الفن الهولندي

الفن الهولندي Dutch art كانت هولندا قبل معاهدة وستفاليا عام 1648 جزءاً من بلاد الفلمنك Flandre، ثم أسست دولة هولندية اتحادية في لاهاي La Haye، وابتدأ الاستقرار وئيداً في هذه الدولة الأوربية. وفي ذلك العصرالفلمنكي كانت قد أنشئت مبانٍ معمارية مازالت قائمة، ونُظِّم عمران المدينة فكانت الساحات والمباني العامة مثل: قصر البلدية والأسوار والأسواق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفن في الأراضي الواطئة 1465 - 1515

 
عدالة الإمبراطور أوتو الثالث: قطع رأس الكونت البريء ومحنة النار. بريشة ديرك بوتس بين 1471-1475.

اضمحلت فلاندرز الجنوبية فترة من الزمن بعد فيليب الطيب، ودفعت الاضطرابات السياسية بكثير من النساجين إلى إنجلترا، وكانت صناعة النسيج البريطانية النامية تحصل على تجارتها ومواردها الخامة من المدن الفلمنكية، وما أن جاء عام 1520، حتى أصبح النسيج الإنجليزي يزحم أسواق فلاندرز نفسها. وازدهرت بروكسل وميشلن، وفالنسين بالتفوق في صناعة الشرائط والسجاجيد والفرش والحلي، ونامور بفضل صناعة الجلود، ولوڤان بفضل جامعتها وجعتها. وحوالي عام 1480، بدأت القناة التي تصل بروجس بالبحر ترسب الطمي في مجراها، وبذلت جهود جبارة لتطهيرها، وقضت الرمال والرياح على هذه الجهود، ولم تعد السفن التي تمخر عباب البحر، تستطيع الوصول إلى بروجس بعد عام 1464. وسرعان ما هجر تجارتها، ثم صناعها المدينة إلى أنتورب، التي كانت السفن ذوات الغطس الكبير، تدخلها عن طريق مصب نهر شلت. وعقدت أنتورب اتفاقيات مع المصدرين الإنجليز، وشاركت كاليه في تجارة إنجلترا مع القارة الأوربية.

ولقد بقيت الحياة في هولندة بفضل السدود، التي ينبغي أن يعاد بناؤها مراراً، وقد تنهار في أي وقت، ولقد اختل بعضها عام 1470 فأغرق عشرين ألفاً من السكان. وكانت الصناعة الرئيسية الوحيدة هي صيد سمك الرنجة وتجفيفها. وأخرجت هولندة كثيرين من أشهر المصورين في ذلك العصر، ولكنها كانت أفقر من أن تحتفظ بهم، فهاجروا جميعاً إلى فلاندرز ما عدا جيرتجن الذي شرب نخب سنت جانز.

وهناك، حتى في المدينة الآفلة، كان الأغنياء من نواب المقاطعات يرتدون الملابس الفاخرة، ويسكنون بيوتاً من الآجر المتين بها أساس فخم-علقوا على جدرانها حوراً على النسيج من أراس وبروكسل، وزودوها بآنية متلألئة من النحاس الأصفر من دينان. وشيدوا كنائس رائعة مثل كنيسة نوتردام دي سالبون في بروكسل، وكنيسة سانت جاك في أنتورب، وأقاموا برج واجهة كاتدرائية أنتورب حجراً حجراً، وبدأوا في تشييد قاعدة البلدية العظيمة في جنت. وأمدوا المصورين بالمال، وجلسوا أمامهم لتصوير أشخاصهم، وتقربوا إلى السموات بفن يقوم على النذور، وسمحوا لنسائهم بقراءة الكتب. وربما كانت نزعتهم الدنيوية، هي التي حفزت فن التصوير الفلمنكي، في الفترة الثانية من ازدهاره، إلى التركيز على الواقعية والمناظر الطبيعية حتى في الصور الدينية، والبحث عن موضوعات جديدة في الدور والحقول.

واستهل ديرك بوتس Dieric Bouts الاتجاه الواقعي بمبالغات طبيعية عند أصحاب البدع. ولقد جاء إلى بروكسل من مسقط رأسه هارلم، ودرس هناك على يد روگير ڤان در ڤيدن Rogier van der Weyden، وأقام في لوفان، وصور لكنيسة سانت بيير مجموعة لوحات جدارية هي "العشاء الرباني الأخير"، ومعها لوحة حائطية موضوعها-عيد الفصح في أسرة يهودية-ويبدو أنها توحي بأن العشاء الرباني الأخير، كان احتفالاً بعشيرة يهودية سنَّية، يقوم بها يهود لا يزالون مؤمنين باليهودية. وصور للكنيسة "استشهاد القديس إيرازس" تصويراً حرفياً مذهلاً؛ جلادان يديران دولاباً، يخرج ببطء، أمعاء القديس المتجرد من الثياب. وفي "استشهاد القديس هيپوليتوس"، أربعة جياد تساق في أربع اتجاهات تفصل ذراعي الفريسة ورجليها. وفي "قطع رأس الفارس البريء" نجد فاراً اتهمته إمبراطورة فاشلة في حبه انتقاماً منه، بأنه حاول هتك عرضها، فأمرت بقطع رأسه، وفيها انبطحت الجثة الدامية على الأرض، واطمأن الرأس المنفصل في حجر الأرملة، وكان يتفادى عنفه، في الغالب، بإظهار الطمأنينة الراضية عند المحتضر أو الميت- وفي هذه الصور ألوان حية، ونجد بين حين وآخر منظراً طبيعياً حسناً أو رسماً منظوراً، بيد أن رسومها المتقنة وشخوصها الجامدة والوجوه التي لا حياة فيها، توحي بأن الزمن ليس حكيماً في انتقائه على الدوام.


