حرب التحالف السادس

في حرب التحالف السادس (1812–1814)، تحالف النمسا، پروسيا، المملكة المتحدة، الپرتغال، السويد، إسپانيا وعدد من الولايات الألمانية هزموا في النهاية فرنسا وقادوا ناپوليون إلى منفاه في إلبا. بعد الغزو الفرنسي الكارثي لروسيا، انضمت القوى القارية، روسيا، المملكة المتحدة، الپرتغال والمتمردون في إسپانيا. بجيوش أعيد تنظيمها، أخرجوا ناپوليون من ألمانيا عام 1813 وغزو فرنسا عام 1814، مما أجبر ناپوليون على التنازل عن العرش وعودة البوربون.

حرب التحالف السادس
جزء من الحروب الناپزليونية
MoshkovVI SrazhLeypcigomGRM.jpg
معركة لايپزيگ
التاريخ1812–1814
الموقع
اوروپا
النتيجة

انتصار التحالف، معاهدة فونتينبلو، معاهدة باريس الأولى

المتحاربون

التحالف الأصلي
Flag of Russia الإمبراطورية الروسية
 بروسيا
Flag of الإمبراطورية النمساوية الإمبراطورية النمساوية
Flag of المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا المملكة المتحدة
 السويد
 إسپانيا
الپرتغال الپرتغال
مملكة الصقليتان صقلية
Flag of مملكة سردينيا سردينيا
بعد معركة لايپزيگ

فرنسا الامبراطورية الفرنسية

حتى يناير 1814

القادة والزعماء
الإمبراطورية الروسية ألكسندر الأول
الإمبراطورية الروسية Michael Andreas Barclay de Tolly
الإمبراطورية الروسية الأمير ڤيتگنشتاين
بروسيا فردريك وليام الثالث
بروسيا گبهارد فون بلوخر
الإمبراطورية النمساوية كارل شڤارتسنبرگ
المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا أرثر ولسلي، دوق ولنگتون الأول
السويد الأمير كارل يوهان
مملكة باڤاريا كارل فليپ فون ڤرده[2]
فرنسا ناپوليون الأول
فرنسا نيكولا اودينو
فرنسا لوي نيكولا داڤو
مملكة إيطاليا (الناپليونية) اوجين دى بوهارنيه
پولندا يوزف پونياتوفسكي 
مملكة ناپولي جواكيم مورا
القوى
ح. 800.000، 1.200.000+ بعد هزيمة حلفاء ناپوليون ح. 550.000. بعد هزيمة الألمان 400,000
خريطة أوروپا عام 1812، التحالف السادس بالأحمر.

حرب التحالف السادس تضمنت معارك لوتزن، بوتزن، درسدن ومعركة لايپزيگ الملحمية (تعرف أيضاً بمعركة الأمم)، والتي كانت أكبر معركة في التاريخ الأوروپي قبل الحرب العالمية الأولى. في النهاية، نكسات ناپوليون السابقة في روسيا وألمانيا كانت نذير لنهايته، واحتل الحلفاء باريس، وأجبروه على التنازل عن العرش.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزو روسيا


إلى برلين

بدت أوروبا كلُّها متوتّرة تعودُ القَهْقرى إلى انقسامات القرن الثامن عشر، وناپوليون يندفع فوق ثلوجها وعبر مدنها ليدعّم عرشه المهتز، فقد أصبحت كل التخوم (الحدود) القديمة صدوعاً في قصر غير قائم على أساس ونعني به الحكم الأجنبي. لقد راح أهل ميلان يتفجَّعون على أبنائهم الذين استدعاهم نابليون للخدمة العسكرية في جيشه لغزو روسيا، ولم يعودوا أبداً، فراحوا (أي أهل ميلان) يعملون لخلع يوجين اللطيف النائب الغائب لملك غائب. وأهل روما المغرمون بالبابا الصبور الذي كان لا يزال يتعرض للإهانة أسيراً في فونتينبلو، راحوا يدعون لعودته إلى كرسيّه الرسولي (المقصود الباباوي أى كرسي الدعاة الأوائل للمسيحية). [3]

وراح أهل ناپولي وأمراؤها ينتظرون اللحظة التي يسقط فيها مورا المنكفئ على ذاته مُخلياً الطريق أمام البوربون الشرعيِّين الممسوحين بالزيت (أي المكرّسين الذين اعتمدتهم الكنيسة). أما النمسا - وقد مزّقتها الحرب، وتعرضت للإهانة بسبب سلامٍ مفروض عليها - فراحت تنتظر توَّاقة إلى ميترنيخ كي يحرّرها بشيء من براعته الدبلوماسية من تحالف مفروض عليها مع عدوّها التقليدي (فرنسا). أما دول كونفدرالية الرَّاين على طول نهر الرَّاين فراحت تحلم بالازدهار الذي لا يكون بتسليم أبنائهم للعبقري الأجنبي صعب المراس. أما بروسيا فقد تمّ تجريدها من نصف المناطق التابعة لها (جرى تقليص حدودها إلى النصف) ومن نصف مواردها، وتمّ هذا على يد عدوّها القديم والتي أصبحت (أي بروسيا) الآن حليفته على غير رغبتها. إنها الآن ترى عدوّها (ناهبها) وقد مزقته كارثة مروّعة: لقد حانت الفرصة - أخيراً - والتي طالما تمنوّها. إنها الآن تتذكر دعوة فيشته وهي الآن تُصيخ السمع إلي مناشدة شتاين المنفي، لطرد هؤلاء الجنود الفرنسيين الذي يَعِسُّون بينهم وهؤلاء الجامعين لتعويضات الحرب الذين يستنزفونهم، وليهبوا أقوياء أحراراً كما كانوا في ظل فريدريك وليصبحوا حصناً للحرية الألمانية.

وكان يكمن خلف هذا الامتعاض والتمرد ذي الأصول المشتركة، الأخبارُ المدهشة التي مُفادها أنّ روسيا لم تهزم فحسب جيش هذا الكورسيكي الذي كان من المفترض أنه لا يُهزم، ولم تطرد - فحسب - الجيش الفرنسي من فوق التراب الروسي، وإنما كانت تتعقّبه عبر الحدود إلى دوقية وارسو (فرسافا) الكبيرة، وكانت (أي روسيا) تدعو قلب أوروبا للانضمام إليها في حرب مقدسة للإطاحة بالمغتصب (نابليون) الذي جعل من فرنسا مركزاً لطغيانه في القارة الأوروبية.

وفي 18 ديسمبر سنة 1812 (وهو اليوم الذي وصل فيه نابليون المهزوم إلى باريس) غادر ألكسندر سانت پطرسبورگ. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه وصل إلى فيلينا وشارك كوتوزوف وجيشه الاحتفال بالنصر. لقد كان هذا الجيش قد عانى كثيراً خلال مسيرته لإزعاج الفرنسيين المغادرين لبلاده. لقد مات مائة ألف وجُرِح خمسون ألفاً، وهرب أو فُقِد خمسون ألفاً. وامتدح إسكندر جنراله علناً، لكنه تشكك في قيادته في مجالسه الخاصة، لقد قال للسير روبرت ويلسون (إن جاز لنا أن نصدق السير روبرت): كل ما فعله ضدَّ العدو أنه كان يُقاد (بضم الياء) بحكم الظروف. لقد انتصر رغم أنفه.. إنني لن أترك الجيش مرة أخرى لأنني لا أريد أن يتعرض لأخطار مثل هذه القيادة. ومع هذا فقد منح المقاتل المُرهق أعلى الأوسمة العسكرية الروسية: وسام الصليب الكبير لجماعة القديس جورج (العسكرية).

وكان ألسكندر - بسبب تحقّق نبوءته - مقتنعاً بأنه - بشكل أو آخر - ملهم من السماء، فلم يأنس لتردّد جنراله، وتولّى القيادة العليا لجيوشه المتحدة بنفسه، وأصدر الأوامر لها بالتوجّه إلى الحدود الغربية. وتحاشى المرور بكونوڤو (لأنها كانت مواجهة لبولندا التي كانت لا تزال مُعادية)، وواصل طريقه على طول نهر النيمن إلى تورگن حيث كان الجنرال يوهان يورك فون ڤارتنبورگ على رأس قوة بروسية فسمح للروس بعبور النهر إلى بروسيا الشرقية (30 ديسمبر 1812) وحث شتاين الذي كان مرافقاً لألسكندر منذ خروجه من سانت پطرسبورگ - حثّه على التقدم في المناطق التي يتوقّع أن يرحَّب به فيها شعب بروسيا. وأعلن القيصر العفو العام عن كل البروس الذين سبق أن حاربوه ودعا ملك پروسيا وشعبها للانضمام إليه في حربه المقدسة. وكان فريدريك وليم الثالث ممزَّقاً بين النسر الفرنسي والدب الروسي فرفض امتداح تصرف يورك وانسحب من برلين إلى بريسلو (بريسلاو). وتقدم إسكندر عبر بروسيا الشرقية وراح الناس يحيّونه صائحين: إسكندر طويل العُمر! حياة مديدة للقوزاق.

وعندما اقترب من المناطق الحدودية بين بروسيا الشرقية وبولندا، أرسل رسالة للزعماء البولنديين يعدهم بالعفو العام وبدستور وبمملكة على رأسها قيصر روسيا. وبناء على تفاهم سري - فيما يبدو - بين روسيا والنمسا قام الأمير كارل فليپ فون شڤارتسنبرگ قائد الحامية النمساوية في وارسو بالانسحاب مع جنوده إلى جاليسيا، وأقبل المسؤولون البولنديون للترحيب بألسكندر، وفي 7 فبراير 1813 دخل العاصمة دون مقاومة. وهكذا ماتت دوقية وارسو الكبيرة موتاً مبكراً وأصبحت بولندا كلها تابعة لروسيا. وكانت بروسيا تأمل في استعادة جزء بولندا الذي كان ضمن ممتلكاتها في سنة 1795، فسارع إسكندر بالتأكيد لفريدريك وليم أنه سرعان ما ستوجد تسوية مقبولة لنصيبه المفقود (في بولندا)، وفي هذه الأثناء راح إسكندر مرة أخرى يحث ملك بروسيا وشعبها للانضمام إليه ضد نابليون.

