كلاوديوس الأول

(تم التحويل من كلاوديوس)

كلاديوس الأول بالإنجليزية Claudius ، طيبربوس كلوديوس قيصر أغسطس جرمانيكوس Tiberius Claudius Caesar Augustus Germanicus من ( 1 أغسطس 10 ق.م. - 13 أكتوبر 54) الامبراطور الروماني الرابع، حكم خلال الفترة من 24 يناير 41 إلى وفاته في 54. ولد في لوجدنم في بلاد الغال (ليون، فرنسا)، من دروسس وأنطونيا الصغرى، وكان أول إمبراطور روماني مولود خارج إيطاليا.

كلاديوس الأول
Claudius
إمبراطور الإمبراطورية الرومانية
Emperor Claudius.jpg
العهديناير 24 41–أكتوبر 13 54
سبقهكاليگولا
تبعهنيرون
المدفن
ضريح أغسطس
الزوجات
الأنجال1) كلاوديوس دروسس (ماتت صبياً)
2) Claudia Antonia
3) Claudia Octavia
4) Britannicus
الاسم الكامل
Tiberius Claudius Caesar
Augustus Germanicus (Britannicus AD 44)
الأسرة المالكةاليوليو-كلاودية
الأبنيرون كلاوديوس دروسس
الأمأنطونيا الصغرى

كان كلوديوس حاكما ممتازًا. وضع نظامًا للوظائف الحكومية يشتمل على إدارات متخصصة يرأسها أمناء مسؤولون عن مختلف إدارات الحكومة. شيَّد قنوات وممرات مائية فوق القناطر، ونظام صرفٍ للمستنقعات وأنشأ ميناء أوستيا، وهي مدينة قريبة من روما. سيطر كلوديوس على عدة أجزاء من إنجلترا وتراقيا كما أنه مَنَحَ الجنسية الرومانية لأشخاص في ضواحي روما.

وُلِدَ كلوديوس في لجدنم (ليون الآن) في فرنسا، واسمه الكامل تيبيريوس كلوديوس نيرون، وكان أعرج يعاني من التمتمة، ولذا حُجب في شبابه عن أعين الشعب، وقضى وقته في الدراسة وكتابة تاريخ إتروريا وقرطاج. تزوج كلوديوس عدة مرات، تزوج من ابنة أخيه أگرپينا الصغرى وتبنَّى ابنها نيرون. يعتقد بعض المؤرخين أن أگرپينا قتلت كلوديوس حتى يعتلي ابنها نيرون عرش الإمبراطورية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

ترك كالجيولا الإمبراطورية والأخطار تتهددها من كل ناحية: فالخزانة خاوية، ومجلس الشيوخ قد اضمحل وضعف شأنه، والشعب غاضب ثائر، وموريتانيا Moretania ثائرة، وبلاد اليهود قد امتشقت الحسام لأنه أصر على أن يوضع تمثاله ليعبد هيكل أورشليم، ولم يكن أحد يعرف أين يوجد الحاكم القدير الخليق بأن يواجه المشاكل. ولكن حدث أن عثر الحرس البريتوري على كلوديوس الظاهر البلاهة مختبئاً في أحد الأركان، فنادوا بهِ إمبراطوراً. وخشي مجلس الشيوخ صولة الجند، ولعل هذا الاختيار قد أنجاه من موقف لم يكن يحمده، وسره أن يتعامل مع إنسان متحذلق عديم الأذى بدل أن يتعامل مع رجل مجنون مستهتر لا يعبأ بشيء. ولهذا أيد الحرس في اختياره وارتقى تيبيريوس كلوديوس قيصر أغسطس جرمنكوس عرش الإمبراطور في تردد وخشية.

