محمد بن الحسن الكرجي

فخر الدين، أبو بكر محمد بن الحسن الكرجي (ح. 953 في كرج أو الكرخ - ح. 1029) من علماء العرب المبدعين في مجالي الرياضيات والهندسة، ولد في مدينة الكرج، بين همذان وأصبهان في إيران ـ وازدهر في الربع الأول من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، ووضع أهم مؤلفاته الرياضية في مدينة بغداد، وألف كتابه «إنباط المياه الخفية» في إقليم الجبل -في وسط إيران حالياً- بعد مغادرته بغداد.

شحت المصادر العربية بمعلومات عن السيرة الذاتية للكرجي، حتى إنها اختلفت حول اسمه، فمنها أطلق عليه الكرجي ومنها الكرخي ويُرجح الكرجي، وذكرت مصادر اسمه محمد ابن الحسن وأخرى محمد بن الحسين، وتردد الاسم الأول في المصادر أكثر من الاسم الثاني، ولم تشر المصادر إلى سنة ولادته ولا إلى سنة وفاته.

أهدى الكرجي مؤلفيه: «الفخري في الجبر والمقابلة» و«الكافي في الحساب» لأبي غالب محمد بن علي ابن خلف الملقب بفخر الملك407هـ) وزير بهاء الدولة البويهي، وكان فخر الملك أعظم وزراء آل بويه على الإطلاق بعد ابن العميد وابن عباد كما وصفه الصفدي في «الوافي بالوفيات»؛ وربط المؤرخون اسم فخر الملك بكتابي الكرجي، بيد أنه لم يعثر على إشارة إلى طبيعة العلاقة بين الوزير فخر الملك والكرجي.

قدم الكرجي كتابه «إنباط المياه الخفية» إلى أبي غانم معروف بن محمد بن معروف القصري الملقب بالوزير، والقصري نسبة إلى قصر كنكور- ناحية بين همذان والدينور- وتقلد ديوان الإنشاء بجرجان وخلافة الوزارة في أيام منوجهر بن قابوس بن وشمكير، وكان يتردد في الرسائل بينه وبين محمود بن سبكتكين - كما يذكر البستاني في «دائرة المعارف»- كان منوجهر بن قابوس ومحمود بن سبكتكين على قيد الحياة خلال الفترة 403-420هـ، ويرجح بأن الكرجي غادر بغداد سنة 407هـ أو بعدها، فيمكن الاستنتاج أن الكرجي كان في إقليم الجبل وأنه كتب «إنباط المياه الخفية» في الفترة 407-420هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مكانته العلمية

أبدع أبو بكر في علمي الرياضيات والهندسة، وأضاف إليهما إضافات قيمة، تعمق في دراستها وترجمتها إلى اللغات الأوربية كبار المؤرخين، وتبنت نشرها أرقى المؤسسات العلمية. وقد أسس الكرجي مدرسة جبرية جديدة ومستقلة، ترتكز على حَسْبَنة الجبر، أي تطبيق العمليات الحسابية على الجبر، مما أدى إلى بلورة جبر كثيرات الحدود، وقد استفاد من تلك التوجهات من أتوا بعد الكرجي مباشرة. وتميز الكرجي أيضاً في مجال علم الهندسة، بوضعه كتاباً نادراً وفريداً في طرحه العلمي الدقيق والموضوعي في مجال إنباط المياه الخفية، فقد عالج الموضوع من جوانبه الهندسية والرياضية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والإدارية كافة، ومن زاويتيه: النظرية والتطبيقية.

من مؤلفاته الرياضية «البديع في الحساب» ويستعرض الكرجي في كتابه موضوعات جبرية وحسابية منها: تحديدات متنوعة للأعداد؛ والنسبة والتناسب وقضايا من المقالات: الثانية والسابعة والثامنة والتاسعة في الأصول لإقليدس؛ والأعداد المتحابة؛ والأعداد الصماء: ثنائيات إقليدس، وضرب الأعداد الصماء المفردة، وقسمة المقادير الصماء المفردة وجمعها وتفريقها، والقسمة على أصم موسط؛ وجذر ثنائيات إقليدس والمنفصلات؛ وتكعيب الثنائيات؛ وجذر المقادير المفردة والمركبة المجهولة المنطقة؛ وجذر المقادير المركبة بحالات مختلفة؛ وجذر الكسور التي فيها مجهولات؛ ومساواة مقادير مفردة أو ثنائية أو ثلاثية وبحالات مختلفة بمربع عدد منطق؛ ومسائل أخرى متنوعة، ويعالج في كتابه «البديع في الحساب» لأول مرة في التاريخ استخراج الجذر التربيعي لكثير الحدود الجبري بمجهول واحد.

وفي كتابه «الفخري في الجبر والمقابلة» ركز على الموضوعات المتعلقة بعلم الجبر والمقابلة، وافتتحه الكرجي بتعريف أجناس المجهولات أو مراتب المجهولات، ثم عمم مفهوم القوة الجبرية، وشرح عمليات الضرب والقسمة والنسبة وإيجاد الجذر التربيعي والجمع والطرح على المقادير الجبرية، ثم عدد القواعد والنظريات اللازمة للحساب الجبري، والمسائل الست والمعادلات من درجة أعلى، والتحليل غير المحدود، وقدم مسائل تطبيقية على الموضوعات السابقة. وقد انتقلت بعض مسائل هذا الكتاب إلى مؤلفات رياضيي عصر النهضة الأوربية مثل فيبوناتشي Fibonacci، ويعد مؤرخ الرياضيات سميث Smith كتاب «الفخري» من أهم الكتب الجبرية العربية، وقد درسه المستشرق الألماني فرانتس ڤوپكه Woepcke، ونشرها في باريس سنة 1853، وحققه أحمد سليم سعيدان ونشره في عمان بالأردن عام 1983.