وكان الپروس قد طال انتظارهم لهذه الدعوة (مواجهة نابليون) فقد كانوا شعباً معتزاً بنفسه لايزال يتذكر فريدريك. ومما ألّق الروح الوطنية لدى البروس وعمَّقها هذا التوسع الفرنسي السريع، وقيام إسبانيا بانتفاضة ناجحة. وكانت الطبقات الوسطى متحمسة في الاعتراض على الحصار القاري (الذي فرضه نابليون) كما كانت معترضة على الضرائب المرتفعة المفروضة لدفع تعويضات الحرب للفرنسيين. وكان مسيحيو بروسيا مغرمين بكنائسهم غيورين على عقيدتهم، وكانت كل الطوائف المسيحية لا تثق في نابليون وتعتبره ملحداً يخفي إلحاده (المقصود عدم إيمانه باللاهوت المسيحي). واتفقت الفرق المسيحية جميعاً على إدانة معاملته السيئة للبابا. ودعا اتحاد الفضيلة (التوجنبوند) كل الألمان أن يهبوا جميعاً للدفاع عن بلاد آبائهم وأجدادهم، وسمح الملك البروسي لوزرائه بإعادة بناء الجيش الپروسي وزيادة عدده تحت غطاء الدفاع عن پروسيا ضد الغزو الروسي. وكان الروس قد استولو على مارينبورگ في يناير، وفي 11 مارس توجهوا - دون أن يلقوا مقاومة - إلى برلين.

وأصدر الملك الپروسي المحب للسلام قراراً فُرِض عليه من بريسلو (بريسلاو): نداء إلى شعبي في 17 مارس يناشدهم فيه أن يهبّوا حاملين أسلحتهم لمواجهة نابليون:

... يا أهل براندنبورگ! أيها البروس، يا أهل سيليزيا، يا أهل بوميرانيا، يا أهل ليتوانيا! أنتم تعلمون ما تحملتموه طوال سبع سنين! أنتم تعلمون القدر التَّعِس الذي ينتظركم إذا لم تُنْه هذه الحرب نهاية مُشَرِّفة. فكروا في أيامكم الخوالي - أيام الناخب الأعظم Great Elector فريدريك العظيم! تذكَّروا البركات التي حارب من أجلها آباؤكم وأجدادكم تحت قيادتهم والتي بذلوا من أجلها دماءهم - حرية الشعور، والفخر بالوطن والاستقلال والتجارة والصناعة والتعليم. انظروا إلى النموذج العظيم لحلفائنا الأقوياء الروس، انظروا إلى الإسبان والبرتغاليين. اشهدوا السويسري البطل، وشعب الأراضي المنخفضة...

إنها المعركة النهائية والحاسمة التي يعتمد عليها استقلالنا ورخاؤنا ووجودنا. ليس أمامنا بديل آخر إمّا سلام مشرف وإما نهاية بطولية... إن الرب، وتصميمنا على هدفنا سيكونان عوناً لنا فتنتصر قضيتنا، وبانتصارها يتحقق السلام المؤكد العظيم وتعود أيامنا أكثر سعادة.

وهبَّت كل الطبقات استجابةً لدعوة الملك، فأعلن رجال الدين - خاصة البروتستنت - الحرب المقدسة ضد الكافر (نابليون). وصرف المعلّمون - ومنهم فيشته وشليرماشر - طلبتهم قائلين لهم إن الوقت ليس وقت دراسة بل وقت عمل. وظل هيجل فوق المعركة لكن جوته بارك أحد الأفواج العسكرية التي حيّته في أثناء مرورها. وعبّر الشعراء - مثل شنكندروف وأولاند وريكرت - عن مشاعر الملك والشعب بأشعارهم، أو نحّوا أقلامهم جانباً وامتشقوا الحسام أو حملوا البنادقيات، ومات بعضهم - مثل ثيودور كورنر - في المعركة. وعاون إرنست موريتز أرندت - الذي عاد من منفاه في روسيا - في رفع الروح المعنوية الألمانية وصياغتها بقصيدته (أتلك ألمانيا أرض الآباء؟!). وفي حرب التحرير هذه وُلدت ألمانيا جديدة.

وعلى أية حال فما من أمة يمكنها أن تعتمد على المتطوِّعين عندما يكون وجودها في خطر وعلى هذا فقد أمر فريدريك الثالث بالتجنيد الإلزامي لكل الذكور ما بين السابعة عشرة والأربعين، مع عدم قبول أي بديل (بمعنى عدم قبول تطوع شخص بدلاً عن الآخر) وكان هذا في اليوم نفسه الذي ناشد فيه شعبه القتال لتحرير البلاد. وعندما بدأ ربيع سنة 1813 كان لدى بروسيا 60.000 رجل مدرّب ومستعد للخدمة العسكرية. ومن بين الجيوش المختلفة التي كانت قد أتت من روسيا، كان هناك 50.000 رجل صالحين للقتال. وبهؤلاء الجنود البالغ عددهم 110.00 دخل إسكندر وفريدريك وليم المعركة التي كان عليها أن تقرر مصير نابليون وتكوين أوروبا.

وقد تحقّقا من أن هذا العدد قد لا يكون كافياً فراحا يبحثان عن حلفاء يمكنهم المساهمة بالرجال والأموال. وظلت النمسا لفترة على إخلاصها لتحالفها مع فرنسا فقد كانت تخشى أن تكون أول من يتعرض لهجوم نابليون إن هي انضمت إلى الحلف الجديد، وتذكر فرانسيس الثاني أنّ له أختاً في التاج الفرنسي. وكان الأمير بيرنادوت قد وعد إسكندر بتقديم 30.000 جندي له لكنه شغل معظمهم بفتح النرويج. أما إنجلترا فتعهدت بتقديم مليوني جنيه إسترليني لدعم هذه المعركة الجديدة بنهاية شهر أبريل، وفتحت بروسيا موانئها للبضائع البريطانية وسرعان ما وصلت هذه البضائع بكميات كبيرة إلى المخازن على نهر إلبا.

ومات كوتوزوڤ في سيليزيا في 28 أبريل، وكان لايزال ينصح الروس بالعودة إلى بلادهم، وأمر إسكندر بأن يتولى بارسلي دي تولي أمر الجيش الروسي بعد موت كوتوزوڤ، لكن إسكندر احتفظ بالقيادة العليا لنفسه (جعل من نفسه قائداً أعلى للقوات المسلحة). إنه (ألسكندر) قد انطلق ليحقق في تقدمه غرباً كل ما كان يريد نابليون تحقيقه في تقدمه شرقاً: وأن يغزو بلاد العدو ويهزم جيوشه ويستولي على عاصمته ويجبره على التخلّى عن عرشه، ويجبره على السلام.

إلى پراگ

وفي هذه الأثناء كان ناپوليون يحارب للاحتفاظ بمكانه في فرنسا ولم يعد مفتوناً بانتصاراته. وكاد يتعيّن على كل أسرة في فرنسا أن تسلّم ابنا أو أخا آخر من أبنائها. لقد كانت الطبقة الوسطى قد رحّبت بنابليون كحامٍ لها، لكنه الآن أصبح ملكياً أكثر من البوربون وحلّق حوله الملكيين الذين كانوا قد تآمروا لخلعه. ولم يكن القسس يثقون في نابليون، وكان الجنرالات الفرنسيون يتمنَّون السلام. وكان ناپليون نفسه قد تَعِب من الحرب. لقد تضخم بطنه وأرهقته الآلام وكبر سنه وبَطُؤ تفكيره وتذبذبت إرادته، ولم يعد قادروا أن يستخلص من جوهر النصر فتنة تدعوه إلى مزيد من المعارك أو تفتح شهيته للحكم. كيف يستطيع هذا الرجل المرهق أن يجد في هذه الأمة المرهقة الموارد البشرية المطلوبة لمواجهة أعداء في ذروة الاندفاع؟

لكن اعتزازه بنفسه وفخره كانا هما آخر قوة يركن إليها. فهذا القيصر الغادر، هذا الراقص الوسيم الذي يلعب دور الجنرال، وهذا الجيش الذي يصيبه الرعب أمام القوزاق - جيش فريدريك، وهذا المارشال الفرنسي الذي تخلّى عن قضية وطنه والمفترض أنه سيقود الجيش السويسري ضد بلاده (فرنسا) - كل أولئك لن يجدوا الشجاعة والمهارة والسرعة التي تحلى بها الجندي الفرنسي، والتي تتحلى بها أمة قوية متحمسة لحماية أرقى الحضارات في أوروبا. قال نابليون في ديسمبر سنة 1812 في دعوة يائسة لاستنهاض الفخر العنصري من الآن فصاعدا ليس لأوروبا إلا عدو واحد - الصنم الروسي الكبير.

