الكلبية، هو ذهب فلسفي أسسه في القرن الرابع قبل الميلاد الفيلسوف أنتيسثينيز، أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط. وكانت نقطة البداية لهذا الفيلسوف هي مذهب معلمه، الذي يرى الفضيلة وليس المتعة ـ الهدف الأساسي للحياة، وأنها تمثل السعادة الحقيقة. ويرى أنتيسثينيز أن الشخص الحكيم هو الذي ينظر باحتقار لكل الرغبات المألوفة في الحياة، ويعيش غير عابئ بالثروة والجاه. وأكّد أن السعادة الدائمة أمر غير ممكن، مادامت للشخص حاجات ورغبات لا يستطيع إشباعها، وهو غير مقيد بأية التزامات، نحو المجتمع أو الدولة أو الأسرة، لأن هذه الأشياء تولِّد رغبات لا يمكن إشباعها. [1]

والتشاؤميون أشبه بالكلبيين بعدم الثقة من وجود الخير في الطبيعة البشرية. ومن الذين كان لهم أثر بارز في فلسفة التشاؤم الفيلسوف الألماني شوبنهاور.

وكان ديوجين واحدًا من أتباع أنتيسثينيز المتحمسين، إذ اتبع الفلسفة الكلبية إلى درجة التطرف. ويقال إنه كان يعيش على أردأ أنواع الخبز، وينام في أحد الأحواض. وقد أنشأ زينون الفلسفة الرواقية، وهو مذهب كلبي ساد في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق.م. انظر: الفلسفة الرواقية.

في القرن التاسع عشر ، تغير مفهوم الكلبية ليعني سلبية شديدة، و ارتياب عام في نزاهة دوافع الآخرين، خصوصا في القيام يالأعمال الأخلاقية. يمكن أن تتجلى الكلبية في الإحباط ، وخيبة الأمل و غياب الثقة تجاه المنظمات، السلطات، و نواحي أخرى من المجتمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التسمية

وتشير بعض المراجع إلى أن الاسم كلبي نسبة إلى سينوسارغس، وهو اسم لمبنى في أثينا، التقى فيه الكلبيون لأول مرة. وتشير المراجع الأخرى إلى أن الاسم مستمدٌ من الكلمة اليونانية التي تعني كلب. وأنها إشارة إلى السلوك الفظ الذي يتصف به الكلبيون ونباحهم في وجه المجتمع الفاسد ليتخلى عن حماقاته. وفي الحديث العادي لدى الغربيين، يوصف الشخص الذي يسخر من الفكرة القائلة بوجود الخير في الطبيعة البشرية بأنه كلبي.


النشأة

نشأة الكلبية

في ظل صراعات الدولة القومية، والقوى الاقتصادية، والأحزاب السياسية، وتنوع المذاهب الدينية، وفي غمرة هذا كله، بدأت تتشكل المسرحية الأساسية في التاريخ الأوربي الحديث، وما هي إلا نضال من أجل الحياة جهدت فيه ديانة عظمى، ضيق عليها الخناق واستنزف قوتها، العلم والطائفية والأبيقورية والفلسفة. هل المسيحية في الطريق إلى الفناء؟ أو هل الديانة التي أمدت المدينة الغربية بالأخلاق والشجاعة والفن تعاني انحلالاً بطيئاً، بفعل انتشار المعرفة واتساع الآفاق الفلكية والجغرافية والتاريخية، والتحقق من الشر في التاريخ والنفس، وتخلخل الإيمان بالحياة الآخرة وضعف الثقة في حسن توجيه العالم؟. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا هو الحديث الأساسي في الأزمنة الحديثة، لأن الديانة هي روح المدنية، والمدنية تفنى بفناء عقيدتها. ولم تعد القضية في نظر برونر وديكارت، وهوبز وسبينوزا، وباسكال وبل، وهلباخ وهلفيش، وفولتير وهيوم، لبنتز وكانت، قضية كثلكة ضد برتستانتية، بل قضية المسيحية نفسها، قضية الشك والرفض والإنكار-لأعز الأساسيات في العقيدة القديمة. أن مفكري أوربا-وهم طلائع العقل الأوربي-لم يعودوا يناقشون سلطة البابا، بل كانوا يناقشون وجود الله.

