المعاهدة السورية الفرنسية 1936

معاهدة الاستقلال السورية الفرنسية، وتُعرف أيضاً بإسم معاهدات ڤيينو Viénot Accords، كانت معاهدة تفاوضت عليها فرنسا وسوريا لمنح الاستقلال السوري من السلطة الفرنسية.

The National Bloc signing the FrancoSyrian Treaty.jpg
الوفد السوري يوقع المعاهدة السورية الفرنسية في پاريس في 1936
وُقـِّعت9 سبتمبر 1936 (1936-09-09)
الموقعون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

يمكن اعتباره سنة 1936 سنة دسمة بالأحداث و منعطف هام في تاريخ سوريا الحديث . فبعد الإضراب الستيني الذي دعت اليه الكتلة الوطنية ,كان له اثر على فرنسا التي ارسلت عرضا الى قادة الكتلة تدعوهم للذهاب الى باريس لمناقشة قضيتهم , فألقت الكتلة شعار (خذ و طالب) كشعار لمفاوضاتهم مع فرنسا يقبلون فيها استقلالا يشبه استقلال العراق عن بريطانيا في ذلك الوقت تألف في 14/3/1936 وفد من 9 أشخاص (5 مسلمين و 4 مسيحيين) برئاسة هاشم الاتاسي، رئيس الكتلة الوطنية ,وكان من اعضاء الوفد البروتستانتي المخضرم فارس الخوري وأيضا سعد الله الجابري وجميل مردم وإدمون الحمصي ومصطفى الشهابي ونعيم الأنطاكي وأحمد اللحام وإدمون الرباط (1) . نلاحظ هنا ان فرنسا قبلت بالتفاوض مع الكتلة الوطنية فقط و التي كانت مع صراع او يمكن تسميتها (معارضة) لحكومة تاج الدين الحسني، وكان هذا الصراع الدائر بين حكومة تاج الدين الحسني و حزب الكتلة الوطنية كان قائما على الحزبية والسيادة و ليس بسبب العداء للفرنسيين , فجعلت فرنسا من الكتلة الوطنية متحدثا رسميا بإسم الشعب السوري عن طريق دعوتها الى باريس لمناقشة مستقبل سوريا , وبرغم علمانية الوفد الصارخة التي جعلت تقريبا نصف الوفد غير مسلما , الا ان الامر المثير للاهتمام هو تغييب شخصيات ذات رأي ( وإن كان بعضها مواليا لفرنسا) في الحوار حول مستقبل سوريا (مثل تاج الدين الحسني و زكي و محب الدين الخطيب و حسن الحكيم وغيرهم) فربطت فرنسا مستقبل البلد كله بالكتلة الوطنية التي كانت كما سنرى بعد قليل على المسلمين أشد بطشا من على غير المسلمين.

بينما الوفد في فرنسا وصلت إليه انباء ان وزارة الخارجية الفرنسية تلقت مئات البرقيات من مسيحيي العراق و سوريا و لبنان ومصر تعلن قلقها قائلة (اليوم منعوا المسيحيين من شرب الخمور , غدا يمنعونهم من دق اجراس الكنائس نسترحم التشدد في حماية الاقليات في مفاوضاتكم مع الجانب السوري ) كان سبب هذه البرقية ظهور حركة دينية في حلب سمت نفسها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قامت بإغلاق الخمارات و الكباريهات و تحطيم بعض منها ,و لما وصل الخبر الى سعدالله الجابري استشاط غضبا و غيظا و كتب رسالة عاجلة الى جميل ابراهيم عضو الكتلة في حلب قائلا في رسالته (بصفتي رئيس الكتلة الوطنية في حلب اكلفك بقطع لسان كل من يقول بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ان هذا الأمر يضر بالمفاوضات و يجب ان تعلموا اننا لم نحصل على استقلالنا حتى تقوموا بهذه الافاعيل و حتى لو حصلنا عليه فلن نسمح بأمر من هذا القبيل) فأخذ جميل ابراهيم الرسالة ومعه وفد من انصار الكتلة و صار يطارد اصحاب الحركة و يكافحهم، فاستحسن الجابري هذه الاعمال و ارسل وفدا يحمل عصن زيتون الى المطران الماروني مبارك الموجود في باريس لاسترضائه , وكان هذا المطران يطالب دوما بحماية الاقليات و بفصل لبنان عن سوريا (2). كانت غيرة النائب في الكتلة للأسف على المسيحيين اكبر من غيرته على المسلمين وشدته على هؤلاء الاخيرين لا تتساوى مع غيرهم , فبعد عودة الوفد الى سوريا , توجه (توفيق شامية) احد ممثلي الكتلة الوطنية الى الجزيرة لاستلام منصبه كمحافظ للمنطقة فقام الاشوريون بمنعه من دخول مبنى المحافظة و من ثم خطفوه , فما كان من سعد الجابري الذي كان وزيرا للخارجية و الداخلية معا وقتها الا ان اتجه الى هناك بسيارته لحل المسألة (سلميا) ولكن الاشوريين أسمعوه ما لا يليق واستقبلوه استقبالا رديئا, فعاد خائبا إلى دمشق و بقي المحافظ مخطوفا حتى أفرج عنه في وقت لاحق، كما انه حصلت في دولة العلويين محاولة اغتيال (احسان الجابري) شقيق سعدالله فهرب منها وبقيت دولة العلويين ايضا دون ممثل عن الحكومة اما في جبل الدروز فقد انزل علم سوريا من دار الحكومة رفضا للكتلة الوطنية، و كل ذلك حصل تحت مرأى و مسمع الجابري , و لم يكن هناك للأسف اي غضب من قبل الجابري مثل غضبه على اخوانه المسلمين و ان كان خطؤهم اقل اهانة لسوريا مما ارتكب الاشقياء الاخرون (3).