ومن ثمّ فرض الضرائب وتفاوض للحصول على القروض، وسحب من رصيده المالي في أقبية التوليري، وأصدر الأوامر باستدعاء دفعة التجنيد الإجباري لسنة 1813 للخدمة العسكرية الفعلية، وأن يتم تدريب دفعة 1814، كما أمر بإعداد الكتائب العسكرية التي كانت معدّة للخدمة داخل فرنسا، لتكون مستعدة للحرب خارجها كما أمر بإبرام عقود لتمويل جيشه بالذخائر والملابس والأسلحة والخيول والطعام. ونظم أمور التدريب والتقدم والمعركة بمركزة الكتائب المدرّبة في مواقع بعينها، وجعلها مستعدة كي ينضم بعضها إلى بعضها الآخر عند صدور الأوامر، لتكون معاً في المكان المحدد والزمان المحدّد. وفي منتصف أبريل كان قد نظّم جيشاً بلغ تعداده 250.00 رجل. وعيّن وصيّ ماري لويز ليقوم مقامه عند غيابه في الجبهة وجعل من مينيڤال سكرتيراً لها، وكان مينيفال هو سكرتيره المرهق، وغادر نابليون باريس في 15 أبريل لمقابلة جيوشه في مين ونهر إلبا.

وسار يوجين جنوباً ومعه البقية الناجية من الفاجعة الروسية (الهزيمة في روسيا) ومعه أيضاً جنود تم استدعاؤهم من مواقعهم في ألمانيا، وأقبل من الجنوب برتران. وبهؤلاء الرجال الموثوق بهم على رأس ميسرته وميمنته تحرك نابليون متقدماً بجيشه (جيش مين)، وفي 2 مايو قابل من ليتزن بالقرب من ليبتسج (ليبزج ) جيشاً متحالفاً بقيادة الجنرال الروسي ويتجنستن وبرعاية القيصر والملك. عدد الجنود الفرنسيين الآن 150.000، وعدد الجنود الروس 85.000 أما الجنود البروس فعددهم 54.000. وربما ليشجع الإمبراطور جنوده ويزيد من حماسهم راح يخاطر بنفسه في مقدّمة الجيش، فقد كتب المارشال مارمون : ربما كان هذا اليوم قد شهد مخاطرته بنفسه كأشد ما تكون المخاطرة في ميدان المعركة. وهُزِم الحلفاء وتراجعوا لكن بعد أن كبدوا الفرنسيين 20.000 رجل (أي بخسارة تزيد بمقدار 8000 عن خسائر أعدائهم).

لكن فريدريك أغسطس الأول ملك سكسونيا قرر ضم جيشه البالغ عدده 10.000 جندي إلى القوات الفرنسية خوفاً من جارته النهمة بروسيا، فكان في ذلك - إلى حد ما - عزاء لنابليون. وفي 9 مايو أصبحت دريسدن عاصمة فريدريك أغسطس قاعدة لنابليون يقود منها معركتين.

ومخافة أن تنضم النمسا إلى الحلفاء لمحاولة الاستيلاء مرة أخرى على شمال إيطاليا، أرسل نابليون قائده يوجين إلى ميلان لإعادة بناء جيشه هناك ومراقبة الثوريين الإيطاليين. وغادر نابليون - نفسه - دريسدن في 81 مايو آملاً أن يحقق نصراً أكثر حسماً على المتحالفين ضده الذين أعادوا تنظيم أنفسهم في بوتزن إلى الشرق من دريسدن بثلاثين ميلاً، فأرسل قائده ني ليتقدم في نصف دائرة مُلتفاً حول العدو مهاجماً إياه من المؤخرة، بينما هو نفسه (نابليون) يقود الجيش الرئيسي ليشن هجوماً على مقدمة العدو، وتأخر ني فلم يستطع منع الحلفاء الذين هزمهم نابليون من التراجع إلى سيليزيا بعد أن فقدوا 15.000 مقاتل. وتقدم نابليون إلى الأودر وضم جنود الحامية الفرنسية في جلوجاو إلى جيشه. لقد كتب أحد المهاجرين الفرنسيين (الذين تركوا فرنسا عقب أحداث الثورة الفرنسية) واسمه روجر دي داماس معبراً عن غضبه: إن الإمبراطورية الفرنسية قد حلت بها نكبة ومع هذا فقد خرجت منتصرة(.

وفي هذه اللحظة وبينما كان نابليون يتحرك على طول الأودر Oder ويضم حاميات فرنسية أخرى إلى جيشه، استمع نابليون إلى عرض مترنيخ بتوسط النمسا لترتيب سلام بين القوى المتحاربة. وحثّه بيرثييه باسم الجنرالات، وكولينكور باسم الدبلوماسيين على القبول خوفاً من حرب طويلة مع حلفاء متحدين لهم موارد لا تنفد، بينما فرنسا منقسمة مستنزفة، وأحس نابليون بمؤامرة (فخ) لكنه كان يأمل في أن عقد هدنة سيتيح له وقتاً لتجنيد مزيد من الجنود وتعزيز سلاح الفرسان في جيشه، كما خشي من أن رفضه عرض ميترنيخ قد يؤدي إلى انضمام النمسا إلى المتحالفين ضده. وتم ترتيب أمور الهدنة في بلايسفيتز (بلايسفيتس) (4 يونيو) وكانت هذه الهدنة لمدة شهرين ثم مُدّت في وقت لاحق إلى 10 أغسطس. وسحب نابليون قواته إلى دريسدن وأصدر توجيهاته باستكمال كتائبه واتجه إلى مينز (مينتس) ليقضي بعض الوقت مع ماري لويز فربما تستطيع أن تحث أباها على مواصلة تحالفه مع فرنسا، ذلك التحالف الذي كانت هي ضمانه. وفي هذه الأثناء راح ميترنيخ يزيد عدد الجيش النمساوي ويقوّيه بالمعدّات اللازمة متظاهراً بأن ذلك العمل موجه ضد أعداء نابليون (المتحالفين).

واستفاد المتحالفون ضد نابليون من الهدنة. لقد رحبوا ببيرنادوت الذي جعل الآن جيشه المكوّن من 25.000 مقاتل في خدمة قضيتهم. وأتى معه مورو الذي كان قد اُتِّهمَ بارتباطه بمتآمرين لقتل نابليون وسُمِحَ له بالهجرة إلى أمريكا. لقد عاد الآن ليعرض خدماته على الحلفاء باعتباره يعرف أسرار استراتيجية نابليون. لقد ركّز على قاعدة واحدة: تجنبّوا المعركة إذا كان نابليون يقودها، واسعوا إليها (المعركة) عندما يكون بعيداً. وكان الحلفاء أكثر سعادة بلورد كاثكار الذي قدم لهم في 15 يونيو إعانة مالية مقدارها أربعة ملايين جنيه على ألاَّ يعقدوا سلاماً مع نابليون دون موافقة انجلترا.

وفي 27 يونيو قبل المتحالفون ضد نابليون وساطة النمسا واتفقوا على أن يرسل الأطراف الثلاثة مفاوضين إلى براغ لترتيب شروط السلام. وأرسل نابليون كلا من ناربون وكولينكور على أمل أن يكون اطمئنان إسكندر إلى كولنيكور (الذي جعل نابليون معه ناربون لمراقبته) سبباً للوصول إلى نتائج مواتية. وعلى كل حال فإن الشروط التي قُدّمت لنابليون من خلال كولينكور وميترنيخ كانت راجعة في رأيه إلى هزيمته (السابقة) في روسيا وبولندا وإلى الثورة البروسية ضده. لقد طُلب منه أن يُسلِّم المناطق التي استولى عليها من بروسيا، وأن يترك كل دعاويه في دوقية وارسو (فرسافا)، والدول - المدن الهانسياتية وبوميرانيا وهانوفر وإيليريا وكونفدرالية الرّاين. وأنه يمكنه العودة إلى فرنسا ليحتفظ بحدودها الطبيعية وبعرشه وبأسرته الحاكمة لا يتحداها أحد. لكن كان هناك عيب خطير في هذه الاقتراحات: لإنجلترا الحق في إضافة مطالب أخرى، وأن المتحالفين ضد نابليون لن يُوقِّعوا سلاماً مع نابليون دون موافقة إنجلترا.

وأرسل نابليون إلى پراگ طالباً تأكيداً رسمياً لهذه الشروط، فلم يصله هذا التأكيد إلا في 9 أغسطس مع تحذير من ميترنيخ أن الهدنة ستنتهي في منتصف ليلة العاشر من أغسطس، وسينفض مؤتمر الحلفاء في هذا الوقت أيضاً ولابد أن تصل موافقة نابليون قبل هذا التاريخ. وأرسل نابليون موافقة مشروطة لم تصل إلى براغ حتى إعلان ميترنيخ انتهاء الهدنة وفضّ الموتمر. وفي 11 أغسطس انضمت النمسا إلى الحلف المضاد لفرنسا، واستُؤنفت الحرب.

إلى الراين

لقد زادت قوات الحلفاء عددا وتمويلا. لقد أصبحت الآن نحو 992.000 مقاتل و1383 مدفعا، واستقبل نابليون فرقة عسكرية من الدنمرك، ودفعة مجنّدين كان ينتظرها وأصبح لديه الآن 440.000 مقاتل و1200 مدفع. وكوّن الحلفاء ثلاثة جيوش: جيش الشمال بقيادة بيرنادوت وتمركز في برلين، وجيش سيلزيا بقيادة بلوخر المندفع الذي لا تنقصه الشجاعة، وتحلّق جيشه في تشكيلاته المختلفة حول برسلاو والجيش الثالث وهو أكبرها جميعا هو جيش بوهيميا بقيادة الأمير فون شفارتسنبرج المتمركز في براغ. وكونت الجيوش الثلاثة نصف دائرة حول نابليون المتمركز في دريسدن. وُترك لكل جيش من هذه الجيوش حرية القتال لشق طريقة إلى باريس بشكل مستقل. وفي مواجهة هذه الجيوش أعد نابليون جيش الميسرة Left بقيادة أودينو لإيقاف برنادوت، وجيش الوسط بقيادة ني لمراقبة بلوخر Blucher وجيش الميمنة بقيادته هو نفسه (نابليون) لحراسة الطرق التي قد يُطلق عبرها شفارتسنبرج من بوهيميا عدداً كبيراً من قوّاته لقد كانت هناك عيوب في الموقف الفرنسي لم يكن يمكن كما هو واضح تجنبها؛ لم يكن نابليون بقادر على استخدام خطته التي استخدمها في إيطاليا بالتركيز بكل قواته على أحد الجيوش، فهذا قد يودي إلى فتح الطريق إلى باريس للجيشين الآخرين أو أحدهما، وكان يتعيَّن على جيشين من جيوشه أن يتحركا بعيداً عن الأثر المحمّس الذي كان يتركه وجوده في صفوف الجيش، وأدى عدم وجوده إلى حرمان هذين الجيشين من مناورته السريعة وتكتيكاته البارعة وفي 12 أغسطس بدأ بلوخر معركة خريف 1813 بالتحرك غرباً من برسلاو لمهاجمة قوات ني من كاتسباخ في سكسونيا فأخذهم على غِرّة وفرّوا وقد تملكهم الذعر، فاندفع نابليون من جورليتس بحرسه الإمبراطوري وقوات الفرسان بقيادة مورا لإعادة تنظيم قوّات ني، وقادهم إلى نصر كلف قوات بلوخر 6.000 قتيل.

