شركة النيجر الملكية

شركة النيجر الملكية Royal Niger Company كانت شركة تجارية صدر ترخيصها من الحكومة البريطانية في القرن التاسع عشر. وكانت الشركة أساس لتشكيل دولة نيجريا المعاصرة.

Flag of the Royal Niger Company

تصور سير جورج تاوبمان گولدي فكرة إضافة إلى الامبرطورية البريطانية ثم المناطق الغير معروفة لنهر النيجر السفلي والأوسط، ولجهود على مدار كثر من 20 عام الذي خصصها لتحقيق هذا المفهوم. كان المنهج الذي اتبعه للعمل هو إحياء الحكومة عن طريق شركات صاحبة الإمتيازات داخل الامبراطورية، الأسلوب الذي افترض اختفاؤه مع شركة الهند الشرقية البريطانية. كان الخطوة الأولى هي تجميع جميع المصالح التجارية البريطانية في النيجر، والتي نجح في إنجازها عام 1879 عندما تأسست الشركة الأفريقية المتحدة. عام 1881 حاول گولدي الحصول على امتياز من حكومة گالدستون لكنه فشل في محاولاته.[1]

بوصول جورج گولدي عام 1877 الى دلتا النيجر بدأ عهد جديد لبريطانيا في المنطقة، فكان لتاويمان اهتمامات عديدة في افريقيا، قام بعدة رحلات استطاع خلالها صعود نهر النيجر حتى بنوى، ونجح في الوصول الى أعالي النيجر، وكان جولدي يأمل في بناء امبراطورية كبيرة في غرب أفريقيا، ورأى أنه بامكانه اخراج هذه الأمنية الى حيز التنفيذ في حوض النيجر فلم تكن هناك قوة اوروبية مسيطرة على تلك المنطقة سوى بريطانيا. وتحقيقا لهذا الهدف قام جولدي بزيارة منطقة النيجر عام 1877 ووصل الى قرار هام، ألا وهو توحيد الشركات التجارية البريطانية العاملة في المنطقة في شركة واحدة وذلك بعد أن لمس مدى الضعف الذي تعانيه تلك الشركات. وبالفعل نجح گولدي في عام 1879 في توحيد الشركات البريطانية تحت ادارة واحدة عرفت باسم شركة أفريقيا المتحدة، ثم تغير اسمها ليصبح أفريقيا الوطنية، وكان الهدف الرئيسي للشركة هو الاشراف على أقاليم النيجر الأدنى وأحكام السيطرة البريطانية عليها.

وفي يوليو 1886 صدر مرسوم ملكي يمنح الشركة امتياز العمل في حوض النيجر، وأسند اليها مسئولية ادارة هذه المنطقة والمناطق الأخرى التي سوف يمتد اليها نشاطها وقد ركزت الشركة الوطنية نشاطها في المناطق الداخلية والساحلية، ونجح جولدي في انشاء العديد من المراكز التجارية مستخدما الطرق الدبلوماسية عن طريق عقد المعاهدات مع الزعماء المحليين حتى أنه اطلق عليه مؤسس نيجريا نظرا لجهوده في المنطقة، ثم سرعان ما تحول الشركة الوطنية الى شركة النيجر الملكية واتخذت الشركة من أسابا مركز لادارة عملياتها المختلفة.

وينبغي ألا نغفل بأن جولدي لم يكن نزيها في تعامله مع الوطنيين، فعمل على خداعهم لتوقيع المعاهدات معه كذلك عمل على محاربة الزعماء المعارضين لنفوذ الشركة والذين رفضوا الانطواء تحت لواءها، وتخلت بذلك عن السياسة السابقة، ألا وهي عدم التدخل أو التورط في المشكلات الداخلية.

