اليونان الموكنية

(تم التحويل من اليونان الميسينية)

اليونان الموكنية Mycenaean Greece، تشير إلى المرحلة الأخيرة من العصر البرونزي في اليونان القديمة (ح. 1600-1100 ق.م). تمثل أول حضارة متقدمة في البر اليوناني، بدويلاتها الفخمة، تنظيمها الحضاري، الأعمال الفنية ونظم الكتابة.[1] من بين مراكز القوى التي ظهرت، ومن أشهرها تلك التي كانت موجودة في پيلوس، تيرنز، ميديا في المورة، أورخومنوس، طيبة، أثينا في وسط اليونان وإيولكوس في تساليا. وكانت موكناي في أرگوليس من أشهر المواقع، والتي تحمل ثقافة تلك الفترة اسمها. كما ظهرت المستوطنات الموكنية وذات التأثير الموكني في إپيروس،[2][3] مقدونيا،[4][5] على جزر بحر إيجة، على ساحل آسيا الصغرى، بلاد الشام،[6] قبرص[7] وإيطاليا.[8]

Mycenaean Greece
Mycenaean World en.png
أسماء بديلةMycenaean civilization
النطاق الجغرافيMainland Greece, Aegean islands and Western Anatolia
الفترةالعصر البرونزي
التواريخح. 1750 – ح. 1050 ق.م.
الموقع النمطيموكناي
المواقع الرئيسيةپيلوس، تيرنز، Midea, Orchomenos, Iolcos
السمات
سبقهاالحضارة المينوسية، ثقافة كوراكو، ثقافة تيرنز
تلاهاالعصور المظلمة اليونانية
COA of Greece.svg

هذه المقالة هي جزء من سلسلة عن:

تاريخ اليونان

اليونان قبل التاريخ
الحضارة الهلادية
الهجرة الكبرى
الحضارة الكيكلادية
الحضارة المينوية
الحضارة الميسينية
العصور المظلمة اليونانية
اليونان القديمة
اليونان العتيقة
اليونان الكلاسيكية
اليونان الهيلينية
اليونان الرومانية
يونان العصور الوسطى
الامبراطورية البيزنطية
اليونان العثمانية
اليونان الحديثة
حرب استقلال اليونان
مملكة اليونان
احتلال المحور لليونان
الحرب الأهلية اليونانية
الطغمة العسكرية
الجمهورية الهلينية
تاريخ موضوعي
التاريخ الاقتصادي لليونان
التاريخ العسكري لليونان
التاريخ الدستوري لليونان
أسماء اليونانيين
تاريخ الفن اليوناني
 ع  ن  ت

انهارت اليونان الموكنية بانهيار ثقافة العصر البرونزي في شرق المتوسط. هناك عدة نظريات مقترحة لنهاية هذه الحضارة، من بينها الغزو الدورياني أو الأنشطة المرتبطة "بشعب البحر". كما اقترحت نظريات إضافية مثل الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ. أصبحت الفترة الموكنية إطاراً تاريخياً للأدب والأساطير اليونانية الأكثر قدماً، ومنها دائرة طراودة الملحمية.[9]

إن ما لدينا من آثار هذه الحضارة أقل من أن يمكننا من أن نصورها في صورة واضحة وضوح الحضارات التي تتكشف عنها خربات كريت أو أشعار هومر. ولكننا نستطيع أن نقول عنها إن الحياة في أرض اليونان القارية كانت أقرب إلى مرحلة الصيد من الحياة في كريت، وإن ما نجده بين بقايا الآثار الميسينية من عظام الظباء، والخنازير البرية، والمعز، والضأن، والأرانب، والثيران، والخنازير - بل عظام السمك والأصداف البحرية - ليدل على أن شهوة الطعام بين أولئك القوم قد وصلت إلى المرحلة التي يصفها لنا هومر، والتي لا تلائم خصر الكريتيين النحيل. وتكشف الآثار في أماكن متفرقة عما بين أساليب الحياة "القديمة" و"الحديثة" من تشابه عجيب، فقد نجد سهاماً من الحجر الزجاجي إلى جانب مثقب برونزي أجوف كان يستعمل في عمل ثقوب في الحجارة للأوتاد.[10]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهوية

   
محاربان يونانيون مكونيان يرتديان خوذات بأنياب خنازير فوق عربة حربية في لوحة جصية من پيلوس (ح. 1350 ق.م.) (يسار) وقائدات عربات حربية مكونيات من تيرنز، 1200 ق.م. (يمين).


التاريخ

عصر القبر العمودي (ح. 1600–1450 ق.م.)

 
قناع موت، يعرف باسم قناع أگاممنون، دائرة المقابر أ، ميسيني، القرن 16.

أما الصناعة، فلم تكن متقدمة تقدمها في كريت، فلسنا نجد في أرض اليونان القارية مراكز صناعية مثل جورنيا، كذلك كان نمو التجارة بطيئاً، لأن البحار كانت عرضة لغارات القراصنة، ومنهم الميسينيون أنفسهم. وكان ملوك ميسيني وتيرينز يستخدمون فنانين كريتيين ليحفروا على الأواني والخواتم، ما كانوا يقومون به من أعمال القرصنة التي يفخرون بها. وكانوا يبنون مدنهم في داخل البلاد ليدفعوا عن أنفسهم شر غيرهم من القراصنة، بعيدة عن البحر بعداً يمكنهم من أن يتقوا الغارات المفاجئة، وقريبة منه قرباً يمكنهم من الإسراع إلى سفنهم. وكان موقع مدينتي تيرينز وميسيني على الطريق الممتد من خليج أرجولي إلى برزح كورنث يمكنهما من فرض إتاوات باهظة على التجار ومن القيام بغارات قرصنة عليهم من حين إلى حين. ولما رأت ميسيني أن كريت قد أثرت من اشتغالها بالتجارة المشروعة، أدركت أن القرصنة، كالضريبة الجمركية وليدتها المتحضرة، قد تخنق التجارة خنقاً وتنشر الفاقة في أوسع نطاق؛ ولذلك أصلحت أمرها وقبلت أن تتطور القرصنة فتصير تجارة. وما وافى عام 1400 حتى بلغ أسطولها التجاري من القوة درجة استطاع بها أن ينازع كريت سلطانها البحري؛ فرفضت أن تنقل بضائع ميسيني الذاهبة إلى أفريقيا عن طريق الجزيرة وأرسلتها إلى مصر مباشرة؛ وقد يكون هذا العمل سبباً أو نتيجة لحرب انتهت بتدمير القلاع الكريتية.

فترة كوينه الموكنية (ح. 1450 ق.م.–1250 ق.م.)

 
جصية تصور أنثى في موكناي، القرن الثالث ق.م.
 
غطاء واقي الموكنية، عثر عليه في دندرا، أرگوليس، ح. 1400 ق.م.

ولم تكن الثروة التي أفادتها البلاد من هذه التجارة مصحوبة بثقافة تتناسب معها، ونستطيع أن نتبينها فيما بقي من الآثار. وتعزو الروايات اليونانية إلى البلاسجيين فضل تعلم الحروف الهجائية من التجار الفينقيين، وقد وجدت في تيرينز وطيبة جرار عليها رموز لم تحل بعد، ولكن لم تكشف قط ألواح من الصلصال، أو نقوض، أو وثائق؛ وأكبر الظن أن ميسيني حين أرادت أن يتعلم أهلها الكتابة استخدمت فيها مواد سريعة العطب، كما فعل الكريتيون في المرحلة الأخيرة من تاريخهم، ولذلك لم يبق شيء من هذه المواد. ونهج الميسينييون في الفن نهج الكريتيين، وقلدوهم فيه بأمانة جعلت علماء الآثار يظنون أنهم كانوا يأتون بكبار الفنانين من كريت، ولكن يرد على هذا بأنه بعد أن اضمحل الفن الكريتي ازدهر فن التصوير أيما ازدهار في أرض اليونان، فترى النقوش التي تزدان بها أطراف الجدران وحلياتها ترقي إلى المرتبة الأولى في الفن وتبقى إلى عصر ازدهار الحضارة اليونانية؛ وكذلك يدل ما بقي من المظلمات على إحساس قوي بالحياة والنشاط. وترى "النساء اللاتي في المقاصير" من كبريات السيدات اللائي تزدان بأمثالهن دور التمثيل في هذه الأيام، وقد صففن شعرهن وارتدين من الملابس ما يتفق مع أحسن طراز في الوقت الحاضر؛ وهن أقرب إلى الحياة الحقة من "السيدات الراكبات في العربة" اللائي خرجن للتنزه في الحقول آخر النهار وتكلفن الجمود في ركبتهن. وخير من سيدات المقاصير منظر "صيد الخنازير البرية"، وهو نقش من نقوش تيرنز. إن الخنزير والأزهار قد تحكم في تصويرهما العرف إلى حد لا يصدقه العقل، واللون القرنفلي الغير المعقول قد شوهته بقع أرجوانية وسوداء وزرقاء تتفق مع النمط المألوف وقتئذ، والنصف الخلفي من الخنزير المندفع في جريه يدق تدريجاً حتى يشبه عذراء عالية الحذائين تسقط من عريشة في قصرها. ولكن المطاردة رغم هذا مطاردة حقيقية، والخنزير قد أعياه الطراد حتى وصل إلى درجة اليأس، والكلاب تقفز بأقصى سرعتها في الهواء؛ والرجل، وهو أقوى الوحوش المفترسة عاطفة وأشدها قسوة، واقف متأهب برمحه القاتل الفتاك. ومن حق الإنسان أن يستدل من هذه النماذج على ما كان يستمتع به الموكنيون من حياة نشطة ومن أجسام قوية، وما كان لنسائهم من جمال وما كان في قصورهم من زينة واضحة جميلة.

الانخراط في آسيا الصغرى

 
شرق المتوسط والشرق الأوسط في القرن 14 ق.م. اليونان الموكنية باللون القرمزي.


الانهيار (ح. 1250–1100 ق.م.)

الانحدار الأولي والصحوة

 
جنود يسيرون وتراقبهم إمرأة، في krater من حوالي 1200 ق.م. في موكناي.


الانهيار النهائي

التنظيم السياسي

 
إعادة بناء الأفق السياسي عام 1400-1250 ق.م. في البر الرئيسي لليونان الجنوبية.


الفن والحرف اليدوية

 
Silver repoussé rhyton بقرون ذهبية، من القبر الدائري أ في موكناي، القرن 16 ق.م. (المتحف الأثري، أثينا).

وأرقى فنون ميسيني كلها ما كان منها على المعادن، ففيها بلغت بلاد اليونان ما بلغته كريت، وبلغ من جرأتها في هذه الناحية أن اتبعت فيها أشكالها الخاصة وزينتها. وإذا لم يكن شليمان قد عثر بحق على عظام أجاممنون، فقد عثر على ما يعادل وزنها فضة وذهباً. عثر على حلي كثيرة الأنواع، وبكميات تدل على الإسراف الشديد، وعلى أزرار ذات رؤوس خليقة بأن تكون في ملابس الملوك؛ وحجارة كريمة حفرت عليها مناظر صيد أو حرب أو قرصنة؛ ورأس بقرة من الفضة البراقة لها قرنان وجبهة من الفضة نقشت عليها ورود، يتوقع الناظر إليها في أية لحظة من اللحظات أن تخور خواراً محزناً، قد يفسره شليمان، وهو الذي لا يعدم وسيلة لتفسير كل ما يراه، بأنه اسم موكناي. وأجمل ما وجد في تيرنز وموكناي من آثار معدنية خنجران من البرنز مرصعان بمزيج من الذهب والفضة، ومصفحان بالذهب المجلو المصقول، وعليهما نقوش تمثل قططاً برية تطارد بطاً، وأساداً تطارد فهاداً أو تحارب أناسي. وأغرب من هذه كلها الأقنعة الذهبية التي كانت على ما يظهر تغطي بها وجوه الموتى من الملوك. ويشبه أحد هذه الأقنعة وجه قطة؛ وقد دفعت شليمان شهامته إلى أن يعزو هذا القناع لأجاممنون لا لكليتمنسترا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العمارة

القصور

 
تيرينز، خريطة القصر والتحصينات المجاورة.
 
The hearth of the megaron of Pylos.

على تل منخفض طويل، على بعد ميل واحد في شمال البحر، كان يقوم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد قصر تيرينز الحصين. ويستطيع الإنسان أن يصل إلى خرائب هذا القصر بعد رحلة ممتعة من أرجوس أو ناوبليون Nsuplia، ومشهد هذه الخرائب تكاد تضيع معالمها بين حقول القمح والذرة الهادئة الساكنة. فإذا صعد السائح قليلاً فوق درجات حجرية باقية من أزمنة ما قبل التاريخ، وقف أمام الجدران الضخمة السيكلوبية التي بنيت كما تقول الرواية اليونانية للأمير الأرجوسي پرويتوس Proetus قبل حرب طروادة بمائتي عام. ولقد كانت المدينة حتى في ذلك الزمن البعيد قديمة العهد فقد شادها كما تقول الرواية القديمة المأثورة البطل تيرنز بن أرجس Argus ذو المائة عين، والعالم لا يزال في طفولته. ةتضيف القصة إلى ذلك أن بروتيوس أهدى القصر إلى برسيوس الذي حكم تيرينز مع الملكة أندرمدا Andromeda الحمراء.

وكان ارتفاع الأسوار التي تحمي المدينة بين عشرين وخمسين قدماً، وقد بلغ من سمكها أن كانت تحتوي في بعض المواضع على معارض واسعة ذات قباب وعقود فيها قطع حجرية ضخمة مركبة بعضها فوق بعض في وضع أفقي.

ولا تزال بعض هذه الحجارة فـي أماكنها حتى الآن، والكثير منها يبلغ طوله ست أقدام وعرضه ثلاثاً وسمكه مثلها، أما أصغرها فيقول بوسنياس "إنه يصعب على زوج من البغال أن يحركها من أماكنها". وكان في داخل الأسوار، وراء مدخل شيد على نمط كثير من مداخل الحصون فناء واسع مرصوف، حوله طائفة من الأعمدة، ومن حول هذه الأعمدة عدد كبير من الحجرات شبيهة بحجرات نوسس، تجتمع حول بهو فخم سعته ألفا وثلاثمائة قدم مربعة، أرضه مرصوفة بالأسمنت المطلي وسقفه مقام على أربعة عمد بينها موقد. وهنا وجد مبدأ جرت عليه العمائر اليونانية يختلف عما كان متبعاً في كريت - وهو فصل الجناح الذي تقيم فيه النساء عن حجرات الرجال. فقد كانت حجرة الملك وحجرة الملكة متجاورتين ولكنهما - على قدر ما نستطيع أن نستدل عليه من آثارهما - منفصلتان إحداهما عن الأخرى كل الانفصال ولا صلة بينهما من داخلهما. ولم يعثر شليمان من هذا القصر الحصين إلا على أساس الطابق الأرضي، وقواعد الأعمدة، وأجزاء من الجدران. وفي أسفل التل وجدت بقايا البيوت المقامة من الحجارة أو الآجر، والقناطر، وقطع من الفخار القديم. وفي هذا الموضع كانت مدينة تيرينز يف عهد ما قبل التاريخ تتقارب بيوتها لتحمي نفسها تحت أسوار القصر. ذلك أنه لا مفر لنا من أن نتصور بلاد اليونان في عصر البرنز تحيا حياة غير آمنة حول هذه القلاع الإقطاعية وفي داخلها.

