تاريخ نيجيريا

حكيم نجم الدين[1]
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
تاريخ نيجيريا
نيجيريا.

تاريخ نيجريا


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ المبكر

منذ آلاف السنين استوطن الإنسان المنطقة التي تعرف الآن بنيجيريا، وفي بعض أجزاء نيجيريا اكتشف علماء الآثار أدوات حجرية يربو عمرها على 40,000 سنة. وقد وُجدت أيضـًا هياكل بشرية وبعض مخلفات المستوطنات البشرية التي تنتمي إلى عصور ماقبل التاريخ.

وخلال الفترة الواقعة بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي ازدهرت ثقافة نوك في أواسط نيجيريا، وتعد التماثيل الطينية التي خلفتها هذه الحضارة من بين أقدم الأمثلة المعروفة للنحت الإفريقي.

أظهرت الدراسة الأثرية أن الناس يعيشون في جنوب شرق نيجيريا (وتحديدًا فيIgbo Ukwu, Nsukka, Afikpo و Ugwuele) منذ 100,000 عام. بينما أشار باحثون في علم البليونتولوجيا أنهم عثروا – في “إيو-إليرو” (Iwo-Eleru) جنوب غرب نيجيريا – على أقدم مثال معروف للهيكل العظمي البشري الأحفوري في غرب أفريقيا والذي كان عمره 13,000 سنة، مما يعضد تاريخ العيش في المنطقة.

وتوفر أفران صهر الحديد في “تاروغا” (Taruga) – وهي موقع أثري في جنوب شرق العاصمة النيجيرية “أبوجا” الواقعة في الحزام الأوسط – والتي يعود تاريخها إلى حوالي 600 ق.م أقدم دليل على أعمال المعادن في أفريقيا جنوب الصحراء. كما أن ثقافة “نوك” (Nok) – التي ازدهرت ما بين حوالي 900 ق.م – 200م في هضبة “جوس” (Jos Plateau) شمال شرق نيجيريا – تعدّ أقدم ثقافة نيجيرية استخدمت الحديد.

وقد طوّرت الأقاليم الثلاثة التي تكونت منها نيجيريا – قبل الاستعمار – نظام الدولة القوية القائم على الملكية والامبراطورية؛ ففي الشمال نشأت إمبراطورية “هاوسا-بوكواي” أو مجموعة المدن السبعة المترابطة, وظهرت امبراطورية “كانم-بورنو” في حوالي 700-1380م.

وأسّست اليوروبا في الجنوب الغربي؛ المدينة القديمة “إِلَيْ إِفَيْ Ile Ife” في حوالي 500 ق.م , ثمّ أقاموا امبراطورية “أَوْيَوْ Oyo” التي ضمّت في ذروتها ما يُعرف اليوم بغرب وشمال وسط نيجيريا. وظهرتْ في جنوب نيجيريا أيضا امبراطورية “أَيْدوEdo ” المعروفة أيضًا باسم مملكة “بنين Benin”.

وترتبط ثقافة “بنين” ارتباطًا وثيقًا بالأعمال الفنّية البرونزية التي أنتجت في المملكة باستخدام تقنية “الشمع المفقود”. بل وأصبح هذا الفن مساهمًا رئيسيًا في التراث الفني العالمي حيث توجد اليوم لوحات معدنية ومنحوتات من المملكة في أشهر المتاحف الأوروبية – وخاصة في بريطانيا التي استولتْ في عام 1897م على معظم هذه اللوحات والأشياء الأخرى وحملتْها معها إلى بلادها خلال حملة امبرالية شعواء دمّرت المملكة.

وتوجد في الشرق أو جنوب شرق نيجيريا, قبائل الإيبو التي تشكلت ثقافتها من مناخ الغابات المطيرة والتجارة القديمة، والهجرة، والتاريخ الاجتماعي في مختلف ممالكها وعشائرها وقبائلها. ولعلّ ما ساهم في هجرتهم وهجرة المستوطنين الجنوبيين ما أشار إليه بعض المؤرخين: أنهم واجهوا هجوما من “تجار العبيد” من المنطقة المجاورة وعلى طول الساحل, فانتقلوا إلى الغابة لتجنّب آسريهم.

وهناك أيضا قبائل ومجموعات عرقية أخرى في الأقاليم سابقة الذكر, إلا أنها تُنظر إليها على أنها أقلية في الإقليم الذي تتواجد فيه, أو تُعدّ مجموعة فرعية من المجموعات ذات الأغلبية سواء بفضل المجاورة والمعاملة التاريخية أو التزاوج وغيره.

وبلغة الأرقام: توجد في نيجيريا اليوم حوالي 250 مجموعة عرقية. لكنّ أكثرها تأثيرا من الناحية السياسية ونسبة السكان هي: الهوسا والفولاني 29 ٪ ، اليوروبا 21 ٪ ، الإيبو 18 ٪، إيجو 10٪ (Ijaw)، كانوري 4 ٪، إبيبيو 3.5٪ (Ibibio)، تيف 2.5 ٪ (Tiv).

ومن الناحية اللغوية, يتحدّث النيجيريون الإنجليزية (لغة رسمية ولغة المكاتب)، الهوسا والفلاني، اليوروبا، الإيبو، وأكثر من 300 لغة أصلية أخرى.


تـواريـخ هـامـة
القرون 6 ق.م. - 3 م ازدهار حضارة نوك في أواسط نيجيريا.
القرون 11 - 15 بداية تطور ممالك مختلفة تشمل بنين،كانم ـ برنو، أيف،
ودويلات الهوسا في أجزاء مختلفة من نيجيريا.
أواخر القرن 15 كان البرتغاليون أول من يصل إلى نيجيريا من الأوروبيين.
1851 بريطانيا تبسط سيطرتها على نيجيريا.
1914 البريطانيون يقيمون مستعمرة ومحمية لهم في نيجيريا.
1960 نيجيريا تصبح دولة اتحادية مستقلة.
يناير 1966 القادة العسكريون يطيحون بالحكومة
(يوليو) : انقلاب آخر يأتي بحكومة عسكرية.
1967 أعلنت المنطقة الشرقية من نيجيريا نفسها دولة مستقلة باسم بيافرا.
1970 استسلام بيافرا وانتهاء الحرب الاهلية.
1979 عودة الحكم المدني إلى نيجيريا.
1983 القادة العسكريون يستولون على الحكم في نيجيريا.
1999 عودة الحكم المدني إلى نيجيريا.


الممالك القديمة

تطورت مملكة كانم في المنطقة التي تعرف الآن بتشاد خلال القرن الثامن الميلادي. ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي اعتنقت هذه المملكة الإسلام، ووسّعت ممتلكاتها تدريجيًا، وبنهاية القرن الرابع عشر الميلادي أصبحت برنو التي تقع شمالي نيجيريا الحالية مركزًا لهذه المملكة. وقد كان لمملكة كانم علاقات تجارية مع عدد من الأقطار في إفريقيا وآسيا وأوروبا.

وفي القرن الحادي عشر الميلادي أسست قبائل الهوسا عدة دويلات في المنطقة الواقعة غربي برنو، وكان لبعض هذه الدويلات مثل: كانو، وكاسنا علاقات تجارية مع أقطار في شمالي إفريقيا والشرق الأوسط. وفيما بعد أصبحت كانو وكبي، وبعض دويلات الهوسا الأخرى جزءًا من إمبراطورية صنغي، وهي دولة في غرب إفريقيا، ازدهرت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وخلال أوائل القرن التاسع عشر أعلن عثمان دان فوديو ـ المعروف أيضـًا باسم عثمان ابن فودي، وهو زعيم ديني من قبائل الفولاني ـ الحرب على قبائل الهوسا، حيث تمكنت قواته من السيطرة على كامل شمالي نيجيريا ـ تقريبًا ـ ماعدا برنو. تمكن بذلك من إنشاء إمبراطورية إسلامية باسم خلافة سكوتو.

وفي الجنوب قامت قبائل اليوروبا بإنشاء مركز ثقافي مهم بمنطقة أيف منذ عام 1000م. وفيما بعد أنشأت مجموعات من اليوروبا في منطقة أيف دويلات في أجزاء مختلفة في المنطقة المجاورة. من أهمها مملكة أويو، التي امتدت إلى مايعرف الآن بدولة بنين خلال القرن الثامن عشر الميلادي.

ازدهرت مملكة بنين خلال الفترة من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر الميلاديين. وقد تطورت هذه المملكة في المنطقة الواقعة بين لاجوس ودلتا النيجر، ثم تطورت إلى مركز تجاري مزدهر. وقد اشتهرت هذه المملكة أيضًا بمنحوتاتها من النحاس الأصفر والبرونز والعاج.

دخول الأوروبيين

كان البرتغاليون أول الأوروبيين الذين وصلوا إلى نيجيريا، وأنشأوا مركزاً تجارياً قرب بنين، في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ثم قاموا بتطوير تجارة الـرقيق، بالاشتراك مع زعماء القبائل الإفريقية.

وصل الرحَّالُ البرتغاليون الثلاثة (Joao de Santarem، Pero Escobar، Lopo Goncalves و Fernao do Po) إلى ما يُعرف اليوم بنيجيريا في عام 1472م وألْفَوْها منطقة ذات حضارة راسخة, إذ كانت الامبراطوريات الرئيسية الأربعة (أويو, بنين, بورنو و هوسا) التي تحكم المنطقة تتمتع بثقافات صناعية وزراعية وفنية. وبدأت “التجارة” بين امبراطورية “إدوْ Edo” والبرتغاليين في القرن الخامس عشر. وتولّى البريطانيون في القرن الثامن عشر زعامة الاسترقاق أو ما يسمّى بـ”تجارة الرقيق” في المنطقة.

وفيما بعد كان البريطانيون والهولنديون وغيرهم من التجار الأوروبيين يتنافسون في هذه التجارة. وبنهاية القرن الثامن عشر الميلادي أصبح البريطانيون أبرز تجار الرقيق في الساحل النيجيري؛ إلا أن الحكومة البريطانية فرضت حظرًا على تجارة الرقيق عام 1808، ثم قامت بإبرام معاهدات مع الأقطار الأوروبية الأخرى والحكام الأفارقة المحليين، في محاولة منها لإنهاء هذه التجارة. ولتنفيذ ذلك كانت السفن البريطانية تجوب الساحل النيجيري وتأسر السفن التي تحمل الرقيق، ثم تطلق سراحهم في ميناء فريتاون في سيراليون، حيث كان المنصرون البريطانيون يقومون بتعميد أعداد كبيرة من الرقيق المحررين لإدخالهم في النصرانية. وفيما بعد عاد بعض الأرقاء المحررين إلى نيجيريا، وساعدوا البريطانيين في نشر النصرانية في المناطق الساحلية والجنوب الغربي.

الحكم البريطاني

بعد عام 1808 بدأ التجار البريطانيون في الاتجار في زيت النخيل وغيره من المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة الساحلية في نيجيريا، وكانوا يقومون باكتشاف نهر النيجر والممرات المائية الأخرى، بحثـًا عن الموارد الطبيعية القيمة. وفي عام 1851 استولت بريطانيا على ميناء لاجوس؛ لتكريس نفوذها في المنطقة، واستخدمته قاعدة واصل منها البريطانيون حربهم ضد تجارة الرقيق. وفي عام 1861 أصبحت لاجوس مستعمرة بريطانية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أنشأت بريطانيا محميات في أجزاء من جنوب نيجيريا وظلت شركة تجارية بريطانية تسمى شركة النيجر الملكية تحكم معظم أجزاء شمالي نيجيريا حتى عام 1900. وفي تلك السنة حولت بريطانيا تلك المنطقة إلى محمية تسمى محمية شمالي نيجيريا. وفي عام 1906 أصبح الجنوب النيجيري بما فيه لاجوس مستعمرة ومحمية جنوبي نيجيريا. ولقد حارب النيجيريون في كل المناطق الاستعمار الإنجليزي وبخاصة في المناطق الشمالية، ولكن الإنجليز قاوموهم وفي عام 1914. وحَّدَت بريطانيا كلاً من شمالي نيجيريا وجنوبه في وحدة واحدة سميت محمية اتحاد نيجيريا.

قسّمت الدول الأوروبية قارة أفريقيا فيما بينها (يُعرف أيضا بـ التدافع على أفريقيا) بعد مؤتمر برلين عام 1884. فكان الاسم الرسمي الذي أطلقه الاستعمار البريطاني على المنطقة هو: “أقاليم شركة النيجر الملكية Royal Niger Company Territories”.