وقد نجح قناصل بريطانيا في عقد المعاهدات مع الزعماء الأفارقة في منطقة دلتا النيجر وأحواض الأنهار التي عرفت باسم أنهار الزيت حتى أن بريطانيا أرادت الاستفادة من هذه المعاهدات لتدعي بأن لها حقوقها قديمة في المنطقة، واستندت بالفعل الى تلك المعاهدات التي وقعها قناصل الشركة عند انقعاد مؤتمر برلين 1884-1885، فأكدت بأن لها حقوقا في هذه المناطق مما جعل الدول المشتركة في المؤتمر تعترف بالمصالح البريطانية في دلتا النيجر. فعلى سبيل المثال أرسلت الشركة القنصل البريطاني حويت لعقد المعاهدات مع زعماء المنطقة الممتدة من خليج بدين الى بيافرا في 16 مايو 1884، وبفضل جهوده، أصبحت تلك الأراضي تحت الحماية البريطانية قبيل انعقاد مؤتمر برلين مباشرة فلما عقد المؤتمر أقرت هذه الحماية.

وكان ارسال هويت بناء على تعليمات من جرانفيل الذي أراد ابعاد النفوذ الفرنسي عن دلتا النيجر فأصدر تعليماته بضرورة عقد سلسلة من المعاهدات مع زعماء منطقة بنوى وأنهار الزيت.

وبعد انتهاء المؤتمر اندفعت بريطانيا شأنها شأن معظم الدول الاوروبية نحو القارة الأفريقية، وأسرعت بفرض حمايتها على الكثير من جهات النيجر، ففي 5 يونيو 1885 أعلنت حمايتها على المنطقة الواقعة بني لاجوس والضفة اليمنى والغربية من نهر ديودل ري وكذلك الأراضي الواقعة على ضفة النيجر عند التقائه برافده بنوى في لوكوجا في النيجر وأيضا أعلنت الحماية على الأراضي الواقعة على ضفتي نهر بنوى بما في ذلك ايبي. وقد تم اعلان الحماية على أقاليم النيجر في 18 اكتوبر 1887، كما تم توقيع اتفاقية بين الحكومتين الألمانية والبريطانية على احترام مناطق نفوذ كل منهما، كذلك أعلنت الحماية على محمية ساحل العاج، والتي كانت تسمى أنهار الزيت.

وكان لشركة النيجر الملكية دور كبير في احتكار بريطانيا للتجارة في حوض النيجر فقد منحتها الحكومة البريطانية الكثير من السلطات ويعتبر تاريخ الشركة جزءا من تاريخ أفريقيا، وبفضل جهود هذه الشركة تم اقصاء النفوذ الفرنسي نهائيا عن منطقة دلتا النيجر.

توالت الدراسات لتقييم شركة النيجر الملكية ما بين مؤيد ومعارض، فرأى المعارضين لها بأنها مثلت نوعا من الاستعمار، وأنها لم تحقق أي نفع للأفارقة أما أنصارها فقد رأوا بأنها أملت القانون، وأقرت النظام في المنطقة.

والواقع أن شركة النيجر الملكية كانت شركة استعمارية بالدرجة الأولى، فلم تهتم سوى بالمصالح البريطانية وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والفوائد ، فقد احتكرت التجارة في المنطقة وحاربت نشاط الدول الاوروبية الأخرى، كما نصبت من نفسها حاكما على الوطنيين، ومنعتهم من التجارة الا معها. وكانت المدن التي تحاول التجارة في غير نطاق الشركة تلقى عقابا شديدا فلم تتورع الشركة عن ارهاب هذه المدنـ، ولذلك فهي لم تحقق أي فائدة للوطنيين وانما سعت لتحقيق الأرباح لنفسها.

ويلاحظ بأن الحكومة البريطانية أولت الشركة اهتماما كبيرا فدأب أعضاء مجلس العموم عن الاستفسار عن نشاطها ومدى ما تحققه من نجاح في المنطقة لتثبيت النفوذ البريطاني. فطالب بعض الأعضاء من السير جراي وكيل وزارة الخارجية للاطلاع على مدى ما تحققه الشركة من خدمات ونشاط في المنطقة. كما طالبوا الحكومة بالتأكد من عدم وجود أي شكوى من الرعايا البريطانيين في المنطقة وطالبوا بتعيين ضباط عسكريين لاقرار النظام في منطقة النيجر.

