بلغاريا العثمانية

تاريخ بلغاريا العثمانية يمتد لنحو 500 عام، منذ الفتح العثماني للممالك الصغرى الناتجة من انفراط الامبراطورية البلغارية الثانية في أواخر القرن 14، إلى تحرير بلغاريا في 1878. نتيجة الحرب الروسية العثمانية (1877–1878)، خـُلِقت إمارة بلغاريا، الدويلة ذات الحكم الذاتي التابعة للعثمانيين والتي كانت مستقلة وظيفياً. وفي 1885 دخلت المقاطعة الذاتية رومليا الشرقية تحت سيطرة القيصر البلغاري. وقد أعلنت بلغاريا الاستقلال في 1908.

Seal of Kaloyan.png

جزء من سلسلة عن
تاريخ بلغاريا

بلغاريا قبل التاريخ

حضارة كارانوڤو • حضارة ڤنچا
مدينة الموتى في ڤارنا • تراقيا
المملكة الاودريسية • موسيا

بلغاريا العصور الوسطى

بوابة الامبراطورية البلغارية
البلغار • سلاڤ الجنوب
بلغاريا الكبرى القديمة
الإمبراطورية البلغارية الأولى
الإمبراطورية البلغارية الثانية
قيصرية ڤيدين • إمارة كارڤونا

بلغاريا العثمانية

بلغاريا العثمانية
الصحوة الوطنية
الإكسارخية البلغارية

بلغاريا المعاصرة

الأزمة البلغارية
إمارة بلغاريا • رومليا الشرقية
مملكة بلغاريا
جمهورية بلغاريا الشعبية
جمهورية بلغاريا

قائمة الملوك
التاريخ العسكري
النزاع على مقدونيا 1893–1945

Coat of arms of Bulgaria.svg

بوابة بلغاريا • التصنيف الرئيسي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التنظيم الاداري

The Ottomans reorganised the Bulgarian territories, dividing them into several ولايات، each ruled by a Sanjakbey or Subasi accountable to the Beylerbey. Significant parts of the conquered land were parcelled out to the Sultan's followers, who held it as benefices or fiefs (small timars, medium ziyamet and large hases) directly from him, or from the Beylerbeys. This category of land could not be sold or inherited, but reverted to the Sultan when the fiefholder died. The lands were organised as private possessions of the Sultan or Ottoman nobility, called "mülk", and also as an economic base for religious foundations, called vakιf, as well as other people. Bulgarians regularly paid multiple types of taxes, including a tithe ("yushur"), a capitation tax (jizyah), a land tax ("ispench"), a levy on commerce, and also various irregularly collected taxes, products and corvees ("avariz").


الديانة

 
دڤشيرمه (مولود مسيحياً)، سيخدم لاحقاً في الإنشكارية النخبوية. في هذه المنمنمة، الإنكشارية يسيرون على وقع موسيقى يلعبها المختار.

أول الثورات والقوى العظمى

 
Battle of Nicopolis in the year 1396, was the high mark of Ottoman domination في بلغاريا.
 
خيمة من الفترة العثمانية من بلغاريا.

الصحوة البلغارية

Millet system was a set of confessional communities في الدولة العثمانية. It referred to the separate legal courts pertaining to "personal law" under which religious communities were allowed to rule themselves under their own system. The Sultan regarded the Ecumenical Patriarch of the Constantinople Patriarchate as the leader of the Orthodox Christian peoples of his empire. After the Ottoman Tanzimat (1839–76) reforms, Nationalism arose in the Empire and the term was used for legally protected religious minority groups, similar to the way other countries use the word nation. New millets were created in 1860 and 1870 for Uniate and Orthodox Bulgarian Christian communities. In this way a separate Bulgarian diocese was established, based on ethnic identity rather than principles of Orthodoxy and territory.[1]


بلغاريا تحت الحكم العثماني 1878 – 1896

رغم أن أحداث السبعينيات كما عرضنا لها في الفصل السابق إنتهت بإنشاء كنيسة بلغارية منفصلة وإيجاد حكومة ذاتية بلغارية عام 1878، إلا أن القوميين البلغار إعتبروا هذه النتائج مخيبة للأمال وظلوا يعتبرون حدود بلادهم الحقيقية هي ما حددته معاهدة سان ستيفانو وليس مؤتمر برلين. ومع ذلك فلقد تحقق الكثير من الأمال فقد أصبح هناك حكم ذاتي بلغاري على الأقل رغم إستمرار السيادة العثمانية، وهناك عاصمة في صوفيا، وأمير حاكم، ونظام دستوري تضمنه الدول الكبرى، وتنظيم خاص لمنطقة شرق روميليا يستند إلى قانون تشريعي خاص، ويدير شؤنهاه محافظ عام مسيحي يعينه السلطان العثماني وتوافق عليه الدول الكبرى. والحق أن إنفصال بلغاريا وشرق روميليا عن بعضهما البعض على ذلك النحو كان في عرف مؤتمر برلين أمراً مؤقتاً وأنهما لابد أن يتوحا في النهاية. أما الجزء الثالث من بلغاريا الكبرى وفق سان ستيفانو ألا وهي مقدونيا فقد رجعت للسيادة العثمانية كما سبقت الإشارة.