وثمة عوامل كثيرة أدت إلى الكفر. إن مبدأ المحاكمة العقلية أو تكوين رأي خاص، وهو المبدأ الذي اتهمته الكنيسة الكاثوليكية وأدانته لأنه يدعو إلى الفوضى المذهبية والأخلاقية، نادت به وأقرته كل الهيئات البروتستانتية تقريباً، ثم شجبته وأدانته فيما بعد، وفي الوقت نفسه قوض هذا المبدأ أركان العقيدة. أن الشيع المتزايدة قاتلت بعضها بعضاً، وكأنها ذراري بالغة الكثرة، وفضحت مطالب بعضها بعضاً، وتركت الديانة عارية في مهب رياح العقلانية. وأهابت هذه الفروق والشيع لنصرتها في أثناء صراعها، الأسفار المقدسة والعقل كليهما. ودعت دراسة الكتاب المقدس إلى الشك في معانيه وفي عصمته من الخطأ. وأنهى اللجوء إلى العقل عصر الإيمان. وحقق الإصلاح البروتستانتي أكثر مما كان يصبو إليه.وأضربت بصورة خاصة، حملات النقد الذي أنصب على الكتاب المقدس، بالمذهب البروتستانتي الذي أقيم في طيش وتهور على كتاب مقدس منزل من عند الله. إن التحسينات التي أدخلت على النظام الاجتماعي وأمن الناس، خففت من الإرهاب والقسوة، وأحس الناس أنهم لا بد لهم أن يدركوا أن الله سبحانه وتعالى أرحم وألطف مما صوره لهم بولص وأوغسطين وليولا وكلفن، ولم تعد الجحيم والقضاء والقدر أموراً يمكن تصديقها، وأجرت الأخلاقية الجديدة اللاهوت القديم. وهيأ نمو الثروة لانتشار نزعة حياة أبيقورية التمست لها فلسفة تبررها. إن كارثة الحروب الدينية انصبت على رأس الديانة نفسها فكانت هي ضحيتها. إن ازدياد المعرفة بالأخلاق والفلسفات الوثنية. وبالعبادات والطقوس الآسيوية أثار مقارنات محيرة بالمسيحية. ألم نسمع أرزم يدعو ويتوسل إلى "القديس سقراط" ألم نرَ مونتيني يرجع المذاهب الدينية إلى أحداث الجغرافيا وإلى حكم الحروب؟ وكشف تقدم العلم عن عمل "القانون الطبيعي" في كثير من الحالات، ومثال ذلك مسار المذنبات الذي رأت فيه الديانة يد العناية الإلهية. ووجدت الطبقات المتعلمة أنه من الصعب عليها أن تصدق أو تؤمن بالمعجزات على حين ابتهج وفاخر بها غير المثقفين. ثم هذه الأرض التي تقول الأساطير الأثيرة لدى العامة بأنها أحست "بأقدم الرب"، أليست كما ألمح كوبرنيكس جاليليو مجرد فقاعة ومرحلة قصيرة في هذا الكون البالغ السعة، وسعة لا يمكن تحديدها، بالنسبة للأرباب الحاسدين الحاقدين الوارد ذكرهم في سفر التكوين؟ وأين ذهبت السماء، والتقلبات على أشدها حتى أنها لتغير المواقع مرتين في اليوم الواحد.

