رودولفو گراتسياني

(تم التحويل من غراتسياني)

رودولفو گراتزياني ، ماركيزى دي نيگيلي (و. 11 أغسطس 1882 - ت. 11 ديسمبر 1955)، كان المسؤول العسكري الإيطالي الذي قاد القوات الإيطالية في أفريقيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية وأحد مجرمي الحرب المسؤولين عن مصرع آلاف من الإثيوپيين والليبيينٍ المدنيين.

رودولفو گراتسياني
Rodolfo Graziani
Rodolfo Graziani.jpg
ولد11 أغسطس 1882
فيلتينو، إيطاليا
توفي11 يناير 1955
روما، إيطاليا (72 عام)
الولاءFlag of Italy (1861-1946) crowned.svg مملكة إيطاليا (1915 - 1943)
Flag of RSI.svg الجمهورية الإشتراكية الإيطالية (1943 - 1945)
سنين الخدمة1915 - 1945
الرتبةجنرال
نائب حاكم برقة الإيطالية
حاكم برقة الإيطالية
حاكم أرض الصومال الإيطالي
مارشال إيطاليا
حاكم شرق أفريقيا الإيطالي
نائب الملك لشرق أفريقيا الإيطالي
حاكم ليبيا الإيطالية
وزير الدفاع (RSI)
الوحدةالجيش العاشر الإيطالي

لعب گراتسياني دوراً هاماً في توطيد وتوسيع امبراطورية إيطاليا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أولاً في ليبيا ثم في إثيوپيا. اشتهر بالإجراءات القمعية القاسية، مثل استخدام معسكرات الاعتقال، التي تسببت في مقتل العديد من المدنيين، والإجراءات المتطرفة المُتخذة ضد مقاومة الأهالي مثل شنق عمر المختار. وبسبب أساليبة الوحشية المستخدمة في ليبيا، أُطلِق عليه لقب Il macellaio del Fezzan ("جزار فزان").[1] وفي فبراير 1937، بعد محاولة لاغتياله أثناء حفل في أديس أبابا، أمر گراتسياني بفترة وحشية من القصاص الوحشي، تـُعرَف الآن بإسم يكاتيت 12. بعد وقت قصير من دخول إيطاليا الحرب العالمية الثانية، عاد إلى ليبيا كقائد للقوات في شمال أفريقيا الإيطالي إلا أنه استقال بعد هزيمة وطرد قواته على يد الهجوم البريطاني في 1940–41.

بعد انقلاب 25 لوليو في عام 1943، أضحى مارشال إيطاليا الوحيد الذي بقي موالياً لموسوليني، وعـُيـِّن وزيراً للدفاع في الجمهورية الاشتراكية الإيطالية، ليقود جيشها ويعود إلى الخدمة الفعلية ضد الحلفاء لبقية الحرب.

لم يُقاضى گراتسياني، من قِبل مفوضية جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة؛ ثم أُدرِج على قائمة الإيطاليين المستحقين للمحاكمة بتهمة جرائم حرب، لكن معارضة الحلفاء وعدم اكتراثهم بمحاكمة مجركي الحرب الإيطاليين أحبطت محاولات الإثيوپيين تقديمه إلى العدالة. وفي 1948، حكمت عليه محكمة إيطالية بالسجن 19 سنة بتهمة التعاون مع النازيين، لكن أُطلِق سراحه بعد أن قضى أربعة أشهر فقط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

وُلد گراتسياني في 11 أغسطس 1882، في فيلتينو بمقاطعة فروزينونى، إيطاليا.[2]


حياته العسكرية

في 1903، تطوع بالجيش كطالب جامعي في احتياط الجيش الملكي الايطالي. في العشرينات، تولى گراتسياني قيادة القوات الايطالية في ليبيا وعهدت اليه تبعة اخضاع المجاهدين الليبين الذين كان يقودهم عمر المختار. خلال ما يسمى بالتهدئة، تم انشاء العديد من معسكرات العمل والمعتقلات الجماعية التى مات فيها عشرات الالاف من السجناء الليبيين من الجوع أو المرض إذا لم يقتلوا شنقا أو اعداما بالرصاص.

في أثناء الحرب الإيطالية الإثيوپية الثانية (1935-36) تولى گراتسياني قيادة الجيوش الإيطالية التي اجتاحت إثيوپيا. في 10 فبراير 1937 نجا گراتسياني من محاولة اغتيال ليصبح معروفا باسم "جزار إثيوپيا" عقب موجة القمع الدموي التي تلت ذلك.