غير أن هذا التقدم السياسي الذي حققته بلغاريا صاحبه بعض أوجه القصور وبعض العيوب، فقد أدركت حكومتها أنه كلما ضعفت السيطرة العثمانية كلما زاد النفوذ الروسي بشكل حاد مثلما كان حال إمارتي الدانوب (رومانيا) بعد الحرب الروسية-العثمانية 1828. ومن ناحية أخرى كانت بلغاريا أهمية إستراتيجية قصوى بالنسبة لروسيا لقربها من المضايق العثمانية وإستانبول، وكانت روسيا قد عزمت على جعل صوفيا (عاصمة بلغاريا) مركزاً أمامياً يعتمد عليه لمصالحها. ولما كانت الدول الكبرى قد إعترفت بوضع متميز وسيادي لروسيا في بلغاريا الجديدة فقد أصبح بإمكان المسئولين الروس أن يتصرفوا بحرية نسبية في هذه البلاد كما يحلوا لهم. وكان هؤلاء المسئواون مهتمون حقيقة وبإخلاص بوضع نظام إداري للبلاد متقدم قدر الإمكان، ووضع أساس بلناء علاقة صداقة حقيقة في المستقبل بين بلغاريا وروسيا مثلما كان الحال في إمارتي الدانوب أثناء إدارة كيسليف Kiselev

وفي هذا الخصوص كانت هناك مشكلتان تطلبا إهتمام روسيا بشكل عام,تتعلق الأولى بوضع دستور، والثانية تختص بإنتخاب أمير لحكم البلاد. وكان وضع الدستور له أولوية خاصة وأن مؤتمر برلين قرر أن الجيش الروسي الذي يحل بلغاريا سوف يرحل بعد تسعة أشهر من التصديق على معاهدة برلين. وللحيلولة دون وقوع فوضى سياسية وإدارية في البلاد قد تتخذها الدولة العثمانية أو بريطانيا وفرنسا ذريعة للتدخل في شؤون بلغاريا الداخلية فقد عزمت روسيا على وضع دستور قبل أن يحين موعد رحيل جيشها عن البلاد. وعلى هذا وفي نوفمبر 1878 إنتهى المندوب الإمبراطوري اروسي في بلغاريا الأمير دوندكوف-كورساكوف ومساعديه من وضع مشروع الدستور على نفس مبادئ دستوري الصرب ورومانيا.

ثم أرسل المشروع إلى روسيا لمراجعته بمعرفة وزيري الخارجية والحربية ولجنة خاصة. وكان رأي جيرز N.K. Giers القائم بعمل وزير الخارجية أنه يجب تركيز السلطة الرئيسية في الدولة في الهيئة التنفيذية أي الأمير الحاكم، على حين كان من رأي زميليه ميليوتين Miliutin وزير الحربية أن نفوذ روسيا في بلغاريا لا بد وأن يعتمد على التأييد الشعبي وليس على حاكم أجنبي يأتي ليحكم البلاد ولم يكن قد تم إختياره بعد، وهذا يعني أن السلطة المطلقة يجب أن توضع في هيئة تشريعية وليس في يد الحاكم. كما أثار ميليوتين مسألتين أخرتين الأولى: ألا يكون طابع دستور بلغاريا أكثر محافظة من دستوري رومانيا والصرب، بل ينبغي أن يكون نموذجاً يحتذى وليس صورة معكوسة، والثانية: الدستور ينبغي أ، يكون أكثر تقدمية من القانون الأساسي الذي وضع لشرق روميليا. فإذا ما تحقق هذا فإن أهالي شرق روميليا قد يتحمسون للدخول في وحدة مع بلغاريا. وبغختصار كان يريد أن تصبح بلغاريا نموذجاً لدولة تقدمية في البلقان. أما وقد شاءت فكرته فقد أصدر جيرز تعليماته إلى إلى دوندوكوف-كورساكوف لإخبار الجمعية الدستورية البلغارية التي كان يجري تشكيلها بأن الدستور الذي قدمته روسيا هو مجرد إقتراح وأن للوفود المعنية "الحرية الكاملة" لإبداء أرائهم بشأنه والتوصل إلى قرارهم الخاص. والحقيقة أن الحكومة الروسية لم تمارس أية ضغوط على أعضاء الجمعية خلال مناقشة مشروع الدستور.

وفي فبراير إجتمعت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور في تورنوڤو Turnovo وكانت تتكون من 231 عضواً منهم 89 تم إنتخابهم على أساس مندوب وأحد لكل عشرة آلاف رجل ذكر، والآخرون تم إختيارهم من السلك الكنسي ومن موظفي مجالس المدن والأحياء. وعلى هذا أصبح واضحاً وبسرعة أ، الجمعية منقسمة بين مجموعتين متعارضتين: مجموعة كونت حزب المحافظين والخرى كونت الحزب الليبرالي. وكان قوام المحافظين العناصر الأكثر ثروة وجاء وغنى والأفضل تعليماً، وكان من بينهم ديميتور گريكوڤ Dimitur P. Grekov، وتيودور إيكونوموف Ikomonov، وقسطنطين ستويلوڤ Stoilov. وكان هؤلاء قبل عام 1878 (أي قبل مؤتمر برلين) يؤيدون إتخاذ سياسة إنتقالية متطورة تجاهالدولة العثمانية ويقاومون البرامج الثورية لتحقيق الإستقلال. كما كانو يعتقدون بضرورة أن تهيمن الهيئة التنفيذية على أمور البلاد والعباد طالما أن دولتهم ستصبح دولة دستورية. ولما كانوا يظنون أن الناخبين غير ناضجين سياسياً بدرجة كافية فقد أدركوا حاكماً قوياً أبوياً يقود رعاياه ويحسن تربيتهم. وأكثر من هذا كانوا يفضلون أن تكون الهيئة التشريعية من مجلسين، كما كانوا ضد حرية الصحافة. وفي السياسة الخارجية كانوا موالين لروسيا حيث كانت وجهات نظرهم السياسية بشكل عام تتطابق مع وجهة نظر خارجية الروسية.

