أزمة الجزر الإماراتية الإيرانية

أزمة الجزر الإماراتية الإيرانية، هو نزاع بحري بين الإمارات العربية المتحدة وإيران على ثلاث جزر في الخليج العربي، وهي أبو موسى، طنب الكبرى وطنب الصغرى. في 30 نوفمبر 1971، أقدمت إيران على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث :طنب الكبرى وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة، أبو موسى التي تتبع إمارة الشارقة. قبل أيام من استقلال الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971، وفي هذا اليوم أيضاً نالت استقلالها من الحماية البريطانية.

الخليج العربي والجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى
صورة من الجو لجزيرة طنب الكبرى الإماراتية والتي تتبع امارة رأس الخيمة ـ أخذت من الطائرة أثناء عبورها فوق الجزيرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ الأزمة

ترجع جذور الأطماع الإيرانية في الجزر العربية إلى القرن الثامن عشر عندما تمكن القواسم من بسط سيطرتهم على سواحل الخليج العربي الجنوبية بشطريها الشرقي والغربي. فلم يكن التواجد العربي على هذه السواحل جديداً. فقد اعتاد عرب الساحل العربي على إيجاد إمارات عربية خاصة بهم ممتدة على طول الساحل الشرقي للخليج اعتباراً من إمارة بني كعب الواقعة في منطقة المحمرة[؟](عربستان) إلى إمارة بوشهر والتي كان يحكمها أتباع الشيخ ناصر آل مذكور الذين يعرفون في التاريخ باسم "النصور"، وكذلك عرب بندر ريق، ثم تلاها سلسلة من المشيخات لقبائل عربية مختلفة سكنت على طول الساحل إلى مدينة بندر لنجة العاصمة القاسمية هناك والتي تقع مقابل إمارة رأس الخيمة تقريباً.[1]


التغييرات التي أدخلها الاحتلال الإيراني

ما أن احتلت القوات الإيرانية جزيرة طنب الكبرى، بادرت إلى تمركز عناصر من المدفعية بعيدة المدى ومدفعية مضادة للسفن البحرية ومدفعية مضادة للطائرات، وأقامت عدة استحكامات عسكرية في عدد من التلال الجبلية التي تشرف على الخليج وكذا على أراضي الجزيرة وسهولها.[2]

وحوَّلت مركز الشرطة بالجزيرة إلى محطة كهرباء، وحولت مبنى المدرسة القاسمية الجديدة إلى مستودع للأسلحة والمؤن، وأقامت على أحد الأبنية المشرفة على ساحل الخليج مركزاً للإرسال اللاسلكي، واتخذت من الدار المجاورة لها مركزاً للقيادة. كما أنشأت بعد ذلك مطاراً عسكرياً لطائراتها النفاثة (المقاتلة) والطائرات العمودية.

وشجعت الحكومة الإيرانية النساء الإيرانيات على الاستقرار في الجزيرة (حوالي 150 امرأة) فخصصت لكل منهن مكافأة شهرية قدرها 700 تومانا كحافز للإقامة في الجزيرة، وبذلك تم إحلال السكان الجدد محل أهالي طنب الكبرى العرب المهجرين.

أما عن جزيرة أبو موسى فقد شهدت هي الأخرى تغييرات كثيرة في جانبها الشرقي حيث تحولت إلى قاعدة عسكرية متطورة، أقامت فيها إيران موانئ (أرصفة) للسفن الحربية وزوارق الطوربيد البحرية السريعة، وأنشأت مطاراً عسكرياً متطوراً امتّد مدّرجه عدة كيلومترات فوق أرض الجزيرة، في القسم التابع لدولة الإمارات بدعوى أن حربها القائمة مع العراق استدعت اتخاذ مثل هذا الإجراء. ويضاف إلى ذلك، إنشاؤها ميناءً لاستقبال المراكب والسفن القادمة إلى الجزيرة، حيث أخذ سكان الجزيرة يستخدمونه في قدومهم ورحيلهم مما أتاح لسلطات الميناء الإيرانية فرصة الرقابة والتحكم على القادمين إلى الجزيرة والمغادرين لها.

فرضت السلطات الإيرانية فيما بعد إجراءات رسمية متشّددة على القادمين إلى الجزيرة ووضعت القيود على دخول أبناء الجنسيات الأخرى إلى الجزيرة. وأقدمت إيران بعد ذلك على انتهاك آخر لسيادة دولة الإمارات بتسّييرها خطاً جوياً يربط بين مدينة بندر عباس الإيرانية وجزيرة أبو موسى، تشجيعاً للمواطنين الإيرانيين على الاستيطان في الجزيرة التي لم يكن يسكنها من قبل أي مواطن إيراني.

عزّزت إيران قاعدتها العسكرية في جزيرة أبو موسى بعد أن منحت نفسها مسؤولية الأمن في الجزيرة، وزادت أعداد العسكريين الإيرانيين من (120) إلى (500) جندي، وأقامت قواعد صواريخ سلك وورم. أما عن الموقف في جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، فلا أحد يعلم شيئاً لأن الجزيرتين محتلتان تماماً منذ اقتحام القوات الإيرانية لهما يوم 29 نوفمبر 1971، وطردت سكانها بعد أن قُتلت عدداً منهم.

  • في 28 أغسطس 1996 أكدت دولة الإمارات في رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، رفضها لادعاء إيران أن المجال الجوي لجزيرة أبو موسى تابع لإيران، واعتبرت دولة الإمارات هذا الادعاء انتهاكاً صارخاً لسيادتها على جزيرة أبو موسى.
  • في 4 سبتمبر 1996 أبلغت دولة الإمارات الأمم المتحدة، عدم اعترافها بأحكام قانون المناطق البحرية للجمهورية الإيرانية لعام 1993، وبأي حكم في القانون يمسّ سيادتها على جزرها الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى والمياه الإقليمية التابعة لها.
  • في 1 أكتوبر 1996 أوضح راشد عبدالله وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة أمام الدورة الواحدة والخمسين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن إيران عمدت إلى إقامة تجهيزات ومنشآت فوق هذه الجزر ليست كلها ذات طابع مدني، فشيدت محطة للكهرباء في جزيرة طنب الكبرى في إبريل 1996، ومطاراً ومستودعاً للتبريد ومصنعاً لتجهيز الأسماك في جزيرة أبو موسى، كما لجأت إلى توطين أعداد كبيرة من المواطنين الإيرانيين وخاصة فئة العسكريين منهم، لتغير المعالم الديموغرافية لهذه الجزر الثلاث وفرض سياسة الأمر الواقع إمعاناً في تكريس احتلالها.
  • في نوفمبر 1996 قدمت دولة الإمارات مذكرة احتجاج رسمية إلى الحكومة الإيرانية، احتجاجاً على افتتاح فرع لإحدى الجامعات الإيرانية في جزيرة أبو موسى وأكدت دولة الإمارات أن إيران تحاول فرض الأمر الواقع بإقامة مشاريع على الجزر التي تحتلها.
  • في 4 يناير 1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، نصّ مذكرة وزارة الخارجية التي سلمتها للسفارة الإيرانية في أبو ظبي احتجاجاً على انتهاك إحدى القطع البحرية الإيرانية للمياه الإقليمية يوم الأول من يناير 1997 دون الحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة في الدولة.
  • في 8 يناير 1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن، نصّ المذكرة التي وجهتها وزارة الخارجية إلى سفارة إيران في أبو ظبي احتجاجاً على إعلان الحكومة الإيرانية تنظيم دورة لكرة القدم في جزيرة أبو موسى.
  • في 21 يونيو 1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن نص مذكرة الاحتجاج التي وجهتها وزارة الخارجية إلى السفارة الإيرانية في أبو ظبي على قيام إيران ببناء رصيف بحري في جزيرة طنب الكبرى.
  • في 2 مارس 1999 تقدمت دولة الإمارات بمذكرة احتجاج رسمية للأمين العام لجامعة الدول العربية، تجاه ما قام به وزير الداخلية الإيراني بافتتاح مقر جديد للبلدية ومجمعاً طبياً في جزيرة أبو موسى في الخامس من فبراير 1999، مما يعّد انتهاكاً من إيران لمذكرة التفاهم حول هذه الجزيرة.


نبذة تاريخية عن جذور الخلاف بين إيران والإمارات حول الجزر

تمتد جذور النزاع إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان دائماً بين مدّ وجذر طبقاً للظروف التي كانت تحكم المنطقة في ذلك الحين، وتبعاً للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تؤثر عليها. وقد رفضت حكومة إيران منذ البداية إعادة الجزر إلى أصحابها وتمسكت بقرار احتلالها.

بعد انهيار دولة اليعاربه في عُمان، بدأ يسطع نجم قوة دولة القواسم وأسطولها البحري، في الساحل الجنوبي للخليج العربي حيث كانت من أبرز مناطقهم رأس الخيمة والشارقة، ثم امتد هذا النفوذ في القرن الثامن عشر إلى الساحل الشمالي حيث استقر بعض "القواسم"، ووضعوا الجزر والساحل المحاذي للخليج تحت سيطرتهم. ثم حدث تقسيم عُرفي عام 1835م بين "القواسم" لملكية جزر الخليج، بحيث أصبحت جزيرتا سرى وهنجعام تابعة لقواسم لنجه، وجزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير تابعه لقواسم ساحل عُمان، أي رأس الخيمة والشارقة، وهذا ما تؤيده وثيقة لدى السلطات البريطانية من عام 1864م عبارة عن رسالة رسمية من حاكم قواسم الساحل تؤكد بموجبها تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير له منذ أجداده الأوائل.