دوره في ليبيا

بدأ گراتسياني حياته ضابطا صغيرا، واختير ليكون أحد الضباط المحاربين في ليبيا وكان برتبة عقيد، واستطاع بعد قيامه بالعديد من الحملات العسكرية على المدنيين وجماعات المقاومة الليبية تزداد شهرته بين أبناء شعبه وتترقى رتبه العسكرية، فغدا نجما ساطعا في سماء إيطاليا، والبطل الذي لا يعرف الهزيمة، وكان گراتسياني يفتخر ويتباهى بأعماله الوحشية، مؤكدا بأن "أستاذه ومثله الأعلى كان السياسي الإيطالي المراوغ ماكياڤلي[بحاجة لمصدر] حيث يقول عنه بالخصوص "كلما نسبت أعمالي للوحشية فإني أردد ما جاهر به ميكافيللي العظيم"، قائلا: "كي يحتفظ الأمير بهيبته عليه ألا يعبأ بعار القسوة"،[بحاجة لمصدر] ويعترف أيضا بأن ضميره لم يؤنبه للحظة واحدة عن أعماله الدموية بأفراد الشعب الليبي فيقول: لم يحدث أن نمت لليلة هانئة، مثل الليلة التي أكون قد راجعت فيها ضميري، فيما يقولونه عن قسوتي ووحشيتي.

خطط گراتسياني وبادوليو، حاكم ليبيا العام في ذلك الوقت، ورئيس گراتسياني المباشر، بدعم من موسوليني لإبادة الشعب الليبي قتلا وتهجيرا، فأقاما المحكمة الطائرة التي كانت هيئتها تنتقل من مكان إلى آخر بطائرة خاصة لتحكم بشنق الليبيين على الفور رجالاً ونساء في محاكمات صورية، كما كانا وراء إقامة المعتقلات الجماعية للآلاف من الليبيين، بخاصة سكان الجبل الأخضر، وقد سجنوا فيها أكثر من مئة ألف مواطن جلهم من النساء والشيوخ والأطفال.

كما أن أكثر هؤلاء المعتقلين ماتوا في معتقلاتهم جوعا ومرضا وقهرا، أو برصاص الإيطاليين ومشانقهم، وكان گراتسياني يقول حين يجد من يعارضه على عمليات الاعتقال الوحشية هذه: "لقد قررت وصممت، ولن أتراجع حتى ولو أدى هذا الاجراء إلى فناء أهالي برقة جميعهم"، وقد ذكر أحد المواطنين الليبيين ممن عاصرو گراتسياني:"إن خمسين جثة من الليبيين كانت تخرج كل يوم من معتقل العقيلة الذي كنت معتقلا فيه، وتدفن في حفرة بشكل جماعي، أجل خمسون جثة يوميا كنا نعدها دائما وهؤلاء ماتوا إما شنقا أو رميا بالرصاص أو أهلكهم الجوع أو المرض".

تمت مداهمة نجوع الليبيين من قبل الجنود الإيطاليين، وإجبار سكانها على ترك أراضيهم وممتلكاتهم وسوقهم في قوافل إلى المعتقلات الجماعية المخصصة لهم وكان أشد المعتقلات قسوة هو معتقل العقيلة الشهير الذى اعتقل فيها المجرمين الأكثر خطورة على إيطاليا وأقارب المجاهدين وكانت أهم القبائل التى دخلت المعتقل قبيلة المنفه وهي قبيلة شيخ الشهداء عمر المختار، فعلى سبيل المثال فأن افراد قبيلة العواقير جمعهم الإيطاليون وأجبروهم على السير على الأقدام إلى مسافة تصل إلى 300 كيلومتر في طرق وعرة أو صحراوية وفي مناخ قاس شديد الحرارة، وكان حين يبطئ كبار السن والضعفاء في المسير، يعمد حراسهم الإيطاليون إلى أخذهم جانبا، وإعدامهم رميا بالرصاص، لأن اوامر گراتسياني كانت شديدة، بحيث لا تسمح بأي تأخير للوصول إلى المواقع المقررة لاعتقالهم.

