا بما يجرى.

عدلى باشا - لا ننكر أن الأمر من حيث الواقع قد يقضى بالاتصال بين ممثلى الحكومتين نظرا للعلاقات التى تنشئها المحالفة. ولكن الذى اعترضنا عليه هو الصيغة التى استعملت.

اللورد كيرزن - تقولون إذن بالاتصال فحبذا لو اقترحتم صيغة أخرى.

عدلى باشا - نحن لا نريد التخصيص بأن العلاقات تكون قائمة بين الممثل البريطانى ووزير الخارجية وإنما تكون بين الحكومتين المصرية والإنجليزية.

اللورد كيرزن - لسنا في وقت وضع الصيغ. ولكن مركز المندوب السامى الاستثنائى يجعل من الواجب أن يكون عالما بما يجرى. وقد أشرتم الى المعاهدات التجارية ورغبتم في الاحتفاظ بما كان لكم من الحرية - أما المعاهدات السياسية فترون أنه يكفى أن تتعهد مصر بأن لا تعقد اتفاقا مضرا بمصالح انجلترا السياسية الخ - ولكن من الحكم في هذا، طبعا نحن، ونحن وحدنا الذين نعرف ونحكم بأن ذلك مضر بالمصالح البريطانية أو غير مضر - ألستم تصلون بذلك الى التسليم بما أقول؟

المستر لندسى - ألا ترون اذا كان سعد باشا وزير خارجية أنه يستطيع أن يعقد اتفاقا مضرا بمصالح انجلترا ؟

عدلى باشا - مع نص كالذي نقترحه لا يمكن ذلك.

اللورد كيرزن - إن الحجة التي ترددونها دائما، وهو أن هذا لا يحصل. فإذا حصل كانت لدينا الوسائل الخفية لمنع تنفيذه أو لاتقاء الضرر الناتج عنه لا تبلغ مني مكان الاقتناع.

عدلي باشا - ولكن ما نقوله هو الواقع.

اللورد كيرزون - على أي حال هذا أمر يمكن الاتفاق عليه كما يمكن الاتفاق على لقب الممثل البريطاني - أما مسألة الامتياز ومشروع هرست فسيتناقش فيهما في وقت آخر.

( ثم انتقل إلى المسألة العسكرية ) أرى أن الموقف الذي اتخذتموه في هذه المسألة في مذكرتكم هو بعينه الموقف الذي اتخذتموه عند المناقشة فيها في اجتماعاتنا، وقد قرأت مذكراتكم بإمعان ولي كلمة عن أسانيدكم فيها - فان هذه الأسانيد تتلخص في معنى واحد. وهو أن القوة العسكرية لا يحتاج إليها لحفظ الأمن أو حماية الأجانب أو الدفاع من الحدود لأنكم سوف تستطيعون ذلك بجيشكم أنكم سوف يكون لكم جيش قوي منظم يمكنكم من القيام بهذه الواجبات بأنفسكم - فهل هذا هو الواقع؟

لا يخرج الأمر في ذلك عن إحدى صورتين: الأولى أن تكونوا أظهرتم في الماضي ما يدل على استعدادكم لذلك، والثانية أن تكون لأمتكم نزعة حربية وأن تكون أشربت حب النظام العسكري وليس شيء من ذلك بصحيح ؛ والدليل على ذلك حوادث الإسكندرية وكل من يعرف فلاحي مصر يعرف أنهم خير فلاحين للأرض. وأنه ليس لديهم أقل استعداد حربي. وأذكر أول مرة هبطت فيها مصر أني رأيت منظرا غريبا فقد كان الشبان يجمعون للقرعة العسكرية وكان أهلهم من ورائهم يبكون ويصرخون - أولئك الذين سينتظمون في سلك الجيش ويطالبون بالدفاع عن بلدهم يشيعون بالبكاء والعويل.

عدلي باشا - ذلك أن قانون القرعة كان في الوقت الذي تشيرون إليه ممقوتا. فإنه كان يجعل الشخص الذي يؤخذ للخدمة العسكرية لا يعود يصلح لغيرها.

اللورد كيرزون - أتريد بذلك أن تقول أن نظام التطوع أفضل؟

عدلي باشا - ليس هذا غرضي وإنما الذي ألاحظه أن مدّة الخدمة طويلة جدا.

اللورد كيرزن - تقولون إن جيشكم فيه الصفات الحديثة اللازمة. ولا أظنكم تجدون أحدا يقركم على ذلك.

عدلي باشا - ولكن التاريخ قد دل على أنه لما نظم الجيش المصري حارب حربا مجيدة. وقام بكل ما طلب منه.

اللورد كيرزن - كذلك دلت حوادث الاسكندرية على أن الجيش المصرى لم يكن غير كاف فقط، بل دلت على أنه انضم الى المشاغبين والغوغاء، فكيف تظنون أن الأجانب يرضون بما تقترحون؟ على أنه كلما ذكر تقرير اللجنة نبض إحساسكم وطلبتم عدم نشره؛ وأرانى مضطرا الى نشره اذا بقى موقفكم كما هو الآن ليعلم كل واحد هنا وفى الخارج أن إبقاء الجيش لحماية المواصلات وحدها جنون ولكنى حريص على إرضائكم فلا أريد أن أنشره.

عدلى باشا - إنى لم أقرأ التحقيقات وقد سبق لى أن طلبت صورة منها ومن التقرير.

اللورد كيرزن - ولا أنا. وهى طويلة جدّا وكل ما قرأته هو الملخص التلغرافى الذى أرسل لى من مصر.

المستر لندسى - نحن نعدّ صورا منها. فإذا فرغنا منها أرسلنا لكم صورة.

اللورد كيرزن - تقولون عن القوة العسكرية إنها توضع في جانب منعزل. ويبقى عددها صغيرا وتلبث لا تتحرك حتى تقوم حرب. ولا يكون لها شأن في زمن السلم - وأقرّر لكم بكل صراحة أن الرأى العام هنا وفى الأمبراطورية كلها لا يقبل ذلك - ولا يمكن أن نمحو تاريخ الخمس والعشرين سنة الأخيرة. نحن نريد أن نعطيكم كل ما يسعنا إعطاؤه - تطلبون الاستقلال. ولكن بأى شىء كسبتموه - وقع حقيقة هياج وفتن وقتل بعض الأجانب. ولكن هل كسبتموه بالحرب والقتال - إنى أريد أن أسهل لكم الأمور. ولكن ما تقترحونه شئ لا يسع الحكومة الإنجليزية قبوله. وإنى إذا نشرت التقرير فإنكم لا محالة آخذون أقل مما أعرض عليكم - وإنى أضرب لكم مثلا بلدا صغيرا كبلجيكا فقد كانت مضمونة من ألمانيا وفرنسا وانجلترا. فماذا أفادتها تلك الضمانة ؟ أحالت دون غزوها واجتياحها ؟ إذا كنتم تعتقدون أن المعاهدة وحدها تضمن كل شىء فأنتم واهمون .

رشدى باشا - ولكن أيرضى البلجيكيون أنكم في سبيل الدفاع عنهم ترابطون بجيش في أرضهم؟

اللورد كيرزن - إن بلجيكا تطلب أن تعقد اتفاقات بشأن الدفاع عن حدودها وإن هذا أحب شىء لديها. ومع ذلك فهل تقارنون مركز مصر ببلجيكا ؟ وليس يمكن على أى حال أن تملوا علينا شروطكم حينما تكون المصالح الأمبراطورية معرض النظر. وحبذا لو وجدتم أثناء غيابى في باريس وسيلة للاتفاق بدلا من أن نتقاذف المذكرات - لا أحب أن تقولوا إن هذا أمر لا يمكننا قبوله فلا حيلة لنا في قطع المفاوضات، فإننى لا أريد أن نصل إلى هذا المركز- وقد قلت لكم إنى أرى أن الكلام في التفاصيل خير من المناقشة في العموميات. وأرجو ألا تنسوا أن أمتكم لم تكسب استقلالها. على أنها تستطيع أن تستكمل في المستقبل ما ينقصها من شروطه ، كذلك أرجو أن توقنوا أننا لا نبغى لذة بحفظ قوة كبيرة في بلادكم ، وانما الأغراض التى شرحتها لكم هى التى تدعونا للبقاء. وقد ذكرتم التوقيت بالنسبة لهذه القوة العسكرية ولكنى لا أظن ذلك ممكنا فيما يتعلق بالمواصلات

وقد يمكن النظر في ذلك بالنسبة للأغراض الأخرى - ولست أهدّدكم بما أقول ولكني أتكلم بصراحة. فهل تريدون أن تقولوا شيئا الآن أو أن ترجئوا الكلام في ذلك حتى دراسة هذه الملاحظات؟

عدلي باشا - بدأتم الحديث بأنكم ستبدون ملاحظات بلا انتظار جواب عليها.

