معركة لـِپانتو (1571)

(تم التحويل من معركة لپانتو)

معركة لـِپانتو (بالإنجليزية: Battle of Lepanto; (باليونانية: Ναύπακτος, ناوپاكتوس, وتـُنطـَق نافپاكتوسباليونانية الدارجة: Έπαχτος، إپاختوس؛ بالتركية: إنـِبـَختي İnebahtı) وقعت في 7 اكتوبر 1571 عندما قام أسطول من غلايين العصبة المقدسة، وهي تحالف ضم جمهورية البندقية، والبابوية (بزعامة الپاپا پيوس الخامساسپانيا (التي كانت تضم ناپولي، صقلية و سردينيا), جمهورية جنوة، ودوقية ساڤوي، والفرسان الاسبتارية وآخرون، بهزيمة الأسطول الرئيسي لغلايين الحرب العثمانية.

معركة لـِپانتو
Battle of Lepanto
جزء من الحرب التركية البندقية الخامسة و الحروب العثمانية الهابسبورگية
Battle of Lepanto 1571.jpg
معركة لـِپانتو رسام مجهول
التاريخ7 اكتوبر 1571
الموقع
النتيجة نصر حاسم للعصبة المقدسة
المتحاربون

Estandarte Liga Santa.gif العصبة المقدسة:
Flag of New Spain.svg إسبانيا
Flag of جمهورية البندقية جمهورية البندقية
Flag of the Papal States (pre 1808).svg الدويلات البابوية
Flag of Genoa.svg جمهورية جنوة
Savoie flag.svg دوقية ساڤوي

Flag of the Sovereign Military Order of Malta.svg فرسان مالطة
Ottoman Navy1453-1789.svg الدولة العثمانية
القادة والزعماء
Flag of New Spain.svg دون جون من النمسا Ottoman Navy1453-1789.svg علي پاشا
القوى
206 galleys,
6 galleasses
1,815 إجمالي المدافع (تقدير)
230 galleys,
56 galliots
750 إجمالي المدافع (تقدير)
الضحايا والخسائر
8,000 قتلى أو جرحى
12 galleys lost
15,000 قتيل وجريح وأسير[1]
137 سفينة مأسورة
50 سفينة غارقة
10,000 تم تحريرهم من عبيد الغلايين المسيحيين

المعركة التي استغرقت خمس ساعات وقعت في الطرف الشمالي لخليج پاتراس، على الساحل الغربي لليونان، حيث أبحرت القوات العثمانية غرباً من قاعدتهم البحرية في لپانتو ولاقت قوات الرابطة المقدسة، التي أتت من مسينا، في صباح بوم الأحد، 7 أكتوبر.[2] أعطت المعركة الرابطة المقدسة سيطرة مؤقتة على البحر المتوسط، وحمت روما من الغزو ومنعت العثمانيين من التوغل في اوروبا. وكانت آخر معركة بحرية كبرى تدور بالكامل بين سفن بمجاديف وكانت كذلك واحدة من "أكثر المعارك البحرية حسماً" في التاريخ، "فبعد لـِپانتو تأرجح البندول في الاتجاه المعاكس، وبدأت الثروة في السريان من الشرق إلى الغرب، وهو النمط الساري حتى يومنا هذا"، وكانت المعركة كذلك "نقطة تحول هامة في الصراع الدائر بين الإسلام والمسيحية، والذي لم يـُحل إلى يومنا هذا".[3]

كانت الدولة العثمانية عند وفاة السلطان سليمان القانوني قد بلغت أقصى اتساعها وخاضت الحروب في ميادين الشرق والغرب وحققت لها هيبة كبيرة في العالم، وبقدر هذه الهيبة الكبيرة كان لها أعداؤها الأقوياء الذين ينتظرون أي بادرة ضعف حتى ينالوا منها.

وعندما جلس سليم الثاني على العرش خلفا لوالده القانوني في ( ربيع 974هـ=سبتمبر 1566م) ظهر بعض التمرد في الدولة، فقامت حركة تمرد في اليمن سنة (975هـ= 1567م) استطاعت حصر العثمانيين في الشريط الساحلي، ولم يستطع العثمانيون إعادة سيطرتهم على اليمن إلا بعد عامين.

وظهرت في تلك الفترة في أروقة الدولة العثمانية كثير من المشاريع الكبيرة التي استهلكت الكثير من الوقت من الدولة دون أن توضع موضع التنفيذ، أو ربما تعرضت للفشل، حيث فكرت الدولة في فتح قناة السويس (بين البحر الأبيض والبحر الأحمر) لإعادة حركة التجارة العالمية من رأس الرجاء الصالح الذي سيطر عليه البرتغال إلى طريق التجارة القديم.

كما شرعت الدولة سنة (977هـ= 1569م) في فتح قناة بين نهري الدون والڤولگا وتأمين المرور بين البحر الأسود وبحر الخزر، حيث إن هذه القناة ستربط تركيا بمنطقة تركستان وتحول دون تهديد الروس والإيرانيين لتركستان، ولذا قامت الدولة العثمانية بحملة عسكرية على خانية أستراخان لكن فتح هذه القناة المهمة لم يؤخذ مأخذ الجد نظرا لوجود مصالح لحكام الأقاليم تتعارض مع شق مثل هذه القناة، وأكد ذلك خان القرم بقوله: "عندما تبدأ الجنود العثمانية القدوم إلى أراضي القبجاق وشيروان (شمال أذربيجان حاليا) فسوف لا تبقى هناك قيمة للتتر ويحتمل أن تذهب القرم من أيدينا".[4]

كان العثمانيون رغم المشاريع الكبيرة التي أعلنوا عنها في تلك الفترة يركزون اهتمامهم على فتح جزيرة قبرص التي كانت عقبة كبيرة في طريق التجارة المنتعشة بين مصر وإستانبول والتي يسيطر عليها البنادقة ويمارسون من خلالها بعض أعمال القرصنة البحرية، ولذا شرع العثمانيون في فتحها رغم إدراكهم أن فتح هذه الجزيرة سوف يؤدي إلى قيام تحالف مسيحي قوي ضدهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسباب الحرب

ومهما يكن من شيء، فقد كان على حكام الغرب أن يرقبوا المدافع، لأن سلاطين آل عثمان كانوا قد أعلنوا عن عزمهم على تحويل أوربا بأسرها إلى الإسلام. أن رصيدهم البشري وثروات مملكتهم الزاحفة في كل مكان هيأت لهم أكبر جيش وأحسنه عتاداً وعدة في أوربا. وكان عدد الانكشارية وحدهم خمسين ألفاً. وربما كان خلاص الغرب وخلاص المسيحية في ترامي أطراف الإمبراطورية العثمانية على هذا النحو، فما كانت المسافات البعيدة لتساعد على تجميع الموارد المبعثرة في الوقت المناسب، كما أن السلاطين، ولو أنهم شكلوا أسرة حاكمة أبقى على الزمن من أية أسرة حاكمة مسيحية، دب فيهم الفساد وانتابهم التدهور حيثما تهيأت "للحريم" فرصة لتحقيق مآربهن، وكانوا يكلون أمور الحكم إلى وزراء مؤقتين سريعي الزوال، نزع بهم تزعزع مراكزهم إلى التخفيف من وطأة سقوطهم واعتزال مناصبهم، بجمع الثروات أيام سطوتهم.

وهكذا كان سليم الثاني الذي خلف سليمان القانوني 1566، حاكماً منحلاً خاملاً، لم تتجل عبقريته إلا في أنه عهد بالإدارة والسياسة إلى وزيره القدير محمد سوكللي. وانقطعت غارات الأتراك على الإمبراطورية الرومانية المقدسة لأن الإمبراطور مكسيمليان الثاني اشترى السلام مقابل جزية سنوية قدرها 30 ألف دوكات. وحول سوكللي وجهة نظر فريسة أقرب. فقد احتفظت بلاد العرب من قبل "باستقلالها الديني" ولكن تم الآن للباب العالي فتحها (1570) وكانت ممتلكات البندقية لا تزال متناثرة في بحر إيجة، تعوق أساطيل تركيا وتجارتها. وقصد لالا مصطفى على رأس 60 ألف مقاتل لمهاجمة قبرص وأهابت البندقية بالدول المسيحية لنجدتها، فلم يستجب لندائها إلا البابا وأسبانيا. فإن بيوس الخامس لم يكن قد نسي أن الأسطول التركي في 1566 هدد أنكونا ثغر البابا وقلعته على الأدرياتيك. كما علم فيليب الثاني أن عرب الأندلس استصرخوا السلطان لإنقاذهم من ويلات الحكم الأسباني (1561) وأن السلطان رجب بمبعوثيهم إليه. وكان الموقف الدبلوماسي مواتياً. ذلك أن الإمبراطور لم يكن يشترك في الحرب ضد تركيا، لأنه كان قد وقع من فوره معاهدة سلام معها ولم يكن من الشرف ولا في مصلحة أمنه أن ينقضها وعارضت فرنسا أية خطة تزيد من قوة أسبانيا وترفع من شأنها. ووثقت عرى الصداقة مع الأتراك عوناً لها على مواجهة الإمبراطور. وخشية إنجلترا مغبة الدخول في مغامرة مشتركة مع فيليب يجعلها تحت رحمة أسبانيا الكاثوليكية في حالة انتصارها. وساور البندقية بعض القلق من أن الانتصار قد يأتي بالقوات الأسبانية إلى الأدرياتيك. فتقضي على احتكار البندقية لهذا البحر وسيطرتها عليه. وقضى بيوس عاماً كاملاً في التغلب على هذه الحيرة والتردد. وكان عليه أن يرضى باستخدام البندقية وأسبانيا لأموال الكنيسة. وأخيراً في 20 مايو 1571 انضمت الثلاث في "عصبة مقدسة" واستعدت للحرب.