قاد گراتسياني عملية الهجوم على مدينة الكفرة مشرفا على الفظائع التي ارتكبت فيها من قبل جنود الإيطاليين ضد الليبيين المسالمين، وكان گراتسياني يأمر طياريه بإلقاء قنابل الغازات السامة مثل غاز الفسجين الذي هو مركب من الكربون والكلور، وهو من أشد الغازات فتكا، لأنه أثقل من الهواء ثلاث مرات ونصف، وبالتالي يبقى في شكل سحابة غاز ملامسة للأرض، كما أنه أكثر سمية من الكلور 15 مرة، ويوصف بأنه قاتل للانسان الذي يبقى عشر دقائق يتنفس هواء يحتوي على 45 مم من هذا الغاز في المتر المكعب الواحد من الهواء، ويمكن ان يكون مميتا حتى ولو كان تركيزه اضعف من ذلك، ويورد المؤلف واحدة من الاحصائيات عن نشاط الطيران الإيطالي ضد الليبيين في الفترة ما بين يناير 1924 إلى يونيو 1925، وقذف الليبيين بالقنابل والغازات السامة وملاحقتهم بالرشاشات كما يلي: قام الطيران الإيطالي في تلك الفترة بـ 3103 طلعة في مجموع ساعات طيران بلغت 2630 ساعة، قطع خلالها 400 ألف كيلومتر، وقذف فيها 22770 أنبوبا متفجرا، و47649 قنبلة حارقة ومتفجرة من بينها الكثير من الغازات السامة، وقد مات المئات من الليبيين خنقا بهذه الغازات المحرمة عالميا.

وكانت السلطات بأوامر من گراتسياني في عهده تعاقب الليبيين المدنيين الذين يقصرون حتى في تحية ذوي الرتب والمكانة في الإدارة بالجلد، وكذلك يجلد من لا يقف منتصباً منتصباً عند نفخ البوق تحية لعلم إيطاليا عند رفعه وإنزاله، وفي مع لقاء محمد عثمان الصيد رئيس وزراء ليبيا الأسبق قال بأن الوسيلة الوحيدة التي عمل بها عرب فزان للتحايل على هكذا تحية كنا نرفع اليد كما يفعل الفاشيون والنازيون ولكننا نخالفهم بإصرارنا على هويتنا الإسلامية ونقول في صوت خافت: يا رسول الله.

تحدث ديل بوكا عن العمليات الحربية التي تمت في عهد الحكم الفاشستي بزعامة موسوليني ويذكر أسماء مجموعة من القادة الإيطاليين اتسمت أعمالهم بالوحشية المطلقة، يقف على رأس هرمهم الجنرال رودولفو گراتسياني الذي استطاع هذا الدموي الرهيب أن يبني شهرته على أجساد وجماجم الليبيين. وكان إثر كل مجزرة ينفذها برجال ونساء ليبيا تزداد شهرته بين شعبه، وتترقى رتبه العسكرية، فغدا - كما يقول المؤلف - نجماً ساطعاً في سماء إيطاليا، والبطل الذي لا يعرف الهزيمة. وقد خصه شعراء بلاده بقصائد المديح والتقريظ، ما زاده زهواً وغروراً. وكان گراتسياني يفتخر ويتباهى بأعماله الوحشية، مؤكداً بأن أستاذه ومثله الأعلى كان السياسي الإيطالي المراوغ ميكاڤلي صاحب الكتاب الشهير الأمير حيث يقول عنه:

«كلما وصفت أعمالي بالوحشية فإني أردد ما جاهر به ميكاڤلي العظيم قائلاً: "كي يحتفظ الأمير بهيبته عليه ألا يعبأ بعار القسوة"* ويعترف أيضاً بأن ضميره لم يؤنبه للحظة واحدة عن أعماله الدموية بأفراد الشعب الليبي فيقول: "لم يحدث أن نمت لليلة هانئة* مثل الليلة التي أكون قد راجعت فيها ضميري* فيما يقولونه عن قسوتي ووحشيتي".»

وبهذا الميكاڤلية التي مبدئها وأساسها "الغاية تبرر الوسيلة" اصطنع گراتسياني لنفسه ناموساً روحه سياسة المراوغة والخداع ولا اعتبار لنداء الضمير أو الإنسانية ماضياً في طوباويته غارقاً في عالم الأحلام والأوهام ومثله العليا وتحقيق كل ما يراه مباحاً بغية الانتصار وما تشتهيه نفسه الجامحة من نجاحات في الحياة فقد كان ينتقض الواقع بعيشه في عالم الفنتازيا.

