الشـِحر أو مديرية الشحر هي بلدة تقع في ساحل حضرموت حيث تبعد عن المكلا، عاصمة المحافظة، حوالي 68 كيلومتر.

الشـِحـر
Ash-Shihr
البوابة الشمالية للشحر على طابع بريدي صادر في 1942
البوابة الشمالية للشحر على طابع بريدي صادر في 1942
الشـِحـر is located in اليمن
الشـِحـر
الشـِحـر
الموقع في اليمن
الإحداثيات: 14°45′39″N 49°36′25″E / 14.76083°N 49.60694°E / 14.76083; 49.60694Coordinates: 14°45′39″N 49°36′25″E / 14.76083°N 49.60694°E / 14.76083; 49.60694
البلداليمن اليمن
المحافظةحضرموت
المديريةالشحر
الميناءميناء الشحر
التعداد
 (2005)
 • الإجمالي100٬000+
منطقة التوقيتUTC+3 (توقيت اليمن)
الموقع الإلكترونيالموقع الرسمي لبلدة الشحر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

 
جسر وادي سمعون في الشحر.

الشحر مدينة وميناء يمني قديم على بحر العرب بحضرموت شرقي مدينة المكلا، وتبعد عنها بنحو (62 كم) وهي تابعة إداريا حضرموت.

تعد إمكانيات هذا الموقع فريدة بالنسبة لليمن وجنوب شبه الجزيرة العربية لأنه لا يوجد ميناء آخر يعود إلى العصور الوسطى محتفظاً بمثل هذا التراث التاريخي. فقد كان ميناء الشحر عاصمة المنطقة فعلاً ونقطة بحرية وموقع تجاري لجميع السلع التي كانت تأتي عبر البر والبحر أو تلك التي كانت تصنع أو تنتج (السمك والبخور والعنبر والأقمشة والفضة… الخ). كانت تلك البضائع تصل إلى منطقة حضرموت بل وحتى المناطق البعيدة مثل عدن والساحل الأفريقي والخليج الفارسي وجنوب الهند وربما إلى كانتون وهو ما يفسر الشهادة التفصيلية لماركو بولو الذي رأى فيها «مدينة عظيمة» مزودة بميناء رائع. وكانت له مكانة تاريخية على خليج المحيط الهندي في القرن الثالث عشر. ومكنت دراسة الموقع من التعرف على قيمته التاريخية بمقابل أهمية ميناء المكلا وأمام التطور الاقتصادي الجديد الذي يعد جزءً منه. فقد عمل الشركاء اليمنيون في الهيئة العامة للآثار والمتاحف بجهد من أجل حماية الموقع منذ اكتشافه. ونأمل أن تواصل السلطات المحلية جهودها على هذا المنوال.



التاريخ

 
جسر وادي سمعون في الشحر، لقطة البعثة الأثرية في الشحر.

تاريخ الشحر (المسماة في السابق al-Asʿāʾ[1]) يمكن تعقـُّبه إلى نحو سنة 780م.[1]

كانت الشحر ميناءً رئيسياً على طريق تجارة البخور كمصدر للبنان المر إلى أماكن بعيدة مثل الصين.[2] أطلق ابن خرداذبة على المنطقة المحيطة بالشحر بلاد البخور.[3] كما اشتهرت بالعنبر، "العنبر الشحري".[3] كانت الميناء الرئيسي لحضرموت حتى حلت محلها المكلا في القرن التاسع عشر.[3]

كان إنتاج الفخار المحلي في يادغات يُصدر عبر الشحر، ربما في وقت مبكر من القرن العاشر. في عام 980، أسس الفارسيون المنفيون مستودع شارما على ساحل الشحر.[4] ذُكرت هذه الموانئ المتنافسة معًا في أعمال الجغرافيا الإسلامية في العصور الوسطى. كتب المقدسي في عام 985 أن شارما والشحر كانتا تابعتين للزياديين. حوالي عام 1150، كتب الإدريسي أن شارما والشحر كانتا تقعان على طريق الإبحار من عدن إلى مرباط وكانا يفصل بينهما مسيرة يوم واحد تقريباً. حوالي عام 1300، أشار الدمشقي إلى أن شارما والشحر كانتا ميناءين رئيسسيين لحضرموت.[5] كما أشار ابن خلدون للشحر في مقدمته.[6]