وفي أثناء هذه المفاوضات تقدم الهجوم التركي على قبرص. مع خسائر جسيمة تكبدها الطرفان. وسقطت نيقوسيا بعد حصار دام خمسة وأربعين يوماً. وأعدم بحد السيف عشرون ألفاً من سكانها، وقاومت فاماگوستا زهاء عام. وعندما سقطت (6 أغسطس 1571) سـُلخ المدافع عنها، مارك أنطونيو پراگادينو، حياً، وحشي جلده بالقش وأرسل إلى القسطنطينية تذكاراً للنصر.

وكانت الظروف تستحث العصبة المقدسة على العمل، فجمعت قواتها. وأسهمت بالسفن والرجال، كل من فلورنسة وبارما ولوكا وفرانا وأوربينو وجنوة، عدو البندقية القديم. وفي نابلي تسلم دون جوان النمساوي لواء القيادة في احتفال مهيب من الكاردينال جرنفل. وفي 16 سبتمبر، بعد أن تناول البحارة والجنود القربان المقدس من يد الجزويت والكبوشيين الذين التحقوا بالحملة، أبحر الأسطول الضخم (الأرمادا) من مسينا إلى جزيرة كورفو في محاذاة جنوبي إيطاليا، عبر مضيق أوترانتو. وهناك ترامت أنباء المذابح والفظائع التي اقترنت بسقوط قبرص. وتعالت صيحات "النصر، النصر، فليحيا المسيح"، عندما أصدر دون جوان أوامره بالانطلاق إلى القتال.


"الأرمادا" والعثماني

كانت قبرص تمثل أهمية خاصة للعالم المسيحي في صراعه مع الدولة العثمانية، وعندما علمت أوربا بنوايا العثمانيين تجاه قبرص تحرك البابا "بيوس الخامس" وعقد معاهدة اتفاق ضد الدولة العثمانية في (غرة المحرم 979هـ= 25 من مايو 1571م) مع ملك أسبانيا والبندقية وبعض الدويلات المسيحية، وكان هذا الاتفاق المسيحي هو الاتفاق الثالث عشر الذي تعقده أوربا ضد الدولة العثمانية منذ تأسيسها.

ونص الكتاب الذي أرسله البابا "بيوس" إلى ملك أسبانيا على "أنه لا توجد في العالم المسيحي أية دولة مسيحية يمكنها أن تقف بمفردها في مواجهة الدولة العثمانية ولذا فالواجب على كافة الدول المسيحية أن تتحد لكسر الغرور التركي"، وهكذا بدأ يتشكل الائتلاف المسيحي لحرب الدولة العثمانية.

واستطاعت أجهزة المخابرات العثمانية في البندقية وروما أن ترصد هذا الاتفاق وهو في طور التكوين وأبلغت به إستانبول، وتحرك الأسطول العثماني للبحث عن الأسطول الصليبي وإبادته، وتحرك الوزير العثماني "برتو باشا" قائد الأسطول لتنفيذ تلك المهمة.

كان التحالف المسيحي القوي الذي تغذية مشاعر الكراهية للدولة العثمانية يتمتع بأسطول على قدر كبير من القوة والخبرة في القتال البحري والكثافة في عدد السفن ووجود عدد من كبار قادة البحر، فكان "الأرمادا" (الأسطول) يضم 295 سفينة و30 ألف جندي و16 ألف جداف و208 سفن حربية، وكان القائد العام للأسطول هو "دون جون" وهو ابن غير شرعي للإمبراطور الأسباني "كارلوس الثاني" وهو من كبار قادة البحر.

أما الأسطول العثماني في البحر المتوسط والبالغ حوالي 400 سفينة فقد توزعت سفنه عند حلول فصل الخريف إلى عدد من القواعد، وبقيت حوالي 184 سفينة تحت قيادة "برتو باشا" و"مؤذن باشا" وذهبت هذه السفن إلى ميناء "إينبختي" أو "ليبانتو Lepanto (وكان ميناء عثمانيا في اليونان على خليجي باتراس-كورنثوس).