كما طالب أعضاء مجلس العموم أيضا من زارة الخارجية ضرورة وجود مندوب عن الحكومة في أراضي الشركة، ولكن السير جراي أكد بأن الشركة هي المسئولة عن النواحي الادارية في المنطقة، وانه لا داعي لوجود مندوب للحكومة في الأراضي التابعة لها، وقد طالب بعض الأعضاء تقديم تقارير عن مساحة الأراضي والسكان في المنطقة الخاضعة لنفوذ الشركة، وتحديد نوعية التجارة فيها. وقد أكد السير جراي بأن الشركة ملزمة بارسال تقارير سنوية للحكومة البريطانية، وان الأراضي الخاضعة لها تغطي حوالي 500.000 ميل مربع وعدد السكان يتراوح بين 20.000.000 و25.000.000.

كما يلاحظ أن الحكومة البريطانية تدخلت في كثير من الاحيان لدعم الشركة، ففي عام 1889، بلغ جملة ما نفقته الحكومة على أعمال الشركة 250.000 جنيه استريلي خصص هذا المبلغ لبسط حماية البريطانية على أراضي النيجر ومد التجارة في مختلف المناطق.

وأخيرا رأى أنصار الشركة بأنها يكفيها فخرا بأنها نجحت في النهاية في بسط حماية بريطانية على النيجر الأدنى وجزء من النيجر الأوسط وفروع بنوى الى بولا ووقعت معاهدات مع سلطان سوكوتو وجواندو.

واذا تحدثنا عن المنافسة الفرنسية البريطانية في النيجر فينبغي لنا أن نذكر الكونت دي سميليه وهو ضابط فرنسي ، يرجع اليه الفضل في تثبيت نفوذ فرنسا التجاري في النيجر الأدنى، وقد نجح في تكوين الشركة الفرنسية لأفريقيا المدارية واستطاعت هذه الشركة اقامة وكالات تجارية في كل من أبو واونيشتا واجبيبه وايجا على النيجر كما أقامت وكالة في لوكو علىنهر بنوى. وظل دي سميليه يمارس نشاطه في المنطقة حتى توفى في 18 اكتوبر 1880.

وجدير بالذكر أن المنافسة الفرنسية البريطانية تزايدت بعد احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، فأدى ذلك الحدث الى ضغط فرنسا على بريطانيا في غرب أفريقيا وبخاصة في منطقة النيجر الأدنى، فأعلن جور جيبري وزير البحرية والمستعمرات بأن النيجر من الدلتا حتى بنوى لابد وأن يكون منطقة حرة للتجارة الفرنسية، فمن منطقة بنوى تستطيع فرنسا أن تكسب وضعا خاصا لها عن طريق توقيع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية مع الزعماء المحليين، كما أن هذه المنطقة توفر لها سبل التجارة مع بحيرة تشاد، والوصول الى أسواق بورنو وآدماواة المشهورة بثرائها وتجارتها.

وعلى الرغم من وجود شركة النيجر ومستعمرة لاجوس البريطانية الا أن التجار الفرنسيين كانوا يأملون في أن يجدوا لهم مكانا في دلتا النيجر، وخاصة بعد تصريحات جورجيبري الذي شجعهم على منافسة التجار البريطانيين ودعاهم الى عقد سلسلة من المعاهدات مع الزعماء الوطنيين على طول نهر بنوى، وأرسل تعليماته الى القنصل الفرنسي ماتيه الذي خلف سميليه بضرورة فتح الطريق أمام التجارة الفرنسية، فأسرع ماتيه بتوقيع معاهدة مع أحمد زعيم لوكو كما حصل من أمير نوب على الموافقة بتسهيل التجارة أمام الفرنسيي، وهكذا نرى بان جورجيبري بذل جهودا كبيرة من أجل توطيد النفوذ الفرنسي في دلتا النيجر حتى أنه طلب من الحكومة الفرنسية زيادة ميزانيتها المعتمدة في منطقة النيجر، والتي كانت تقل بكثير عن الميزانية التي رصدتها الحكومة البريطانية للمنطقة وقد التزم ماتيه بتعليمات جورجيبري، وحققت الشركة الفرنسية لأفريقيا المدارية نجاحا كبيرا في عهده فتضاعفت عدد الوكالات الفنرسية الى 33 وكالاة وامتد نشاط الشركة الى النيجر وفروعه ونهر بنوى.