لكن في الوقت نفسه قاد شفارتسنبرج قواته البالغ عددها 200.000 شمالاً في هجوم سريع للاستيلاء على مقر القيادة الفرنسية في درسدن. واستدار نابليون وكفّ عن متابعة بلوخر، وقاد 100.000 رجل مسافة 120 ميلاً في أربعة أيام، ووجد أن النمساويين يكادون يتحكمون في كل المرتفعات حول العاصمة السكسونية، وفي 26 أغسطس راح الجيش الفرنسي بقيادة الحرس القديم والحرس الجديد يهتف عاش الإمبراطور وهو - أي الجيش الفرنسي - يقتحم صفوف الأعداء ويحاربهم بضراوة شديدة حتى إن مورا قاد سلاح الفرسان التابع له بتهوّر شديد كما كان يفعل أيام شبابه لدرجة أنه بعد يومين من المعركة، أمر شفارتسنبرج قواته بالتراجع مخلّفاً 6.000 من رجاله بين قتيل وجريح وأسير. وكان نابليون نفسه يوجه إطلاق المدافع فأصلى العدو ناراً كثيفة حامية.

وكان إسكندر يراقب الصراع من فوق تل مكشوف، وكان معه مورو الذي كان قد أصبح أسيراً لديه. وأصابت قذيفة مدفع ساقي مورو فأطاحت بهما، ومات بعد أيام قليلة وسط جيش القيصر، لكنه صاح وهو يموت:

أأنا مورو! تصيبني طلقة من الجيش الفرنسي وأموت بين أعداء فرنسا!!.

وتعقّب فاندام النمساويين المنسحبين ولم يتبعه نابليون ولم يقدم له دعماً (كان نابليون قد تعرّض لآلام حادة في معدته)، ووقع فاندام في شرك نصبه له العدو فاستسلم مع رجاله البالغين 7,000 في 28 أغسطس لأحد أقسام جيش شفارتسنبرج، وبعد ذلك سرعان ما فقد ني نحو 15.000 من رجاله في اشتباكات مع العدو في دنيفتس (في 6 سبتمبر)، وحزن نابليون لأن نصره الذي أحرزه في درسدن سرعان ما ضاع هباء. فأرسل (أي نابليون) إلى السنات لاستدعاء 120.000 مجند إلزامي من دفعة 1814 (الدفعة التي يحين وقت تجنيدها في سنة 1814) و160.000 من دفعة 1815. وكان هؤلاء المجندون الجُدد صغاراً وسيحتاجون لشهور كثيرة لتدريبهم. وفي الوقت نفسه كان 60.000 جندي قد أُضيفوا إلى الجيش الروسي، وكانوا ممّن تمرسوا على الحرب في معركة في بولندا، وفي 8 أكتوبر انضم جيش بافاريا إلى أعداء نابليون بعد أن كان يقاتل في صفّه.

أما وقد أصبح المتحالفون ضد نابليون على هذا القدر من القوّة فقد أصبح هدفهم هو الاستيلاء على ليبزج (ليبتسج) وأن يحسموا الحرب بمعركة تستطيع فيها قواتهم الموحّدة إحباط أي استراتيجية نابليونية. وفي أكتوبر قاد كلٌّ من بلوخر وبنجسن وبيرنادوت وشفارتسنبرج ويوجين الفيرتمبرجي of وغيرهم من الجنرالات - قوات من 160.000 رجل حول المدينة. فاستدعى نابليون جيوشه من الشمال والوسط والجنوب فبلغ تعدادها 000.511 رجل بقيادة مارمون وإسكندر مكدونالد وأوجيرو وبرتران وكليرمان وفيكتور، ومورا وني والأمير جوزيف بونياتوفسكي . قلما وجدنا مثل هذه العبقرية العسكرية وقلما رأينا هذا العدد من الجنسيات تتجمع لتتلاقى في معركة واحدة. إنها معركة الأمم أو كما سماها الألمان (فولكرشلاخت ) والكلمة تعني حرفياً (مذبحة الشعوب).

واتخذ نابليون موقعاً مكشوفاً في مؤخرة قواته وراح يُوجّه تحركاتها طوال ثلاثة أيام من العمليات (16-19 أكتوبر 1813)، على وفق ما قاله (أي نابليون) فقد ظلَّ للفرنسيين اليد العليا حتى 18 أكتوبر وعندها تحوّل الجنود السكسون إلى القوات المتحالفة ضد نابليون ووجهوا مدافعهم ضدّ الفرنسيين الذين اعترتهم الدهشة وغمرتهم الفوضى فبدأوا يفقدون مواقعهم. وفي اليوم التالي تخلّت كتائب كونفدرالية الراين عن الفرنسيين وانضمت إلى المتحالفين ضدهم. وعندما وجد نابليون أن رجاله بدأت تعوزهم الذخيرة وتعرضوا لخسائر فادحة - أمر بالتراجع (الانسحاب) عبر نهري بليس وإلستر. ونجحت معظم القوات الفرنسية في تنفيذ هذا الانسحاب عبر النهرين الآنف ذكرهما لكن مهندساً مُهتاجا نسف جسرا فوق نهر الإلستر بينما كان بعض الفرنسيين يعبرونه، فغرق كثيرون بمن فيهم بونياتوفسكي الأنيق الذي كان قد حارب في صف نابليون ببراعة حتى إنه (أي نابليون) رقاه في ميدان المعركة إلى رتبة مارشال. ولم يصل من بين 115,000 من الجنود الذين حاربوا مع نابليون في ليبزج إلى نهر سال إلاَّ 60,000 ، فقد وقع الآلاف أسرى، وتلقى الفرنسيون الذين وصلوا إلى نهر سال غذاء وكساء ومؤنا ثم واصلوا طريقهم غرباً إلى المين Main عند هاناو وهناك حاربوا قوات نمساوية وبافارية وهزموها في 12 نوفمبر وصلوا إلى الراين عند مينز (مينتس) بعد أسبوعين من الفرار، وعبروا النهر إلى فرنسا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الانكسار

لقد بدا نابليون وقد لحقه انكسار لا انجبار بعده. فقد كان جيشه (الآن) مكوّناً من 60,000 مقاتل مهزومين ومُحبطين ومستنفدين، يحتشدون على غير هدى على ضفة الراين، أما القوات الفرنسية في ألمانيا فكانت مجمَّدة لا يمكن تعبئتها. لقد كانت قواته البالغة 60,000 (الآنف ذكرها) والمحتشدة عند ضفة الراين بغير سلاح وبغير ملابس وقد تفشى فيهم التيفوس الذي راحوا يصيبون به كل المناطق التي مرّوا بها وراحت الأخبار المحبطة تأتي من كل اتجاه. ففي إيطاليا كان يوجين قد استطاع بشق النفس أن يجمع قوة من 36,000 رجل لكنه أصبح الآن في مواجهة 60,000 جندي نمساوي عَبْر الأديج. وفي نابلي راح مورا يتآمر لإنقاذ عرشه بالتخلّي عن نابليون ومناصرة المتحالفين ضدّه. وفي الأراضي المنخفضة أطاحت ثورة داخلية تدعمها قوات بروسية بقيادة بولو بالحكم الفرنسي (نوفمبر 1813) وأحكمت قوات إنجليزية قبضتها على الشلت وعادت أسرة أورانج وهرب جيروم من وستفاليا (فستفاليا). ومن إسبانيا عبر ولنجتون المنتصر البيداسوا إلى فرنسا (7 أكتوبر) وفرض حصاراً على بايون في ديسمبر.

وبدت فرنسا نفسها ممزّقة، فقد أدّى ضياع إسبانيا، واضطراب الحركة التجارية مع ألمانيا وإيطاليا إلى أزمة اقتصادية فأفلست البنوك وأغلقت المصانع أبوابها، وأعقب إغلاق بيت جاباش للتمويل، سلسلة من عمليات الإفلاس. وهبطت البورصة من 80 في شهر يناير إلى 47 في شهر ديسمبر. وراح آلاف المتعطِّلين يتسكعون في الشوارع أو يخفون فقرهم بالاعتكاف في بيوتهم أو يلتحقون بالجيش ليأكلوا وتمرّد الشعب احتجاجاً على المزيد من التجنيد الإلزامي، واحتجت الطبقة الوسطى على رفع الضرائب، وطالب الملكيون بتولي لويس الثامن عشر العرش، لقد راحت كل الطبقات تطالب بالسلام.