وكلوديوس هذا ابن أنطونيا ودروسس وأخو جرمنكوس وليفيا، وحفيد أكتافيان وتيبيريوس كلوديوس نيرون. وكان مولده في لجدنوم Lugdunum (ليون الحالية) في السنة العاشرة قبل الميلاد، وكان وقت أن أختير إمبراطوراً في الخمسين من عمره، طويل القامة ممتلئ الجسم، ذا شعر أبيض ووجه بشوش، ولكن شلل الأطفال وغيره من الأمراض قد أضعفت بنيته. وكانت ساقاه رفيعتان لا تكادان تقويان على حمله، فكان يخجل في مشيته، وكان رأسه يتأرجح فوق كتفيهِ. وكان مغرماً بالخمر الجيد والطعام الشهي، وكان يشكو داء الرثية، ويتمتم قليلاً إذا تحدث، وإذا ضحك رفع صوته إلى حد لا يليق بالألباطرة. ويقول عنه شانئوه القساة إنه كان إذا غضب "خرج الزبد من فمهِ وسال المخاط من أنفهِ"(43). وقد قام على تربيته النساء والأرقاء المحررون، فنشأ هياباً حساساً، وهما صفتان قد تصلحان للحكام، ولم تكد تسنح له الفرص للتدريب على ممارسة شؤون الحكم. وكان أقرباؤه يرونه إنساناً مريضاً ضعيف العقل؛ وكانت أمه التي ورثت عن أكتافيان رقتها وظرفها تسميه "الهولة التي لم يكتمل خلقها"، وكانت إذا أرادت أن تعير إنساناً بشدة البلاهة وصفته بأنه: "أشد بلاهة من ابني كلوديوس". وإذ كان محتقراً من جميع الناس فقد عاش خاملاً مغموراً آمناً لذلك على نفسهِ، ويقضي وقته بين الميسر والكتب والشراب؛ وتفقه في اللغة وفي العاديات، وكان ضليعاً في الفنون "القديمة"، والدين، والعلوم الطبيعية، والقانون،. وقد كتب تاريخاً لإتروريا، وقرطاجنة، ورومة، ورسالة في النرد، وأخرى في حروف الهجاء، وملهاة يونانية، وترجمة لحياته. وكان العلماء والفلاسفة يراسلونه ويهدون إليهِ مؤلفاتهم، وينقل عنه بلني الأكبر ويعده من الثقاة الذين يعتمد عليهم. وقد علم الناس وهو إمبراطور كيف يعالجون عض الأفاعي، وهدأ مخاوف الشعف الخرافية بأن تنبأ بكسوف الشمس في يوم ميلاده وفسر لهم سبب هذا الكسوف. وكان يحسن الكلام باللغة اليونانية، وكتب عدداً من مؤلفاته بهذه اللغة؛ وكان حسن النية، ولعله كان صادقاً حين قال في مجلس الشيوخ إنه كان يتظاهر بالغباوة لينجو من الموت.