وعندما حل فصل الشتاء على السفن التي يقودها "برتو باشا" بدأ الضباط في التسرب لقضاء الشتاء بعدما رأوا السفن العثمانية ألقت مراسيها في "إينبختي" ظنا منهم أنه لن يوجد قتال في هذا الموسم، ولم تظهر من "برتو" أو "مؤذن" قدرة على ضبط الأسطول، إضافة إلى أنه كان يوجد عدد من السفن في حاجة إلى إصلاح، كما أن جدافة الأسطول العثماني كانوا من المسيحيين.

وكانت النقطة المهمة في الأمر أن القائدين "برتو باشا" و"مؤذن-زاده علي باشا" لم يكونا من القادة البحريين ولكنهما من قادة الجيش البري وتوليا مهمة قيادة الأسطول منذ فترة وجيزة، وكان يوجد بعض القادة البحريين في الأسطول العثماني مثل "حسن باشا" الذي يبلغ من العمر 71 عاما، و"أولوج باشا" ويبلغ من العمر 64 عاما لكن لم تكن لهما السيطرة على القرار.

معركة فاصلة

عندما اقترب الأسطول الصليبي من ميناء إينبختي الذي يرسو فيه الأسطول العثماني اجتمع "برتو باشا" مع كبار قادة البحر لبحث الموقف، وانفض هذا الاجتماع دون أن يتوصل القادة إلى خطة لمواجهة المعركة القادمة التي لا يفصل بينها وبينهم إلا وقت قصير.

وكانت المؤشرات تؤكد أن هناك ميلا لما يطرحه "برتو باشا" و"مؤذن باشا" لمواجهة الموقف المتأزم على اعتبار أنهما المسئولين أمام الدولة في إستانبول.

وكان رأي القادة البحريين في الأسطول هو عدم الدخول في هذه المعركة -غير المتكافئة- إلا بعد أن تقصف مدافع القلاع العثمانية سفن العدو وتتلفها، وهو ما يعطي فرصة كبيرة لسفن الأسطول العثماني لتتبع ومطاردة الأسطول الصليبي، أو بمعنى آخر إنهاك الأسطول الصليبي قبل بدء المعركة ثم الانقضاض عليه بعد ذلك. ولكن "برتو باشا" و"مؤذن باشا" أعلنا أنهما تسلما أمرا بالهجوم على الأسطول الصليبي.

ولما رأى قادة البحر في الأسطول العثماني ذلك نصحوهما بأن يخرجا إلى القتال في البحار المفتوحة لأن ذلك يعطي الفرصة للسفن العثمانية بأن تقوم بالمناورة وأن تستخدم مدفعيتها القوية بكفاءة عالية ضد الأسطول الصليبي.

إلا أن "برتو" وغيره من القادة لم يستمعوا إلى هذه النصائح من أهل الخبرة في القتال البحري، وأعلن أنه سيقاتل بالقرب من الساحل، وقال: "أي كلب هو ذلك الكافر حتى نخافه؟" ثم قال: "إنني لا أخشى على منصبي ولا على رأسي، إن الأوامر الواردة تشير بالهجوم، لا ضير من نقص خمسة أو عشرة أشخاص من كل سفينة، ألا توجد غيرة على الإسلام؟ ألا يُصان شرف البادشاه؟!".

وكانت هذه المقولة تعبر عن الجهل بالحقائق ولا تعبر عن شجاعة أو حماسة دينية، إذ إنه من غير المعقول أن تدار حرب بحرية على الساحل، ومن ثم فقد كانت النتيجة في تلك المعركة محسومة لصالح الأسطول الصليبي قبل أن تبدأ.

وقائع وخسائر

كانت معركة "ليبانتو" في (17 من جمادى الأولى 979هـ=7 من أكتوبر 1571م) وهي تعد من أكبر الحروب البحرية في التاريخ في ذلك الوقت، واتسمت بالدموية والعنف الشديد، فاستشهد قائد القوة البحرية "مؤذن-علي باشا" وابنه مع بداية المعركة كما أسر ابنه الثاني، وغرقت سفينة القيادة في الأسطول العثماني التي فيها "برتو باشا" وتم سحبها إلى الشاطئ بتضحيات كبيرة.