أما وجهة نظر الليبراليين في الدستور فقد كانت أقرب إلى وجهة نظر وزير الحربية الروسي. وكان معظمهم قد جاءوا من المدن وليس من الريف وشاركوا من قبل في الحركات الثورية، وفي مقدمتهم پيتكو كاراڤيلوڤ Petko Karavelov، وپيتكو شلاڤيكوڤ P.R. Slaveikov، واستفان ستامبولوڤ Stambolov، ودراگان تزانكوڤ Dragan Tasnkov. ولأن كثيراً منهم تعلم في الخراج أو إطلع على أفكار الغرب بطريقة أو بأخرى فقد كانوا أحكثر ديموقراطية ولا يقبلون مساومة وجود حياة برلمانية وحريات مدنية فضلاً عن أنه كان بينهم خطباء مفوهين نجحوا في أن تسود أفكارهم في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. وهكذا فإن دستور تورنوفو 1879 كان ثيقة ليبرالية غاية في التطرف إذ وضع السلطة الرئيسية في الحكم في الهيئة التشريعية.

ولقد نص الدستور على إنشاء مجلسين: الجمعيةالعمومية وهي هيئة تشريعية تقليدية، والهيئة القومية الكبرى Grand National ويدخل في إختصاصها التعامل مع الأمور غير العادية مثل التنازلات الإقليمية وتعديلات الدستور، وإنتخاب الحاكم الجديد. أما الجمعية العمومية فتتكون من أعضاء يتم إنتاخبهم بواقع مندوب واحد لكل عشرة آلاف شخص من السكان وعلى أساس حق التصويت العام، ولها حق التشريع ومراقبة الموازنة العامة,وللحاكم حق إصدار مراسيم حكومية أثناء وجودها في إجازة، ولا يمكنه فرض ضرئاب جديدة لأن هذا الإجراء من حق الجمعية العمومية فقط ودون منازع. وللأعضاء التعبير عن أرائهم في جلسات الجمعية في حرية تامة، ولهم حصانة قضائية، ولا تجتمع إلا مرة واحدة سنوياً وبدعوة من الحاكم ولمدة شهرين إبتداء من 15 أكتوبر من كل عام.

ورغم هذه السلطة التشريعية القوية التي تتمتع بها الجمعية العمومية، إلا أن الحاكم كانت له صلاحيات كثيرة فهو الذي يدعوها للإنعقاد، وهو الذي يأمر بفض إجتماعتها، وهو الذي يؤجل إنعقاد جلساتها لمدة تزيد على شهرين، وهوالذي يعين وزراء الحكوممة وكل المسئولين في الدولة، والوزارة مسئولون أمامه وأما الجمعية. غير أن الدستور لم يحدد ما الذي يتعين إتخاذه في حالة نشوب خلاف حول مسألة ما، ذلك أن إصدار القانون يتطلب توقيع الحاكم والوزراء. ومن ناحية أخرى فالحاكم يتمتع بالسلطة التقليدية التي لحاكم أي دولة، فهو القائد الأعلى للجيش، وهو الذي يتولى بالعلاقات الخارجية لبلاده.

كماتم تقسيم البلاد إدارياً إلى عدة محافظات Okruzi، وكل محافظة تنقسم إلى ماركز Okolii، وكل مركز إلى مدن أو قرى، وكل مدينة أو قرية إلى نواحي Obshtini، وكل محافظة يديرها محافظ يعينه الأمير الحاكم، ويساعده مجلس ينتخب أعضاؤه إنتخاباً عاماً لمدة ثلاث سنوات، ويختص بتقدير الضرائب وإعداد الموازنة وإدارة الشؤون العقارية والملكيات في المراكز والمحافظة. وأما المراكز فإنها تتبع المحافظات ويديرها نواب للمحافظ وكل منهم مسئول عن الشرطة وإقرار النظام. وأما الناحية وهي أصغر وحدة إدارية فقد أبقى عليها الدستور وعلى وظائفه حيث أنها لعبت دوراً له مغزاه في بلغاريا أثناء الحكم العثماني. ويدير الناحية مجلس منتخب يختار من بين اعضائه العمدة وإثنان مساعدين له يقوم العمدة بإدارة شؤونها ويقوم بدور همزة الوصل مع الإدارات الرئيسية في الحكومة. وبمعنى آخر فقد إحتفظت بلغاريا بمقتضى الدستور بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي بالقياس إلى غيرها من الحكومات البلقانية المجاورة.

وقد نص الدستور أيضاً على إيجاد نظام قضائي، وعلى حماية الحريات المدنية وضمان حرية الكلمة والصحافة والإجتماع والإتصال شأن دساتير بلاد البقان. كما نص على حماية الملكية الخاصة ومنع التفتيش بإذن قانوني، وإعتبار البريد والتلغراف من المسائل السرية لا يجوز التجسس عليها، وحق الشكوى مكفول للجميع. غير أن تطبيق هذه الضمانات كان يحتاج إلى وقت طويل شأن ما يحدث في كل مكان.

وبمجرد صدور هذا الدستور الليبرالي كانت المشكلة التالية هي إختيار الأمي رالحاكم ومثلما حدث في اليونان تولت الدول الكبرى تسمية امرشح وكانت قد أتفقت في برلين على ألا يكون الأمير المرشح أحد أبناء الأسر الملكية الكبيرة. وعلى هذا وبعد عدة مشاورات تم إختيار ألكسندر من باتنبرگ أمير إمارة هسن Hesse واكن في الثانية والعشرين من عمره ويعمل ليفتنات بالجيش. وهكذا تلقت بلغاريا شأن كل من رومانيا واليونان أميرا ألمانيا ليحكمها. وقد بدا أن إختيار الكسندر كان جيداً بنظره أولية، فقد كانت عمته إمبراطورة روسيا,أي أنه إبن أخت قيصر روسيا. ولما كانت من المفترض أن يكون لروسيا نفوذاً واضحاً في بلغاريا الجديدة فقد كانت تلك العلاقة على جانب كبير من الأهمية. ومن الطريف أن نذكر أن هذا المير الصغير لم يكن موضوع حسد القيصر وزوجته على هذا المنصب، فعندما ظهر إسمه كمرشح صرح الكسندر الثاني قيصر روسيا أنه لا يرغب لإبن أخته هذا الوضع الصعب. ورغم أنه غير رأيه فيما بعد، إلا أن زوجته الإمبراطورة ظلت تعارض بشدة تعريض قريبها للمشكلات التي قد يواجهها في بلغاريا.