وعلى بعد عشرة أميال شمالي هذه المدينة شاد برسيوس (إذا أردنا أن نصدق قول بوسنياس) مدينة ميسيني - أعظم عواصم اليونان قبل التاريخ. وهنا أيضاً نشأت حول قلعة منيعة مدينة من عدة قرى، تضم عدداً من السكان النشيطين زراع، وتجار، وصناع، ورقيق، كانوا سعداء لأنهم ليس لهم تاريخ. وبعد ستمائة عام من ذلك الوقت وصف هومر ميسيني بأنها "مدينة حسنة البناء واسعة الطرقات، موفورة الذهب". ولقد أبقى الزمان على أجزاء من هذه الجدران الضخمة رغم ما مر بها من مئات الأجيال التي تكفي لتخريب أقوى الصروح؛ وإن ما بقي منها ليشهد برخص الأيدي العاملة وعدم اطمئنان الملوك على أنفسهم في تلك الأيام. وفي ركن من أركان السور يوجد باب الأسد الشهير، وهناك فوق أسكفة ضخمة نحت على حجر مثلث الشكل أسدان كبيران أبلاهما الزمان وحطم رأسيهما، وأبقى على جسميهما ليحرسا وهما صامتان ذلك المجد العتيد الزائل. وعلى الرابية القريبة من هذا الباب ترى أطلال القصر. وفي وسعنا أن نفعل هنا ما فعلناه في تيرينز فنتبين فيها حجرة العرش، وحجرات المخازن، وحجرة النوم، وحجرات الاستقبال. وهنا كانت في غابر الأيام أرضيات منقوشة، ومداخل ذات عمد، وجدران ذات مظلمات، وسلالم فخمة.

وقد كشف عمال شليمان، بالقرب من باب الأسد في بقعة ضيقة تحيط بها دائرة من القطع الحجرية المسطحة، عن تسعة عشر هيكلاً عظيماً، وعن عاديات قيمة ثمينة لا يسع من يراها إلا أن يغفر لهذا الهاوي العظيم ظنه أن هذه الحفر هي الحجرات التي دفن فيها أبناء أتريوس. كيف لا وقد وصف بوسنياس القبور الملكية بأنها "في أطلال ميسيني؟"، لقد كان من بين هذه الهياكل العظيمة جماجم رجال عليها تيجان من الذهب، وعلى عظام وجوهها أقنعة ذهبية؛ وكان من بينها هياكل سيدات لهن تيجان من الذهب كن يلبسنها على رؤوسهن التي لم يبق لها وجود. ومن بين ما وجد في هذه المقابر آنية عليها رسوم جميلة، وجفان من البرنز، وكأس من فضة، ورؤوس وسيوف مزخرفة، ولوحة للعب شبيهة بالتي وجدت في نوسس، وكل ما يستطيع أن يتصوره الإنسان من الأدوات مصنوعة من الذهب الخالص - أختام وخواتم، ودبابيس، ومشابك، وأقداح، وخرز وأساور، ودروع، وآنية للزينة، وأثواب مزركشة بصفائح رفيعة من الذهب، وليس ثمة شك في أن هذه الجواهر جواهر ملوك، وأن هذه العظام عظام ملوك.