ويؤكد ديل بوكا على جرائم الفاشست ويذكر إن شريك گراتسياني في جرائمه ضد الشعب الليبي دعي آخر هو بادوليو الذي كان حاكم ليبيا العام ورئيس گراتسياني المباشر، وقد خطط الاثنان بدعم من موسوليني لإبادة الشعب الليبي قتلاً وتهجيراً، وقد تفنن هذان المجرمان في ابتكار الوسائل لتحقيق ذلك المخطط الرهيب، فأقاما المحكمة الطائرة عام 1930 التي كانت هيئتها تنتقل من مكان إلى آخر بطائرة خاصة لتحكم بشنق الليبيين على الفور، رجالاً ونساءً في محاكمات صورية مضحكة، كما انهما وراء إقامة المعتقلات الجماعية الرهيبة للآلاف من الليبيين، بخاصة سكان برقة وهون، وقد حشروا فيها أكثر من مائة ألف مواطن جلهم من النساء والشيوخ والأطفال.

عمر المختار

حرصت إيطاليا الفاشية على تصفية كل من يعاديها معنوياً وجسدياً كما ما هو معروف، واستخدمت شتى السبل، فقد وصل بها العنت لرصد ما يقرب من ربع مليون فرنك إيطالي لمن يقدم معلومات أو يأتي برأس عمر المختار حياً أو ميتاً، حتى أن گراتسياني قال لو أخلص لنا أقل من ربع المجندين (المطلينين) الليبيين فقط لقضينا على عمر المختار وزمرته المتمردة.

الحديث عن طلب گراتسياني لرأس عمر المختار حياً أو ميتاً، يجرنا إلى سياسة "حز الرؤوس عن أجسادها" الأخلاقيات التي اعتمدتها إيطاليا ضد عدد من المجاهدين. واللافت أن أغلب هذه الجرائم النكراء تمت بإيعاز واستحسان گراتسياني، لتكررها في عهده، وهذه الرؤوس التي حُزت في ولاية گراتسياني هي مقربة جداً من عمر المختار.

هذه بعض القطوف سطرها گراتسياني بقلمه، وعبر بها عن رأيه في تلك القيادات، فهو في الغالب لم يخف ازدرائه، ولم يوفر أقذع النعوت، وأبذئها في وصف رجالات ليبيا تعبيراً عن حنق ومرارة ألقمها أولئك الرجال له، ولآلته العسكرية الوحشية* فكتب عن:

  • عمر المختار
«فليس بالرجل الذكي الخارق للعادة، كما يقال عنه، ولكن بجرأته استطاع دائماً أن يفلت من الحصار ... وعمر المختار رجل بدوي مثل الآخرين ليس مثقفاً* وليس له أي فكرة في أن يتطور .. بل متزمت فوق اللزوم* ثم يعود وينكث ما كتبه بأن (عمر المختار) ليس بالرجل الغبي أو الجاهل كما قال عنه العقيد نانسي، فبفكره الثاقب وعقله الراجح رأى أن استمرار التعاون مع الليبيين يعرضهم إلى الأخطار.»

كان حال گراتسياني في قومه بين مادح وقادح، فكان شديد الكرم مع مادحيه، الذين وصفوه في حربه لليبيين بالرجل القوي والعادل، ويحقد على كل من يعارضه، وبالتالي صنع لنفسه كثيراً من الحساسيات بينه وبين أقرانه من جنرالات إيطاليا، حتى أن بعض الطليان تجاوز للتشكيك في شرفه وعرضه، فاضطر گراتسياني ذات مرة أن ينفي الرذيلة عن نفسه، مفادها أنه قد أُخصي من قبل العرب الليبيين، كما ورد في كتاب پيرو بيسنتي Piero Pisenti.

ومن الضباط الكبار الذين كرهوا گراتسياني كان جوزيپى دايوديتشي Giuseppe Daodiace الذي كان متصرفاً لمنطقة الجبل (درنة وشحات والمرج)، وكان الإيطالي الوحيد في ليبيا الذي أثنى عليه الشهيد الرحالة الدنمركي المسلم اكنود هولمب، وقد عُرف عن دايوديتشي تعاطفه مع اللبييين ولم ينسوا له ذلك، ما استمطر عليه حنق وكره گراتسياني، فطلب گراتسياني إبعاد دايوديتشي الذي احتج على توحش گراتسياني وولوغه في الدم، واستنكار كثير من سلوكياته التي لا تمت لشرف العسكرية كإعدام النساء، فنجح گراتسياني في طرد دايوديتشي من ليبيا عام 1932.