وإذ قسّمت الدول الأوروبية قارة أفريقيا فيما بينها (يُعرف أيضا بـ التدافع على أفريقيا) بعد مؤتمر برلين عام 1884، إلا أنّ الصحفية “ليدي فلورا شو” – وهي زوجة اللورد فردريك لوگارد المسؤول الاستعماري البريطاني – قد اقترحتْ تسمية المنطقة بـ “نيجيريا Nigeria” في 8 يناير عام 1897، وهو الاسم الذي تعرف به المنطقة (ثم الدولة النيجيرية بعد الاستقلال)، وذلك في مقالتها لجريدة “TIMES” البريطانيةالتي وصفت فيها “نهر النيجر River Niger” الذي يتدفق ويجري عبر المنطقة (أو “Area” في اللغة الانجليزية)، أي (Niger + Area).

أحد الاحتفالات بالاستقلال حضره ممثلو بريطانيا لافتتاح المجلس التشريعي الاتحادي في لاجوس. وقد نالت نيجيريا استقلالها عن بريطانيا عام 1960.

الاستقلال

بدأ النيجيريون، خلال العشرينيات من القرن العشرين المطالبة بالتمثيل في الحكومة الاستعمارية، وفي الوقت نفسه سبب التنافس بين المجموعات القبلية المختلفة في نيجيريا خلافات بين المواطنين.

وعلى الرغم من أنّ نيجيريا أصبحتْ رسميّا في عام 1901 جزءا من الإمبراطورية البريطانية الضخمة, إلا أن بريطانيا – رغم الاستيلاء على الأقاليم في البلاد – واجهتْ مقاومة محلية وصعوبات في الإدارة السياسية لهذه الأقاليم التي تكونتْ منها البلاد والتي أطلقت عليها: “المحمية الجنوبية”، و “المحمية الشمالية” و “مستعمرة لاگوس”.

وتتمتّع كل من هذه المحميات المختلفة بالعديد من التنوعات وأساليبها الخاصة في الحُكم. ويعني هذا الهيكل الإقليمي أيضا أن هناك قوانين مختلفة لكلّ من هاتين المحميتين (جنوب و شمال) و”مستعمرة لاگوس”، وأنها كلها مستقلة ذاتيّا مما صعّب عملية إداراتها (بالنسبة للبريطانيين).

وللتغلب على هذه الصعوبات, ضمّت بريطانيا “مستعمرة لاگوس” مع “المحمية الجنوبية” في مايو 1906 وسمّتْها “مستعمرة ومحمية جنوب نيجيريا”. وأدتْ معاناة “محمية شمال نيجيريا” من عجز في الميزانية – وسعي بريطانيا إلى استخدام فوائض الميزانية من جنوب نيجيريا لتعويض هذا العجز – إلى قيام “اللورد فردريك لوگارد” بدمج “مستعمرة ومحمية جنوب نيجيريا” مع “المحمية الشمالية” في عام 1914، وذلك لتشكيل مستعمرة واحدة أطلقت عليها “محمية نيجيريا”. وكل هذه التغييرات في النهاية كانت لأجل تعظيم عوائد الإدارة الاستعمارية وليست لأجل مصالح النيجيريين.

وانتُقدتْ بريطانيا أيضا على نظام حكمها الاستعماري في نيجيريا المعروف بـ”الحكم غير المباشر”, لكنّ بريطانيا نفتِ الانتقادات بدعوى أن هذا النظام لا ينطوي على حكم وإدارة السكان بشكل مباشر، ولكن من خلال حكامهم التقليديين وزعمائهم. وكان هذا أحد العوامل التي أدت إلى فقدان الثقة في الزعماء المحليين واتهامهم بالعمالة والخيانة من قبل السكان المحليين – وخصوصا في إقليم الشمال, بل وغذت النزعة “القومية” بين النيجيريين بشكل عام.

في عام 1946 قسمت بريطانيا نيجيريا إلى ثلاثة أقاليم: شمالي، وغربي، وشرقي، وأنشأت بكل إقليم جمعية تتكون من أعضاء بريطانيين ونيجيريين، وكانت هذه الجمعيات تمثل هيئات استشارية للحكومة المركزية في لاجوس. وفي عام 1954 صدر دستور يمنح هذه الجمعيات مزيداً من السلطات، ويجعل من نيجيريا دولة اتحادية. وفي عام 1957 أصبح السير أبو بكر تفاوا بليوا ـ وهو زعيم الشمال ـ أول رئيس وزراء للاتحاد. وفي أول أكتوبر 1960 منحت بريطانيا نيجيريا الاستقلال، واستمر أبو بكر تفاوا بليوا رئيسـًا للوزراء.

وفي عام 1961 أجرت منظمة الأمم المتحدة استفتاء في الكاميرون الغربي ـ وهو إقليم تحت وصايتها ـ يقع على الحدود الشرقية لنيجيريا ونتيجة للاستفتاء اختار الجزء الشمالي من الإقليم الانضمام إلى نيجيريا، بينما اختار الجزء الجنوبي الانضمام إلى الكاميرون.

وفي أوائل ستينيات القرن العشرين اشتد التنافس بين المجموعات العرقية المختلفة على السلطة السياسية داخل الأقاليم الثلاثة. وفي عام 1963 انفصل الإقليم الغربي الأوسط عن الإقليم الغربي، كما طالب بعض سكان الإقليمين الشمالي والشرقي بتكوين وحدات سياسية منفصلة. وفي الوقت نفسه تنافست مجموعات مختلفة، على السيطرة على الحكومة المركزية. أما سكان الجنوب وبخاصة قبائل الإيبو فلم يكونوا راضين عن القوة السياسية المتزايدة لقبائل الهوسا الشمالية. ويرجع السبب في سيطرة الشماليين على الحكومة المركزية إلى أن الشمال يضم عددًا من السكان أكبر من الأقاليم الأخرى، وقد كشف تعداد السكان الذي أجري عامي 1962 و1963 أن عدد سكان الشمال كان أكبر مما كان متوقعـًا، مما دفع الكثير من الجنوبيين إلى الاحتجاج على نتائج التعداد. كذلك أدت الاتهامات بعدم التزام الأمانة في الانتخابات الاتحادية لعام 1964 والانتخابات الإقليمية لعام 1965 إلى حدوث اضطرابات خطيرة زادت من حالة عدم الاستقرار في البلاد.