تعد هذه الوثيقة أول مستند رسمي يؤكد السيادة العربية على هذه الجزر، بالإضافة إلى أن حاكم الشارقة رفض عام 1898م منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن الموجودة في باطن أرض جزيرة أبو موسى. مما أزعج إيران في ذلك الحين، وجعل قواتها تغزو "لنجة" وتطرد حكامها "القواسم" عام 1887م بعد أن حكموا هذه المنطقة زهاء ربع قرن، ثم احتلت جزيرة سرى.

في القرن التاسع عشر كانت هذه الجزر غير مأهولة بالسكان الدائمين، وكان القواسم يستخدمونها للرعي الموسمي، وحينما طالبت إيران عام 1887م بهذه الجزر، كانت السلطات البريطانية تستعد لإعلان ملكيتها عليها، وفي ذلك الوقت أظهر المندوب البريطاني في الشارقة نسخاً من خمسة رسائل، من بينها رسالة من الشيخ خليفة بن سعيد من "لنجة" تؤكد بشكل واضح أن جزر طنب هي من أملاك الشيخ حميد بن عبدالله من رأس الخيمة.

وكما يبدو أن هذه الرسائل كانت حاسّمة في إقناع البريطانيين بأن أيّاً كان المسؤول عن إدارة "لنجه" قبل عام 1887م، فإن هذه الجزيرة كانت من ممتلكات الفرع الأكبر لأسرة القواسم وليس من ممتلكات الفرع الأصغر في "لنجه"، وفي الوقت الذي كان البريطانيون يعدون العدة لمساندة الشارقة في مطالبتها لجزيرة "سير"، علموا أن إيران تطالب بالجزيرة نفسها لكنهم لم يعارضوا الأمر، وأصبحوا على استعداد للقبول باحتلال إيران للجزيرة، وبعد ذلك اكتشف البريطانيون وثائق مؤرّخة بين أعوام 1884، 1908م، تظهر بوضوح أن جزيرة أبو موسى تابعة للشارقة.

ومن ناحية أخرى، ادعى الإيرانيون أن جزر أبو موسى وطنب كانت ـ على غرار جزيرة سير ـ تحت إدارة شيخ "لنجة" في الفترة التي سبقت عام 1887م، وأشاروا إلى خرائط أعدّها البريطانيون في الفترة التي تمتد بين 1886 وبداية عام 1900م، والتي تشير إلى أن البريطانيين يعتقدون أن هذه الجزر فارسية، ومن ثم برز خلاف بين الحكومة الإيرانية في طهران من جهة وبين القواسم والبريطانيين من جهة أخرى حول وضع هذه الجزر.

في عام 1904 احتلت إيران جزيرة أبو موسى واعترف قائد الحملة الإيرانية آنذاك في تقرير له عام 1887م، أن القواسم يستوطنون أبو موسى ويتخذون منها قاعدة لهم. كان الهدف من هذا الاحتلال هو منح امتياز لإحدى الشركات الأجنبية للتنقيب على ثروات وخيرات الجزيرة.

ولإضفاء الشرعية على هذا الاحتلال، رفعت إيران العلم الإيراني على الجزيرة، مما جعل حاكم الشارقة يحتج على هذه التجاوزات، وسانده في ذلك ممثل بريطانيا في المنطقة في ذلك الوقت، الذي طالب طهران بتقديم ما يؤيد سيادتها على الجزيرة. فما كان من إيران إلا أن انسحبت من الجزيرة عندما عجزت عن تقديم أية وثائق تثبت ادعاءاتها.

في عام 1912 قرر البريطانيون إنشاء "مناره" على أرض جزيرة طنب الكبرى، وفي فبراير 1913، أثارت وزارة الخارجية الإيرانية مع البريطانيين مسألة "المناره" وقضية ملكية القواسم للجزيرة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحولت الأنظار عن المنطقة وتجمّدت العلاقات بين القواسم والإيران.

في عام 1912 قرر البريطانيون إنشاء "مناره" على أرض جزيرة طنب الكبرى، وفي فبراير 1913، أثارت وزارة الخارجية الإيرانية مع البريطانيين مسألة "المناره" وقضية ملكية القواسم للجزيرة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحولت الأنظار عن المنطقة وتجمّدت العلاقات بين القواسم والإيرانيين حتى عام 1923 عندما تولت أسرة بهلوي مقاليد الحكم في إيران.

في عام 1923، فوجئ المندوب البريطاني في طهران برسالة من وزارة الخارجية الإيرانية تطالب فيها بجزر طنب وأبو موسى، ورد المندوب البريطاني بمذكرة مفادها، أنه في عام 1904 رفضت الحكومة الإيرانية رفع أعلامها على الجزر، وتوصل الطرفان إلى اتفاق شفوي مفاده أن جزيرة "سير" هي ملك للإيرانيين وأن جزيرة أبو موسى وجزر طنب ملك للعرب.

ثم توترت العلاقات فيما بعد بين بريطانيا وإيران، ومع ذلك، حاول الجانبان البحث عن حّل لإشكالية هذه الجزر عامي 1929، 1930، وكادت هذه المباحثات أن تسّفر عن معاهدة بريطانية إيرانية، إلا أن المباحثات توقفت وتقدمت إيران بطلب استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من رأس الخيمة لمدة خمسين عاماً، ورفضت بريطانيا، ثم مع بداية عام 1935، احتج الإيرانيون حين منح حاكم الشارقة لشركة بريطانية حق امتياز تصدير الأكسيد من جزيرة أبو موسى. وعلى الرغم من ذلك فقد خفت حدة الخلاف كثيراً، وبدأت بعض العائلات العربية والفارسية تقطن هذه الجزر، قدّر حجمها بخمسّ عائلات إيرانية وخمسّة عشر عائلة عربية، وفي عام 1941 صرّح الإيرانيون أن شقيق حاكم رأس الخيمة يحصل على ضرائب من العائلات الإيرانية والعربية التي تقيم في هذه الجزر. وخلال الخمس والعشرين عاماً التي تلّت الحرب العالمية الثانية، وقعت عدة أحداث بسيطة، وقدم المندوبان البريطاني والإيراني اقتراحات عديدة لتسوية الخلاف حول الجزر، إلا أن هذه الاقتراحات لم تؤخذ بعين الاعتبار.


أبعاد إعلان بريطانيا عن عزمها الانسحاب من الخليج

حين أعلن البريطانيون عام 1968 عن عزمهم الانسحاب من الخليج بنهاية عام 1971، عادت إشكالية الجزر لتتصّدر قائمة الاهتمامات في المنطقة، أما بشأن قضية البحرين ومطالبة الإيرانيين بها فقد تم التوصل إلى حلّ لها بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، بدعم ومساندة شاه إيران والذي أظهر براعة سياسية فقد طالب الشاه بإعادة سلطته على جزيرة أبو موسى وجزيرتي الطنب، وأعلن بوضوح أن إيران تتوقع أن تُكافئ بامتلاك هذه الجزر بعد جلاء القوات البريطانية عن منطقة الخليج. وبادر الممثل الخاص لوزارة الخارجية البريطانية في الخليج (وليم لوسي) إلى تأييّد قيام اتحاد بين الدول العربية التي ستنسحب القوات البريطانية عنها، كما حاول إيجاد حل للخلاف حول جزيرتي الطنب وأبو موسى. صرّح الشاه بأنه سوف يقف بوجه أي اتحاد بين الدول العربية في الخليج الجنوبي ما لم ينّل مأربه، مؤكداً أنه على استعداد لأخذ هذه الجزر بالقوة المسلحة إذا لزم الأمر.

كان ذلك إيذاناً ببدء مفاوضات غير متكافئة بوساطة بريطانية حتى تم التوصل إلى اتفاق فيما بعد في شهر نوفمبر 1971 بما عرف بمذكرة التفاهم.

احتلال إيران للجزر العربية الثلاث

في 29 نوفمبر 1971، زحفت قوات عسكرية كبيرة من الجيش الإيراني يساندها بعض القطع البحرية إلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، واحتلتهما بعد مقاومة محدودة بين عناصر الشرطة التابعة لإمارة رأس الخيمة والقوات الإيرانية المتفوقة عدداً وعدّة، وقُتل ثلاثة إيرانيين وفرد من قوة الشرطة التابعة لرأس الخيمة، أما باقي عناصر الشرطة فقد أصيبوا واعتقلتهم القوات الإيرانية.

وأُجبر سكان الجزيرة التي يقدر عددهم بـ180 على مغادرة الجزيرة إلى رأس الخيمة، تاركين ورائهم منازلهم وممتلكاتهم.

وكان الموقف في جزيرة أبو موسى مختلفاً تماماً، حيث قصد مندوب شاه إيران إلى الجزيرة مرافقاً للقوات الإيرانية في اليوم التالي مباشرة (30 نوفمبر 1971)، وكان في استقباله في الجزيرة نائب حاكم الشارقة الشيخ صقر بن محمد بن صقر القاسمي، وممثل عن الحكومة البريطانية، وسكان الجزيرة الذي يبلغ تعدادهم نحو 800 نسمة. وانتشرت القوات الإيرانية في الجزء المخصص لها في الجزيرة وفقاً لمذكرة التفاهم. وهكذا قبل 48 ساعة من إعلان قيام دولة الإمارات الجديدة، سقطت جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة فـي أيدي القوات الإيرانيـة يوم 29 نوفمبر 1971. كمـا تمركزت القوات الإيرانية فـي جزيرة أبو موسى يـوم 30 نوفمبر 1971 وفقاً لاتفاق غير عادل بين إيران وإمارة الشارقة، وبذلك حققت إيران ما كانت تخطط له قبلاً باحتلالها للجزر الثلاث دون خسائر تذكر.