وكان أول أعماله وهو إمبراطور أن منح كل جندي من جنود الحرس الذين رفعوه على العرش خمسة عشر ألف سسترس. وكان كالجيولا قد وهبهم من قبل هبات من هذا النوع ولكنه لم يهبها لتكون ثمناً صريحاً لعرش الإمبراطورية. واعترف كلوديوس وقتئذ بسلطان الجيش وسيادته في الوقت الذي ألغى فيهِ مرة أخرى حق الجمعية في اختيار كبار الحكام. وكان أكثر حكمة وكرماً من سلفهِ، فوضع حداً للاتهام بالخيانة، وأطلق سراح من سجنوا من قبل بمقتضى هذا الاتهام، وأعاد جميع المنفيين إلى أوطانهم، ورد الأموال المصادرة إلى أصحابها، وألغى الضرائب التي فرضها جايوس. ولكنه أمر بإعدام قتلة كالجيولا، وحجته في هذا أن الخطر كل الخطر في التغاضي عن قتلة الأباطرة. وحرم عادة السجود للإمبراطور، وأعلن في صراحة أنه لا يريد أن يتخذ إلهاً يعبد. وحذا خذو أغسطس في إصلاح المعابد ودفعه شغفه بالآثار القديمة إلى السعي لبعث الدين القديم. وانكب بجد وإخلاص على العناية بالشؤون العامة، وبلغ من عنايته بها أن كان "يطوف بمن يبيعون السلع ويؤجرون المباني، ليقوم كل ما يعتقد أن فيه ضرراً بمصالح الشعب"(44). لكنه وإن جارى أغسطس في اعتداله، وخرج عن تحفظ أغسطس وحذره إلى سياسة قيصر الجريئة المتشعبة، فسعى إلى إصلاح أداة الحكم والقانون، وأنشأ المباني والخدمات العامة، وأعلى من شأن الولايات، ومنح الحقوق الانتخابية لغالة وفتح بريطانيا وصبغها بالصبغة الرومانية. وقد أدهش الناس جميعاً حين أظهر أنه ذو خلق وإرادة، وليس ذا علم وذكاء فحسب. ولم يكن أقل ثقة من قيصر وأغسطس بأن كبار الحكام في الأقاليم قليلو العدد ناقصو المران، وأن مجلس الشيوخ يمنعه كبرياؤه ونزقه من الاضطلاع بمهام الإدارة البلدية والإمبراطورية المعقدة المتنوعة؛ ومن أجل هذا كان يعظم المجلس فترك له سلطات كثيرة، ومظاهر شرف وكرامة من هذه السلطات؛ أما شؤون الحكم الحقيقية فكان يضطلع بها نفسه يعاونه بها مجلس يعين هو أعضاءه، وهيئة من الموظفين العموميين نظمها تدريجياً واختار أفرادها، كما اختارهم قيصر وأغسطس وتيبيريوس، من أرقاء بيت الإمبراطور المحررين؛ واستخدم في الأعمال الكتابية والواجبات الصغرى أرقاء "عموميين". وكان على رأس هذه الإدارة البيروقراطية أربعة وزراء: وزير دولة ("للمواصلات" ab epistulis)، ووزير مالية ("للحسابات" a rationibus)، ووزير آخر ("للملتمسات" a libellis)، ونائب عمومي ("للقضايا القانونية" a cognitionibus). وتولى الثلاثة المناصب الأولى ثلاثة من أقدر الأرقاء المحررين-نارسس Narcissus، وبلاس Pallas، وكالستس Callistus. وكاب ارتقاؤهم إلى هذه المناصب ذات الثراء والجاه إذاناً بارتفاع شأن طبقة المحررين إلى أعلى الدرجات، وهو ارتقاء كان يسير في مجراه منذ قرون عدة، وبلغ في عهد كلوديوس هذه الدرجة الرفيعة. ولما احنج الأشراف على وضع السلطة في أيدي هؤلاء العصاميين الحديثي النعمة كان جواب كلوديوس أن أعاد منصب الرقيب، وأن اختير هو لايشغل هذا المنصب، وأن أعاد النظر في سجل الأشخاص الذين يختار منهم أعضاء المجلس، فمحا منه أسماء كبار المعارضين لسياسته، وأضاف إليه أعضاءً جدداً من الفرسان من أهل الولايات.

ولما تهيأت له هذه الأداة الإدارية وضع لنفسه منهاجاً واسعاً من المنشئات العامة والإصلاحات، فأصلح نظام المرافعات أمام المحاكم وفرض عقوبات على تأخير القضايا، وجلس على منصة القضاء ساعات طوالاً كل أسبوع، وحرم تعذيب أي احد من المواطنين. وأراد أن يقي مدينة رومة غائلة الفيضانات المخربة التي أصبحت تهددها أكثر من ذي قبل لأن سفوح الأبنين أخذت تجرد من الأشجار، فـأمر بحفر مجرى إضافي في الجزء الأدنى من نهر التيبر. ولكي يعجل باستيراد الحبوب إلى إيطاليا أمر بإنشاء مرفأ جديد بالقرب من أستيا Ostia، وأقام مخازن، وأحواضاً، ورصيفين عظيمين لتقليل حدة أمواج البحر، وحفر قناة توصل الميناء بنهر التيبر في نقطة بعيدة عن مصبهِ الذي يسده الغرين. وأتم بناء قناة "كلوديوس" التي بدأها كالجيولا لنقل الماء العذب إلى رومة، وشاد قناة أخرى، وكانت كلتاهما من الأعمال الضخمة المشهورة بجمال منظرها وبعقودها الشامخة. ولما رأى أن أراضي المرسيين Marsians تتحول في بعض فصول السنة إلى منافع حين تفيض بـحيرة فوستس، خصص جانباً من أموال الدولة تؤدى من أجور 30.000 عامل مدة أحد عشر عاماً ليحفروا نفقاً طوله ثلاثة أميال يصل البحيرة بنهر سريز Ciris مخترقاً بعض الجبال. وقبل أن تنطلق مياه البحيرة في هذا النفق أجرى فوق مياه البحيرة معركة بحرية صورية بين أسطولين عليهما تسعة عشر ألفاً من المجرمين الذين أدانتهم المحاكم، وشهدها خلائق أجمعون من كافة أنحاء إيطاليا فوق الثلال المشرفة على البحيرة. وحيت هذه الجموع الإمبراطور بالعبارة المأثورة: "مرحباً بقيصر! نحن الذين نوشك أن نموت نحييك Ave Caesar! Morituri Salutamus(45).