محاولات أولية للاستقلال وولادة دساتير

تصاعدت الضغوطات من قبل الشعب النيجيري من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني. وقد قاد هذه المحاولات – ما بين عامي 1922 و 1959 – عقولٌ لامعة وشخصيات بارزة ممن حملوا راية النضال من أجل استقلال نيجيريا إدارة وحكما.

وقدّمتْ بريطانيا – نتيجة لأنشطة “القوميين” النيجيريين ولعوامل أخرى خاصة بالإدارة الاستعمارية – دساتير مختلفة في محاولة لتهدئة الضغوطات ولتخفيف نزعة الحكم الذاتي والاستقلال المتصاعد. وتضمنت هذه الدساتير كل من:

  • دستور كليفورد لعام 1922 (Clifford Constitution of 1922), والذي ألغى “المجلس النيجيري” لعام 1914 وأبدله بمجلس تشريعي جديد يُمنح من خلاله النيجيريون سلطة محلية عبر المبادئ الانتخابية؛
  • دستور ريتشاردز لعام 1946 (Richards Constitution of 1946), والذي قُدِّم لضمان مشاركةٍ أكبر للنيجيريين في مناقشة شئونهم الخاصة. فأتى الدستور بالنظام الإقليمي (أقاليم الشرق, والغربية والشمال) وهو أيضا بمثابة حجر الأساس للفيدرالية في نيجيريا؛
  • دستور ماكفرسون لعام 1951 (Macpherson Constitution of 1951), الذي تميّز بتعديله لدستور ريتشاردز لعام 1946, وذلك بالمشاورات الواسعة مع مختلف شرائح المجتمع النيجيري قبل إنشاء الدستور في عام 1951, وأُنشئ بموجبه مجلس النواب الذي يتألف من الحاكم و 136 عضوا يُنتخبون من المجالس الإقليمية و 6 أعضاء خاصّين يعيّنهم الحاكم العام؛
  • دستور ليتلتون في 1954 (Lyttleton Constitution of 1954), والذي أسّس المبدأ الفدرالي ومهّد الطريق أمام النيجيريين الأعضاء في البرلمان لطلب استقلال نيجيريا.

كما أن من أهمّ إنجازات قادة الأقاليم الثلاثة؛ أن مُنح كل منها حكما ذاتيا (إقليم الغرب في عام 1956, إقليم الشمال في عام 1959، وإقليم الغرب الأوسط في عام 1963 – أي بعد الاستقلال).

شخصيات ناضلت من أجل تحقيق استقلال نيجيريا

لم يتوقّف الصخب المتواصل لاستقلال نيجيريا التام عن الحكم الاستعماري, ولم تكن هذه الرحلة سهلة حيث شارك فيها عشرات بل مئات من النيجيريين وخاصة الأعضاء في مجلس النواب.

ومن الأشخاص الذين أسسوا المدخل لمقاومة الاستعمار البريطاني في نيجيريا وبرزوا لمجهوداتهم أكثر من غيرهم في النضال من أجل الاستقلال النيجيري: هربرت ماكاولي، أوبافيمي أوولوو، نمدى أزيكيوي، تافاوا باليوا، أنتوني إيناهورو، أحمدو بلّو، فونملايو رانسوم-كوتي، جاجا واتشوكو، وغيرهم من “القوميين” الذين أصرّوا على تحقيق الهدف المشترك.

وقد نجح هؤلاء الشخصيات ليس فقط لأنهم قادرون على إقناع المسئولين الاستعماريين بالحاجة إلى الاستقلال، بل لأنهم أثبتوا أنهم قادرون على الحكم الذاتي. وكانت السمة الرئيسية المشتركة بينهم جميعا هي التعليم وتطبيق ما تعلّموه لصالح شعبهم والهدف العام.

وفي حدّ تعبير الكاتب النيجيري, أوموتايو يوسف:

  “كان من الواضح أن أي محاولة لإجبار المستعمرين على الخروج من نيجيريا ستكون كارثية لأن البلاد غير متساوية مع بريطانيا عسكريًّا. ولذلك كان من الضروري استخدام القلم الذي كان ورقة اللعب لدى القيادة. إن أولئك الذين “تحدوا” المستعمر وطالبوا بالحكم الذاتي لم يكونوا مطّلعين أكاديميًّا فحسب, بل أظهروا أنهم مستعدون وأثبتوا ذلك من خلال عرضهم في البرلمان وحجّتهم المنطقية.”  

وفيما يلي نبذة مختصرة لهؤلاء الشخصيات:

هربرت ماكاولي (Herbert Macaulay)

وُلد الزعيم “هربرت ماكولي” (14 نوفمبر 1864 – 7 مايو 1946) في جنوب غرب نيجيريا. وكان “قوميًّا” وسياسيا ومهندسا معماريا، وصحفيا نيجيريًّا. ويُعتبر من قبل كُتاب تاريخ نيجيريا كمؤسس “القومية النيجيرية”. ومما اشتهر به أنه كان معارضا قويّا للحكم البريطاني في نيجيريا؛ ففي عام 1919 نجح في جداله ومقاومته أمام مجلس الملكة الخاص في لندن نيابة عن الزعماء المحليين الذين استولى البريطانيون على أراضيهم، مما أجبر الحكومة الاستعمارية البريطانية على دفع تعويضات لهؤلاء الزعماء. وقد أثار هذا غضبَ المجلس البريطاني في “ماكاولي” فسجّنوه مرتين.

في 24 يونيو 1923، أسس ماكولي “الحزب الوطني الديمقراطي النيجيري” (NNDP) – وهو أول حزب سياسي نيجيري. وشارك في عام 1944 مع الدكتور “نمدي أزيكيوي” في تأسيس “المجلس الوطني لنيجيريا وكاميرون” (NCNC) وأصبح “ماكولي” رئيس الحزب. وكان حزب (NCNC) منظمة وطنية تهدف إلى جمع النيجيريين من كل الأطراف للمطالبة بالاستقلال.