وكان الموحدون أكثر الشكاكين اعتدالاً، وهم الذين، في إيطاليا وسويسرا وبولندة وهولندا وإنجلترا، أثاروا الشكوك حول ألوهية المسيح. وكان هناك بالفعل نفر قليل من الربوبيين الذين آمنوا بالله متماثلاً مطلقاً مع الطبيعة، وأنكروا ألوهية المسيح، ورغبوا في أن يجعلوا المسيحية مذهباً أخلاقياً لا عقيدة دينية، وكانوا حتى تلك اللحظة مشتتين حذرين، حتى اشتد عودهم وارتفعت مكانتهم فباتوا يزعجون البلاد، كما فعل إدوارد هربرت من شربوري. ولسوف نجدهم بعد 1648، وقد ارتفع صوتهم عن ذي قبل. وأشد جرأة منهم كان الأبيقوريون في ألمانيا، الذين سخروا من "يوم الحساب" الذي طال ترقبه، ومن الجحيم التي يحتمل ألا تكون رهيبة مزعجة، برغم كل شيء، ما دام أكثر الناس ابتهاجاً ومرحاً سوف يحشرون(1) فيها. وفي فرنسا أطلق على مثل هؤلاء الناس "ذوو العقول الصلبة" أو "الإباحيون" وهم الذين بدأت أساليبهم المائعة الطليقة تضفي معناها الحديث على لفظة كانت نعنى في الأصل "المفكرين الأحرار". وفي 1581 ألف فيليب دوبلسير-مورني كتاباً في 900 صفحة "حقيقة الديانة المسيحية، في مواجهة الملحدين". وفي 1623 نشر الجزويتي فرانسوا جاراس كتاباً في أكثر من ألف صفحة من قطع الربع، حمل فيه على "الإباحيين" الذين "يؤمنون بالله شكلاً أو من أجل دين الدولة".. ولا يرتضون إلا "الطبيعة" والقضاء والقدر(2). وفي العام نفسه قدر مدرين مدسن عدد الملحدين في باريس بنحو 50 ألفاً(3)، ولكن هذه الكلمة كانت تستخدم في هاتيك الأيام بشكل فضفاض، وربما قصد بها مارين "الربويين. وفي 1625 أوضح جبراييل نودي أن الشرائع التي نزل بها الوحي المقدس على "توما بمبليوس" (ملك روما الأسطوري 715-672 ق.م) على موسى، ما هي إلا خرافات ابتدعت لإقامة النظام الاجتماعي ، وأن رهبان طيبة لفقوا حكايات الصراع مع الشيطان ليزيدوا من شهرتهم ويرفعوا من مكانتهم ويغذوا الجمهور الساذج. وفي 1633 نشر فرانسوا دي لاموث لافايي-سكرتير ريشيليو، ومعلم لويس الرابع عشر، الذي تولى الملك فيما بعد-كتابه المسمى "محاورات أورازيوس تابيرو"، صرح فغيه بشكوكية عامة: "إن معرفتنا هراء في هراء، وأن حقائقنا خيالات وأوهام، وأن دنيانا بأسرها... مهزلة متصلة"(5) وكان فرانسوا هذا من بين الذين ضعف إيمانهم قبل تعدد المذاهب المعصومة: "ليس في هذه العقائد التي لا حصر لها رجل لا يؤمن بأن مذهبه هو الحق، وأن غيره هو الباطل"(6). وعلى الرغم من شكوكيته تزوج في سن الثامنة والسبعين، ووافته المنية في الرابعة والثمانين وهو على فراشه. وكان، وهو متشكك فاضل، قد عكف عن معارضة الكنيسة.

وكان قدر كبير من هذه الشكوكية الفرنسية صدى سلبياً لمونتيني. ثم أضحت قوة إيجابية بناءة في شخص صديقه بيير شارون، وهو قسيس من بوردو، قام له بالطقوس الأخيرة عند موته، وورث مكتبته، وكتب في 1601 "رسالة عن الحكمة" في ثلاثة مجلدات في وصف الحكمة، ولكن قيل عن هذه الرسالة بغير حق، بأنها ت رتيب منهجي لمونتيني، ولكنها، على الأصح، رسالة مستقلة تدين بكثير من الفضل "للمقالات"، ولكنها تحمل طابع شخصية شارون الدمثة الوقورة. وهو يقول بأن كل المعرفة تنبع من الحواس، وهي لذلك عرضة لتقييدات الحواس وعجزها وأخطائها الكثيرة، فليست الحقيقة من شأننا نحن. ويقول السفهاء من الناس بأن الحقيقة يثبتها قبول كل الناس لها وإن صوت الخلق من صوت الله. ولكن شارون يعتقد أكثر ما يعتقد أن صوت الناس هو صوت الجهالة، وأنه صوت الآراء التي تلفق لهم، وأن الإنسان يجب أن يتشكك خاصة فيما يؤمن أكثر الناس به(7). إن الروح قوة خفية حادة ى تهدأ، متصلة بالمخ، وظاهر أنها تفنى بفناء الجسم(8) إن الديانة تنطوي على أسرار وخفايا لا يمكن إثباتها وعلى سخافات كثيرة، وعليها يقع وزر التضحيات الوحشية والقساوات التعصبية. وإذا كان كل الناس فلاسفة (كما قد يقول فولتير فيما بعد)، يتعشقون الحكمة ويمارسونها، فلن تعود ثمة حاجة إلى الديانة، ويمكن أن تعيش المجتمعات بمقتضى علم أخلاقي طبيعي مستقل عن اللاهوت أو الدين، ويمكن أن يوجد الإنسان الفاضل، دون سماء ولا جحيم"(9). ولكن إذا أخذنا في الاعتبار ما فطر عليه الإنسان بالطبيعة من شر وجهل، فإن الدين يصبح أداة ضرورية لازمة للأخلاق والنظام(10). بناء على هذا يتقبل شارون كل أساسيات المسيحية، حتى الملائكة والمعجزات(11)، وينصح الحكماء بمراعاة كل المراسم الدينية التي تضعها الكنيسة التي ينتسب إليها عن غير قصد، على أية حال(12)، ولن يكون المتشكك الحق هرطيقاً أبداً(13).