يقول گراتسياني: "عاينت بعضاً من تركة دايوديتشي من وثائق وصور" وأوصلت أهمية ذلك لإدارة مركز الجهاد بطرابلس، وعلق دايو على كتاب گراتسياني مستهجناً، فقد كتب على صدر الكتاب بخط قلمه تحت اسم گراتسياني "السارق القاتل"، وعند مقابلة ابنة دايوديتشي فيكتوريا في لندن قالت: كان والدي يكره گراتسياني لأنه قاتل وسارق مجوهرات آل كعبار، بعدما اعدم الهادي كعبار، وأكد ديل بوكا كما نقل في كتابه "الإيطاليون في ليبيا"، بأن گراتسياني يكره دايوديتشي لأنه يعتبره شديد اللين مع الليبيين.

الهادي كعبار

أما ضحية گراتسياني - الهادي كعبار - فقد عُرف عنه منذ الحكم العثماني بزعامته وثقافته وتعليمه، حيث درس في المدارس التركية، وكان يجيد اللغة التركية كالعربية، وتقلد عدة وظائف حكومية في العهد العثماني هو وآباؤه، وكان من أعيان غريان وسادتها، وفي مقدمة النابهين والمثقفين فيها، على حد وصف الشيخ المؤرخ الطاهر الزاوي. ولكن گراتسياني لم ينس للهادي مواقفه الوطنية، فلم يلبث أن قبض عليه في غريان، وتحفظه عليه برهة من الزمن، ومن ثم نقله إلى الخمس، ثم إلى مصراتة التي حُوكم فيها سنة 1923، وحكم عليه بالإعدام، وقتل شنقاً، وعلق گراتسياني قائلاً: ".. واجه المشنقة بشجاعة .."، وبعد ذلك بساعات شنق ابنه محمد في نفس المكان وبعدها بأيام شنق خال الهادي كعبار عبد الله بلخير في ميدان المتصرفية في تغسات بغريان ولم يكتف بذلك بل اعتقل قُصر آل كعبار من نساء وأطفال ونقلوهم إلى طرابلس.

وقد تمادى گراتسياني في غيه فأمر بهدم بيت آل كعبار في تغرنة، الذي كان يتردد عليه زعماء المنطقة، ولما كان يمثله من مضافة للمجاهدين ومخزناً للمؤن والأسلحة، وقد سبق وأن اعتقل فيه المجاهدون بقيادة الهادي كعبار أسرى الطليان السبعين الذين قبض عليهم في حامية القواسم، ولم يكتف گراتسياني بذلك بل طارد أخوي الشهيد كعبار، مختار وأحمد راسم في مجاهل فزان. وكتبت صحيفة كورييرى دى تريبولى: "إن شخصية الهادي كعـبار كانت دائماً في الصف بين أولئك الذين عمدوا في جميع الحالات وفى كل الظروف إلى إهانة إيطاليا والغدر بها"، ولعل أبلغ وصف ابرز معالم شخصية الشهيد الهادي بك كان لغراتسياني نفسه الذي قال عنه: لا ينقصه الذكاء والكفاية، وكان يعمل دائماً ٌلإلحاق الضرر بنا وضد مصالحنا" ... "ولذلك كان شنقه حجر زاوية في طريق إعادة الاستيلاء على البلاد بنظرات واضحة* وحساب دقيق للعواقب".

التنافس مع بالبو

أما تنافس إيتالو بالبو – محبوب الشعب الإيطالي – وگراتسياني– عدو الشعب الليبي – فكان ماثلاً للعيان، حيث اشترك الرجلان في حلم تأسيس إمبراطورية لأحدهما في غياب الآخر داخل إمبراطورية الدوتشي (موسوليني) الكبرى* ولكن حسابات الدوتشي كانت فوقهما، فأراد موسوليني أن يتخلص من بالبو بإبعاده إلى ليبيا* والتقليل من الأثر الوحشي الذي تركه غراتسياني* بعد "التهدئة" بالنار والحديد* بإخراجه من ليبيا.

فمجرد ما استلم بالبو وظيفة الحاكم العام لليبيا، الوظيفة التي طالما حلم بها گراتسياني ورجاها "جزاءً وفاقاً" لما قام به من تهدئة لليبيا، أعلن بالبو من البدايات كرهه لغراتسياني وامتعاضه من سوء عمله في ليبيا عموماً، وبرقة خصوصاً، فعمد إلى جمع الوثائق والمستمسكات التي تدل على بشاعة أفاعيل گراتسياني، الذي كان غير مرغوب فيه من الليبيين ورأى في وجوده تذكيراً لليبيين بالمجازر التي ارتكبت والتي أراد أن ينسوها* وأن يفتح صفحة جديدة معهم بدونه.

شرع بالبو في حملة تشهير وتشويه ومحو كل إنجازات گراتسياني كإزالة اللوحات الرخامية التي تمجد بطولات گراتسياني في التصدي للمقاومين والتنكيل بالعزل وأمعن بالبو في تهميشه ما سهل مغادرة گراتسياني ليبيا ذليلاً بعدما أراد الذل لأهلها فلملم گراتسياني جراحه ومشاعره المهانة، ونقل شعراً نسبه فيما يبدو زوراً لبدوي يثني عليه* لعله من باب سلوان النفس ومواساتها، وغادر ليبيا ليكون على موعد بصفعة أخرى ولكنها ستكون قاصمة في الحرب العالمية الثانية من برقة التي أراد لها التهدئة.

فكان إعلان الحرب على بريطانيا وفرنسا في 10 يونيو 1940 قراراً موسولينياً بامتياز فاشي ولم يشاركه فيه غراتسياني بل أبدى الأخير توجساً وخوفاً من العواقب الوخيمة كما صدق حدسه فيما بعد. وللعلم الفاشية وصلت إلى حكم إيطاليا عام 1922 أي بعد أكثر من عشر سنوات من احتلال ليبيا وللعلم أيضاً عندما احتلت إيطاليا ليبيا كان من بين المعارضين للاحتلال شاباً راديكالياً يسارياً اسمه بنيتو موسوليني والذي حكم عليه خمس سنوات* فكان أول سجين يعارض الاحتلال وقد قضي منها ستة اشهر بالحبس هذا وقد نُفي الكثير من اليسار الإيطالي من الذين عارضوا الاحتلال إلى الجزر النائية الإيطالية كما فُعل بأهل في ليبيا.

الحاكم العام لليبيا

كان مقتل بالبو في حادث الطائرة الشهير قرب طبرق في 28 يونيو سنة 1940 بنيران إيطالية مدعاة تكهنات واتهامات بأنها كانت مؤامرة ولكنها كانت بكل تأكيد تحقيقاً لحلم گراتسياني فأصبح حاكماً عاماً لليبيا، وقائداً عاماً للقوات الإيطالية في ليبيا، فزحف گراتسياني كقائد للقوات غازياً مصر، وكانت أحدى مكونات الجيش من المجندين الليبيين، بلغت في إحدى التقديرات إلى 40 ألف ليبي، وبلغ تعداد القوات مجتمعة أكثر من مائتي ألف جندي، وسرعان ما احتل سيدي براني في 13 سبتمبر 1940، التي تبعد 100كم داخل الحدود المصرية، بعدما تراجعت القوات البريطانية حتى سيدي برانى، وكان مع گراتسياني خلق كثير في جيشه من بينهم كتائب من طرابلس وبرقة، التي أشاد بروحها القتالية حين أكد أنه بدون الليبيين ما كان أول نصر في سيدي براني ليتحقق، فالليبيون أنقذوا الموقف "وأحرزوا النصر بفضل الاستخدام الواعي الواثق الذي أستطيع وحدي القيام به" .. كما روى غراتسياني.

في الآن نفسه كانت تساور گراتسياني الشكوك في ولاء الليبيين المنخرطين في سلك الجندية الإيطالية حتى أنه كتب ".. إن قلوب رؤساء هؤلاء الجنود وصدورهم المليئة بالأوسمة والنياشين وآثار الجروح والعاهات التي بقيت على أجسادهم تجعلنا نعطف عليهم من صميم قلوبنا ولكنهم برهنوا عكس ذلك* الأمر الذي جعلنا نجزم بأنهم يلعبون على حبلين: معنا وضدنا .."* ولذلك سعى غراتسياني وخطط إلى تخفيض المجندين الليبيين لأنهم يسربون المعلومات الاستخبارية والمؤن والسلاح والأموال إلى أعدائه من المجاهدين وغيرهم كما ثبت مع الإنجليز.

في بداية فبراير من عام 1941 هجم الإنجليز على الطليان بقيادة الجنرال أوكيناور O’Connor فمزقوا الأسلاك الشائكة (الشبردق) التي أقامها گراتسياني في ما عُرف فيما بعد بمعركة مارماريكا وتم القضاء على ربع القوة الإيطالية الموجودة في ليبيا، ووصلت القوات البريطانية إلى بنغازي للمرة الأولى، فأصبح گراتسياني مهزوماً وأصيب بانهيار عصبي وانتهى كقائد عسكري وسرعان ما انهار الرجل وجيشه العاشر وسقطت برقة في ذهول وحيرة كاملتين ليغنم الإنجليز 130 ألف أسير و400 دبابة و120 مدفع في حين أن گراتسياني كان مئات الكيلومترات بعيداً عن مسرح المعارك فكان يختبئ بكهف في منطقة شحات في الجبل الأخضر* ويقود العمليات من هناك* ما وبخه عليه موسوليني وطلب منه استقالته.

والجدير بالذكر أن أول راية إيطالية حريرية يغنمها الجنود الليبيون كانت من نصيب المجاهد التواتي عبد الجليل العرابي المنفي من عمومة عمر المختار وحرسه الخاص ومن الرجال القلائل الذين كانوا حوله يوم أُسر ولكنه نجا بأعجوبة فقد غنموها من الطليان الفارين الذين تركوا شرف إيطاليا خلفهم أمام حفنة من البدو مسلحين بأسلحة خفيفة* وعندما سُئل المجاهد التواتي عبد الجليل قال: قضيتنا عادلة ونؤمن بها وندافع عنها* ونستعد للموت في سبيلها* كل لحظة دون الحرص على الحياة.

يذكر ديل بوكا أن گراتسياني طلب في 8 فبراير 1941 من موسوليني إعفائه من مهامه كلها بعد مسلسل الإهانات قائلاً: " أيها الزعيم أن الأحداث الأخيرة قد ضغطت على أعصابي بعنف* وعلى قواي البدنية إلى الحد الذي لم يعد يسمح لي بالاحتفاظ بالقيادة في كمال من قدرتي". كما يذكر أن أخر أمر أصدره غراتسياني في ليبيا قبل أن يرجع طائراً إلى إيطاليا يوم 11 فبراير 1941 كان وجهه إلى العقيد كاستانيا الذي لا يزال يدافع عن الجغبوب.

كان الإنجليز قد اتفقوا مع المهاجرين الليبيين بقيادة الأمير إدريس السنوسي على تشكيل جيشاً من الليبيين ينضم إلى الجيش الثامن البريطاني في أغسطس 1940م وقد لعبوا دوراً محورياً في هزيمة الطليان ومن ثم بعدهم الألمان حيث سلم كثير من هؤلاء البواسل - عندما كانوا في صفوف الطليان - الذي افتخر بهم غراتسياني وبشدتهم وعنادهم إلى الإنجليز بعدما اتصل بهم رجال الجيش السنوسي وحثوهم على خذلان الطليان* ومن ثم يلتحق من وقع في الأسر من الليبيين وخاصة البرقاويين إلى الجيش السنوسي الذي تغير اسمه إلى Libyan Arab Force القوة العربية الليبية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دوره في الحبشة

خلال الحرب الحبشية الإيطالية الثانية تولى گرازيانى قيادة الجبهة الجنوبية حيث سعى لإحتلال الأراضى الإثيوپية انطلاقاً من الأراضي الصومالية ، حيث إنطلقت الحملة من إرتيريا بقيادة الجنرال إميليو ده بونو والمارشال پييترو بادوليو الذى حقق النصر ودخلت القوات الإيطالية أديس أبابا، وعندما دخل غرازيانى أديس أبابا خطب في الجماهير الإثيويية

الزعيم موسوليني سيحصل على إثيوپيا سواء بكم أم بدونكم!!!

وبعد سقوط أديس أبابا في 5 مايو 1936 أراد گراتسياني الوصول الى مدينة هرر قبل المارشال الإيطالى بادوليو إلا أنه أخفق في ذلك ونجح بادوليو في دخول هرر وعاث فيها فساداً ، وعلى الرغم من ذلك تم ترقيته ومنحه لقب مشير إيطاليا Maresciallo d'Italia.

وبعد الحرب جعل گرازيانى نفسه نائب الملك والحاكم العام لإثيوپيا، وفي 19 فبراير نجا گرازياني من محاولة إغتيال، وكان لتلك المحاولة لإغتياله إثر سيء عليه حيث كشف عن وجهه الدموى مرة أخرى وأصبح معروفاً بجزار أثيوپيا، ومن 1939 الى 1941 أصبح گرازياني رئيس هئية الأركان بالجيش الإيطالي.

في الحرب العالمية الثانية

 
رودولفو گراتسياني (في الوسط)
 
رودولفو گراتسياني

قاد گراتسياني الجيش العاشر الايطالي المرابط في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية. أصبح القائد العام لليببيا المحتلة بعد وفاة بالبو في حادث تحطم طائرة في 28 يونيو 1940. بعد اعلان الحرب أمر موسوليني گرازيانى باجتياح مصر. ورغم شكوكه حول قدرة الجيش الايطالي على مواجهة القوات البريطانية، أمر گراتسياني الجيش العاشر بالهجوم في 13 سبتمبر. استقال من منصبه عام 1941 بعد هزيمة جيشه في عملية البوصلة.

كان گراتسياني المارشال الايطالى الوحيد الذى بقى وفيا لموسوليني بعد انقلاب دينو گراندي. ثم عين وزيرا للدفاع في الجمهورية الإيطالية وتولى قيادة القوات الإيطالية الألمانية المختلطهة.

لكنه بعد غياب موسوليني وانهيار الحكم الفاشي، قبض عليه الإيطاليون وحاكموه. وقد قال عنه إينو فون رنتيلين، الملحق العسكري الألماني في روما حيث كتب لحكومته: "إن گراتسياني أقام شهرته في ليبيا والحبشة في معارك مع مقاومة شعبية سيئة التسليح لكنها غنية في شجاعتها، لكن هذا الدعي حين وضع في مواجهة جيش نظامي مسلح بأحدث الاسلحة انكشفت قدراته الحربية الحقيقية، فإذا به يتحول من اسطورة إلى اضحوكة، واختفى معه عن المسرح مقتولين أو مأسورين رفقاؤه أمثال ماليتي، وبيرگا نزولي، وگالينا، وبيتاسي مانيلا، وتراكيا، الذين وصلوا مثله إلى أعلى الرتب بسهولة في ميادين استعمارية ضد المدنيين الأبرياء".

في نهاية الحرب قضى گراتسياني بضعة أيام في سجن سان فيتورى في ميلانو قبل أن ينقل إلى سيطرة الحلفاء. ثم أعيد إلى أفريقيا وبقى هناك حتى فبراير 1946 في سجون الحلفاء في محاولة لحمايته من الاغتيال. وبعد اعادته إلى السجن بروسيدا في إيطاليا حكمت عليه محكمة عسكرية في عام 1950 بالسجن لمدة 19 سنة عقابا له على التعاون مع النازيين لكن أطلق سراحه بعد أن قضى بضعة أشهر في السجن. ومات في أحد مستشفيات روما.

في الأفلام

مثل دوره الممثل اوليڤر ريد في فيلم أسد الصحراء.

مرئيات

محمد حسنين هيكل يتحدث عن تاريخ قضية مياه النيل في مصر.


هامش

  1. ^ La brutta storia del monumento a Graziani
  2. ^ "Graziani, Rodolfo". Treccani.it. Enciclopedia Treccani. Retrieved 11 June 2014.

وصلات خارجية

مناصب حكومية
سبقه
پييترو بادوليو
نائب الملك والحاكم العام على شرق أفريقيا الإيطالي
11 يونيو 1936 إلى 21 ديسمبر 1937
تبعه
أمديو، دوق أوستا الثالث
مناصب عسكرية
سبقه
إيطالو بالبو
القائد الأعلى لشمال أفريقيا الإيطالي والحاكم العام على ليبيا الإيطالية
28 يونيو 1940 إلى 25 مارس 1941
تبعه
إيطالو گاريبولدي

قالب:Italian Governors of Tripolitania and Cyrenaica قالب:Italian Governors of Eritrea and Somaliland