ويتضمن «الكافي في الحساب» العمليات الرياضية الأساسية والتي تطبق على الحساب والجبر والهندسة، إذ عالج الضرب والقسمة والكسور والنسبة، واستخراج الجذور، ومسائل المعاملات، ومساحات السطوح وحجوم الأجسام، والجبر: أصوله ومسائله، وموضوع وزن الأرض- أي قياسات ميول الأراضي- وغيرها من الموضوعات العامة التي تفيد العمال والموظفين، ويُعد هذا الكتاب من الكتب المهمة التي تبسط العلم، وقد ترجمه هوخهايم Hochheim إلى الألمانية، ونشره بألمانيا بين سنتي 1878ـ 1880؛ ودرسه سعيدان ونشر الدراسة ضمن كتاب «تاريخ علم الحساب العربي»، وصدر في عمان بالأردن عام 1971، ودرس الكتاب أيضاً سامي شلهوب وحققه وشرحه ونشره معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب سنة 1986، وللكتاب شرحان: أحدهما وضعه الحسين بن أحمد بن علي الشقّاق البغدادي (ت511هـ/1117م)، وثانيهما وضعه محمد بن علي بن الحسين بن أحمد الشهرزوري (عاش في القرن الخامس أو السادس الهجري).

ومن إنجازات الكرجي الرياضية المتميزة (مثلث معاملات ذات الحدين) ويسمى حالياً بمثلث باسكال Pascal، ومن كتبه الرياضية الأخرى «علل حساب الجبر والمقابلة»، و«كتاب الجذر»، و«مسائل وأجوبة في الحساب»، رسالة في الخطأين، و«مختصر في الحساب والمساحة»، وكتاب «المقنع في المساحة»، وكتاب «المحيط في الحساب»، و«كتاب في الحساب الهندي»، و«صناعة الحساب». وثمة مؤلفات مفقودة مثل: «كتاب في الاستقراء»، و«كتاب نوادر الأشكال»، و«كتاب الدور والوصايا»، و«المدخل في علم النجوم» وهو في علم الفلك.

ومن مؤلفاته الهندسية «إنباط المياه الخفية» الذي يعالج استخراج المياه الجوفية وجميع الموضوعات المرتبطة بها، فيصف الأرض، ويتحدث عن المياه الخفية، ثم يصف الجبال والأحجار الدالة على الماء والأرضين التي فيها الماء والنبات الدالة على الماء، ويذكر أنواع المياه واختلاف طعمها، ويعدد أنواع المياه: الثقيلة والخفيفة والرقيقة والثخينة والعذبة والكريهة، ويتحدث عن إصلاح المياه الفاسدة، ويتناول حريم القُنِي والآبار على مقتضى الدين، ثم يتناول الموضوعات الهندسية المتعلقة بإنشاء القناة وتفصيلاتها كافة، ويعد هذا الكتاب من الكتب المتميزة والنادرة في مجال هندسة استخراج المياه الجوفية، فقد تميز منهجه بالعلمية والدقة، وسرد معلوماته بتسلسل منطقي وشمولي. نـُشر الكتاب أول مرة في حيدر آباد عام 1359هـ، وتـُرجم الكتاب أو أجزاء منه إلى اللغات الإنكليزية والألمانية والفرنسية، وحُقق ودُرس ضمن أطروحة ماجستير قدمتها المهندسة بغداد عبد المنعم في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب في عام 1993 بعنوان «هندسة المياه الجوفية في التراث العربي» ثم نُشر على نحو مستقل بعنوان «إنباط المياه الخفية» في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة عام 1997.

ويذكر المؤرخون أن للكرجي كتاب في علم عقود الأبنية، وهو كتاب مفقود، ويعّرف طاش كبري زاده علم عقود الأبنية بقوله: «وهو علم تتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية، وكيفية أحكامها، وطريق حسنها كبناء الحصون المحكمة، وتنضيد المنازل البهية، والقناطر المشيدة، وأمثالها، وأحوال كيفية شق الأنهار، وتقنية القناء، وإنباط المياه، ونقلها من الأغوار إلى النجود، وغير ذلك. ومنفعته عظيمة في عمارة المدن والمنازل والقلاع».

يُعد فخر الدين، أبو بكر محمد بن الحسن الكرجي، من علماء العرب المبدعين في مجالي الرياضيات والهندسة، فقد أضاف إلى العلمين معلومات وأفكار أصيلة، أثرت في توجهات العلماء اللاحقين له وفي أبحاثهم، وبذلك فقد وضع أسس مدرسة جبرية وهندسية قوية، تركت آثاراً واضحة في علماء النهضة الأوربية.


المصادر

  • مصطفى موالدي. "الكَرَجي (محمد بن الحسن ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة