نهر النيل بمصر

يلعب نهر النيل دوراً مهماً في مصر, حيث يمد هذا النهر مصر بحوالي 98% من إحتياجاتها بالماء. ويمثل نهر النيل ظاهرة جغرافية وجيولوجية مميزة. حيث يجري منابعه الإستوائية في قلب أفريقيا, ثم يتجه شمالاً إلى البحر المتوسط ملتزماً بهذا الإتجاه. ولا يجري نهر النيل في إقليم طبيعي واحد مثل نهر الأمازون, بل يجري في عدة أقاليم متباينة, ويخترق حوالي 35 درجة من درجات العرض ليصل بين منابعه ومصبه.

ويحمل نهر النيل حوالي 86 بليون متر مكعب من المياه سنوياً, مما يجعله أحد أصغر الأنهار في العالم, على الرغم من حوضه الكبير (3,000,000 كم2) وطوله الذي يصل إلى 6,825 كم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأة وتطور نهر النيل

نشأ نهر النيل قبل نحو 6 ملايين سنة مضت. وبالطبع فإن شكل نهر النيل الحالي هو شكل حديث نسبياً, وصل إليه النيل بعد سلسلة طويلة من التغيرات إستغرقت عمر نهر النيل نفسه. ويعتبر نهر النيل نهراً مركباً تكون نتيجة إتصال عدد من الأحواض الداخلية المنفصلة التي تكونت في العصر المطير الذي تلا تراجع ثلوج العصر الجليدي الأخير منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام.

وقد حفر النيل مجراه بعد أن جف حوض البحر الأبيض المتوسط, ثم تحول الحوض إلى صحراء جرداء منذ 6 مليون سنة عندما أغلق مضيق جبل طارق, والذي يربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطي. وقد كانت مصر معزولة عن أفريقيا خلا تلك الفترة بهضبة النوبة المرتفعة, كما لم يكن لأنهارها أي إتصال بالجنوب.

وقد تراوح عمق البحر المتوسط الجاف بين ثلاثة وأربعة كيلومترات, مما دفع الأنهار القليلة التي كانت تصب فيه إلى أن تعمق مجراها إلى هذا العمق. وقد وصل عمق مجرى النيل إلى 4 كم في الشمال وشكل هذا النهر, والذي يسمى بنهر فجر النيل (الإيونيل Eonile)، خانقاً عظيماً. وقد تغطى هذا الخامق بماء البحر الأبيض المتوسط عندما عاد وإمتلأ البحر بالماء منذ حوالي 5.4 مليون سنة. وقد أصبح الخانق خليجاً بحرياً لأكثر من مليوني سنة إستقبل بعدها نهراً هائلاً أطلق عليه النيل القديم الباليونيل (Paleonile), حيث إمتلأ الخانق بالرواسب. ويبدو أن كلا النهرين السابقين كان ينبعان محلياً من هضاب مصر والنوبة, ولم يكن لهما أي إتصال بأفريقيا. وقد إنتهت تلك الفترة من تاريخ النيل منذ حوالي 2 مليون سنة مضت.

وقد مرت فترة طويلة قبل أن يتصل النهر المصري بأفريقيا الإستوائية منذ حوالي 800,000 سنة, حيث وصل النهر من أفريقيا والذي يسمى نهر ما قبل النيل (البرينايل Prenile), والذي كان ينبع من منطقة منابع النيل الحديثة التي تغيرت تضاريسها لتقارب شكلها الحديث, فتحول تصريف أنهارها إلى حوض النيل. وتمثل تلك الفترة أول إتصال بمصادر المياه في المرتفعات الأثيوبية, كما تميزت تلك الفترة بتحول مياه النيل إلى منخفض الفيوم لتكون بحيرة. وقد حملت مياه نهر ما قبل النيل كميات هائلة من الفرمل والحصى رسبها في سهله الفيضي والدلتا الذين كانا أكثر مساحة من سهل النيل الحديث ودلتاه. وتظهر تلك الرواسب التي حملها نهر ما قبل النيل في كل مكان على جانبي نيل مصر ودلتاه, وتشكل واجهاتها محاجر الرمال التي تزود مصر كلها برمال البناء.

وبعد أن توقف نهر ما قبل النيل منذ حوالي 400,000 سنة, وصل إلى مصر نهر أقل قدرة أطلق عليه نهر النيل الحديث (النيونيل Neonile), وكان إتصال هذا النهر بأفريقيا ضعيفاً وتكرر إنقطاعه. وفي كل مرة عاد فيها هذا الإتصال كان النهر أقل تصريفاً وأقصر عمراً عن نهر ما قبل النيل. ولنهر النيونيل الذي يمتد حتى وقتنا الحالي أهمية خاصة, لأنه شهد كل تاريخ الإنسان على أرض مصر والذي ظهر مع بدء هذا النهر.

ومنذ حوالي 10,000 سنة من الآن زادت الأمطار على الهضبة الأثيوبية بل ومنطقة الساحل الأفريقي الشرقي كلها, كما إمتدت جبهة المطر شمالاً حتى غطت شمال السودان وجنوب مصر, وظلت تلك المناطق مطيرة لمدة 4,500 سنة. وبوصول المياه بغزارة من المرتفعات الأثيوبية وهضبة البحيرات ولد النيل الحديث الذي أصبح مستديماً بعد أن كان فصلياً. وقد زادت أمطار شمال السودان وجنوب مصر من مياه النهر في فترته الأولى, حيث إرتفع منسوب النهر وبدأ في ترسيب الرواسب التي كان يحملها في واديه ودلتاه في الفترة بين ثمانية آلاف وسبعة آلاف سنة مضت, فتكونت بذلك أرض مصر الخصبة, والتي وصفها هيرودوت بأن مصر هبة النيل.


تطور دلتا النيل

إن دلتا النيل التي نعرفها اليوم ليست إلا واحدة من دلتاوات عديدة تعاقبت على هذا الموقع. فقد كان لكل الأنهار التي سبقت النيل الحديث دلتاوات إختلفت كل واحدة منها عن الأخرى، حيث أن الأنهار التي إحتلت مجرى النيل منذ نشأته قد إختلفت عن بعضها البعض من حيث مصادر مياهها أو كمية المياه التي حملتها أو نوع الرواسب التي حملتها تلك المياه.ولذلك فقد تعاقبت على موقع الدلتا الحديثة دلتاوات مختلفة, أمكن التعرف عليها ودراستها من دراسة جسات الآبار العميقة التي حفرتها بدلتا النيل للبحث عن البترول.

فقد كانت دلتا مصر Eonile Delta أول الدلتاوات التي ترسبت على شكل مروحة في الجزء الشمالي من الدلتا, ثم جاء نهر النيل القديم (الباليونيل) بعد أكثر من مليون سنة حيث أخذت الدلتا موضعها الحالي, وبدأ النهر يتفرع عند حد الدلتا الجنوبي تقريباً. وقد تشكلت دلتا تشبه إلى حد كبير دلتا نهر المسسيبي الحديثة, والتي تعرف بدلتا قدم الطائر bird-foot delta.

وقد تكونت دلتا ما قبل النيل (البرينايل) عندما حمل النهر رواسب خشنة من الرمال, حيث كانت مياه النهر أكثف من ماء البحر التي كانت تصب فيه, وترسبت تلك الرواسب على طول جبهة الدلتا على شكل قوس منتظم دون بروز في البحر. ثم جاءت مرحلة النيل الحديث (النيونيل) والذي تعرضت الدلتا خلاله لفترات طويلة من التحات, فأزيلت كميات كبيرة من الدلتا القديمة وبقى جزء آخر شكل نواة للدلتا التي غطاها النهر الحديث وأخذت تتزايد تدريجياً خلال السبعة إلى ثمانية آلاف سنة الماضية.