أما القائد البحري العثماني "أولوج" الذي كان يقود الجناح الأيمن فإنه لم يخسر أيا من سفنه البالغة 42 سفينة واستطاع أن يقضي على الأسطول المالطي بالكامل الذي يتكون من ست سفن واغتنم رايته، وعندما رأى أن الهزيمة تقع بالأسطول العثماني وأن تدخله لإنقاذه هو انتحار مؤكد، رأى أن من الحكمة الابتعاد عن الميدان حفاظا على بقية الأسطول والاستعداد لمعركة قادمة.

كانت الخسائر في تلك المعركة ضخمة للغاية لكلا الطرفين؛ فقد خسر العثمانيون 142 سفينة بين غارقة وجانحة وأسر الصليبيون 60 سفينة عثمانية، واستولوا كذلك على 117 مدفعا كبيرا، و256 مدفعا صغيرا، كما تم تخليص 30 ألف جداف مسيحي كانوا في الأسر، وسقط من العثمانيين حوالي 20 ألف قتيل وأسير، من بينهم 3460 أسيرا، ومن بين الأسرى 3 برتبة لواء بحري، وحاز الصليبيون راية "مؤذن باشا" الحريرية المطرزة بالذهب، وقد أعادها بابا روما إلى تركيا سنة (1385هـ= 1965م) كتعبير عن الصداقة بين الجانبين.

وقتل من الصليبيين حوالي 8 آلاف وسقط 20 ألف جريح، وأصيبت غالبية السفن المسيحية، وكان من بين الأسرى المسيحيين "سرڤانتس" الذي فقد ذراعه الأيسر وعاش أسيرا في الجزائر وألف روايته المشهورة "دون كيشوت".

وفي 7 أكتوبر 1571 تحرك الأرمادا عبر خليج بتراس إلى خليج كورنت. وكان الأسطول التركي ينتظر بعيداً عن ثغر ليبنتو، وهو يضم 222 سفينة شراعية كبيرة، و60 سفينة صغيرة، و570 مدفعاً، و24 ألف جندي، و13 ألف ملاح، و41 ألف مجدف. وكان المسيحيين 207 سفن شراعية، وست سفن شراعية فينيسية ضخمة تحمل المدافع، و30 سفينة صغيرة و 1.800 مدفع و30 ألف جندي و13 ألف وتسعمائة ملاح، و43 ألف جندي(13). ورفع الأسطول المسيحي علم المسيح مصلوباً. ورفع الأسطول التركي علم السلطان يحمل لفظ الجلالة "الله" موشى بالذهب. وتراجع جناح المسيحيين الأيمن أمام الأتراك، ولكن الجناح الأيسر الذي كان يقوده البنادقة حول المقاومة الضارية إلى هجوم منظم، وأودت مدفعيتهم بحياة آلاف من الأتراك, وأصدر دون جوان أمره بأن تتحرك سفينة قيادية قد مانحو سفينة أمير البحر التركي موسيناد علي. فلما التقت السفينتان، قفز ثلاثمائة من جنود جوان الأسبان المحنكين إلى السفينة التركية بقيادة راهب كبوشي، يلوح بالصليب عالياً. وتقرر مصير المعركة، عندما أسرت السفينة، ورفع رأس علي المفصول عن جسده فوق سارية علمه(14). وانهارت الروح المعنوية لدى الأتراك. وهربت 40 من سفنهم، وأسرت 117 أخرى، كما أغرق أو حرق خمسون سفينة. ولقي حتفه في المعركة أكثر من ثمانية آلاف رجل من الأتراك، وأسر عشر آلاف، وزع معظمهم رقيقاً على المنتصرين. وحرر نحو 12 ألفاً من الأرقاء المسيحيين الذين كانوا يقومون بالتجديف على المراكب التركية. وفقد المسيحيون، وقتل منهم 7500 رجل من بينهم أفراد من أعرق وأشهر الأسرات في إيطاليا. ولا نزاع في أن معركة ليبنتو كانت أعظم معركة بحرية في التاريخ الحديث. ووصفها سرفنتيز الذي كان من بين الجرحى المسيحيين البالغ عددهم 7500 بأنها "أعظم حدث بارز جدير بالذكر شهدته العصور الخوالي أو العهود الحاضرة. وقد لا يكون له نظير في المستقبل "(15).

وكان يجدر أن تكون هذه أكبر معركة فاصلة في التاريخ الحديث، لولا أن استنزاف المجدفين والأضرار التي لحقت بالأسطول المنتصر، وهبوب عاصفة عنيفة، حال دون تعقب الأتراك. فقد ثار النزاع بين المسيحيين حول اقتسام المجد والغنائم. ولما كانت أسبانيا قد أسهمت في القتال بنصف السفن والنفقات، والبندقية بثلثها والبابا بالسدس، فقد وزعت الغنائم بقدر هذا الإسهام. ووزع الأسرى الأتراك بهذه النسبة، فخص أسبانيا 3600 عبد مكبلين في الأصفاد، ومن نصيب البابا منح دون جوان 17 عبداً مكافأة شريفة لقاء خدماته(16). ورغب بعض الزعماء المسيحيين في الاحتفاظ بالأرقاء المسيحيين الذين حرروا من السفن التركية، ولكن البابا بيوس الخامس حرم هذا التصرف(17).