وفي عام 1946 مَرِض “ماكاولي” في كانو وتوفي لاحقا في لاگوس. وكانت كلماته الأخيرة أنْ:

  “أخبروا مندوبي (حزب) المجلس الوطني بالتوقف أينما كانوا لمدة أربعة أيام لـ(وفاة) ماكاولي ثم تابعوا (أنشطتكم في مقاومة الاستعمار).

أخبروا (ابني) أوليفر أودن ماكولي بأن يحافظ على العلَم (والراية) مرفوعًا.”

 


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نمدي أزيكيوى (Nnamdi Azikiwe)

كان الزعيم “نمدي أزيكيوي” (16 نوفمبر 1904 – 11 مايو 1996) رجل الدولة النيجيرية وأحد الشخصيات القيادية في “القومية النيجيرية” الحديثة الذي لعب دورا رئيسيا في بروز نيجيريا كدولة ذات سيادة ومستقلة. وقد استغلّ منصبه كمحرّر لصحيفة “أفريكان مورنينغ بوست” لمناهضة الاستعمار البريطاني والترويج لأجندة مؤيدة لاستقلال الدول الأفريقية.

وكان أزيكيو – الذي وُلد لأبوين من الإيبو (Igbo) – أول نيجيري مدعوّ للانضمام إلى المجلس الخاص للمملكة المتحدة وأصبح الحاكم العام في اليوم نفسه. كما أنه مستشار للزعيم “كوامي نكروما” الذي أصبح رئيسا لغانا – أول دولة أفريقية تحررت من الحكم الأوروبي.

وقد ذهبت قيادة حزب “NCNC” إلى “أزيكيوي” بعد وفاة “هربرت ماكولي” وانتُخب في عام 1947م للمجلس التشريعي في نيجيريا. وفي 16 نوفمبر 1960م (بعد الاستقلال النيجيري) أصبح “أزيكيوي” أول حاكم عام من أصل نيجيري لاتحاد مكوّن من الأقاليم الثلاثة: الشمال والشرق والغرب، مع كون لاگوس عاصمة الاتحاد. وكان أيضا أوّل رئيس لنيجيريا حيث تولّى المنصب في 1 أكتوبر 1963 بعد أن أصبحت نيجيريا دولة جمهورية.

أنتوني إيناهورو (Anthony Enahoro)

كان الزعيم “أنتوني إيناهورو” (22 يوليو 1923 – 15 ديسمبر 2010) أكاديميّا وأحد النشطاء الرئيسيين المناهضين للاستعمار البريطاني, وهو معروف أيضا لدعواته للحكم المدني في نيجيريا إبان الانقلابات العسكرية. وكان من مواليد “أورومي (Uromi) بولاية “إيدو” (Edo state).

في سنّ 21 من عمره, أصبح “إيناهورو” رئيس تحرير للصحيفة التي أسّسها “نمدي أزيكيوي”، وهي (Southern Nigerian Defender)، مما جعله أصغر محرّر في نيجيريا. وكان “إيناهورو” أوّل من قدّم مقترحا لاستقلال نيجيريا في البرلمان الاتحادي, كما كان أيضًا مندوبًا في معظم المؤتمرات الدستورية التي أدّت إلى الاستقلال, وهو موقف أكسبه لقب “أبو الدولة النيجيرية”.

أوبافيمي أوولوو (Ọbáfẹ́mi Awólọ́wọ̀)

ولد الفيلسوف الزعيم “أوبافيمي أوولوو” (6 مارس 1909 – 9 مايو 1987) في “إكنّي” (Ikenne) بولاية “أوغون” جنوب غرب نيجيريا. وكان “”قوميًّا” له دوره الملموس في حركة استقلال نيجيريا. وقد بدأ مسيرته كـ”قوميّ” في “حركة الشباب النيجيري” (Nigerian Youth Movement) وارتقى إلى سكرتير الإقليم الغربي. وكان أوّل من دعا إلى تبنّي النظام الفدرالي في نيجيريا, وذلك في كتابه الذي صدر عام 1947 بعنوان: “الطريق إلى الحرية النيجيرية” (Path to Nigerian Freedom). كما أن له دورا بارزا في إنشاء المشاريع التنموية والبنى التحتية في جنوب غرب نيجيريا, إضافة إلى كونه أوّل رئيس الوزارة للإقليم الغربي.

ويعتبر “أوولوو” مسئولا عن الكثير من التشريعات الاجتماعية التقدمية التي جعلت نيجيريا دولة حديثة؛ فقد كان مفوض نيجيريا الاتحادية للمالية، ونائب رئيس المجلس التنفيذي الاتحادي في الحرب الأهلية (أو حرب بيافرا). وقاد “أوولوو” – بدءا من عشية الاستقلال – كزعيم حزبَ ” Action Group” للمعارضة في البرلمان الفيدرالي. وعلى الرغم من أنه لم يفز بالانتخابات الرئاسية في عامي 1979 و 1983 ، فقد حصل على ثاني أعلى عدد من الأصوات. وكانت “دولابو أوسينباجو” – زوجة البروفيسور “ييمي أوسينباجو” (نائب الرئيس النيجيري الحالي محمد بخاري) حفيدة لـ “أوولووو”. وهو الرجل الشهير بالنظارات المستديرة في فئة 100 ₦ من عملة نايرا النيجيرية.

أحمدو بلّو (Ahmadu Ballo)

كان الحاج السير “أحمدو بَلّو” (12 يونيو 1910 – 15 يناير 1966) داعية إسلاميا وسياسيا نيجيريا؛ فهو سليل الشيخ “عثمان بن فوديو” مؤسس “خلافة سوكوتو”, وأول رئيس الوزارة في إقليم شمال نيجيريا. وكان “بلّو” الملقّب بـ “سردونا سوكوتو” (Sardauna of Sokoto) قد جمع بين صفات القيادية التقليدية ومعرفة بـ”الحكم الغربي”.

ولعب “أحمدو بَلّو” و “تافاوا باليوا” دورا كبيرا في المفاوضات حول مكانة الإقليم الشمالي في نيجيريا المستقلة. وكزعيم لحزب “مؤتمر الشعب الشمالي”، فقد كان شخصية مهيمنة في السياسة النيجيرية في الفترة المبكرة للاتحاد النيجيري والجمهورية النيجيرية الأولى.