وازدهرت أحوال الولايات في عهده كما ازدهرت في عهد أغسطس، وعاقب الموظفين على سوء استخدام وظائفهم إلا في حالة واحدة هي حالة فلكس المدعي العمومي في بلاد اليهود، وذلك لأن بلاس Pallas شقيق الشخص الذي نم على القديس بولس أخفى جرائمه عن الإمبراطور، وكان يهتم بكل صغيرة وكبيرة من أعمال الولايات. وتمتاز مراسيمه التي عثر عليها في كافة أنحاء الإمبراطورية بالإسهاب والتكرار، ولكنها تكشف عن عقلية وعن إرادة منصرفتين إلى تحقيق الصالح العام. وقد بذل جهده لإصلاح المواصلات والنقل، وحماية المسافرين من اعتداء اللصوص وقطاع الطرق، وفي خفض ما تتكلفه الهيئات من نفقات الوظائف العامة المنشأة لخدماتها. وكان يرغب كما يرغب قيصر في رفع شأن الولايات حتى تعادل إيطاليا نفسها وحتى تكون كلها وحدات متنساوية في مجموعة الأمم الرومانية، فنفذ ما كان يعتزمه قيصر من منح حقوق المواطنية الرومانية لبلاد غالة الجنوبية، ولو استطاع أن ينفذ رغباته لمنح هذا الحق جميع الأحرار في الإمبراطورية(46). ولقد كشفت في مدينة ليون عام 1524 لوحة برونزية احتفظت لنا بجزء من الخطبة الطويلة الكثيرة الاستطراد التي أقنع بها مجلس الشيوخ بأن يقبل في عضويته وفي المناصب الإمبراطورية أولئك الغاليين الذين منحوا حق المواطنية الرومانية، ولم يسمح في الوقت نفسه بأن يضعف الجيش أو يعتدي على حدود الدولة، فظل الجيش عاملاً قائماً بمهمته ومستعداً على الدوام للقيام بها، ونشأ في أيامه قواد عظام أمثال كربولا Carbula، وفسبازيان Vespasian، وبولينس Paulinus، وتكونوا بفضل اختياره وتشجيعه. وقرر كذلك أن يتم مشروعات قيصر، فغزا بريطانيا في عام 43 وفتحها، وعاد منها إلى رومة بعد أن غاب عنها ستة أشهر، ولما أقيم له احتفال بالنصر بعد عودته خالف جميع السوابق بأن عفا عن كركتكوس Caractacus ملكها الأسير. وسخر أهل رومة من عمل إمبراطورهم العجيب ولكنهم أحبوه، ولما أن راجت مرة من المرات في أثناء غيابه عن العاصمة، شائعات كاذبة بأن الإمبراطور قد قتل، عمت المدينة موجة من الحزن لم يسع مجلس الشيوخ معها إلا أن يؤكد للناس نأكيداً رسمياً بأن اللإمبراطور لم يُصب بسوء، وأنه سيعود قريباً إلى رومة.

لكنه سقط من هذا العلو الشاهق لأنه أقام نظاماً للحكم أكثر تعقيداً مما يستطيع الإشراف عليه بنفسه، ولأن عبيده المحررين وأفراد أسرته أساءوا استغلال لطفه وعطفه. لقد أصلحت البيروقراطية التي أنشأها أحوال الإدارة، ولكنها فتحت فيها آلاف الثغرات للرشا والفساد؛ وكان نارسس وبلاس من أعظم رجال السلطة التنفيذية الذين يرون أن مرتباتهم أقل من كفايتهم، فكانا يستعيضان عن هذا الفرق ببيع المناصب وأغتصاب الرشا بالتهديد، وتوجيه التهم الكاذبة إلى من يريدون مصادرة ضياعهم من الأثرياء. وكانت نتيجة ذلك أن أصبحا أغنى الناس جميعاً في التاريخ القديم كله، فكان نارسس يمتلك 400.000.000 سسترس (86.000.000 ريال أمريكي) وكان بلاس يشكو الابؤس لأنه لم يكن له إلا 300.000.000 فقط(47). ولما شكا كلوديوس من وجود عجز في خزانة الإمبراطورية، قال الثرثارون الرومان إن في وسعه أن ينال كفايته من المال وفوق كفايته منه إذا أشرك معه في الحكم عبديه المحررين(48). وروعت هذه السلطات العظيمة والأموال المكدسة الأسر الشريفة القديمة التي أضحت وقتئذ فقيرة إلى هؤلاء العصاميين، وكانت تتلظى غيظاً حين تضطر إلى رجاء العبيد السابقين أن يسمحوا لها بأن تتحدث إلى الإمبراطور.

