وديعة رابين

وديعة رابين والتزام بيريز وباراك بها في مذكرات بيل كلنتون ( "حياتي" ـ بيل كلنتون: كتاب يفرض نفسه) شاهر أحمد نصر / طرطوس من الأعمال الهامة التي صدرت في عام 2004 عن دار الرأي والتي يقوم دارا السوسن والحصاد في دمشق بتوزيعها، ترجمة كتاب (حياتي لبيل كلنتون).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حقيقة وديعة رابين

لا نريد الإسهاب في المسألة أعلاه، بل نود التركيز والتمعن في مسألة نتائج المفاوضات السورية الإسرائيلية، كما يبينها بيل كلنتون، وحقيقة الموقف مما يعرف بوديعة رابين.. يقول كلنتون:

"في الثالث من كانون الثاني ذهبت إلى شفردستاون لبدء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. لقد ضغط إيهود باراك عليّ بشدة لعقد المحادثات مبكراً هذا العام... كان قد أخبرني قبل عدة أشهر بأنّه مستعد لإعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا شريطة أن تُلبى مطالب إسرائيل: محطة إنذار مبكر في الجولان واستمرار اعتمادها على بحيرة طبرية، المعروفة باسم بحر الجليل، لتأمين ثلث احتياجاتها من الموارد المائية".

.. "وقبل أن يقتل إسحاق رابين كان قد أعطاني تعهداً بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، في حال تحقق مطالب إسرائيل. وقد أعطاني ذلك التعهد بشرط أن أبقيه سراً حتى يحين موعد طرحه رسمياً على سوريا في سياق التوصل إلى حل شامل. بعد موت إسحاق، أكد شيمون بيريز ثانية على الالتزام بذلك التعهد، وبناء على هذا التأكيد قمنا برعاية المحادثات بين السوريين والإسرائيليين عام 1996 في منطقة واي ريفر. وقد أرادني بيريز أن أوقع على معاهدة لضمان أمن إسرائيل إذا ما تنازلت عن الجولان، وتم اقتراح هذه الفكرة عليّ ثانية من قبل نتنياهو ومن ثم عُرضت عليّ لاحقاً من قبل باراك. من جهتي كنت على أتم الاستعداد لذلك وهذا ما أخبرتهم به".ص910 .. ".. لم يكن الأسد بصحة جيدة، وأراد استعادة الجولان قبل وفاته، ولكنّه كان مضطراً لتوخي الحذر في خطواته. لقد أراد لابنه بشار أن يخلفه، وبغض النظر عن قناعته الخاصة بضرورة استعادة سوريا لكامل أراضيها التي كانت تمتلكها قبل الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كان عليه أن يعقد اتفاقاً لا يكون عرضة لهجوم من القوى الداخلية في سوريا التي سيحتاج ابنه لتأييدها".ص911

..."عندما اقترح الشرع في المحادثات الخاصة السرية أن يتم بدء المفاوضات من حيث توقفت عام 1996 بوديعة رابين التي تلتزم بالعودة إلى خط 4 حزيران (يونيو) شرط تلبية مطالبها، رد باراك، بالرغم من أنّه لم يقدم أية وعود حول الأرض "ولكن نحن لا نمحو الماضي". بعدها اتفق الرجلان أن أقرر أنا ترتيب مناقشة التفاصيل التي تتضمن الحدود، والمياه، والأمن، والسلام".ص912

..."بدأنا بعقد اجتماعات حول الحدود والأمن. وهنا أبدى السوريون ثانية مرونة فيما يتعلق بهذين الشأنين، قائلين بأنّهم يقبلون تعديل الشريط الحدودي لمسافة 50 متراً (164 قدماً) بشرط أن يقبل الإسرائيليون بخط الرابع من حزيران (يونيو) كأساس للمفاوضات. وقد كان هذا العرض منطقياً من الناحية العملية، نظراً لتقلص حجم البحيرة خلال الثلاثين عاماً الماضية. لقد تحمست كثيراً لهذا العرض، إلاّ أنّه يبدو أنّه من الواضح أنّ باراك لم يخوّل أحداً في فريقه لقبول خط 4 حزيران (يونيو) مهما تكن تنازلات السوريين.