ووصل نابليون إلى باريس في 9 نوفمبر فرّحبت به مليكته غير السعيدة وابنه المرح، وراح يعمل على إقامة جيش جديد من 300,000 مقاتل كضرورة أولى للحرب أو السلام. لقد أرسل المهندسين لإصلاح الطرق لجبهات جديدة ولإعادة الأسوار إلى المدن ولبناء الحصون، وللاستعداد لحفر الخنادق وتدمير الجسور عند الضرورة لإعاقة تقدم الغزاة. وصادر الخيول لسلاح الفرسان وأمر بإعداد المدافع من السبائك كما أمر بإعداد الأسلحة والذخائر للمشاة وراح يسحب المزيد من الأموال التي ادخرها من أقبية التوليري، وراحت الأمة تنظر إليه باستغراب وخوف معجبة بقدرته على استعادة رباطة جأشه وطاقته التي لا تنفد كما أصابها الرعب مخافة عام جديد مليء بالحروب.

أما الحلفاء (القوى المتحالفة ضد نابليون) فقد تردّدوا أمام الراين وبسبب حلول الشتاء، فأرسلوا له من فرانكفورت في 9 نوفمبر عرضاً غير رسمي وغير موقّع لإحلال السلام: أن تحتفظ فرنسا بحدودها الطبيعية - الرّاين، والألب، والبرانس، وأن تتخلّى عن دعاويها كلها فيما وراء ذلك. وفي الثاني من شهر ديسمبر أجاب نابليون من خلال وزير الشؤون الخارجية (كولينكور) بالموافقة. وعلى أىة حال فإن ثورة هولندا أنهت السيطرة الفرنسية على مصاب الراين. وساعد الحلفاء هذه الثورة وسحبوا موافقتهم على مبدأ الحدود الطبيعية لفرنسا.

بل لقد أصدروا في 5 ديسمبر إعلان فرانكفورت: إنّ القوى المتحالفة لا تشن الحرب على فرنسا. فملوك وحكام أوروبا يريدون أن تكون فرنسا عظيمة قوية سعيدة..

فالقوى المتحالفة تؤيد الإمبراطورية الفرنسية في امتلاك مناطق لم يحدث أبداً أن كانت تحت حكم ملوكها.

لم تكن المسألة في حاجة إلى مزيد من الجهد لإبعاد الشعب عن إمبراطوره، فقد كان السينات والهيئة التشريعية معارضين له علناً مطالبين بدستور يضمن الحرية.

وفي 21 ديسمبر عبر الحلفاء نهر الرّاين إلى فرنسا. وفي 29 ديسمبر أرسل السينات إلى نابليون تأييده وتأكيده أنه موالٍ له. لكن في اليوم نفسه قرأ لينيه - أحد الأعضاء الملكيّين من بوردو - على المجلس التشريعي تقريراً ينتقد فيه أخطاء وتجاوزات الإدارة الإمبراطورية، ممتدحاً الحكم السعيد على أيام البوربون، ومرحّباً بالمتحالفين ضد نابليون الذين يرغبون في الإبقاء علينا ضمن نطاق حدود بلادنا، والذين يودّون كبح النشاطات الطموحة التي أدت طوال العشرين سنة الماضية إلى إيذاء كل شعوب أوروبا. وصوّت المجلس التشريعي بواقع 223 ضد 31 بالسماح بطبع تقرير لينيه . وفي مساء ذلك اليوم أمر نابليون بإنهاء الدورة التشريعية للمجلس، وأجاب بهياج شديد غاضباً مرهقاً:

من المؤكَّد أنّه عندما يكون علينا أن نطرد العدو من بلادنا، فإن هذا الوقت يكون غير ملائم لمطالبتي بدستور. إنكم لستم ممثلي الأُمّة فأنتم مجرد مندوبين أرسلتهم الدوائر (المحافظات).. إنني أنا وحدي ممثل الأمّة. ومع ذلك، فما هو العرش؟ أهو أربع قطع من الخشب المموّه بالذهب تغطيه القطيفة (المخمل)؟ لا، إنه ليس كذلك، إنه شاغله، وأنا شاغله. إنني أنا الذي أستطيع إنقاذ فرنسا، وليس أنتم! إنني إن أصغيت لكم لسلَّمت للعدو أكثر مما يطلب. إنكم ستحصلون على السلام في ثلاثة أشهر أو أَهْلَك.

وبعد أن تخلّى عنه المندوبون المصدومون، أرسل (أي نابليون) يستعدي بعض الشيوخ الذين وقع عليهم اختياره وشرح لهم سياسته لإحلال السلام وخطط مفاوضاته، وانتهى باعتراف كسير، كما لو كان يعترف أمام محكمة التاريخ:

إنني لا أخاف من الاعتراف أنني قد أطلت أمد الحرب كثيراً. لقد كنت مقتنعاً بمشروعات واسعة المدى. لقد كنت راغباً في أن أُؤمّن لفرنسا إمبراطورية العالم (حكم العالم). لقد كنتُ مخطئاً، فهذه المشروعات لم تكن متناسبة مع عدد سكان فرنسا، لقد كنتُ سأجد نفسي مضطراً لتجنيد الشعب الفرنسي كله، وإنني مقتنع الآن بأن تقدم المجتمع ورفاهية الدولة وازدهارها الأخلاقي والمعنوي لا يتّفق مع تحويل الشعب كله إلى أمّة من الجنود.

ولا بد أن أُكَفِّر عن أخطائي التي ارتكبتها بركوني كثيراً جداً إلى حظّي السعيد، إنني سأكفِّر عن أخطائي، إنني سأُبرِم اتفاق سلام، على وفق الشروط التي تمليها الظروف، وهذا السلام لن يكون فيه خِزْي إلاَّ لي وحدي، فسيكون عليَّ وحدي أن أخدع نفسي، وسيجب عليّ وحدي أن أُعاني، وليس فرنسا. إن فرنسا لم ترتكب أيّ خطأ، فهي قد بذلت دماءها لي ولم تبخل عليَّ بأية تضحيات..

اذهبوا إذن أيها السّادة إلى دوائركم (محافظاتكم) لأنني على وشك إبرام اتفاق سلام، فأنا لن أطلب من الفرنسيين بعد الآن أن يبذلوا دماءهم لمشروعاتي ولي.. لكن لفرنسا ولسلامة أراضيها (حدودها). أخبروا مواطنيكم أنني لا أطلب منهم سوى الوسائل التي تعين على طرد العدو الأجنبي من أراضي الوطن. قولوا لهم إن العدو قد غزا الألزاس وناڤارا وبيارن. قولوا لهم إنني أدعو الفرنسيين لمد يد العون للحرية.

وفي 21 يناير أمر مندوبيه بإطلاق سراح البابا بيوس السابع من محبسه في فونتينبلو وترتيب الأمر لعودته إلى إيطاليا. وفي 23 يناير جمع من التوليري ضباط الحرس الوطني وقدم لهم الإمبراطورة (زوجته) وابنه (ملك روما) الذي كان وسيماً ولم يكن قد بلغ الثالثة من عمره بعد وأوصاهما بالاهتمام بالحرس. ومرة أخرى عيّن ماري لويز وصية على العرش في أثناء غيابه، وفي هذه المرة عيّن أيضاً أخاه جوزيف ليفتينانت جنرال للإمبراطورية والقائم بالأعمال الإدارية للإمبراطورة. وفي يوم 24 من يناير أُحيط علماً بأن مورا قد انحاز إلى الحلفاء (المتحالفين ضد نابليون) وأنه يتقدم من نابلي على رأس 18,000 مقاتل ليساعد في طرد يوجين من إيطاليا. ومن هذا اليوم نفسه ودّع نابليون زوجته وابنه لآخر مرة، فلن يتأتّى له رؤيتهما بعد ذلك، وغادر باريس لينضم إلى جيشه الذي أُعيد تكوينه ليتحدى غزاة فرنسا.

إلى باريس

لقد راح الحلفاء يتقدمون في صفوف يقترب بعضها من بعض لتتجمع في نقطة واحدة، وكانت عيونهم هذه المرة على باريس. لقد سرق (بالمعنى الحرفي للكلمة) شفارتسنبرج طريقه من الفرنسيين بعبوره نهر الراين عند بازل على رأس 160,000 من رجاله وانتهك الحياد السويسري إذ تغاضت الأوليجاركيات السويسرية بسعادة عن تحركاته، وتحرك بسرعة عبر الكانتونات واستولى على جنيف التي لم تُبد دفاعاً، وظهر من الأراضي الفرنسية لمسافة أبعد بمائة ميل مما كان يتوقع الفرنسيون، وأسرع بالاتجاه شمالاً نحو نانسي على أمل الانضمام إلى قوات بلوخر أو التنسيق معه هناك.

وكان نابليون قد أمر الجيوش الفرنسيّة أن يفاجئوا العدو بمعارك غير متوقعة في إيطاليا وجنوب شرق فرنسا، ومن ثمّ يتجهون شمالاً لاعتراض سبيل شفارتسنبرج أو على الأقل إبطاء مسيرته، لكن النمساويين عطّلوا حركة يوجين.

وفي هذه الأثناء عبر بلوخر بجيشه جيش سيليزيا المكون من 60,000 مقاتل لازالوا أقوياء - نهر الراين عند ماينز ومانهايم وكوبلنز (كوبلنتس) وراح يتقدم بلا مقاومة تقريباً إلى نانسي حيث استقبله حكامها وجمهورها مع جنوده البروس كمخلِّصين من طغيان نابليون. أما برنادوت فإنه بعد أن فقد أمله في أن يخلف نابليون كحاكم لفرنسا، وجدناه يتخلّى عن الحلفاء بعد لايبزگ ليضرب الدنمركيين ليتخلّوا عن النرويج للسويد (14 يناير 1814) وبعد أن أتمّ هذه المهمة انضم بجيشه إلى بلوخر في الزحف تجاه باريس.

ولم تجسر القوات الفرنسية التي تركها نابليون في شرق فرنسا على مواجهة قوات بلوخر أو قوات شفارتسنبرج لقد تراجع ني غرباً من نانسي، وتراجع مورتييه من لانجر وتراجع مارمون من ميتز وراحوا ينتظرون قدوم نابليون.

لقد أحضر نابليون معه إلى مقر قيادته الجديد في شالون-سير-مارن (التي لا تبعد عن باريس سوى خمسة وتسعين ميلاً) نحو 60,000 مجنّد ليُضافوا إلى 60,000 ممن بقوا أحياء بعد ليبزج (ليبسج) بقيادة ني ومارمون ومورتييه وبذلك أصبح تحت قيادته 120,000 كان عليه أن يوقف بهم جنود بلوخر وشفارتسنبرج البالغ عددهم 220,000.

لقد كان نابليون ملتزماً بسياسة عدم السماح لقوات الحلفاء بالاندماج معاً ومنعهم من أن يكو ّنوا قوة واحدة، مع تجنّب مواجهة قوات شفارتسنبرج، وإيقاف أو تأخير تقدمها نحو باريس بإحراز انتصارات سهلة على كتائب الحلفاء البعيدة عن مركز القيادة الرئيسي، وبذلك لا تواجه القوات الفرنسية قوات الحلفاء الرئيسية.

لقد كانت معركة 1814 إحدى أكثر معارك نابليون براعة من الناحية الإستراتيجية، لكنها أيضاً كانت واحدة من أكثرها خسائر وأخطاء بسبب ندرة التعزيزات العسكرية. وقد وقع بلوخر بدوره في كثير من الأخطاء، لكنه كاد لا يكون عُرضة للهزيمة أو قلة الموارد بسبب كل هؤلاء الجنرالات المعارضين لنابليون الآن أو بعد ذلك. وكان شفارتسنبرج أكثر حذراً، وكان هذا في جانب منه لطبيعته الخاصة، كما كان في جانب آخر منه لأنه كان يصحب القيصر إسكندر والامبراطور فرانسيس الثاني.

وأدّت بعض الانتصارات المبدئية التي أحرزها نابليون إلى إفراطه في الثقة (ثقة لم تكن في محلّها). لقد أسر رجال بلوخر وهم يتناولون طعامهم أو ينعمون بقسط من الراحة في برين (29 يناير 1814) وكادت قواته تأسر بلوخر نفسه. وتراجعت قوات بلوخر، لكن نابليون كان حكيماً فلم يتعقّبه لأن جيشه (أي جيش نابليون) كان قد خسر 4,000 مقاتل، كما لم يكن أمامه (أي نابليون) إلاّ مجال ضيق للهرب: لقد كان البروس يقتربون منه وسيوفهم مُصْلته، عندما أقدم الجنرال جورجو على إطلاق النار على تابعه الذي تجاوز حده فأرداه قتيلاً. وحزن نابليون بسبب الدمار الذي أحدثته المعركة في المدينة وفي مدرستها الشهيرة التي تلقى فيها تعليمه وتدريبه العسكري، ووعد بإعادتهما (المدينة والمدرسة) إلى ما كانتا عليه بعد طرد الغزاة من فرنسا.

واندفع شفارتسنبرج فلم يكن لديه وقت للتفكير، لدعم بلوخر، فوجد جنود نابليون المنتصرين وهم يكادون يكونون محاصرين بمائة ألف جندي نمساوي وبروسي وروسي في لاروثيير (أول فبراير) فلم يكن لدى نابليون سوى خيار واحد هو أن يحارب، فقاد المعركة بنفسه. وكانت المعركة تكاد تكون متعادلة (لم يحقق أي من الطرفين انتصاراً حاسماً)، لكن تعادل الفريقين المتقاتلين في الخسائر كان كارثة بالنسبة إلى الفرنسيين الذين قادهم الإمبراطور منسحباً إلى تروي Troyes، وقرر بلوخر ألا يتبع شفارتسنبرج في حذره، فانفصل عنه بقواته وقرر مواصلة طريقه إلى باريس عبر المارن بينما يتابع النمساويون طريقهم على طول السين. وكانت قوات الحلفاء واثقة من النصر حتى إنها أجرت الترتيبات لتتلاقى عند القصر الملكي في الأسبوع المقبل.

وبعد أن أتاح نابليون لجيشه الجريح أسبوع راحة أسند جانباً منه إلى قائده فكتور وأودينو لإعاقة تقدم شفارتسنبرج، وتقدم هو نفسه (نابليون) على رأس 60,000 مقاتل عبر مستنقعات سان جون كطريق مختصر إلى شامپوبير . وهناك لحقوا بمؤخرة قوات بلوخر، وقاد مارمون القوات الفرنسية في نصر حاسم (10 فبراير)، واندفعت القوات الفرنسية فالتقت بعد ذلك بيوم بقسم من جيش بلوخر عند مونتميريال، وكان كل من نابليون وبلوخر حاضرين في المعركة، لكن مارمون أثبت مرة أخرى أنه بطل المواجهة، ففي 14 فبراير التحمت القوتان في معركة أكبر في فوشامب ، وقاد نابليون جيشه الذي أصبح الآن أكثر ثقة - إلى النصر. لقد فقد بلوخر في غضون أربعة أيام 30,000 من رجاله. وأرسل نابليون 8,000 أسير ليتم عرضهم في باريس لرفع الروح المعنوية للمواطنين الفرنسيين.

وعلى أية حال فإن شفارتسنبرج كان في هذه الأثناء يلاحق قوات أودينو وفيكتور حتى كاد يصل إلى فونتينبلو. لقد أصبح في إمكان الجيش النمساوي البروسي القيام بهجوم شامل كي يصل مع الإمبراطوريْن إلى باريس في غضون أربعة أيام. وصُدِم نابليون بهذا التعزيز الذي محق كل انتصاراته فترك مارمون لمواجهة بلوخر الذي اعترت قواته الإرهاق (على الأقل)، واندفع جنوباً على رأس 70,000 من قواته والتقى بأحد جيوش الحلفاء في مونترو بقيادة ڤيتگنشتاين وهزمه (18 فبراير) وتمركز في نانجي وأرسل كلاً من فيكتور وأودينو لمهاجمة قوات شفارتسنبرج من الجناحين والمؤخرة. ووجد شفارتسنبرج أن قواته في وضع خطر من ثلاث جهات ففكر هذا القائد النمساوي أن الوقت قد أصبح مناسباً لعرض الهدنة على نابليون، الذي أجاب أنه يستطيع الموافقة على وقف إطلاق النيران في حالة واحدة وهي أن يضمن الحلفاء ما عرضوه في فرانكفورت والقاضي بضمان حقوق فرنسا في حدودها الطبيعية.

وتشاور الحلفاء في هذا العرض الذي يعني انسحابهم إلى ما وراء الراين وأنهوا المفاوضات، ولم يضعوا في اعتبارهم عرض نابليون، وأكدّوا تحالفهم لمدة عشرين عاماً أخرى في شومون في 9 مارس، وتراجع شفارتسنبرج إلى تروي وكان لايزال معه 100,000 مقاتل.

وراح نابليون يلاحقه بحذر على رأس 40,000 مقاتل. وفي هذه الأثناء علم أنّ بلوخر أعاد تكوين قواته وتشكيلها وأنه راح - مرة أخرى - يشق طريقه إلى باريس على رأس 50,000 مقاتل، فترك (أي نابليون) كلاً من أودينو ومكدونالد وإتين - موريس - جيرار - لمناوشة قوات شفارتسنبرج وعاد برجاله من السين إلى المارن، ودمج بين قوات مارمون ومورتييه على أمل الإيقاع بقوات بلوشر (بوخلر) عند نهر آسن حيث لا يمكن للقوات البروسية أن تهرب إلا من فوق جسر سواسون، لكن جيشين آخرين من جيوش الحلفاء(50,000 مقاتل) تحركا من الشمال وانقضا على جسر سواسون، وأرهبا القائد الفرنسي على تسليم الجسر والمدينة، فعبرت قوات بلوخر الجسر وأحرقته (بعد العبور) وانضمت إلى القوات المنقذة (بكسر القاف) فأصبح إجمالي عدد القوات 100,000، وتعقبهم نابليون على رأس 50,000 وقاتلهم بشكل غير حاسم في كرون ولاقى الهزيمة في معركة شرسة استمرت يومين في لون Loan (في 9-10 مارس).

وترك نابليون كلاً من مارمون، ومورتييه لمواجهة بلوشر (بلوخر) وراح مرة أخرى ينتقل من مواجهة عدو إلى مواجهة عدو آخر، وفي أرسى - سير - أوبى (في 20 مارس) بدأ حرباً عنيفة مجنونة بمن بقي معه (20,000) مع جيش شفارتسنبرج (90,000 من الجنود الأقوياء) وبعد يومين من المذابح والحرب البطولية اعترف بالهزيمة وعبر الأوبي لإتاحة مكان ملائم لجيشه المستنزف كي يستريح.

لقد أصبح نابليون مرة أخرى على وشك الانتهاء. لقد أصبح حاد المزاج لتوتر أعصابه واعتلال جسده وراح يوبخ ضباطه بشكل غاضب مع أنهم خاطروا بحياتهم من أجله في حرب إثر حرب. لقد حذّروه ذاكرين أنه لن يتلقى تعزيزات عسكرية أخرى من أمة تعبت من العظمة وتلبّستها اللامبالاة. وراحت الحكومة التي تركها وراءه في باريس - حتى أخوه جوزيف - ترسل له مناشدات لإبرام السلام بأي ثمن.

وفي حالة اليأس هذه قرر نابليون أن يخاطر بكل شيء بالقيام بهجوم آخر يتسم باستراتيجية خيالية. سيترك أفضل جنرالاته لإيقاف تقدم قوات الحلفاء على قدر ما يستطيعون، ويتجه هو (أي نابليون) بقوات غير كثيرة العدد إلى ناحية الشرق ويحرر الجنود الفرنسيين المحتجزين في الحصون الألمانية على طول نهر الراين، وبهؤلاء الجنود المتمرسين على القتال بالإضافة لكتيبة (كتيبة نابليون) المزوّدة بالمدافع يقطع خطوط مواصلات العدو ويمنع عنه المؤن، ويهاجم مؤخرة حراساتهم ويجبرهم على عدم متابعة تقدمهم، فيمكن بذلك أن تستعيد باريس روحها المعنوية العالية بفضل شجاعته فتبني دفاعاتها، وتتحدّى غزاتها. وفي لحظة أكثر تعقلاً أرسل نابليون تعليمات إلى جوزيف مُفادها أنه إذا كان التسليم وشيكاً فإن على الحكومة أن تصحب ماري لويز ، وملك روما (ابنه إلى مكان آمن وراء نهر اللوار حيث يمكن تجميع كل القوات الفرنسية المتاحة لخوض معركة أخيرة.

وبينما كان نابليون يقود قواته المندهشة شرقاً، راح الحلفاء يوماً بعد يوم يحطمون مقاومة بقايا الجيش الفرنسي، ويتحركون ليقتربوا أكثر فأكثر من نهاية رحلتهم الطويلة. وبقي فرانسيس الثاني عند ديجون Dijon غير راغب بالمشاركة في إذلال ابنته، وكان فريدريك وليم الثالث معتدلاً كالعادة، إذ شعر أنه ثأر لتحطيم جيشه وتمزيق بلاده وإبعاده منفياً عن عاصمته، أما إسكندر فقد كان فخوراً متوتراً فلم يعد يجد سعادته في المذابح اليومية، ونظر إلى نفسه باعتباره قد أنجز ما وعد به في ڤيلنا من تطهير روسيا ممّن دنّس موسكو وحرر أوروبا من جنون القوة ممثلة في هذا الكورسيكي (نابليون).

وفي 25 مارس قام مارمون ومورتييه بمحاولة يائسة لوقف تقدم الحلفاء عند لافير - شامبنواز على بعد مائة ميل من باريس، فحارب الفرنسيون بشجاعة منقطعة النظير مع أن قواتهم كانت نصف قوات العدو، حتى أن إسكندر نفسه تقدم إلى ساحة المعركة وأمر بإيقاف هذه المذبحة غير المتكافئة وصاح قائلاً: أريد إنقاذ هؤلاء الشجعان "Je veux Sauver ces braves وبعد انتهاء المعركة أعاد المنتصرون إلى الجنرالات المهزومين خيولهم وسيوفهم(29). وانسحب مارمون ومورتييه إلى باريس استعداداً للدفاع عن العاصمة.

ووصل بلوخر وشفارتسنبرج إلى ضواحي باريس في 29 مارس، وأصيب المواطنون الباريسيون بالذعر بسبب أصوات قذائف المدافع، وفرار الفلاحين إلى المدينة، وأصاب الذعر أيضاً 12,000 من أفراد الميليشيا الذين كان معظمهم غير مسلحين سوى بالرماح، وهم مدعوون الآن لمساعدة الجيش الفرنسي المقيم في باريس بشغل حصون العاصمة والتمركز فوق تلالها. وكان جوزيف يتوسل إلى الإمبراطورة الوصية على العرش منذ مدة لمغادرة العاصمة على وفق ماكان نابليون قد وجّه به، وقد امتثلت الإمبراطورة الآن للطلب لكن ليجلون قاوم إلا أن جلبة المعركة التي أصبحت وشيكة، جعلته يذعن.

وفي 30 مارس بدأ الغزاة البالغ عدد جنودهم 70,000 هجومهم الأخير، فراح مارمون ومورتييه على رأس 25,000 مقاتل يبذلان كل ما في وسعهما من جهد للدفاع عن المدينة التي لم يفكر الإمبراطور الفخور (نابليون) أبداً في تحصينها، وانضم إلى القوات المدافعة عدد من المحاربين القدماء وضحايا الحرب وطلبة مدرسة البوليتقنيَّة والعمال وغيرهم من المتطوعين. وراح جوزيف يراقب المقاومة إلى أن أدرك أنه لا جدوى منها وأنها قد تدفع الغزاة إلى دك المدينة (باريس) بالمدافع، وهي مدينة عزيزة على أثريائها وفقرائها على سواء. ورغم أن إسكندر قد يتصرف تصرف المعزّى المواسي المحسن، إلا أن الجنود القوزاق قد يستعصون على السيطرة، ولم يكن بلوخر بالرجل الذي يمنع كتائبه البروسية من الأخذ بثأرها كاملاً. لكل هذا فقد حوّل جوزيف سلطاته إلى المارشالات وغادر المدينة ليلحق بماري لويز والحكومة الفرنسية في بلوا على نهر اللوار. وبعد يوم من المقاومة الدموية وجد مارمون ألا جدوى من استمرارها فوقَّع وثيقة استسلام المدينة في الساعة الثانية من صباح 31 مارس سنة 1814.

 
الجيش الروسي يدخل پاريس 1814.

وفي وقت لاحق من هذا الصباح دخل إسكندر وفريدريك وليم الثالث وشفارتسنبرج على رأس 50,000 جندي رسمياً إلى باريس، فحيّاهم الناس بحقد صامت لكن القيصر هدّأ من روعهم بتكرار التحية وإظهار شيء من المودّة(03). وعندما انتهت المراسم بحث عن تاليران في شارع سان فلورنتين. وطلب منه النصيحة لإحداث تغيير منظم في الحكومة الفرنسية. واتفقا على ضرورة انعقاد جلسات السينات مرة أخرى، وأن يضع دستوراً وأن يعيّن حكومة مؤقّتة. واجتمع السينات في أول أبريل ووضع دستوراً يضمن الحريات الأساسية وعيّن حكومة مؤقتة اختار تاليران رئيساً لها، وفي 2 أبريل أعلن السينات عزل نابليون.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طريق السّلام

لقد كان نابليون في سان ديزييه على بعد 150 ميلاً من باريس عندما وصلته الأخبار (27 مارس) بأن الحلفاء يحاصرون باريس، فانطلق بجيشه في الصباح التالي، وبعد ظهر اليوم نفسه تلقى رسالة عاجلة أكثر أهمية: حضور الإمبراطور أمر ضروري إن كان راغباً في ألا تستسلم عاصمته للعدو. لا يجب تضييع لحظة واحدة. وترك نابليون جيشه عند تروي وامتطى حصانه طوال معظم الأميال المتبقية رغم آلامه، واقترب من باريس (13 مارس) وأرسل كولينكور إلى باريس على أمل أن يحثّ هذا الروسي إسكندر على عقد تسوية.. وواصل الإمبراطور (نابليون) طريقه راكباً حصانه إلى فونتينبلو مخافة أن يُقبض عليه إِنْ - هو - دخل المدينة (باريس)، وفي مساء اليوم نفسه تلقى رسالة من كولينكور: لقد خاب مسعاي(. وفي 2 أبريل علم أنه نُحِّي عن العرش، ففكّر للحظة كم هو شيء يدعو إلى السرور أن يترك العرش. لقد قال: إنني لستُ معلّقاً بالعرش. لقد وُلدت جندياً. إنه يمكنني أن أكون مواطناً دون تذمّر. لكن وصول جيشه الذي كان عدده 50.000 مقاتل لمس الوتر المناسب في طبيعته، فأمر أن ينصب هذا الجيش خيامه على طول إيسون (أحد روافد السين) استعداداً لأوامر أخرى، وقاد مارمون إلى هذا المعسكر ما تبقى من الجنود الذين كانوا يدافعون عن باريس.

وفي 3 أبريل استعرض نابليون الحرس الإمبراطوري في ساحة ميدان فونتينبلو، وقال لهم: لقد عرضت على الإمبراطور إسكندر سلاماً لا يتحقق إلا بتضحيات جسام.. لكنه رفض.. إنني في غضون أيام قليلة سأذهب لأهاجمه في باريس. هل أعوّل عليكم؟ وفي البداية لم يجيبوه لكن عندما سألهم: أأنا على صواب؟ أجابوا: عاش الإمبراطور! هيا إلى باريس. وراح رماة القنابل ينشدون نشيدي الثورة في أيامها الأولى: نشيد الانطلاق، ونشيد المارسيليز.

وكان الجنرالات متشكّكين. لقد وجدهم في اجتماع خاص معارضين لعودة البوربون، لكنهم أيضاً كانوا غير متحمسين لبذل محاولة لإخراج الحلفاء من باريس. وفي 4 أبريل دخل المارشالات (ني وأودينو ومونسي وليفيبفر) غرفة نابليون دون دعوة منه وقالوا له إنه ما دام السينات (مجلس الشيوخ) قد عزله فإنهم لا يستطيعون أن يتبعوه في هجوم على القوات المتحالفة والحكومة المؤقتة، فقال لهم إنه سيقود الجيش بدونهم، فردّ عليه نَيْ بحسم: إن الجيش سيطيع قادته فسألهم نابليون ماذا يريدون منه، فأجاب نَيْ وأودينو: التنازل فكتب نابليون تنازلاً مشروطاً يترك بمقتضاه العرش لأبنه تحت وصاية ماري لويز. وأرسل كولينكور، ومكدونالد ونَيْ إلى باريس لتقديم هذا العرض. وفي الطريق توقفوا عند معسكر إيسون لاستشارة مارمون فراعهم أن وجدوه قد شرع في التفاوض مع شفارتسنبرج حول شروط تسليم المدينة.