سياسياً، كانت الشحر تحت حكم الزياديين (818-981)، وبني معان (القرن الحادي عشر)، والدولة الرسولية (1228–1454) والطاهريين. بعد فترة وجيزة فقدتها الأخيرة لسلطنة الكثيري في عهد بدر بن طويرق عام 1462. وفي القرن السادس عشر، هوجمت عدة مرات من قبل الپرتغاليين، الذين أطلقوا عليها اسم زاير أو زايل. لا تزال هناك قبور على طول الشاطئ يقال إنها لضحايا الپرتغاليين.[3] لاحقاً، أصبحت الشحر إحدى المدن الرئيسية الثلاث في السلطنة القعيطية، قبل أن يتشكل اليمن الموحد، كانت المدينتان الأخرتان هما المكلا وشبام.[7]

زار كارستن نيبور الشحر في القرن الثامن عشر.[3]

الحضارم الذين هاجروا إلى شرق أفريقيا ونسلهم يـُعرفون بـ "الشـِحري"، لأن معظمهم انتقلوا عبر ميناء الشحر.[3]

كتب التاريخ

 
تاريخ الشحر المسمى العقد الثمين الفاخر في تاريخ القرن العاشر.


الحفريات الأثرية

 
الشحر، المدينة وأحيائها، المناطق الأثرية، البعثة الأثرية 2002.

لعبت مدينة الشـِحر التي حلت في بداية العصر الإسلامي مكان ميناء قنَا القديم دور بوابة حضرموت على المحيط الهندي لأكثر من ألف عام (632–1915). وقد جاء ذكرها في عشرين مصدراً من مصادر العصر الإسلامي الوسيط على أنها إحدى ممالك شبه الجزيرة العربية وأهم المنافذ البحرية بين عدن وعمان وبين الساحل الجنوبي للجزيرة العربية وأفريقيا والهند. في عام 1915م، حلت مدينة المكلا محل مدينة الشحر (انظر خريطة من إعداد هاردي وروجيل)، إلا أن مدينة الشحر في عام 2007 كانت لا تزال محتفظة بإطلال منشأتها الإسلامية في حي القرية القديم المتاخم للميناء الجديد الذي تم تشيّده في عام 2006. وقد تم التعرف على تلك الأطلال بفضل الجهد الحثيث الذي قامت به الهيئة العامة للآثار والمتاحف GOAM في كل من المكلا وصنعاء إلى جانب عمل البعثة الفرنسية بهدف حماية الموقع من المستثمرين.[9]

تم الحفر في هذا القطاع الأثري الذي يمتد على مساحة مقدارها هكتاراً واحداً خلال الحملات الأثرية الخمس في الفترة ما بين 1996 و2002، في حين كرست الحملة السادسة عملها في عام 2007 كمرحلة أولى بدارسة المواد الأثرية للموقع. وقد أثبت علم الآثار بأن تاريخ تأسيس المدينة يعود إلى عام 780م وإلى وجود استيطان شبه مستمر حتى يومنا هذا في تل القرية. ومن خلال المسح الطبقي تم العثور على 15 طبقة استيطان تندرج ضمن عشرة مراحل زمنية رئيسية.

التسلسل الزمني بناءً على الحفريات

 
مخطط بلاد الشحر وحضرموت، مقتطف من مخطوطة الملك المؤيد داؤود بن يوسف المظفر (1296).[10]