أما كلوديوس فقد كان منهمكاً في العمل، يكتب إلى الموظفين والعلماء، ويعد المراسيم والخطب، ويؤدي حاجات زوجته. ذلك رجل كان خليقاً به أن يعيش عيشة الرهبان، وأن يحصن نفسه من الحب، لأن زوجاته كن سبباً في القضاء عليهِ، كما كانت سياسته في منزلهِ أقل نجاحاً من سياسته الخارجية. وقد تزوج كما تزوج كالجيولا أربع مرات، فأما زوجتنه الأولى فماتت في يوم زفافها، وأما الثانية والثالثة فقد طلقهما؛ ولما كان في الثامنة والأربعين من عمره تزوج فليريا مسالينا وهي فتاة في السادسة عشر، ولم تكن بارعة الجمال. فقد كان رأسها مستوياً، ووجهها متورداً، وصدرها قبيح الشكل(49). ولكن المرأة ليست في حاجة إلى الجمال لكي تكون زانية، ولما أن اعتلى كلوديوس عرش الإمبراطورية تخلقت بأخلاق نساء الملوك، وادعت لنفسها حقوقهن، فكانت ترافقه في مواكب نصره، وعملت على أن تحتفل بعيد ميلادها في سائر أنحاء الإمبراطورية. ثم أحبت الراقص منستر Mnester، ولما صد عنها طلبت إلى زوجها أن يأمره بأن يكون أكثر إطاعة لرجائها؛ وأجابها كلوديوس إلى ما طلبت، وخضع الراقص إليها استجابة لدواعي الزطنية. وابتهجت مسالينا بنجاحها في خطتها التي لم تكلفها أقل العناء، واتبعتها مع غيره من الرجال؛ فأما الذين لم تنجح معهم هذه الخطة وظلوا على صدودهم فقد أتهمهم الموظفون الخاضعون لسلطانهم بجرائم اخترعوها من عندهم اختراعاً، فصودرت أملاكهم وحرموا من حريتهم ومن حياتهم نفسها في بعض الأحيان(50).

ولعل الإمبراطور كان يسمح بهذا العبث وتلك الأعمال الشاذة ليضمن لنفسهِ هو الآخر حرية الاستمتاع بما يريد من الملاذ، "فقد كان مفرطاً في شهواته النسائية" كما يقول سوتونيوس، ثم يضفي عليه بعدئذ هذا الميزة العجيبة التي يفضل بها غيره من الناس فيقول: "وكان مبرءاً من الرذائل غير الطبيعية"(51) ويقول ديو: إن مسالينا "كانت تقدم إليه بعض الفتيات ذوات الجمال الجذاب ليضاجعهن"(53). وإذ كانت الإمبراطورة في حاجة إلى المال تستعين به على عيشها واستهتارها فقد كانت تبيع المناصب، والتوصيات، وعقود الأعمال العامة. ونقل المؤرخون عن جوفنال أنها كانت تدخل المواخير متخفية، وتستقبل كل من يدخلها، وتأخذ منهم كل ما يقدمون لها من الأجور وهي منشرحة الصدر راضية. وأكبر الظن أن هذه القصة منقولة عن المذكرات الضائعة التي كتبتها أجربينا الصغرى التي خلفت مسالينا وكانت من ألد أعدائها. ويروي تاستس أنه "بينما كان كلوديوس يقضي وقته كله في تصريف شؤون منصب الرقيب الذي كان يتولاه"(53)-والذي يشمل فينا يشمله من الواجبات رفع مستوى أخلاق الرومان-كانت مسالينا "تطلق العنان لحبها"، وبلغ من استهتارها آخر الأمر أن تزوجت رسمياً من شالب وسيم يُدعى كيوس سليوس Caius Silius حين كان زوجها غائباً في أستيا، وأن تزوجت به "في احتفال مهيب صحبته كل المراسيم المعتادة"(54). وأبلغ نارسس النبأ إلى الإمبراطور عن طريق سراريه(55)، وحذروه من مؤامرة تُدبر لاغتياله وإجلاس سيليوس مكانه على العرش. فعجل كلوديوس بالعودة إلى رومة، واستدعى الحرس البريتوري، وأمر بذبح سيليوس وغيره من عشاق مسالينا ثم آوى إلى حجراته محطم الأعصاب منهوك القوى. أما الإمبراطورة فقد أخفت نفسها في حدائق لوكلس التي كانت قد صادرتها لتتخذها مسرحاً للهوها وملذاتها. وبعث إليها كلوديوس برسالة يدعوها فيها إلى الحضور للدفاع عن نفسها. وخشي نارسس أن يصفح عنها الإمبراطور ويصب جام غضبه عليه هو فأرسل إليها بعض الجند وأمرهم بقتلها، فوجدوها وحدها مع أمها، وقتلها بعضهم بضربة واحدة وترك جثتها بين ذراعي أمها(48). وقال كلوديوس لحرسه البريتوري إنهم في حل من دمه إذا تزوج مرة أخرى ولم يرد ذكر مسالينا على لسانه من تلك الساعة.

