ديانة العقل

ديانة العقل (Cult of Reason، فرنسية: Culte de la Raison)[1]، كان نظام عقائدي نشأ في فرنسا وكان المقصود أن يكون بديلاً عن المسيحية أثناء الثورة الفرنسية.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأصول

كانت معارضة كنيسة الروم الكاثوليك جزءاً لا يتجزأ من أسباب الثورة الفرنسية، وترسخ العداء لرجال الدين في السياسة الحكومية الرسمية عام 1792 بعد إعلان قيام الجمهورية الفرنسية الأولى. معظم الاجتثاث الفرنسي كان بدافع المخاوف السياسية والاقتصادية، لكن البدائل الفلسفية للكنيسة تطورت تدريجاً أيضاً. وكان من بين القرطقة المتنامية، المفاهيم البنيوية لديانة العقل والتي وضعها جاك هيبير، أنطوان-فرانسوا مورو، پيير-گاسپار كوميت، جوزيف فوشيه، وثوريون راديكاليون آخرون.

حاز جاك هيبير بدرجة كبيرة من الشعبية بعد اعقتاله بسبب الهجوم على الجيرونديين. بعد إطلاق سراحه وبشعبيته الجديدة، برفقة پيير-گاسپار كوميت، أسس هيبير "عبادة العقل". على عكس ديانة الكائن الأسمى لروبسپيير، رفضت عبادة هيبير وجود إله. تأسست العبادة على مبادئ التنوير والعداء لرجال الدين.


الفلسفة

كانت ديانة العقل متمركزة إنسانياً صراحةً. كان هدفها الكمال البشري من خلال الوصول إلى الحقيقة والحرية، ومبدئها الإرشادي لهذا الهدف كان تدريب العقل البشري على العقل. في إطار أسلوبه التقليدي، يشجع الدين العقل على العبادة الجماعية والعروض التعبدية إلى مثالية العقل.[2] دائماً ما كان هناك تمييزاً دقيقاً بين المنظور العقلاني للعقل وعبادة المعبود: "هناك شيئاً واحداً يجب ألا يكل المرء من إخبار الناس به،" ويقول مورو موضحاً "الحرية، العقل والحقيقة، ما هي إلا كائنات مجردة. هي ليست آلهة، لنتحرى الصدق، هي جزء من أنفسنا."[2]

وقد لخص أناكارسيس كلوتز الموضوع الرئيسي للديانة، والذي أعلن في مهرجان العقل أنه من الآن فصاعدا لن يكون هناك "إله واحد فقط"، Le Peuple."[3] كان المقصود بعبادة العقل أن تكون دين مدني - مستوحى من أعمال روسو، كواتريمير ده كوينسي، وجاك-لوي داڤيد، والتي قدمت "ديناً صريحاً للإنسان".[2]

التأثير الثوري

أصبح التمسك بديانة العقر سمة مميزة للفصيل الهيبرتي. كما كان سائداً بين صفوف السانز كولوت. عدداً من الفصائل السياسية، الجماعات المعادية لرجال الدين، والأحداث التي ارتبطت بشكل فضفاض ليتم جمعها تحت هذا الاسم.[4] وتراوحت التظاهرات العامة المبكرة من "الحفلات التنكرية البرية" في مهرجانات الربيع إلى الاضطهادات الصرحية، وشملت عمليات نهب الكنايس والكنيسات والتي جرى أثنائها تشويه الصور الدينية والملكية.[5]

جوزيف فوشيه

كقائد عسكري أرسله اليعاقبة لإنفاذ قوانينهم الجديدة، قاد فوشيه حملته الحماسية الخاصة لاجتثاث المسيحية. كانت أساليبيه وحشية لكنها فعالة، وساعدت بكفاءة على نشر العقيدة النامية في مناطق كثيرة من فرنسا. في نطاق سلطاته، أمر فوشيه بإزالة جميع الصلبان والتماثلي من المقابر، وأصدر مرسوماً يقضي بأن يكتب على جميع بوابات المقابر نقشاً واحداً فقط - "الموت هو النوم الأبدي."[6] ذهب فوشيه إلى أبعد من ذلك عندما أعلن ديناً مدنياً جديداً خاصاً به، virtually interchangeable مع ما أصبح يعرف بديانة العقل، في حفل كان يطلق عليه "عيد بروتوس" في 22 سبتمبر 1793.[7]

 
Fête de la Raison ("مهرجان العقل")، نوتردام، پاريس.