تذكر الحكايات الشفهية بأن مدينة الشحر دخلت في الإسلام منذ عام 632م، إلا أن عمليات الحفر الأثرية أظهرت أن أول استيطان كان إسلامياً ويعود إلى عام 163هـ/780م تقريباً والذي تم الكشف عنه من خلال الحفريات التجربية السبع (بارتفاع جيوديسك 4.30)، وهو عبارة عن مجمع مساكن مبنية من مواد خفيفة قائمة على كثبان رملية. وقد تم تحديد تاريخ تأسيسه من خلال التعرف على المواد الخزفية الشائعة والخاصة بنهاية القرن الثامن مع الأخذ في الاعتبار سماكة الردم 30سم الذي يفصلها عن التربة الطينية الأولى لمرحلة الاستيطان في العصر العباسي في عهد مدينة سامراء (850م -900م). لحقت مرحلة الاستيطان هذه عدة مراحل استيطانية أخرى اتسمت بسماكة طبقات التربة المدكوكة (يصل عددها إلى ثلاث طبقات) واحتوت الطبقات على الخزف المحلي الشائع المرتبط بمواد تعود للعصر العباسي (8 أنواع) تم استيرادها من سامراء وسيراف أو من البصرة التي تتوافق مع «فترة مدينة سامراء» والشحر. في نهاية القرن العاشر أو مطلع القرن الحادي عشر ظهرت في مرحلة الاستيطان الثالثة مساكن مبنية من طوب اخضر ذات الأرض المغطاة بالطين والجدران المجصصة (موقع 5.30 م/6.30م) والمبنية من الحجارة، وقد استمرت مع وجود بعض التعديلات حتى القرن الثاني عشر الميلادي، ومن ثم تم هجرها حتى طمرت وسيوت بالأرض. وعلى هذه الطبقة المردومة (موقع 6.30م) تم بناء أكواخ ذات أعمدة خشبية كانت تأوي تحت أسقفها أنشطة حرفية مرتبطة بمهنة صيد السمك مثل التجفيف والشواء والحرق، كما يتضح ذلك من بقايا الأسماك المطهية والعديد من حُفر الحرق وطبقة الرماد بسمك 50 سم التي تغطي التل في القرن 13–14م التي تحديد تاريخها بواسطة مادة Mustard Ware التي كانت موجودة بكثرة (خزف يمني من طين أحمر وطلاء زجاجي أصفر مع وجود زخارف خطية باللون البني الغامق من مادة المنغنيز المستخرجة من واحة أبين أو قروا على الأرجح). ويفسر التباين بين هياكل هذا المستوى وهياكل المستوى السابق بوجود تحول اجتماعي اقتصادي جذري للحي في تلك الفترة.

تمثلت مراحل الاستيطان الأربع اللاحقة والتي تخص فترة ما بعد العصر الإسلامي الوسيط (القرن الرابع عشر–القرن السابع عشر) مرة أخرى بوجود المباني الحجرية التي تزامنت مع وجود أعمال منزلية (الطبخ وطحن الحبوب وتخزين السلع الغذائية) وأخرى حرفية (صناعة الزجاج والمعدن). على قمة التل كان هنالك منازل حجرية تم بنائها في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وتخص مرحلة الاستيطان التاسعة. عند اكتشاف هذا الموقع في عام 1995م كانت تلك المباني قد اندثرت، وكان جزء كبير من مساحته مغطى بطبقة سميكة من التربة الصلبة وطبقة من زيت السمك الذي كان يتم تجفيفه فوقها. وتتطابق حالة السطح الأخيرة هذه مع طريقة الحفظ التقليدية للأسماك في المنطقة والتي تمثل مرحلة الاستيطان العاشرة للموقع، أي قبل قيامنا بأعمال التنقيب الأثري تماماً.

موارد الميناء

 
منزل من القطاع الشرقي، الشحر، القرن الحادي عشر، بمحاذاة أحد الشوارع غرباً.