وفي تلك الليلة (4-5 أبريل) قاد مارمون رجاله البالغ عددهم 11.000 عبر تخوم المدينة بعد أن قبل تماماً شروط شفارتسنبرج المتساهلة. وفي 5 أبريل أحاط قادة الحلفاء كولينكور علماً بأنهم لن يتعاملوا منذ الآن مع نابليون إلا إذا تنازل عن العرش دون قيد أو شرط وفي هذه الأثناء أرسلوا جنوداً لتطويق فونتينبلو لمنعه من الهرب.

وخفّف إسكندر من وطأة هذه الإجراءات القاسية بأن حمى باريس من السلب والنهب، كما قام بزيارات وديّة لكل من ماري لويز، وجوزفين، وهورتنس. لقد كان الروسي هو الأكثر تحضّراً من بين الفاتحين. لقد حثَّ زملاءه على أن يوقِّعوا معه معاهدة فونتينبلو التي تقدم لنابليون جزيرة في البحر المتوسط كسجن فسيح ينعم فيه بسماء إيطالي مشمس ودخل يأتيه من فرنسا. وفيما يلي النص الأساسي لهذه الاتفاقية:

 
قانون الاستسلام الأول، 12 أبريل 1814.

صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون من ناحية وأصحاب الجلالة إمبراطور النمسا.. وإمبراطور كل روسيا، وملك بروسيا يتعهدون بالأصالة عن أنفسهم وكل حلفائهم..

مادة (1): يتخلَّى صاحب الجلالة الامبراطور نابليون بالأصالة عن نفسه وأخلافه وذريته وكل أفراد أسرته عن كل حقوق السيادة في الإمبراطورية الفرنسية.. وفي كل المناطق الأخرى.

مادة (2): يحتفظ صاحبا الجلالة: الإمبراطور نابليون والإمبراطورة ماري لويز بألقابهما ورتبهما طوال فترة حياتيهما. ويحتفظ أيضاً كل من: أم الأمبراطور وإخوته وأخواته وأبناء إخوته وأبناء أخواته وبنات إخوته وبنات أخواته - أينما حلّوا بألقابهم الملكية.

مادة (3): جزيرة إلبا التي اختارها صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون كمقر ستبقى خلال حياته ولاية منفصلة يتملكها ويكون له فيها حق السيادة الكاملة، وهي ملك له.

وعلاوة على ذلك سيقدّم للإمبراطور نابليون عائد سنوي مقداره 2.000.000 فرنك كمِلْك خالص له من الخزانة الفرنسية يحوّل منها 1.000.000 للامبراطورة. (المفهوم أن الحلفاء سيدفعون هذا المبلغ مع إضافته إلى ديون فرنسا).

 
نفي ناپليون إلى إلبا، من نقش بريطاني، 1814.

ووقع نابليون هذا الاتفاق في 13 أبريل كما وقع تنازله الأول عن العرش ومن ثمّ وقّعه الحلفاء. لقد كان نابليون يتطلع إلى كورسيكا لتكون منفى له لكنه علم أنه لن يُسمح له بذلك لأن كورسيكا حاضنة للثورة (مهيّأة لها)، فكانت إلبا Elba هي اختياره الثاني. ولم يُسمح لماري لويز باصطحابه إلى إلبا، وكانت قد حاولت اللحاق به في فونتينبلو، لكن الحلفاء حالوا بينها وبين رغبتها كما أن نابليون - بدوره - لم يشجّعها على القدوم إليه. وفي 27 أبريل غادرت مع ابنها رامبول قاصدة فينا، وكان هذا على غير رغبتها.

وربما يكون نابليون قد أَثْناها عن القدومِ إليه لاعتزامه الانتحار. لقد لاحظنا فيما سبق أن الدكتور يفا قد أعطاه قنينة سُم عند عودته من روسيا، وفي ليلة 21-31 أبريل ابتلع محتويات القنينة، ويبدو أن السّم كان قد فقد مفعوله فعانى نابليون لكنه شفي واعتراه الخجل كثيراً لهذا، فراح يبرر استمرار وجوده على قيد الحياة بأن اقترح على نفسه كتابه سيرته الذاتية التي تقدم القصة من وجهة نظره والتي تحتفي بأعمال الشجعان الذين قاتلوا معه.

وفي 16 أبريل كتب وداعاً لجوزفين: لا تنسِ هذا الذي لم ينسَكِ ولن ينساكِ أبداً وماتت جوزفين بعد ذلك بشهر (29 مايو)، وفي 19 أبريل ودّع خادمه الخصوصي كونستانت (قسطنطين) وحارسه الشخصي روستا (النص مملوكة Mameluke) وفي 20 مايو ودّع جنود حرسه القديم الذين كانوا قد بقوا معه إلى النهاية:

أيها الجنود وداعاً، فطوال عشرين عاماً كنا فيها معاً كان تصرفكم مثالياً محققاً لكل رغباتي. لقد كنت أجدكم دوماً على طريق العظمة.. فبكم وبالرجال الشجعان الذين لا زالوا مخلصين كان يمكنني أن أقود حرباً أهلية لكن فرنسا ساعتها لن تكون سعيدة. إذن كونوا مخلصين لملككم الجديد، وكونوا مُطيعين لقادتكم الجُدد ولا تتخلوا عن وطنكم المحبوب.

لا تندبوا حظِّي، فسأكون سعيداً إذا علمت أنكم سعداء. ربما مِتُّ.. لكنني إن كنت قد رضيت بالحياة فليس إلاّ لاستجلاء مزيد من عظمتكم. سأكتب عن الأمور العظيمة التي حققناها.

لا أستطيع أن أعانقكم واحداً واحداً، لكنني سأعانق جنرالكم تعالَ يا جنرالي لأضمك إلى قلبي. أحضر لي العُقاب (النسر) لأعانقه أيضاً (النسر هو شعار الحرس). آه يا عقابي (نسري) العزيز، ربما تجد هذه القُبلة التي أقدمها لك - صداها لدى الأجيال القادمة. وداعاً يا أولادي، سيتمنى لكم قلبي دوماً أحسن الأماني. لا تنسوني!(83).

واختار أربعمائة من الحرس ليصحبوه إلى جزيرة إلبا. ودخل العربة مع الجنرال برتران الذي سيظل معه إلى النهاية وصحبه أربعة من ضباط الحلفاء للتأكد من غرضه - روسي وبروسي ونمساوي وإنجليزي، كما صحبته حامية فرنسية صغيرة لحمايته. لقد كان في حاجة إلى حماية في أثناء مروره في بروفنس حيث كان السكان كاثوليكا متعصبين كما كانوا موالين للملكية على نحوٍ ما فراحوا يوجهون له الإهانة في أثناء مروره. وفي أورجون بالقرب من آرل رأي تمثاله مشنوقاً، وهدّدته الجماهير، وأمرته أن يقول عاش الملك فامتثل للأمر تماماً كما سبق للثوار أن أجبروا لويس السادس عشر على الهتاف للثورة. وبعد ذلك تنكَّر بارتدائه حلّه رسمية وعباءة قدمهما له الضباط النمساويون والروس. وارتفعت روحه المعنوية في 26 أبريل عندما وجد أخته پولين في انتظاره في لي لوس Le. لقد تركت الريڤيرا الفرنسية وتخلت عن دعوة إلى روما، ومكثت في بيت ريفي صغير وكتبت إلى فيليس باكيوشي إن الإمبراطور سرعان ما سيمر من هنا وأنا راغبة في رؤيته لأعبر له عن عواطفي، فأنا لم أكن أحبه كامبراطور وإنما لأنه أخي ورفضت أن تعانقه وهو متنكر، فأزاح عن نفسه ملابس التنكر وراح ينعم بإخلاصها ووفائها طوال أربع ساعات.

وفي 27 من الشهر نفسه واصل الطريق إلى فريجو وهناك (في 28 أبريل) حيّته السفينة البريطانية (أندونتد - ومعناها الشجاع أو الجسور) بإطلاق إحدى وعشرين طلقة من مدافعها، وأبحر قاصداً إلبا، وحاول طوال الأشهر التسعة التالية أن يتعامل مع هذا السلام الذي اتسمت شروطه بالسذاجة.

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ Duchy of Warsaw as a state was in effect fully occupied by Russian and Prussian forces by May 1813, though most Poles remained loyal to Napoleon
  2. ^ Commanded Bavarian forces nominally allied to the French Empire until Bavaria defected to Allied cause on 8 October 1813
  3. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

للاستزادة

  • Cate, Curtis. The War of the Two Emperors: The Duel Between Napoleon and Alexander: Russia, 1812 (Random house, 1985)
  • Delderfield, Ronald Frederick. Imperial sunset: The fall of Napoleon, 1813-14 (Stein and Day, 1984)
  • Leggiere, Michael V. The Fall of Napoleon: Volume 1, The Allied Invasion of France, 1813-1814. Vol. 1 (Cambridge University Press, 2007)
  • Lüke, Martina (2009). "Anti-Napoleonic Wars of Liberation (1813–1815)". In Ness, Immanuel (ed.). The International Encyclopedia of Revolution and Protest: 1500–present. Malden, MA: Wiley-Blackwell. pp. 188–190. ISBN 9781405184649.
  • Muir, Rory. Britain and the Defeat of Napoleon, 1807–1815 (Yale U.P. 1996)
  • Riehn, Richard K. 1812: Napoleon's Russian campaign (1990)
  • Rothenberg, Gunther Erich (1999). The Napoleonic Wars. London: Cassell. ISBN 0304359831.
  • Riley, Jonathon P. Napoleon and the world war of 1813: lessons in coalition warfighting (Psychology Press, 2000)
  • Spring, Lawrence. 1812: Russia's Patriotic War (2009)

وصلات خارجية