أبو بكر تافاوا باليوا (Abubakar Tafawa Balewa)

كان الحاج السير “أبوبكر تافاوا باليوا” (ديسمبر 1912 – 15 يناير 1966) سياسيا نيجيريا، ورئيس الوزراء الوحيد في نيجيريا المستقلة. وقد انتُخب في عام 1946 في مجلس النواب للمستعمرة الشمالية، وفي الجمعية التشريعية في عام 1947م. واستغلّ منصبه كمشرّعٍ للمطالبة بحقوق شمال نيجيريا، وأسّس مع الحاج “أحمدو بلّو” مؤتمرَ الشعب الشمالي (NPC). وقد عُيّن في عام 1957 رئيس الوزراء (Chief minister), واحتفظ بمنصب رئيس الوزراء (Prime minister) عندما نالت نيجيريا استقلالها في عام 1960، وأعيد انتخابه في المنصب في عام 1964. (سبق أن نشرتُ هنا مقالةً خاصة عن “تافاوا باليوا”)

فونملايو رانسوم-كوتي (Funmilayo Ransome-Kuti)

وُلدتْ “فونملايو رانسوم-كوتي” (25 أكتوبر 1900 – 13 أبريل 1978) في أبَيْأَوْكُوتا (Abeokuta) بولاية أوغن جنوب غرب نيجيريا. وكانت مُدرّسة وسياسية وناشطة في مجال حقوق المرأة وأرستقراطية تقليدية في نيجيريا. واشتهرتْ أيضا كوالدة “فيلا كوتي” (Fela Kuti), المغني العالمي ورائد “Afrobeat”. وتعدّ “رانسوم-كوتي” واحدة من أبرز قادة جيلها؛ فهي أول امرأة قادتِ السيارة في نيجيريا. ونظرًا لنشاطها السياسي ونفوذها، فقد وُصفتْ كـ”عميدة حقوق المرأة” في نيجيريا ، ولُقّبتْ أيضا ب”أم أفريقيا”.

في عام 1942، أسّستْ رانسوم-كوتي “نادي سيّدات أبَيْ‌أَوْكُوتا” (Abeokuta Ladies’ Club) للنساء المتعلمات العاملات في الأعمال الخيرية, كما أطلقتْ برنامجا للمساعدة في تثقيف نساء الطبقة العاملة (أول برنامج تعليم الكبار للنساء في نيجيريا). وبمشاركة مع “إينيولا سوينكا” (شقيقة زوجها وأم الأديب النيجيري الحائز على جائزة نوبل, وولي سوينكا)، قامتْ “رانسوم-كوتي” بدمج “ناد السيدات” مع برنامجها لتثقيف النساء, وذلك لتشكيل “اتحاد نساء إيبا” (Egba Women’s Union) والذي يضمّ أكثر من 20،000 فرد. ومن خلال هذا المشروع ناهضتْ البريطانيون ودعمتْ حركة الاستقلال في نيجيريا. وهي أيضا واحدة من المندوبين الذين تفاوضوا على استقلال نيجيريا مع الحكومة البريطانية.

جاجا واتشوكو (Jaja Wachuku)

وُلد “جاجا واشوكو” (1 يناير 1918 – 7 نوفمبر 1996) في نبواسي (Nbawsi) بولاية أبيا (Abia) جنوب شرق نيجيريا. وكان أميرا ملكيّا – من نغولاند (Ngwaland) و سليل 20 أجيال من الزعماء والملوك في أرض الإيبو بشرق نيجيريا. وإذ يعتبر رجل دولة نيجيرية ومناصرا للوحدة الأفريقية، إلا أنه أيضا كان محاميا وسياسيا ودبلوماسيا ومُحسِنًا خيريًّا.

ولم يكن “واتشوكو” فقط أول وزير خارجية نيجيري, وأول رئيس لمجلس النواب النيجيري، وأول سفير نيجيري وممثل دائم في الأمم المتحدة؛ إذ قام أيضا – كوزير خارجية نيجيريا الذي يحظى باحترام واسع – بالتدخل والتحدث مع حكومة جنوب أفريقيا لإنقاذ “نيلسون مانديلا” وآخرين من عقوبة الإعدام في محاكمة ريفونيا لعامي 1963-1964.

تقديم مقترحات الاستقلال في البرلمان الاتحادي (1953-1959)

كان الزعيم “أنتوني إيناهورو” من أطلق الطلقة الأولى لما أدّى إلى استقلال تام لنيجيريا, وذلك بتقديمه مقترحا في البرلمان في عام 1953 من أجل استقلالٍ تحقّق في نهاية المطاف في عام 1960 بعد عدة انتكاسات سياسية وهزائم في البرلمان الاتحادي.

وبحسب الباحثين في التاريخ النيجيري، فقد كان أحد الأسباب التي ساهمت في انتكاس هذا المقترح من أجل الاستقلال في البرلمان الاتحادي؛ أنّ أعضاء البرلمان الشماليين نظّموا وقفة ضد المقترح وانسحبوا من البرلمان لأنهم يرون أن “نيجيريا ليست مستعدة بعدُ للاستقلال”.

وفي مقترح مضادّ لمقترح “إيناهورو”, استبدل الحاج “أحمدو بلّو” زعيم حزب “مؤتمر الشعب الشمالي” (NPC), عبارةَ “في عام 1956” التي جاءت في مقترح “إيناهورو”, بعبارة أخرى وهي: “في أقرب وقت ممكن عمليًّا”. وقدّم عضو شمالي آخر في البرلمان مقترحا لتأجيل مقترح استقلال نيجيريا، وهو اقتراح اعتبره الأعضاء الجنوبيون في حزب “Action Group” وحزب “المجلس الوطني النيجيري وكاميرون” (NCNC) بمثابة تكتيكات لتأخير استقلال البلاد, وانسحبوا جميعا من البرلمان نتيجة لمقترح التأخير.

وقد برّر عدد من الشخصيات الشمالية موقفهم هذا بأنّ الحصول على الاستقلال وقتذاك سيمنح الجنوبيين هيمنة على السلطة المركزية, خصوصا وأن الجنوب تتمتع بأفراد وشخصيات كثيرة كانوا متعلّمين وحاصلين على شهادات عليا وحديثة, بينما كانت نسبة المتعلمين والحاصلين على مثل هذه الشهادات في الشمال معدودة. لكن هذا الاتهام نفسه هو الذي وجّهه الجنوبيون والشرقيون (ولا يزالون يوجهونه اليوم) ضد الشمال, حيث يقولون إن الشمال هيمنتْ/وتُهيمن على السلطة والقطاعات الهامة والحساسة بمساعدة متعمّدة من بريطانا قُبيل الاستقلال وبعده.