وفي عام 1882 تكونت شركة السنغال والتي كان لها نفس سياسة شركة أفريقيا المدارية، ونظرا لتزايد عدد التجار الفرنسيين بدأ القلق ينتاب التجار البريطانيين وخشوا من حدة المنافسة الفرنسية، ولذلك اضطروا الى تخفيض أسعار منتجاتهم لتشجيع الأفارقة على الشراء والانصراف عن الشركة الفرنسية.

ورغم جهود جورجيبري ونجاحه المؤقت في مد النفوذ الفرنسي في دلتا النيجر الا أن التجار الفرنسيين عجزوا عن الصمود لمنافسة الشركة البريطانية التي تعقبت نشاطهم في كل مكان، ففي عام 1883 قامت الشركة باطلاق المدافع على كل من ايدا وآبو لتعاونهما مع الفرنسيين. ولذلك أدرك الفرنسيون قصور امكانياتهم في التصدي للنفوذ البريطاني، واضطر جول فري الى الادلاء بتصريح ذكر فيه لا مانع لدينا أن تحتفظ بريطانيا بنفوذها في النيجر الأدنى طالما أن الفرنسيين يبسطون نفوذهم وسيطرتهم على أعالي النيجر. ولذلك اضطرت شركة السنغال عام 1884 الى بيع منشآتها ، وحاول ماتيه يائسا لفت نظر الحكومة الفرنسية الى أهمية المنطقة ولكن دون جدوى، وفي عام 1885 سلمت الشركة مراكزها للشركة البريطانية.

انفردت الشركة البريطانية في العمل في منطقة النيجر الأدنى، ورغم أن مؤتمر برلين أقر حرية الملاحة في النيجر لجميع الدول، الا أنه لم يضع لجنة للمراقبة مثلما حدث في نهر الكونغو ولذلك استاثرت بريطنيا بالمنطقة وعملت على احتكارها ومع تسرب أي نشاط تجاري لاي دولة اوروبية فيها ولم يعد في وسع أي دولة انشاء وكالات تجارية في هذه المنطقة – وعندما حاولت الحكومة الألمانية ارسال فليجل من الكاميرون الى النيجر الأدنى، وذلك من أجل انشاء وكالة ألمانية في المنطقة، رفض الزعماء الوطنيين التفاوض معه خوفا من العقوبة التي يمكن أن تنزلها بهم شركة النيجر، وهكذا يتضح لنا مدى الراقبة الصارمة التي فرضتها الشركة على المنطقة لكي تسأثر بها بريطانيا فقط.

وقد ندد الكثيرون بانسحاب فرنسا من النيجر الأدنى لأن ذلك سيترتب عليه ضياع جهود فرنسا في المنطقة، وضياع مصالحها وحقوقها في هذا الاقليم.

وبانسحاب فرنسا من النيجر الأدنى كان لابد من توقيع اتفاق بينها وبين بريطانيا لتحديد الحدود في المنطقة فتم توقيع اتفاق في 15 اغسطس 1890.

نصت المادة الأولى: على اعتراف بريطانيا بالحماية الفرنسية على جزر مدغشقر مع تمتع بريطانيا بكافة الحقوق.

المادة الثانية: كانت خاصة بفرنسا، ونصت على اعتراف بريطانيا بمناطق النفوذ الفرنسي جنوب ممتلكاتها في البحر المتوسط، ومن خط يمتد من ساي على النيجر حتى بارواه الواقعة على بحيرة تشاد، وتم رسم خط الحدود بطريقة تتضمن مناطق نفوذ شركة النيجر الملكية كذلك أراضي وممتلكات سوكوتو ويرسم الخط بواسطة لجنة يتم تحديد موعدها.

وكان معنى هذا الاتفاق أن تتخلى فرنسا عن مناطق نفوذها جنوب خط بارواة، وتتخلى عن كل من اقليم بوسا وموري ويلا وجزء من ادماواة. ولذلك كان لابد من عقد اتفاق لتعديل الحدود بين الدولتين.

