أحمد باشا الجزار

أحمد باشا الجزار (1734 في البوسنة- 1804 في عكا) والي وصدر أعظم عثماني صد نابليون في حصار عكا. بدأ عمله في إيالة مصر وضمنها الحجاز، ثم حكم ساحل فلسطين والشام أكثر من 30 عاماً. ولولا وفاته لتولى حكم مصر قبل محمد علي الذي حكم مصر بين عامي 1805م و1848. قائد عثماني شهير له صولات وجولات عندما عين والي عكا بأمر من السلطان سليم الثالث حتى يتمكن من الدفاع عن عكا. كان السلطان العثماني سليم الثالث (1789 1807م) قد أوكل مهمة الدفاع عن المدينة إلى القائد العثماني المحنك أحمد باشا الجزار بعد أن رقاه إلى مرتبة وزير. كان هذا القائد قد تجاوز السبعين من عمره آنذاك. وهو من أصل بوسني، وقضى ما يقارب خمسين سنة في ساحات المعارك والقتال في خدمة الدولة العثمانية.

أحمد باشا الجزار
Pacha2.jpg
باي‌لرباي عكا ووزير وصدر أعظم
في المنصب
1775–1804
العاهل سليم الثالث
سبقه ظاهر العمر
خلفه سليمان پاشا العادل
تفاصيل شخصية
وُلِد 1734
البوسنة
توفي 1804
عكا
الدين مسيحي اعتنق الإسلام في مطلع شبابه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

 
جامع بناه أحمد باشا الجزار في عكا

ولد البوشناقي (الجزار) في البوسنة لأسرة مسيحية عام 1735م وهرب إلى القسطنطينية في مطلع شبابه وأرجع ثلاثة مؤرخين هروبه إلى أسباب عائلية أو بسبب جريمة قتل [1]. وباعه تاجر رقيق للباب العالي حيث اعتنق الإسلام بإرادته، ثم جاء إلى القاهرة مع قافلة عائدة من الحج وانضم لخدمة أحد المسئولين في البحيرة بشمالي مصر وتزوج من امرأة مصرية من أُصول حبشية.


لقب "الجزار" من جدة

بعد أن قتل بدو الحجاز قائده انتقم البوشناقي بغارات متوالية على البدو في حول جدة حيث أعد كميناً ذبح فيه أكثر من 70 بدوياً بينهم عدة شيوخ وقادة أقوياء للبدو حين ذاك فاكتسب لقب "الجزار" نظراً لقوته وعدم تركه لأحياء أو ناجين خلفه، عدا الأطفال والإناث وكِبار السِن. الثأر لم يتوقف عند ذلك الحد، حيث تذكر بعض المراجع التاريخية أن البدو إنتقموا منه بعد ذلك بقتل زوجته وابنته ولكنهم لم يتمكنوا من قتل إبنه "داود" الذي تمكن من الهَرب وكما جاء على لِسان بُناة مسجد أحمد باشا الجزار بمدينة عكا أن "داود" تعارك مع أبيه أثناء بناء المسجد وعاد إلى القاهرة وأقام مع عائلة أُمه وتزوج هناك.

عمل أحمد باشا الجزار عند علي بك الكبير الذي حكم مصر بين عامي 1768م و1773م بادئاً خدماته لسيده بأن قدم له رؤوس أربعة يكرههم من شيوخ البدو فاستخدمه للتخلص من معارضيه ومنافسيه ومنحه لقب بك. على أثر انقلاب محمد بك أبو الذهب العسكري على حاكمها السابق علي بك الكبير، هرب أحمد باشا الجزّار حين وجد أنه من الصعب مقاومة انقلاب أبو الذهب حين ذاك بسبب تواجد الكثير من الخوّنه داخل النظام فذهب إلى جبل لبنان متغاضياً عن كرهه للدروز حيث كان يسيطر الأمير يوسف الشهابي زعيم الدروز حاكم ساحل لبنان ومدن حمص وحلب. فكلّفه حفظ بيروت. بنى الجزار سورا قويا حول المدينة من الحجارة الأثرية التي خلفها زلزال 511م. ثم انقلب على صديقه الأمير يوسف الشهابي. وبمساعدة ظاهر العمر حاكم منطقة الجليل بفلسطين والأسطول الروسي، استطاع الأمير الشهابي من استعادة بيروت فما كان من الجزار إلا أن جمع أموالاً وهرب بها عام 1773م وعاد إلى السلطان العثماني الذي فوضه على ولاية صيدا ومنحه لقب "باشا".

أن لقب "الجزار" الذي حمله من مصر ظل علامة عليه إذ سيطر على القوى المحلية والعشائرية بقسوة وجند المرتزقة والمغاربة من تونس والجزائر والألبان والبوسنيين وسعى لتحقيق الحلم بحكم فلسطين وجنوب سورية ولبنان بل طمع في حكم مصر وكان السلطان يراقب توسعاته ونفوذه وطموحاته فحاول أكثر من مرة تنحيته أو نقله إلى ولاية بعيدة مثل البوسنة لكنه كان يرفض فأغراه بالتوجه إلى مصر عام 1784 لمحاربة المملوكين مراد وإبراهيم وكتابة تقرير عن أوضاع البلاد لكنه تجنب الفخ.

نجح في تحقيق الاستقلال بأجزاء من بلاد الشام بدون إعلان هذا الاستقلال عن السلطنة كما أعد للسلطان تقريرا عن كيفية غزو مصر طالب فيه بأهمية ضبط إيرادات مصر ومصروفاتها وأن يكون قائد الحملة قد سبقت له الإقامة في مصر "والمواصفات التي قدمها الجزار لقائد الحملة على مصر وحاكمها المنتظر لا تنطبق إلا على شخصه" كما أكسبه صموده أمام جيوش نابليون شهرة بعد فشل الأخير في حصار عكا.

تصديه لنابليون

لمع نجم الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت إثر الانتصارات الكبيرة التي أحرزها على الإمبراطورية النمساوية في معارك لودي واركولي وديفولي، وأجبرها بموجبها على توقيع معاهدة كامبو فورميو (أكتوبر 1797م) مع فرنسا، وعاد إلى باريس تحيط به هالات المجد، بعد أن أصبح محبوب الأمة الفرنسية بأجمعها. وقد شعرت حكومة الإدارة الفرنسية آنذاك بخطورة هذا الجنرال الذي حاز إعجاب الشعب، فسعت إلى إبعاده عن فرنسا، وأرسلته في حملة عسكرية إلى مصر لضرب خطط الإنجليز في الشرق.

خرج نابليون في هذه الحملة بأسطول يقارب عدد سفنه الحربية خمسمائة سفينة، وقام أولاً باحتلال جزيرة مالطة، وفي 2 يوليو 1798م وصل إلى الإسكندرية واحتلها. ثم توجه مسرعاً نحو القاهرة، وانتصر على المماليك في معركة الرحمانية و معركة إمبابة. لكن الأسطول الفرنسي تلقى ضربة موجعة من قبل الأميرال الإنجليزي نلسون في معركة أبي قير.

في بداية شهر فبراير 1799م، توجه نابليون من القاهرة إلى غزة واحتلها، ثم تقدم إلى فلسطين حيث احتل يافا في 13 مارس وقام بمذبحة رهيبة فيها بعد استسلام المدينة، حيث قتل ما يقارب عشرة آلاف شخص بين جندي ومدني، لأنه أراد بث الرعب، وإحداث هزة نفسية، وإشاعة الهلع لكي لا تقوم المدن الأخرى بمقاومته. ثم واصل طريقه إلى مدينة "عكا" وحاصرها. نابليون أمام أسوار عكا: وصل نابليون إلى مدينة عكا في 18 مارس 1799م. وكان لا بد من احتلال هذه المدينة لكي يستطيع الاستمرار في حملته شمالاً إلى الشام، حيث كانت مدينة عكا تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً. كان نابليون الذي كسب معاركه في مصر وفلسطين حتى الآن في يسر ودون صعوبة متأكداً أن هذه المدينة لن تصمد أمامه أكثر من يومين اثنين، لذا بادر إلى إرسال رسالة ملؤها الكبرياء والعجرفة إلى القائد العثماني الهرم قال فيها: "إنني الآن أمام قلاع عكا، ولن يكسبني قتل شخص هرم مثلك شيئاً... لذا فأنا لا أرغب في الدخول معكم في معركة... كن صديقاً وسلم هذه المدينة دون إراقة الدماء". ولم يتأخر جواب القائد العثماني.. ولكنه لم يكن الجواب الذي توقعه نابليون. قال القائد العثماني أحمد باشا الجزار في رسالته الجوابية:

«

"نحمد الله تعالى لكوننا قادرين على حمل السلاح، وقادرين على الدفاع... إنني أنوي أن أقضي الأيام القليلة الباقية من عمري في الجهاد ضد الكفار". »

عندما تسلم نابليون هذا الجواب الذي قطع أمله في الدخول إلى المدينة ظافراً دون قتال التفت إلى ضباطه وقال لهم بضيق ونفاد صبر:

«

"لقد أصبح من الواضح الآن أن هذا الشيخ الهرم سيكون سبباً في ضياع بضعة أيام منا... ولكن لا بأس... لا تقلقوا... سنكون بعد يومين في وسط هذه المدينة... سنلقنهم درساً لن ينسوه". »

في اليوم الثاني، 19 مارس 1799 بدأت المعركة، وبدأت المدافع الفرنسية تصب حممها على قلاع المدينة وأسوارها. ولكن لم تتحقق توقعات نابليون في النصر السريع، فقد أبدت الحامية العثمانية لمدينة عكا شجاعة فائقة في القتال على الرغم من تفوق الجيش الفرنسي من ناحية العدد والأعتدة الحربية ولا سيما في عدد المدافع التي كانت تصب حممها على المدينة الصغيرة المحاصرة. إلا أن الأسطول العثماني واصل إمداد المدينة وكذا أثبت جيش التنظيم الجديد العثماني كفاءة عالية في الدفاع عن المدينة.

مرت الأيام والأسابيع والمعركة الضروس قائمة، والمدينة صامدة صمود الأبطال، ويقوم أفراد الحامية في الليل بسد الثغرات التي تحدثها المدافع في النهار في جدران الأسوار... وتبخرت أحلام نابليون الذي كان قد اغتر بانتصاراته المتلاحقة على النمسا وفي مصر وفلسطين. عقد نابليون مشاورات عدة مع ضباطه ثم قرر إرسال رسالة إلى القائد العثماني يقترح عليه إجراء المفاوضات بين الطرفين. قبل القائد العثماني الطلب وذكر أنه بانتظار وفد المفاوضة، وجاء الوفد الفرنسي وعلى رأسه ضابط كبير. كان هذا الضابط يحمل رسالة شفوية من قائده الجنرال نابليون، وملخصها أنه لا فائدة من المقاومة، وأنه من الأفضل الاتفاق على شروط جيدة للصلح لإنهاء المزيد من سفك الدماء، لذا فإن القائد الفرنسي سيقبل بخروج القائد العثماني وخروج حاميته كذلك مع جميع أسلحتهم دون أن يتعرض لهم أحد، ويسمح لهم بالتوجه إلى المكان الذي يريدونه... كل ذلك في مقابل إنهاء المقاومة.

استمع أحمد باشا الجزار لرئيس الوفد الفرنسي حتى أكمل كلامه. وبعد صمت قصير قال له:

«

"لم تقم الدولة العلية العثمانية بتعييني وزيراً وقائداً لكي أقوم بتسليم هذه المدينة إليكم... إنني أحمد باشا الجزار لن أسلم لكم شبراً من هذه المدينة حتى أبلغ مرتبة الشهادة". »

كان هذا جواباً حاسماً لا يتحمل المزيد من النقاش، ولا أي مناورة من مناورات المفاوضات، لذا رجع الوفد الفرنسي دون الوصول إلى اتفاق.

ما إن نقل الوفد جواب القائد العثماني إلى نابليون حتى جن جنونه، وبدأ يفكر في وضع خطة جديدة... خطة تؤمِّن كسر مقاومة الحامية العثمانية، فأمر بأن يتم وضع عشرات بل المئات من المشاعل ليلاً على مقربة من أسوار المدينة لكي يستمر قصف الأسوار ليلاً ونهاراً دون توقف، لكي لا يعطي فرصة راحة للمدافعين، ولكي يدك هذه الأسوار دكاً ويفتح فيها الثغرات والفجوات. وتم البدء بتنفيذ الخطة الجديدة... وبدأت المدافع تهدر ليلاً ونهاراً بقصف مستمر لا ينقطع. ونجح القصف الشديد والمستمر في هدم بعض أجزاء من سور المدينة، وهنا أمر نابليون جنده بالهجوم ودخول المدينة من هذه الأماكن.

دق نفير الهجوم في الجانب الفرنسي، واندفع الجنود الفرنسيون يريدون اقتحام الأسوار من هذه الفجوات والأقسام المتهدمة، ولكنهم قوبلوا بحراب وسيوف ورصاص الحامية العثمانية التي كانت تنتظر مثل هذا الهجوم، والتحموا مع الغزاة وجهاً لوجه، وعلى رأسهم قائدهم أحمد باشا الجزار. وأسفر الهجوم عن تراجع المهاجمين بعد أن تكبدوا خسائر فادحة. وتكرر الهجوم في الأيام التي تلت يوم الهجوم الأول، ولكن النتيجة لم تتغير، ففي كل هجوم كان الفرنسيون يتكبدون خسائر كبيرة في الأرواح.

ومرت الأيام والأسابيع على هذا المنوال... وبدأ اليأس يستولي على الجانب الفرنسي، لأن خسائره كانت تزداد على الدوام حتى كادت تأكل نصف الجنود. وأخيراً وبعد 64 يوماً من الحصار الشديد والقتال الدامي قرر نابليون في 21 مايو عام 1799م فك الحصار، وانسحب وهو يلملم جراح جيشه، ويجر أذيال الفشل، ويعلن بانسحابه أنه هُزم من قبل قائد عثماني هرم في السبعين من عمره... كانت هذه هي المعركة البرية الوحيدة التي خسرها نابليون حتى ذلك اليوم.

أحمد باشا الجزّار في بيروت

على أثر الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر وأدّى إلى تغلب محمد بك أبو الذهب على حاكمها السابق علي بك الكبير، أضطر أحمد باشا الجزّار إلى البحث عن ملجأ له خارج نفوذ الحكم الجديد فاختار جبل لبنان حيث كان يسيطر الأمير يوسف الشهابي، وجاء من أخبر الأمير أن ببابه رجلاً بشناقياً قدم البلاد هارباً من مصر حتى لا يقع تحت سلطان حاكمها الجديد محمد بك أبو الذهب، فأنزله الأمير على الرحب والسعة ردحاً من الوقت ثم ما لبث أن تبيّن فيه مؤهلات تجعله جديراً بتحمل المسؤوليات الإدارية، فكلّفه حفظ بيروت لقاء مرتب يقتطع من دخل الجمارك.

ولم يضع الجزّار وقته سدى، وأخذ يتصرف على أساس الاستقلال ببيروت آجلاً أم عاجلاً، بصرف النظر عن موقف سيده السابق الأمير يوسف الذي لم يجد وسيلة إلا الاجتماع في الجزّار في قرية المصيطبة، فظهر الجزّار بإمارات نفسه بكل تؤدة وتلطف بجانب خاطر الأمير وأقنعه (وهو يضمر السوء للإيقاع به)، طالباً من الأمير مهلة أربعين يوماً بأثنائها يقوم عن المدينة فتمسي في قيادة تدبيره دون أن يتعكر كأس صفائه بولايته !.