والواقع أن خسائر العثمانيين المعنوية كانت أشد فداحة من خسائرهم المادية، حيث كانت تلك المعركة الكبيرة ذات مردود سلبي في علاقة الدولة العثمانية بالأوربيين؛ فزال من نفوس الأوربيين أن الدولة العثمانية دولة لا تقهر، وهو ما شجع التحالفات الأوربية ضدها بعد ذلك، وظهرت المراهنات على هزيمتها.

وابتهجت أوربا الكاثوليكية بأسرها حين وصلت أنباء النصر. وازدانت البندقية بأكاليل الزهر والتحف الفنية، وتبادل الرجال القبلات في الشوارع، ورسم تيشيان وتنتورنو وفيرونيز لوحات ضخمة عن المعركة، واحتفل بالقائد الفينيسي سباستيان فنييرو أياماً وليالي كثيرة، وأخيراً اختبر لتولي منصب "الدوج" (القاضي الأول في جمهورية البندقية). أما في روما، حيث قضى رجال الدين وعامة الناس ساعات كل يوم في الصلوات وأحر الدعوات منذ غادر الأرمادا مسينا، فقد تعالت صيحات "الشكر للرب" في مرح وابتهاج وارتياح، وكاد البابا بيوس الخامس، منظم النصر، أن يرفع دون جوان إلى مرتبة القديسين وأطلق عليه عبارة الإنجيل "هناك رجل أرسل من عند الله اسمه يوحنا" (إنجيل يوحنا، 1:6) وتليت القداسات وأطلقت الألعاب النارية، ودوت طلقات المدافع. ورجا البابا من المنتصرين أن يحشدوا أسطولاً آخر، وتوسل إلى حكام أوربا أن ينتهزوا الفرصة ليتحدوا في حرب صليبية لطرد الأتراك من أوربا ومن الأرض المقدسة. وأهاب بشاه إيران، وبأمير اليمين السعيد أن ينضما إلى المسيحيين للانقضاض على الأتراك(18). ولكن فرنسا الحاقدة على أسبانيا اقترحت على السلطان، عقب ليبنتو مباشرة، تحالفاً مباشراً ضد فيليب الثاني(19) .

واشتركت أبناء هذا العرض مع عوامل أخرى في ثني فيليب عن عزمه على القيام بعمل جديد ضد القوة العثمانية الرئيسية. وتورط في النزاع مع إنجلترا، وفي المأزق الذي أوقعه فيه دوق ألفا في الأراضي الوطيئة، كما استاء من إصرار البندقية على احتكار التجارة في الأدرياتك، وخشي من أن انتصار ثانيا على الأتراك قد يبعث القوة والحياة في الإمبراطورية البندقية المتداعية، فتصبح منافساً قوياً لأسبانيا. أما بيوس الخامس الذي أرهقته الانتصارات والهزائم معاً، فإنه لقي ربه في أول مايو 1572، وماتت معه العصبة المقدسة.

ورغم هذا الانتصار الباهر للأوربيين في معركة "ليبانتو" البحرية فإن الأوربيين لم يستطيعوا استغلال هذا الانتصار الكبير من الناحية الإستراتيجية، فقد استطاع العثمانيون بعد أقل من عام واحد على هذه الهزيمة بناء أسطول جديد كان أكثر قوة وعددا من الأسطول الذي تحطم في تلك المعركة، وهو ما أثبت أن الدولة العثمانية ما زالت تحتفظ بقوتها وأنها تستطيع في الوقت القليل تعويض الفاقد من قوتها وخسائرها نظرا لما تتمتع به الدولة من موارد وطاقات ضخمة.

هزيمة وعزيمة

ومن المفارقة أنه بينما كانت البندقية وغيرها من الدول التي شاركت في ليبانتو يشربون كئوس الانتصار وينحتون التماثيل تخليدا لذلك الانتصار الكبير، كان العثمانيون يعملون على قدم وساق في بناء أسطولهم الجديد، حتى إن السلطان العثماني نفسه خصص جزءا من حديقته الخاصة لإنشاء مصنع لبناء 8 سفن جديدة، واستطاع العثمانيون خلال الشتاء الذي أعقب "ليبانتو" أن يشيدوا ما يقرب من 153 سفينة حربية.

