كاترين دى مديتشي

(تم التحويل من Catherine de' Medici)

كاترين ده مديتشي Catherine de' Medici (بالإيطالية: Caterina de' Medici النطق بالإيطالية: [kateˈriːna de ˈmɛːditʃi]، 13 أبريل 1519 – 5 يناير 1589)، إبنة لورنز الثاني ده مديتشي ومادلين ده لا تور دي أوڤرنيه، كانت نبيلة إيطالية وملكة فرنسا من 1547 حتى 1559، بصفتها زوجة الملك هنري الثاني. وكأم لثلاثة أبناء أصبحوا ملوكاً لفرنسا في حياتها كان لها نفوذ سياسي متفاوت على فرنسا. لفترة حكمت فرنسا كولية للعهد.

كاترين دي مديتشي
Catherine de' Medici
Catherine-de-medici.jpg
كاترين دي مديتشي، رسم فرانسوا كوليه، ح. 1555
ملكة فرنسا
العهد31 مارس 1547 – 10 يوليو 1559
التتويج10 يونيو 1549
وُلِد13 أبريل 1519
فلورنسا
توفي5 يناير 1589
شاتو ده بلوا، فرنسا
الدفن
سان-ساڤر، بلوا. أعيد دفنه في سان-دنيس عام 1610. Saint-Sauveur, Blois. Reburied at Saint-Denis in 1610.
الزوجهنري الثاني من فرنسا
الأنجالفرانسيس الثاني
إليزابث ملكة إسپانيا
كلود، دوقة لورين
لويس من ڤالوا
شارل التاسع من فرنسا
هنري الثالث من فرنسا
مارگريت، ملكة فرنسا
فرانسيس، دوق أنجو
لويس من ڤالوا
جون من ڤالوا
ڤيكتوريا من ڤالوا
الاسم الكامل
كاترينا ماريا رومولا ده لورنزو دي مديتشي
البيتأسرة ڤالوا
أسرة مديتشي
الأبLorenzo II de' Medici, Duke of Urbino
الأمMadeleine de La Tour d'Auvergne

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياتها

 
Giulio di Giuliano de' Medici, Pope Clement VII, by Sebastiano del Piombo, c.1531. Clement called Catherine's betrothal to Henry of Orléans "the greatest match in the world".[1]


زواجها

 
زواج كاترين وهنري، لوحة رسمت بعد سبع سنوات من الزواج.

كان عمرها أربعة عشر عاما في عام 1533 حين زواجها من هنري الثاني، وهو الابن الثاني للملك فرانسوا الأول والملكة كلود. بوفاة الدوفي الأمير فرانسوا عام 1536، صار هنري وليا للعهد وكاترين (كما تعرف الآن وهو الاسم الفرنسي لكاترينا) أصبحت دوفينته.

الدوفينته

 
هنري الثاني، دوق أورليان، رسم كورنيل ده ليون. أثناء طفولته قضى هنري أربع سنوات ونصف كرهينة في إسپانيا، المحنة التي أثرت في حياته، وجعلته منطوي ومتجهم.[2]


ملكة فرنسا

 
Catherine de' Medici, as Queen of France. "Her mouth is too large and her eyes too prominent and colourless for beauty", wrote a Venetian envoy as Catherine approached forty, "but a very distinguished-looking woman, with a shapely figure, a beautiful skin and exquisitely shaped hands".[3]
 
Silver jeton on Catherine de'Médici

Henry allowed Catherine almost no political influence as queen.[4] Although she sometimes acted as regent during his absences from France, her powers were strictly nominal.[5] Henry gave the Château of Chenonceau, which Catherine had wanted for herself, to Diane de Poitiers, who took her place at the centre of power, dispensing patronage and accepting favours.[6]

 
Silver jeton on Catherine de'Médici

ارتقى هنري العرش باسم هنري الثاني في سنة 1547. وطوال حكمه كان يهمل كاترين، في الوقت على الذي يغدق فيه الهدايا على عشيقته ديان دو بواتييه.


 
"Brazilian ball" for Henry II and Catherine de' Medici in Rouen, 1 October 1550, a precursor to the creation of France Antarctique in Brazil.

ما زالت هذه المرأة لغزاً برغم انقضاء أربعة قرون من التفسيرات المتعارضة. كانت سليلة لورنزو الفاخر، وحفيدة البابا ليو العاشر، فهي إذن المديتشية النموذجية، في ميراثها الحكم، وفي دمها الدهاء، ولدت في فلورنسا (1519) لأبوين ماتا بالزهري قبل أن تتم الشهر، فظلت قطعة الشطرنج عاجزة تحركها دبلوماسية أقربائها المتحفزين للعراك، حتى زوّجها عمها البابا كليمنت السابع وهي بعد في الرابعة عشرة لهنري الثاني ملك فرنسا المقبل. وظلت عشر سنوات عاقراً بينما كرس زوجها المكتئب نفسه لخليلته ديان دبواتييه. ثم انبعث الاطفال من بطنها كل سنة تقريباً حتى بلغوا العشرة عداً. وكانت تؤمل وتخطط لتنال لهم العرش. ومات ثلاثة منهم أطفالاً، وارتقى ثلاثة عرش فرنسا، وأصبحت اثنتان منهم ملكات. وذاقوا كلهم تقريباً مرارة المأساة، ولكنها كانت أكثرهم فجيعة، لأنها عمرت بعد موت زوجها وثلاثة من أبنائها الملوك واحداً بعد الآخر وسواء كانت ملكة أو ملكة أماً؛ فقد احتملت صروف عهود ملكة أربعة وسلختها بفضل ما أوتيت من حصافة وضبط للنفس ونفاق لا يتقيد بمبادئ الشرف. [7]

وصفها معاصر بأنها «امرأة جميلة حين يتوارى وجهها خلف القناع»(14) أي أن لها قواماً جميلا، ويؤكد لنا برانتوم أن صدرها «أبيض ممتلئ» وأن «فخذاها غاية في الجمال» وأن يديها وأناملها بديعة(15). ولكن قسماتها كانت خشنة، وعينيها أكبر وشفتيها أغلظ وفمها أوسع مما ينبغي. فإذا كانت قد أغوت الرجال فإنما عن طريق غيرها من النساء. وقد أرجفت الشائعات بأنها احتفظت من حولها بـ »سرب طائر« من الحسان اللاتي يغرين الرجال بتحقيق مآربها(16)، ولكن يبدو أن هذه التهمة باطلة(17)، فقد جرح كرامتها تسلط ديان في السياسة والحي معا، ومن ثم وجدت بعد موت هنري ثأرها بأن جعلت نفسها القوة الكامنة وراء العرش مدى ثلاثين عاماً، وكان لزاماً ان يعوض دهاؤها عن عجز أبنائها، لقد كرهوا تدخلها، ولكن اخفاقهم في الملك فرض هذا التدخل. وإذ ألقيت في دوامة الثورة الدينية، وأحاط بها الأشراف المغامرون واكتنفها الدجماطيات المتعصبة، فقد حاربت بالأسلحة الوحيدة التي تملكها -وهي المال المديتشي والفطنة الإيطالية، والدبلوماسية المكيافللية. لقد أهدى مكيافللي كتابه »الأمير« لأبيها من قبل، ولم تكن كاترين في حاجة لتعليمه، لأنها رأت مبادئه مطبقة في كل مكان من إيطاليا وفرنسا. وقد بزت جميع رجال الدولة الملتفين حولها كما فعلت اليزابث ملكة إنجلترا، وفاقتهم في الكذب، و »كان لديها من الخدع أكثر مما لدى جميع مستشاري الملك(18)«. وقد صرفت شئون الدولة بهمة وكفاية. قال مراقب إيطالي »لم يكن ليتم شئ دون علمها، وقل أن وجدت متسعاً لتناول طعامها(19)«-مع أنها بطريقة ما أصبحت بدينة. أما أخلاقياتها الشخصية فقد سمت فوق جيلها، إذ يبدو أنها كانت مخلصة لزوجها غير المخلص، وفية لذكراه، لبست الحداد عليه حتى نهاية حياتها. وقد ترفق في الحكم عليها أعظم خلفائها هنري الرابع فقال:

«أسألكم ماذا كان في استطاعة امرأة أن تفعل بعد أن تركها موت زوجها بخمسة أطفال صغار على ذراعيها، وأسرتين في فرنسا تفكران في انتزاع التاج-أسرتا (البوربون) وأسرة جيز؟ ألم تكن مكرهة على أن تلعب أدوارا غريبة، لتخدع الواحد أولا ثم تثني الآخر، حتى تحمي أبناءها كما حمتهم، وتيسر لهم أن يملكوا الواحد بعد الآخر بفضل السياسة الحكيمة التي اتبعتها هذه الأم الداهية؟ أنه ليدهشني إنها لم تتصرف قط على نحو أسوأ مما فعلت(20)».

الملكة الأم

عهد فرانسيس الثاني

 
Francis II of France, by François Clouet, 1560. Francis found the crown so heavy at his coronation that four nobles had to hold it in place as he walked up the steps to his throne.[8]

وفاة هنري سنة 1559 وضعت كاترين في الساحة السياسية باعتبارها أُمّاً للملك فرانسوا الثاني الضعيف ذو خمسة عشر عاما.

عهد شارل التاسع

 
Charles IX of France, after François Clouet, c. 1565. The Venetian ambassador Giovanni Michiel described Charles as "an admirable child, with fine eyes, gracious movements, though he is not robust. He favours physical exercise that is too violent for his health, for he suffers from shortness of breath".[9]

وبوفاة فرانسوا الثاني هو الآخر عام 1560 تم تعيينها وصية ًعلى نجلها الملك الجديد شارل التاسع وبسلطات واسعة. وبعد وفاة شارل في عام 1574، لعبت كاترين دورا رئيسيا في عهد إبنها الثالث الملك هنري الثالث. والذي لم يستغني عن مشورتها إلا في الأشهر الأخيرة من حياتها.