ولقد قبل الكسندر عرش بلغاريا لا لشيء إلا أنه لم يكن يأمل كثيراً في الترقي في الجيش الألماني. ورغم روابطه العائلية الملكية العظيمة، إلا أن أصوله الأرستقراطية وحياته العسكرية زودته بخبرات محدودة لم تكن لتساعده في حكم دولة فلاحين وضع له دستور على درجة عالية من الليبرالية. ومثلما فعل الأمير تشارل ملك رومانيا رأينا الكسندر قد عقد نيته لحكم بلغاريا بطريقة أو بأخرى. وكانت مشكلته أنه وبخلفيته الأرستقراطية لم يكن ليقبل كثيراً القيود الدستورية الموضوعة ولا يقبل أيضاً أفكار الحزب الليبرالي المسيطرة هناك. وعلى هذا ومع أول قرار إتخذه وقع الصدام الذي لم يكن من الممكن تحاشيه، فبدلاً من أن يختار أحد أعضاء الحزب الليبرالي صاحب الأغلبية لتشكيل الحكومة، أو يشكل حكومة إئتلافية كما إقترح عليه البعض، عهد بتشكيل الحكومة إلى بوموف T.S. Burmov وهو شخص محافظ.وكانهذا معناه أنه أراد أن يفهم الجميع من اللحظة الأولى أنه سوف يحكم البلاد متجاهلاً الدستور والقوى الليبرالية.

وكان على بلغاريا لكي تدافع عن نفسها وتستعد للتوحد مع شرق روميليا في المستقبل أو ضمها أن تضمن وجود جيش نظامي مزوداً بالأسلحة المناسبة. وتحقيقاً لهذا الغرض لم يكن من الممكن الإستغناء عن مساندة روسيا وتأييدها. وعلى هذا ورغم أن الأمير الكسندر كان حراً في إختيار وزير الحربية فقد كان من المفهوم أنه لا بد وأن يتشاور مع عمه قيصر روسيا في هذا الإختيار الذي إنتهى بتعيين بارنسوف P.D. Parensov أحد جنرالات الجيش الروسي لكي يقوم بتدريب الجيش البلغاري. ولما كان بارنوسف يتصرف في ضوء توجيهات رئيسه ميليوتين فسرعان ما إختلف مع الأمير (الحاكم) ووقف إلى جانب الليبرالين. ورغم ذلك فلم يكن بإستطاعة الأمير أن يستغني عن خدماته أو عزله لأنه ضابط روسي عينه قيصر روسيا لهذه المهمة.

ولكي تتعقد الأمور أكثر وأكثر رأينا أن القنصل العام الروسي دافيدوف A.P.Davydov في صوفيا الذي يتلقى تعليماته من وزارة الخارجية الروسية يقف بكل ثقله خلف الأمير وجماعة المحافظين. وبمعنى آخر كان المسئولان الروسيان الروسميان في بلغاريا (مسئول الجيش والقنصل) يتبعان سياسات على طرفي نقيض، وأصبح من المفهوم أن الأمير والحزبين الرئيسيين والمواطنين البلغار الذين يتبع كل منهم سياسات الحزب التابع به قد وقعوا في إضطراب شديد.

والحاصل أن الصراع بين الأمير ومعه المحافظين من جهة وبين الليبراليين من جهة أخرى أخذ يشتد بوضوح على مدى العامين التاليين. فقد كان خصوم الأمير يتشككون كثيراً في مستشاريه الألمان، وقد أزعجهم إزعاجاً شديداً تفكيره في إدخال ضباط المان في جيش بلغاريا. وبدا الأمر كما لو كان الأمير يعمل للسيطرة على الجيش لإعداد إنقلاب Coup d'etat، وعلى هذا إزداد إقتناعه بأنه يجب إيقاف العمل بالدستور أو البحث عن وسائل للتحايل عليه. ومن باب الإستعداد للقيام بتغيير في الدستور وجدنا الأمير وعائلته يلتمسون من قيصر روسيا المساندة فيما ينوي الأمير عمله، ولكن دون جدوى. وفجأة وبشكل غير متوقع تم إغتيال القيصر الكسندر الثاني في 1881 وخلفه على العرش إبنه الكسندر الثالث وهو شديد الرجعية، والذي بفضل موقفه أصبح بإمكان حاكم بلغاريا أن يوقف العمل بالدستور في ظل موافقة روسية رسمية.

ورغم أن أمير بلغاريا كان يعتقد أن بإمكانه حكم البلاد حكماً قوياً، إلا أنه سرعان ما واجه مشكلة حادة تمثلت في أن قيصر روسيا (الكسندر الثالث) كان رجلاً اوتوقراطياً يطلب من الجميع إحترامه وطاعته بما فيهم حاكم بلغاريا. وأكثر من هذا أنه كان يعتبر بلغاريا مجرد تابع لروسيا أو مجرد إقليم في إمبراطوريته الشاسعة، على حين كان أمير بلغاريا يعتقد أنه يمكنه أن يتعامل مع القيصر كقريب وكشخص مساو له. وكان هذ يعني أن صراعاً وحشياً بين الرجلين لم يكن من الممكن تحاشيه، وأكثر من هذا فقد بدا واضحاً أن الروس البلغار لم يكونوا متعاونين في كافة المستويات الوظيفية والإدارية، ولم يقتصر الإضطراب العصبي على مستوى الحكام. وكان أكبر مظهر للصراع قد حدث في الجيش بين صغار الضباط البلغار والعسكريين من أصول بلغارية وبين رؤسائهم اروس وذلك بسبب تخصيص الرتب العسكرية في الجيش البلغاري من رتبة الكابتن فما فوق للوس، مما جعل شباب البلغار الطوح يدركون أن ترقياتهم في الجيش محدودة ومقيدة. كذلك مقعت مصادمات مشابهة داخل مختلف الأجهزة الإدارية في ابلاد بسبب تصرفات بعض الرسميين الروس التي كانت فوق الإحتمالات.