ولم ينس العثمانيون تقوية الروح المعنوية لشعبهم، وتذكيرهم بأن خسارة معركة لا تعني بحال من الأحوال خسارة الصراع، ولذا قام "أولوج علي باشا" القائد البحري بالدخول إلى إستانبول بعد الهزيمة بحوالي شهرين في أسطول كبير مكون من 87 سفينة وتمت ترقيته إلى قائد القوات البحرية.

ولم يلبث "أولوج علي باشا" أن غادر إستانبول مع 245 سفينة في (صفر 980هـ= يونيو 1572) للدفاع عن قبرص بعدما علم أن الأسطول الصليبي يسعى للاستيلاء عليها، وعندما رأى "دون جون" الأسطول العثماني متجها نحوه أدرك أنه ليس في استطاعته مقاتلته بعدما تمكن العثمانيون من تعويض خسائرهم. أما البابا "بيوس الخامس" فكتب إلى الشاه الصفوي وإلى إمام اليمن يطلب منهما التحالف لقتال الدولة العثمانية.

ولم تنس الدولة العثمانية القصاص لهزيمتها في ليبانتو فعقدت معاهدة مع البندقية في (7 من مارس 1573م) تكونت من سبعة بنود، منها: أن تسدد البندقية إلى الدولة العثمانية 300 ألف ليرة ذهبية كغرامة حرب، وأن تعترف بالسيادة العثمانية على قبرص، وبعد أقل من عام قامت 220 سفينة عثمانية بتدمير سواحل إيطاليا الجنوبية.

اللوحات

 
فليپه الثاني يمنح الأمير فرناندو للنصر بريشة تيتيان، ح. 1572–1575، متحف پرادو، مدريد

يوجد العديد من التمثيلات التصويرية للمعركة. Prints of the order of battle appeared in Venice and Rome in 1571,[5] and numerous paintings were commissioned, including one in the Doge's Palace, Venice، by Andrea Vicentino on the walls of the Sala dello Scrutinio, which replaced Tintoretto's Victory of Lepanto, destroyed by fire in 1577. Titian painted the battle in the background of an allegorical work showing Philip II of Spain holding his infant son, Don Fernando، his male heir born shortly after the victory, on 4 December 1571. An angel descends from heaven bearing a palm branch with a motto for Fernando, who is held up by Philip: "Majora tibi" (may you achieve greater deeds; Fernando died as a child, in 1578).[6]

أمثولة معركة لپانتو (ح. 1572، زيت على كانڤاس، 169 x 137 سم، معرض الأكاديمية، البندقية) هي لوحة بريشة پاولو ڤرونيزى. يُظهر النصف الأسفل من اللوحة أحداث المعركة، بينما في الأعلى تجسيد إمرأة لمدينة البندقية يُمنح لمريم العذراء، مع القديس روتش والقديس بطرس والقديسة جوستينا والقديس مرقص ومجموعة من الملائكة حاضرين.[بحاجة لمصدر]

A painting by Wenceslas Cobergher، dated to the end of the 16th century, now in San Domenico Maggiore، shows what is interpreted as a victory procession in Rome on the return of admiral Colonna. On the stairs of Saint Peter's Basilica, Pius V is visible in front of a kneeling figure, identified as Marcantonio Colonna returning the standard of the Holy League to the pope. On high is the Madonna and child with victory palms.[7]

Tommaso Dolabella painted his The Battle of Lepanto in c. 1625–1630 on the commission of Stanisław Lubomirski، commander of the Polish left wing in the Battle of Khotyn (1621). The monumental painting (3.05 m × 6.35 m) combines the Polish victory procession following this battle with the backdrop of the Battle of Lepanto. It was later owned by the Dominicans of Poznań and since 1927 has been on display in Wawel Castle، Cracow.[8]

معركة لپانتو بريشة خوان لونا (1887) معروضة في مجلس الشيوخ الاسباني في مدريد.[بحاجة لمصدر]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اقرأ أيضًا

مراجع الدراسة

- يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية- منشورات مؤسسة فيصل للتمويل- إستانبول-1988م.

- محمد فريد وجدي: تاريخ الدولة العلية العثمانية- تحقيق إحسان حقي- دار النفائس-بيروت- الطبعة الثانية- 1983م.

- علي محمد الصلابي: الدولة العثمانية- دار التوزيع والنشر الإسلامية- القاهرة- الطبعة الأولى-2001م.

- أكمل الدين إحسان أوغلي: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة- ترجمة صالح سعداوي- مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية- إستانبول-1999م.

  • Anderson, R. C. Naval Wars in the Levant 1559-1853 (2006), ISBN 1-57898-538-2
  • Bicheno, Hugh. Crescent and Cross: The Battle of Lepanto 1571, pbk., Phoenix, London, 2004, ISBN 1-84212-753-5
  • Capponi, Niccolò (2006). Victory of the West:The Great Christian-Muslim Clash at the Battle of Lepanto. Da Capo Press. ISBN 0-30681-544-3.
  • Chesterton, G. K. Lepanto with Explanatory Notes and Commentary, Dale Ahlquist, ed. (San Francisco: Ignatius Press, 2003). ISBN 1-58617-030-9
  • Cook, M.A. (ed.), "A History of the Ottoman Empire to 1730", Cambridge University Press, 1976; ISBN 0-521-20891-2
  • Currey, E. Hamilton, "Sea-Wolves of the Mediterranean", John Murrey, 1910
  • Hanson, Victor D. Carnage and Culture: Landmark Battles in the Rise of Western Power, Anchor Books, 2001. Published in the UK as Why the West has Won, Faber and Faber, 2001. ISBN 0-571-21640-4. Includes a chapter about the battle of Lepanto
  • Hess, Andrew C. "The Battle of Lepanto and Its Place in Mediterranean History", Past and Present, No. 57. (Nov., 1972), pp. 53–73
  • Stevens, William Oliver. A History of Sea Power New York: Doubleday, Doran & Co., 1942
  • Harbottle's Dictionary of Battles, third revision by George Bruce, 1979
  • Warner, Oliver Great Sea Battles (1968) has "Lepanto 1571" as its opening chapter. ISBN 0-89673-100-6
  • The New Cambridge Modern History, Volume I - The Renaissance 1493-1520, edited by G. R. Potter, Cambridge University Press 1964


المصادر

  1. ^ Geoffrey Parker, The Military Revolution, p. 88
  2. ^ Luggis, Telemachus: "Sunday, 7 October 1571" pp. 19-23 Epsilon Istorica, Eleftherotypia, 9 November 2000. See also Chasiotis, Ioannis "The signing of 'Sacra Liga Antiturca' and the naval battle of Lepanto (7 October 1571)", Istoria tou Ellinikou Ethnous. Ekdotiki Athinon, vol. 10, Athens, 1974
  3. ^ Serpil Atamaz Hazar, “Review of Confrontation at Lepanto: Christendom vs. Islam,” The Historian 70.1 (Spring 2008): 163.
  4. ^ مصطفى عاشور. ""ليبانتو".. هزيمة وعزيمة". إسلام أون لاين.
  5. ^ anonymous chalcography, 1571, Museo Civico Correr, Museo di Storia Navale, Venice; Vero retratto del armata Christiana et Turchesca in ordinanza [...] dove li nostri ebero la gloriosa vitoria tra Lepanto [...], 1571; Il vero ordine et modo tenuto dalle Chistiana et turchescha nella bataglia, che fu all. 7. Ottobrio [...], Venice 1571, Museo di Storia Navale, Venice; Agostino Barberigo, L' ultimo Et vero Ritrato Di la vitoria de L'armata Cristiana de la santissima liga Contre a L'armata Turcheschà [...], 1571. Antonio Lafreri, L’ordine tenuto dall’armata della santa Lega Christiana contro il Turcho [...], n'e seguita la felicissima Vittoria li sette d'Ottobre MDLXXI [...], Rome, 1571 (bnf.fr). Bernhard Jobin, Mercklicher Schiffstreit /und Schlachtordnung beyder Christlichjen / und Türckischen Armada / wie sich die jüngst den 7. Oktob. 71. Jar verloffen / eigentlich fürgerissen / und warhafftig beschrieben, Strasbourg, 1572; cited after Rudolph (2012).
  6. ^ Robert Enggass and Jonathan Brown, Italian and Spanish Art, 1600–1750: Sources and Documents (1992), p. 213.
  7. ^ Flemish Masters and Other Artists: Foreign Artists from the Heritage of the Fondo Edifici Di Culto Del Ministero Dell'interno (2008), p. 83.
  8. ^ Anna Misiag-Bochenska, Historia obrazu Tomasza Dolabelli " Bitwa pod Lepanto " ", Nautologia 3.1/2 (1968/9), 64–65. Krystyna Fabijańska-Przybytko, Morze w malarstwie polskim (1990), p. 104. Gino Benzoni, Il Mediterraneo Nella Seconda Metà Del '500 Alla Luce Di Lepanto (1974), p. 31.

وصلات خارجية

إحداثيات: 38°12′N, 21°18′E