قدمت إمارة رأس الخيمة احتجاجاً شديد اللهجة للحكومة البريطانية المسؤولة عن حماية الجزيرتين (طنب الكبرى والصغرى)، تطبيقاً للاتفاقيات المبرمة بينهما والتي كانت سارية المفعول آنذاك، ولم تكن بريطانيا قد استكملت انسحاب قواتها العسكرية بعد. ولكنها لم تكترث لموضوع الاحتلال الإيراني للجزر، واكتفت ببيان أصدرته وزارة الخارجية البريطانية أعربت فيه عن خيبة الأمل لما حدث ولسقوط الضحايا فوق الجزر.

تم الإعداد والتخطيط الجيد لاحتلال إيران للجزر، وكان للشاه رؤية إستراتيجية منسّقة ومتكاملة اعتمدت على عدة ركائز أساسية وهي:

  • الاختيار الدقيق والمناسب لتوقيت تنفيذ عملية احتلال الجزر، في يومي 29، 30 نوفمبر 1971، وهو اليوم السابق لانتهاء اتفاقية الحماية البريطانية للمحميات والإمارات، حيث تنتهي المعاهدة المبرمة مع بريطانيا يوم الأول من ديسمبر 1971. وكان اختيار هذا التوقيت بعد أن تكون القوات العسكرية البريطانية الرئيسية قد غادرت بالفعل منطقة الخليج، وليس من منطق الأمور أن تقاتل بريطانيا صديقها وحليفها الشاه لاسترداد جزيرتي طنب ثم تنسحب في اليوم التالي من المنطقة.
  • تنفيذ عملية الاحتلال قبل 48 ساعة فقط من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية مستقلة ذات سيادة تتكون من سبع إمارات (أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القوين، الفجيرة، ورأس الخيمة) اعتباراً من 2 ديسمبر 1971.
  • ادعاء إيران أن احتلالها للجزر قبل ساعات من إعلان قيام الدولة الجديدة (دولة الإمارات العربية المتحدة)، لا ينافي إمكانية التعايش السلمي مع الدولة الجديدة بدعوى أن مشكلة الجزر هي مسألة بين إيران والقواسم منذ فترة زمنية بعيدة ولا علاقة لدولة الإمارات بها، وأن الأمن والاستقرار في الخليج يتحقق من خلال التعاون بين الإيرانيين والعرب.


مفاوضات الوساطة البريطانية ـ الإيرانية مع حاكم الشارقة

ارتبط الموقف البريطاني بمقتضيات المصالح البريطانية الإيرانية المشتركة، فكان على بريطانيا انطلاقاً من هذا الموقف تكليف أحد دبلوماسيها المخضرمين (وليم لوسي) ليقوم بدور التسوية والضغط للتوصّل إلى حّل يتوافق مع أهداف وسياسات إيران.

كان على الشارقة أمام هذا الموقف أن تواجه الأمور وحدها، وأن تقرر ما تراه مناسباً تجاه تلك الضغوط والتهديدات المتواصلة باحتلال جزيرة أبو موسى، وبعد مفاوضات طويلة طرح الممثل الخاص لوزارة الخارجية البريطانية في الخليج وليم روس، مشروع اتفاق على إمارة الشارقة يتضمن نقطتين أساسيتين:

  • اقتسّام الجزيرة بين إيران والشارقة في مقابل مبلغ من المال يُتفق عليه فيما بعد، على ألاّ تدّعي الشارقة السيادة على الجزيرة كما لا تدّعي إيران السيادة عليها لمدة سنتين بعدها يتقرر مصيرها.
  • تأجير إيران للجزيرة لمدة 99 عاماً قابلة للزيادة، لقاء مبلغ من المال يتفق عليه، على أن يبقى علم الشارقة مرفوعاً فوق المخفر الوحيد هناك، ويحق لحكومة طهران إقامة قواعد في المناطق التي تختارها.

وفي كلمة ألقاها الشيخ خالد بن محمد بن صقر القاسمي حاكم الشارقة في نهاية أكتوبر 1971، أمام جمع كبير من أبناء الشارقة، عقب اجتماعه بالمفاوض البريطاني وليم لوسي قال:

"إن الشارقة ترفض رفضاً قاطعاً الشروط التي عرضها (لوسي) بخصوص جزيرة أبو موسى، ونعتبرها شروطاً تمسّ سيادة الشارقة التي لا يمكننا التنازل عنها أو عن أي شبر واحد من التراب العربي الذي هو ملك للأمة العربية جمعاء". وناشد حاكم الشارقة في حينها الدول العربية، أن تتخذ موقفاً موحداً إزاء هذه القضية.

تواصلت الضغوط البريطانية ـ الإيرانية على الشارقة، تخيرها بين الرضوخ للمطالب الإيرانية مع التوصل إلى تفاهم ودي يبقى للشارقة وجوداً في الجزيرة، أو الاحتلال الإيراني الكامل لجزيرة أبو موسى.

رأت الشارقة أن تتوصل إلى اتفاق يعتمد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إزاء الوعيد والتهديد الإيراني باحتلال جزيرة أبو موسى المتلازم مع الضغوط التفاوضية البريطانية. ومن ثم في 29 نوفمبر 1971، أعلن الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة من إذاعة صوت الساحل في معسكر المرقاب التابع لقوة ساحل عُمان بإمارة الشارقة، بياناً قال فيه:

"إنه اضّطر إلى التوصل إلى ترتيب مع إيران للتشارك في السيادة على جزيرة أبو موسى، في مواجهة التهديد الصريح بالاستيلاء على الجزيرة بالقوة في حالة عدم قبوله، إضافة إلى أن بريطانيا سبق أن أوضحت موقفها بصراحة من أنها عاجزة عن الدفاع عن الجزر إذا لم يتم التوصل لترتيبات محددة قبل حلول موعد رحيلها عن الخليج".

وهكذا إزاء التهديدات الإيرانية، وافق حاكم الشارقة آنذاك على اقتسّام السلطة في جزيرة أبو موسى مع إيران دون التخلي عن سيادته أو الاعتراف بالسيادة الإيرانية، وذلك في إطار اتفاقية أطلق عليها اسم مذكرة تفاهم، تم التوصل إليها بالإكراه وهو ما يلغي شرعية هذه المذكرة وذلك بموجب المادة (52)، من قانون المعاهدات بين الدول والتي تنص على ما يلي:

"تُعد لاغية الاتفاقية التي يتم التوصل إليها بالتهديد أو باستخدام القوة وانتهاك مبادئ القانون الدولي كما يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة".

تم توقيع مذكرة التفاهم هذه بين إيران والشارقة بضمان الحكومة البريطانية، بين الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وعباس حلقبري وزير الخارجية الإيراني، ودوجلاس هيوم وزير خارجية بريطانيا.

انقسّم الرأي العام الإقليمي والعربي حول مذكرة التفاهم والإقرار لإيران باحتلال نصف جزيرة أبو موسى بين مؤيد ومعارض، فقد رأى البعض أن ذلك الإجراء يعد تفريطاً في أرض الجزيرة ومياهها، ورضوخاً للوعيد والتهديد العدواني الإيراني وتسليماً للضغوط التفاوضية البريطانية، وأن ما حدث يمنح إيران قاعدة متقدمة للقفز على المزيد من الأراضي العربية تحقيقاً لأهداف شاه إيران في التوسع والسيطرة على منطقة الخليج العربي بأسرها. في حين رأى البعض الآخر أن التفريط بالجزء أفضل من ضياع الكلّ، وأنه ليس لإمارة الشارقة القدرة على مواجهة التهديدات الإيرانية والضغوط البريطانية، كما أن المستقبل كفيل باستعادة ما سّلب من الجزيرة، عندما تتهيأ الظروف العربية والسياسية المواتية لتحقيق هذه الغاية، حيث أن الشارقة لم تسلم بموجب مذكرة التفاهم لإيران الحق أو الشرعية بالسيادة على الجزيرة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التكييف القانوني لمذكرة التفاهم بين إيران وإمارة الشارقة

لا تعدو هذه الاتفاقية كونها مجرد ترتيبات إدارية مؤقتة قُصد منها إتاحة الفرصة للطرفين لإدارة الجزيرة واستثمار بعض ما بها من ثروات إلى أن يحسّم موضوع السيادة عليها.

وعلى ذلك يمكن إجمال مضمون مذكرة التفاهم في النقاط التالية:

  • إن إمارة الشارقة لم تتنازل عن سيادتها على جزيرة أبو موسى أو على أي جزء منها.
  • إن مذكرة التفاهم لم تنقل لإيران السيادة على جزيرة أبو موسى أو على أي جزء منها.
  • إن وجود القوات الإيرانية في قسم الجزيرة المحدد في الخريطة المرفقة بمذكرة التفاهم، لا سّند له سوى مذكرة التفاهم ومن ثم فإن أثره مقيّد ببنودها.
  • إن مذكرة التفاهم تسبغ على إيران ولاية كاملة فقط في حدود المنطقة المتفق على احتلالها من قبل القوات الإيرانية والمحددة بموجب الخريطة المرفقة بمذكرة التفاهم.
  • إن مذكرة التفاهم لا تعطي إيران الحق في التدخل بأي طريقة وتحت أي ظروف في جزء الجزيرة الذي قضت مذكرة التفاهم بأنه يخضع للولاية الكاملة لإمارة الشارقة.