وقد حصل أعضاء مجلس العموم البريطاني على تأكيدات من كركون بأن سوكوتو دخلت ضمن ممتلكات بريطانيا وذلك نظرا لأهميتها، مما يدلنا على مدى حرص الحكومة البريطانية على تدعيم مركزها في النيجر الأدنى.

يعد أن استبعدت بريطانيا النفوذ الفرنسي من المنطقة ، وعقدت اتفاقية 1890 بادرت بعقد اتفاق آخر مع ألمانيا لاحترام مناطق نفوذ كل منهما حتى بحيرة تشاد، واعترفت ألمانيا بنفوذ بريطانيا في بولا.

2 – بعثة ميزون:

رغم توقيع اتفاقية 1890 المعقودة بين فرنسا وبريطانيا أرسلت فرنسا الملازم البحري ميزون للوصول الى النيجر، ولكن فلنت مندوب شركة النيجر الملكية أوقفه ومنعه من اكمال رحلته، وذلك في أكاسا، فاتجه ميزون الى بلا وأعالي بئول. ثم قام ميزون برحلة ثانية في عام 1892، ونجح في الوصول الى يولا وعقد معاهدات سياسية مع زعماء ادماواة وأنشئ مركزا فرنسيا في موري وقد حققت بعثته نتائج كبيرة ونجاحا تجارية وعلميا وقد ارسل وزير الخارجية الفرنسي في 8 أغسطس 1892 الى وادنجتون السفير الفرنسي في لندن بنتائج بعثة ميزون، ومدى ما حققه من فوائد.

وقد اثارت بعثة ميزون استياء الحكومة البريطانية، فارسلت احتجاجا الى السفير الفرنسي في لندن بشأن هذه البعثة، فكان رد وادنجتون بأن حرية الملاحة مكفولة في النيجر للجميع، حسب مقررات مؤتمر برلين، وأنه لا يحق لبريطانيا ابداء استيائها بسبب هذه البعثة ولكن الحكومة البريطانية أصرت على موقفها وأرسل اللورد دوفرين السفير البريطاني في باريس الى دوفيل وزير الخارجية الفرنسي في 30 اكتوبر عام 1893 الاحتجاج الآتي:

"بناء على التعليمات التي تلقيتها من حكومة صاحبة الجلالة لي الشرف في أن أخبركم بعدة نقاط أرسلتها شركة النيجر الملكية منها أن ميزون يقوم بعمليات عسكرية، فالهدف من اكتشافاته هدف علمي بحت، ولكنه مصر على اختراق مناطق النفوذ البريطانية في النيجر الأدنى المتعارف عليها، فالمعروف أن نهر بنوى حتى نقطة بولا تحت الحماية البريطانية ويجب تذكيره بأن هناك اتفاقا بين الحكومتين في 5 أغسطس 1890 بمقتضاه تحددت مناطق النفوذ الفرنسية والبريطانية ، كما أ، هنك خط يفصل بين المنطقتين يمتد من ساي على النيجر ويتجه شمالا على طول حدود سوكوتو حتى بارواة في بورنو وفي بحيرة تشاد ويبدو أن ميزون قد نسى هذه الاتفاقية، فقد أعلن الحرب في بعض مناطق النفوذ البريطاني كما أنه أعلن أن سلطان ادماواة، وسلطان موري قد قبلا الحماية الفرنسية، ورغم تأكيدات السفير الفرنسي في لندن بأن بعثة ميزون لها طابع علمي تجاري الا أنه في حقيقة لاأمر أخذ يبيع الأسلحة لسلطان موري، كما أحضر معه، عددا كبيرا من الأسلحة والذخيرة. كما أنه أوضح لعملاء شركة النيجر بأنه تاجر، وهو في حقيقة الأمر ضابط في البحرية الفرنسية وقد لجأ على التجارة داخل الأراضي الواقعة في نطاق النفوذ البريطاني.

أن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين الاعتبار الى الصداقة بين البلدين وتحرص عليها وأن اعمال ميزون التي يرتكبها من الممكن أن تهدد صداقة البلدين وتفسد العلاقة بينهما".