ولعلنا نرتضي هذا الحكم تقديراً منصفاً لمسلك كاترين قبل عام 1570. فقد ضربت هذه الأسر والقوى المنافسة التي أحاطت بها بعض ببعض. وكتبت تقول:»أنني بمشيئة الله لن اسمح لنفسي بأن يتحكم فيها هذا الفريق أو ذاك، لأنني أيقنت للأسف أنهم جميعاً يحبون الله، والملك، وأياي، أقل مما يحبون مكاسبهم... وإشباع أطماعهم(21)«. كان فيها من خلق إيطالي النهضة ما زهدها في صرامة الهيجونت الجبرية، ثم إنها كانت تطلب قرضاً من الكنيسة لتحول دون إفلاس الدولة(22). ومع ذلك ففي سبيل فرنسا كانت على استعداد لتزوج ابنتها مارجريت لهنري نافار الهيجونوتي، وابنها هنري لاليزابث المحرومة من الكنيسة. ونظرت إلى الموقف في صورته الأسرية والسياسية لا الدينية أو الاقتصادية. وكان عليها أن تحمي وطنها المقسم من تحالف أسبانيا والنمسا الهابسبورجي. وكانت معاهدة كاتو-كامبريزي قد تركت القوة الأسبانية متفوقة في فلاندر، ومتعدية تعدياً خطيراً على شمال فرنسا الشرقي. وقد تشتعل الحرب القديمة بين أسرتي فالوا وهابسبورج من جديد في أية لحظة، وعندها تحتاج فرنسا إلى دماء وسلاح الهيجونوت والكاثوليك على السواء-فالخطر من الخارج يتطلب السلام في الداخل.

بهذا المزاج استعدت هي ومستشارها لوبيتال للاجتماع بمجلس طبقات الأمة في أورليان. ولم تكن »أقاليم« بل كانت »طبقات«: النبلاء، والأكليروس، وبقية فرنسا ممثلة في الطبقة الثالثة-وهي أساس البورجوازية أو الطبقات الوسطى ساكنة المدن الكبيرة والصغيرة، ولكنها تضم أيضاً في تمثيل متواضع الفلاحين والبرولتاريا الناشئة. ولم يكن للمندوبين نظرياً أي سلطة تشريعي لأنهم انتخبوا بالقوى المحلية والطبقية لا بأي اقتراع واسع، وكل ما كان لهم ن حقوق هو حق إسداء النصيحة للملك، على أن حاجته للمال عززت هذه النصيحة بعض التعزيز.

وافتتح لوبيتال الدورة (13 ديسمبر 1560) بدعوة مثالية للتسامح من الفريقين. وقال مناشداً إن وظيفة الحكومة هي حفظ السلام والنظام والعدالة بين جمع المواطنين دون تحيز ودون نظر لآرائهم الدينية، ومن المرغوب فيه أن يكون الفرنسيون جميعاً على دين واحد، لآن هذا من شأنه أن يعين على الوحدة والقوة القوميتين، ولكن إذا لم يكن في الاستطاعة بلوغ هذا الاتفاق العام بالوسائل السلمية، فالتسامح إذن خير وأبقى. فمنذا الذي يعرف ما الهرطقة وما الحق؟ »أنت تقول إن دينك أفضل الدينين، وأنا اقول كذلك عن ديني، فهل اعتناق رأيك معقول أكثر من اعتناقك رأي؟... فلننه إذن هذه الأسماء الشيطانية، وهذه البطاقات الحزبية والشيع والتحريضات على الفتنة-اللوثريين، والهيجونوت، والكاثوليك؛ دعونا نغير أسماءنا إلى مسيحيين(23)« 

ولكن الاستجابة لم تكن حارة. وطالب فقيه من لاهوتي السوربون-وهي يومئذ كلية اللاهوت في جامعة باريس-بالموت جزاء لكل المهرطقين، ونصح مندوب البابا كاترين بأن تبدأ بحرق جميع المندوبين الهيجونوت، ثم تثني بجميع الهيجونوت في أورليان(24). أما المندوبون الهيجونوت فاقترح على الملكة الأم شتى الاصلاحات: أن يختار الشعب جميع رعاته الدينيين؛ وأن يختار الرعاة وأشراف الأسقفيات أساقفتهم؛ وأن يخصص ثلث الإيرادات الكنسية لإعانة الفقراء، وثلث آخر لبناء الكنائس والمستشفيات والمدارس؛ وأن تقتصر تعاليم الكنيسة على الأسفار المقدسة(25) وكان في هذا من التقدمية أكثر قليلاً مما تطيقه كاترين، مع حاجتها الماسة لأموال الكنيسة. فهدأت ثائرة الهيجونوت بالإفراج عن كونديه السجين وحض البابا بيوس الرابع على السماح بإزالة الصور والتماثيل الدينية من الكنائس ومناولة الأسرار المقدسة بالخمر كما تناول بالخبز(29). وفي 28 يناير 1561 أفرجت عن جميع الأشخاص الذين اعتقلوا لـ »جرائم« دينية، وأمرت بإنهاء كل الاضطهادات بسبب الدين حتى إخطار آخر. وفي الحادي والثلاثين من يناير أجلت اجتماع مجلس الطبقات إلى مايو حين ينعقد ويسد حاجتها للمال.

واغتبط الهيجونوت وتمددوا في دفء هذه القرارات. ففي 2 مارس عقدوا في بواتييه مجمعهم القومي الثاني. وراح القساوسة البروتستنت يعظون دون تحرج في مساكن كونديه وكوليني بلاط فونتنبلو. وفي كاستر بجنوبي فرنسا خصت الانتخابات البلدية (1 يناير 1561) البروتستنت بجميع الوظائف، وما لبث أن صدر الأمر لجميع المواطنين بحضور الخدمات الدينية البروتستنتية(27)، وحظراً الخدمات الكاثوليكية، وحكم على الصور والتماثيل الدينية رسمياً بالإتلاف والتحطيم(28). وفي آجن ومونتوين استولى الهيجونوت على الكنائس الكاثوليكية غير المستعملة. فشكل حاكم القلعة الهرم آن دمونمورنسي هو ودوق جيز ومارشال دسانت أندريه »حكومة ثلاثية« لحماية المصالح الكاثوليكية (6أبريل 1561). وتفجر الشغب في باريس، وروان، وبوفيه، وغيرها. وأصدرت الملكة »مرسوم يوليو« (1561) الذي حظر العنف وخدمات الهيجونوت الدينية العلنية وتجاهل الهيجونوت المرسوم، وهاجموا المواكب الكاثوليكية في مختلف المدن، ودخلوا الكنائس الكاثوليكية وأحرقوا الآثار والرفات المقدسة وحطموا التماثيل(29). وفي مونبلييه، في خريف عام 1561، نهبت الكنائس والديورة والستون كلها، وقتل كثير من القساوسة، وفي مونتوين أحرق دير »كلير الفقيرة« وشتت الراهبات ونصحن بأن يجدن لأنفسهن أزواجاً(30). وفي نيم طرد الهيجونوت جميع القساوسة، واستولوا على كل الكنائس الكاثوليكية أو دمروها، وأحرقوا الكاتدرائية، وداسوا القربان المكرس بأقدامهم (فبراير 1562)(32). أما في لانجدوك وجيين فكان الهيجونوت عادة إذا ملكوا زمام الأمر يستولون على الكنائس والأملاك الكاثوليكية ويطردون الكهنة الكاثوليك. ولم يكن القساوسة الهيجونوت أقل تعصباً من نظرائهم الكاثوليك وإن امتازوا في فضائلهم الشخصية(34)، فقد حرموا الهيجونوت الذين عقدوا زواجهم على يد القساوسة الكاثوليك أو سمحوا لأبنائهم بالزواج من الكاثوليك(35). وهكذا لم ير أحد الطرفين أي معنى للتسامح.

وأستأنف مجلس الطبقات جلساته في أول أغسطس 1561 متخذاً بونتواز مقراً له هذه المرة. وقد المال للحكومة مشترطاً ضرورة موافقته بعد ذلك على أي فرض للضرائب الجديدة أو إعلان للحرب. أما الطبقة الثالثة، التي أصبحت الآن المورد الأكبر للمال، فقد أضافت طلباً جريئاً-هو تأميم جميع أملاك الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، وأن تدفع الدولة رواتب الأكليروس، وأن تخصص 42.000.000 جنيه من الفائض الحاصل بهذه الطريقة وقدره 72.000.000 جنيه لاستهلاك الدين الأهلي. وسارع رجال الدين الكاثوليك المروعين إلى مصالحة كاترين بأن عرضوا عليها 16.600.000 جنيه تدفع لها في حذر على عشرة أقساط سنوياً. فقبلت، وحل مجلس الطبقات.

في هذه الأثناء كان لوبيتال- بموافقة كاترين وبرغم احتجاج البابا- قد دعا رجال الدين الكاثوليك والبروتستنت للاجتماع وإيجاد صيغة لتهدئة الخواطر. واجتمع في بوامبي، على أحد عشر ميلاً غربي باريس، ستة كرادلة، وأربعون أسقفاً، وإثنا عشر لاهوتيا من السوربون، وإثنا عشر من كهنة الكاتدرائيات، وعشرة قساوسة بروتستنت من فرنسا، وواحد من إنجلترا، وتيودور دبيز من جنيف، وعشرون علمانياً بروتستنتياً، في »ندوة بواسي« المشهورة (9 سبتمبر 1561). حضر الندوة الملك، والملكة الأم، وأمراء البيت المالك، ومجلس الدولة، بكل مظاهر الجلال والكرامة. واستقبل بيز، ممثل كالفن الشيخ، بحفاوة تقرب من حفاوة الملوك، وقام بخدمة دينية بروتستنتية ووعظ في قصر كاترين. بدأ عظته معتدلاً، وسحر السامعين جميعاً بفرنسيته الرائعة، ولكنه حين قال إن »جسد المسيح في القربان بعيد عن الخبز المكرس بعد السماء عن الأراضي«، صاح المندوبون الكاثوليك احتجاجاً، وتلا ذلك هياج كبير، والح الأساقفة في نفي كل الوعاظ الذين يتشككون في »الوجود الحقيقي«(36)، وارتضت الندوة والصراع على العقائد أشد مرارة وأبعد ما يكون عن الهدوء.