ولكن لم تمضِ سنة على وعدهِ حتى كان يتردد بين الزواج من لوليا بولينا Lollia Paulina أو من أجربينا الصغرى. فأما لوليا زوجة كالجيولا السابقة فكانت ذات ثروة طائلة، ويقال أنها كانت في بعض الأحيان تتحلى بجواهر تبلغ قينتها أربعين مليون سسترس(59)، ولعل كلوديوس كان يُعجب بمالها أكثر من إعجابه بذوقها؛ وأما اجربينا فكانت إبنة أجربينا الكبرى من جرمنكوس. وكانت هي الأخرى يجري في عروقها دم أكتافيان وأنطونيوس اللذين مات عدوين. وقد ورثت من أمها جمالها، وكفايتها، وقوة عزيمتها وحبها للانتقام حباً لا يحد منه شيء من وخز الضمير. وكانت قد ترملت مرتين، ورزقت من زوجها الأول أكنيوس دومتيوس أهينوباربس Cnoeus Domitius Ahenobarbus ابنها نيرون وكان كل همها طول حياتها أن يرقى ابنها هذا عرش الإمبراطورية. وأما زوجها الثاني كيوس كرسبس Caius Crispus الذي تقول الشائعات إنها قتلته بالسم فقد ورثت عنه الثروة الطائلة التي استخدمتها للوصول إلى أغراضها. وكان هدفها أن تتزوج كلوديوس، وأن تتخلص بوسيلة ما من ابنه برتنكس، وأن تجعل نيرون بعد أن يتبناه كلوديوس وارث العرش من بعده. ولم يعقها عن تنفيذ قصدها أنها ابنة أخت كلوديوس، بل أتاحت هذه الصلة فرصاً ثمينة للاتصال بالحاكم الشيخ اتصالاً أثار فيهِ عواطف ليست من قبيل عواطف الخال نحو ابنة أختهِ. ولم يكن منه إلا أن وقف فجأة أمام مجلس الشيوخ وطلب أن يأمره بالزواج مرة أخرى لخير الدولة؛ ووافق المجلس على طلبه، وسخِر منه رجال الحرس البريتوري، ووصلت أجربينا إلى العرش(45).