وعلى الرغم من هذه النتائج القويمة التي خلص إليها شارون فإن أحد الجزويت المعاصرين يحشره في زمرة أخطر الملحدين وأشرهم وأخبثهم(14). ولما مات شارون فجأة بالسكتة القلبية، في سن الثانية والستين (1603) قال الأتقياء بأن هذا عقاب من عند الله على كفره وإلحاده(15). قبيل وفاته أعد طبعة ثانية من كتابه، خفف فيها من الجزاء الأكثر تهوراً وطيشاً، وأكد لزملائه من رجال الدين أنه إنما يقصد "بالطبيعة" الله سبحانه وتعالى، وعلى الرغم من ذلك وضع كتابه في عداد الكتب المحظورة. ولمدة نصف قرن من الزمان فاق كتابه مقلات "مونتيني" انتشاراً وشعبية. وطبع كتاب "محاورات " الحكمة خمساً وثلاثين مرة في فرنسا فيما بين عامي 1601-1672. وفي القرن الثامن عشر كان أثر شارون أقوى من أثر أستاذه. ولكن نفس العرض المنظم الذي جذب القرن السابع عشر الكلاسيكي، بدأ في أعين القرن التاسع عشر وعظاً كئيباً مدرسياً، وضاع شارون وسط ما اكتشف من جديد، من تألق وبهجة في مونتيني. ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

تاريخ الكلبية

الكلبيون الكلاسيكيون الإغريق و الرومان اعتبروا الفضيلة هي الضرورة الوحيدة لبلوغ السعادة . الكلبيون الكلاسيكيون تبعوا تلك الفلسفة إلى المدى الذي يجعلهم يهملون كل شيء لا يساعدهم في الوصول إلى الكمال في الفضيلة و بلوغ السعادة، لذلك، سموا بالكلبيين، لاشتراكهم مع الكلاب في صفات مثل إهمالهم للمجتمع، و العائلة، و المال، إلخ. لقد ارتؤوا أن يحررو أنفسهم من التقاليد، و أصبحوا مكتفين ذاتيا، و يتصرفون على طبيعتهم بشكل محض. كما رفضوا المتعتقدات التقليدية التي تزعم أن السعادة لا بد أن يصاحبها مال، أو نفوذ، أو شهرة، و آمنوا بدلا من ذلك بأن الفضيلة هي ما يجلب السعادة.

رفض الكلبيون القدامى القيم الاجتماعية التقليدية، و انتقدوا سلوكيات مثل، الجشع ، الذي قالوا أنه يتسبب في آلام الآخرين. فلسفة الكلبية عند اليونان ، أكدت على "الفضيلة و الحرية الأخلاقية الضروريتان للتحرر من عبودية الرغبة". في حين أن فلسفة القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، غيرت التعريف إلى " السلوك السلبي و الازدرائي، و عدم الثقة بنزاهة الدوافع التي يجهر بها الآخرون، خصوصا في ما يتعلق بالأخلاق".

انظر أيضا

المصادر


قراءات إضافية

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بالكلبية، في معرفة الاقتباس.