وقد كشف شليمان وغيره من العلماء في سفح التل المقابل للسفح الذي شيد عليه هذا الحصن، تسعة قبور تختلف كل الاختلاف عن "القبور البئرية". فإذا ما خرج الإنسان عن الطريق النازل من القلعة دخل عن يمينه دهليزاً على جانبيه جدران من الحجارة الكبيرة الجيدة القطع، وفي آخر الدهليز مدخل بسيط كان يزدان فيما مضى بعمودين أسطوانيين رفيعين من الرخام الأخضر محفوظين في المتحف البريطاني الآن، ومن فوق العمودين أسكفة بسيطة من حجرين طول أحدهما ثلاثون قدماً ووزنه 113 طناً. فإذا اجتاز السائح هذا المدخل ألفى نفسه تحت قبة ارتفاعها خمسون قدماً وقطرها خمسون، وجدرانها من الحجارة المنشورة، مقواة بصفائح من البرنز نقش عليها الورد، وتركب كل طبقة من الحجارة على ما تحتها حتى تسد أعلى الطبقات قمة القبة. وقد اعتقد شليمان أن هذا الصرح العجيب هو قبر أجممنون، ولم يتردد في أن يصف قبة أخرى أصغر من هذه وجدت إلى جوارها وكشفتها زوجته بأنها قبر كليتمنسترا Clytaemnestra. وكانت كل القبور التي وجدت في ميسيني والتي تشبه خلية النحل في كثرتها خالية، لأن اللصوص سبقوا علماء الآثار إليها بعدة قرون.

وهذه الآثار الدارسة شواهد باقية على حضارة كانت قديمة في أيام بركليز قدم شليمان إلينا نحن. ويرجع المؤرخون المحدثون تاريخ المقابر البئرية إلى عام 1600 ق.م (أي قبل التاريخ الذي يحددونه لأجممنون بأربعمائة عام)، أما المقابر التي في الجهة الأخرى من التل فيرجع تاريخها في زعمهم إلى حوالي عام 1450، ولكن تأريخ ما قبل التاريخ عملية بعيدة كل البعد عن الدقة. ولسنا نعرف كيف بدأت هذه الحضارة، كما لا نعرف من هم أولئك الأقوام الذين شادوا مدائن في موضعي ميسيني وتيرينز، بل وفي مواضع إسبارطة، وأمكلي Amyclae وإيجينا Aegina، وإليوزيس Eleusis، وقيروينا Chaeronia، وأرثومينوس Orthomenos ودلفي. وأكبر الظن أن هؤلاء الأقوام كانوا كغيرهم من الأمم قد أصبحوا خليطاً من سلالات مختلفة، ورثوا ثقافات متعددة؛ فلقد كانت بلاد اليونان مختلطة دماء أهلها قبل غزو الدورين (1100 ق.م) اختلاط دماء سكان إنجلترا قبل فتح النورمان. ومبلغ ما نستطيع أن نهتدي إليه بظننا أن الميسينيين كانوا يمتون بصلة القرابة العنصرية للفريجيين والكاريين سكان آسيا الصغرى، وللمينويين سكان كريت. وللأسدين اللذين وجدا في ميسيني وجهان شبيهان بآساد أرض النهرين. ولعل هذه الفكرة القديمة قد انتقلت إلى هذه البلاد عن طريق أشور وفريجيا.

وتسمى الراوية التاريخية الميسينيين باسم "بلاسجى" Pelasgi (وربما كان معناه أهل البحر - بلاجوس Pelagos)، وكانوا يصورونهم كأنهم آتون من تراقية وتساليا إلى أتكا والبلويونيز في زمن يبلغ من القدم حداً جعل اليونان يطلقون عليهم اسم السكان الأصليين، أوتوكتنوي Autochthonoi. وقد صدق هيرودوت هذه القصة وقال إن الآلهة الأولمبية من أصل بلاسجي، ولكنه "لا يستطيع أن يقول وهو واثق ماذا كانت لغة البلاسجي"، ولسنا نحن أكثر منه علماً بها.