محتويات مذكرة التفاهم

تتضمن مذكرة التفاهم مقدمة وسّتة بنود، تؤكد المقدمة أن كلاً من إيران والشارقة لن يتخلّيا عن المطالبة بأبي موسى ولن تعترف أيٌ منهما بمطالب الأخرى، أما البنود السّتة فهي كالتالي:

  • المادة الأولى، تنصّ على وصول قوات إيرانية لجزيرة أبو موسى واحتلال مناطق ضمن الحدود المتفق عليها في خريطة مرفقة بالاتفاق.
  • المادة الثانية، أن يكون لإيران صلاحيات كاملة على المناطق المتفق عليها والمحتلة بالقوات الإيرانية، وفي المقابل تمارس الشارقة صلاحيات كاملة على سائر المناطق الأخرى من الجزيرة.
  • المادة الثالثة، تعترف كل من إيران والشارقة بامتداد المياه الإقليمية للجزيرة لمسافة 12 ميلاً بحرياً.
  • المادة الرابعة، يصرح لشركتّي نفط (تم تحديدهما في الاتفاق) باستغلال الثروات النفطية للجزيرة، على أن يقسّم العائد مناصّفة بين إيران والشارقة.
  • المادة الخامسة، المساواة في الحقوق بين المواطنين في كل من إيران والشارقة فيما يتعلق بالصّيد في المياه الإقليمية للجزيرة.
  • المادة السادسة، يتم التوقيع على اتفاق تعاون اقتصادي بين إيران والشارقة.

وعلى الرغم من أن مذكرة التفاهم بنصّها الصريح لا تمسّ إدعاء الطرفين بالسيادة على الجزيرة، ولا تتجاوز كونها مجرد ترتيبات لإدارة الجزيرة بصفة مؤقتة، إلا أنها وقعت دون رغبة حقيقية من جانب إمارة الشارقة في ظل ظروف قاهرة وملحّة تمثلت في التالي:

  • تصميم بريطانيا على الانسحاب من المنطقة في الموعد المحدد وسحب الحماية عن الإمارات.
  • تهديد إيران بأنها سوف تحتل الجزر الثلاث بالقوة المسلحة ما لم يتم التوصل إلى تسوية بشأنها قبل قيام الدولة الاتحادية المقترحة.
  • تهديد إيران بعدم الاعتراف بالدولة الاتحادية المقترحة بل ومعارضتها لقيام هذه الدولة، ما لم يتم التوصل إلى تسّوية حول الجزر تتلاءم مع رغبات طهران.
  • حققت إيران هدفها العسكري والسياسي باحتلالها للجزر العربية الثلاث معتمدة في ذلك على قدراتها العسكرية والبشرية والاقتصادية، وبالتعاون والتنسيق الكامل مع بريطانيا التي أصبحت إيران حليفتها الاستراتيجية في المنطقة، التي تضمن لها وجوداً استعمارياً غير مباشر في المنطقة، وتصون مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتلعب دور الشرطي لقمع أي بادرّة لمحاولة تمرد على النفوذ البريطاني في المنطقة.

بذلت دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً سلمية متعددة منذ وقوع العدوان الإيراني على الجزر العربية الثلاث في مختلف المحافل الدولية والإقليمية للمطالبة باستعادة سيادتها على جزرها المحتلة، وبقدر ما كانت التصريحات الصادرة عن المسؤولين في دولة الإمارات بالليونة والدعوة إلى حل هذه القضية بالطرق السلمية، كانت تصريحات المسؤولون في طهران تتسّم بالشّدة وبالتهديد وبالوعيد، ومثال ذلك تصرح شاه إيران "نحن نؤكد موقفنا بأن الجزيرة كلها ملكيتها إلينا"، وما ذكره رئيس وزراء إيران "أن إيران لن تتنازل مطلقاً عن سيادتها غير القابلة للتحكيم عن مجّمل جزيرة أبو موسى".

في مقابل ذلك أكد المجلس الأعلى للاتحاد، في أول بيان له بعد إعلان قيام دولة الإمارات يوم 2 ديسمبر 1971، جاء فيه: "يستنكر الاتحاد مبدأ استخدام القوة ويأسف لما اتخذته إيران أخيراً من احتلال جزء من الوطن العربي العزيز، ويرى ضرورة احترام الحقوق المشروعة ومناقشة ما قد ينشأ من خلافات بين الدول بالطرق المتعارف عليها دولياً".

وتحركت دولة الإمارات منذ قيامها في 2 ديسمبر 1971 على جميع الأصّعدة والمستويات العربية والدولية، مؤكدة تمسكها بالسيادة المطلقة على الجزر، ومناشدة المجتمع الدولي حث إيران على إنهاء العدوان بسحب قواتها من الجزر، على النحو التالي:

  • في 6 ديسمبر 1971 طلبت دولة الإمارات ودولة عربية أخرى من الأمين العام لجامعة الدول العربية، الاتصال بإيران على أعلى المستويات لإقناعها بإعادة النظر في إجراءاتها بشأن الجزر.
  • في 9 ديسمبر 1971 عقد مجلس الأمن الدولي جلسة للنظر في النزاع بناءً على طلب دولة الإمارات وعدد من الدول العربية، وقد عبرت دولة الإمارات عن رفضها لاحتلال الجزر وأكدت سيادتها عليها. (الوثيقة رقم 161، S / PV بتاريخ 9 ديسبمر 1971).
  • في 17 يوليو 1972 تقدمت دولة الإمارات مع دول أخرى برسالة إلى رئيس مجلس الأمن، تؤكد فيها عروبة الجزر وأنها جزء لا يتجزأ من الإمارات العربية المتحدة ومن الوطن العربي. (الوثيقة رقم S / 10740 بتاريخ 18 يوليو 1972).
  • في 5 أكتوبر 1972 أكدت دولة الإمارات في بيان لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة رقم (27)، أنها لا تعترف بأية سيادة على تلك الجزر باستثناء سيادة الإمارات. (الوثيقة رقم S / PV / 2055 بتاريخ 5 أكتوبر 1972).
  • في 20 فبراير 1974 أكدت دولة الإمارات في بيان لها في مجلس الأمن، بأنها لا تعترف بأية سيادة على تلك الجزر سوى سيادة دولة الإمارات، وأكدت على أن الاستقرار في منطقة الخليج يستلزم التعاون فيما بين دولها واحترام كل دولة لسيادة الدولة الأخرى ووحدة ترابها، وبأن تسوية أية خلافات بينها يجب أن تتم بالطرق السلمية. (الوثيقة رقم S / PV / 1763 بتاريخ 20 فبراير 1974).
  • في 19 نوفمبر 1975 أكدت في بيان لها في الأمم المتحدة، أمام اللجنة السياسية الخاصة، موقفها من أنها لا تعترف بأية سيادة على الجزر سوى سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة. (الوثيقة رقم A / C.I / PV / 2092 بتاريخ 19 نوفمبر 1975).


قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتطور الخلاف حول الجزر

بنجاح الثورة الإسلامية في الإطاحة بنظام الشاه واستلام مقاليد الحكم وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في الحادي عشر من فبراير 1979، توقعت كافة المحافل الدولية والإقليمية من القيادات الإسلامية الإيرانية الجديدة خيراً، لتصحيح الأخطاء التي ارتكبها نظام الشاه في حق الدول التي تجاوره وفتح صفحة جديدة في العلاقات معها، بأسلوب منطقي وعقلاني في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، بدءاً بإعادة الجزر العربية الثلاث إلى أصحابها الشرعيين.

توافق مع هذا المناخ، أن كافة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون في الحكومة الإسلامية الجديدة، أجمعت على أن الاتجاه لدى الحكومة الجديدة في طهران هو إسقاط سياسة التوسع التي انتهجها النظام السابق، وأن نظام الحكم الإسلامي الجديد سوف يجري في أقرب فرصة مراجعة شاملة لجميع الإجراءات والاتفاقيات التي أبرمّت في العهد السابق.

وتأكيداً لهذا التوّجه، زار رئيس المحاكم الثورية في طهران آية الله خلخالي دولة الإمارات العربية المتحدة يومي 28، 29 مايو 1979، وأجرى مع المسؤولين في دولة الإمارات عدّة لقاءات ومشاورات بشأن قضية الجزر العربية الثلاث، في محاولة لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، وفي نهاية الزيارة صرّح بقوله: "أن الخليج ليس فارسياً ولا عربياً بل إسلامي، ويتوافق ذلك مع التعريف الذي أعلن عنه سابقاً آية الله الخميني".

بعد انتهاء زيارة آية الله خلخالي لدولة الإمارات وعودته إلى طهران، صدرت فجأة تصريحات رسمية عن حكومة الدكتور بازركان الإيرانية تقول: "إن خلخالي غير مسؤول في الدولة، وبياناته التي أصدرها أثناء زيارته لدول الخليج لا تمثل وجهة نظر الحكومة الإيرانية".

وبذلك تكون الثورة الإسلامية في إيران قد حدّدت طبيعة سياستها مع جيرانها وحسّمت أمر الجزر لصالحها استمراراً لسياسة الشاه، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل عمدت إيران عام 1987 إلى احتلال الجزء الجنوبي من جزيرة أبو موسى الواقعة تحت ولاية إمارة الشارقة، وتبعت ذلك بإنشاء مدرج للطائرات الحربية تمتّد أطرافه إلى الجزء الجنوبي من الجزيرة، بدعوى أن حربها الطويلة مع العراق استدعت اتخاذ مثل هذا الإجراء.

وهكذا باءت بالفشل جهود دولة الإمارات ومساعيها مع النظام الإيراني الجديد لاستعادة حقوقها المسلوبة في الجزر، إزاء التعنت الإيراني.

لم تلق هذه التطورات اهتمام المجتمع الدولي الذي كان مشغولاً لعدة سنوات في متابعة تطورات وآثار الحرب العراقية ـ الإيرانية، وكان لتلك الأحداث آثار سلبية على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في منطقة الخليج، فقد وجدت طهران أن الظروف الدولية والإقليمية تشكل حافزاً لها على اتباع سياسة "الضم" التي انتهجتها فيما يتعلق بجزيرة أبو موسى.

لم تتوقف دولة الإمارات العربية المتحدة عن مطالبتها بحقوقها المشروعة في الجزر الثلاث بعد قيام الثورة الإيرانية، واتخذت الإجراءات التالية:

  • في 6 أغسطس 1980 بعث وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أكد فيها سيادة دولة الإمارات على الجزر الثلاث وصدرت الرسالة كوثيقة رسمية من وثائق الجمعية العامة ومجلس الأمن.
  • في 1 ديسمبر 1980 بعثت دولة الإمارات رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أكدت فيها موقفها الثابت وتمسكها بسيادتها الكاملة على الجزر الثلاث.
  • في 3 ديسمبر 1980 أصدرت البعثة الدبلوماسية الدائمة لدولة الإمارات في نيويورك، بياناً أكدت فيه من جديد على سيادة دولة الإمارات على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الواقعة في عرض الخليج العربي، وجاء في هذا البيان أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترفض بصورة قطعية كل ما يقال عن سيادة أخرى على هذه الجزر.


تجدد النزاع وإعادة فتح ملف الأزمة

منذ مطلع الثمانينات أقدمت إيران على العديد من الإجراءات التي تشكل انتهاكاً صارخاً لمذكرة التفاهم، ومن أمثلة هذه الإجراءات ما يلي:

  • التعّدي على الأراضي التابعة لدولة الإمارات والتي تقع خارج حدود جزء الجزيرة المخصص للوجود العسكري الإيراني، وذلك بإنشاء مطار وشق طرق وإقامة منشآت عسكرية ومدنية.
  • التدخل في الحياة اليومية لمواطني دولة الإمارات المقيمين في الجزيرة، وذلك بمنعهم من إقامة مبان جديدة أو ترميم المباني القائمة وإغلاق المحال التجارية وعدم السماح بإعادة فتحها إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من السلطات الإيرانية.
  • اعتراض السفن الإيرانية العسكرية لقوارب الصيد التابعة لمواطني دولة الإمارات في المياه الإقليمية للدولة وإجراء التحقيق معهم ومصادرة قواربهم.
  • تمركز عناصر من أنظمة الصواريخ الإيرانية في القسم التابع لدولة الإمارات.
  • إنشاء بلدية في جزيرة أبو موسى تابعة لمحافظة بندر عباس الإيرانية، ومحاولة ربط الخدمات البلدية للسكان مع الخدمات البلدية للجزء المخصص لإيران في الجزيرة.
  • عرّقلة عمل شرطة دولة الإمارات وذلك للنشاط الزائد للدوريات العسكرية الإيرانية التي تجوب الأسواق والطرقات.
  • إلزام سكان الجزيرة بالقدوم إليها ومغادرتها عن طريق مركز إيراني.
  • فرض الحصول على إذن مسّبق عند قدوم الموظفين الجدد للجزيرة وعند استبدالهم.

اعتباراً من عام 1991، أقدمت إيران على فرض إجراءات أكثر تشدداً ضد السكان العرب في جزيرة أبو موسى، ثم قامت في الأسبوع الأخير من مارس 1992 باعتقال وإبعاد عدد من العاملين الأجانب في القسم التابع لإمارة الشارقة، وتم إغلاق المحال التجارية والاشتراط على الصيادين بضرورة تجديد تراخيص الصيد كل خمسة أيام، ومراجعة الهويات التي يحملها المواطنون والمقيمون على الجزيرة، ومنع بناء روضة للأطفال، ورفضت فصل الطلاب عن الطالبات.

وصعّدت إيران سلسلة إجراءاتها التعسفية في إبريل 1992، بتوسيع نطاق سيطرتها على جزيرة أبو موسى في انتهاك صارخ للشروط المتفق عليها في مذكرة التفاهم، وذلك بتمركزها لقوات عسكرية إيرانية على بقية أجزاء الجزيرة، ومنعت رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنعت كافة أنواع السيارات التي تحمل لوحات إماراتية من دخول الجزيرة، وفرضت الحصول على تأشيرة إيرانية لمن يرغب الدخول إلى الجزيرة.

وعلى الرغم من الدبلوماسية الهادئة التي أتبعتها دولة الإمارات لإيجاد حل سلمي للأزمة، إلا أنها فشلت في حث إيران على إلغاء تلك الإجراءات الإيرانية الأخيرة التي لا مبرر لها، والتي أدت إلى احتلالها الكامل وفرض سيادتها بالقوة المسلحة على جزيرة أبو موسى، الأمر الذي جدد النزاع بين الدولتين مرة أخرى بعد 21 عاماً.


الجهود السلمية لدولة الإمارات تجاه الأزمة

قام راشد عبدالله وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة بزيارة عمل إلى طهران يومي 22، 23 إبريل 1992، سلم خلالها رسالة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني.

أكد مصدر دبلوماسي في حكومة دولة الإمارات، تمسك بلاده بحقها الكامل على كافة أراضيها، وقال المصدر في تصريحه لصحيفة الأنباء الكويتية في إبريل 1992، أن دولة الإمارات تنتظر النتائج التي ستسفر عنها زيارة مبعوث رئيس الدولة للتفاوض مع المسؤولين الإيرانيين حول استيلاء القوات العسكرية الإيرانية على جزيرة أبو موسى.

وفي أبو ظبي قرّر المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتماعه بتاريخ 11 مايو 1992 برئاسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، اعتبار الاتفاقيات المعقودة بين أي إمارة ـ من الإمارات السبع ـ والدول المجاورة، هي اتفاقيات بين اتحاد دولة الإمارات وهذه الدول، وذلك تأسيساً على أنه في الاتحادات الفيدرالية ـ كاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ـ تعد الشؤون والأمور المتعلقة بأعمال السيادة من اختصاص الدولة الاتحادية التي تُمارسّ وتُدافعّ عن حقوق كافة الإمارات المكونة في مجموعها لها، طبقاً لقواعد القانون الدستوري الذي يؤكد أن الإدارة المركزية في الدولة الاتحادية هي التي تكفل الدفاع عن سيادة إقليمها من أي اعتداء خارجي.

أوضح المراقبون السياسيون أن هذا القرار الذي أصدرته أعلى سلطة سياسية في اتحاد دولة الإمارات، هو أول مبادرة سياسية وخطوة علنية للتعامل مع مشكلة جزيرة أبو موسى والتي فرّضت إيران سيطرتها الكاملة عليها من جانب واحد مع بداية إبريل عام 1992، ومخّلة ـ بذلك ـ بمذكرة التفاهم التي وقعتها مع إمارة الشارقة عام 1971 (قبل إعلان قيام دولة الإمارات) والذي يعطي إيران وحكومة الشارقة المسؤولية المشتركة عن شؤون الجزيرة ورعاية سكانها من العرب والإيرانيين.

أشارت مصادر سياسية أن هذا القرار، يعد رداً إيجابياً على منطق إيران، التي تحاول بعد استكمال سيطرتها على جزيرة أبو موسى، اعتبار أن هذه الأزمة من الشؤون الخاصة بينها وبين إمارة الشارقة وحدها، وترفض بطريقة تدعو إلى القلق التعامل مع دولة الإمارات بشأن هذه القضية.

واستمرت وسائل الإعلام الإيرانية تردد أن القضية محصورة فقط بين إيران وإمارة الشارقة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نتائج المباحثات الإماراتية مع الجانب الإيراني

أثار الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني خلال مباحثاته مع وزير خارجية دولة الإمارات في طهران يومي 22، 23 إبريل 1992، وجهات نظر جديدة ومطالب ومواقف يمكن أن تؤثر سلباً في العلاقات بين الدولتين، منها ما يلي:

  • استياء إيران من وجود عمال أجانب في الجزيرة، وتعّتقد بعض المصادر الخليجية أن إيران تسّعى إلى إحّلال عمال نفط إيرانيين بدلاً من العمال الذين أخرجتهم إيران مؤخراً من جزيرة أبو موسى.
  • ترى إيران أن دولة الإمارات العربية المتحدة ينبّغي أن تدفع لها تعويضات مالية، تعتقد إيران أنها تستحقها بسبب الخسائر الكبيرة التي منيّت بها خلال حربها الطويلة مع العراق.
  • ترى إيران أنها غير ملزمة قانوناً ببحث وضع الجزيرة مع دولة الإمارات، ويتمسّك المسؤولون في الحكومة الإيرانية بمقّولة ثابتة ومحدّدة، هي أن الاتفاق المتعلق بجزيرة أبو موسى أبرّم أصلاً بين إيران وإمارة الشارقة.


تصاعد الأحداث وإعادة فتح ملف الأزمة

في تصعيد مفاجئ رفضت السلطات الإيرانية في جزيرة أبو موسى السماح لسفينة نقل الركاب الإماراتية "خاطر" القادمة من الشارقة بإنزال ركابها في الجزيرة يوم 24 أغسطس 1992. وهم أكثر من مائة من المدرسين والمدرسات وأفراد عائلاتهم والعاملين من المواطنين والمقيمين في الجزيرة، وأبقّت السلطات الإيرانية السفينة "خاطر" في عرض الخليج ثلاثة أيام، ولم تسمح للركاب بالوصول إلى مراكز عملهم وأماكن سكنهم في الجزيرة، وأرغمت السفينة إلى العودة إلى الشارقة.