ونتيجة لكل هذه المواقف تدهورت العلاقات الروسية-البلغارية بشكل حاد، ففي عام 1883 زجد الليبراليون أنفسهم وهم الذين كانوا يقاومون الأمير بقوة قد إقتنعوا بأنهم إستبدلوا بالسيطرة العثمانية سيطرة روسية. ومن هنا ولكي ترهن الأحزاب السياسية المتنافسة على قدرتها في حكم أنفسهم بأنفسهم إصطفت جميعها وراء الأمير لتكوين جبهة متحدة في مواجهة المسئولين الروس. وبادر الأمير من جانبه بإعادة العمل بدستور تورنوفو وأصبح حاكماً حقيقياً لدولة بلغاريا، وأصبح هناك ولأول مرة منذ 1879 مظهر للوحدة في البلاد. على أن هذا النصر الذي أحرزته القوى السياسية في بلغاريا مع الأمير جعل قيصر روسيا يضيق ذرعاً ومن ثم قرر الإطاحة به. كما أصبح واضحاً للأمير الكسندر انه طالما يحكم بلغاريا فإن روسيا سوف تعارض وحدة بلغاريا وشرق روميليا. وآنذاك تطورت الحوادث في الإقليم تطوراً جعل مسألة الوحدة يمكن أن تثار بطريقة أو بأخرى.

ولما كانت روسيا قد إتفقت على إنشاء بلغاريا بحدودها وفق مؤتمر برلين في 1878 فقد ظلت منطقة شرق روميليا في يد هيئة دولية من الدول الكبرى. ولقد قامت تلك الهيئة بإصدار نظام سياسي للمنطقة في أبريل 1879 وهو نفس العام الذي صادقت فيه بلغاريا على دستور تورنوفو. وعلىالعكس من دستور بلغاريا الذي تمت صياغته بعناية ملحوظة كان النظام السياسي لروميليا المكون من 495 مادة غير قابلة للتطبيق، ذلك أن أعضاء الهيئة التي أصدرته تصرفوا بشكل فردي ولم يكن هناك تنسيق فيما بينهم، بل إن الذي حدث أن كل دولة من الدول الكبرى أنيط بها إعداد قسم معين في لائحة هذا النظام. وهكذا صاغ البريطانيون قوانين الإنتخاب. وصاغ الإيطاليون البنود المالية و وكان النمساويون مسئولون عن الجانب التشريعي، وقدم الفرنسيون نظامهم الإداري وتعاون معهم اروس في تنظيم الميليشيا العسكرية. وتم إهمال كل ما يتعلق بالحاجات المحلية وعادات الناس. ولكي يمكن إدارة شؤون هذا الإقليم وافقت القوى العظمى على قرار السلطان العثماني بتعيين آليكو باشا Aleko المسيحي حاكماً عاماً ومعه أحد الألمان للشؤون المالية، وتعيين بريطاني رئيساً للجندرمة، وفرنسي مسئول عن الميليشيا التي كان ضباطها روس أو بلغار مدربون تحت قيادة روسية. وتم منح الإقليم جمعية عمومية تتكون من 56 عضواً، عشرون منهم بالتعيين والباقي بالإنتخاب. وبهذا أصبحت روميليا الشرقية نمنوذجاً صعباً للدولة . . فمواطنوها قد ينجذبون إلى بلغاريا ذات النظام الدستوري الذي كان يأمله ميليوتين فيما سبق.

كانت المشكلتان اللتان واجهتا آليكو باشا تتعلقان بمصير الأراضي التي كان المسلمون يملكونها في السابق وتخلوا عنها ووضع السلكان المحليون يدهم عليها، وكذا إستمرار حماس أهالي روميليا للتوحد مع بلغاريا. أما المشكلة الأولى فقد تم حلها عن طريق إرهاب الملاك السابقين وترويعهم بالثأر منهم لما بدر منهم أثناء المعارك وبالتالي لا يمكن أن يعودوا للمطالبة بأراضيهم. أما أولئك الذين عادوا رغم التهديدات فقد وجدوا أن ضريبة قد فرضت على أراضيهم مقدارها 10% من قيمتها، ومن هنا لم يكن أمامهم إلا بيع أراضيهم للوفاء بالضريبة. أما بيوت العثمانيين وأراضيهم ومقاطعتهم فقد إشتراها فلاحو روميليا. كما تم إنهاء العمل بنظام الملكية والإيجار السابق,وأصبحت أراضي هذا الإقليم مثل أراضي بلغاريا الواقعة على شماله . . ملكيات زراعية صغيرة بشكل أساسي.

أما موضوع وحدة رميليا الشرقية مع بلغاريا فكان على جانب من الخطورة، فمن ناحية كان السكان إجمالاً يرحبون بالوحدة وعلى إستعداد لإتخاذ الخطوات لإتمامها، ومن ناحية أخرى كان المندوبون الروس في بلغاريا متحمسون بشكل ملحوظ لتحقيق الوحدة بل وشجعوا الأهالي للعمل من أجل تحقيق هذا الأمل. أما المسئولون الرسميون فقد عملوا من ناحيتهم سواء بموافقة حكومتهم أو عدم موافقتها على إحتضان مختلف الحركات التي تسعى لضم روميليا الشرقية وقاموا بتسليح الأهالي سراً. ورغم أن معاهدة برلين (1878) حددت حجم الميلشية العسكرية بالبلاد، إلا أنه تم إنشاء أندية رياضية ينخرط فيها الشباب للتدريب على مختلف الرياضيات بحيث يصبح من السهولة بمكان تحويل تلك الأندية إلى وحدات عسكرية عند الضرورة.