وهكذا عاد الجزّار من قرية المصيطبة إلى بيروت لينصرف إلى عمارة سورها ودعمه بالأبراج والحصون، وتنظيم أبوابه وحمايتها بالحراس الأشداء من جنود المغاربة والأرناؤوط، وبالغ في جمع كل ما يحتاجه إليه الحصار من مؤونة الغذاء وعدة السلاح، توقعاً منه لمعركة آتية لا ريب فيها مع الأمير يوسف والذين قد يكونون إلى جانبه من الحلفاء.

المواد التي إستعملها الجزّار في بناء السور

إستعمل الجزّار في ترميم السور وتجديده بقايا الأعمدة الضخمة التي تخلفت عن العصور القديمة في ظاهر بيروت وداخلها نتيجة الزلازل المتكررة التي تعرضت لها المدينة في تلك العصور، لا سيما في أواسط القرن السادس للميلاد حينما انقلبت بيروت رأساً على عقب بالزلزلة الكبرى، وذات يوم حاول الأمير يوسف الشهابي دخول مدينته المحبوبة بيروت، صرخ به جندي مغربي من أعلى السور وبيده بندقية:إذا حاولت العودة إلى هنا فالجزّار يخوزقكك !.

حصار اللبنانيين لبيروت والدور الذي لعبه سورها

أمام هذا الموقف العدائي الصريح فإن الأمير يوسف الشهابي لم يعد عنده شك في أن الجزّار كشف قناع العداوة الصريحة، وأنه ينوي الاستقلال بالمدينة والحيلولة دون عودتها إلى حظيرة الإمارة اللبنانيّة، وأخذ الجبليون يغيرون على السور ويتخطفون من حوله أهل بيروت الذين يتجاسرون على تجاوزه خارج مدينتهم، فما كان من الجزّار إلا أن قبض على بعض هؤلاء الجبلين وقطع رؤوسهم ثم أمر بخوزقتهم ورفع رؤوسهم المقطوعة في أعالي السور لتكون ردعاً للأمير دون التفكير بأية محاولة لغزو المدينة أو الدخول إليها بالعنف والإكراه، وزاد الجزّار في إصطناع وسائل الإرهاب والزجر فأمر رجاله بأن يعدّوا له تمثالً على شكل الأمير وتعليقه مشنوقاً بحبل دلاه من فوق السور لكي يرى الشهابي مصيره المحتوم إذا حدثته نفسه بالإقتراب من هذا السور.

ولقد أثار عملُ الجزّار الذي إمتزجت به السخرية مع التخويف الأمير يوسف، فجمع هذا ما يزيد على عشرين ألف مقاتل وحاول أن يقتحم بهم السور ويؤدب ذلك الإنفصالي، لكن الجزّار استطاع أن يرد الغارة عن معقله ويلحق الهزيمة النكراء بخصمه الذي لاذ بصديقه ظاهر العمر حاكم منطقة الجليل بفلسطين لكي ينصره بأصدقائه الروس الذين كانوا يرابطون بسفنهم بالقرب من ساحل المدينة في أثناء جولة القرصنة التي كانوا يقومون بها في عرض البحر الأبيض المتوسط.

أقلع الأسطول الروسي الذي كان يتخذ من جزيرة قبرص قاعدة له، توجه إلى سواحل بيروت تلبية لظاهر العمر لنجدة الأمير الشهابي ، ضرب الحصار على بيروت وأطلق خمسين قذيفة هوائيّة إعلاناً بقدومه من أجل نجدة الجبليين ، وفي اليوم التالي بدأت المعركة الحقيقية وأخذت البوارج مراكزها النهائيّة تجاه المدينة على بعد قريب من السور المواجه للبحر وأخذت تواتر إطلاق القذائف اللاهبة والحاطمة سائر النهار، فأصابت قلعة البحر التي كانت تحمي الميناء ودمرتها، وأصابت ما يلي هذه القلعة من السور الذي تعب الجزّار في تحصينه ودعمه بالأبراج، وتداعى السور وتهدم.