ولو حاول تبرير ارسال فرنسا لبعثة ميزون رغم اتفاقها مع انجلترا عام 1890 على تحديد مناطق النفوذ للبلدين، سنجد أن فرنسا كانت ومازالت تأمل في أن تجد لها مكانا في دلتا النيجر لكي تتمكن من التحكم فيه من منابعه حتى مصبه، ويكون لها الكلمة العليا في المنطقة كلها، كذلك لا نغفل سببا آخر وهو وصوول ميزون الى أسواق ادماواة الشهيرة بتجارتها وثرائها، كما أن ميزون بامداده القوى الوطنية بالأسلحة فمن الممكن أن نعتبره رد من الحكومة الفرنسية على بريطانيا التي أمدت بها من قبل الزعماء الوطنيين الثائرين على فرنسا.

أرادت بريطانيا بعد ذلك اغلاق الطريق الجنوبي لتشاد عن طريق اقتسام بورنو وادماواة، ولكن الاتفاق الفرنسي الألماني عام 1894 أعطى لفرنسا المناطق الجنوبية من بحيرة تشاد ونهر شاري وأراضي باجرمي وسنجا ومدينة بيفارا.


3- السباق نحو نيكي وبورجو:

لما كانت شركة النيجر الملكية تبسط نوفذها على دلتا النيجر، فقط طمعت في مد هذا النفوذ نحو نيكي التي اعتبرت من أهم مدن بورجو فأرسل جولدي الضابط البريطاني فردريك لوجارد لتوقيع معاهدة مع زعماء تلك المنطقة، وفي نفس الوقت الذي اتجهت فيه أنظار فرنسا الى المنطقة فأرسل الحاكم الفرنسي في داهومي بالو الضابط الفرنسي دوكير لتوقيع معاهدات حماية مع الزعماء الوطنيين كما كان اقليم بورجو موضع طمع من قبل الألمان، فأرسلت الحكومة الألمانية جرونر من توجو متوجها الى نيكي ولكن كان سبق الوصول الى هذه المدينة من نصيب لوجارد فوصلها قبل دوكير بخمسة أيام ووقع مع زعماء المدينة معاهدة قبل فيها الأخير الحماية البريطانية على أراضيه.

وترجع أهمية اقليم بورجو في أنه يمثل الأراضي الداخلية لكل من مستعمرة لاجوس البريطانية وداهومي الفرنسية، وجزءا من توجو الألمانية، ويحيط به النيجر، وتصل حدود هذا الاقليم الجنوبية الشرقية الى الأجزاء الصالحة للملاحة في نهر النيجر الأدنى، وقد تمثلت أهمية هذا الاقليم ايضا في موقعه الجغرافي فهو يقع في الطريق المؤدي الى مركز باندي وساجادا في الغرب ونوب وكانوب في الشرق ولذلك اهتمت الدول اثلاث بالوصول اليه لكل منها دوافعها الخاصة لتأمين مستعمراتها.

ارادت فرنسا احتلال ولو جزء صالح للملاحة وكانت الوسيلة الوحيدة أمامها هو تدعيم سيطرتها على نيكي الواقعة في اقليم بورجو كذلك تمسكت بريطانيا بها ونشر جولدي في 14 نوفمبر 1894 مقالا دافع فيه عننه حق بريطانيا ولا سيما وأنها وقعت في 20 يناير 1890 معاهدة مع ملك بورجو نشرت نصوصها في الصحف البريطانية والفرنسية والألمانية دون اعتراض من أحد أما الولايات الواقعة غرب بورجو فلم تكن حتى عام 1890 تخضع لأي قوة.

ويمكن تعليل عدم اقدام فرنسا على الاعتراض على معاهدة 1890 إلى أن نفوذ العسكري لم يكن قد استقر بعد في داهومي فأرادت تأمين المناطق الداخلية بها.

ولكن هذا لم يمنع من استمرار المحاولات الفرنسية لتوقيع المعاهدات مع القوى الوطنية في بورجو مما اعتبرته بريطانيا تدخلا سافرا في مناطق اعتبرتها تابعة لها فاعترضت عندما وقع الضابط الفرنسي توتيه 1895 معاهدة مع ملك بورجو. وتم تبادل الاحتجاجات في العاصمتين لندن وباريس على أحقية كل منهما في بورجو.