إذا صح القول بأن مدنية الشحر كانت ميناءً بالفعل، فأي نوع من البضائع كانت متداولة فيه؟ اتفق الكتاب العرب (أبو زيد الحسن (916م)، والمسعودي (956م)، والمقدسي (985م) وابن حوقل (988)، وعمارة الحكمي (1122) على وجود ثلاثة بضائع رئيسة هي: البخور والعنبر والسمك. ومع ذلك وبناءً على نصوص القرن الثالث عشر وملاحظاتنا من منظور أثري أو اثنوجرافي فمن المحتمل وجود بضائع أخرى تخص الفترات السابقة. فقد ذاع صيت مدينة الشحر بفضل لبان البخور التي تنمو شجرته في المناطق الداخلية بعيداً عن الساحل وقد ذكر ذلك اثنا عشر كاتباً من العصر الإسلامي الوسيط لدرجة أن كتاب عجائب الهند(950م) أطلق عليها «الشحر مدينة البخور». وتؤكد المباخر التي عُثر عليها في جميع مستويات الحفر في حي القرية وشرق الشحر والبالغ عددها59 مبخرة، وبأشكالها التسعة المختلفة، على الاستخدام المنزلي لهذه المادة العطرية أثناء مراحل الاستيطان كلها. ففي بداية العصر الإسلامي حلّ ميناء الشحر محل ميناء قنَا الذي يعد بالنسبة لحضرموت المركز التجاري للبخور في فترة حضارة جنوب الجزيرة العربية. وقد أطلق على العنبر الرمادي الذي كان يجمع على الساحل ويستخدم كعطر أو دواء في النصوص «بعنبر الشحر». فعلى مر العصور عُرفت مدينة الشحر بمياهها الوفيرة بالأسماك التي كانت تمثل مادة العيش الأساسية للسكان والمواشي على حد سواء، حيث يعد السمك الطازج أو المجفف سلعة التجارة الإقليمية التي كانت تصدر في العصور الوسطى باتجاه المناطق الداخلية حتى مدن حضرموت الكبرى وحتى مدينة البصرة أيضاً عن طريق البحر كما ورد عند المقدسي. ويتم اليوم تصدير التونة المجمدة من الشحر إلى منطقة بريطانية الفرنسية. وبالنظر إلى بعض المنتجات الزراعية المحلية التي تباع اليوم في سوق الشحر مثل التمر والموز والبقوليات والقرعيات والأغنام والماعز والجمال فإننا نسلم بوجود حالة تختلف قليلاً عما كانت علية الزراعة والتربية الحيوانية في العصر الإسلامي الوسيط. ومن المحتمل وصول التوابل الهندية المذكورة في النصوص القديمة إلى الميناء منذ نهاية القرن الثامن الميلادي في نفس الوقت الذي وصلت فيه الأواني الهندية التي عثر عليها في طبقات الحفر والتي تعود إلى تلك الفترة.

 
منصة لأكواخ ذو أعمدة خشبية تعود للقرن الثالث عشر، الشحر.

فإذا سلمنا بما ورد في دفاتر الحسابات الخاصة بالدولة الرسولية، فإن العديد من الأقمشة والملابس كانت تصنع في الشحر وتصدر إلى عدن. وبإمكاننا تصور أن هذه الحرفة كانت قد بدأت في وقت مبكر وإن لم تذكر في النصوص القديمة. وأخيراً، وبالنظر إلى كمية وتنوع المواد المصنوعة من الفضة التي لا تزال متداولة حتى اليوم في سوق الشحر، مع الأخذ في الحسبان ما ورد عن استيراد كميات كبيرة من الفضة من الصين أكثر من عدن في مخطوطة «نور المعارف في نظم وقوانين وأعراف اليمن» التي تعود إلى فترة الدولة الرسولية والمؤلفة خلال الفترة ما بين 1290م و1295م، فمن المحتمل أن الشحر كانت قبل هذا التاريخ بوقت طويل مركزاً لتصنيع وتجارة المواد الفضية. تم العثور على ورشة لصناعة الزجاج في طبقات فترة استيطان الخاصة بالقرن السادس عشر. وقد عزز وجود هذا النشاط الحرفي في مدينة الشحر وجود ثمان بوتقات وخبث ثلاث كرات زجاجية تم استخراجها أثناء عمليات الحفر. إلا أن المجوعة الزجاجية (1700 جزء) كانت تضم أطباق و185 سواراً تمتد على فترة زمنية أطول. وتشهد الأواني الزجاجية المصنوعة على شكل قوالب (دوائر لؤلئية، وزخارف عمودية) والمطروقة على شكل خطوط سواء من اللون الأزرق البروسي (القرن الثامن–القرن التاسع الميلادي) والأرجواني (القرن الثاني عشر) والأخضر (القرن الخامس عشر–السادس عشر)، على تداول هذه المقتنيات القادمة من مدن مختلفة من الشرق الأدنى والأوسط.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ميناء بشهرة عابرة للقارات

 
تنقيب لموقع الشحر عام 1997.