.. ما زاد الأمر سوءاً تسرب نص مسودة الاتفاقية إلى الصحافة الإسرائيلية التي نشرتها بحيث بدت سوريا وكأنّها قدمت تنازلات دون مقابل، مما عرّض الشرع لكثير من الانتقادات في سوريا. وبالطبع كان هذا محرجاً له وللرئيس الأسد في آن. فحتى الأنظمة الشمولية غير محصنة من رأي الشعب ومجموعات المصالح القوية"... لم تكن صحة الأسد جيدة وكان عليه أن يمهد الطريق أمام ابنه".ص914

..."في المقابل كان باراك بالرغم من أنّه هو الذي دفع بقوة في أول الأمر لإجراء المفاوضات قد قرر على ما يبدو بناء على معطيات الاستطلاعات أن يبطئ سير العملية.."ص913

في جنيف "عندما التقيت بالأسد.. أجرينا اجتماعاً ضيقاً.. طلبت من دنيس روس بسط الخرائط... بدا باراك مستعداً الآن لقبول مساحة أقل من الأرض حول البحيرة تعادل 400م (1312 قدماً) على الرغم منّه كان يريد أكثر من ذلك.."ص931 يتبين من هذا العرض السريع لما جاء في كتاب (حياتي) لبيل كلنتون، حول المفاوضات السورية الإسرائيلية، أنّ ما عرف بوديعة رابين، أي التعهد بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، في حال تحقق مطالب إسرائيل، لم تقتصر على رابين وحده، بل إنّ كل من بيريز ونتنياهو وباراك أكدوا على الالتزام بذلك التعهد. بالتالي من الأمور المنطقية أن تستأنف المفاوضات بناء على ذلك التعهد الذي وافق عليه أربعة رؤساء وزراء متوالين للحكومة الإسرائيلية، والذي ينص على الالتزام بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.

كتاب (حياتي) لبيل كلنتون بالإضافة لاحتوائه على هذه المعلومات التاريخية الهامة، يتضمن الكثير من المسائل الشيقة حول المجتمع الأمريكي، والسياسة الخارجية الأمريكية.. إنّه وثيقة هامة ومن المفيد والضروري أن يتطلع عليه كل مهتم بتطور الأحداث في منطقتنا وبمستقبلها، وتطور العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية..


تعريف

"وديعة رابين" هي تعهد قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين في حزيران 1994 الى وزير الخارجية الأميركي آنذاك وارن كريستوفر، تتضمن موافقته على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران، 1967 مقابل علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية لإسرائيل.

مع عودة الحديث عن تجدد مفاوضات السلام بين سورية واسرائيل بطريقة غير مباشرة وبرعاية تركية هذه المرّة، عاد الحديث الى ما يسمى "وديعة رابين". فما قصة هذه الوديعة وهل لا تزال سارية المفعول بعد 14 عاماً على طرحها؟

بـــدأت المسألة مــع بــدء اهتمام ادارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون (1993 ـ) 2001 بإقامة ســلام بين سورية واسرائيل. وهنا يــذكــر انــه فــي الــعــام، 1991 وفي شهر تشرين الأول بالتحديد، رعت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي (قبيل انهياره) مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط والــذي تم خلاله وضــع اطــار رسمي للتفاوض بين اسرائيـل والدول العربية، يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام. بعيد ذلك بدأت محادثات سورية-اسرائيلية في واشنطن لم تفتح اي ثغرة في جــدار الخلافات الكبيرة. وبقي الجمود سيد الموقف حتى انتهاء ولايــة رئيس الـــوزراء الإسرائيلي آنــذاك اسحاق شامير (من تكتل ليكود اليميني) منتصف العام 1992 وانتخاب العمالي اسحاق رابين خلفاً له.

في كانون الثاني 1993 تسلم كلينتون مقاليد الحكم، حينها زار رابين واشنطن حيث أعلن استعداده لاستئناف المفاوضات مع سورية والتنازل عن جزء من الجولان مقابل السلام. لكن دمشق رفضت العرض مصرة على الانسحاب الاسرائيلي الكامل مــن الهضبة. وفــي آب من ذلــك العام (1993) أوفــد كلينتون وزير خارجيته وارن كريستوفر في جولات ماراثونية بين القدس المحتلة ودمشق، ابلغ خلالها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد استعداد رابين للانسحاب الكامل من هضبة الجولان مقابل تطبيع كامل للعلاقات بين سورية واسرائيل وضمانات أمنية للأخيرة.