كان الهيجونوت يطربون حين يعقدون اجتماعاتهم في ميدان عام مواجه لكنيسة ويشوشون على القداس بترتيل صاخب لمزاميرهم، أما الكاثوليك فكانوا يدقون جرس الكنيسة ليغرقوا صوت الترتيل. وفي باريس استحال استمرار اجتماع بروتستنتي تجاه كنيسة سان ميدار بسبب قرع عنيف صادر من برج الأجراس، وقتل بروتستنتي داخل الكنيسة للاحتجاج، فثارت ثائرة البروتستنت ونهبوا المبنى وحطوا التماثيل والصليب. وجرح ثمانون من المصلين في المعركة التي تلت ذلك (27 ديسمبر 1561).

ورأت كاترين أن تهدئ خواطر الكاثوليك بإصدار »مرسوم يناير« (1562)، الذي ألزم الهيجونت بتسليم جميع المباني الكنسية لأصحابها السابقين وبعقد اجتماعاتهم خارج أسوار المدن فقط. ووافق زعماء الكاثوليك بيز على أن هذا مرسوم تسامح في حقيقته، اعترف بالبروتستنتية دينا شرعيا في فرنسا؛ وقال زعماء البرلمان لكاترين صراحة إنهم يؤثرون الموت على تسجيل هذا المرسوم. فلما أدان مونمورنسي وسانت أندريه سياستها. طردتهما من البلاط؛ ولما انفجر غضب الكردينال دتورنون عليها ألزمته عقر أسقفية. ورماها الوعاظ الكاثوليك بالفسق (مثل ايزابيل امرأة آخاب)- وهو نفس النعت الذي كان يستعمله نوكس البرتستنتي تنديداً بملكة اسكتلندة الكاثوليكية.

وفي يوم الأحد أول مارس 1562، بينما كان فرنسيس دوق جيز ماراً بقرية فاسي التي تقع نحو أربعين ميلاً شمال غربي ديجون، ومعه فرقة من مائتي تابع مسلحين، وقف بكنيسة هناك ليستمع إلى القداس. ولكن الصلاة شوش عليها ترتيل الهيجونوت لمزاميرهم في اجتماع لهم بجرن قريب. فأرسل إليهم رسولا يطلب إليهم أرجاء تراتيلهم خمس عشرة دقيقة حتى ينتهي القداس. ولكنهم وجدوا في هذا الطلب مضايقة شديدة. وبينما كان جيز يواصل صلاته تراشق بعض أتباعه بعبارات التحية المتعصبة مع الهيجونوت، وجرد الأتباع سيوفهم، وقذفهم الهيجونوت بالحجارة؛ وأصاب حجر منها جيز وهو خارج الكنيسة فأسال دمه النبيل، وما هي إلا أن اندفع أتباعه هاجمين على اجتماع الهيجونوت الذي ضم خمسمائة بين رجل وامرأة وطفل-فقتلوا منهم ثلاثة وعشرين، وحرروا مائة(37). وأثارت »مذبحة فاسي« هذه حمى القتال في البروتستنت الفرنسيين؛ أما الكاثوليك، لاسيما في باريس، فرحبوا بها أداة تهذيب جاءت في أوانها لتؤدب هذه الأقلية المكدرة لصفو البلاد. وأمرت كاترين جيز بأن يحضر إليها في فونتنبلو، فرفض ومضى إلى باريس، وانضم إليه مورنمورنسي وسانت أندريه في الطريق ومعهم ألفا رجل. وأمر كونديه قواته البروتستنت بأن تتجمع بسلاحها في مو. وزحف الثلاثي الكاثوليكي بالجند على فونتنبلو، فاعتقلوا الملكة الأم والأسرة المالكة، واكرهوهم على البقاء في ميلون على سبعة وعشرين ميلاً من باريس، ثم شكلوا »مجلساً خاصاً« جديداً ألف أكثر أعضائه من رجال جيز، وأقصى عنه لوبيتال. أما كونديه فقاد محاربيه البالغين 1.600 إلى أورليفي وناشد كل الجماعات البروتستنتية أن تمده بالجنود. وهكذا بدأت أولى »الحروب الدينية« (ابريل 1562).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهيوگنويون

 
Jeanne d'Albret, Queen of Navarre, by François Clouet, 1570. She wrote to her son, Henry, in 1572: "All she [Catherine] does is mock me, and afterwards tells others exactly the opposite of what I have said ... she denies everything, laughing in my face ... she treats me so shamefully that the patience I manage to maintain surpasses that of Griselda".[10]

حكم أبناء كاترين الثلاثة الضعاف في عصر من الحروب الأهلية والدينية في فرنسا. لم يسيطر النظام الملكي على أسباب هذه الصراعات، التي ينوء منها حتى ملوك ناضجون. في البداية، تفاهمت كاترين وتنازلت للبروتستانت المتمردين المعروفون بالهوگينو. بيد أنها فشلت في استيعاب المسائل اللاهوتية المتأصلة في جذور حركتهم.


طلب الفريقان المعونة من الخارج وحصلا عليها، الكاثوليك من أسبانيا، والبروتستنت من إنجلترا وألمانيا، فأرسلت اليزابث 6.000 رجل إذ أغراها وعد البروتستنت بإعطائها كالية، واستولى 2.000 منهم على روان، ولكن جيز انتزع المدينة ونهبها (26 أكتوبر 1562)، ونهب جنده المتعطشون للغنيمة السكان الكاثوليك والبروتستنت وذبحوهم دون تحيز لأي فريق، وفي هذه الاشتباكات جرح أنطوان دبوربون جرحاً مميتاً، وكان قد اعتنق المذهب الكاثوليكي وانضم إلى القوات الكاثوليكية. وسيطر الهيجونوت على معظم المدن جنوبي فرنسا، ناهبين الكنائس محطمين التماثيل بحماسة دينية. وزحفت أهم قواتهم وعدتها 17.000 رجل يقودهم كونديه وكوليني على نورمانديا لينضموا إلى التعزيزات الإنجليزية. فقط عليهم الزحف عند درو جيش كاثوليكي قوامه 17.000 يقوده الحلف الثلاثي، وفي 19 ديسمبر خاض الفريقان معركة حامية حلفت 6.000 صرعى في الميدان، وقتل سانت أندريه، وجرح مونمورنسي وأسّره الهيجونوت، وجرح كونديه وأسّره الكاثوليك. وتغلبت روح المجاملة الفرنسية حيناً، فعومل مورنمورنسي معاملة الأبطال، وهو الذي دأب على القتال جنباً إلى جنب مع جنوده وجرح في سبع معارك مع أنه القائد الأعلى لجيوش الملك، أما الدوق دجيز فقد أحتفى بكونديه ضيفاً مكرماً، وتناول معه الطعام، وشاركه الفراش الوحيد الموجود في المعسكر(38). وعقد النصر غير الحاسم للكاثوليك، ولكن باريس والأسرة المالكة اعتقدا حيناً أن الهيجونوت هم الغالبون. واستقبلت كاترين النبأ في هدوء قائلة: »حسنا إذن، سنصلي لله بالفرنسية«(39).

أما جيز فقد لقي منيته عقب الانتصار. فبينما كان ينشر قواته لحصار أورليان رماه فتى هيجونوتي في التاسعة عشرة يدعى جان بولترو دميريه (18 فبراير 1563) بطلق ناري من كمين. ومات الدوق بعد ستة أيام من الألم، وأكد بولترو حين أحضر أمام كاترين أن كوليني استأجره على قتل جيز بمبلغ كبير من المال، وأن بيز وعده بالجنة إن وفق. وكتبت كاترين لكوليني تطلب جوابه عن التهمة، فأنكر أي مشاركة في خطة الاغتيال، وقال إنه طالما حذر الدوق من القتلة، واعترف بأنه سمع بولترو يجهر بنيته، وأنه لم يفعل شيئاً لمنعه، وأنه نفحه بمائة كراون، ولكن لأغراض أخرى، وهو على أي حال غير آسف لنجاح المؤامرة، »لأنه ليس في استطاعة« القدر أن يضرب ضربة خيراً من هذه لصالح المملكة وكنيسة الله، ولا سيما وأنها لصالحي وصالح ديني(40)«. ومزقت الخيل أوصال بولترو في 18 مارس، وقد أعاد اتهامه لكوليني وهو يعاني سكرات الموت(41). وأقسم هنري أن يثأر لموت أبيه، بعد أن أصبح الآن ثالث أدواق جيز.

وواصلت كاترين سعيها للسلام، وقد وضح لها أنه لو أتيح النصر الحاسم لأحد الفريقين لنحاها وربما عزل ولدها. فأعادت لوبيتال لمنصبه مستشاراً لها، ورتبت لقاء بين مونمورنسي وكونديه، وأقنعتهما بتوقيع مرسوم أمبواز الذي أنهى الحرب الدينية الأولى (19 مارس 1563). أما الشروط فكانت نصراً للنبلاء الهيجونوت وحدهم: فقد منحت حرية الضمير وممارسة الدين »المسمى مصلحاً« »لجميع البارونات والسادة الاقطاعيين رؤساء القضاء في بيوتهم، هم وعائلاتهم وأتباعهم« و »للأشراف المالكين لاقطاعات بدون أتباع والعائشين على أراضي الملك، ولكن لهم ولأسرهم شخصياً«. أما عبادة الهيجونوت فيسمح بها حيث مارسوها قبل 8 مارس 1563، وألا تقصر على أطراف مدينة واحدة في أي وكالة اقطاعية أو منطقة نفوذ الشريف. أما في باريس فهي محظورة إطلاقاً. واتهم كوليني بأنه ضحى بجماهير الهيجونوت ليحمي طبقته.

 
لوحة ميليه، هيوگنو وحبيبته الكاثوليكية عشية يوم القديس بارتولوميو

وفي 16 سبتمبر أعلن بلوغ شارل التاسع رشده وهو لم يبلغ الرابعة عشرة، ونزلت كاترين عن وصيتها، ولكنها لم تنزل عن قيادتها. ففي مارس 1564 قادت الملك وحاشيته في رحلة تخترق فرنسا، من جهة لترى الأمة مليكها الجديد، ومن جهة أخرى لتدعم السلام الهش. وأصدرت في روستون مرسوماً بالتسامح الجزئي، داعية كلاً من الفريقين إلى احترام حرية الآخر. وبعد أربعة عشر شهراً من الرحلة الملكية وصلت الجماعة إلى بايون (3 يونيو 1565)، حيث رحبت كاترين في ابتهاج بابنتها اليزابث التي أصبحت ملكة على أسبانيا، واجتمعت مع الدوق ألفا في مفاوضات سرية أزعجت الهيجونوت. فقد خامرتهم الظنون-بحق في أن ألفا أشار باتخاذ الإجراءات ضدهم، ولكن خطاباته المتخلفة لفليب تبين أن كاترين رفضت اقتراحاته، وأبت أن تطرد لوبيتال، وتشبثت بسياستها السلمية(42). وعقب عودتها إلى باريس (ديسمبر 1565) استخدمت كل نفوذها لتصلح بين كوليني، ومورنمورنسي، وكونديه، ودوقي جيز.

وفي عام 1564 دخل اليسوعيون فرنسا، وأثارت عظاتهم حماسة الكاثوليك، وحولوا في باريس خاصة نفراً من الهيجونوت لمذهبهم. أما في الأقاليم فقد ألغي رد الفعل الكاثوليكي كثيراً من المكاسب البروتستنتية. وانتهكت مراسيم التسامح المرة بعد المرة، وأفرخت الهمجية في ظل المذهبين. ولم يكن من غير المألوف أن يشنق حكام الأقاليم المواطنين لا لجريمة سوى أنهم هيجونوت(43). وفي نيم ذبح البروتستنت ثمانين كاثوليكياً (1567)(44). وبين عامي 1561 و 1572 اقترفت ثماني عشرة مذبحة للبروتستنت، وخمس للكاثوليك، وأكثر من ثلاثين اغتيالاً(45). واستقدمت كاترين الجنود المرتزقة من سويسرة ولم تعط كونديه جواباً شافياً حين سألها عن قصدها من استقدامهم، واعتقد كونديه وكوليني أن حياتهما في خطر، فحاولا مع أتباعهما المسلحين أن يقتلوا الملك والملكة الأم في مو (سبتمبر 1567) ولكن مونمورنسي أحبط المحاولة. وأصبحت كاترين تخشى كوليني خشيتها جيز من قبل.

 
منشور دعاية يصور عدوان الهيوگنو على الكاثوليك في البحر. Horribles cruautés des Huguenots، القرن 16.

وأحس كوليني وكونديه أن الحاجة ماسة لحرب ثانية ترد للهيجونوت ولو حقوقهم المحدودة. فاستقدما هما أيضاً المرتزقة لا سيما من ألمانيا تعزيزاً لقواتهما المستنزفة، واستوليا على أورليان ولاروشل وزحفا على باريس وطلبت كاترين التعزيزات من ألفا، فوافاها بها فوراً، وفي سان دنيس، خارج العاصمة مباشرة، قاد مونمورنسي ستة عشر ألف رجل ضد جيش كونديه في معركة من أبشع هذه الحروب وأقلها حسماُ. ومات مونمورنسي من جراحه. وراحت فرنسا مرة أخرى تتساءل أي دين هذا الذي يدفع الناس إلى مذابح كهذه، واغتنم لوبيتال الفرصة ليرتب صلح لونجومو (33 مارس 1568)، الذي رد التسامح المتواضع الذي منحه مرسوم امبواز.

وندد الكاثوليك بالمعاهدة ورفضوا تنفيذ شروطها. واحتج كوليني لدى كاترين، فدافعت عن نفسها بضعفها. وفي مايو 1468 أبلغ خوان دي ثونيجال، سفير أسبانيا في روما، أنه سمع من البابا بيوس الخامس أن الحكومة الفرنسية تنظر في اغتيال كوليني وكونديه(46). ولعل مثل هذا النبأ قد نمى إلى الزعيمين البروتستنتيين، فهربا إلى لاروشيل، حيث انضمت إليهما جان دالبير وابنها، الذي بلغ الآن خمسة عشر عاماً وكان يتحرق للعمل. وتكون جيش هيجونوتي جديد، وحشد أسطول، وعززت الأسوار، وصدت كل محاولات بذلتها قوات الحكومة لدخول المدينة. وقبلت المراكب الخاصة الإنجليزية تفويض كونديه، ورفعت رايته، وانقضت على كل ثروة كاثوليكية تقع في يدها(42). وأصبح كونديه السيد المتصرف جنوبي اللوار.

أما كاترين فقد اعتبرت هذه الحرب الدينية الثالثة ثورة، ومحاولة لقسم فرنسا إلى أمتين واحدة كاثوليكية والأخرى بروتستنتية. ولامت لوبيتال على فشل سياسات التوفيق التي أخذ بها، فاستقال، وأحلت مكانه في منصب المستشار مشايعاً متعصباً لآل جيز. وفي 28 سبتمبر 1568 ألغت الحكومة مراسيم التسامح وحظرت البروتستنتية في فرنسا.

وأخذت القوات المتنافسة تتجهز لحرب فاصلة طوال ذلك الشتاء. وفي 3 مارس 1569، التحمت في جارناك قرب أنجوليم. فهزم الهيجونوت، واستسلم كونديه بعد أن أعيته إصاباته، ولكنه ضرب بالنار من المؤخرة ومات. فتسلم كوليني القيادة وأعاد تنظيم الجيش لتقهقر منظم. وفي موكونتور هزم الهيجونوت ثانية، ولكن كوليتي استعاد ببراعة التخطيط ما خسره في المعركة، وزحف الهيجونوت الذين لا تفل لهم عزيمة، برغم افتقارهم إلى الانتصارات، وبلا طعام تقريباً، حتى لم يبق بينهم وبين باريس غير مسيرة ساعات (1570). وعلى الرغم من الاعانات المالية التي أرسلتها روما وأسبانيا، وجدت الحكومة مشقة في تمويل جيوشها وحمل النبلاء الكاثوليك على البقاء في ساحة القتال أكثر من شهر أو شهرين كل مرة. واجتاحت جحافل المرتزقة خلال ذلك البلاد تنهب الكاثوليك والبروتستنت على السواء وتقتل كل من يجرؤ على المقاومة.

وعرضت كاترين على كوليني تجديد معاهدة لونجومو، فرفضها لأنها لا تفي بالغرض، وواصل زحفه. هنا أكد الملك الفتي شارل التاسع سلطته فجأة وأبرم في سان جرمان (8 أغسطس 1570) صلحاً أعطى الهيجونوت الذين هربوا مرارا من قبل أكثر مما كسبوا في أي وقت مضى، أعطاهم حرية العبادة إلا في باريس أو على مقربة من البلاط، وحقهم الكامل في تقلد المناصب العامة، وحق الاحتفاظ بأربع مدن تحت حكمهم المستقل مدى عامين ضماناً لاحترام تنفيذ هذه الشروط. واستشاط الكاثوليك غضباً وتساءلوا، فيم الاستسلام بعد كل هذه الانتصارات؟ واحتج فليب والبابا. وصرفتهما كاترين بتأكيدها أنها إنما تترقب الفرصة المواتية ).

ومع ذلك راحت تدعم الصلح الجديد بعرضها تزويج ابنتها مارجريت فالوا من هنري ملك نافار، الذي أصبح بعد موت ونديه الزعيم الرسمي للهيجونوت. وكانت هذه آخر ضرباتها وأجرئها. لا يهم كونها هي وجان دالبير خصمين لدودين، ولا أن هنري قتل في الحرب من قتل من الكاثوليك. إنما المهم أنه صغير السن مطواع، فلربما استطاع سحر أميرة جميلة مرحة أن يحتذيه بعيداً عن هرطقاته. إذن ستشهد باريس زفافاً باهراً، وسيدعى إليه الرجال والنساء من المذهبين؛ وستبعث من جديد روح النهضة المرحة وسط مرارة الاصلاح البروتستنتي؛ وسيكون هناك تعطيل لنشاط اللاهوت، والحرب، والقتل.

مذبحة سان بارتيليمي

 
Henry, Duke of Anjou, by Jean de Court, c. 1573. As Henry III, he often showed more interest in pious devotions than in government.
 
روية شاهد عيان لمذبحة يوم القديس بارتولوميو بريشة فرانسوا دوبوا (1790 - 1871).

ولكن، أترضي بذلك أم هنري؟ لقد كانت جان دالبير هيجونوتية دماً ولحماً. وحين جاءت إلى البلاط عام 1561 أعلنت أنها "لن تحضر القداس ولو قتلوها قتلاً، وأنها تؤثر أن تلقى بابنها وملكه في البحر عن أن تستسلم(48) "، بل إنها دعت قسيسها الهيجونوتي ليعظها والأبواب مفتوحة على مصاريعها، وتجاهلت في تحد الاتهامات التي رمتها بها الجماهير الباريسية. وحين اعتنق زوجها الكاثوليكية تركته هو والبلاط (1562) وعادت إلى بيارن وجمعت المال والجيش لكونديه. وبعد موت زوجها فرضت البروتستنتية على إقليم بيارن (وكان يضم مدن بو، ونيراك، وتارب، وأورتيه، ولورد)؛ وطردت الكهنة الكاثوليك وأحلت محلهم القساوسة الهيجونوت(49). ولم يسمع بعدها قداس في بيارن طوال خمسين عاماً(50). وحرمها البابا بيوس الرابع وأراد أن يعزلها، ولكن كاترين ثنته(51)، ولعل جان ذكرت هذا حين قبلت عرضها بربط أسرتي فالوا وبوريون برباط الزواج، وذكرت كفاح كاترين الطويل في سبيل السلام. ثم أن أبناء كاترين معلولون. أفليس من المحتمل أن يموتوا كلهم ويتركوا عرش فرنسا لهنري نافار؟ أو لم يتنبأ العراف نوسترا داموسي بأن أسرة فالوا ستنقرض عما قليل؟

أما أكثر أبناء كاترين سقاماً، وهو شارل التاسع، فربما كان فتى محبباً لولا نوبات طارئة من القسوة والغضب تشتعل أحياناً فتستحيل سورة تشرف على الجنون. وفيما بين هذه الغضبات كان قصبة تحركها الريح، وإمعة لا رأى له. ولعله أضعف نفسه بالانهماك في اللذات. كان زوجاً لاليزابيث ابنة الإمبراطور مكسمليان الثاني، ولكن حبه الحرام الثابت كان لخليلته الهيجونوتية ماري توشيه. وكان حساساً للفن والشعر والموسيقى، يحب أن يتلو غنائيات رونزار، وقد كتب في تكريم رونزار أبياتاً جميلة جمال شعر رونزار:


كلانا يلبس تاجاً،

أما أنا فتلقيته ملكاً، وأما أنت فتهبه شاعراً،

أن قيثارتك التي تسحر بأنغامها الحلوة،

تخضع لك الأرواح، التي لا أملك غير أجسادها،

إنها ترقق القلوب، وتسترق الجمال،

في قدرتي أن أعطي الموت، أما أنت فتعطي الخلود.