حبه للعمران

 
خان العمدان - ناظراً إلى برج الساعة على الطرف الشمالي للمبنى

عمـَّر الجزار سائر أرجاء عكا. وقد ساعده في ذلك مستشاره المالي حاييم فرحي، اليهودي الدمشقي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسجد أحمد باشا الجزار

هو أكبر جامعٍ في عكّا بفلسطين ومن أهمّ معالمها وأروع وأبدع مظاهر الفنّ الإسلامي في العهد العثماني. بناه أحمد باشا الجزّار، والي عكا، عام 1781م على طريقة المساجد الفخمة في استنبول (القسطنطينية)، وبالتّحديد على نسق المسجد الأزرق، على مساحةٍ واسعةٍ من الأرض وفي مكانٍ مرتفعٍ. ووقف عليه الأوقاف الكثيرة. وقد بناه على أنقاض كنيسة صليبية كانت قد بنيت على أنقاض معبد روماني ثم بيزنطي. وكان الصليبيون قد جلبوا الأحجار والأعمدة من معابد رومانية في قيصرية.

يتميّزُ هذا الجامع، بالإضافة إلى فخامته، بمئذّنته المرتفعة الشامخة ذات القطر الصّغير، وهي منتصبة ومشرئبّة ويمكن رؤيتها من على بعد عشرين كلم.

للمسجد بابان: أحدهما الباب الرّئيسي ويقع إلى شمال المسجد، وهو مزخرف مربّع الشكل ومسقوف؛ والآخر يقع إلى الجهة الشّرقية من المسجد. ويتّصل هذان البابان بالشّارع بأدراجٍ عريضةٍ ومتعددّةٍ نظرًا لإرتفاع المسجد عن الطّريق العام ولإتّساع مدخله.

بُنيت حول المسجد وفي صحنه المُستطيل أروقةٌ مقبّبة وغرف عديدة يستعملها موظّفو الجامع، وقد خُصّصت إحداها لتكون مركزًا لمُفتي عكا ولإجتماعاته، وخُصّصت غُرف أخرى لتكون مكتبة تحوي نفائس الكتب الدّينية والتّاريخية والفقهية والمخطوطات، وقد كُتِبَ على بابها ثلاث كلمات، وهي: "فيها كتب قيّمة".

بُني أيضًا حول المسجد مدرسة لتعليم القرآن الكريم والفقه الإسلامي وعلوم أخرى. وأُلحِقَت بالمدرسة حوالي خمس عشرة غرفة تتّسع كلّ منها لطالبين أيّ لثلاثين طالبًا يستعملونها طيلة أيّام الدّراسة بلا مقابلٍ. إضافةً إلى ذلك، فقد أوقف لكلّ طالب راتب شهريّ بدل مأكله وملبسه. وقد سُميّت هذه المدرسة بالمدرسة الأحمدية نسبةً إلى منشئها وبانيها أحمد باشا الجزار.

أُقيمت في صحن المسجد بركةٌ مستديرةٌ يسيل منها الماء باستمرارٍ من أكثر من خمس عشرة فتحةٍ. وأمام كل فتحةٍ منها مكان لشخصٍ يطلب الوضوء قبل الصّلاة. كما كان في صحن المسجد مَزولة، وهي ساعة شمسية لضبط أوقات الصّلاة. وبالقرب من الزاوية الشمالية الغربية لفناء الجامع، بُنِيَ مدفنٌ كبيرٌ يضمّ رفات أحمد باشا الجزار وخليفته وابنه بالتبني سليمان باشا العادل.

من مميّزات هذا الجامع النّادرة بالنسبة لغيره من الجوامع الفلسطينية، وجود صندوق خاص في داخل المسجد يضمّ زجاج، في داخله شعرةٌ مباركةٌ من شعر الرّسول كانت تُعرض على المُصلّين لتقبيلها والتبرّك منها مرةً واحدةً في السّنة، وذلك أثناء الإحتفال الكبير الذي كان يُقام داخل الجامع بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف.

مراجع

  هل أنت مهتم ببلد الأرز لبنان ؟ ستجد الكثير من المعلومات عنه في بوابة لبنان.