أرسلت بريطانيا لوجارد لحسم الموقف فأسرع باحتلال نيكي رغم اعتراض فرنسا على اعتبار أن منطقة النيجر الأوسط ومنحنى النيجر تابعة لها بعد أن وقع دوكيرمن قبل معاهدة مع حكامها.

وجاء الرد الفرنسي سريعا فارسلت قوة استولت على نيكي وتقدمت صوب سوكوتو في شمال النيجر ولكن القوات البريطانية أجبرتها على الانسحاب.

وبعد عدة مباحثات دبلوماسية تم الاتفاق على توقيع اتفاق 14 يونيو 1898 بين الدولتين لتحديد الحدود وبمقتضاه تخلت بريطانيا عن نيكي وحصلت فرنسا على الجزء الغربي من بورجو أما الجزء الشرقي فكان من نصيب بريطانيا كما تم تعديل خط ساي بارواة لتكون بدايته من ايلو بدلا من ساي وسمح للفرنسيين بالملاحة والتجارة في هذه المنطقة واتاح الاتفاق لفرنسا التفرغ لتحقيق مشروعها الاستعماري من السنغال غربت حتى جيبوتي شرقا فاندفعت نحو بحيرة تشاد كما أتاح لبريطانيا تدعيم نفوذها على النيجر وفي عام 1899 قررت الحكومة شراء جميع حقوق – شركة النيجر الملكية .


وفي عام 1900 اعلنت بريطنيا حمايته على شمال نيجريا ولوكوجا واستولى لوجاد على أراضي أمراء كابا وايلوزين، وبورجو، واخضع كونت جورا وزاريا، وبنوى الأعلى والأدنى. كما اهتم بالقضاء على تجارة الرقيق في شمال نيجريا بناء على أوامر مشددة من الحكومة البريطانية كما اهتم مجلس العموم البريطاني بالاطلاع على مدى التقدم الذي أحرزته بريطانيا في المنطقة.

وبدأ لوجارد في وضع اسس نظام الحكم البريطاني وهو نظام الادارة غير المباشرة، فقد وجد بأنه يصلح لغرب أفريقيا حيث تمسكت القبائل بعاداتها وتقاليدها وخاصة وأن بريطانيا قد طبقته من قبل في كل من الهند واوغندا.

ويمكن تلخيص المنافسة الفرنسية البريطانية في النيجر على النحو التالي:

(1) منافسة حدثت قبل 1884 حيث نشطت خلال هذه الفترة الشركات التجارية الفرنسية، بفضل جهود كل من ميليه وماتيه ولكن فنسا رغم هذا النشاط لم تستطيع الصمود للشركة البريطانية التي حاصرتها في كل مكان، وارهبت المواطنين ومنعتهم من التعاون مع الفرنسيين ، فاضطرت شركة السنغال الفرنسية الى بيع منشآتها الى بريطانيا عام 1884 ، وسلمت مراكزها للشركة البريطانية عام 1885.

(2) حددت الحدود بين الدولتين بموجب اتفاق عام 1890 اعترف فيه بريطانيا بنفوذ فرنسا جنوب البحر المتوسط من خط يمتد من ساي على النيجر حتى بارواة على بحيرة تشاد. وكان معنى هذا الاتفاق أن بريطانيا تركت البحر الأوسط لفرنسا التي اعترفت بدورها بالنفوذ البريطاني حتى النيجر الأدنى.

(3) حدثت منافسة بين الدولتين حول اقليم بورجو وسعت كل منهما للسيطرة عليه، من أجل تأمين الأراضي الداخلية لكل من مستعمرة لاجوس البريطانية ومستعمرة داهومي الفرنسية، وبمقتضى اتفاق 1898 حصلت فرنسا على الجزء الغربي من بورجو وبريطانيا على الجزء الشرقي، كما عدل خط الحدود الخاص بمعاهدة 1890 ليمتد النفوذ الفرنسي جنوب حتى ايلو على النيجر بدلا من ساي كما أصبح لفرنسا حق الملاحة في بوسا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


الهامش

  1. ^ إلهام محمد علي ذهني (2009). بحوث ودراسات وثائقية في تاريخ أفريقيا الحديث . مكتبة الأنجلو المصري.