ولقد كان هذا التعاون المبدئي بين الروس وأهالي روميليا الشرقية بشأن موضوع الوحدة فوق كل المشكلات الأساسية التي رأيناها عند تكوين بلغاريا، ذلك أن بعض الروس في روميليا كانوا يعون للتمتع بمزايا خاصة لهم على حساب الأهالي، وكان صغار الضباط في ميلشيا روميليا من الأهالي يكرهون رؤساؤهم الروس، وقد شاركهم تلك الكراهية كثير من أعضاء الحزب الليبرالي البلغاري الذين إضطروا لمغادرة صوفيا بعد صدور الدستور بتصديق من قيصر روسيا. وفي عام 1884 وكان امير بلغاريا وقيصر روسيا قد أصبحا أعداء وجد آليكو باشا حاكم روميليا الشرقية نفسه موضع كراهية من قيصر روسيا (الكسندر الثالث). وإذا لم يكن بإمكان القيصر أن يرغم أمير بلغاريا (الكسندر) على التنازل عن عرشه بلغاريا فقد كان بإمكانه إبعاد آليكو باشا الذي السلطان العثماني قد عينه ولمدة خمس سنوات. وعلى هذا ففي 1884 رفضت روساي الموافقة على مد ولاية الرجل فترة أخرى وإختارت الدول العظمى گڤريل افندي كروستيڤتش Grvril E.Krustevich الذي كان مقبولاً من روسيا بدرجة كبيرة نظراً لما كان يبدو عليه من ضعف وبالتالي يسهل السيطرة عليه ولم تكن أفكاره القومية الحماسية معروفة آنذاك.

وفي عام 1885 كانت الحركة الوحدوية في روميليا نشطة وقوية من خلال اللجان المحلية التي انتشرت في أنحاء الإقليم حتى إذا كان منتصف ليلة 17-18 سبتمبر 1885 أعلن قادة روميليا تدعمهم الميلشيا عزل حكومتهم وافتحاد مع بلغاريا، ولم يبذل كروستيفتش أية مقاومة لعزله. وعلى الفور قام الثوار في روميليا بدعوة من أمير بلغاريا لتولي رئاسة الدولة الجديدة المتحدة (إتحاد بلغاريا ورميليا الشرقية). غير أن تلك الدعوة وضعت أمير بلغاريا أمام قرار صعب، فأولاً أنه يعلم أن رعاياه البلغار يرغبون رغبة عارمة في تحقيق هذه الوحدة، لكن تحقيقها تحت قيادته قد يجعل وضعه في البلاد عرضة للخطر، وإذا إختار ألا يقود الوحدة فعليه أن يعد نفسه للتخلي عن العرش. ومن ناحية أخرى فهو قد سبق أن أكد لروسيا في أغسطس أنه لن يكون طرفاً في أية حركة تجاه الوحدة، وأن تغيير موقفه بعد شهر واحد قد تفتح من جديد باب المسألأة الشرقية برمتها دون ضمان أن تكون نتيجتها النهائية في صالح بلغاريا.وهكذا عندما أخبره أحد مستشاريه بوضوح أن عليه أن يختار قيادة الوحدة أوأن يغادر بلغاريا، إختار المغادرة بلا تردد.

وعلى الرغم من أن مسألة الوحدة لم يكن يتوقعها أحد، إلا أن طرحها تسبب في أزمة دبلوماسية لأن قيامها كان يعد خرقاً لمعاهدة برلين ومن شأنه بالتالي توريط الدول العظمى. والحال كذلك طفت على السطح مسألة تعويض اليونان والصرب عن الأراضي التي إنتزعت منكل منهما عند الإستقلال. ولقد جاء أقوى رد فعل لخطوة الوحدة من روسيا كما هو متوقع ولكي يعبر قيصرها عن رفضه الكامل لها سحب كل الضباط الروس من بلغاريا بقصد إقناع البلغار بأنه دون مساعدة روسيا ستكون الوحدة في خطر، وأنه سوف يتخذ خطوات لعزل أمير بلغاريا عن العرش. وبينما كان القيصر يتصرف في الموقف تحت تأثير غضبه الشخصي كان وزير خارجيته ينظر إلى المشكلة من وجهة نظر الضغط الذي يحتمل أن تواجهه عصبة الأباطرة الثلاثة، وإحتمال أن تنتهز النمسا الفرصة لكي ينضم البوسنة والهرسك، وأن تدخل اليونان والصرب الأراضي المقدونية.

وهكذا ولكي تحول روسيا دون وقوع إنقلاب مفاجئ وهائل في البلقان دعت لمؤتمر على مستوى سفراء الدول الكبرى إقترحت فيه إعادة الأوضاع في المنطقة إلى ما كانت عليه في السابق. وقد أيدتها في هذا الإقتراح حليفتيها النمسا والمانيا، على حين أيدت بريطانيا قيام الوحدة بعد أن غيرت سياستها التي كانت قد إتبعتها عام 1878 في مؤتمر برلين (توازن المصالح وتكامل الأراضي العثمانية). ولما كانت بلغاريا المتحدة تقف ضد التوجهات الروسية فكان هذا يعني أنها سوف تكون حاجزاً قوياً أمام النفوذ الروسي في البلقان وليس بالنسبة للقوى العظمى هي نفسها المشكلة التي برزت خلال مختلف مراحل الحركةالقومية الرومانية ولكن مع تبادل المواقف. وكل ما كان هنالك أن الحكومة العثمانية كانت ترغب في إستخدام القوة لحل الإتحاد، لكن روسيا كانت راغبة عن دعم السلطان العثماني في هذا الشأن.