مهرجان العقل

أما روبسپيير الذي كانت يداه مخضبتين بالدم لكنهما طليقتان - فإنه الآن يعمل على إرجاع "الله" إلى فرنسا، فمحاولة إحلال "ديانة العقل" محل المسيحية أثارت الفرنسيين ضد الثورة، ففي باريس كان الكاثوليك ثائرون لإغلاق الكنائس وإزعاج القسس بالغارات المستمرة عليهم، وشيئا فشيئا بدأت تزداد أعداد أفراد طبقة العوام والطبقة الوسطى التي تذهب لحضور قداس الأحد . وقدم روبيسبير البراهين في إحدى خطبه البليغة (7 مايو 4971) على أن الوقت قد حان لعقد وفاق بين الثورة وجدها الأعلى روسو الذي نقلت رفاته إلى البانثيون - (مدفن العظماء) في 4 أبريل فلا بد للدولة أن تدعم الدين النقي البسيط - خاصة ذلك الذي اعتنقه Savoyard Vicar في كتاب إميل - القائم على الإيمان بالله واليوم الآخر، والدعوة إلى الفضائل المدنية والاجتماعية كأساس لقيام الجمهورية . ووافق المؤتمر الوطني على ذلك على أمل إرضاء الأتقياء والتخفيف من حدة الإرهاب، وفي 4 يونيو انتخب روبيسبير رئيساً له .

وترأس روبيسبير في 8 يونيو 1794 في سياق هذا التوجه ا لرسمي مهرجانا للاحتفاء "بالموجود الأسمى" حضره مائة ألف رجل وامرأة وطفل في ساحة دي مار وعلى رأس موكب كبير (يضم النواب المتشككين) امتد مسافة طويلة كان هذا المستقيم غير القابل للفساد أو الرشوة (المقصود روبيسبير) وقد حمل في يده الورود وسنابل القمح . وكانت هناك عربة محملة بحزم القمح يجرها ثور أبيض بلون الحليب، وخلفها سار الرعاة من رجال ونساء يمثلون الطبيعة (في فطرتها الأولى) باعتبارها - أي الطبيعة - هي تركيبة واحدة وهي صوت الله ، وفي حوض يزين ساحة دي مار، أقام ديفيد الفنان الفرنسي الرائد في هذا العصر تمثالاً من خشب يمثل الإلحاد وقد قام على الرذيلة وتوج بالجنون، وإلى الأعلى في مواجهة هذا التمثال جعل الحكمة المنتصرة ترفع إصبعها في مواجهة الإلحاد والرذيلة والجنون . ووضع روبيسبير - الذي هو تجسيد للفضيلة - المشعل ناحية الإلحاد (ليحرقه) لكن ريحا تعسه حولت اللهب إلى "الحكمة". ووضع نقش يشير إلى المبادىء الجديدة ويتسم معناه بالسماحة: "إن الشعب الفرنسي يؤمن بالموجود الأسمى وخلود الروح" وجرى إقامة احتفالات مشابهة في مختلف أنحاء فرنسا.[8]

ردود الفعل

 
Inscription on church at Ivry-la-Bataille.

وكان روبيسبير سعيداً لكن بيلو فارين قال له: "لقد بدأت تضجرني مع موجودك الأسمى". وبعد ذلك بيومين حث روبيسبير المؤتمر الوطني على إصدار مرسوم يدعم - بشكل مثير للدهشة - حكم الإرهاب، لقد بدا روبيسبير وكأنه يجيب دانتون ويتحداه (رغم أن دانتون كان قد أعدم بالمقصلة) عندما أقام مهرجانا لتكريم "الموجود الأسمى" كما بدا وكأنه يوبخ هيبير ، فالقانون الصادر في 10 يونيو 1794 (22 بريريال بالتقويم الجمهوري) نص بهدف شجب الملكية والدفاع عن الجمهورية والرقي بها - على إعدام كل من يسيء للأخلاق أو يروج أخبارا كاذبة أو يسرق المال العام أو يتربح ويستغل أو يختلس أو يعوق نقل الطعام أو يعوق باي شكل مسار الحرب، وأكثر من هذا فإن هذا القانون خول المحاكم أن تقرر ما إذا كان المتهم في حاجة إلى محام أو مستشار أو شهود، إذا ظهر برهان إدانته. وقال واحد من المحلفين: "بالنسبة لي شخصيا، فإنني مقتنع بذلك دائما ففي ظل الثورة، يعد كل من يمثل أمام هذه المحكمة مدانا".

وكان ثمة تبريرات لهذا الإرهاب المكثف. ففي 22 مايو جرت محاولة للاعتداء على حياة كولو دربوا، وفي 23 مايو جرى وقف شاب حاول - بشكل واضح - اغتيال روبيسبير . وأدى الاعتقاد في وجود مؤامرة أجنبية إلى أن أصدر المؤتمر الوطني مرسوما بالتعامل بغير رحمة مع أسرى الحرب البريطانيين والهانوفريين . وكان في سجون باريس نحو ثمانية آلاف من المشكوك في ولائهم، وكان لا بد من إرهابهم حتى لا يفكروا في إثارة الاضطرابات أو الهروب.

لهذا ظهر على نحو خاص ما يسمى "الإرهاب الأعظم Great Terror" واستمر من 10 يونيو إلى 27 يوليو سنة 1794، ففي أقل من سبعة أسابيع قطعت المقصلة رقاب 1.386 رجل وامرأة، هذا بالإضافة إلى 155 كان قد جرى إعدامهم خلال الواحد والستين أسبوعا، بين مارس 1793 و10 يونيو 1794. ولاحظ فوكييه تينفيل - أن الرؤوس تتدلى من السقف كألواح الاردواز". ولم يعد الناس يذهبون لمشاهدة تنفيذ أحكام الإعدام فقد أصبح المشهد معادا مكررا، وإنما راحوا يعكفون في منازلهم يتحسسون أي كلمة ينطقون بها. وتوقفت الحياة الاجتماعية تقريبا، وكادت المواخير وبيوت الدعارة والحانات تكون خاوية على عروشها. بل وتقلص عدد الحضور في المؤتمر الوطني نفسه، فمن بين 750عضوا لم يعد يحضر - الآن - سوى 117، وحتى هؤلاء امتنع كثيرون منهم عن التصويت حتى لا يورطوا أنفسهم، وحتى أعضاء اللجنة عاشوا في رعب من أن يقعوا تحت نصل هؤلاء الثلاثة (المتحكمين الجدد) روبيسبير، وكوثو وسان جوست.

انظر أيضاً

الهوامش

  • ^ a: The word "cult" in French means "a form of worship", without any of its negative or exclusivist implications in English; its proponents intended it to be a universal congregation.

المصادر

  1. ^ Fremont-Barnes, p. 119.
  2. ^ أ ب ت Kennedy, p. 343.
  3. ^ Carlyle, p. 375.
  4. ^ Kennedy, p. 343: "The Festival of Reason... has come to symbolize the Parisian de-Christianization movement."
  5. ^ Goldstein, p.XX.[صفحة مطلوبة]
  6. ^ Doyle, p. 259: "Fouché declared in a manifesto... graveyards should exhibit no religious symbols, and at the gate of each would be an inscription proclaiming 'Death is an eternal sleep'."
  7. ^ Doyle, p. 259: "[Fouché ] inaugurated a civic religion of his own devising with a 'Feast of Brutus' on 22 September at which he denounced 'religious sophistry'."
  8. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المراجع