ارتاب الأسد من عرض رابين وبعث اليه عبر كريستوفر بسؤالين هما: هل يكون الانسحاب الكامل الى حدود الــرابــع من حــزيــران 1967؟ ومــا هي الضمانات الأمنية التي يريدها؟ وكان في الجواب ما عزز شكوك الأسد، اذ ان رابين كان يتحدث عن الانسحاب الى الحدود الدولية التي رسمتها اتفاقية سايكس-بيكو والتي ثبتت في العام 1923. والفارق بين هذه الحدود وبين ما يطالب به السوريون، اي حدود الرابع من حزيران، ان الأخيرة تمنح السوريين حضوراً حتى شاطئ بحيرة طبرية على عكس الحدود الدولية. علماً ان الفارق لا يتعدى مئات الأمتار.

رفض الأسد هــذا التحديد كما رفض مطالب رابين حول الضمانات الأمنية والتي تقضي بتقسيم سورية الى 4 مناطق جغرافية تكون أقربها الى اسرائيل منزوعة السلاح، والتالية تتضمن قيوداً على القوات المسلحة (مثلما قضت اتفاقية كامب دايفيد بين مصر واسرائيل بخصوص) سيناء والثالثة تتضمن وجوداً محدوداً للأسلحة الثقيلة، اما الرابعة، تلك القريبة من الحدود العراقية، فتتمركز فيها معظم الــقــوات السورية. ورد الأسـد على المقترحين، الحدود والضمانات الأمنية، بالقول: رابين يريد ان يحدد لنا الحدود الإمبريالية، معلومات غير مؤكدة عن بعض ما جرى في المفاوضات غير المباشرة التي استضافتها تركيا:

  • إسرائيل تسعى لاستئجار نصف هضبة الجولان من السوريين لفترة طويلة. والسوريون استهجنوا هذا الطلب.
  • تدعي اسرائيل أن منسوب المياه في بحيرة طبرية انخفض كثيرا وتراجع بالتالي شاطئها عما كان عليه العام 1967. وهي ترى ان مطلب سورية بان تكون حدودها عند شاطئ البحيرة غير منطقي لان ذلك يمنحها أراضي اضافية.
  • اسرائيل تريد تطبيعا كاملا للعلاقات بما فيها التبادل وان أخلي له الأراضي السورية حتى يتمكن من اجتياحها عندما يشاء.

استمرت جولات كريستوفر حتى شــهــر ايـــار 1995 وتــحــديــداً يــوم 24 مــنــه، حيث تــوصــل الــســوريــون والاسرائيليون الى "وثيقة غير ملزمة" تراجع فيها رابين عن المقترحات التي رفضها الأسد، ووضع اتفاق شفهي يتمحور حول انسحاب كامل مقابل سلام كامل، وضمانات أمنية تجعل من الجولان منطقة منزوعة السلاح تقابلها منطقة مماثلة ومساوية في اسرائيل. وطلب رابين أن يبقى التعهد بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967 (أي عشية حرب ذلـــك الــعــام الــتــي احــتــلــت خلالها اسرائيل الــجــولان) شفهياً تلافياً الدبلوماسي. بينما ترى دمشق ان السلام لا يعني ذلك بالضرورة وانه بالامكان اقامة سلام بين دولتين من دون ان يكون بينهما تطبيع كامل.

  • السوريون يتمسكون باستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها العام، 2000 ويرفض الاسرائيليون ذلك ويطالبون بالعودة الى نقطة الصفر.

الى ذلك تقول صحيفة "هآرتس" ان هناك عدة عقبات أمام المفاوضات، منها: الفجوة بين المطلب السوري بانسحاب إسرائيل إلى خط الرابع لحدوث اعتراضات داخــل حكومته الائتلافية.

حافة السلام - إيتامار رابينوڤتش، 1999
الرواية المفقودة، فاروق الشرع، 2015
كتابان من رئيسي الوفدين السوري والإسرائيلي في المفاوضات

رفـــض السوريون ذلك، وامـــام اصرارهم اقترح الأميركيون ان يكتبوه باسمهم كـــ "وديــعــة" يحتفظ بها كلينتون في جيبه، وهذا ما حصل رغم اعتراض رابين. وصاغ كلينتون الرسالة وبعث بها الــى الأســد في 6 حزيران 1995 مع بدء المفاوضات المباشرة بين ســوريــة الــتــي تمثلت برئيس اركان الجيش آنذاك حكمت الشهابي، واسرائيل التي مثلها رئيس الأركان حينها آمنون شاحاك، اللذين لم يعرفا بمضمون الرسالة بطلب من رابين.