على أن الأمور تطورت لصالح بلغاريا نتيجة لإجراء غير موفق أقدم عليه ميلان Milan أمير الصرب الذي رأى أن الوحدة قد تضر بالتوازن السياسي بين حكومات البلقان وتعطي لبلغاريا ميزة في الصراع الذي ينشأ حول مقدونيا، وحتى يحمي مصالح بلاده بغعلان الحرب على جارته بلغاريا. ونلاحظ أنه لم يوضح أهدافه أمام رعاياه الذين كانوا غير متحمسين كثيراً لهذا الصراع. وعلى الرغم من أن معظم المراقبين كانوا يتوقعون إنتصار الصرب في الحرب، إلا أن أمير بلغاريا الكسندر وجيشه الذي أصبح تحت قيادة ضباط صغار حلوا محل الضباط الروس نجحوا في إيقاع الهزيمة بجيش الصرب. وبعد هذا النصر الحاسم إضطرت روسيا للموافقة على الوحدة، وفي 1886 قبلت الدول العظمى أن يكون أمير بلغاريا حاكماً عاماً على روميليا الشرقية لمدة خمس سنوات. ورغم أنه لم تتم تسميته لهذا المنصب بشكل محدد، إلا أن الدول الكبرى فهمت أن الوحدة قد تكون دائمة.

وهكذا وبعد مرور سبع سنوات على توقيع معاهدة برلين (1878) تمت وحدة منطقتين من الثلاثة مناطق التي كانت بلغاريا تطالب بها، فبدأ أمير بلغاريا (الكسندر) في صورة المنتصر، وأخذ يتلقى مديحاً هائلاً لمهاراته الدبلوماسية، وتم تكريمه لإنتصاره على الصرب. غير أن هذا المجد العظيم كان له ثمنه العظيم أيضاً. فقد شعر قيصر روسيا (الكسندر الثالث) بالإهانة الشديدة لإنتصار قريبه أمير بلغاريا، وأصبح أكثر إقتناعاً بأن هذا الأمير هو العقبة الوحيدة أمام حسن العلاقات الروسية-البلغارية ومن ثم قرر الإطاحة به. وعلى هذا بدأ ممثلو القيصر في صوفيا ورجاله يحيكون المؤمرات للخلص من أمير بلغاريا وقد وجد هؤلاء مساندة من بعض كبار السياسيين البلغار الموالين لروسيا ومن بعض ضباط الجيش البلغاري الساخطين الذين ساورهم الإعتقاد بأنهم لن يكافأوا المكافأة المناسبة لدورهم في هزيمة الصرب. كما كان حلفاء روسيا من جهة أخرى لا يتصورون أن تحصل بلغاريا على مقدونيا دون مساعدة روسيا ومن ثم كانوا على إستعداد للتضحية بامير بلغاريا. وعلى هذا وبعد تخطيط محكم تمكن المتآمرون من القيام بإنقلاب في أغسطس 1886 حيث أرغموا أمير بلغاريا على التنازل عن العرش ورحل عن البلاد.

وبعد نجاح الإنقلاب قام كليمنت الموالي لروسيا بتشكيل حكومة بلغارية جديدة، إلا أنه سرعان ما إتضحت شعبية الأمير المخلوع فقد قامت ثورة مضادة بقيادة استيفان ستامبولوف أحد أبطال إنتفاضة 1876 البارزين وأحد الوزراء السابقين أرغمت حكومة كليمنت على الإستقالة بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة، وعاد الأمير المخلوع لعرش بلغاريا بعد عشرة أيام من إرغامه على التنازل عن العرش. وكان من بين الجماهير التي إحتشدت لتحيته نائب قنصل روسيا في بلغاريا مما جعل الأمير يعتقد أن قيصر روسيا قد سامحه وعفا عنه، ومن هنا بادر بإرسال برقية له دون أن يستشير ستامبولوف (قائد الحركة الشعبية) عبر فيها عن إخلاصه قائلاً: "حيث أن روسيا أعطتني تاج العرش فأنا على إستعداد تام لإعادته لأصحابه"، فما كان من القيصر الذي لم يوافق على عودة الأمير إلا أن رد عليه بخشونة وفظاظة قائلاً: "لسوف تقدر جنابكم ما ينبغي أن تفعله"، وهكذا لم يكن أمام الكسندر أمير بلغاريا إلا أن يتنازل عن العرش للمرة الثانية.

ورغم أن بلغاريا أصبحت بدون أمير يحكمها، إلا أنه كان من بين البلغاريين قائد سياسي عظيم ألا وهو ستيفان ستامبولوف الذي قام بتشكيل الحكومة. لكنه واجه مشكلتين أولهما مقاومة الضغط الذي تمارسه روسيا وثانيهما إختيار حاكم جديد. وعلى هذا تمت دعوة الهيئة القومية الكبيرة للتصديق على إختيار الأمير الجديد. لكن روسيا أصرت على إرجاء عملية الإختيار بدعوى أن الفوضى تضرب أطنابها في البلاد وتحول دون إرجاء عملية الإنتخاب بشكل سليم. وتحقيقاً لتلك الرغبة أسرع بإيفاد مبعوث خاص وهو الجنرال كولبارز N.V.Kaulbars لشرح وجهة نظر روسيا.

ولم يكترث ستامبولوف بوجهة النظر التي قدمها ذلك المبعوث لكن الغالبية العظمى من القيادات البلغارية كانت تؤيد المبعوث فشعر بكثير من الزهو والفخر وإنطلق يطوف بأنحاء البلاد يحاول إقناع الأهالي بوجهة نظر القيصر، وخطب فبهم متوعداً إياهم بالويل والثبور وعظائم الأمور بتدخل دولي شنيع في شؤون بلغاريا، وسرعان ما تحركت سفينتان حربيتان روسيتان بإتجاه ميناء فارنا على البحر الأسود. غير أن ستامبولوف لم يستسلم ولم يتنازل عما قرره من حيث إجراء الإنتخابات التي تمت بالفعل وأصبحت الجمعية مستعدة لإتخاذ قرار بشأن تعيين حاكم جديد. وإنتهزت حكومة روسيا الفرصة لتقطع العلاقات الدبلوماسية مع بلغاريا وكان هذا بعد مضي ثمان سنوات فقط من إندفاع روسيا لخوض غمار حرب من أجل سلاف البلقان وتأييد إنشاء بلغاريا الكبرى طبقاً لمقررات مؤتمر سان ستيفانو.