وكانت وقتئذ في الثانية الثلاثين من عمرها، أما كلوديوس فكان في السابعة والخمسين؛ وكانت قواه آخذة في الانحلال، أما هي فكانت في عنفوان قوتها، وتغلبت عليه بكل ما وُهبت من سحر وفتنة، فأقنعته بأن يتبنى نيرون وأن يزوج الشاب البالغ من العمر ستة عشر عاماً بابنته أكتافيا وهي فتاة في الثالثة عشر من عمرها(53). ولما تم هذا اخذت تزيد من سلطانها السياسي عاماً بعد عام، حتى استطاعت في آخر الأمر أن تجلس معه على سرير الملك، ثم استدعت الفيلسوف سنكا من حيث كان منفياً بأمر كلوديوس، وعينه مدرساً خاصاً لابنها (49)، وأفلحت في تعيين صديقها بروس Burrus رئيساً للحرس البريتوري. فلما استحوذت على السلطان بهذه الطريقة حكمت البلاد حكما قوياً خليقاً بالرجال، وساد النظام والاقتصاد في بيت الإمبراطور؛ ولو أنها لم تطلق العنان لجشعها وحرصها على المال وحبها للانتقام لكان حكمها خيراً لرومة ورحمة بها. ولكنها أطلقت العنان لهذا الجشع فأمرت بقتل لوليا بولينا لأن كلوديوس نطق عفواً في لحظة من اللحظات بكلمة أشار فيها إلى رشاقة لوليا وهي إشارة لا تعفو عنها قط زوجة. ثم أمرت بدس السم لماركس سلانس Marcus Silanus لخوفها أن يعينه كلوديوس والاثاً له من يعدهِ، وائتمرت مع بلاس ونارسس، وبذلك قضى ملك المال، الذي لم يكن وفاؤه يقل عن تلوث يده، بقية حياته في السجن. وكان الإمبراطور قد أضعفه اعتلال صحته، وجهوده الفنية، ومغامراته النسائية، فترك بلاس وأجربينا يروعان البلاد بحكم إرهابي آخر. فكان الناس يتنهبون وينفون أو يقتلون لأن الخزانة خلت من المال الذي انفق في الأعمال العامة والألعاب وأضحت في حاجة إلى أن تملأ بالأموال المصادرة. وكانت نتيجة هذا أن خمسة وثلاثين من الشيوخ وثلثمائة من الفرسان حُكم عليهم بالإعدام في الثلاثة عشر عاماً التي حكمها كلوديوس. وقد يكون لبعض هذه الأحكام ما يبررها الأن من نفذت فيهم دبروا المؤامرات أو ارتكبوا الجرائم، وإن كنا لا نستطيع أن نقرر هذا واثقين. ولقد ادعي نيرون فيما بعد أنه فحص عن جميع أوراق كلوديوس، وأنه تبين من ذلك الفحص أن الإمبراطور نفسه أمر بأن يحاكم كل واحد ممن سيقوا أمام القضاء(60).

وتنبه كلوديوس إلى ما كانت تفعله أجربينا بعد زواجه بها، فاعتزم أن يضع حداً لسلطانها، وأن يفسد عليها ما دبرته لنيرون، فيعين برتنكس وارثاً للملك من بعده، ولكن أجرببنا كانت أقوى منه عزماً وأقل منه إصغاءً لصوت الضمير، فلما علمت نية الإمبراطور جازفت بكل شيء، فأطعمت كلوديوس فطيراً ساماً قضى عليه بعد آلام مبرحة دامت اثنتي عشرة ساعة دون أن يستطيع النطق بكلمة واحدة (54). ولما ألهه مجلس الشيوخ، وكان نيرون قد اعتلى العرش، قال إنه لا يشك في أن الفطير هو طعام الآلهة، لأن كلوديوس أصبح بعد أن أكله إلهاً يعبد(61).


شخصيته

كان كلاديوس الأول من المستبعد أن يصبح امبراطورا. وكان أعرجاً يعاني من التمتمة، مما أدى إلى استبعاد أسرته له عملياً من أن يتولى أي منصب حكومي حتى تولى منصب القنصلية مع ابن أخيه كاليجولا سنة 37. وهذه الاعاقة قد أنقذته من مصير الكثيرين غيره من النبلاء الرومان خلال حملات التطهير التي سادت عهد كاليجولا وطيبريوس. نجاته من هذه الحملة أدت إلى إعلانه امبراطوراً بعد اغتيال كاليجولا، وذلك لكونه آخر الذكور البالغين المتبقين من أسرته.

 
تمثال رأس كلاديوس الأول
 
Gratus proclaims Claudius emperor. Detail from A Roman Emperor 41AD, by Lawrence Alma-Tadema. Oil on canvas, c. 1871.

الإمبراطور

رغم افتقار كلاديوس الأول للخبرة سياسية اثبت انه مدير متمكن و بناءاً كبير للمشاريع العامة. وشهد حكمه توسع الامبراطورية، بما فيه غزو بريطانيا. كان مهتما بالقانون ، وترأس محاكمات علنيه ، وأصدر مراسيم تصل إلى عشرين مرسوما في اليوم، ومع ذلك ، كان ينظر االيه طوال حكمه كشخصية ضعيفة، وخاصة من جانب النبلاء. اجبر باستمرار على دعم موقفه مما ادى إلى وفاة العديد من اعضاء مجلس الشيوخ. كما عانى في حياته الشخصيه من نكسات مأساوية، واحدة منها قد تكون ما أدى إلى مقتله. هذه الاحداث أدت إلى الإضرار بسمعته عند المؤلفين القدماء. ولكن مؤخراً قام المؤرخون المعاصرين بتنقيح هذه الأراء.