تظهر المواد الأثرية التي معظمها من الخزف (أكثر من 100000 قطعة) الدور الذي لعبه هذا الميناء في التجارة الإقليمية والدولية. وتشهد على حدوث عمليات للتبادل التجاري من خلاله مع الهند والصين منذ مطلع القرن التاسع ومع أفريقيا في القرن الحادي عشر بالإضافة إلى تداول البضائع مع البلدان الإسلامية في العصر العباسي الواقعة في الشمال كالعراق وإيران (القرن الثامن–القرن الثاني عشر). فقد وصلت أواني الطبخ الهندية إلى الشحر منذ القرن التاسع متزامنة مع الخزف الساساني الإسلامي. وقد تم الإشارة إلى وجود خط بحري بين كلاه (كيده) برمانيا حالياً و» الشحر مدينة البخور «في كتاب عجائب الهند في عام 922م وقبلها بقرن واحد عرف منطقة الشحر التاجر العربي سليمان قام برحلة إلى الهند والصين والتي ذكرها في كتابه عام 851م. وتظهر الأدلة الأثرية في الميناء على وجود الاتصال مع دول جنوب أسيا من خلال الأواني الخزفية المصقولة بحوافها المركبة والقادمة من الهند في المراحل الأولى للعصر العباسي وحتى القرن الخامس عشر والسادس عشر. ربما يعود تاريخ مجموعة الخزف الصيني (2500 قطعة) المكتشفة في الشحر إلى الفترة ما بين 850م–1850م. وتقتصر المواد المعاصرة للعصر السامري على قطعة من تشانگشا (عصر تانگ 604م–906م)، وبعض الأطباق ذات الحواف المصنوعة في قوالب والمطلية باللون الأبيض (عصر سونگ) وأواني صلبةّ مغطاة باللون الأخضر. وبالرغم من أن عمليات الحفر الخاصة بهذه الفترة كانت محدودة، إلا أنها لم تكشف مطلقاً عن أي نوع من أنواع المقتنيات المتطورة الموجودة في شرمة، لاسيما في مجموعة القرنبيه الرقيقة التي يعود تاريخها إلى ما بين 1050م و1160م. وهو ما يعزز فرضية أن الميناء المجاور لم يكن له دور في التوزيع الإقليمي لوارداته.


 
تنقيب لموقع الشحر عام 1999.

إلا أنه في المقابل، توافق وجود مقتنيات صينية من العصر القديم في الشحر مع المصادر الصينية، فالتاريخ الرسمي لتانج شو يذكر الشحر باسم (شويگو) على أحد الطرق البحرية الخارجة من مدينة گوانگ‌ژو الصينية (كانتون) في نهاية القرن الثامن أو مطلع القرن التاسع تقريباً. ويعد الخزف الأزرق والأبيض من فئة الخزف الصيني المتواجد بشكل كبير من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر. كانت أواني لونكوانّ المغطاة بالأخضر والأزرق المائل إلى اللون الأخضر الداكن (سيلادون) والأطباق والكؤوس غالباً مزخرفة بوردة اللوتس محزوزة أو مقلوبة على جدر الأواني أو مزخرفة بأسماك بارزة تدل على أن «منزلك ليمتلئ بالذهب والزبرجد الصافي». وكانت إحدى جرار الزينة المطلية باللون البني تحمل صينياً (عطر). تم العثور على خزف أفريقي من نوع تانا في الشحر مرتبط بسجرافياتو sigraffiato. وتم التحقق من هذه المصادفة في المواني التجارية على الساحل الإفريقية في ماندا وكيلوا وجيدي وشانغا. ونلاحظ أن سيجرافياتو (ذات الألوان المتعددة) وسيجرافياتو الفارغة بمعنى أن الأصناف الأخرى ليسيجرافياتو كانت هي أيضا موجودة. وقد أهملت النصوص الاتصال بين ميناء الشحر وأفريقيا فيما يخص الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر. ويقدم علم الآثار دليلاً على وجود هذا الاتصال منذ القرن الحادي عشر. وهو ما أكدته مخطوطات العصر الرسولي في نهاية القرن الثالث عشر والتي تنص على وجود سفن في ميناء الشحر قادمة من مقديشو، وفي القرن الخامس عشر عبر الطرق البحرية مروراُ بجزيرة سقطرى وهي الفترة التي كان فيها الحضارمة يقومون بنشر الدين الإسلامي في السواحل الأفريقية. كانت أكبر القوارب الراسية أمام ميناء الشحر في عام2002 قادمة من الصومال.