فلما انضم كوليني إلى البلاط في بلوا (سبتمبر 1571) رحب به شارل كما يرحب الضعف بالقوة. هنا رجل مختلف كل الاختلاف عن الكثيرين الذين يتراقصون حول العرش: جنتلمان، وأرستقراطي، ولكنه هادئ رزين، يحمل نصف فرنسا في قوة كلمته. وكان الملك الشاب يخاطب القائد المكتهل بـ "أبي "، وعينه قائداً للأسطول، ومنحه من جيب الملك الخاص 100.000 جنيه تعويضاً عن خسائره في الحروب. وانضم كوليني إلى مجلس الملك ورأسه في غيابه(52). وكان شارل دائم الغيرة والخوف من فيلب الثاني، كارهاً تبعية فرنسا الكاثوليكية لأسبانيا. واقترح عليه كوليني الرأي في حرب مع أسبانيا تعطي فرنسا قضية توحد صفوف الفرنسيين، وتصحح ذلك الحد الشمالي الشرقي الذي تتعدى عليه أسبانيا، ولقد آن اوانها لأن وليم أورنج يقود ثورة قامت بها الأراضي المنخفضة على سيدها الأسباني، فما هي إلا دفعة قوية حتى تصبح فلاندر فرنسية. واستمع إليه شارل في تعاطف. وفي 27 أبريل كتب إلى الكونت لوي تاسو الذي تزعم التمرد البروتستنتي في إينو يقول "إنه مصمم... على استخدام القوى التي أودعها الله في يده لتخليص الأراضي المنخفضة من الظلم الذي ترزح تحته(53) ". وعرض لوي وأخوه وليم أورنج تسليم فلاندو وأرتوا لفرنسا لقاء تقديمها المعونة الحاسمة ضد أسبانيا(54). وفي خريف تلك السنة تفاوض شارل مع أوغسطين ناخب سكسونيا لتأليف حلف دفاعي بين فرنسا وألمانيا البروتستنتية(55).

أما كاترين فقد حكمت على اقتراحات كوليني بأنها غير عملية إلى حد الحماقة. فمن الخرق أن تعود بهذه السرعة إلى إطلاق شياطين الحرب بعد أن ظفرت بالسلام الذي تفتقر إليه فرنسا أشد افتقار. صحيح أن أسبانيا مفلسة إفلاس فرنسا، ولكنها ما زالت أقوى دولة في العالم المسيحي، ولقد كللت نفسها مؤخراً بالغار حين هزمت الترك في ليبانتو، وإذن فستكسب تأييد كل أوربا الكاثوليكية، ومعظم فرنسا الكاثوليكية- لو دخلت فرنسا حلفاً بروتستنتياً. وفي حرب كهذه سيكون كوليتي القائد الأعلى، وبفضل نفوذه على شارل الطيع سيكون هو الملك الفعلي، وستنحي كاترين إلى شينونسو إن لم يكن إلى إيطاليا. وعلم هنري جيز وهنري أنجو- أخو الملك- في فزع أن شارل سمح لكوليني بتجريد جيش للانضمام إلى لوي ناسو؛ وقهر ألفا هذا الجيش بعد أن نبهه إليه أصدقاؤه في البلاط الفرنسي (10 يوليو 1572). واستمع اجتماع كامل لمجلس الملك إلى كوليني يدفع عن مقترحاته للحرب مع أسبانيا (6- 9 أغسطس 1572)، ورفضت كلها بالاجماع؛ ولكن كوليني أصر عليها قائلا "لقد وعدت على مسئوليتي بمساعدة أمير أورنج، فأرجو ألا يسوء الملك أن أوفي بوعدي عن طريق أصدقائي، وربما بشخصي. " ثم قال للملكة "سيدتي، إن الملك يتجنب اليوم حرباً تعده بمنافع عظيمة، وقانا الله نشوب حرب أخرى لا يقوى على تجنبها(56) ". وانفض المجلس في غيظ شديد لما بدا كأنه تهديد بحرب أهلية ثانية. وقال المارشال دتافان "لتحذر الملكة من مشورات ابنها الملك وخططه وأحاديثه السرية، أن الهيجونوت ظافرون به إن لم تأخذ حذرها(57) ". وأخذت كاترين شارل جانباً ولامته على أنه أسلم عقله لكوليني، فإن أصر على شن الحرب على أسبانيا فستستأذنه في الانسحاب مع إبنها الآخر إلى فلورنسة. وطلب اليها الصفح ووعدها بطاعة الابن لأمه، ولكنه ظل الصديق الوفي لكوليني.

في هذا الجو قدمت جان دالبير إلى بلوا لعقد الزواج الذي كان مزمعاً أن يوحد فرنسا الكاثوليكية والبروتستنتية. وأصرت على أن يقوم الكردينال دبوربون بالمراسيم لا بصفة الكاهن بل الأمير، لا داخل كنيسة ولا خارجاً، وألا يصحب هنري زوجته إلى الكنيسة ليستمع إلى القداس. ووافقت كاترين، وان أفضى هذا إلى مزيد من النزاع مع البابا، الذي رفض الحل لمارجريت بالزواج من الابن البروتستنتي لبروتسنتي محروم. ثم ذهبت جان إلى باريس تتسوق، فمرضت بذات الجنب، وماتت (9 يونيو 1572), وخامرت الهيجونوت الظنون بأنها ماتت مسمومة، ولكن هذا الفرض لم يعد له محل(85)، وحضر هنري نافار إلى باريس من بلوا في أغسطس على الرغم من شكوكه وحزنه، مصحوباً بكوليني وثمانمائة من الهيجونوت. ولحق بهم أربعة آلاف هيجونوتي في العاصمة(59). من جهة ليشهدوا الاحتفالات، ومن جهة أخرى ليحموا ملكهم الشاب. وأثار هذا السيل المتدفق وما رافقه من عشرات العظات النارية حفيظة باريس الكاثوليكية(60)، فنددت بالزواج لأنه استسلم من الحكومة للقوة البروتستنتية. ومع ذلك تم الاحتفال (18 أغسطس) دون حل من البابا، وأتخذت كاترين تدابيرها لتمنع البريد من الاتيان بحظر بايري. وقاد هنري زوجته حتى باب نوتردام، ولكنه لم يدخل معها. إن باريس لم تكن في نظره تسـتأهل بعد أن يحضر قداساً من أجلها. ونزل مع مارجريت قصر اللوفر مؤقتاً.

ولم تجش باريس بمثل هذا الانفعال من قبل إلا فيما ندر. واعتقد الناس أن كوليني يتأهب للذهاب إلى جبهة القتال لأنه ما زال مصراً على المعونة العلنية تبذلها فرنسا للأراضي المنخفضة الثائرة. وأنذر بعض الكاثوليك كاترين بأن الهيجونوت يخططون مرة أخرى لمحاولة خطفها هي والملك(61). وكشف طرق السندانات في أرجاء المدينة عن صنع السلاح على عجل. وفي هذه الفترة الحاسمة وافقت كاترين، فيما زعم ابنها هنري، على قتل الأميرال(62).

ففي 22 أغسطس، بينما كان كوليني يسير من اللوفر إلى بيته، قطع عياران أطلقا من نافذة سبابة يسراه ومزق ذراعه حتى الكوع. واندفع رفاقه إلى المبنى، ولكنهم لم يجدوا سوى قربينة مدخنة، فقد هرب المعتدي من الخلف. وحمل كوليني إلى مسكنه. وحين نمى الخبر إلى الملك صاح غاضباً "ألا يتاح لي الهدوء أبداً؟ " وأرسل طبيبه الخاص، أمبروازياو الهيجونتي، ليعالج جراح كوليني، وعين حراساً ملكيين على بيته، وأمر الكاثوليك بأن يخلوا المساكن المجاورة وسمح للهيجونوت بشغلها(63). وحضرت الملكة والملك وأخوه هنري لمواساة الجريح، وأقسم شارل بـ "اغلظ اليمان " لينتقمن لكوليني من هذا العدوان. وعاود كوليني حث شارل على دخول الحرب للحصول على فلاندر(64). وانتحى به جانباً وأسر أليه شيئا. وبينما الأسرة المالكة في طريقها إلى اللوفر، أصرت كاترين على أن يبوح الملك بالسر. فأجاب "حسنا إذن، قسماً بموت الإله، ما دمت تصرين على أن تعرفي، فهاك ما قاله لي الأميرال: أن السلطة كلها تحطمت في يديك، وأن النهاية ستكون وبالاً عليّ ". وفي سورة غضبه حبس الملك نفسه في غرفته الخاصة. وراحت كاترين تجتر همومها في غيظ وخوف(65).

وذهب هنري نافار إلى كوليني وناقش معه إجراءات الدفاع. وأراد بعض حاشية الأميرال أن يمضوا لتوهم ويغتالوا الزعماء من آل جيز، ولكنه نهاهم. وقال الهيجونوت "إذا لم تجر العدالة مجراها كاملاً فهم لا بد مجروها بأنفسهم(66) ". وراح الهيجونوت يحومون حول اللوفر طوال ذلك اليوم، وقال أحدهم للمكلة إنهم سيقتصون من الجاني بأيديهم إن لم يأخذ العدل مجراها سريعاً(67). ومرت عصابات من الهيجونوت المسلحين المرة بعد المرة بأوتيل اللورين الذي يقيم فيه آل جيز وصاحت تهدد بالموت(68). ولجأ آل جيز إلى الملك طالبين الحماية وتحصنوا في بيتهم. أما شارل فقد اشتبه في أنهم استأجروا القاتل وقبض على نفر من خدمهم وهدد دوق جيز. وأستأذن هنري جيز وأخوه دوق أومال في أن يغادروا باريس، فأذن لهما، ومضيا حتى بوابة سانت أنطوان، ثم انقلبا عائدين واتخذا طريقهما خفية إلى أوتيل اللورين.

وفي 23 اغسطس اجتمع مجلس الملك للتحقيق في الجريمة. وتبين للمجلس أن البيت الذي أطلق منه العياران تملكه (وإن لم تشغله) دوقة جيز الأرملة، التي أقسمت من قبل على أن تثأر لمقتل زوجها فرنسيس، وأن القاتل هرب ممتطياً جواداً من مرابط أسرة جيز، وأن السلاح كان مُلْكاً لأحد حرس الدوق أنجو. ولم يقبض على القاتل قط. وفي رواية لأنجو بعد ذلك أنه هو وهنري جيز قررا الآن أنه لا بد من قتل كوليني وبعض الهيجونوت الآخرين. وبينما كانت كاترين وبعض أعضاء المجلس مجتمعين في التويلري، اندفع إلى الاجتماع عميل لأنجو يسمي بوشافان معلناً أن الهيجونوت في بيت كوليني يخططون لفتنة عنيفة يقومون بها على الأرجح في المساء(69). وأضيف الآن عامل جديد إلى كراهية كاترين للأميرال، وغضبها مما لاح لها أنه أغواء منه للملك ليحرمه من إرشادها، واقتناعها بأن سياسة الحرب مع أسبانيا ستكون وبالاً على فرنسا وعلى أسرتها- ذلك هو الخوف على حياتها من خطر داهم، وخشيتها ان تنتقل كل السلطة سريعا إلى ايدي كوليني وأصحابه. فوافقت على قتل زعماء الهيجونوت(70)، ولكن موافقة الملك كانت أمراً مرغوباً فيه، إن لم يكن ضرورياً، وكان لا يزال يطالب بمحاكمة جميع من لهم علاقة بالهجوم على كوليني. وحوالي الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم (23 أغسطس) أرسلت الملكة الأم الكونت رتز ليحذر شارل من الفتنة المزعومة، وسرعان ما أحاطت كاترين ومستشارها بالحاكم الشاب الذي شارف الآن على الجنون لفرط انفعاله. وأكدت له كاترين أن ثلاثين ألفاً من الهيجونوت يخططون لاعتقاله في الغد وخطفه إلى قلعة بروتستنتية حيث يظل أسيراً لا حول له ولا قوة، أو لم يحاولوا من قبلاً أن يضربوا هذه الضربة مرتين؟ فإذا تم لهم النصر قتلوها للشبهة في إصدارها الأمر بالاعتداء على الأميرال أو السماح بهذا الاعتداء. وقيل للفتى ذي الثلاثة والعشرين ربيعاً أن يختار بين حياة أمه أو حياة ستة من الهيجونوت. فلو أنه رفض الموافقة وتغلبت باريس الكاثوليكية على الثورة، لتنحى جانباً لأنه جبان أحمق. ولكنه قاوم هذه الحجج، وسأل، لم لا يكفي أن يقبض على زعماء الهيجونوت ويحاكموا قانونياً، وأجاب المستشارون أن الوقت فات لتفادي الثورة بمثل هذا الإجراء. وهددته كاترين بأنها ستنسحب إلى إيطاليا وتتركه لمصيره. وأخيراً، بعد أن قارب الليل أن ينتصف، وفي نوبة من الانهيار العصبي والغضب، صاح شارل، "قسماً بموت الإله "، ما دمتم تريدون قتل الأميرال، فأنا موافق، ولكن يجب أن تقتلوا جميع الهيجونوت في فرنسا، حتى لا يبقى منهم أحد ليلومني... اقتلوهم جميعاً! اقتلوهم جميعاً! " وبعد ان لعن وجدف ، هرب من مستشاريه وحبس نفسه في حجرته.

وإذا كان المتآمرون قد دبروا قتل نفر من الهيجونوت، فإنهم اغتنموا الآن فرصة هذا الأمر المجنون الذي نطق به الملك ليستأصلوا شافة الهيجونوت ما أمكنهم ذلك. وأصرت كاترين على حماية هنري نافار، واستشنى أمير كونديه الشاب- هنري الأول- وآل مونمورنسي لأنهم أنبل أصلاً من أن يسمح بقتلهم، وأنقذ الملك الجراح أمبرواز باريه، ولكن الأمر أبلغ لقواد أحياء باريس بأن يسلحوا رجالهم ويستعدوا للعمل بمجرد سماعهم أجراس الكنائس تدق في الثالثة من صباح 24 أغسطس، وهو عيد القديس بارتولوميو. وأعطى دوقا جيز تفويضاً مطلقاً بانقاذ ثأرهما من الأميرال بعد أن طال إرجاؤه. وأرسل هنري جيز كلمة إلى ضباط المليشيا بأن على رجالهم حالما يسمعون ناقوس الخطر يقرع أن يذبحوا كل هيجونوتي يعثرون عليه؛ أما أبواب المدينة فتقفل لتمنع الهاربين من الهروب.

وبينما كان الظلام لا يزال مخيماً قاد جيز نفسه ثلاثمائة جندي إلى المبنى الذي ينام فيه كوليني. وكان على مقربة منه باريه طبيبه، وميرلان سكرتيره، ونيقولا خادمه. وأيقظهم وقع أقدام جند مقبلين، ثم سمعوا طلقات وصياح- كان حرس كوليني يقتلون. واندفع صديق إلى الحجرة وهو يصيح "لقد قضي علينا! " وأجاب الأميرال، "إنني اعددت نفسي للموت منذ زمن طويل، فأنقذوا أنفسكم، لا أريد أن يلومني أحباؤكم على موتكم. أستودع روحي لرحمة الله ". وهربوا واقتحم جند جيز الباب فوجدوا كوليني راكعاً يصلي، وطعنه جندي بسيفه وشق وجهه، وطعنه آخرون، ثم قذف من النافذة وهو حي بعد فسقط على الرصيف أسفلها عند قدمي جيز. وبعد أن تأكد الدوق من موت كوليني أمر رجاله بأن ينتشروا في باريس ويذيعوا هذه العبارة "اقتلوا! اقتلوا! هذا أمر الملك " وفصل رأس الأميرال عن جسده وأرسل إلى اللوفر- وقيل إلى روما(71)، أما الجسد فسلم للجماهير التي مثلت به تمثيلاً وحشياً فقطعت الأيدي والأعضاء التناسلية لتعرضها للبيع، وعلقت بقيته من عرقوبيه(72).

وأرسلت الملكة خلال ذلك الأوامر لدوق جيز بوقف المذبحة لشعورها بشيء من الندم أو الخوف. وكان الجواب أن الأوان فات، أما وقد مات كوليني. فلا بد من قتل الهيجوت وإلا فهم لا محالة ثائرون. وخضعت كاترين وأمرت بقرع ناقوس الخطر. وتلت ذلك مذبحة ندر أن عرفتها المدن حتى في جنون الحرب، واغتبطت الجماهير باطلاق دوافعها المكبوتة لتضرب وتوجع وتقتل. فاقتنصت وذبحت من الهيجونوت وغيرهم عدداً يتفاوت بين الألفين وخمسة الآلاف، واستطاع من بيتوا نية القتل من قبل أن يقتلوا الآن خصومهم وهم آمنون من العقاب؛ واغتنم الأزواج المعذبون أو الطامعون والزوجات الفرصة ليتخلصوا من زوجاتهم وأزواجهن غير المرغوب فيهم، وذبح التجار منافسيهم، ودل الورثة المنتظرون على أقربائهم الذين طال ترقبهم لموتهم واتهموهم بأنهم هيجونوت(73). وقتل راموس الفيلسوف بتحريض أستاذ حسود. واقتحم كل بيت اشتبه في إيوائه الهيجونوت وفتش. وجر الهيجونوت وأبناؤهم إلى الشوارع وذبحوا ذبح الأنعام وانتزعت الأجنة من بطون أمهاتهم القتيلات وهشموا(74). وما لبثت الجثث أن تناثرت على أرصفة الشوارع، وأخذ الصبية يلعبون ألعابهم فوقها. ودخل حرس الملك السويسريون المعمعة وراحوا يذبحون في غير تمييز للذة الذبح الخالصة. وقتل رجال مقنعون الدوق دلاروشفوكو الذي لعب التنس مع الملك بالأمس، وقد حسبهم جاءوا يدعونه إلى حفلة ملكية. ودعي النبلاء والضباط الهيجونوت الذين انزلوا قصر اللوفر باعتبارهم حاشية ملك نافار إلى الفناء وضربوا بالنار واحداً بعد الآخر عند وصولهم. أما هنري فكان قد خرج ليلعب التنس بعد أن استيقظ في الفجر. وأرسل شارل في طلبه هو وكونديه وخيرهما بين "القداس او الموت " واختار كونديه الموت ولكن الملكة أنقذته. أما نافار فوعد بالامتثال فأبقى عليه. وأما عروسه مارجريت النائمة نوماً مضطرباً فقد أيقظها هيجونوتي جريح اندفع إلى حجرتها وفراشها، فأقنعت مطارديه بألا يقتلوه. ذكر السفير الأسباني في تقريره "إنهم يقتلونهم جميعاً وأنا أكتب هذا، إنهم يعرونهم.. ولا يعفون أحداً حتى الأطفال. تبارك الله!(75) " أما وقد أصبح القانون ذاته خارجاً على القانون، فقد انطلق السلب والنهب في غير قيد، وأبلغ الملك أن بعض حاشيته شاركوا في نهب العاصمة. والتمس منه بعض المواطنين المروعين عندما اقتربت الظهيرة أن يأمر بوقف المذبحة، وعرضت جماعة من شرطة المدينة أن تعاون على استتباب الأمن. فأصدر الأوامر بوقف المذبحة، وأمر الشرطة بأن يحبسوا البروتستنت حماية لهم؛ ثم أنقذ بعض هؤلاء، وأغرق غيرهم بأمره في السين. وهدأت المذبحة هنيهة. ولكن حدث في يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر، أن شجيرات الشوك البري أزهرت في غير أوانها في مقبرة الأطفال؛ وهلل الكهنة للأمر حاسبينه معجزة، وقرعت أجراس الكنائس في باريس احتفالاً به، وظنت الجماهير أن هذا القرع دعوة إلى تجديد المذبحة، فأستؤنف القتل من جديد.

وفي يوم السادس والعشرين ذهب الملك في موكب رسمي هو وحاشيته إلى قصر العدالة مخترقاً الشوارع التي ما زالت الجثث مبعثرة فيها، وشهد لبرلمان باريس في فخر بأنه أمر بالمذبحة. وأجاب رئيس البرلمان بخطاب تهنئة طويلة. وقرر البرلمان بأن ورثة كوليني يجب حرمانهم من حماية القانون، وأن بيته في شاتيون يجب أن يهدم، وأن ما بقي من أملاكه يجب أن يصادره الدوق أنجو. وفي اليوم الثامن والعشرين زار الملك والملكة الأم والحاشية عدة كنائس في احتفال ديني للشكر على تخليص فرنسا من الهرطقة ونجاة الأسرة المالكة من الموت.

وحذت الأقاليم حذو باريس باسلوب الهواة، فارتكبت المذابح الجنونية بوحي الأنباء الواردة من العاصمة ليون، وديجون، وأورليان، وبلوى، وتور، وتروا، ومو، وبورج، وانجيه، وروان، وتولوز (24 - 26 أغسطس). وحسب جاك دتو 800 ضحية في ليون، 1.000 ضحية في أورليان. أما الملك فقد شجع هذه الإبادة، ثم نهى عنها، ففي السادس والعشرين من الشهر أرسل تعليمات شفوية لحكام الأقاليم بأن يقتلوا كل زعماء الهيجونوت(76)، وفي السابع والعشرين أرسل اليهم أوامر مكتوبة بأن يحموا البروتستنت المسالمين الممتثلين للقانون. وفي الوقت ذاته كتب لممثله في بروكسل أن يلتمس تعاون الدوق ألفا:

"إن في يد الدوق كثيراً من رعاياي المتمردين، وفي قدرته أن يستولي على مونز ويعاقب (المحاصرين) فيها. فإن أجابك بأن المفهوم من هذا ضمناً قتل هؤلاء السجناء وتقطيع المحاصرين في مونز، فقل لأن هذا يجب أن يفعله(77) ".

ورفض ألفا الدعوة. ولما استولى على مونز سمح للمحامية الفرنسية أن تغادرها دون أن يصيبها أذى. وكان بينه وبين نفسه يحتقر مذبحة القديس بارتلوميو لأنها وسيلة خسيسة للحرب، ولكنه أمام الناس أمر بالاحتفال بالمذبحة انتصاراً للدين المسيحي الحق دون غيره(78).

واستطاع بعض حكام الأقاليم أن يفرضوا على جماهيرهم ضبطاً جديراً بالمتحضرين. فبم يكن هناك مذابح في شمبانيا؛ ولا في بيكاردي، ولا في بريتني، وكان قليل منها في أوفرن، ولانجدوك، وبرجنديا، ودوفيني. وفي ليون ندد كثير من الكاثوليك بالمذبحة، وأبى الجنود أن يشاركوا فيها، وفي فيين بسط الأسقف حمايته على البروتستنت، وخبأت الأسر الكاثوليكية الهيجونوت المهددين بالخطر(79). أما في تروا وأورليان فقد أرخى الأساقفة العنان للمذبحة(80)، وفي بوردو أعلن يسوعي أن الملاك ميخائيل قد أمر بالمذبحة، وندد ببطىء الحكام في إصدار أوامر القتل. وأغلب الظن أن الاقاليم ساهمت بخمسة آلاف ضحية، وباريس بنحو ألفين، ولكن بعضهم يقدر جملة الضحايا بعدد يتفاوت من خمسة آلاف(81) إلى ثلاثين ألفاً(82).

وأغضى الكاثوليك عموماً عن المذبحة باعتبارها انفجاراً للغيظ والثأر بعد سنين من اضطهاد الهيجونوت للكاثوليك(83). أما فليب الثاني فقد ضحك على غير عبوسه وجهامته المألوفة حين سمع النبأ، وحسب أنه لن يكون هناك خطر من تدخل فرنسا في الأراضي المنخفضة. أما الممثل البابوي في باريس فكتب إلى روما يقول: "أهنئ قداسة البابا من أعماق قلبي على أن يد الله جل جلاله شاء في مستهل بابويته أن يوجه شئون هذه المملكة توجيهاً غاية في التوفيق والنبل، وأن يبسط حمايته على الملك والملكة الأم حتى يستأصلا شأفة هذا الوباء بكثير من الحكمة، وفي اللحظة المناسبة حين كان كل المتمردين محبوسين في القفص(84). " وحين وصل النبأ إلى روما نفح كردينال اللورين حامله بألف كراون وهو يهتز طرباً. وسرعان ما أضيئت روما كلها، وأطلقت المدفعية من قلعة سانت أنجلو، وقرعت الأجراس في ابتهاج، وحضر جريجوري الثالث وكرادلته قداساً مهيباً لشكر الله على "هذا الرضى الرائع الذي أبداه للشعب المسيحي "، والذي أنقذ فرنسا والكرسي البابوي المقدس من خطر عظيم. وأمر البابا بضرب مدالية خاصة تذكاراً لهزيمة الهيجونوت أو ذبحهم(85)- وعهد إلى فازاري بأن يرسم في الصالة الملكية بالفاتيكان صورة للمذبحة تحمل هذه العبارة- "البابا يوافق على قتل كوليني (86).

أما أوربا البروتستنتية فقد دمغت المذبحة بأنها همجية كلها جبن ونذالة. وأخبر وليم أورنج المبعوث الفرنسي أن شارل التاسع لن يستطيع أبداً أن يغسل يديه من دم الجريمة. وفي إنجلترا أحدق المطالبون بالثأر باليزابيث، ونصحها الأساقفة بأن السبيل الوحيد لتهدئة غضب الشعب أن تعدم على الفور كل الكاثوليك الذين أودعوا السجون لرفضهم حلف يمين الولاء؛ أو على الاقل يجب إعدام ملكة اسكتلندة فوراً(88). على أن اليزابيث احتفظت بهدوئها. وارتدت ثياب الحداد الثقيل لتستقبل السفير الفرنسي، وقابلت توكيداته بأن المذبحة فرضتها مؤامرة الهيجونوت الوشيكة بعدم التصديق الواضح. ولكنها واصلت ضرب إسبانيا بفرنسا، ومماطلة النسون في الاستجابة لطلب يدها، وفي نوفمبر وافقت على أن تكون عرابة لابنة شارل التاسع.

أما كاترين فقد خرجت من المقتلة مبتهجة منتعشة؛ لقد خضع لها الملك الآن من جديد، وبدا ان مشكلة الهيجونوت حلت. ولكنها أخطأت التقدير، إذ تبين أن ارتداد الكثيرين من البروتستنت الفرنسيين الذين ارتضوا اعتناق الكاثوليكية بديلا عن الموت لم يكن غير ارتداد مؤقت. فما مضى شهران على المذبحة حتى افتتح الهيجونوت الحرب الدينية الرابعة. وأغلقت لاروشيل وعدة مدن أخرى أبوابها في وجه جيش الملك وأفلحت في مقاومة الحصار. وفي 6 يوليو 1573 وقع شارل صلح لاروشيل الذي منح الهيجونوت حريتهم الدينية. إذن فالمذبحة لم تحقق من الناحية السياسية شيئاً.

وانصرف رجال الفكر من الهيجونوت عن شارل التاسع في اشمئزاز شديد، وهم الذين أعلنوا من قبل ولاءهم له، وراحوا يشككون لا في حق الملوك الإلهي فحسب بل في نظام الملكية ذاته. ونشر فقيه هيجونوتي يدعى فرانسوا أوتمان بعد سنة من فراره إلى سويسرة عقب المذبحة كتاباً فيه هجوم عنيف على شارل سماه "الضجة الغالية "، وقال فيه إن جرائم ذلك الملك أحلت شعبه من يمين الولاء له، وأنه مجرم لا بد من عزله. وقبل أن ينصرم العام أصدر أوتمان من جنيف كتابه "غالة الفرنسية " وهو أول محاولة حديثة في كتابة التاريخ الدستوري، وحجته أن الملكية الغالية- الفرنسية قامت على الانتخاب، فالملك- إلى عهد لويس الحادي عشر- كان خاضعاً لمجلس شعبي من نوع ما، والبقايا الهزيلة التي تخلفت من هذه السلطة الانتخابية هي هذه "البرلمانات " الذليلة، ومجلس الطبقات الذي طال إغفاله؛ وهذه السلطة منحت لتلك الهيئات بتفويض من الشعب. "فالشعب وحده صاحب الحق في انتخابات الملوك وعزلهم(89) ". ثم طالب باجتماع مجلس الطبقات دورياً، فهذه الهيئة دون سواها هي التي يجب أن يكون لها سلطة إصدار القوانين، وتقرير الحرب أو السلم، والتعيين في المناصب الكبرى، وتنظيم ولاية العرش، وعزل الملوك الفاسدين. فها هنا بداية هزيم الرعود التي انطلقت عام 1789.

على أن الحياة ذاتها هي التي أنزلت شارل التاسع من عرشه بعد قليل. ذلك أن الخير والشر قد اصطرعا داخله حتى تحطم جسده السقيم بفطرته تحت وطأة الصراع. كان حيناً يشعر بالارتياح الخبيث لجرأة جريمته وعنفها، وحيناً ينحى على نفسه باللوم لأنه وافق على المذبحة؛ وظلت صرخات القتلى من الهيجونوت ترن أذنيه وتطرد النوم عن اجفانه. وبدأ يؤنب أمه ويقول له "من غيرك تسبب في هذا كله؟ قسماً بدم الإله إنك أنت السبب في كل ما حدث ". أما هي فكانت تشكو من أن ولدها مجنون(90). ورانت عليه الكآبة والحزن، وبات نحيل الجسد شاحب الوجه. وكان فيه استعداد قديم للسل، فلما ضعفت مقاومته هدّه المرض، وما أن أقبل عام 1574 حتى كان يبصق الدم. وفي الربيع اشتد نزيفه وعاودته رؤى ضحاياه، وصاح بممرضته "أي سفك للدماء "، أي قتل! يا لها من مشورة شريرة تلك التي اتبعتها! غفرانك ربي!... إنني هالك!(91) ". وأرسل يوم وفاته- 30 مايو 1574 في طلب هنري نافار. فعانقه في حب وقال له يا أخي أنك فاقد صديقاً وفياً. فلو أنني استمعت إلى كل ما قيل لي لما كنت الآن على قيد الحياة. ولكنني أحببتك دائما... وفيك وحدك أضع ثقتي بأن ترعى زوجتي وابنتي صلي إلى الله من أجلي. وداعاً " ثم مات بعدها بقليل قبل أن يبلغ الرابعة والعشرين.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عهد هنري الثالث

 
Catherine's youngest son, Francis, Duke of Alençon, by Nicholas Hilliard, c. 1577. Elizabeth of England called him "her frog" but found him "not so deformed" as she had been led to expect.[11]

الرابطة الكاثوليكية

 
Henry, Duke of Guise, by Pierre Dumoûtier. Disarmed by Catherine's sweetness on meeting her for negotiations at Épernay in 1585, Guise tearfully insisted that his motives had been misunderstood. Catherine told him it would be better if he took off his boots and ate something, after which they could talk at length.[12]

الشهور الأخيرة والوفاة

 
Catherine de' Medici, by François Clouet. As a widow, Catherine wore a widow's cap or a French hood. At the back of her ruff stood a high black collar; and she wore a wide black shirt, pointed bodice, and enormous winged sleeves. "Over all this flowed a long black mantle."[13]
 
Effigies of Catherine de' Medici and Henry II by Germain Pilon (1583), Basilica of St Denis

رعاية الفنون

 
Triumph of Winter, by Antoine Caron, c. 1568
 
The Ballet Comique de la Reine, from an engraving of 1582 by Jacques Patin


 
الدرع.

بعض المؤرخين المعاصرين يعذر كاترين في أسوأ التجاوزات العرش. ولكن أر جي كنيشت يشير إلى أن الدليل على سلسلة قسوتها يمكن العثور عليه في رسائلها. وأيضا يحذر نيكولا ساترلاند من المبالغة في قوة كاترين الحقيقية.

الأنجال


الأسلاف

في الثقافة العامة

 
A scene in Intolerance (1916) by David Wark Griffith : Catherine de Médici leaving the Louvre to inspect the bodies of the Huguenots in the palace courtyard – probably inspired by a detail from François Dubois's famous painting The Saint Bartholemew's Day Massacre (dated to after 1576) and Édouard Debat-Ponsan's similar composition One morning outside the gates of the Louvre (1880).

السينما

التلفزيون

ألعاب الڤيديو

هوامش

  1. ^ Frieda, 35.
  2. ^ Frieda, 45.
  3. ^ Giovanni Capello, quoted by Frieda, 132.
  4. ^ Morris, 247; Frieda, 80.
  5. ^ Frieda, 118; Knecht, Catherine de' Medici, 42–43.
  6. ^ Frieda, 80–86.
  7. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  8. ^ Guy, 102–3.
  9. ^ Quoted by Frieda, 203.
  10. ^ Quoted by Knecht, Catherine de' Medici, 149.
  11. ^ Frieda, 397.
  12. ^ Frieda, 412.
  13. ^ Frieda, 362–63.
  14. ^ Frieda, 69; Heritier, 48, has the twins' deaths the other way round.
  15. ^ The CW. Reign 2013. About

المصادر

  • Babelon, Jean-Pierre. "The Louvre: Royal Residence and Temple of the Arts". Realms of Memory: The Construction of the French Past. Vol. III: Symbols. Edited by Pierre Nora. English language edition translated by Arthur Goldhammer, edited by Lawrence D. Kritzman. New York: Columbia University Press, 1998. ISBN 0-231-10926-1.
  • Blunt, Anthony. Art and Architecture in France: 1500–1700. New Haven, Connecticut: Yale University Press, 1999. ISBN 0-300-07748-3.
  • Brantôme, Pierre de Bourdeille. Illustrious Dames of the Court of the Valois Kings. Translated by Katharine Prescott Wormeley. New York: Lamb, 1912. OCLC 347527.
  • Bryson, David M. Queen Jeanne and the Promised Land: Dynasty, Homeland, Religion and Violence in Sixteenth-century France. Leiden and Boston, Massachusetts: Brill Academic, 1999. ISBN 90-04-11378-9.
  • Carroll, Stuart. Noble Power During the French Wars of Religion: The Guise Affinity and the Catholic Cause in Normandy. Cambridge: Cambridge University Press, 2005. ISBN 0-521-02387-4.
  • Dimier, L. French Painting in the XVI Century. Translated by Harold Child. London: Duckworth, 1904. OCLC 86065266.
  • Frieda, Leonie. Catherine de Medici. London: Phoenix, 2005. ISBN 978-0-06-074492-2.
  • Guy, John. My Heart Is My Own: The Life of Mary Queen of Scots. London: Fourth Estate, 2004. ISBN 1-84115-752-X.
  • Hearn, Karen, ed. Dynasties: Painting in Tudor and Jacobean England, 1530–1630. New York: Rizzoli, 1995. ISBN 0-8478-1940-X.
  • Heller, Henry. Anti-Italianism in Sixteenth-century France. Toronto: University of Toronto Press, 2003. ISBN 0-8020-3689-9.
  • Heritier, Jean. Catherine de' Medici. Translated by Charlotte Haldane. London: George Allen and Unwin, 1963. OCLC 1678642.
  • Holt, Mack P. The French Wars of Religion, 1562–1629. Cambridge: Cambridge University Press, 2005. ISBN 0-521-54750-4.
  • Hoogvliet, Margriet. "Princely Culture and Catherine de Médicis". In Princes and Princely Culture, 1450–1650. Edited by Martin Gosman, Alasdair A. MacDonald, and Arie Johan Vanderjagt. Leiden and Boston, Massachusetts: Brill Academic, 2003. ISBN 90-04-13572-3.
  • Jollet, Etienne. Jean et François Clouet. Translated by Deke Dusinberre. Paris: Lagune, 1997. ISBN 0-500-97465-9.
  • Knecht, R. J. Catherine de' Medici. London and New York: Longman, 1998. ISBN 0-582-08241-2.
  • Knecht, R. J. The Rise and Fall of Renaissance France, 1483–1610. Oxford: Blackwell, 2001. ISBN 0-631-22729-6.
  • Lee, Carol. Ballet in Western Culture: A History of Its Origins and Evolution. London: Routledge, 2002. ISBN 0-415-94256-X.
  • Manetsch, Scott Michael. Theodore Beza and the Quest for Peace in France, 1572–1598. Leiden and Boston, Massachusetts : Brill Academic, 2000. ISBN 90-04-11101-8.
  • Morris, T. A. Europe and England in the Sixteenth Century. London and New York: Routledge, 1998. ISBN 0-415-15040-X.
  • Neale, J. E. The Age of Catherine de Medici. London: Jonathan Cape, 1943. OCLC 39949296.
  • Pettegree, Andrew. Europe in the Sixteenth Century. Oxford: Blackwell, 2002. ISBN 0-631-20704-X.
  • Strage, Mark. Women of Power: The Life and Times of Catherine de' Medici. New York and London: Harcourt, Brace Jovanovich, 1976. ISBN 0-15-198370-4
  • Sutherland, N. M. Catherine de Medici and the Ancien Régime. London: Historical Association, 1966. OCLC 1018933.
  • Sutherland, N. M. The French Secretaries of State in the Age of Catherine de Medici. London: Athlone Press, 1962. OCLC 1367811.
  • Sutherland, N. M. The Massacre of St Bartholomew and the European Conflict, 1559–1572. London: Macmillan, 1973. ISBN 333136292.
  • Sutherland, N. M. Princes, Politics and Religion: 1547–1589. London: Hambledon Press, 1984. ISBN 0-907628-44-3.
  • Strong, Roy. Art and Power: Renaissance Festivals, 1450–1650. Woodbridge, UK: Boydell Press, 1984. ISBN 0-85115-247-3.
  • Thomson, David. Renaissance Paris: Architecture and Growth, 1475–1600. Berkeley: University of California Press, 1984. ISBN 0-520-05347-8. Retrieved 21 March 2008.
  • Tomas, Natalie R. The Medici Women: Gender and Power in Renaissance Florence. Aldershot, UK: Ashgate, 2003. ISBN 0-7546-0777-1.
  • Wilson, Ian. Nostradamus: The Evidence. London: Orion, 2003. ISBN 0-7528-4279-X.
  • Wood, James B. The King's Army: Warfare, Soldiers and Society during the Wars of Religion in France, 1562–76. Cambridge: Cambridge University Press, 1996. ISBN 0-521-55003-3.
  • Yates, Frances. The Valois Tapestries. 1959. London: Routledge & Kegan Paul, 1999. ISBN 0-415-22043-2.
  • Zerner, Henri. Renaissance Art in France. The Invention of Classicism. Translated by Deke Dusinberre, Scott Wilson, and Rachel Zerner. Paris: Flammarion, 2003. ISBN 2-08-011144-2.
  • (بالفرنسية) Zvereva, Alexandra. Les Clouet de Catherine de Médicis. Paris: Somogy, Éditions d'Art; Musée Condé, Château de Chantilly, 2002. ISBN 2-85056-570-9.
  • Young, G.F. The Medici: Volume II. 1920. London: John Murray. OCLC 288522172

وصلات خارجية

كاترين دى مديتشي
وُلِد: 13 أبريل 1519 توفي: 5 يناير 1589
العائلة الملكية الفرنسية
سبقه
إليتانور من النمسا
Queen consort of France
31 مارس 1547 – 10 يوليو 1559
تبعه
ماري، ملكة إسكتلندا
نبيل فرنسي
سبقه
Anne de la Tour d'Auvergne
Countess of Auvergne
1524 – 5 يناير 1589
تبعه
Charles III, Duke of Lorraine