 
Claudius issued this denarius type to emphasize his clemency after Caligula's assassination. The depiction of the goddess Pax-Nemesis, representing subdued vengeance, would be used on the coins of many later emperors.

انظر أيضا

 
Model of the Temple of the divine Claudius, erected in Colchester after the conquest of Britain.
 
Roman sestertius struck under Claudius. The reverse depicts Spes Augusta (Hope). Coins of this type were first issued to commemorate the birth of Claudius' son Britannicus in AD 41.

المراجع

  • Baldwin, B. "Executions under Claudius: Seneca’s Ludus de Morte Claudii". Phoenix 18 (1964).
  • Griffin, M. "Claudius in Tacitus". Classical Quarterly, 40 (1990), 482–501.
  • Levick, B.M., "Claudius: Antiquarian or Revolutionary?" American Journal of Philology, 99 (1978), 79–105.
  • Levick, Barbara. Claudius. Yale University Press. New Haven, 1990.
  • Leon, E.F., "The Imbecillitas of the Emperor Claudius", Transactions and Proceedings of the American Philological Association, 79 (1948), 79–86.
  • McAlindon, D., "Claudius and the Senators", American Journal of Philology, 78 (1957), 279–286.
  • Major, A., "Was He Pushed or Did He Leap? Claudius' Ascent to Power", Ancient History, 22 (1992), 25–31.
  • Momigliano, Arnaldo. Claudius: the Emperor and His Achievement Trans. W.D. Hogarth. W. Heffer and Sons. Cambridge, 1934.
  • Oost, S.V., "The Career of M. Antonius Pallas", American Journal of Philology, 79 (1958). 113–139.
  • Ruth, Thomas De Coursey. The Problem of Claudius. (Johns Hopkins Diss., 1916).
  • Ryan, F.X. "Some Observations on the Censorship of Claudius and Vitellius, AD 47–48", American Journal of Philology, 114 (1993), 611–618.
  • Scramuzza, Vincent. The Emperor Claudius Harvard University Press. Cambridge, 1940.
  • Stuart, M. "The Date of the Inscription of Claudius on the Arch of Ticinum" Am. J. Arch. 40 (1936). 314–322.
  • Suhr, E.G., "A Portrait of Claudius" Am. J. Arch. 59 (1955). 319–322.
  • Vessey, D.W.T.C. "Thoughts on Tacitus' Portrayal of Claudius" American Journal of Philology, 92 (1971), 385–409.
 
The Porta Maggiore in Rome
 
Roman sestertius issued during Claudius' reign. The reverse reads "EX SC PP OB CIVES SERVATOS", meaning "Senatus Consulto" (approved by the Senate), "Pater Patriae" (to the father of his country), "Ob Cives Servatos" (For having saved the citizens).

وصلات خارجية

مراجع قديمة
سيرة حديثة
 
A sardonyx cameo of Claudius
سبقه
گايوس (كاليگولا)
إمبراطور روماني
41-54
تبعه
نيرون
الأسرة اليوليوسية الكلاودية
41-54
سبقه
Gnaeus Acerronius Proculus and Gaius Petronius Pontius Nigrinus
قنصل الإمبراطورية الرومانية مع كاليگولا
37 (suffect)
تبعه
Marcus Aquila Julianus وGaius Nonius Asprenas
سبقه
كاليگولا and Gnaeus Sentius Saturninus
قنصل الإمبراطورية الرومانية مع Gaius Caecina Largus (42) and Lucius Vitellius (43)
42–43
تبعه
Titus Statilius Taurus and Gaius Sallustius Crispus Passienus
سبقه
Decimus Valerius Asiaticus and Marcus Junius Silanus Torquatus
قنصل الإمبراطورية الرومانية مع Lucius Vitellius
47
تبعه
Vitellius and Lucius Vipstanus Publicola Messalla
سبقه
Gaius Antistius Vetus and Marcus Suillius Nerullinus
قنصل الإمبراطورية الرومانية مع Servius Cornelius Scipio Salvidienus Orfitus
51
تبعه
Faustus Cornelius Sulla Felix and Lucius Salvius Otho Titianus
 
معبد كلاديوس الأول
 
Messalina holding the infant Britannicus.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر