حرب القرم
جزء من الحروب الروسية العثمانية
CatonWoodvilleLightBrigade.jpg
هجوم الكتيبة الخفيفة، بريشة ريتشارد كاتون وودڤيل.
التاريخ28 مارس 1853 - 30 مارس 1856
الموقع
النتيجة انتصار الحلفاء والدولة العثمانية، وتوقيع معاهدة باريس
المتحاربون
الحلفاء:
فرنسا الامبراطورية الفرنسية
الدولة العثمانية الدولة العثمانية
المملكة المتحدة الامبراطورية البريطانية
مصر مصر
إيطاليا مملكة سردينيا
Flag of Russia.png الامبراطورية الروسية
بلغاريا متطوعون بلغار
اليونان مملكة اليونان
القادة والزعماء
القوى
إجمالي: 1,000,000
  • Flag of France 400,000 فرنسي
  • ختم الجزائر الفرنسية 3 كتائب من الجزائر
  • الدولة العثمانية 300,000 عثماني
  • مصر مصر: 12 سفینة عليها 642 مدفع و6,850 جندی، وجیش بري 20,000 و72 مدفع
  • المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا 250,000 بريطاني
  • مملكة سردينيا 15,000 سرديني[1]:112
إجمالي: 720,000
الضحايا والخسائر

اجمالي 300,000–375,000 قتيل، منهم 70,000 ضحايا المعارك[3]
[4]

 الدولة العثمانية
اجمالي القتلى تقدير 95,000[5]–175,300[2]

فرنسا الامبراطورية الفرنسية
إجمالي القتلى حوالي 100,000[6]
منهم 10,240 صرعى الوغى; 20,000 توفوا بجروحهم; ح. 75,000 ماتوا بأمراض

 المملكة المتحدة
: 2,755 صرعى الوغى؛ 2,019 ماتوا بجروحهم؛ 16,323 ماتوا بالوباء

 سردينيا
2,050 وفيات بكل الأسباب[7]:89
اجمالي: 522,000[8] [9] قتلى وجرحى وضحايا الوباء [10]
منهم القتلى 60,000[11] to 110,000[12][13]

حرب القرم Crimean War ‏(أكتوبر 1853 – فبراير 1856)[14][7]:7 هي حرب خسرت فيها روسيا أمام تحالف من فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية وسردينيا. وبينما ظلت النمسا على الحياد، إلا أنها لعبت دوراً في إيقاف الروس.

القضية المباشرة التي أشعلت الحرب هي حقوق المسيحيين في الأرض المقدسة، الواقعة تحت حكم الدولة العثمانية. تبنى الفرنسيون حقوق الكاثوليك، بينما تبنى الروس حقوق الأرثوذكس. الأسباب بعيدة المدى للحرب تضمنت اضمحلال الدولة العثمانية، وعدم رغبة بريطانيا وفرنسا في السماح لروسيا بالحصول على أراضي أو نفوذ على حساب العثمانيين. خسرت روسيا وانتصر العثمانيون، ليحصلوا على فرصة لالتقاط أنفاسهم لعشرين سنة من الضغط الروسي. منح العثمانيون المسيحيين درجة من المساواة الرسمية، كما حصل الأرثوذكس على السيطرة على الكنائس المسيحية موضع النزاع من العثمانيين.[15]:415 حصلت روسيا على تقدير جديد لتنوعها الديني وشنت برنامج اصلاح لهذا الغرض وكان له بالغ الأثر.[16] فحسب شپرد كلف، أستاذ التاريخ في جامعة كلومبيا، فإن الحرب:

"لم تكن نتيجة خطة محسوبة، ولا حتى قرارات متسرعة في آخر لحظة تحت ضغوط. فقد كانت نتيجة أكثر من عامين من الأخطاء الفادحة بالتصوير البطيء من رجال دولة يفتقدون الكفاءة كان لديهم شهور للتفكر في الأفعال التي ارتكبوها. فقد نشبت من بحث ناپليون عن الهيبة؛ ومن سعي نيقولاي للسيطرة على مضايق [كرچ]؛ خطأه الساذج في حساب ردود أفعال القوى الاوروپية؛ وفشل تلك القوى في إيضاح مواقفها؛ وضغط الرأي العام في بريطانيا والقسطنطينية في لحظات حاسمة."[17]

ذهبت روسيا والدولة العثمانية إلى الحرب في أكتوبر 1853 حول حق روسيا في حماية المسيحيين الأرثوذكس. كان لروسيا اليد العليا بعد تدمير الأسطول العثماني في البحر الأسود في ميناء سينوپ؛ لإيقاف الغزو الروسي دخلت فرنسا وبريطانيا الحرب في مارس 1854. معظم القتال وقع للسيطرة على البحر الأسود، فنشبت المعارك البرية في شبه جزيرة القرم في جنوب روسيا. احتفظ الروسي بحصنهم العظيم في سڤاستوپول لأكثر من عام. وبعد سقوطه، تم التوصل لمعاهدة سلام في باريس في مارس 1856. وكانت قضية الحقوق الدينية قد تم حلها بالفعل. النتائج الرئيسية كانت تحييد البحر الأسود—فروسيا لن يكون لها أية سفن حربية فيه—كما أن المقاطعتين ولاخيا ومولداڤيا سيصبحا مستقلتين لحد كبير تحت الحكم الاسمي للعثمانيين.

كانت هناك حملات أصغر في شرق الأناضول، القوقاز، بحر البلطيق، المحيط الهادي والبحر الأبيض. في روسيا، وعـُرفت تلك الحرب بإسم "الحرب الشرقية Eastern War" (روسية: Восточная война, Vostochnaya Voina).

غيرت الحرب شكل المنطقة. فبسبب المعارك، وتبادل السكان والحركات الوطنية التي أشعلتها الحرب، الدول الحالية اوكرانيا، مولدوڤا، بلغاريا، رومانيا، اليونان، تركيا، أرمنيا، جورجيا، ومناطق مثل القرم والقوقاز تغيروا بشكل كبير بسبب هذا الصراع.[18]

اشتهرت حرب القرم بأنواع الفشل اللوجستي والطبي والتكتيكية في الجانبين. وشهد الجانب البحري حملة ناجحة للحلفاء قضت على معظم سفن البحرية الروسية في البحر الأسود، وحصار ناجح فرضته البحرية الملكية في البلطيق. وكانت واحدة من أول الحروب "المعاصرة" لأنها شهدت أول استخدام للسكك الحديدية والتلغراف.[19](Preface) كما اشتهرت كذلك بعمل فلورنس نايتنگيل وماري سيكول، رائدتي مقارنة الممارسات الطبية الحديثة أثناء معالجة الجرحى.

كانت حرب القرم واحدة من أول الحروب التي وُثـِّقت بكثافة بتقارير مكتوبة وصور: وخصوصاً من وليام رسل (الذي كان يكتب لصحيفة التايمز) وصور روجر فنتون.[15] الأنباء من المراسلين الحربيين وصلت كل البلدان المشاركة في الحرب وأطلـَعت مواطني البلدان المشاركة في الحرب على أحداث الحرب يوماً بيوم بشكل لم يسبق له مثيل في أي حرب من قبل. فقد كان الشعب البريطاني على اطلاع كامل بالواقع اليومي للحرب في القرم. وبعد أن مد الفرنسيون كابل تلغراف إلى ساحل البحر الأسود في شتاء 1854، وكانت الأنباء تصل لندن في يومين. وحين أرسى البريطانيون كابل بحري إلى شبه جزيرة القرم في أبريل 1855، أصبحت الأنباء تصل لندت في بضع ساعات. التقارير الاخباية اليومية شحنت الرأي العام، الأمر الذي أسقط حكومة أبردين وحمل اللورد پالمرستون إلى رئاسة الوزراء.[15]:304–11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدولة العثمانية وأطماع روسيا

اتسمت العلاقات بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية بقدر كبير من العداء والدموية، فمنذ سيطرة القياصرة على الحكم في روسيا، امتلك الروس حزمة من الأطماع التوسعية في أن تكون روسيا دولة كبرى على مسرح السياسة الأوربية والدولية، واختلطت هذه الأطماع في بعض الأحيان بعواطف دينية متعصبة، متمثلة في حماية الأرثوذكس في العالم، والسيطرة على القسطنطينية التي فتحها السلطان محمد الفاتح، وكذلك السيطرة على الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين.

وأدرك الروس أن تحقيق هذه الأطماع المتشابكة لن يتم إلا بالقضاء على الدولة العثمانية، خاصة في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان، والسعي إلى تقسيم الأملاك العثمانية بين الدول الكبرى، تمهيدا لوصول روسيا إلى المياه الدافئة، وهو الحلم الذي ظل يراود الروس فترة طويلة من الزمن، وأدرك الروس أن ذلك لن يتحقق إلا بوجود قدر من التوافق بين روسيا والدول الأوربية الكبرى.

وبسبب هذه الأطماع الروسية -فضلا عن حالة الضعف العثمانية التي كانت تغري الدول الكبرى بالتدخل في شئونها- وقعت أكثر من 150 حربا بين العثمانيين والروس، استغرقت حوالي 150 عاما.

ورأت فرنسا وبريطانيا في هذه الحروب الطويلة والعنيفة بين الجانبين تحقيقا لمصالحهما، من حيث إضعاف روسيا وردعها عن التدخل الفاعل والنشط في السياسة الأوربية، وإبعادها عن المنافسة في المجال الاستعماري، وكذلك إضعاف الدولة العثمانية التي تتمدد أملاكها في 3 قارات؛ تمهيدا لتقسيمها بطريقة لا تؤثر على التوازن في السياسة الدولية.

والمعروف أن الدولة التي كانت تقف حائلا دون تقسيم الدولة العثمانية والقضاء عليها في ذلك الوقت هي بريطانيا، التي رأت أن القضاء على "رجل أوربا المريض" (المصطلح الذي كان يطلق على الدولة العثمانية آنذاك) فيه تهديد لمصالحها وأمن مستعمراتها في الهند، ويعني أيضا هدم دولة تقف سدا منيعا أمام الأطماع الروسية، والحيلولة دون وصول الروس إلى المياه الدافئة ومن ثم مزاحمة بريطانيا في أماكن نفوذها.

أما فرنسا فقد كانت ذات سياسة متغيرة، ولم تكن يتملكها نفس الخوف من الدور الروسي مثلما هو الحال في بريطانيا، ولعل هذا ما حصر النفوذ الفرنسي -نسبيا- في الحصول على بعض الامتيازات من العثمانيين لحماية مصالحها ورعاياها.


حلقات الصراع

كان القيصر الروسي نيقولاي الأول متعصبا دينيا، ويدرك أن حركة التجديدات والإصلاحات داخل الدولة العثمانية سوف تنعكس بصورة أو بأخرى على الأطماع والنفوذ الروسي؛ خاصة في منطقة البلقان، لأن تقوية الدولة العثمانية تعني ألا تصل روسيا إلى المياه الدافئة. ورأى نيقولا أن نجاح العثمانيين في توطيد علاقتهم ببريطانيا سياسة شريرة تتبعها الدولة العثمانية للإضرار بالمصالح الروسية، ولذا قرر أن يختم حياته بتأديب الدولة العثمانية، لكنه أدرك أن قيامه بهذا السلوك المعادي ضد العثمانيين لن يتم بدون موافقة بريطانيا، ولذا عقد القيصر لقاء مع السفير البريطاني في مدينة سانت پطرسبورگ الروسية، وتناول اللقاء عرضا روسيا باقتسام الدولة العثمانية أو على الأقل تقليم أطرافها.

أرادت بريطانيا أن تنصب مصيدة بعناية لإيقاع روسيا في حرب ضد الدول العثمانية؛ لاستغلال هذه الحرب في توجيه ضربة عنيفة لروسيا تدفعها للارتداد خلف حدودها مرة أخرى، وتحجبها عن الظهور على مسرح السياسة الأوربية؛ ولذا أطلعت بريطانيا العثمانيين على حقيقة النوايا الروسية السرية.

لم يستوعب نيقولا الأول المتعصب دينيا حقيقة أن تقف دولة مسيحية مثل بريطانيا مع العثمانيين ضد روسيا المسيحية، وكان تقديره للموقف أنه سيقاتل الدولة العثمانية بمفردها، وأنه سيحقق انتصارا سهلا عليها، يمكنه من انتزاع ولو بعضا من المكاسب كالتي حققتها روسيا في "معاهدة هنكار إسكله سي" التي وقعتها روسيا مع الدولة العثمانية في 8 يوليو 1833، ونصت على إغلاق المضايق التركية أمام جميع السفن الحربية، بينما سمحت للأسطول الروسي بدخول مضيق البوسفور للدفاع عن الأستانة، وبذا تحررت روسيا من كثير من التهديدات البريطانية والفرنسية في البحر الأسود.

ولم تغب فرنسا عما يجري؛ حيث كانت تعتبر بريطانيا أكبر منافس استعماري لها في العالم، وتحالف لندن مع الدولة العثمانية دونها يعني تمكن بريطانيا من تحقيق كثير من الأطماع الاستعمارية في الدولة العثمانية على حساب المطامع الفرنسية؛ ولذا قررت باريس أن تبني موقفها بالتحالف مع بريطانيا. وأدرك الفرنسيون أن دخول بريطانيا الحرب لمساندة العثمانيين يحتم على باريس أن تدخل هي الأخرى إلى تلك الحرب، حتى لا تستحوذ بريطانيا على الموقف الأقوى في السياسة العالمية.

الطريق للحرب

الصراع على الأرض المقدسة

 
نيقولاي الأول، إمبراطور روسيا

حين رأت الدولة العثمانية التنافس بين الدول الكبرى على إدارة الأماكن المقدسة للمسيحيين في فلسطين؛ عملت على حفظ التوازن بين هذه الدول، لكن ضغوط بعض الدول الكبرى، جعلت العثمانيين يمنحون بعض الدول امتيازات خاصة، فقام السلطان العثماني بمنح امتيازات جديدة عام 1852 للكاثوليك (الذين كانت فرنسا تمثلهم)، وهو ما يعني أنه خضع للضغوط الفرنسية.

تسبب هذا الموقف في استياء روسي من السلطان العثماني، ووجدت روسيا فيه ذريعة ومبررا يتيح لها حرب الدولة العثمانية، معتمدة على البعد الديني وحماية المسيحيين الأرثوذكس.

أرسل القيصر الروسي بعثة دبلوماسية إلى اسطنبول رأسها السفير الروسي فوق العادة الأمير "ألكسندر منشيكوڤ" الذي كان يشغل منصب وزير البحرية، للتفاوض مع السلطان العثماني في قضية الأماكن المقدسة، والحصول على امتيازات للرعايا الأرثوذكس في الدولة العثمانية، إلا أن مسعى هذه السفارة الحقيقي كان السعي إلى إيجاد المبرر لحرب الدولة العثمانية.

 
الكورنِت هنري ولكن، هوسار الحادية عشر، الجيش البريطاني. تصوير روجر فنتون

طلب منشكوف من العثمانيين تنحية الرهبان الكاثوليك، وأن يكون الرهبان الأرثوذكس هم أصحاب الكلمة العليا في الأماكن المقدسة المسيحية بالقدس، بحيث تكون لهم حرية التصرف بمفتاح كنيسة المهد في بيت لحم وبالنجم الذي وضعه الارثوذكس في المكان المفترض لولادة السيد المسيح وأن يكون للأرثوذكس الولاية على قبر والدة الإله مريم العذراء في الجسمانية، وإصدار الأمر بإنشاء القبة الكبرى لكنيسة القيامة من قبل بطريركية الروم الارثوذكس بواسطة الحكومة العثمانية وبمساعدتها دون إشراك الكاثوليك أو غيرهم من المسيحيين، كذلك طلب عقد إتفاقية تعلن بوضوح أن جميع المسيحيين في الديار المقدسة تحت الحماية الروسية. وطالب أيضا بتنحية وزير الخارجية العثماني فؤاد افندي من منصبه بسبب علاقاته الوثيقة مع الدول الغربية.

أدركت بريطانيا أن تجاوب الباب العالي مع المطالب الروسية معناه زيادة النفوذ الروسي على حسابها، ولذا استدعت بريطانيا أبرز دبلوماسيها وهو السير ستراتفورد لإحباط هذه المساعي الروسية.

الأسباب المباشرة للحرب

كما أرسلت فرنسا بعض وحدات من أسطولها إلى المياه العثمانية، وبدأت باريس ولندن تعملان على تحويل مهمة منشكوف من كونها خلافا مذهبيا بين الكاثوليك والأرثوذكس إلى كونها خلافا سياسيا بين العثمانيين والروس، ولهذا شجع السفير البريطاني في الآستانة الدولة العثمانية على الوقوف في وجه الأطماع الروسية، مؤكدا للآستانة وقوف فرنسا وبريطانيا إلى جانب العثمانية في أي حرب قادمة مع الروس.

نجحت الدبلوماسية البريطانية في إقناع السلطان العثماني باستصدار فرمان للتجاوب مع المطالب الروسية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس، وبذلك ضيعت بريطانيا على روسيا حجة الخلاف المذهبي لتصعيد لهجة العداء مع الدولة العثمانية.

أغرى قبول السلطان العثماني للمطالب الروسية منشكوف على أن يعلن بصلف واضح عن طبيعة مهمته في الآستانة، وتقدم بمطالب جديدة منها ضرورة إعلان استقلال الجبل الأسود.

ناقشت البريطانيون مع السلطان العثماني مطالب منشكوف الجديدة، وحثته على رفضها، فأرسل الباب العالي العثماني إلى منشكوف يعلمه بأن مطالبه ما هي إلا اعتداء صريح على حقوق السلطان العثماني، وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية، وخروج على مهمته التي انتهت بصدور فرمان بخصوص الرهبان الكاثوليك في القدس، ورفض الباب العالي تغيير الأوضاع في البلقان إلا بعد التباحث وموافقة الدول الكبرى.

أثار الرفض العثماني غضب منشكوف، وأرسل بدوره رسالة تحمل صفة الإنذار إلى حكومة الآستانة، طلب فيها أن يعترف السلطان العثماني لروسيا بحق حماية الأرثوذكس حماية مطلقة وغير مقيدة (وكان عددهم في الدولة العثمانية حوالي 10 ملايين نسمة)، وأعطى الدولة العثمانية مهلة للرد على مذكرته تنتهي في 10 مايو 1853، وأمام الرفض العثماني رحل منشكوف من الدولة العثمانية مصطحبا معه جميع العاملين في السفارة الروسية في إستانبول، وبذلك قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين استعدادا للحرب.

بداية المناوشات

بدأت الحرب العثمانية الروسية في 3 يوليو 1853، وكان مسرحها الأول في أوربا بمنطقة البلقان، حيث قام حوالي 35 ألف جندي روسي باحتلال رومانيا التي كانت تابعة آنذاك للدولة العثمانية، وأبلغت روسيا الدول الأوربية أنها لن تدخل في حرب شاملة ضد الدولة العثمانية، وأن ما فعلته إجراء وقائي لحين اعتراف السلطان العثماني بحقوق الأرثوذكس في كنيسة القيامة في القدس، وأنها سوف تنسحب فور هذا الاعتراف.

قامت الدولة العثمانية وروسيا بحشد قوات ضخمة على جبهات القتال، وعلى جبهتي الدانوب والقوقاز، واستطاع القائد العثماني عمر باشا أن يلحق هزيمة كبيرة بالروس على نهر الدانوب، وأن يدخل رومانيا. وفي جبهة القوقاز ساند الزعيم الشيشاني الإمام شامل القوات العثمانية أثناء القتال ضد الروس.

أرادت الدولة العثمانية دفع بريطانيا وفرنسا إلى دخول الحرب إلى جوارها، ودبرت إرسال مجموعة من قطع الأسطول البحري العثماني القديمة إلى ميناء سينوپ على البحر الأسود، وهي تدرك أن هذه السفن لا بد أن يهاجمهما الروس، وبالفعل هاجم الروس هذه السفن وتم إغراقها جميعا، واستشهد حوالي ألفي جندي عثماني، وأثارت هذه المعركة قلقا في الأوساط في لندن وباريس، وحذرت الصحافة في العاصمتين من الخطر الروسي.

محاولات السلام

عرض الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العثمانيين وروسيا، إلا أن القيصر الروسي رفض ذلك، خاصة بعد انتصارات عمر باشا في رومانيا، وقال نيقولا الأول: "أشعر أن يد السلطان على خدي"، فبادر نابليون الثالث بالاتفاق مع بريطانيا ضد القيصر، وقبلت لندن العرض الفرنسي بحماسة شديدة، وغادر سفيرا لندن وباريس مدينة سانت پطرسبورگ الروسية في 6 فبراير 1854، وتم عقد معاهدة إستانبول في 12 مارس 1854 بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، ونصت على ألا تعقد أي دولة من هذه الدول صلحا منفردا مع روسيا، وأن يتفاهم قواد الدول الثلاث في الحرب ضد روسيا، وأن تكون الوحدات الإنجليزية والفرنسية والسفن التابعة لهما في إستانبول خاضعة للقوانين العثمانية.

أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في 27 مارس 1854 ونشبت معارك ضخمة في عدة جبهات أثناء حرب القرم، إلا أن أهم هذه المعارك كانت معركة سيفاستوبول التي خاضتها الدول الثلاث للقضاء على القوة البحرية الروسية في البحر الأسود، حيث كان القاعدة البحرية لروسيا في شبه جزيرة القرم (حاليا في أوكرانيا) واستمرت المعركة قرابة العام، قُتل خلالها حوالي 35 ألف قتيل، وعدد من القواد الكبار من كلا الجانبين، حتى انتهى الأمر بسيطرة الدول الثلاث على الميناء في 9 ن مايو 1855م.

في هذه الأثناء توفي القيصر الروسي نيقولا الأول، وخلفه في الحكم ابنه ألكسندر الثاني الذي شعر بعدم قدرة بلاده على مواصلة الحرب، فقرر التفاوض للسلام، خاصة بعد المذكرة التي تقدمت بها النمسا لروسيا وحذرتها فيها من أن دولا أوربية أخرى قد تدخل الحرب ضدها.

استمرت الحرب أكثر من عامين ونصف، حاربت فيها الدولة العثمانية منفردة في السنة الأولى منها، وتميزت هذه الحرب بمتابعة الصحافة لها، من خلال إرسال مراسلين عسكريين على جبهات القتال.

المعارك

حملة الدانوب

 
محمودية (1829)، طلبها السلطان العثماني محمود الثاني وبَنتها الترسانة البحرية السلطانية في القرن الذهبي في اسطنبول، وكانت لعدة سنوات أكبر سفينة حربية في العالم. ship-of-the-line بأبعاد 62x17x7 م، كانت مسلحة بـ 128 مدفع على 3 أسطح. وقد شاركت في العديد من المعارك البحرية الهامة، بما فيها حصار سڤاستوپول (1854-1855) أثناء حرب القرم (1854-1856). وقد رُفِعت من الخدمة في 1875
 
خريطة حرب القرم
 
الزواڤ (المقاتلون الجزائريون في الجيش الفرنسي) يشتبكون بالأيدي مع الجنود الروس في ملاكوڤ كورگان

بدأت حملة الدانوب عندما احتل الروس إمارات الدانوب في مولداڤيا وولاخيا في مايو 1853، دافعة بقواتها للضفة الشمالية لنهر الدانوب. رداً على ذلك، حركت القوات العثمانية أيضاً قواتها تجاه النهر. أسست معاقل في ڤيدين غرباً، وسيليسترا،[15]:172–84 التي كانت تقع شرقاً، بالقرب من مصب الدانوب.

التحركات التركية/العثمانية نحو نهر الدانوب كانت تشغل أيضاً النمسا، التي حركت قواتها إلى ترانسلڤانيا رداً على ذلك. إلا أن النمساويين بدأوا يخشون الروس أكثر من الأتراك. بالإضافة إلى ذلك، مثل البريطانيين، كان النمسانيون يرون أن الدولة العثمانية قد أصبحت ضرورية الآن كحصن ضد الروس. بناءاً على ذلك، قاوم النمساويون المحاولات الدبلوماسية الروسية للإنضمام للحرب على الجانب الروسي. ظلت النمسا على الحياد في حرب القرم.[20]

في أعقاب الإنذار العثماني في سبتمبر 1853، القوات العثمانية بقيادة عمر باشا عبرت الدانوب عند ڤيدين وإستولت على كلافات في أكتوبر 1853. في الشرق، عبر العثمانيون الدانوب عند سيليسترا وهاجموا الروس عند أولتنيتزا. كانت معركة أولتنيتزا أول إشتباك بعد إعلان الحرب.. قام الروس بهجوم مضاد، لكنهم دُحروا.[21] في 31 ديسمبر 1853، تحركت القوات العثمانية في كلافات ضد القوات الورسية في چتاتي أو كتاته، قرية صغيرة على بعد عشرة أميال شمال كلافات، وإشتبكو معهم في 6 يناير 1854. بدأت المعركة عندما قام الروس بتحرك لإستعادة كلافات. معظم القتال الثقيل، وقع حول چتاتي حتى طُرد الروس من القرية. بالرغم من هزيمة الروس في چتاتي، في 28 يناير 1854، ضربت القوات الروسية حصاراً حول كلافات. استمر الحصار حتى مايو 1854 عندما أنهى الروس الحصار. مرة أخرى هزم العثمانيون الورس في معركة عند كراكال.[15]:130–43

في ربيع 1854 تقدم الروس ثانيةً، وعبرو نهر الدانوب لبلغاريا التركية. سرعان ما تمكن الروس من إحتلال مقاطعة دوبرويا البلغارية بالكامل. بحلول ربيع 1854، وصل الروس لخطوط حائط تراجان حيث توقف الروس في نهاية المطاف. في الوسط، عبرت القوات الورسية الدانوب وحاصرت سيليسترا من 14 أبريل حتى 23 يونيو 1854.[22]

في الغرب، عدل الروس عن مهاجمة ڤيدين لوجود القوات النمساوية، والتي كان قد وصل عددها إلى 280.000 رجل. في 28 مايو 1854 وقعت روسيا والنمسا على پروتوكول ڤيينا. كان من أهداف التقدم الروسي تشجيع الصرب المسيحيين الأرثوذكس والبلغار الموجودين تحت الحكم العثمانية على الثورة. ومع ذلك، فعندما عبرت القوات الروسية بالفعل نهر پروث نحو والاخيا، لم يظهر المسيحيون الأرثوذكس أي رغبة في الثورة ضد الأتراك.[15]:131, 137 زادت مخاوف نيقولاي الأول أن تدخل النمسا الحرب ضد الروس وتهاجم الجناح الأيسر لجيوشه. في الواقع، بعد محاولة التوسط في تسوية سلام بين روسيا وتركيا، دخل النمساويون الحرب إلى جانب تركيا وهاجمو الروس في الإمارات التي كانت تهدد قطع خطوط الإمداد الروسية. وفقاً لذلك، أُجبر الروس على فك حصار سيليسترا في 23 يونيو 1854، وبدأو في التخلي عن الإمارات.[15]:185

في يونيو 1854 وصلت تجريدة مشتركة ڤرانا، لكنها قامت بالتقدم مسافة قصيرة من قاعدتها هناك.[15]:175–176 في يوليو 1854، عبر الأتراك بقيادة عمر باشا الدانوب نحو ولاخيا وفي 7 يوليو 1854، إشتبكو مع الروس في قرية گيورگڤو وإستولو على القرية. سقوط گيورگڤو على يد الأتراك مثل تهديداً مباشراً على بوخارست في ولاخيا التي سقطت على يد الجيش التركي نفسه. في 26 يوليو 1854، أمر القيصر نيقولاي الأول بإنسحاب القوات الروسية من الإمارات. أيضاً في أواخر يوليو 1854، في أعقاب تراجع الروس، أرسل الفرنسيون تجريدة ضد القوات الروسية الموجودة في دوبوريا، لكنها فشلت.[15]:188–190

بعدها أصبح الإنسحاب الروسي كاملاً، عدا بلدات الحصن في شمال دوبوريا، بينما إستولى النمساويون على مكانهم في الإمارات، كقوة حفظ سلام حيادية.[15]:189 كان هناك اشتباك آخر محدود على هذه الجبهة بعد خريف 1854 وفي سبتمبر استقلت القوات المتحالفة سفناً من ڤارنا وتحركت من الدردنيل إلى البحر الأسود لغزو شبه جزيرة القرم.[15]:198


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسرح البحر الأسود

بدأت العمليات البحرية في حرب القرم في صيف 1853 بإرسال الأساطيل الفرنسية والبريطانية إلى منطقة البحر الأسود، لمساندة العثمانيين ولإثناء الروس عن محاصرة العثمانيين. وبحلول يونيو 1853 كان الأسطولان متمركزان في خليج بشيكاس، خارج الدردنيل. باحتلال الروس إمارات الدانوب في أكتوبر، فقد تحركوا إلى البسفور وفي نوفمبر دخل البحر الأسود.

في تلك الفترة كان أسطول البحر الأسود الروسي يعمل ضد المرور الساحلي العثماني بين إسطنبول وموانئ القوقاز، بينما يسعى الأسطول العثماني لحماية خط الإمدادات هذا. وقع الإشتباك في 30 نوفمبر 1853 عندما هاجم الأسطول الروسي القوات العثمانية في ميناء عند سينوپ، ودمرها.[23] كان هناك اشتباكات بحرية إضافية محدودة حتى مارس 1854 عند إعلان الحرب عندما أطلق النار على الفرقاطة البريطانية فيوريوس Furious خارج ميناء أودسا. رداً على ذلك قصف الأسطول البريطاني الميناء، مسبباً خسائر فادحة للبلدة.

في يونيو نقلت الأساطيل قوات تدخل سريع متحالفة إلى ڤارنا، دعماً للعمليات التركية في الدانوب؛ وفي سبتمبر نقلت الجيوش الكاملة، هذه المرة إلى القرم. تراجع الأسطول الروسي في هذا الوقت عن الإشتباك مع الحلفاء، مفضلاً الحفاظ على وضع "الأسطول الرابض Fleet in being"؛ إلا أن تلك الاستراتيجية فشلت عندما وقع تحت الحصار سڤاستوپول، الميناء الرئيسي حيث يربض معظم أسطول البحر الأسود. اضطر الروس إلى إغراق سفنهم الحربية لتصبح سفن متاريس، بعد استخلاص المدافع والرجال منها واستخدام أولئك في تعزيز البطاريات الساحلية. وأثناء الحصار، فقد الروس، في البحر الأسود، أربع سفن خطية، كل منهن تسليحها 110-120 مدفع على ثلاث أسطح، واثنتي عشر سفينة خطية بتسليح 84 مدفع على سطحين، وأربع فرقاطات كل منهن تسليحها 60 مدفع، بالاضافة لعدد كبير من السفن الأصغر. أثناء بقية الحملة، ظل أسطول الحلفاء مسيطراً على البحر الأسود، مؤمّناً خطوط الإمداد للجبهات المختلفة.

في أبريل 1854 دعموا غزو كرچ وعملوا ضد تاگناروگ في بحر أزوڤ. في سبتمبر تحركوا ضد القوات الروسية عند مصب نهر الدنيپر، مهاجمين كينبرن في أول إستخدام للسفن المصفحة Ironclad في القتال البحري.

حملة القرم

 
حصار سڤاستوپول، رسم بانورامي مفصل بريشة فرانز روبو (1904).
 
الهجوم النهائي للفرنسيين تـُوِّج بالاستيلاء على سڤاستوپول بعد واحد من أشهر الحصارات في القرن التاسع عشر.

أخلى الروس ولاخيا ومولداڤيا في أواخر يوليو 1854. ومع إخلاء الإمارات الدانوبية فإن السبب المباشر للحرب قد تم سحبه وكان يمكن للحرب أن تضع أوزارها حينئذ.[15]:192 إلا أن حمى الحرب في الشعبين البريطاني والفرنسي صعـّدتها الصحافة في كلا البلدين لدرجة لم يمكن للسياسيين أن يقترحوا إنهائها عند تلك النقطة. ففي الواقع، فإن حكومة الپيلية بقيادة جورج هاملتون-گوردون، إرل أبردين الرابع سقطت في 30 يناير 1855 في اقتراع سحب الثقة[24] لأن أبردين كان متردداً في توقيع خطة لتمديد الحرب.[15]:311 ولذلك، فقد أبحرت قوات الحلفاء من ڤارنا، على ساحل مقاطعة بلغاريا التركية لتهبط في القرم، بهدف محاصرة مدينة سڤاستوپول، مقر أسطول القيصر في البحر الأسود. ففي أعين البريطانيين والفرنسيين، فإن الأسطول الروسي كان تهديداً للبحر المتوسط. فقد رغب البريطانيون والفرنسيون في الإبقاء على الروس كقوة برية حبيسة لأطول زمن ممكن. فلو سـُمح لأسطول البحر الأسود الروسي بالمرور عبر مضائق الدردنيل، فإن البحر المتوسط قد يصبح فعلياً موضع تنافس بين المصالح البريطانية والفرنسية والروسية. وبالاضافة لذلك، فإن جعل المتوسط في متناول روسيا عسكرياً يعني أن توازن القوى في اوروپا سيتغير إلى الأبد لغير صالح القوى الأوروپية الغربية. رؤية ذلك كنتيجة غير مقبولة لانتصار روسي في حربهم مع الأتراك—إذ أن الحرب كانت قد بدأت بالفعل، وكان الأتراك، الذين خف الفرنسيون والبريطانيون لنجدتهم، هم من بدأوها.

 
اشتباك روسي-بريطاني أثناء حرب القرم
 
استخدام البريطانيين (ممثلين بشخصية جاك) للأتراك في معركة بلاكلاڤا. كرتون ساخر بريشة جون ليتش من مجلة بريطانية صادرة في 1856.

بدأت حملة القرم في سبتمبر 1854 بهبوط قوة تجريدة من الحلفاء على الشواطئ الرملية لخليج كلاميتا على الساحل الجنوبي الغربي لشبه جزيرة القرم.[15]:201 وكان هدفهم الاستراتيجي الرئيسي هو الاستيلاء على الحصن الروسي في سڤاستوپول الواقع إلى الجنوب من خليج كلاميتا.[15]:194 إلا أنه لحماية ميسرة الحلفاء من هجمات الروس، تحرك الحلفاء أولاً إلى الشَمال والغرب بمحاذاة ساحل القرم لاحتلال مدينة يوپاتوريا.[15]:201 بعد عبور نهر الألما في 30 سبتمبر 1854،[25] تحرك الحلفاء للاستيلاء على سڤاستوپول. انسحب الجيش الروسي إلى الداخل. وتم صد هجوم روسي على قاعدة إمداد الحلفاء في بالاكلاڤا في 25 أكتوبر 1854.[26]:521–527 وكانت معركة بالاكلاڤا جديرة بالذكر لشجاعة الوحدات البريطانية. فقد صمدت الوحدة 93 لرجال المرتفعات بثبات أمام الهجمات المتكررة من قوة روسية تفوقها حجماً.[26]:523 أدى هذا الصمود لتخليد الوحدة 93 لرجال المرتفعات في التاريخ بوصفهم "الخط الأحمر الرفيع". الوحدة البريطانية الثانية التي نالت الخلود في معركة بالاكلاڤا كانت لواء الفرسان الخفيف بقيادة إرل كارديگان. وقد صدر أمراً بالغ الإبهام للواء بخصوص هجوم اللواء الخفيف شبه الانتحاري على الوادي الشمالي لحقل معركة بالاكلاڤا.[26]:524 فالمرتفعات المحيطة بالوادي الشمالي كانت تغص بالمدفعية الروسية التي قصفت اللواء الخفيف. ومن أصل 700 مقاتل في اللواء الخفيف، قـُتِل أو جـُرح 278 منهم. وقد خـُلـِّد اللواء الخفيف في القصيدة الشهيرة من ألفرد لورد تنيسون المسماة "هجوم اللواء الخفيف". وبالرغم من أنه جرت العادة على اعتبار هجوم اللواء الخفيف فعل مجيد ولكن تضحية مهدَرة بالرجال والخيل، فإن المؤرخين الحاليين قد عدّلوا هذا التقييم بعض الشيء بقولهم أن هجوم اللواء الخفيف نجح على الأقل في تحقيق بعض أهدافه.[15]:252 فهدف أي هجوم فرسان هو تشتيت خطوط العدو وبث الرعب في قلوب الأعداء ليفروا من ميدان القتال. وبذلك المفهوم، فحتى الروس يعترفون أن هجوم اللواء الخفيف قد أصاب الفرسان الروس بالذعر، وهم الذين كانوا قد لحقت بهم هزيمة على أيدي اللواء الثقيل، لدرجة أن الفرسان الروس أصبحوا على وشك الفرار التام بعد الهجوم اللاحق من اللواء الخفيف.[15]:252 ولذلك، فإن هجوم اللواء الخفيف يـُرى الآن في بعض الدوائر بأنه قد حقق على الأقل جزء من أهدافه.

 
خط الدفاع الروسي عن سڤاستوپول في 1854.

فشل البريطانيين والفرنسيين في مواصلة الهجوم بعد معركة بالاكلاڤا أدى مباشرة إلى معركة أخرى وكانت أكثر دموية—معركة إنكرمان.[26]:526 ففي 5 نوفمبر 1854، حاول الروس أن يفكوا الحصار المفروض على سڤاستوپول بهجوم على الحلفاء بالقرب من بلدة إنكرمان والذي انتهى بنصر آخر للحلفاء.[27]

وفي تلك الأثناء في سڤاستوپول، أحاط الحلفاء المدينة بالخنادق ، وفي أكتوبر 1854، بدأوا قصفاً شاملاً (تكرر لاحقاً) ضد دفاعات المدينة. أدى الشتاء، وتدهور امدادات الطرفين إلى توقف العمليات البرية. وظلت سڤاستوپول محاصَرة من الحلفاء، بين كانت جيوش الحلفاء يطوقها الجيش الروسي في الداخل.

وفي فبراير 1855 هاجم الروسي قاعدة الحلفاء في يوپاتوريا،[15]:321–322 حيث كان الجيشان العثماني والمصري متمركزان وكانت تلك القاعدة تهدد خطوط الامداد الروسية. شهدت المعركة هزيمة الروس[15]:321 وأدت إلى تغيير في القيادة الروسية. فقد نال إجهاد قيادة الحرب من صحة القيصر نيقولاي.[28]:96 ومع انخفاض مناعته، أصيب نيقولاي بالبرد في فبراير 1855. وفي 8 فبراير 1855، تطور البرد لدى نيقولاي إلى أنفلونزا.[15]:321 وصلت أخبار الهزيمة الروسية في يوپاتوريا للقيصر في سانت پطرسبورگ في 16 فبراير 1855 مما أصابه بالاكتئاب أكثر من ذي قبل. تدهورت أحوال القيصر وأصيب بالتهاب رئوي.[15]:322 وتوفي في 18 فبراير 1855 حسب التقويم اليولياني.[28]:98

وفي جانب الحلفاء، انتقل التركيز على حصار سڤاستوپول إلى ميمنة الخطوط، ضد تحصينات ربوة ملاكوف.[15]:339 وفي مارس، قاتل الفرنسيون للاستيلاء على الحصن في ماملون، الواقع على ربوة مقابلة لملاكوف. إلا أن أسابيع عديدة من القتال لم تسفر عن أي تغير يذكر في خط الجبهة، وظلت ماملون في أيدي الروس.

 
النصب التذكاري لسڤاستوپول، هاليفاكس، نوڤا سكوتشا—النصب التذكاري الوحيد لحرب القرم في أمريكا الشمالية

وفي أبريل 1855، شن الحلفاء ثاني غارة قصف شامل، أفضت إلى قصف مدفعي متبادل مع الروس،[15]:340 إلا أن هجوماً برياً لم يتبع ذلك.[15]:341 وفي 24 مايو 1855، أقلعت ستين سفينة تقل 7,000 فرنسي، 5,000 تركي و 3,000 بريطاني في غارة على مدينة كرچ شرق سڤاستوپول في محاولة لفتح جبهة أخرى في شبه جزيرة القرم وليقطعوا خطوط الامداد الروسية.[15]:344 أنزل الحلفاء القوة عند كرچ. كانت الخطة الالتفاف حول الجيش الروسي. كان الإنزال ناجحاً، إلا أن القوة لم تستطع التقدم كثيراً بعد ذلك. وفي يونيو تم شن القصف الثالث الذي أتبعه هجوم ناجح على ماملون، إلا أن هجوم المتابعة على مالاكوف فشل ومني بخسائر فادحة. وفي تلك الأثناء أصيب قائد الحامية، الأميرال ناخيموڤ، برصاصة قاتلة في رأسه وتوفي في 30 يونيو 1855.[15]:378

وفي أغسطس، عاود الروس الهجوم على القاعدة في باكلاڤا. معركة چرنايا التي تجمت عن ذلك الهجوم باء فيها الروس بالهزيمة وتكبدوا خسائر فادحة. شهد سبتمبر الهجوم النهائي. ففي 5 سبتمبر أعقب قصف فرنسي آخر (السادس) هجوماً من الجيش الفرنسي في 8 سبتمبر أسفر عن الاستيلاء على ملاكوف من قِبل الفرنسيين، وانهيار الدفاعات الروسية. وفي ذلك الوقت، استولى البريطانيون على الريدان الأكبر، مباشرة جنوب مدينة سڤاستوپول. وسقطت المدينة في 9 سبتمبر 1855 بعد حصار دام عاماً.[28]:106

وعند تلك النقطة، كان الاجهاد قد بلغ مبلغه بالطرفين، فلم يعد هناك المزيد من العمليات العسكرية في القرم قبل حلول الشتاء.

حملة آزوڤ

في ربيع 1855، قرر قادة التحالف البريطاني-الفرنسي ارسال سرب بحري أنگلو-فرنسي إلى بحر آزوڤ لإحباط وسائل الاتصالات والامدادات الروسية إلى سڤاستوپول المحاصرة. وفي 12 مايو 1855، دخلت السفن الحربية البريطانية-الفرنسية مضيق كرچ ودمرت بطاريات المدفعية الساحلية في خليج قميص‌ڤايا. وفي 21 مايو 1855 هاجمت زوارق المدفعية والبواخر المسلحة الميناء البحري تگانروگ، أهم مركز مواصلات بالقرب من روستوڤ على الدون. الكميات الهائلة من الأغذية والقمح والشعير المخزنة في المدينة بعد اندلاع الحرب كانت بسبب عدم تمكن روسيا من تصديرها.

 
قصف تگانروگ من رمث بريطاني أثناء محاولة الحصار الأولى

رفض حاكم تگانروگ، يگور تولستوي، والعميد إيڤان كراسنوڤ الإنذار النهائي، وردا قائلين "الروس لم يسلموا مدنهم قط". قصف السرب البريطاني-الفرنسي تگانروگ لمدة 6½ ساعات وأنزل 300 جندي بالقرب من السلم القديم في وسط تگانروگ، إلا أنه تم صدهم على أيدي قوزاق الدون وفيلق متطوعين.

وفي يوليو 1855 حاول سرب الحلفاء أن يتقدم بعد تگانروگ إلى روستوڤ على الدون، مبحراً في نهر الدون عبر نهر ميوس. وفي 12 يوليو 1855 جنحت السفينة HMS جاسپر بالقرب من تگانروگ بفضل الصيادين الذين رصوا طافياتهم لتقود إلى المياه الضحلة. استولى القوزاق على الزورق المدفعي بكل ما عليه من مدافع وفجروه. محاولة الحصار الثالثة كانت في 19–31 أغسطس 1855، إلا أن المدينة أصبحت محصنة بالفعل ولم يستطع السرب من الاقتراب بما فيه الكفاية لعمليات الإبرار. غادر أسطول الحلفاء خليج تگانروگ في 2 سبتمبر 1855، بينما كان يقوم ببعض العمليات العسكرية الصغرى على طول ساحل بحر آزوڤ مستمراً في ذلك حتى آخر خريف 1855.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حملة القوقاز

كان القوقاز بالفعل مسرحاً للمواجهة بين الروس والعثمانيين، إذ سعى كلاهما لمد نفوذه إلى المنطقة.

واجه التوسع الروسي في المنطقة مقاومة صلبة من شعوب المنطقة في چچنيا، داغستان، وشركسيا. ففي القوقاز، تصدى للروس كل من الشركس ومريدو إمامية القوقاز، إلا أن الروس ساندهم على مضض كل من الجورجيون وكاختيون، الذين بالرغم من تقديرهم لاستقلالهم، إلا أن عداءهم لجيرانهم دفعهم للاصطفاف في جانب الروس.

وفي 1853 شن زعيم الشعوب الجبلية، الإمام شامل، ثورة شاملة على القوات الروسية المحتلة.[15]:335 حاربت قواته الروس في زقتالة، ومسلدرگ، إلا أن القوات الروسية صدتهم بعنف. وفي 1854 حاول مرة أخرى، فتقدم باتجاه تفليس قبل أن يُهزم في شولدا.

 
الجبهة الأرمنية أثناء حرب القرم

وفي صيف 1853 احتفظت القوات العثمانية باستحكامات في قارص، باطوم، وأرضروم، مع جبهات أصغر في أردخان وبايزيد. وخططت القوات العثمانية لغزو جورجيا ولكن بعد بعض النجاح المبدئي أصبحت غير قادرة على الحفاظ على مكاسبها وأُجبرت على الانسحاب. وكانت القوات الروسية في المنطقة منتشرة بأعداد قليلة، لمواجهة التمردات المحلية، إلا أن ذلك الوجود قد تم تعزيزه في عام 1853. وفي سبتمبر 1853 نشب عدد من الاشتباكات بين القوات الروسية والعثمانية. وبالاضافة لذلك، كانت هناك معارك لاحقة في حصن سانت نيقولاي في أكتوبر 1853 ومرتين في ألكسندروپول في أكتوبر 1853 ومرة أخرى في ديسمبر 1853. وفي 26 نوفمبر 1853، هزم الروسي القوات المسلحة العثمانية في معركة أخال‌تسيخ. وفي 1 ديسمبر، قاد الجنرال ڤاسيلي ببوتوڤ 10,000 جندي و 32 مدفعاً لينتصر على جيش عثماني مكون من 36,000 جندي بقيادة أحمد پاشا في معركة باش‌قاضي‌كلار.[29]

وفي ربيع 1854 خطط الروس لغزو الأراضي العثمانية. ففي 16 يونيو حقق الأمير أندرونيكوڤ مع 10,000 جندي و 18 مدفعاً نصراً على جيش عثماني مكون من 34,000 جندي عند نهر چلق؛ وفي 31 يوليو استولت القوات الروسية على دغوبايزيد؛ وفي 5 أغسطس شن بنجاح الجنرال ڤاسيلي ببوتوڤ مع 18,000 جندي و 64 مدفع معركة كورك‌ديره، على بعد 11 ميل من قارص. وبعد تلك المواجهات لم يعد هناك أية أنشطة حربية في ذلك العام.

وفي 1855 عاد كلا الجانبين إلى الهجوم؛ وبعد مناورات مبدئية شن الروس هجومين على قارص، بدءاً من 16 يونيو ثم في 29 سبتمبر، وكلاهما تم صده وتكبدا خسائر فادحة. إلا أن الروس استقروا على الحصار في 18 يونيو، والذي أصبح شاملاً تقريباً من منتصف أغسطس. وكان الحصار ناجحاً واستسلمت قارص في 28 نوفمبر 1855. قائد الحامية محمد واصف پاشا سلـّم مفاتيح الحصن، و 12 راية عثمانية و 18,500 جندي كأسرى. ونتيجة لتلك العملية، مد الروس سيطرتهم ليس فقط على الحصون والمدينة، ولكن أيضاً على كل المنطقة بما فيها أرض‌خان، كغيزمان، اُلطو وجزء من منطقة باسن. وفي تلك الأثناء قام الجيش العثماني في باطوم بغزو جورجيا، ولكن بعد اشتباكات غير حاسمة عند نهر إنگور، انهار الهجوم وانسحب الجيش العثاني إلى باطوم.

في 1856 خطط الروس للاستيلاء على أرضروم، إلا أن سلام پاريس في مارس 1856 وضع حداً لتلك العمليات.

مسرح البلطيق

 
قصف بومارسوند أثناء حرب القرم
 
"قصف دير سولوڤتسكي في البحر الأبيض من قِبل البحرية الملكية البريطانية". لوبـُك (طبعة شعبية) من 1868

مسرح البحر الأبيض

في خريف 1854 خرج سرب من ثلاث سفن حربية بريطانية بقيادة إتش‌إم‌إس ميرندا غادرت البلطيق إلى البحر الأبيض، حيث قصفت كولا (والتي تدمرت تماماً) وسولوڤكي. كانت هناك محاولة غير ناجحة للهجوم على أرخانگلسكي.

مسرح الهادي

أيضاً وقعت مناوشات بحرية محدودة في الشرق الأقصى، حيث حدث پتروپاڤلوڤسك على شبه جزيرة كامچاتكا أن خرج سرب بريطاني فرنسي قوي تضمن إتش‌إم‌إس پيك تحت قيادة الأميرال ر والقوة الفرنسية تحت قيدة الأميرال أوگوست فبڤريه دسپونتي وقام بحصار قوة روسية صغيرة تحت قيادة الأميرال إيڤفيمي پوتياتين. في سبتمبر 1854 دُحرت قوة إبرار متحالف وقد ألحق بها خسائر ثقيلة، وإنسحب الحلفاء. هرب الروس تحت غطاء من الثلوج في أوائل 1855 بعد وصول تعزيزات الحلفاء إلى المنطقة.

القوات الأنگلو فرنسية في الشرق الأقصى قامت أيضاً بإبرارات مختلفة على سخالين وأوروپ، وإبرار واحد على جزر كوريل .[30]

مضيق گنيتچي

 
بطارية المدفعية العائمة المصفحة الفرنسية Lave، دمرتها المدفعية الروسية في معركة كن‌برن (1855).

المشاركة المصرية

 
كتاب "الجيش المصري في حرب القرم"، تأليف الأمير عمر طوسون.

لما رأى السلطان عبد المجید أن شبح الحرب یتھدد سلامة الدولة طلب من عباس باشا الأول والي مصر أن یرسل نجدة من الجنود المصریة. فامتثل الوالي وأمر بتعبئة أسطول مكون من اثنتي عشر سفینة مزودة بـ 642 مدفعا و6850 جندیا بحریا بقیادة أمیر البحر المصري حسن باشا الإسكندراني، وتعبئة جیش بري عدده حوالي 20 ألفا و72 مدفعا بقیادة الفریق سلیم فتحي باشا، إضافة إلى النجدات اللاحقة والتي شملت عددا كبیرا من الجنود والسفن أیضا، وتبرع والي مصر عباس باشا وابنه بمبلغ كبیر من المال إضافة إلى التبرعات من الموظفین وأھالي مصر. وقد وصل الأسطول المصري إلى الآستانة بعد ثلاث أسابیع من مغادرته میناء الإسكندریة في 14 أغسطس سنة 1853م، وقام السلطان عبد المجید بزیارة الجیش المصري وتكریم قواده.

وبعد استراحة الجیش لعدة أیام تم تقسیمه إلى 3 ألویة، ووزعھا على مناطق القتال على نھر الدانوب، وقد قام كل لواء من الألویة الثلاث بدوره في ھذه الحرب وأبلى أحسن البلاء في جمیع معاركھا. وھكذا أعلنت الدولة العثمانیة الحرب على روسیا رسمیا في 4 أكتوبر سنة 1853، وفي 27 مارس سنة 1854 انضمت فرنسا وانجلترا إلى تركیا في الحرب ضد روسیا (ویذكر ھنا أن الجیش الفرنسي المشارك في حرب القرم ومعركة سفاستوبل كان یحوي على ثلاث كتائب جزائریة).

ثم انتقلت الحرب إلى شبه جزیرة القرم، یقول الأمیر عمر طوسون: "بدأ حصار سباستبول في 20 سبتمبر 1854م واستمر عاما، لأن الاستیلاء علیھا تم في 8 سبتمبر سنة 1855م، وتم ھزیمة الجیش الروسي بقیادة الجنرال منشیكوف من قبل جنود الحلفاء (فرنسا وانگلترة) وجنود الجیش المصري، وذلك في معركة نھیر ألما في القرم.

عقب تولى محمد سعيد حكم مصر واصل حرب القرم التي بدأها سلفه عباس حلمي الأول فأرسل ابتداء من 19 أكتوبر 1854 نجدة بقيادة أحمد باشا المنكلي إلى الجيش المصري المرابط هناك تكونت من ١٤٩٧٦ مقاتلا و٣٦ مدفعًا.

وبعد ھذا النصر وفي طریق عودة الأسطول المصري من القرم إلى الأستانة في شھر أكتوبر من نفس العام غرقت بارجتان مصریتان في البحر الأسود وفقدت البحریة المصریة 1920 بحارا، ونجى 130 رجل فقط، وقد ورد نبأ ھذه الفاجعة الألیمة في جریدة "ذي إلّستریتد لندن نیوز" بعددھا الصادر بتاریخ 2 دیسمبر 1854. وجاء فیه: "وقد وقعت حوادث أخرى مریعة غرق فیھا كثیر من السفن، ولكن لیس بینھا ماھو أفظع من حادثة البارجتین المصریتین العائدتین من القرم".

ویكمل الأمیر عمر طوسون: "وفي خلال حصار سباستبول تقرر احتلال أوباتوریا (یفباتوریا) بجیش مؤلف من الأتراك والمصریین. وتم ذلك بالفعل في 9 فبرایر سنة 1855، وكانت ھذه المدینة تسمى قبل ضمھا إلى روسیا (كوزلوه) ولكن الروس غیروا اسمھا بقصد محو كل أثر إسلامي". وھكذا انتقل قائد القواد المصریة اللواء سلیم باشا فتحي إلى أوباتوریا مع القسم الأكبر من الجیش، وفي معاركھا استشھد القائد المصري سلیم باشا ودفن بجوار مسجدھا الكبیر (خان جامعي)، وما یزال قبره إلى الآن مع الأمیرالاي رستم بك والأمیرالاي علي بك.

وإلیكم ماجاء عن واقعة كوزلوه المذكورة في تقویم الوقائع العثماني سنة 1271ھـ (1855م):

"في الساعة الحادیة عشرة ونصف من صباح یوم السبت 29 جمادى الأولى سنة 1271ھـ (17 فبرایر سنة 1855م) ھجم الروس بستة وثلاثین طابورا من البیادة وثمانیة ألیات من السواري وثمانین مدفعا ھجومیا شدیدا على العساكر الشاھانیة الموجودة في كوزلوه، فشرعت العساكر الشاھانیة أیضا معتمدة على عون االله ونصرته في مقابلتھم واستمرت الحرب نحو أربع ساعات ونصف. ومع أن حصون ھذا الطرف لم تكن قد أكملت على الوجه اللائق ولم تكن المدافع أیضا قد وضعت في مواضعھا، إلا أن الجیش الروسي لم یتمكن من مواجھة شجاعة وبسالة جنود الحضرة الشاھانیة المنصورة وثباتھم ومتانتھم، فتقھقر منھزما یائسا. وقد ظھر أن خسارة العساكر الشاھانیة وعساكر دولة فرنسا الفخیمة والأھالي في ھذه الواقعة 103 أنفار قتلى و296 نفرا من الجرحى، ونال سلیم باشا فریق الفرقة المصریة رستم بك أحد أمراء ألایاتھا المشھود لھما بالشجاعة والبسالة شرف الشھادة. وقد ترك الروس في میدان القتال نحو 500 نفر من القتلى، عدا خسائره الجسیمة أثناء الموقعة وعدا ماتركه من الأشیاء الكثیرة مثل أسلحة وشنط". وفي 8 سبتمبر 1855م (1272ھـ) سقطت مدینة سباستوبل بعد حصار طویل دام عاما وانھزم الروس، وفي ھذا كتب المرحوم عبد االله باشا فكري یصف واقعة سباستبول وانتصار الأتراك والمصریین فیھا على الروس، ویدل مجموع حروف كلا شطري مطلعھا على تاریخ ھذه الحرب بالسنین الھجریة بحساب الجمل.

وھا ھي نقلا عن كتاب (الآثار الفكریة) لابنه المغفور له أمین فكري باشا ص 83، ومنھا:

لقد جاء نصر الله وانشرح القلب     لأن بفتح القرم ھان لنا الصعب
وقد ذلت الأعداء في كل جانب وضاق علیھم من فسیح الفضا رحب
بحرب تشیب الطفل من فرط ھولھا یكاد یذوب الصخر والطارم العضب
إذا رعدت فیھا المدافع أمطرت كؤوس منون قصرت دونھا السحب
تجرع أل الأصفر الموت أحمرا وللبیض في مسود ھاماتھم نھب
وقد غرھم من قبل كثرة جیشھم فلم یغن عنھم ذلك الجیش والركب
وولو یجدّون الفرار بعسكر تحكم فیه القتل والأسر والسلب
فقد راعھم من آل عثمان دولة مجیدیة دانت لھا الترك والعرب




وفي سنة 1856، عقد صلح بین الدولة العثمانیة والروسیة، ووضعت الحرب أوزارھا وبعث السلطان عبد المجید إلى والي مصر سعید باشا فرمانا بالتركیة یشكره على ما قدمه للدولة من المساعدة في ھذه الحرب ویثني على بسالة الجنود المصریین فیھا، ویعلمه بعقد الصلح بینه وبین روسیا، ومنح السلطان عددا من الجنود المصریین أوسمة على أعمالھم المجیدة.

نذكر ھنا أن من نتائج ھذا الصلح أن منعت روسیا من استخدام البحر الأسود لأغراض عسكریة، ومنحت كل من صربیا ورومانیا استقلال ذاتي تحت الدولة العثمانیة، وتنازلت روسیا عن بعض الأراضي رومانیا، وأعیدت سیباستوبل لروسیا.

شھادات قواد الجیوش ببسالة الجنود المصریین في حرب القرم

كتب الأمیرال الإنكلیزي (سلید) الذي كان موظفا في تركیا واشترك في ھذه الحرب وألف عنھا تاریخا سماه (تركیا وحرب القرم) عن الجنود المصریة ما یلي: "ھؤلاء ھم الجنود الذین ألقي القبض علیھم بغلظة وانتزعوا من عقر دورھم وصیاح أولادھم من حولھم یطن في آذانھم، وانتقلوا من ضفاف فروع النیل المضیئة بنور الشمس إلى غدران نھر الدانوب القاتمة. ومع ھذا قد ظلوا إلى نھایة الحرب محتفظین ببسالتھم وقوة روحھم العسكریة. وأظھروا في كل وقت وآن جلدا وصبرا عند التعب والحرمان. غیر أنه ویاللحسرة والندم نصفھم ألقى آخر نظرة إلى مصر لدى سفره منھا".

وجاء في خطاب كتبه الجنرال الفرنسي أوسمون إلى مسیو ( آمیه فانترینیه) بتاریخ 4 مایو، وھذا الأخیر نشره في مؤلفه الذي سماه سلیمان باشا قال فیه بصدد حرب القرم مایلي:

"لقد أتى في غضون حرب القرم قسم من أولئكم الجیوش المصریة المجیدة لیعاونونا في أعمال الحرب. ورأیت في أوباتوریا عندما كنت محافظا لھا فرقة مصریة مؤلفة من زھاء 12 ألف جندي، وھي تكون جزءا من جیش عمر باشا، ورأیتھا في المناورات ورأیتھا في الحرب تقاتل إلى جنب فرقتین من الجیش التركي، وأنا أصرح أنھا تفوق ھاتین الفرقتین في كل أمر".

وجاء في جریدة (المونیتور) التي كانت تصدر في ذلك العھد: "وتعتبر الجنود المصریة أحسن جنود في أوباتوریا. وھذه كانت أیضا شھرتھم في حرب الدانوب".

مشاركة پيدمونت-سردينيا

المتمردون اليونانيون

 
الكتيبة اليونانية في حصار سڤاستوپول.

عند إندلاع حرب القرم، فر الكثير من اليونانيين مما وفر فرصة للعثمانيين لاحتلال الأراضي اليونانية وإضافتها للأراضي المحررة مؤخراً من مملكة اليونان المستقلة. حرب الاستقلال اليونانية (1821–1829) كانت لا تزال حاضرة في أذهان الناس وكذلك التدخل الروسي الذي ساعد على تأمين استقلال اليونان. قبل وقت قصير من حرب الاستقلال اليونانية، الزعيم فيليكي إتريا، ألكسندر إيپسيلانتيس، وشقيقه دمتريوس إيپسيلانتيس قادا القوات الروسية إلى مولداڤيا وولاخيا ونسقا الإستعدادات للإنتفاضات في اليونان المحتلة من قبل العثمانيين والتي قاداها فيما بعد. من ناحية أخرى، فاليونانيين دائماً ما اعتبرو روسيا المسيحية الأرثوذكسية حليفاً وكانو ينظرون أن حرب القرم هي ظلماً فادحاً لروسيا وأن أي دعم للدولة العثمانينة يشكل تهديداً خطيراً لاستقلال اليونان الحديث.

نهاية الحرب

 
الخسائر العثمانية بعد الحرب الروسية التركية 1877-78 (بالأصفر).
 
الأجراس الثلاثية لكنيسة القرن 17 في قلعة أرنودل، المملكة المتحدة. كانت قد أُخذت من سڤاستوپول كغنائم في نهاية الحرب.

كان عدم الرضا على مجريات الحرب قد تنامى لدى العامة في بريطانيا وفي بلدان أخرى، وتفاقم بسبب تقارير عن الفشل، خاصة الهزيمة الغير إنسانية عند هجوم الكتيبة الخفيفة في معركة بالاكلاڤا. في البرلمان، طالب المحافظون برصد جميع الجنود، المشاة والبحارة الذين أُرسلو للقرم والحصول على أرقام دقيقة للخسائر التي تكبدتها القوات المسلحة البريطانية في القرم؛ كانوا مهتمين بصفة خاصة بمعركة بالاكلاڤا. عندما صدق البرلمان على مشروع قانون للتحقيق بتصويت 305 إلى 148 صوت، قال أبردين أنه خسر تصويت بحجب الثقة واستقال من منصبه كرئيس وزراء في 30 يناير 1855.[31] وزير الخارجية المخضرم السابق لورد پالمرستون شكل حكومة ويگ بدعم من أعضاء البرلمان الأيرلنديين.[32]

أسفرت مفاوضات السلام في مؤتمر باريس عن توقيع معاهدة باريس في 30 مارس 1856. بمقتضى المادة الثالثة ردت روسيا للدولة العثمانية مدينة وقلعة قارس in common مع "جميع المناطق الأخرى في الدولة العثمانية والتي كانت في حيازة القوات الروسية". بمقتضى المادة الرابعة، إنگلترة، فرنسا، سردينيا، وتركيا ردت لروسيا "بلدات وموانئ سڤاستوپول، بالاكلاڤيا، كاميش، أوروپاتوريا، كرچ، جنيكاله، كينوبورن، بالإضافة إلى جميع الأراضي الأخرى التي احتلها القوات المتحالفة." وفقاً للمادة الحادية عشر والثالثة عشر القصير والسلطان اتفقا على عدم إقامة أي ترسانة بحرية أو عسكرية على ساحل البحر الأسود. ما يخص البحر الأسود في المادتين أضعف روسيا، ولم تعد تشكل تهديداً بحرياً على العثمانيين. إمارات مولداڤيا وولاخيا عادت إسمياً للدولة العثمانية؛ عملياً أصبحت مستقلة. تعهد القوى العظمى باحترام استقلال وسلامة أراضي الدولة العثمانية.[15]:432–33

تحليل تاريخي

 
ألكسندر الثاني، إمبراطور روسيا

افتتح مؤتمر باريس في 25 فبراير 1856 وتم توقيع معاهدة باريس بعد 34 يوماً من افتتاح المؤتمر في 30 مارس، وتضمنت عدة نقاط مهمة، منها: حرية الملاحة في نهر الدانوب، وتشكيل لجنة دولية للإشراف على ذلك، وإعلان حياد البحر الأسود، وكانت هذه المادة كارثة بالنسبة لروسيا؛ حيث أجبر هذا النص روسيا على سحب سفنها الحربية من هذا البحر ونقلها إلى بحر البلطيق، وبالتالي أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية من الناحية الفعلية وليس القانونية.

 
الغراب المفلوق في القرم. بعد حصار دام سنة فرضه الجيشان الفرنسي والبريطاني، تخلى الروس عن ميناء سڤاستوپول في 11 سبتمبر 1855. الرسم يبين خنديين من الحلفاء يجعلان الغراب ذي الرأسين جريحاً ويفر أمامهما.

واعترفت المعاهدة بالاستقلال الذاتي لكل من ولايتي الأفلاق وبغدان (رومانيا حاليا) ضمن الدولة العثمانية، وأن يتم احترام استقلال الدولة العثمانية وعدم التدخل في شئونها الداخلية مقابل تعهدها بتحسين أحوال الرعايا المسيحيين في البلقان، واعترف السلطان العثماني بالمساواة التامة بين جميع رعاياه على اختلاف مذاهبهم وأديانهم. وأعلنت الدولة العثمانية قبول مبدأ التحكيم في حالة وقوع خلاف بينها وبين غيرها من الدول، وكان هذا النص مهما في القانون الدولي الناشئ.

وقررت المعاهدة إعادة ميناء سڤاستوپول لروسيا، كما احتفظ العثمانيون بحق حماية الأراضي الصربية، ووعدت الدول الكبرى بالعمل على حل أي خلاف ينشأ بين الصرب والعثمانيين.

وثبتت معاهدة باريس امتيازات فرنسا في الأماكن المقدسة المسيحية دون غيرها من الدول، وأضفت عليها الطابع الحقوقي الدولي، حيث إن الامتيازات في السابق كانت نابعة من التعاقد الثنائي بين الدولة العثمانية ذات السيادة على هذه الأماكن وبين فرنسا منفردة.

كان لهذه المعاهدة آثارها على الدولة العثمانية، حيث وقعت بعض المصادمات الطائفية في بعض المناطق في الدولة؛ كما أن هذه المعاهدة عطلت الوجود الروسي في البحر الأسود قرابة 15 عاما، حتى تمكن القيصر ألكسندر الثاني من إنهاء معاهدة باريس سنة 1870 أثناء الحرب الپروسية الفرنسية.

وقد أمرت الدولة العثمانية الولايات بتزويدها بالقوات اللازمة حيث ارسلت في طلب القوات من الولاية المصرية التى كان يحكمها في ذلك الوقت على بك الكبير حكما شبه مستقلاً. علي بك الكبير ماطل في الرد على الباب العالي لعلاقته الطيبة مع روسيا، حيث أن والدته كانت روسية. وأرسلت الدوله العثمانيه ايضا في طلب القوات من الشام وفلسطين التى كان يحكمها في ذلك الوقت حليف علي بك الكبير الشيخ ظاهر العمر.

 
ناپليون الثالث، إمبراطور فرنسا.

كان لمعاهدة باريس التي عقدتها الدولة العثمانية بعد حرب القرم التي استمرت حوالي 3 سنوات أهمية خاصة في التوازن على الساحة الدولية بين الدول الكبرى، فهي من المعاهدات التي صاغت الوجه السياسي لأوربا خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت مدخلا مهما لتطوير القانون الدولي؛ حيث كانت بداية الفصل بين العقائد الدينية والعلاقات الخارجية، وانتقلت بالقانون الدولي من الحيز الأوربي الذي كان يعبر في الأساس عن مجموعة من الأعراف غير الملزمة لغير الأوربيين إلى إشراك الدولة العثمانية في هذا القانون الدولي.

وتكمن أهمية هذه المعاهدة في أنها كشفت بجلاء أن المصالح هي التي تصنع الأحداث ومن ثم تصنع التاريخ، فالتحالفات لا تصاغ وفق العقائد الدينية بقدر ما تصاغ وفق المصالح التي تحققها تلك العقائد، ولذا كانت أطر التحالفات واسعة ومرنة وقابلة للتحرك مع تغير المصلحة، وتلك قصة طويلة دامية كشفتها بجلاء معاهدة باريس.


الانتقادات والاصلاح

 
صورة لمعسكر الجيش البريطاني في بلاكلاڤا أثناء حرب القرم. طبعة ألبومن فضة من "Robertson & Beato"، 1855

بعد توقف حرب القرم نشر السلطان العثماني عبد المجيد في 18 فبراير 1856 فرماناً عُرف باسم المرسوم الهمايوني للإصلاحات، والذي اعترف بمجموعة من الحقوق للأقليات الدينية في الدولة العثمانية، وكان هدفه الحقيقي محاولة الدولة العثمانية كسب الرأي العام الأوربي إلى جانبها أثناء المفاوضات لتوقيع معاهدة باريس.

اعترف الفرمان بالمساواة بين جميع رعايا الدولة العثمانية من مسلمين ومسيحيين، وجرّم استخدام تعبيرات تحقر المسيحيين، ونصّ على تجنيد المسيحيين في الجيش العثماني، وإلغاء الجزية، على أن يدفع المسيحيون غير الراغبين في الخدمة العسكرية بدلا نقديا، وأن يمثل المسيحيون في الولايات والأقضية تبعا لأعدادهم في تلك المناطق.

أهم أحداث الحرب

 
نصب تذكاري لحرب القرم بالقرب من شارع ريجنت، منتزه سانت جيمس، لندن.

أبرز القادة العسكريين

 
مصلى في پتروپاڤلوڤسك-كامچاتسكي، إحياء لذكرى حصار پتروپاڤلوڤسك عام 1854.

كتب

 
كتاب الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم للكاتب عمر طوسون

اقرأ أيضا

أهم المصادر

  • يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية- منشورات مؤسسة فيصل للتمويل- تركيا- الطبعة الأولى 1990م.
  • أحمد عبد الرحيم مصطفى: في أصول التاريخ العثماني بيروت- دار الشروق، 1986.
  • عمر عبد العزيز عمر: أوربا 1815 – 1919 – بيروت- دار المعرفة الجامعية- 1995.

إسلام أون لاين: معاهدة باريس.. المصالح وصناعة التاريخ       تصريح

الهامش

  1. ^ Arnold, Guy (2002). Historical Dictionary of the Crimean War. Scarecrow Press.
  2. ^ أ ب Военная Энциклопедия, М., Воениздат 1999, т.4, стр.315
  3. ^ Dupuy and Dupuy The Encyclopedia of Military History, Macdonald and Jane's, 1970, p.829
  4. ^ Napoleon III, Pierre Milza, Perrin edition, 2004 at the Internet Archive
  5. ^ The War Chronicles: From Flintlocks to Machine Guns: A Global Reference of ... , Joseph Cummins, 2009, p. 100
  6. ^ Napoleon III, Pierre Milza, Perrin edition, 2004
  7. ^ أ ب Sweetman, John (2001). Crimean War, Essential Histories 2. Osprey. ISBN 1-84176-186-9.
  8. ^ Военная Энциклопедия, М., Воениздат 1999, т.4, стр.317
  9. ^ The Osprey Companion to Military History, R Cowley and G Parker (eds.), Osprey Publishing, 1996, ISBN 1 85532 663 9, p.116
  10. ^ Dupuy and Dupuy The Encyclopedia of Military History, Macdonald and Jane's, 1970, p.829 gives the following figure for the Russian casualties: 256,000 إجمالي، منهم 128,000 ضحايا المعارك
  11. ^ Royle. The Books "Crimea" and The Great crimean war"
  12. ^ John Sweetman, Crimean War, Essential Histories 2, Osprey Publishing, 2001, ISBN 1 84176 186 9, p.89
  13. ^ Clive Pointing, The Crimean War: The Truth Behind the Myth, Chatto & Windus, London, 2004, ISBN 0 7011 7390 4, p.344 gives the number of Russian dead as 475,000 which is much too high, probably a result of confusing the number of dead and wounded with the number of dead
  14. ^ Kinglake (1863:354)
  15. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي أأ Figes, Orlando (2010). Crimea: The Last Crusade. London: Allen Lane. ISBN 978-0-7139-9704-0.
  16. ^ Gorizontov, Leonid E. (2012). "The Crimean War as a Test of Russia's Imperial Durability". Russian Studies in History. 51 (1): 65–94. doi:10.2753/RSH1061-1983510103.
  17. ^ Clough, Shepard B., ed. (1964). A History of the Western World. p. 917.
  18. ^ Kozelsky, Mara (2012). "The Crimean War, 1853–56". Kritika. 13 (4).
  19. ^ Royle, Trevor (2000). Crimea: The Great Crimean War, 1854–1856. Palgrave Macmillan. ISBN 1-4039-6416-5.
  20. ^ Taylor, A. J. P. (1954). The Struggle for Mastery in Europe: 1848–1918. pp. 64–81.
  21. ^ Candan Badem (2010). “The" Ottoman Crimean War: (1853–1856). BRILL. pp. 101–109.
  22. ^ James J. Reid (2000). Crisis of the Ottoman Empire: Prelude to Collapse 1839–1878. Franz Steiner Verlag. pp. 242–62.
  23. ^ Marx, Karl (1980) [1853–54]. "Debates in Parliament". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 13. New York: International Publishers. p. 12. ISBN 0-7178-0513-1.
  24. ^ Marx, Karl; Engels, Frederick (1980) [1853–54]. "The Late British Government". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 13. New York: International Publishers. pp. 620–621. ISBN 0-7178-0513-1.
  25. ^ Engels, Frederick (1980) [1853–54]. "The News from the Crimea". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 13. New York: International Publishers. pp. 477–479. ISBN 0-7178-0513-1.
  26. ^ أ ب ت ث Engels, Frederick (1980) [1853–54]. "The War in the East". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 13. New York: International Publishers. ISBN 0-7178-0513-1.
  27. ^ Engels, Frederick (1980) [1853–54]. "The Battle of Inkerman". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 13. New York: International Publishers. pp. 528–535. ISBN 0-7178-0513-1.
  28. ^ أ ب ت Radzinsky, Edvard (2005). Alexander II: The Last Great Tsar. New York: Free Press. ISBN 0-7432-7332-X.
  29. ^ Engels, Frederick (1979) [1853–54]. "Progress of the Turkish War". Collected Works of Karl Marx and Frederick Engels. Vol. 12. New York: International Publishers. p. 547. ISBN 0-7178-0512-3.
  30. ^ Mikhail Vysokov: A Brief History of Sakhalin and the Kurils: Late 19th
  31. ^ Leonard, Dick (2013). The Great Rivalry: Gladstone and Disraeli. London: I.B. Tauris. p. 98.
  32. ^ Ridley, Jasper (1970). Lord Palmerston. New York: Dutton. pp. 431–436. ISBN 0-525-14873-6.

وصلات خارجية