هوگو ڤان در گوز

وقد يكون هوگو ڤان در گوز، أخذ نسبته من جوز في زيلندة، وهو شاهد آخر على عبقرية هولندة الخصية الآفلة. وفي عام 1467 سمح له بأن ينضم إلى نقابة المصورين في جنت. وكان ذلك إرهاصاً بشهرة التصوير الفلمنكي، حتى إن تاجراً إيطالياً في فلاندرز، وقع اختياره عليه، لكي يصور ثلاثية كبيرة لمستشفى سانتا ماريا نيوفا في مدينة فلورنسا التي كانت تعج بالفنانين. وانتخب هوجو لموضوعه هذه العبارة "إن من حملته قد عبدته". وصورة العذراء بالحجم الطبيعي، يغمرها الخشوع، وهي من الروعة بمكان، وإلى اليسار راع يتنبأ بروعة رفائيل وتيتيان. ويعد المنظر الطبيعي الشتوي، عملاً جديداً، من ناحية الحب المخلص للطبيعة. وأن ما اتسم به فان در جوز من الواقعية العاتية، والأداء الأصيل، والرسم الدقيق والتحديد المضبوط للشخصية، قد وضعه على قمة المدرسة الفلمنكية في الربع الثالث من القرن الخامس عشر. ولقد دخل أحد الأديرة بالقرب من بروكسل (حوالي 1475)، أما ليجد مزيداً من الهدوء يعينه على العمل، وأما ليتخلص من المخاوف الدينية التي اعترته. وهناك واصل التصوير وأمعن في تعاطي الخمر، (كما يقول راهب زميل له). واستولت عليه فكرة، إن الله قد كتب اللعنة الأبدية، فأظلمت حياته ودفعته إلى الجنون.

يوستوس ڤان خنت

 
"المناولة من جسد المسيح"، بريشة يوس ڤان ڤاسنهوڤه، في قصر دوكالى أوربينو.

ويخبرنا ڤسپاسيانو دا بستيتشي Vespasiano da Bisticci، أن الدوق فدريجو صاحب أوربينو Urbino؛ قد أرسل حوالي عام 1468، إلى فلاندرز يطلب مصوراً، يزين غرفة مكتبه، لأنه "لا يعرف أحداً في إيطاليا، يفهم كيف يصور بالألوان الزيتية". فلبى يوس ڤان ڤاسن‌هوڤه Joos van Wassenhove الدعوة، وهو صديق فان در جوز، وأقام في أوربينو، وعرف منذ ذاك بإسم يوستوس ڤان خنت Justus van Gent. فصور للدوق العالم ثماني وعشرين صورة لطائفة من الفلاسفة كما صور لفريق من الإخوان الرهبان في أربينو مذبحاً "تناول الأسرار المقدسة". ومع أن هذه الآثار فلمنكية الأسلوب إلا أنها تسجل تأثيراً متبادلاً بين فلاندرز وإيطاليا، فقد تأثر المصورون الإيطاليون بالفن الفلمنكي في الإقبال المتزايد على استعمال الزيت والنزعة إلى الواقعية، كما تسربت المثالية والحرفية الإيطالية في الفن الفلمنكي.


هانز مملنگ

 
الحساب الأخير، triptych، زيت على خشب، 1466–1473. المتحف الوطني، گدانسك

ونجد أن هانز مملنگ Hans Memling، وإن كنا لم نعثر على خبر يفيد زيارته إيطاليا، وقد أدخل في تصويره رشاقة ورقة، لعله اكتسبها من مصوري كولونيا، أو من روجيه فان درويدن، أو لعل هذا التأثير قد جاءه من البندقية وعلى طول الرين إلى مينز. ولقد ولد بالقرب من مينز، وربما اكتسب نسبه من مسقط رأسه مرملنجن، ثم رجل من ألمانيا إلى فلاندرز ويروجس حوالي عام 1465. وهناك، وبعد ثلاث سنوات، طلب إليه السير جون دن، وهو زائر إنجليزي، أن يصور له "العذراء على العرش". فكانت صورة تقليدية في المنهج والآراء. ولكنها تظهر في الوقت نفسه اقتداره الحرفي، ورهافة حسه، وتفرغه للعبادة. ولقد أبرز القديس يوحنا المعمدان، في واقعه فلمنكية والقديس يوحنا الإنجيلي في مثالية ملائكية؛ وكشفت الفردية النامية في الفن، من نفسها في صورة "مملنج" وهو يختلس النظر متلفتاً حول عمود.