وما من شك في أن أولئك الأوتوكتنويين قد قدموا في عصر متأخر إلى أرض كانت تزرع من أيام العصر الحجري الحديث؛ ذلك أنه لا يوجد في بلد من بلاد العالم سكان أصليون. وقد غلبهم على مر الزمان أقوام آخرون، وشاهد ذلك أننا نجد في العصور المتأخرة من تاريخ الميسينيين حوالي عام 1600 ق.م دلائل كثيرة على غزوة تجارية ثقافية، إن لم تكن سياسية عسكرية، لأرض البلويونيز، من حاصلات كريت أو من مهاجريها. وحجتنا في هذا القول أن قصور تيرينز وميسيني قد خططت وزينت على غرار القصور المينوية إذا استثنينا أقسام النساء في الأولى وهي التي لا نظير لها في الثانية. يضاف إلى هذا أن الآنية والأنماط الفنية الكريتية وصلت إلى إيجينيا وكلسيس Chalcis وطيبة، وأن سيدات ميسيني وإلهاتها قد قلدن الطراز الكريتي الساحر في الملبس والزينة، وأن الفن الذي كشف عنه في القبور البئرية المتأخرة مينوي بلا ريب. وجلي أن اتصال الميسنيين بحضارة أرقى من حضارتهم كان له فيهم أثر حافز قوي، وأنه هو الذي رفع ميسيني إلى أرقى من حضارتهم كان له فيهم أثر حافز قوي، وأنه هو الذي رفع ميسيني إلى أرقى ما وصلت إليه حضارتها.


التحصينات

 
Cyclopean masonry in the southern walls of Mycenae
 
Part of the galleries within the walls of Tiryns.


الجصيات

 
جصية لامرأة موكنية.

ولكن أروع روائع الفن الميسيني بلا جدال لم يعثر عليها في تيرينز ولا في ميسيني، بل عثر عليها في قبرص ففيو Vaphio بالقرب من إسبرطة، حيث كان أحد صغار الأمراء ينافس ملوك الشمال في التفاخر والعظمة. وقد عثر في ذلك المكان، بين كنز آخر من الحلي، على قدحين من الذهب المطروق بسيطين في شكلهما ولكنهما بذل في صنعهما كل ما يستطيع الفنان المحب لفنه العظيم أن يبذله فيه من الصبر والإتقان. وتشبه صناعة هذين القدحين أحسن الصناعة المينوية، وقد أغرى ذلك بعض العلماء على أن يعزوهما إلى فنان كريتي عظيم بلغ من المنزلة في كريت ما بلغه سليني عند الإيطاليين. ولكننا يحزننا أن تحرم الثقافة الميسينية أحسن ما خلفت من آثار. نعم إن موضوع النقوش التي على القدحين - وهو اقتناص ثور وترويضه - يبدو من الموضوعات التي اختصت بها كريت؛ ولكن كثرة هذا المنظر وأمثاله محفورة على الخواتم والأختام الميسينية، أو مصورة على جدران القصور، تشهد بأن مصارعة الثيران كانت منتشرة في أرض اليونان انتشارها في الجزيرة. وقد نقش على أحد القدحين منظر القور وقد صيد في شبكة من الحبال السميكة، وفتح فاه ومنخريه وهو لا يكاد يستطيع التنفس من شدة الغضب وفرط التعب، وكلما حاول التخلص من الشرك ضاقت عليه حلقاته؛ وعلى الجانب الآخر ثور ثان يقفز قفزة الرعب والهلع، وثالث يهاجم غلاماً من الرعاة أمسكه بشجاعة نادرة من قرنيه. وعلى القدح الثاني يساق الثور المصيد؛ فإذا أدرنا القدح رأيناه قد رضي بقيود الحضارة، وانهمك على حد قول إيفنز في "حديث غرامي" مع بقرة. وقد مضت قرون كثيرة بعد ذلك العهد قبل أن يظهر مثل هذا الصنع البديع في بلاد اليونان.

ويوجد الميسيني نفسه، كما توجد معظم مخلفات فنه، في قبوره، ذلك أنه كان يطوي موتاه ويدفنهم في جرار غير مريحة، وقلما كان يحرق جثثهم كما كان يُفعل بها في عصر الأبطال.