صّرح مرتضى سّرمدي الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في اليوم التالي للأزمة 25 أغسطس 1992، أن إيران والشارقة اتفقتا على أن المواطنين والأجانب الذين يرغبون في الذهاب إلى جزيرة أبو موسى يجب عليهم الحصول على تصاريح دخول من إدارة الموانئ الإيرانية، وحين طلبت السلطات الإيرانية من العمال والموظفين على متن السفينة "خاطر" تنفيذ ذلك، سلمت إمارة الشارقة ملف جزيرة أبو موسى إلى وزارة خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، فانتقلت المسألة إلى الإطار الاتحادي لدولة الإمارات.

في الأول من سبتمبر 1992، صّرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية لدولة الإمارات بشأن ما قامت به إيران يوم 24 أغسطس 1992 في جزيرة أبو موسى بأنه: "لا يتفق مع العلاقات التي ربطت بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية وينعكس سلباً على التعاون بين البلدين، في الوقت الذي ترغب فيه دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات حسن الجوار والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودولة الإمارات العربية المتحدة ليّحدوها الأمل بأن تبقى العلاقات التاريخية والودّية كما عهدناها قائمة بين البلدين".

وفي الثاني من سبتمبر 1992، أعلن كمال خرازي مندوب إيران في الأمم المتحدة، أن منع الشرطة الإيرانية ركاب السفينة الإماراتية من النزول إلى الجزيرة ينبع من مسؤولية إيران عن أمن الجزيرة، وبموجب اتفاق عام 1971 فإن الجزيرة مملوكة لإيران وإمارة الشارقة، لكن مسؤولية الأمن تقع على عاتق جمهورية إيران الإسلامية.

تبع ذلك إعلان أحد المصادر الرسمية في أبو ظبي يوم 2 سبتمبر 1992، أن إيران قد عززت قاعدتها العسكرية في جزيرة أبو موسى بزيادة أعداد العناصر العسكرية من 120 إلى ما يقرب من 500 من الضباط والرتب الأخرى، وأقامت قواعد لعناصر من الصواريخ من طراز سلك وورم صينية الصنع، كما بدأ الإيرانيون إقامة إنشاءات عسكرية في الجزيرة وتعزيز وجودهم العسكري عليها، وتسّيير دوريات عسكرية في أرجاءها، وأصّروا على ضرورة حصول كل من يرغب في الدخول إلى الجزيرة الحصول على إذن إيراني مسّبق بذلك.

رفضت السلطات الإيرانية مجرد استلام مذكرة دبلوماسية من وزارة الخارجية لدولة الإمارات حول هذا الموضوع.

زار وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية طهران يومي 22، 23 إبريل 1992. والتقى الوفد بكبار المسؤولين الإيرانيين للتباحث معهم بشأن الإجراءات التي اتخذت ضد مواطني وموظفي دولة الإمارات في جزيرة أبو موسى. بعد هذه الزيارة، صعّدت إيران الأحداث ومنّعت ركاب السفينة "خاطر" من النزول إلى الجزيرة، بعد أن اتبعتهم في عرض الخليج عدة أيام، وأعلنت بعد عدّة أيام مسؤوليتها عن أمن جزيرة أبو موسى.

ولكي تعطي إيران موضوع الأمن -الذي يتسّم بحساسية بالغة في منطقة الخليج- بعداً خاصاً، فقد أعلن الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني عن اكتشاف إيران شبكة مسلحة داخل الجزيرة. وبتقصّي الحقائق اتضحّ أن هذه الشبكة لم تكن سوى خبير هولندي من العاملين في تطهير مياه الخليج من الألغام البحرية التي زُرعت خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، والذي لم يكن يحمل معه عند إلقاء القبض عليه، سوى سلاح شخصي للدفاع عن النفس.

أثار راشد عبدالله وزير الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، هذا الموضوع في خطابه أمام الأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1992 جاء فيه:

"لقد قامت السلطات الإيرانية باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير غير القانونية بشأن جزيرة أبو موسى انتهاكاً لمذكرة التفاهم لعام 1971. ولقد عبرت بلادي عن رفضها لهذه الإجراءات لما تمثله من انتهاك صارخ لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات ومبدأ حسن الجوار، إلى جانب تعارضها مع نصوص وروح مذكرة التفاهم التي تفتقر إلى العدالة والتكافؤ أصلاً، والتي تم فرضها في ظروف التهديد باستعمال القوة والإكراه.

وتستهدف الإجراءات الإيرانية الأخيرة السيطرة على جزيرة أبو موسى وضمها إليها أسّوه بما فعلته حكومة إيران في 29 نوفمبر 1971 في احتلالها العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لدولة الإمارات. ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات ستزيد التوتر وتزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة بما يتنافى مع مفهوم التعايش السلمي وحسن الجوار والعلاقات التقليدية القائمة بين البلدين.

أهمية الجزر

الأهمية الإستراتيجية

الجزر الثلاث الإمارتية متواجدة في موقع استراتيجي خطير، وهو مدخل مضيق هرمز والسيطرة على هذه الجزر من الكيان الإيراني، لن يكون أمن قومي إماراتي بل أمن المنطقة بأكملها.

الأهمية الاقتصادية

توفر النفط الخام فيها وتواجد كميات كبيرة من أكسيد الحديد في أبو موسى[؟]إذ أن هذه الجزر تعد منطقة استراحة للسفن القادمة والخارجة من مضيق هرمز .

الجهود السياسية واللدبلوماسية

لقد سعت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ لحظة قيامها إلى تسوية قضية النزاع حول الجزر بطريقة سلمية وودية. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة ثابتة في مطالبتها بالسيادة على الجزر الثلاث، فقد أعطت لإيران فرصة تلو الأخرى للتوصل إلى تسوية عبر المفاوضات، سواء عبر المحادثات المباشرة أو عبر الوساطة، أو لإخضاع القضية لمراجعة قانونية دولية، على سبيل المثال من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا. كما لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى منظمات إقليمية ودولية مثل جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة لتأكيد قضيتها. غير أن إيران عمدت إلى صد الجهود التي بذلتها دولة الإمارات في هذا السبيل. وقد واصلت إيران في عهد الشاه وفي عهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد عام 1979 رفض حقوق دولة الإمارات العربية المتحدة الشرعية والسيادية على الجزر. وفضلاً عن ذلك، فقد حاولت طوال تسعينيات القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين فرض الأمر الواقع في الجزر من خلا توسيع وجودها والوصول إلى المنطقة الجنوبية من جزيرة أبوموسى – والذي يعد خرقاً لمذكرة التفاهم المبرمة مع الشارقة – ومن خلال تدشين عمليات مؤسساتية وإدارية لتعزيز القبضة الإيرانية على الجزر الثلاث. وفي المحصلة فقد أضحت قضية الجزر اليوم حجر عثرة في طريق جعل منطقة الخليج العربي بيئة أكثر أمناً واستقراراً.


الوساطات الإقليمية

على هامش أعمال مؤتمر وزراء خارجية دول إعلان دمشق السادس والذي عقد بالعاصمة القطرية الدوحة يوم 9، 10 سبتمبر 1992، عرض وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وساطة الجمهورية السورية في الأزمة القائمة بين دولة الإمارات والجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن قضية الجزر الثلاث. وقد قبلت دولة الإمارات الوساطة السورية.

وصّل وزير الخارجية السوري السابق، فاروق الشرع، إلى طهران في التاسع من سبتمبر 1992، ونقلت عنه وكالة الأنباء السورية ما يلي: إنه يحمل رسالة من الرئيس السوري حافظ الأسد إلى الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني بشأن الوساطة السورية، لمحاولة تسوية النزاع بين دولة الإمارات وإيران حول ملكية ثلاث جزر صغيرة في الخليج العربي. وإن سورية تعتقد أن العلاقات الطيبة بين الإمارات وإيران ستمكن الدولتين من احتواء وتسوية هذا النزاع بالطرق السلمية. وإن الرسالة التي يحملها تؤكد على ضرورة تسّوية هذا النزاع سلماً ووفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين الدولتين.

وقد أُعلن في سوريا عقب عودة وزير الخارجية السوري إلى دمشق، ما يلي: زيارة الشرع كانت مشجعة وأن إيران قبلت وساطة سورية في هذا الموضوع، وأبدت رغبة في تسّوية الخلاف بالطرق السلمية والحيلولة دون اتسّاع هوّة هذا النزاع. أظهرت الدولتان حرصّهما على الحفاظ على اتفاقية عام 1971 (مذكرة التفاهم)، والتي وقعت بين إيران وإمارة الشارقة قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن الجهود السورية ستتواصل لإنجاح هذه الوساطة وصولاً إلى حل سلمي لهذه الأزمة.

إن وزير الخارجية السوري يحمل رسالة من الرئيس الإيراني إلى الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، رداً على رسالته الأولى إليه. أطلعت الجمهورية السورية دولة الإمارات العربية المتحدة على نتائج محادثات وزير الخارجية السوري في طهران يومي 19، 20 سبتمبر 1992، من خلال القنوات الدبلوماسية. ولكن من العجيب ما قالته، بعد ذلك، في طهران صحيفةطهران تايمز الإيرانية شبه الرسمية في العشرين من سبتمبر 1992 (أثناء زيارة فاروق الشرع لإيران)، أن إيران رفضت الوساطة السورية في مسألة جزيرة أبو موسى معتبرة أن سورية طرف غير محايد. وأن طهران تفضل إجراء مفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي فضّلت تسّوية المسألة عبّر وسيط، وأن إيران لا تعارض هذا الأمر شريطة أن يكون هذا الوسيط طرفاً محايداً، وليس مثل سورية، حيث أعلنت دمشق من قبل تضامنها مع دولة الإمارات، خلال اجتماع وزراء خارجية دول إعلان دمشق في الدوحة بتاريخ 10/9/1992، وكذلك خلال انعقاد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في القاهرة بتاريخ 14/9/1992.

المفاوضات المباشرة

عُقدت جولة مباحثات ثنائية في مدينة أبو ظبي يومي 27، 28 سبتمبر 1992، بهدف التوصّل إلى تسّوية سلمية تفاوضية. مثَّل دولة الإمارات وفد دبلوماسي من وزارة الخارجية برئاسة سيف سعيد مساعد مدير عام مجلس التعاون بوزارة خارجية دولة الإمارات، وكان الوفد الإيراني برئاسة مصطفى فوميني حائري مدير إدارة الخليج بوزارة الخارجية الإيرانية.

قد وفدا الإمارات وإيران جلسة المباحثات الأولى صباح الأحد 27 سبتمبر 1992، قدمت خلالها دولة الإمارات مذكرة طالبت فيها إيران بالانسحاب من الجزر الثلاث موضوع النزاع، وطلب الوفد الإيراني تعليق المفاوضات بعد ما يقرب من 45 دقيقة فقط من بداية جلسة المباحثات، ثم استؤنفت المفاوضات بعقد جلسة استمرت ساعتين ونصف الساعة، أعلن في نهايتها رئيس الوفد الإيراني رفض بلاده التفاوض بشأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

في الوقت الذي أعلنت فيه دولة الإمارات، في بيان رسمي، فشل المحادثات واستحالة استمرارها بسبب التعنت الإيراني، زعمت وكالة الأنباء الإيرانية أن الطرفين قد اتفقا على تهيئة المناخ لعقد جولة أخرى من المحادثات في طهران. وأعلن السفير مصطفى فوميني رئيس الوفد الإيراني، أن المحادثات لم تستكمل بسبب الفشل في الاتفاق على جدول الأعمال، مشيراً إلى رفض بلاده مناقشة موضوع السيادة على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

أثار راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة قضية الجزر الثلاث، خلال خطابه أمام الدورة السابعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 سبتمبر 1992، مؤكداً استعداد بلاده لتسوية هذه القضية بالطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (23) من ميثاق الأمم المتحدة.

وصفت مصادر إماراتية البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الإيرانية حول المفاوضات بين الدولتين، بأنه بيان إنشائي ملئ بالمغالطات التي لا يمكن قبولها، وأشارت إلى العبارة التي وردت في صدّر البيان الإيراني عن من وصفهم البيان بالوافدين من غير مواطني الشارقة على جزيرة أبو موسى، مما يدل أن إيران عادت إلى ترديد نغمة الانفراد، والتي يفترض أن تكون المحادثات في أبو ظبي قد تجاوزتها بعد أن أصبح الحوار مباشراً بين حكومة البلدين. وأضافت هذه المصادر، أن هذه النغمة تكررت في أكثر من موقع في البيان الإيراني، من خلال الإشارة لما وصفته إيران، بجهودها من أجل إزالة سوء الفهم بين حاكم الشارقة والمسؤولين الإيرانيين في الجزيرة، وأوضحت المصادر الإماراتية، أن هذه العبارات الواردة في بيان وزارة الخارجية الإيرانية تحتوي على الكثير من المغالطات، منها ما يلي: <o:p></o:p>

أنها تعطي إيحاءات غير مقبولة حول أحقّية الدولة الاتحادية وأجهزتها الرسمية في التفاوض حول ما يتصل بأراضي الدولة في أي مكان، مهما كانت الارتباطات الإدارية لتلك الأراضي. أشار البيان الإيراني إلى المفاوضات مع دولة الإمارات وكأنها مبادرة إيرانية، علماً بأن الذي فتح مجال الحوار ومحاولة التفاهم على الخلافات المعلقة بين الدولتين، كانت دولة الإمارات وهي التي أوفدت لهذا الغرض وزير خارجيتها يومي 22، 23 مايو 1992 إلى طهران، مما يؤكد على رغبة دولة الإمارات في إيجاد حلول حاسمة، وقد قوبلت المبادرة الإماراتية بالتجاهل والإهمال، بل والتنكر لحق الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات في التفاوض على أمر يتصل بسيادتها على أراضيها.[3]

طرحت دولة الإمارات في مفاوضاتها مع الوفد الإيراني ما تعده موضع خلاف مع طهران، وكان الأجدر بالوفد الإيراني أن يطرح وجهة نظره في هذا الشأن، بدلاً من أن يضع شروطاً مسّبقة على ما يجب وما لا يجب بحّثه، بشكل يتضمن توجيهها للمفاوضات وتحديدها لمسارها ونتائجها قبل أن تبدأ. بعد انهيار المفاوضات بين البلدين، بدأت حملة متبادلة من التصريحات الساخنة بين دولة الإمارات وإيران، يؤكد كل منهما على صحّة موقفه وقانونية وجهة نظره تجاه نتائج المفاوضات والبيانات الصادرة عنها ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

  • انتقدت المصادر الإماراتية ما ورد في البيان الإيراني عن استغلال حسن نيّة ورحابة صدر طهران، وصرحت هذه المصادر أن إيران هي التي استغلت رحابة صدر الإمارات وصبّرها، حين امتنعت دولة الإمارات عن إثارة موضوع التجاوزات الإيرانية في جزيرة أبو موسى لفترة طويلة على أمل أن يُحل الخلاف بشكل ودي، إلا أن السلطات الإيرانية تجاهلت ذلك وتمادت في إجراءاتها لتغيير الطابع القانوني والإداري في الجزيرة.
  • وعلى الجانب الآخر، وصفت إيران البيان الصادر عن دولة الإمارات بالتسّرع، ورداً على ذلك ذكرت المصادر الإماراتية، أن بيان دولة الإمارات لم يتضمن في الواقع إلا عرضاً لما جرى في المفاوضات وتحديداً لموقف الإمارات من الخلافات القائمة مع إيران، ولم يتضمن بأي صورة من الصور اختلاقاً لقضايا لم تكن موجودة من قبل، فموضوع جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى هو موضوع قديم، ولم تكف دولة الإمارات عن المطالبة بالسيادة عليهما، تقديراً من دولة الإمارات لبعض الظروف الإقليمية التي مرت بها المنطقة في السنوات الماضية (حرب الخليج الأولى والثانية)، لذا اتبعت دولة الإمارات سياسة الصبر والتريث وامتنعت عن إثارة موضوع الجزيرتين بشكل علني، وليس بمثابة الاعتراف بسيادة إيران وشرعية احتلالها للجزيرتين. وصرّحت هذه المصادر أنه فيما يتعلق بموضوع جزيرة أبو موسى، فإن دولة الإمارات لا تعتبره موضوعاً يسّيراً إلا من منطلق أن حلّه يكمن في رجوع إيران إلى نصوص مذكرة التفاهم الموقعة

في نوفمبر 1971، والبدأ بعد ذلك في التفاوض لحسّم مسألة السيادة على الجزيرة خلال فترة زمنية محدّدة.

  • وبشأن ما جاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، عن استعداد طهران لمواصلة المفاوضات،

ذكرت المصادر الإماراتية أن هذا الاستعداد الذي ورد في البيان جاء مشروطاً، حيث ورد قبل الإشارة إلى الاستعداد لمواصلة المفاوضات، تأكيداً بأن إيران لن تغّير سياستها، وهذا يعني أن المفاوضات بهذه الصورة هي نوع من إهدار الوقت وتمييع القضية دون أن يكون هناك استعداد حقيقي للوصول إلى حلول عادلة وشاملة تكون ضماناً فعلياً لهدوء واستقرار وأمن المنطقة، وتؤكد احترام السيادة الإقليمية للدول ووحدة أراضيها وحسن الجوار وحل المنازعات بالطرق السلمية.

  • في أبو ظبي حّملت دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية مسؤولية عدم إحراز

أي تقدم في المفاوضات، والتي انهارت دوت التوصل إلى جدول أعمال لمسار وأسبقيات المباحثات، ونتيجة لذلك، فإنه ليس أمام دولة الإمارات سوى اللجوء إلى كافة الوسائل والسّبل السلمية المتاحة لتأكيد سيادتها على الجزر الثلاث.

  • أما في طهران، فقد تجاهلت وكالات الأنباء الإيرانية الإشارة إلى انهيار المفاوضات مع دولة الإمارات، وصرحت أن هناك جولة أخرى للمفاوضات تعقد في إيران في موعد سيحدد لاحقاً، ويستبعد المراقبون مشاركة دولة الإمارات في الجولة القادمة للمباحثات، ما لم تقبل إيران التفاوض حول الأوضاع في الجزر الثلاث.


التحركات العسكرية

في 21 ديسمبر 2021، أطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستية وصواريخ كروز، خلال مناورات حربية أجراها في الخليج العربي، في محاكاة عسكرية للدفاع عن جزر متنازع عليها مع الإمارات.[4]

وقال قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، للتلفزيون الرسمي إن "استخدام القوات البحرية التابعة للحرس الثوري صواريخ باليستية يمثل مفهوماً جديداً... لقد أصابت أهدافها بدقة 100 في المئة". من جهته، قال قائد بحرية الحرس الثوري، الأدميرال علي رضا تنكسيري: "أجرينا اليوم تمرينا للدفاع عن الجزر وأظهرنا أننا سنقوم بتدمير الجزر قبل أن يقترب العدو منها". وأضاف: "لعبتنا الحربية هي تدمير العدو قبل أن يتمكن من الوصول إلى شواطئنا"، بحسب وكالة مهر الإيرانية.

وسيطرت إيران على الجزر الثلاث -أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى- عام 1971 قبيل استقلال إمارات الخليج السبع عن بريطانيا واتحادها في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتقول إيران إن سيادتها على الجزر الثلاث "غير قابلة للتفاوض" فيما تدعو الإمارات إلى الموافقة على التفاوض أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

وتابع قائد بحرية الحرس الثوري: "اليوم رأينا عمليًا نتيجة اللعبة الحربية والخطط التي تم العمل عليها نظريًا في الميدان. كل هذه الأسلحة والمعدات منتجة في البلاد وتتميز بجودة ودقة عالية". وقال تنكسيري إن "أي قوة غير إقليمية ترید إشعال النیران في المنطقة، سنعید هذه النیران إلى نفسها". وشدد على أن "رسالة هذا التمرين لأعدائنا هي أننا لن نسمح أبدًا لدولة أن تهدد مياهنا الإقليمية کما یتضمن رسالة السلام والصداقة والأخوة لدول المنطقة". وأضاف: "إننا باعتبارنا دولة إقلیمیة، يمكننا توفير الأمن الكامل للخليج الفارسي والمياه المشتركة مع بعضنا وليست هناك حاجة لوجود دول من خارج المنطقة".

وتأتي هذه المناورات أيضا وسط تصاعد حدة التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول خطط إسرائيلية محتملة لاستهداف مواقع نووية في إيران. وتقول إيران إن صواريخها الباليستية يبلغ مداها 2000 كيلومتر وقادرة على الوصول إلى إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة. وحذرت إيران، من رد "ساحق" على أي تحرك يستهدفها من جانب إسرائيل التي تعارض جهود القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتهدد منذ فترة طويلة بعمل عسكري إذا فشلت الدبلوماسية في منع طهران من امتلاك قنبلة نووية. وتقول إيران إن أهداف برنامجها النووي سلمية. ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية. وأشارت وسائل إعلام إيرانية إلى أن التدريبات تضمنت أيضاً إطلاق خمسة صواريخ كروز في نفس التوقيت وطائرات مسيرة محملة بالأسلحة تستطيع كل واحدة منها إصابة هدفين. وبدأت التدريبات التي تستمر خمسة أيام يوم الاثنين 20 ديسمبر.

ردود الفعل

الولايات المتحدة

أكدت الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة، على ضرورة تسوية النزاع بشأن جزيرة أبو موسى بالطرق السلمية، وفي حديث لمساعد وزير الخارجية الأمريكي أمام الجمعية الوطنية للأمريكيين العرب في واشنطن، وصف إيران بأنها جار مشاكس بشكل متزايد، مشيراً إلى موقف إيران المتعنّت بتأكيد سيطرتها على جزيرة أبو موسى دون وجه حق. صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق وارن كريستوفر خلال لقائه بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد بالرياض في 27 إبريل 1994، التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الخليج. وجاء في البيان الختامي لهذا اللقاء، أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية الأمريكي أعربوا عن تقديرهم البالغ لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة الرامية لحل قضية الجزر الثلاث مع جمهورية إيران الإسلامية، وطالبوا إيران بالدخول في مفاوضات جادة مع دولة الإمارات لحل القضية.

وفي 8 مايو 1994، أعلن روبرت بيلليترو مساعد وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، أن الولايات المتحدة ستواصل فرض ضغوط اقتصادية على إيران لتغيير سياستها المتشّددة في النزاع مع دولة الإمارات حول جزر طنب وأبو موسى، ولتجعّلها جاراً صالحاً في المنطقة، من أجل استقرار الأمن في الخليج.

رداً على تصريح لرئيس مجلس الشورى الإيراني الذي جاء فيه أن الجزر الثلاث تعود ملكيتها إلى إيران بموجب اتفاق تم توقيعه مع بريطانيا". نفى ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية أن تكون الحكومة البريطانية قد تفاهمت مع طهران لبسط سيادة إيران على جزيرة أبو موسى، وقال الناطق: لقد رفضنا استعمال القوة ودعونا إلى حل سلمي للخلاف على هذه الجزيرة الإستراتيجية القريبة من مضيق هرمز، وعلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى القريبتين منها" وأضاف: "أن إيران والشارقة أبرمتا اتفاقاً بشأن جزيرة أبو موسى في عام 1971، بعد استقلال الإمارات عن التاج البريطاني، ويقضي الاتفاق باقتسام السيادة على الجزيرة، وأنه لم يحدث أي اتفاق عند الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971، على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأن هذا ما كانت الحكومة البريطانية في حينه قد أسفت عليه.

أعربت الحكومة البريطانية عند استقبال دوجلاس هيرد وزير الخارجية البريطاني وروجر فريمان وزير المشتريات في وزارة الدفاع البريطانية للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات يوم 24 أكتوبر 1994، عن دعمها لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة إزاء استمرار الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث منذ عام 1971، وتأييدها للإمارات في مطالبتها بإحالة هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية، بعد أن فشلت الجهود التي بذلتها دولة الإمارات لحل النزاع عن طريق المفاوضات الثنائية.

وفي اليوم التالي 25 أكتوبر 1994، أُعلن عن التأييد الرسمي البريطاني لموقف دولة الإمارات، بعد اجتماع اللجنة المشتركة بين الدولتين، مثل دولة الإمارات الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية، ووزير المملكة المتحدة برئاسة دوجلاس هوج وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية.

وقد تجدّد الموقف البريطاني من دولة الإمارات تجاه مطالبتها بالجزر التابعة لها، خلال الاجتماع الذي عقد بمقر وزارة الخارجية بدولة الإمارات في العاصمة أبو ظبي في 31 أكتوبر 1994، بين وكيل وزارة خارجية الإمارات بالإنابة ومساعد وكيل وزارة الخارجية البريطانية المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، والذي أكد دعم الحكومة البريطانية لدولة الإمارات في توجهها لإحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهة الدولية المخولة بحل النزاعات بين الدول.

فرنسا

أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية السابق دانيال برنار عن قلق حكومته إزاء الخلاف بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران على حق السيادة على جزيرة أبو موسى وعلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأكد على ضرورة العمل على إيجاد تسوية سلمية لهذا الخلاف، استناداً إلى الحوار وانطلاقاً من القوانين الدولية، في إطار احترام وسيادة الدول على أراضيها واحترام التعايش السلمي بين الدول. وإن أي عمل من جانب واحد من شأنه أن يؤدي إلى تدهور في العلاقات القائمة بين دول المنطقة، وينبغي بالتالي تجنبه

وأعلنت الحكومة الفرنسية، أن فرنسا قد تولت رئاسة مجلس الأمن الدولي اعتباراً من 2 أكتوبر 1992، وأنها على استعداد كامل لتركيز جهودها لتنظيم حوار ومشاورات من خلال المنظمة الدولية حول مشكلة جزيرة أبو موسى.

في 4 نوفمبر 1994، أعلن ريتشارد دوكيه المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية إلى وكالات الأنباء إن موقف فرنسا واضح من هذه القضية، فقد أعربت فرنسا دوماً عن تأييدها للحل السلمي لجميع الخلافات، خاصة النزاعات المتعلقة بالأراضي والحدود وفق ميثاق الأمم المتحدة&. وأضاف: إن دولة الإمارات العربية المتحدة أعربت عن رغبتها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل قضية الجزر، وأن فرنسا من جهتها تؤيد هذه المبادرة.


موقف روسيا الاتحادية

أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تؤيد ضرورة استقرار العلاقات بين إيران وجيرانها العرب، وتطالب بحل النزاع حول جزيرة أبو موسى عن طريق الحوار، وتجنّب التصّرفات غير المسؤولة التي تضّر بمصالح دول المنطقة.

الصين

في 5 نوفمبر 1994، اجتمع نائب رئيس المجلس الوطني الصيني بوفد من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في أبو ظبي برئاسة الحاج بن عبدالله المحيربي رئيس المجلس، وأعرب الضيف الصيني عن تقدير بلاده وتأييدها لموقف دولة الإمارات بشأن موضوع الجزر، حيث قال: نحن نقدر كثيراً موقف دولة الإمارات من عدم اللجوء إلى القوة لحل هذه الخلافات، وكذلك الجهود التي تبذلها من أجل الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج.

===منظمات إقليمية طالب المجلس الوزاري المشترك الذي يضّم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عند انعقاده بالرياض في 8 مايو 1994، إيران بالتجاوب مع مبادرة دولة الإمارات التي أعلنها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لحل قضية الجزر عن طريق المفاوضات وفقاً لبنود القانون الدولي والتعايش السلمي بين الدول.


مرئيات

التدريبات الإيرانية في الخليج العربي قرب الجزر المتنازع
عليها مع الإمارات، 21 ديسمبر 2021.

المصادر

  1. ^ التحديات ذات الجذور التاريخية التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة (2007). د. فاطمة الصايغ. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية: أبوظبي
  2. ^ "الأحتلال الايراني وجذور الخلاف".
  3. ^ "موقف الدول الكبرى". مقاتل من الصحراء. Retrieved 2021-12-22.
  4. ^ "الحرس الثوري يطلق صواريخ في الخليج "دفاعا" عن جزر متنازع عليها مع الإمارات... فيديو". سپوتنيك نيوز. 2021-12-21. Retrieved 2021-12-22.

وصلات خارجية


المراجع

  • United Nations Report of the Secretary General on the work of the Organnisaion، 16 june 1971 to 15 june 1972.
  • Bathurst & Northcutt، op. cit ,pp. 11 – 14.
  • United Nation، Report of Secretary General، Offical Records، 27 the Secsion pp. 76 – 77
  • التحديات ذات الجذور التاريخية التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة (2007). د. فاطمة الصايغ. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية: أبو ظبي.
  • تاريخ لنجة، حاضرة العرب على الساحل الشرقي للخليج العربي، تأليف حسين بن علي العباسي.

[[تصنيف:نزاعات