وكان مملنج يشبه پروجينو، الذي جاء بعده بقرن من الزمان في رسمه مئات الصور للعذراء، في رقة الأمهات وسكينة الأبرار وهذه الصور معلقة على جدران المتاحف، تراها العين أينما اتحهت في برلين وميونخ وفينا وفلورنسة ولشبونة ومدريد، وباريس ولندن ونيويورك وواشنطن وكليفلند وشيكاغو. وتوجد اثنتان من أحسن هذه الصور بمستشفى ساتت جون في بروجس، ونجد أن مريم تسيطر على صورة "زواج القديسة كاترين الصوفي"، حيث تبدو الفخامة في كل شخصية، وهي تتصدر مرة أخرى "صورة عبادة الطفل" ويلفت النظر فيها المجوسي-وهو شخصية تشبه جوته المستشار الخاص-وفي صورة رحبة الأفق في ميونخ، رسم مملنج جميع الأحداث الرئيسية في حياة المسيح المدونة. وسرد في صورة أخرى بتورينو قصة "الآلام" وعرض فيها أخلاطاً من الرجال والنساء، حتى إن "بروجل" وجد عناء في التفوق عليه في كثرة العدد. وصور من اجل صندوق أرغن في دير بمدينة ناحيرة بأسبانيا، ثلاثة للسيد المسيح تحيط به الملائكة، تضارع صورة "الملاك الموسيقي" للرسام ميلوزد دافورلي التي رسمت قبل ذلك بأعوام، ولم ير متحف أنتوب أنه مغبون عندما دفع مائتين وأربعين ألف فرنك ثمناً لهذه الصور عام 1896. ورسم صورة متعددة الأجزاء لمذبح موضوعها "يوم الحساب The last judgement" لياكوپو تاني Iacopo Tani وهو وكيل لورنزو دي مديتشي في "بروجس"، ووضعت في سفينة مبحرة إلى إيطاليا، ولكن رباناً هانزياتياً استولى على السفينة، فاحتفظ لنفسه بما كان فيها من أموال وترك الصور تذهب إلى كنيسة العذراء في دانزج.

ولقد صور مملنج في هذه الآثار الرئيسية وفي اللوحات الخاصة بالأفراد، بعض الرسوم الرائعة للأشخاص: مارتن فان نيو ومنيوف و"امرأة"-في مظهر فخم تحت قبعتها العالية وفي أصابعها خواتم كثيرة-وكلاً الصورتين في إحدى مستشفيات بروجس، وصورة "شاب" في معرض لندن للصور، و"عجوز" في نيويورك، وحامل السهم في واشنطن. وهي لا تبلغ الإلهام والعمق اللذين اتسم بهما فن تيتيان أو رفائيل أو هوليين، ولكنها تبلغ السطوح البسيطة بحذق صناع. أما الصور العادية غير الأساسية مثل آدم وحواء، وأم سليمان في الحمام فلا تفتن الناظرين.

وزين مملنج في ختام حياته تقريباً، ضريحاً قوطياً، في مستشفى بروجسن، وقد صمم لكي يستقبل، آثار القديسة أورسولا. فقص في ثاني لوحات حائطية، كيف أن السيدة الورعة، خطيبة الأمير كونون، أجلت زواجها حتى تجمع إلى روما، وكيف أبحرت، مع أحد عشر ألف عذراء، في نهر الراين إلى بازل، وقادتهن في رحلة فوق جبال الألب، واعتصمت ببركات البابا وكيف أن هؤلاء الـ 11.001 وقد استشهد على يد الهون في كولونيا. وبعد ذلك بتسع سنوات (1488)، قص كارياكشيو في صورة، هذه القصة الرائعة المستحيلة في آن واحد، برسم ادق، وألوان أزهى، وذلك لمدرسة القديسة أورسولا في البندقية.

وليس من الإنصاف لمملنج ولا لأي مصور آخر، أن ننظر إلى صوره، نظرة كلية، فكل واحدة منها لزمان ومكان معينين ومنهما تحمل خصيصته الغنائية. ونحن إذا نظرنا إليها نظرة عريضة فسنجد لتونا حدوده-ضيقة في الأفق والأسلوب ورتابة شخوصه، حتى رسومه المتواضعة للعذراء بما فيها من شعر ذهبي مرسل، والسطح محبب أو صادق، ويضئ بألوان ناعمة لامعة، ولكن الريشة قلما تنفذ إلى أعماق النفس تحت هذا السطح، إلى سر العزلة، والدهشة، والطموح والهموم. وصور النساء عند مملنج لا حياة فيهن، وكلما جردهن عن ثيابهن، فإننا نصاب بالحزن، عندما نجد أن كل واحدة منهن عبارة عن معدة كبيرة وصدر رقيق. وربما كان الطابع الغالب في تلك الشؤون مختلفاً عما هو عليه الآن، بل أن رغباتنا قد تلقنا المبادئ. ومع ذلك فيجب أن نعترف أن مملنج عندما مات (1495)، كان زعيم مصوري شمالي جبال الألب بإجماع أوليائه ومنافسيه. فإن أحسن فنانون آخرون بأخطائه أكثر من إحساسهم بأخطائهم. فإنهم لا يستطيعون أن يبلغوا مبلغه في رقة الأسلوب وصفاء إحساسه وروعة تلوينه. ولقد ظل تأثيره عظيماً قرناً كاملاً على المدرسة الفلمنكية.