الديانة

ويستدل من مخلفاته على أنه كان يؤمن بحياة من نوع ما في الدار الآخرة، لأن أدوات ذات قيمة ونفع قد وجدت في قبوره. وفيما عدا هذا فإن الدين الميسيني، على قدر ما تكشف لنا من مقوماته، قوي الدلالة على أنه نشأ من الدين الكريتي أو كان قوي الصلة به، ففيه - كما في كريت - نجد البلطة المزدوجة، والعمود المقدس، واليمامة الإلهية، وعبادة أم إلهة ممثلة في إله غلام لعله ولدها؛ وهنا أيضاً نجد أرباباً صغاراً في صور أفاع. وقد بقيت الأم الإلهة في بلاد اليونان خلال كل ما حدث في دينها من تطور وتغيير، فقد جاءت بعد ريا Rhea الكريتية دمتر Demeter أم اليونان الحزينة، وبعد دمتر جاءت العذراء أم الإله. وإذا ما وقف الإنسان اليوم على أطلال ميسيني رأى في القرية الصغيرة القائمة أسفلها كنيسة مسيحية متواضعة، لقد ولى عصر الأبهة والفخامة ولم تبق إلا البساطة والسلوى.

الاقتصاد

 
فخار موكني عثر عليه في أرگوليد.
 
Mycenaean stirrup vase found in the acropolis of Ugarit, Eastern Mediterranean (c. 1400–1300 BC).


وازدهرت ميسيني بعد سقوط كنوسس كما لم تزدهر من قبل، واستخدمت الثروة الطائلة المتزايدة التي كانت "لأسرة القبور البئرية" في تشييد القصور الفخمة على تلال ميسيني وتيرينز، واتخذ الفن الميسيني لنفسه طابعاً خاصاً، واستولى على أسواق بحر إيجة، ووصلت تجارة أمراء البلاد شرقاً إلى قبرص وسورية، وجنوباً إلى مصر مارة بجزائر سكلديس، وغرباً إلى أسبانيا مارة بإيطاليا، وشمالاً إلى نهر الدانوب مخترقة يؤوتيا وتساليا، ولم تقف في سبيلها إلا طروادة. وكما أن رومة قد استحوذت على حضارة اليونان ونشرتها في أنحاء العالم، كذلك فعلت ميسيني فاستحوذت على ثقافة كريت المختصرة، ونشرت الطور الميسيني من أطوار تلك الحضارة في عالم البحر الأبيض المتوسط كله.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التجارة

 
قرط ذهبي، ح. 1600 ق.م، متحف اللوڤر.
 
سفينة موكنية.


انظر أيضاً

المصادر

الهوامش

  1. ^ Fields 2004, pp. 10–11.
  2. ^ Hammond 1976, p. 139: "Moreover, in this area a small tholos-tomb with Mycenaean pottery of III B style and a Mycenaean acropolis have been reported at Kiperi near Parga, and another Mycenaean acropolis lay above the Oracle of the Dead on the hill called Xylokastro."
  3. ^ Tandy 2001, p. xii (Fig. 1); p. 2: "The strongest evidence for Mycenaean presence in Epirus is found in the coastal zone of the lower Acheron River, which in antiquity emptied into a bay on the Ionian coast known from ancient sources as Glykys Limin (Figure 2-A)."
  4. ^ Borza 1992, p. 64: "The existence of a Late Bronze Age Mycenaean settlement in the Petra not only confirms its importance as a route from an early period, but also extends the limits of Mycenaean settlement to the Macedonian frontier."
  5. ^ Aegeo-Balkan Prehistory – Mycenaean Sites
  6. ^ van Wijngaarden 2002, Part II: The Levant, pp. 31–124; Bietak & Czerny 2007, Sigrid Deger-Jalkotzy, "Mycenaeans and Philistines in the Levant", pp. 501–629.
  7. ^ van Wijngaarden 2002, Part III: Cyprus, pp. 125–202.
  8. ^ Peruzzi 1980; van Wijngaarden 2002, Part IV: The Central Mediterranean, pp. 203–260.
  9. ^ The extent to which Homer attempted to or succeeded in recreating a "Mycenaean" setting is examined in Moses I. Finley The World of Odysseus, 1954.
  10. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المراجع

قراءات إضافية

وصلات خارجية