على أن إختيار أمير جديد لحكم بلغاريا لم يكن أمراًُ سهلاً نظراً لضرورة موافقة الدول العظمى على هذا الإختيار في الوقت الذي إعتزمت فيه روسيا على الإعتراض على أي ترشيح لهذا المنصب. وأكثر من هذا أن المرشحين الذين قدمتهم الهيئة القومية العامة رفضوا هم أنفسهم قبول المنصب. وفي النهاية وفي أغسطس 1887 وافق فرديناند الكوبورجي of Coburg وهو أمير الماني على المنصب ولو أنه لم ينعم بموافقة الدول العظمى، ومن ثم حفلت السنوات الأولى من حكمه بعدة صعوبات وقلاقل وعدم إستقرار. ولقد كان يعتمد في إدارة الشؤون الداخلية على ستامبولوف الذي كان وراء ترشيحه للحكم والذي كانت حكومته تحظى بتأييد الأهالي الذين إمتعضوا من المؤمرات والحيل التي إستمر حلفاء روسيا وأنصارها في البلاد يدبرونها. وقد بلغت هذه المؤمرات ذروتها بإغتيال وزير المالية في 1891 فأدرك ستامبولوف أنه هو المستهدف الحقيقي من كل المتآمرين. ولكي يقضي على مثل هذه المؤمرات ويحتفظ بشعبيته بين ناخبيه حصل على موافقة السلطان العثماني على تأسيس أسقفية بلغارية جديدة في مقدونيا. كما نجح في 1893 في تعديل الدستور بما يسمح بزواج فرديناند من أميرة كاثوليكية فظهرت مشكلة جديدة وهي أن أولادها لا يمكن تعمديهم أرثوذكسياً. وكان هذا الإجراء في حد ذاته يعد تحدياً مباشراً لتزعم روسيا حق الدفاع عن الأرثوذكس فكان علامة على تفوق ستامبولوف ولو أنه طرد من الحكم في 1894 بعد سنة واحدة من هذا الإجراء.

والحاصل أن فرديناند الكوبورجي كان حاكماً متكبراً وطوحاً ومتسلطاً وكان يحلم بأن تكون بلغاريا قوة مهيمنة في البلقان. ولكن نظراً للصعوبات التي كانت تواجهه في بدايات حكمه عهد إلى ستامبولوف بمسئولية إدارة شؤون الحكم إلى أن أدرك في لحظة معينة المخاطر التي تحوطه فكان عليه إعادة التآلف بين بلغاريا وروسيا مرة أخرى، ذلك أنه بعد مرور سبع سنوات عليه في حكم بلغاريا لم تعترف به اي حكومة من حكمات الدول العظمى كحاكم شرعي للبلاد، وأكثر من هذا أن توسعه في مقدونيا بدا مستحيلاً بدون مساندة روسيا. وعلى هذا بدا للأمير أن ستامبولوف يمثل عقبة رئيسية في طريق عودة العلاقات الطبيعية مع روسيا. وهكذا وفي 1894 عندما هدد ستامبولوف بتقديم إستقالته بسبب الإختلاف بينه وبين الأمير حول مسألة صغيرة، وكانت إستقالته مجرد مناورة كان يلجأ إليها من آن لآخر لإخافة الأمير الذي أصبح يعتمد عليه، فاجأه الأمير بقبولها. وفي أكتوبر 1894 مات قيصر روسيا (الكسندر الثالث) وخلفه نيقولا الثاني فأصبح الطريق ممهداً لتجديد العلاقات الروسية-البلغارية.

وعلى هذا كان على فرديناند أن يمهد الأرض لعودة العلاقات أولاً، وفي مقدمة الخطوات التي كان عليه أن يقوم بها تحويل إبنه بوريس Boris من الكاثوليكية إلى الأرثوذكسية وكان هذا ضد الخطوة التي قام بها ستامبولوف التي إعتبرت وقتها أحد نجاحاته العظمى. وكانت الخطوة الثانية ذهاب وفد برئاسة كليمنت الموالي لروسيا إلى العاصمة الروسية لكي يضع إكليلاً من الزهور على قبر الكسندر الثالث حيث إلتقى القيصر الجديد نيقولا الثاني بهذا الوفد، كما تم الإفراج عن السياسيين الموالين لروسيا من السجن. وهكذا وفي 1896 عادت العلاقات من جديد بين البلدين ومن ثم تمهد الطريق لإعتراف الدول العظمى بفرديناند ليس أميراً لبلغاريا فقط وإنما حاكماً لروميليا الشرقية مما يعني الموافقة رسمياً على الوحدة بين بلغاريا وروميليا الشرقية والتي كانت قد أعلنت من طرف بلغاريا فقط في عام 1885 كما سبقت الإشارة.

وبمجرد إعتراف روسيا والدول العظمى الأخرى بفرديناند حاكماً على بلغاريا أصبح بإمكان الأمير أن يركز جهوده في تنمية بلاده وحل مشكلاتها الداخلية وفي مقدمتها مسألة التوسع القومي. وكانت المشكلة المسيطرة على الحياة السياسية في بلغاريا بعد مؤتمر برلين 1878 هي مصير مقدونيا، وهو الموضوع الذي تجتمع عليه الأمة وتتوحد بشأنه الأحزاب السياسية، ذلك أن الحدود التي رسمتها معااهدة سان ستيفانو أصبحت تمثل البرنامج القومي لبلغاريا. وكان النضال من أجل تحقيق هذا الهدف قد شكل ملامح تاريخ بلغاريا المستقبلي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ For the Peace from Above: an Orthodox Resource Book on War, Peace and Nationalism. Syndesmos. 1999. {{cite book}}: Unknown parameter |editors= ignored (|editor= suggested) (help)

المصادر