خرارد داڤيد

 
العذراء والطفل والقديس يوسف النجار، بريشة خرارد داڤيد.

وواصل خرارد داڤيد مذهبه. فلقد جاء إلى بروجس من هولندة حوالي عام 1483، وفتنته رقة مملنج الغنائية، وصوره عن العذراء تكاد تماثل صور مملنج، ولعلهما اقتسما فيما بينهما نموذجاً يصدران عنه. وهي في بعض الأحيان كما صوره "الراحة أثناء الفرار إلى مصر" (واشنطن)، فإنه يتساوى مع مملنج في إظهار وصيانة جمال العذراء، وتفوق عليه في تحديد رسم الطفل. وتحول في كهولته إلى التجارة ورحل إلى أنتورب، وبه انتهت مدرسة بروجس، بينما بدأت مدرسة أنتورب على يد كوِنتن ماتسيس Quentin Matsys.

كوِنتن ماسيس

وكان ماسيس، ابن حداد في لوڤان واستقبل في نقابة سانت لوك للمصورين بأنتورب عام 1491، بالغاً من العمر خمسة وعشرين عاماً. ومن العسير مع ذلك، أن يوافق سانت لوقا على صورة "مأدبة هيرود" حيث كان هيرود يأس يحز بسكين رأس المعمدان المفصول عن جسده، أم على "دفن المسيح" حيث كان يوسف الأريماش، يندف لطع الدم عن شعر الجثة التي لا دم فيها. وتزوج ماتسيس مرتين، ودفن سبعة أطفال، فكانت له صلابة في نسج لوحاته، وحموضة في زيوته. وبذلك استطاع أن يصور فاجرة أرادت أن تخدع مرابياً عن نقوده، وأظهر في حالة نفسية أهدأ، صيرفياً يعد ذهبه، بينما تنظر زوجته إليه نظرة يختلط فيها التقدير بالغيرة، أما صور ماسيس للعذراء فهي أكثر إنسانية من صور مملنج، إحداها (في برلين) تقبل وتداعب طفلها كأي أم، وألوان ملابسها التي تتراوح بين الزرقة الناصعة والأرجوانية والحمرة تبرز جمالها. ولما تحول إلى فن تصوير الأشخاص، فإننا نجده ينفذ في ملامح الوجه إلى الشخصية وكان بذلك أكثر توفيقاً من مملنج، كما في الصورة الرائعة "دراسة من أجل صورة شخص" في متحف جاكيمار أندريه في باريس، ولقد لجأ إليه پيتر خالس Pieter Gallis (‏1517) عندما أراد أن يرسل إلى توماس مور، صورة صادقة لشخصه وأخرى لإرازموس. وأحسن ماسيس مع تصوير جاليس، ولكن صورته لإرازمس كانت سيئة الطالع، إذ أعقبتها الصورة التي رسمها هولباين.


ولما ذهب "دورد" (1520) وهولباين (1526) إلى أنتوب قدماً إلى ماسيس أسمى أيات الإجلال باعتباره عميد الفن الفلمنكي. ومع ذلك فقد ظهر في الوقت نفسه في برابانت، أكثر الفنانين أصالة وعبثاً في التاريخ الفلمنكي. ونحن نجد في آثار ماسيس-كما في الغوغاء بنظراتهم الشذراء في "إظهار المسيح للناس" (مدريد) أو الوجوه الدميمة في صورة "عبادة المجوس" (نيويورك)-الوجوه الشوهاء القاسية كالتي صورها ليوناردو في عبثه الساخر بقلمه. ووفق هيرونيمس بوش في استغلال هذه الأضاحيك. ولقد ولد، وأنفق الشطر الأكبر من حياته في بو-ل-ديك (في شمالي برابانت، وهي الآن هولندة الجنوبية)، وأصبح يعرف بصفتها الفلمنكية "سرتوخن‌بوس" 's-Hertogenbosch واختصر أخيراً إلى بوش. وظل يصور الموضوعات الدينية المألوفة فترة من الزمان، واقترب في بعضها كما هو الحال في "عبادة المجوس في مدريد" من العادية. ولكن إحساسه بالمضحك أخذ يسيطر على خياله وفنه. ولعله ارتاع في طفولته من حكايات القرون الوسطى عن العفاريت والأشباح، وعن الشياطين تخرج من وراء كل صخرة، أو تبرز من كل شجرة، وأضحى الآن يستطيع أن يرسم هذه المردة رسمياً كاريكاتورياً، في هجاء يشفى نفسه منها. ويبعدها عن عقله بالمضحك منها. وأنكر بحساسية الفنان وصمات الإنسانية-الشاذ أو الدميم أو المشوه-والتقطهم في مزيج هستيري من الغضب والسرور. بل إنه في المشاهد الرعوية كما في صورة "المولد" (كلونيا)، فإنه يجعل الصدارة لأنف بقرة، وفي "عبادة المجوس" (نيويورك) يختلس الفلاحون النظر من النوافذ ومن الطرقات المسقوفة تحت القناطر، إلى العذراء وطفلها. ومع ذلك فقد رسم في هذه الصورة الأخيرة بحذق يبلغ حد الكمال، صورة جليلة للقديس بطرس، وملكاً زنجياً، يضع وقاره المهيب سائر الشخوص تتضاءل. ولما كان بوش قد بدأ بقصة المسيح، فقد أظلم صوره بوجوه بهيمية وعيون وحشية، متوحشة، وأنوف ضخام وشفاه ممطوطة سمجة نهمة. ولما تحول إلى قصص القديسين، فقد أظهر القديس يوحنا الإنجيلي في صورة رقيقة إلى حد عجيب، في مهاد غير عادي من المشاهد الطبيعية بين جزر وبحر، بيد أنه وضع في أحد الأركان شيطاناً يتأمل-له قلنسوة قسيس وذنب فأر وأرجل حشرة-وينتظر في صبر أن يرث الأرض-وفي صورة "إغراء القديس أنطوني" أحاط الناسك المتوحد اليائس، بفاجرات مبتهجات وتخيلات سحرية-قزم غرست رجلاه في كتفيه وطائر له ساقا ماعز وقرد له أرجل بقرة وفأر تتخطاه عليه ساحرة ومنشد متجول يضع على رأسه جمجمة حصان. وأخذ "بوش" العجائب من الكاتدرائيات القوطية وجعل منها عالماً قائماً برأسه.