وجاء في رسالة كلينتون الى الأسد: "كما سبق وقلت لك في دمشق وقلت لوزير خارجيتك (آنذاك فاروق الشرع)، فإنني أبلغك أنه يوجد في جيبي التزام من رئيس الوزراء رابين، بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967 في اطار اتفاق سلام كامل وآمن".

من حزيران 1967 وموقف إسرائيل القاضي بأن الانسحاب يجب أن يكون للحدود الدولية. فإسرائيل ترفض وصول الحدود السورية إلى خط المياه في شمال شرق بحيرة طبرية رغم تأكيد دمشق أنها مستعدة للالتزام بعدم ضخ مياه منها.

  • إخلاء مستوطنات الجولان: تبين من خلال مفاوضات سابقة وجود فجوة في مواقف الجانبين بما يتعلق بالجدول الزمني لإخلاء هذه المستوطنات. فاسرائيل تطالب بمهلة 15 عاما فيما يصر السوريون على خمس سنوات.
  • تصر إسرائيل على أن تلتزم.

وفــي اوج المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية قتل رابين في الرابع من تشرين الثاني 1995 برصاص متطرف يهودي احتجاجاً على اتفاقات اوسلو مع الفلسطينيين. ولم يكن يعرف فــي اســرائــيــل بــأمــر الــوديــعــة سوى رئيس طاقمه إيتامار رابينوفيتش.

وبعد مقتل رابين استلم الحكم نائبه شيمون بيريز الذي سارع الى الموافقة على الوديعة دون تحفظ بعدما ابلغه كلينتون بوجودها. واستضافت الولايات المتحدة بين 27 كانون الأول 1995 و19 شباط 1996 اربع جولات من المفاوضات، تراجعت خلالها اسرائيل عن التعهد بالانسحاب الكامل الى حدود الرابع من حزيران 1967 وكذلك الترتيبات الأمنية.

وفــي ايــار 1996 عــاد اليمين الى السلطة في اسرائيل عبر الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو الذي تمسك بسيادة اسرائيل على الجولان، ومعه توقفت المفاوضات المباشرة. ويقال ان الاتصالات غير المباشرة عبر وسطاء لــم تنقطع وان نتنياهو بعث الى السوريين في العام 1999 بوثيقة يبدي فيها استعداده لإعادة الجولان الى سورية، لم يؤكدها احد.

فــي خــريــف الــعــام 1999 جــرت انتخابات جديدة في اسرائيل عاد معها حــزب "الــعــمــل" الــى السلطة برئاسة إهود براك، وفــي كانون الثاني 2000 انطلقت المفاوضات مجدداً برعاية كلينتون واشراف وزيرة خارجيته وقتها مادلين اولبرايت. لكن بعد اسبوع فقط توقفت نهائياً اثر وصولها الى طريق مسدود مع رفض باراك حدود الرابع من حزيران 1967.

سورية مسبقا بقطع علاقاتها بكل من إيران و "حزب الله" والمقاومة الفلسطينية.

  • إصرار دمشق على ضلوع الولايات المتحدة في عملية السلام وأن تغير موقفها من سورية.
  • مناطق منزوعة السلاح، لم يتم الاتفاق في مفاوضات سابقة على حجم المناطق المنزوعة السلاح في كلا الجانبين.
  • قانون هضبة الجولان الذي سنّه الكنيست في العام، 1981 وهو يصعب على الحكومة الإسرائيلية الحصول على تأييد أغلبية في الكنيست على الانسحاب من الهضبة.

مطالبة بشار الأسد بوديعة رابين

حين تنامت الآمال في عام 2008 باستئناف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، أصر بشار الأسد على البدء من حيث انتهى والده بشار الأسد في مفاوضاته مع باراك وبيريس في شبردزتاون، فرجينيا في 1996، والذي تم توثيق الموقف النهائي لتلك المفاوضات في ما سمي "وديعة رابين". إلا أن تلك الوديعة لم تظهر في حينها، إذ يبدو أن الإسرائيليين والأمريكان أرادوا البدء من نقطة أدنى مما انتهى إليها الأب.

المصادر