التاريخ العمراني

 
مسجد العطاس في الشحر.

تركز التجمع السكاني في بداية الإسلام حسب علم الآثار في حي القرية (مع أول مسجد بني في الموقع الحالي للجامع الكبير). ثم اتسع انطلاقا من ثلاث مساحات مقدسة (حوطات) كان أقدمها بلحاف الواقعة باتجاه الشرق على حافة البحر وفي حي المجراف حالياً. أما الساحتان الأخيرتان: آل باحون في الشمال الشرقي لقرية وآل با قريب في غرب قرية وأطلقت هذه الأسماء على الأحياء الحالية. ففي اليمن عموماً وحضرموت على وجه الخصوص تعطي إقامة رجل صالح في مكان ما نوعاً من القداسة لهذا المكان ويتحول هذا المكان إلى مكان مقدس يسمى بــ (الحوطة) وعند وفاة الرجل الصالح يتم إنشاء قبة يدفن تحتها أو مسجد يتم دفنه بالقرب منه ثم يتحول هذا المكان الى نقطة توسع عمراني. وهكذا امتدت المدينة انطلاقاً من هذه الحوطات. وقد اتسع الاستيطان في عهد الدولة العباسية من الجانب الشرقي لوادي سمعون إلى الحدود الشرقية لجبل القرية بطول نصف كيلو متر من الشرق إلى الغرب وبعرض أربعمائة متر شمالا وعلى بعد 60متراً من الشاطئ. وفي القرن التاسع كانت المدينة القديمة تمتد على مساحة تقدر بعشرة هكتارات. وفي القرن الحادي عشر تم بناء منازل حجرية على الشاطئ في حي القرية. وفي عهد الدولة الرسولية (1229م–1454م) كانت المدينة واقعة تحت نفوذ السلطان وقد قدمت مخطوطة السلطان الرابع لهذه السلالة والذي توفي عام 1296م مخطط للمدينة «مدينة الشحر وحدودها». يعرض المخطط سوراً دائرياً عليه أربعة أبواب موزعة على الجهات الرئيسية الأربع: باب الساحل باب الميناء من الجهة الجنوبية، باب حضرموت من الجهة الشمالية، باب سمون من الجهة الغربية وباب ريدة من الجهة الشرقية. ويظهر على الخريطة أيضاً جبال حضرموت والمراكز الرئيسية في المنطقة مثل تريم وشبام والهجرين وقبر النبي هود. وقد تم إغلاق السور الشرقي لحي القرية في القرن السادس عشر كما ذكر عبد الرحمن الملاحي. ويظهر على مسح مرسى الشحر الذي أعده الكابتن هينس في عام 1835–1839م دار الجمارك وقلعة مربعة الشكل بأبراج على الأركان مع مجموعة صغيرة من المساكن. ففي عام 182م اتخذت أسرة الكثيري من مدينة سيئون عاصمة لها والتي كانت على السلطة منذ عام 1464م عقب أسرة بادجانة. في حين أن أسرة القعيطي سيطروا على المدنية عام 1867م حيث قام هؤلاء بعمل سور حول المدينة بطول كيلوا متراً مفتوح من جهة الشاطئ يتخلله 35 برجاً وبوابتين كبيرتين مرتفعتين على الدوام: باب العيدروس من الجهة الشمالية وباب الخور من الغربية. يمتد الطرفان الغربي والشرقي للسور على البحر عبر بوابتي النوبة الغربية والنوبة الشرقية. تمتد المدينة على 120 هكتارا وتضم سبع أحياء داخل سور المدينة. في مطلع الثمانينات توسعت المدينة إلى خارج نطاق الأسوار بمخططات بطابع التخطيط الرئيسي ومحيط خارجي ومحورين لتأمين الوصول إليها، المحور الشمالي من باب العيدروس والمحور الغربي الشرقي باتجاه المكلا ووادي حضرموت، ومن الغرب باتجاه الحامي ومن الشرق باتجاه الديس وشرمة وسيحوت. ففي عام 1996م، تم بناء وادي سمون داخل المدينة وتم تزويد الشاطئ بمؤسسات صيد من جمعيات تعاونية ومخازن تبريد وأسواق. وصلت المناطق السكنية من جهة الشمال الشرقي إلى قرية دفيقة وأصبحت داخلة فيه عام 2002م. وفي الأخير، تم ردم 400 متر فوق البحر في عام 2006م وتم إنشاء ميناء قبالة ساحل القرية.