اللورد كيرزن - ولكن إذا هاجمتكم فدافعوا.

عدلي باشا - أذكر أنكم قلتم عن مسألة القوة العسكرية إنها تؤجل إلى حين تحرير صيغة النص المتعلق بها.

اللورد كيرزن - أرى أن حل هذه المسألة إنما يكون بوجه عام - قد يكون من المصلحة وضع قوّة في بلد من البلاد وبعد سنتين لا يصبح لهذه القوّة لزوم فيها - خذوا الإسكندرية مثلا ففيها عدد كبير من الأجانب ( سأل عن عددهم فأجاب صدقي باشا: نحو ستين ألفا ) يحتاجون إلى الحماية. نحن لا نريد أن تخطر عساكرنا في شوارع الإسكندرية، على أنه قد يكون من اللازم أن يقيموا في خارجها. فمحل القوّة وعددها أمر يترك ليكون محل اتفاق بين الحكومتين من وقت لآخر. ولكني لا يسعني التسليم بالتمييز الذي تقترحونه بين حالتي الحرب والسلم وبأن القوّة تظل في السلم منزوية في ركن، ولا أعتقد أن أحدا يقبل هذا التمييز.

عدلي باشا - في الفرض التي تفترضونه ألا تكون القوة مرابطة في مكان واحد؟

اللورد كيرزن - لا أريد أن أتقيد بشيء وأترك ذلك للظروف. وإذا وقع لكم أن أخرجتم جيشا عظيما بعد خمس سنوات مثلا فقد يصبح الأمر محل نظر - وهناك طريقتان لإعادة النظر في المسألة: إحداهما أن يحدد زمن معين، خمس أو عشر سنوات، يعاد النظر فيها بعده. أو أن لا يحدد زمن وتترك إعادة النظر للظروف فتصبح معالجتها في أي وقت.

عدلي باشا - ألا تسلمون أن كل المسألة الحربية تكون محل نظر ؟

اللورد كيرزن - أريد أن أذهب معك إلى ( Downing Street ) حيث يجتمع المؤتمر الإمبراطوري. لترى ماذا يقولون في ذلك. إذا سمح لي عدلي باشا بأن أجمعه بوزراء الأملاك المستقلة المجتمعين في لوندرة في هذه الآونة لعلم كيف يتشدّدون في هذا الموضوع.

عدلي باشا - قد تتغير الظروف. فإذا تغيرت أفلا يكون هناك محل لإعادة النظر في المسألة،

اللورد كيرزن - إذا تغيرت الظروف فلا مانع - فقد تضيع المستعمرات. ولا يكون محل للكلام عن المواصلات. ولكني أريد أن أقصر الكلام على الحقائق العملية.

عدلي باشا - ليس هذا الذي أعني. وإنما أعني أن مصر قد تتوافر لديها الوسائل الكافية لتأمين مواصلاتكم وأنكم تطمئنون لها وتثقون بها بعد الذي ترونه من علاقاتها معكم.


( ثم تلا ذلك حديث متفرق ذو شجون. قال فيه عدلى باشا إن لدينا ملاحظات على ما رددتم به على مذكراتنا ولكن ضيق الوقت يحول دون تفصيل الكلام فيها. وقال صدقى باشا أرجو أن أقنعكم بأن عملية شراء القطن كانت عملية صائبة. ثم قال عدلى باشا ونستطيع أن نقنعكم بأنه ارتكبت في العهد الأخير أغلاط في الإدارة المالية في مصر لا تقع مسئوليتها على المصريين ) .

وانتهت الجلسة حيث كانت الساعة السابعة،

الامضاء: عبد الحميد بدوى


المصادر