وكان أبعد ما يكون عن الواقعية. ولكنه كان ينقل بين حين وحين مشهداً من الحياة، كما في "الابن السفيه"، إلا أنه بالغ هنا في إظهار الدمامة والفقر والخوف. وليست صورته "ركبة الدريس" نسمة في أوائل الربيع، ولكنها تصوير مرير لعبارة "كل الحشائش لحم" وكل شيء مثالي فوق الحمل: شاب يعزف الموسيقى لفتاة تغني، وخلفهما عشيقان يتبادلان القبلات وملاك يجثو على ركبتيه، وفوقهما يرفرف "المسيح" في السحاب. بيد أنه يصور على الأرض قاتلاً، يطعن عدوه المترنح، وقوادة تغوي فتاة على الفجور، ودجالاً يبيع الدواء لكل داء وقسيساً بديناً يتسلم النذور من الراهبات، وعجلات العربة تدهس بعض المحتفلين غير المكترثين. وإلى اليمين، فريق من الشياطين، تعاونهم قردة، يسحبون الأشرار إلى الجحيم. ولقد علق فيليب الثاني ملك أسبانيا الذي غلبت الكآبة عليه هذه القطعة الفنية في الاسكوريال. ووضع بالقرب منها، زميلة لها هي "مباهج الدنيا". وفيها نرى غديراً، يغتسل فيه العرايا من الرجال والنساء، وحوله موكب راكب من العرايا على متون الحيوانات نصفها طبيعي ونصفها الآخر من تهاويل الخيال، ويبرز الشوك والحسك من كل جانب من الصورة، وفي مقدمتها، عريانان يتعانقان في رقصة فالس، بينما يحدق إليهما طائر ضخم في نشوة فلسفية. ويظهر قطاع منها خلق لتكون أصل جميع الشرور، ويظهر قطاع آخر تعذيب الأشرار. وهي معجزة في الإبداع والحذق في الرسم والخيال المريض-وتمثيل بوش خير تمثيل.

وقد يتساءل البعض: هل وجد، حتى في فجر التجديد الحديث، ملايين المسيحيين البسطاء الانفعاليين، المصابين بكابوس مثل هذا؟ وهل كان بوش واحداً من هؤلاء؟ من العسير أن نقول ذلك ، فنحن نرى في صورة له تمثله في مكتبة أراس، وقد بدأ في الشيخوخة، تام القوة العقلية والحدة البصرية، كان رحلاً حصيفاً، تجاوز غضبه الهجاء، واستطاع أن ينظر إلى الحياة بمرح برئ سرعان ما يخرج من الحلبة. ولم يكن من الممكن أن يصور هذه الأخيلة الحاذقة، إذا ظلت مستولية عليه. لقد تغلب عليها، وهو أدني إلى الغضب منه إلى السرور، لأن الإنسانية احتضنتها على الدوام. ومما يؤكد أن معاصريه استمتعوا بآثاره، على أنها مرح تصويري، أكثر منها مفازع دينية، رواج صوره المنقولة بالحفر والمطبوعة، وجاء "پيتر بروغل" بعد جيل واحد فاستطاع أن يدرب هذه الشياطين، ويحول أولئك الغيلان إلى حشد مرح سليم، وبعد ذلك بأربعة قرون عكس الفنانون العصابيون، أمراض عصرهم العصبية، أخيلة ساخرة تعبق، معبودهم بوشي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يان گوسرت

ويختم هذا الفصل في تاريخ التصوير الفلمنكي بظهور شخصية، أدخل في المنهج التقليدي. ولقد ولد صاحب هذه الشخصية في "موبيج" Maubeuge، ومنها أخذ نسبته "مابوس" Jan Mabuse، واسمه "يان گوسرت" Jan Gossaert. ولقد رحل إلى أنتورب عام 1503، ومن المحتمل أن يكون ذاك، بعد أن ثقف الفن على يد دافيد في بروجس. ودعي عام 1507 إلى بلاط الدوق فيليب البرجندي وهو أحد ثمرات عشق فيليب الطيب، وصحب جان الدوق إلى إيطاليا، وعاد بشيء من الصقل أضيف إلى ريشته، وشوق إلى تصوير العاريات والأساطير الوثنية، ونحن نجد في صورته "آدم وحواء" أنه جعل الجسم العاري جذاباً لأول مرة في الفن الفلمنكي. وفي صوريته مريم والطفل والملائكة والقديس لوقا يرسم العذراء، أصداء لما في إيطاليا من أطفال سمان ومهاد معمارية تتسم بطابع عصر النهضة، قد يرجع الفصل إلى إيطاليا، فيما نراه في صورة "العذاب في الحديقة" من العرض الرائق لضوء القمر . ولكن قوة "جوسايرت" تركزت في فن تصوير الأشخاص. ولم يصدر فلمنكي، منذ يان ڤان إيك، هذه الدراسة للشخصية التي نجدها في صورة " جان كاروندليه Jean Carondelet" في متحف اللوڤر، ففيها يركز الفنان على الوجه واليدين، ويكشف عن الغنى الموروث، ويميط اللثام عن الإداري الذي لا يتزعزع، المهوم بأعباء السلطة. وعلى يد مابوس انتهى الرعيل الأول في التصوير الفلمنكي وهو الذي بلغ حد الكمال في الصور التي أبدعتها مدرسة "ڤان إيك". وقبس گوسرت من إيطاليا، تلك التجديدات الحرفية، والأناقة في الزخرف، والرشاقة في الحطوط، والحذق في إظهار الجلي والقاتم على السواء، وتصوير الأشخاص، وهي السمات التي نجدها في القرن السادس عشر (إذا استثنينا بروگل) تحول التصوير الفلمنكي، عن براعته وعبقريته في حدود وطنه وتتركه ثابتاً في تفوقه، حتى بلغ أوجه على يد روبنز وڤان ديك.

ولم ينجب شارل الجسور ابناً، ولكن ابنته ماري كانت مخطوبة إلى مكسيمليان صاحب النمسا، وأملاً أن يحمي آل هابسبورج برجنديا من فرنسا. ومع ذلك عندما ضم لويس الحادي عشر الدوقية فرت ماري إلى جنت حيث دفعت الثمن لتكون الملكة الدستورية بموافقة فلاندرز وبرابانت وهانو وهولندة، وهو توقيعها على "قرار امتياز جروت" (فبراير 1488)، الذي ناشدها أن لا تتزوج، وألا تفرض ضريبة أو تعلن حرباً، إلا بموافقة (المقاطعات) أو مجالس الأقاليم الموقعة على القرار. وبهذا المرسوم وغيره من المراسيم الصادرة بعد ذلك، بما فيها المدونة السعيدة كما أطلقت برابانت على تصريحها الخاص بحريتها المحلية، بدأت الأراضي المنخفضة قرناً طويلاً من الصراع في سبيل الاستقلال. ولكن زواج ماري من مكسميليان (أغسطس 1477) جاء بآل هابسبورج الأقوياء إلى "الأراضي الواطئة" حتى إذا توفيت ماري (1482) أصبح مكسميليان نائباً عن الملك. ولما انتخب مكسيميليان إمبراطوراً (1494) أسلم منصب نائب الملك في الأراضي المنخفضة إلى ابنه فيليب. ولما مات فيليب (1506) عينت أخته، مارجريت أميرة النمسا، حاكمة عامة بواسطة الإمبراطور. ولما أعلن أن ابن فيليب، هو شارل الخامس المقبل، قد بلغ سن الملك (1525) ببلوغه الخامسة عشرة، أصبحت الأراضي المنخفضة جزءاً من الإمبراطورية الهابسبورجية الشاسعة، في ظل واحد من أكثر الحكام طموحاً في التاريخ. ولهذا قصة.

العمران والعمارة

ومنذ القرن السادس عشر ازدهرت المدن بفضل تطور الصناعة والتجارة. وكان التأثير القوطي واضحاً في المنشآت الأولى، يبدو ذلك في عمارة الكنائس، وفي العمارة الداخلية لكنيسة تورناي Tournai وكنيسة سان مارتين Saint Martin. ثم ظهر التأثير الفرنسي المتميز بجزالته وفخامته. وبدت العمارة المدنية أكثر أهمية من أي عمارة أخرى في وسط المدن. ومن الآثار المعمارية أبواب بعض المدن والقصور وتحصيناتها، من دون أن تحمل خصائص متميزة.

 
ويلم كليسون هدا. إفطار مع سلطعون (القرن السابع عشر).

أثرت عمارة عصر النهضة الإيطالية في مجال الزخرفة التي اشتهر بها المعمار هانس فريدِمَن H.Vredeman. واستمر التأثير القوطي واضحاً. ومنذ العام 1540 ظهر اتجاه مناهض للزخرفية المعمارية الإيطالية. ومن أبرز نماذج هذه العمارة قصر مرگريت النمساوية في مدينة مالين Malines ت(1517) الذي جمع بين الأسلوب القوطي وأسلوب عصر النهضة الفرنسية. وفي هذه الحقبة أنشئ بناء ساومون Saumon في مالين. ومن أولى المنشآت في لاهاي بناء قصر البلدية، ومثله أنشئ في لايدن Leiden، وفي عام 1602 أنشئ في هارلم Haarlem سوق الهال الرائع، وفي أمستردام أنشئت أبنية جديدة بين عامي (1567-1621) استجابت لدواعي الإصلاح. وبين عامي 1600-1630 برزت أعمال المعمار دوكاي L. de Key الذي طوّر أسلوباً خاصاً في الزخرفة. والمعمار هندريك دي كايسر H. de Keyser الذي ترك آثاره الكلاسية في أمستردام وانتشر أسلوبه في أنحاء هولندا، فاتجهت العمارة نحو الكلاسية وتطورت منذ مطلع القرن السابع عشر، ومثالها قلعة نيوبورگ Nieuwburg التي هدمت في العام 1703.

 
الحراسة الليلية بريشة رمبرانت

اشتهر من المعماريين ياكوب فان كامبن J.van Campen الذي صمم القصر الكلاسي ماريتشويس Mauritshuis، ويعد أول قصر كلاسي يقام في الأراضي الواطئة. وفي هارلم أنشأ فان كامبن كنيسة حسب الطراز اليوناني. وانتشر هذا الأسلوب في عمارة الكنائس مثل كنيسة سانت ماري في لايدن 1636. وتعد كنيسة أمستردام 1668 للمعمار دورتسمان A.Dortsman من أبرز الكنائس. وفي مدينة ماستريشت البلجيكية يبدو التأثير الألماني واضحاً في عمارة البلدية (1659) للمعمار پ. پوست P.Post من هارلم.

 
الضابط والفتاة الضاحكة بريشة ڤرمير
 
السد، أمستردام (ح.1895) بريشة جورج هندريك برايتنر

وبسبب الازدهار الاقتصادي أنشئت الواجهات المزخرفة في العمارة، كما في عمارة قصر البلدية في إنكهويزن Enkhuizen ت(1688) للمعمار ڤنكول Vennecool.

فن النحت

لم يحتل النحت المكانة التي احتلتها الفنون الأخرى، كما أن البروتستانتية حطمت معظم أعمال النحت العائدة إلى القرون الوسطى، وازدهر بالمقابل النحت الجنازي المستوحى من الأسلوب الفرنسي في مدافن المدن الكبرى، ومن النحاتين الأوائل يان مونِه J.Mone (ت 1548). ويعد النحات المعمار دي كايسر من أبرز النحاتين، ومن أعماله ضريح وليم (1621)، والتمثال البرونزي في روتردام.

وانتشر الأسلوب الكلاسي في النحت منذ منتصف القرن السادس عشر على يد النحات ڤرهولست R.Verhulst. والمعمار كلينوس Quellinus واشتهرا بالنحت الشخصي النصفي. وظهر الأسلوب التكلفي Maniérisme على يد فلوريس C.Floris.

فن التصوير

كانت هولندا قد أثْرت عن طريق شركة الهند الشرقية التي أتت بالبضائع الثمينة من الشرق. ومن هنا فإن الفن تأثر بقوة بهذا الوسط الجديد مما دفع فئة من الفنانين إلى النهوض بحاجات الأثرياء والمترفين، بتقديم لوحات وجهية وصور طبيعية أو مشاهد من قصص الإنجيل أو من الحياة العائلية في هولندا. وقد ظهر أول مرة تصوير الوجوه المتعددة في لوحة واحدة، وكان ڤان در ڤورت C.van der Voort أول من قدم لوحة جماعية.

ومما لاشك فيه أن الفن في هولندا كان امتداداً للفن الفلمنكي الذي ازدهر على يد ڤان أيك van Eyck ومملنگ Memling. وترك روبنز Rubens تأثيره في التصوير الهولندي، وكان التصوير الجداري وفن المرقنات التي تزين المخطوطات قد انتشر، كما انتشر فن البسط Tapisserie وفنون الصياغة. وتقدمت صناعة الألواح الدائرية من الزجاج المعشق.

 
"فتاة مع أقراط من اللؤلؤ" للفنان ڤرمير

من أشهر المصورين الهولنديين فرانتس هالس . هالز (فرانز-) F.Hals ت(1580-1666). عاش فرانتس هالس فترتين مختلفتين في حياة هولندا، الفترة الأولى كانت مضطربة، وكان الخوف والقلق يعلو وجوه الناس، فاتسم أسلوبه بالكآبة غالباً، وبعد أن استقلت البلاد مرَّ هالس بمرحلة جديدة عبر فيها عن سعادته وفرحه، ومن أبرز لوحاته الأخيرة لوحة «البوهيمية» ولوحة «الفارس الضاحك» ولوحة «العازف على العود».

والمصور الثاني رمبرانت فان راين Rembrandt وهو من كبار الفنانين (1606- 1669) استقر في أمستردام، وفيها كان يزاول التصوير بأسلوبه المتميز وبالألوان الزيتية وبالحفر بالماء القوي Eau forte.

وارتبطت النزعة الرومانسية في هولندا بالاتجاهات المماثلة التي تمت في أوربا والتي نقلها پ. لاستمان P.Lastman وهو أستاذ رمبرانت الذي تعرف إلسهايمر Elsheimer في روما. أما هونتهورست Honthorst ت(1590-1656) فقد حمل جميع تأثيرات كاراڤاجيو Caravaggio. كذلك تأثر بالصبغة الإيطالية كل من برغهم Berghem وأسيلين J.Asseljn ، كما تأثر فنانو أمستردام برمبرانت ومنهم فلينك G.Flinck ت(1615-1660) وفرديناند بول F.Bol ت(1616-1680).

أما في هارلم فقد كان رمبرانت رائداً لمجموعة من الفنانين مثل ڤان أوستاد A.van Ostade ت(1610-1675) وم. بورش M.Borsh ت(1617-1681) الذي سافر إلى إنكلترا وإيطاليا وإسبانيا ومن أشهر لوحاته «الجوقة» و«الإعلان الأبوي».

من تلامذة رمبرانت في لايدن جيرار دو G.Dou ت(1613-1675) الذي أثر في متسو G.Metsu ت(1629-1667)، وكان يان ستين J.Steen ت(1626-1679) من أخصب المصورين الهولنديين، ولقد عني خصوصاً بتصوير الموضوعات الشعبية التي تتضمن نقداً أخلاقياً أو تهكماً. وفي اللوڤر ثلاث لوحات من أعماله إضافة إلى اللوحات الموجودة في المتاحف الهولندية.

أما في دلفت فقد جمع ڤرمير Vermeer ت(1632-1675) في أعماله القليلة بين التقاليد الهولندية الموضوعية وبين الشاعرية التي وردت من إيطاليا، ومن أشهر أعماله «وجه الحسناء»، وقد ترك ڤرمير ثلاثين لوحة تقريباً، ولعل قسماً كبيراً من أعماله كان قد تلف عقب انفجار حصل في أحد أحياء دلفت. ومع ذلك كان ڤرمير مقلاً، ذلك لأنه كان كثير الاعتناء والتدقيق بعمله، فكان لا يترك اللوحة إلا بعد أن يثق تماماً أن بناءها وصل حد الكمال، ولم يكن يترك شيئاً في عمله للمصادفة، فكل شيء مدروس ومقرر بهدوء.

ومن أشهر فناني الطبيعة الهولنديين كان فان دي فِلدِه W.van de Velde ت(1550-1630) وهو رائد هذا الاتجاه، ثم يان فان گوين J.van Goyen ت(1596-1656) وڤان در نير van der Neer ت(1603-1677) الذي اختص بالمشاهد الليلية، وكونينك Ph. Koninck ت(1619-1688) الذي صور الطبيعة بآفاق واسعة جداً، مع هوبيما Hobbema ت(1638-1709) وهو ابن أخ أشهر مصور للمناظر الطبيعية؛ رويسدال S.Ruysdael ت(1600-1670). ومنهم أيضاً م. ياكوب M.Jacob ت(1628-1682) الذي حاول أن يجعل الطبيعة مجالاً للتعبير عن عواطفه الدينية.

ومن أشهر مصوري الحيوانات والمناظر پول پوتر P.Potter جت(1625-1654) ولقد امتاز بحساسية في التعبير عن النور والجوّ، ومن أشهر لوحاته «القطيع» الموجودة في لاهاي، ولوحة «البقرة الكبيرة» الموجودة في اللوڤر.

وفي القرن الثامن عشر وفد إلى هولندا عدد من المصورين الأوربيين مما أثر في اتجاه فن التصوير الهولندي. وكان تأثير الانطباعية واضحاً في أعمال المصور برايتنر G.H.Breitner. وحينما عرفت أعمال فان گوخ V.van Gogh (عاش 1853-1890) كان لها تأثير في ظهور المدرسة التعبيرية. كما برز موندريان P.Mondrian (عاش 1872-1944) ونظرياته رائداً للمدرسة التجريدية . وصل موندريان إلى أقصى حدود المنطق، ساعياً إلى اكتشاف حقيقة كائنة خلف الموضوع. واصفاً أسلوبه الفني باسم (التشكيلية المحدثة). والتقى بأفكاره وأسلوبه مع الفيلسوف الهولندي شونمكرز M.H.S.Shoenmeckers. كما أصدر مجلة الأسلوب «دى ستيل» de Stijl مع ڤان دويسبورگ van Doesburg وڤان در ليك B.van der Leek وانضم إليهم عدد من المعماريين.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معرض الصور

المصادر