منذ عام 1999، شرعت البعثة الأثرية في عملها داخل المدينة القديمة بغرض تقييم بعض التغيرات في مواد البناء وقامت بمسح عينة من المباني. وحّل مكان المباني المعمورة من الطوب والحجارة التقليدية وبشكل تدريجي البناء الأسمنتي والخرسانة المسلحة. وتم تسجيل وجود بعض المباني المتواضعة للصيادين والمباني المتوسطة والكبيرة للتجار إلى جانب مستودع صيد مزدوج(حوش) وقبة ضريح في مقبرة الشيخ سعد.



التجارة

وكانت السلع التجارية الرائجة فيها: البز واللبان والـُمـر والصـبر وـ العنبر الدخني ـ، إلاَّ أنها اشتهرت كثيراً باللبان الذي ينسب إليها (اللبان الشحري). وتعتبر الشحر اليوم من اهم مناطق الانزال السمكي باليمن حيث يوجد بها ميناء سمكي يأوي قوارب الصيادين وكذلك يتبع لها ميناء الضبة النفطي الذي يعد المنفذ الأهم في تصدير النفط اليمني.

الهامش

  1. ^ أ ب Claire Hardy‐Guilbert; Sterenn Le Maguer (2010), "Chihr de l'encens (Yémen)", Arabian Archaeology and Epigraphy 21 (1): 46–70, doi:10.1111/j.1600-0471.2009.00322.x, http://www.academia.edu/download/33734507/2010_HardyGuilbert_LeMaguer.pdf ، في 47.
  2. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Kauz2010
  3. ^ أ ب ت ث ج ح G. R. Smith (1997). "al-Shiḥr". In Bosworth, C. E.; van Donzel, E.; Heinrichs, W. P.; Lecomte, G. (eds.). The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Volume IX: San–Sze. Leiden: E. J. Brill. pp. 438–439. ISBN 90-04-10422-4.
  4. ^ Axelle Rougeulle (2007), "Ceramic Production in Medieval Yemen: The Yadhghat Kiln Site", Proceedings of the Seminar for Arabian Studies: 239–252 .
  5. ^ Axelle Rougeulle (2003), "Excavations at Sharmah, Ḥaḍramawt: The 2001 and 2002 Seasons", Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 33: 287–307 , p. 287.
  6. ^ Ibn Khaldun (1967). N.J. Dawood (ed.). The Muqaddimah: an Introduction to History (in الإنجليزية). Vol. 1. Translated by Franz Rosenthal (2 ed.). Princeton, N.J.: Princeton University Press. pp. 122, 124, 126–7. OCLC 750556436.
  7. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Laughlin2008
  8. ^ محمّد بن عمر الطيّب بافقيه. "تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر". books.rafed.net.
  9. ^ كلير هاردي جيلبير. "مدينة الشحر: بوابة حضرموت على المحيط الهندي (القرن 8–21م)". openedition.org. pp. الصفحات 251-263.
  10. ^ (كتاب ارتفاع الدولة المؤيدية، تحرير محمد عبد الرحيم جازم، 2008).