وكان من أبرز اللقاءات التي ساهمتْ في لمّ الشمل بين النيجيريين من كل الأقاليم بعد حادثة البرلمان وطلب الشماليين للانفصال: مؤتمر لندن في يوليو عام 1953م لمناقشة مستقبل نيجيريا وموقف كل الأحزاب السياسية والأقاليم من مشروع نيجيريا. وشملت قائمة المندوبين في المؤتمر زعماء كثيرين بمن فيهم: “أوبافيمي أوولووو”, “أبو بكر تافاوا باليوا”, “نمدي أزيكيوي”, “أحمدو بلّو”, “لادوكي أكنتولا”, “أنتوني إيناهورو”, الشيخ “أمينو كانو” وغيرهم الكثير.

كما أنه برغم الانتكاسات والاختلافات بين أعضاء البرلمان من الجنوب والشمال, فقد عزّزت مقترح “إيناهورو” لاستقلال نيجيريا حركةٌ شعبية واسعة وضغطا موجّها ضد البريطانيين, وهيّج الرأي العام ضد الحكم الاستعماري البريطاني.

وفي عام 1957, قدّم الزعيم والمحامي “لادوكي أكينتولا” (Samuel Ládòkè Akíntọ́lá) مقترحا جديدا خاصا بالاستقلال على أساس مقترح “إيناهورو”، فوافق عليه البرلمان ولكن بريطانيا رفضته، وبالتالي فشلت المحاولة.

ثمّ أعاد الزعيم القانوني والناشط الحقوقي “ريمي فاني-كايودي” (Remi Fani-Kayode) في أغسطس عام 1958 تقديمَ مقترح استقلال ثالث للبرلمان. وبالفعل نجحت المحاولة وكان إنجازا عظيما لنيجيريا؛ إذ قبلتْ بريطانيا هذا المقترح ولكنها لم توافق على تاريخه, لأن مقترح “فاني-كايود” طلب منحَ نيجيريا استقلالها في 2 أبريل 1960, بينما قالت السلطات الاستعمارية البريطانية أنها بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى لـ”وضع كل شيء في مكانه” قبل مغادرة الأراضي النيجيرية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الطريق نحو 1 أكتوبر 1960

في عام 1959 قدّم الحاج “تافاوا باليوا” مقترحا آخر لتعديل مقترح 1958 (مقترح فاني-كايودي) الذي قد تم إقراره, وذلك بأن يكون تاريخ الاستقلال (1 أكتوبر) بدلا من (2 أبريل الذي رفضه البريطانيون). فتمّ إقرار مقترح “تافاوا باليوا” ووافق عليه البريطانيون بعد سلسلة من الضغوطات من مختلف الأطراف السياسية. وأعلن الحاكم الاستعماري قرار ملكة إنجلترا بمنح نيجيريا استقلالها في 1 أكتوبر 1960.

يقول “سولومون لار” حاكم ولاية بلاتو السابق قبل وفاته في عام 2013، وهو يستذكر كيف استقبلت نيجيريا استقلالها الفعلي في 1 أكتوبر 1960:

“في 12 يناير 1960، عقدنا نحن البرلمانيون المنتخبون اجتماعنا الأول وبعد يومين, في 14 يناير 1960، أقررْنا مقترحا لاستقلال نيجيريا، والذي أخذه رئيس الوزراء السير أبوبكر تافاوا باليوا – الديمقراطي العظيم – إلى لندن لوضع اللمسات الأخيرة على النقاش من أجل تحقيق 1 أكتوبر 1960 كعيد الاستقلال.”

وفي تمام الساعة 12:00 في 1 أكتوبر 1960، أصبحت نيجيريا دولة مستقلة. ورُفع العلم النيجيري الجديد, كما غُيّر النشيد الوطني من “حفظ الله الملكة” إلى “نيجيريا، نحن نهنئك” (النشيد الوطني القديم من 1960 حتى 1978م). وانتُخِب الزعيم الحاج “أبو بكر تافاوا باليوا” كأول رئيس وزراء نيجيريا. بينما أصبح الزعيم الدكتور “نامدي أزيكيوي” الحاكم العام الجديد – ثم أول رئيس نيجيري في عام 1963 عندما أصبحت نيجيريا دولة جمهورية.

وحلّ “جاجا واتشوكو” أيضا – عند الاستقلال – محلّ المسئول البريطاني السير” فريدريك ميتكالف” كأول رئيس (من أصل نيجيري) لمجلس النواب النيجيري. وقد حصل أيضا – بصفته أول رئيس لمجلس النواب – على أداة نيجيريا للاستقلال المعروفة أيضًا بـ “ميثاق الحرية”, وذلك في 1 أكتوبر 1960 من الأميرة “ألكسندرا كينت” ممثلة الملكة البريطانية في احتفالات الاستقلال النيجيرية.

ولكنْ… على الرغم من العرض السريع لتاريخ نيجيريا وأهمّ محطاته ومقارنة ذلك بما يجري اليوم في البلاد من الأزمة الأمنية والانفصالية وقضايا أخرى تعيق تقدم البلاد وتسيئ في سمعتها, أعتقدُ أنّ كلّ نيجيري غيور على وطنه بحاجة إلى إدامة النظر في قول الفيلسوف الزعيم “أوولوو” في رسالة له من السجن بتاريخ 28 مارس 1966:

“إن واحدة من الوحوش التي تهدد الحياة العامة في هذا البلد حتى 14 يناير من هذا العام (1966) هي الانتهازية مع شرورها المرافقة لاستغلال الوظيفة لتحقيق مكسب شخصي، والارتشاء، والفساد، والمصلحة الذاتية بلا خجل. .. إن أيّ شخص مفعم بالنشاط والقبول العام يجب أن يقبل منصبًا عامًا ليس لما يمكنه الحصول عليه لنفسه – مثل ربح المكتب وبهائه – ولكن للفرصة التي يوفرها له لخدمة شعبه بأفضل ما لديه، وتعزيز رفاهيتهم وسعادتهم.”

الحرب الأهلية

في يناير 1966 م، قام بعض ضباط الجيش ـ وكان معظمهم من الإيبو ـ بالإطاحة بالحكومات المركزية والإقليمية، وقتلوا رئيس الوزراء أبا بكر تفاوا بليوا، وكلاً من رئيس وزراء الإقليمين الشمالي والغربي، واستولى اللواء جونسون أجويي إرونسي القائد العام للجيش، والذي ينتمي إلى قبائل الإيبو على السلطة. وفي مايو 1966م قام أجويي إرونسي بإلغاء النظام الاتحادي للحكم، وأنشأ حكومة مركزية قوية، وعين عدداً كبيراً من الإيبو مستشارين، مما أثار مخاوف كثير من الشماليين من أن تؤدي تلك الإجراءات إلى سيطرة الإيبو على القطر بكامله، وسرعان ما أدى ذلك إلى اضطرابات في الشمال قتل فيها الآلاف من الإيبو. وفي يوليو 1966م ثار بعض ضباط الجيش من الشماليين على الحكومة، وقتلوا أجويي إرونسي وأصبح يعقوب جاوون ـ رئيس أركان الجيش ـ رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، ولكن المقدم أودوميجو أوجوكو الحاكم العسكري للإقليم الشرقي رفض الاعتراف بيعقوب جاوون رئيسـًا للدولة.

وفي عام 1967م استبدل يعقوب جاوون بالأقاليم السياسية الأربعة للقطر اثنتي عشرة ولاية، لإعطاء بعض المجموعات العرقية الصغرى قوة سياسية أكبر، ولكن أوجوكو رفض تقسيم المنطقة الشرقية إلى ثلاث ولايات، وفي 30 مايو 1967م قام أوجوكو بإعلان الإقليم الشرقي جمهورية مستقلة باسم بيافرا. وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية بين بيافرا وبقية مناطق نيجيريا في يونيو عام 1967م انتهت باستسلام بيافرا في يناير 1970م.


نيجيريا اليوم

تسببت الحرب الأهلية في قتل عدد كبير من الأشخاص، وأحدثت دمارًا على نطاق واسع في جنوبي نيجيريا. وفي السبعينيات من القرن العشرين نفذت الحكومة عددًا من برامج الإغاثة وإعادة التعمير؛ للتغلب على آثار الحرب، وعُيُّن كثير من الإيبو في مناصب حكومية بما فيهم من حاربوا في صفوف القوات المتمردة.

وخلال أوائل سبعينيات القرن العشرين كانت الصناعات النفطية النامية توفر لنيجيريا موردًا مهمًا للثروة. وقد مكنت عائدات النفط الحكومة من تخطيط برامج تنموية، لتحسين مستوى المعيشة لجميع النيجيريين، وكان من بين الأهداف الرئيسية لتلك البرامج إنشاء الصناعات التحويلية، وإقامة المدارس، وتحسين وسائل النقل. ولكن بالرغم من ذلك ظلت نيجيريا تعاني من المشاكل السياسية.

وفي عام 1975م قامت مجموعة من ضباط الجيش بالإطاحة بحكومة اللواء يعقوب جاوون، وأصبح اللواء مرتالا رامات محمد رئيسًا للدولة وقائدًا عامًا للقوات المسلحة. وفي عام 1976م قامت مجموعة من ضباط الجيش بمحاولة قلب نظام الحكم، ولكن المحاولة باءت بالفشل بعد مقتل اللواء مرتالا محمد، وقد خلفه في المنصب الفريق أول أوليسيجون أوباسانجو. وفي عام 1976م قررت نيجيريا زيادة عدد ولاياتها من 12 إلى 19 ولاية. وفي عام 1979م أُنهي الحكم العسكري في نيجيريا، وتم انتخاب حكومة مدنية، لتحل محل الحكومة العسكرية، حيث أصبح شيخو شاجاري رئيسًا للجمهورية، وأعيد انتخابه عام 1983م.

لقد تسببت عائدات النفط في تدفق أعداد كبيرة من الوافدين من الأقطار المجاورة، بحثـًا عن العمل، ولكن تدني أسعار النفط في أوائل ثمانينيات القرن العشرين أثّر سلبًا في اقتصاد نيجيريا. لذلك قامت الحكومة في عامي 1983م و1985م بإبعاد الأجانب المقيمين في القطر بصورة غير شرعية.

وفي عام 1980م بدأت الحكومة النيجيرية في بناء مدينة جديدة بالقرب من وسط البلاد سميت أبوجا؛ لتحل محل لاجـوس، عاصمة للبلاد.

ومنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين تحول عدد كبير من المكاتب الحكومية إلى أبوجا وأصبحت هي العاصمة الرسمية في عام 1991م.

وفي ديسمبر 1983م أطاح العسكريون بالحكومة المدنية، وأصبح الفريق أول محمد بهاري رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، ولكن ضباطًا آخرين أطاحوا به في عام 1985م، وحل محله الفريق أول إبراهيم بابنْجيدا رئيسًا للحكومة العسكرية. جرت انتخابات في يونيو 1993م، إلا أن بابنجيدا ألغى نتائجها، ثم قدم استقالته بعد أن عين حكومة انتقالية برئاسة أرنست شونيكان الذي استقال في نوفمبر 1993م فتسلم السلطة الجنرال ساني أباشا ونصب نفسه رئيسًا للحكومة المؤقتة وأعلن حل الجمعية الوطنية. وفي عام 1995م، رفع الرئيس أباشا الحظر عن الأحزاب السياسية. ظلت وحدة عسكرية نيجيرية تعمل ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية في ليبيريا حتى عام 1997م. وفي يونيو 1998م، توفي الرئيس ساني أباشا فجأة إثر نوبة قلبية وخلفه الرئيس أبو بكر عبدالسلام. وفي عام 1999م، أجرت نيجيريا انتخابات نيابية تمهيداً لعودة الحكم المدني كما تم صياغة دستور جديد للبلاد. فاز أوليسيجون أوباسانجو، الذي كان حاكماً عسكرياً للبلاد إلى عام 1979م، في الانتخابات وتولى زعامة البلاد بوصفه حاكماً مدنياً هذه المرة.

للاستزادة

الهامش

  1. ^ حكيم نجم الدين (2018-10-05). "تاريخ نيجيريا.. والطريق نحو الاستقلال". najimdeen.com.

وصلات خارجية