 
الوفد السوري المسافر إلى فرنسا لمفاوضات المعاهدة السورية الفرنسية 1936. من اليمين: فارس الخوري، هاشم الأتاسي، وجميل بك مردم.

في المفاوضات المستمرة، حدث الكثير من (الاخذ و المطالبة) في باريس، فقد طالت المفاوضات حتى شهر شهر أيلول/سبتمبر (أي 6 شهور تقريبا)، في أثنائها علم النصيريون بأن دولتهم على وشك الزوال واندماجها مع الدولة السورية، فقاموا بإرسال عدد من الخطابات الى رئيس الوزراء الفرنسي الماسوني ليون بلوم ما بين 5-8 /6/1936 يطالبونه ويستجدونه في ابقاء الاحتلال الفرنسي و ابقاء دولة العلويين كان من ابرز الموقعين عليها (عزيز هواش، محمد جنيد، سليمان المرشد، سليمان أسد، محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)، صقر خير، ابراهيم الكنج ) واخرين. (4) , ويقول المؤرخ الفرنسي جاك فوليرس بأن فرنسا تخلت عن انشاء الدولة العلوية لسببين رئيسيين اولهما ان الطبقات الشعبية لم تصل الى مستوى فهم الفرصة التاريخية لبناء دولة و السبب الثاني ان دولة العلويين كانت فقيرة جدا لتحمل اعباء مصاريف دولة ,فاضطرت فرنسا لضمها مع سوريا (5).

وبالحديث عن الدولة العلوية، فقد شعر القوميون العرب بإنجاز كبير عندما تم تغيير اسمها من (دولة العلويين) الى (حكومة اللاذقية) في 15/4/1930 وبالرغم من ان ذلك اثار قلق النصيريين القاطنين فيها ,الا ان الدولة بقيت كما هي حتى بعد المعاهدة التي نصت على ضمها هي وجبل الدروز الى سوريا ,وكان المطالبون بالوحدة مع سوريا من الزعماء الثانويين ,ورد في احد التقارير السرية المرفوعة للخارجية الفرنسية بتاريخ 25/4/1936 "إن التنظيمات العشائرية السياسية تتألف من اربع احلاف عشائرية (الحدادون و الخياطون و الكلبية و المتاورة) والتي كان اعتمادنا عليها لتشكيل العمود الفقري للاستقلال الذاتي ,والتي يشكل زعماؤها الحاليون المجلس التمثيلي بدأت تفقد قدرتها ,كما اخذت الدعاية الوحدوية الدمشقية تستقطب الزعماء العشائريين الثانويين الطموحين كما ان انتشار التعليم الابتدائي صار يهدد الرابطة الباطنية القديمة التي لم يعد جهازها الوعظي الساذج يرضي الاجيال الجديدة" (6) مما يفسر اتجاه الجيل الجديد من النصيرية نحو الوصول للسلطة ليس عن طريق شعارات الطائفة بل عن طريق الشعارات القومية والوطنية , وكان هناك بعض النصيريين ممن طالبوا بالوحدة ,لكن تم ايضاح في مذكرة ارسلها المجلس التمثيلي بأن أولئك الذين يودون الوحدة لم يكونوا ليطالبوا بها لولا بعض الاعتبارات الناتجة عن المنافسة الانتخابية (7). وتشير البرقيات من وزارة الخارجية الفرنسية الى محاولة تهدئة و طمأنة النصيريين بشأن دولتهم وحصولها على استقلال ذاتي ضمن أطر تخفف من الثقل المالي الذي انهك الحكومة الفرنسية، حيث يشير وزير الخارجية الفرنسية مخاطبا المفوض السامي في بيروت إلى الكتب المختلفة التي ترده من المجلس التمثيلي في اللاذقية والتي تطلب ارسال وفد يمثلها في باريس قائلا (انه من المستحيل طبعا السماح بهذا الطلب وأرجو منكم ابلاغ (إبراهيم الكنج) أن كل المسائل التي تخص اللاذقية ستبحث في اوانها بين المفوض السامي و الممثلين المؤهلين للسكان ذوي العلاقة. وإني أذكركم بأن كل جهودنا يجب ان تتوجه نحو تجنب أي تعبير عن مطالب ليس لنا القدرة على الاستجابة لها)(8)، فعندما رأى النصيريون ان دولتهم توشك على الاندماج بسوريا أرسلوا عريضة رفعها رئيس المجلس التمثيلي في محاولة اخيرة إلى وزير الخارجية يطلبون الاندماج مع لبنان بدلا من سوريا رافضين الوفد السوري ان يمثلهم في باريس (9)و لكن الدمج تم حسب المعاهدة , على انه كان دمجا صوريا، حيث كانت دويلة الدروز والنصيريين خاضعتان للدستور السوري، إلا أنهما تملكان نظاما اداريا واقتصاديا خاصا بهما , ولم يتم الدمج فعليا الا عام 1943. وفيما يتعلق بسياسة الكتلة نحو الأقليات فقد كانت مبالغة جدا في تطمينها من اجل اعطاء صورة للغرب بأن الكتلة سوف تحفظ حقوق هذه الأقليات و تضمن سيادتها ضمن اقليتها وضمن الوطن أيضا. ومن ذلك أنه عند زيارة مطران دياربكر (ملاتيوس) لمكتب الكتلة الوطنية في 31 /3/1936 (أي اثناء المفاوضات) أصدرت الكتلة على الفور بيانا ابدت فيه استعدادها لاحترام و تأييد جميع حقوق الطوائف غير منقوصة كاملة، كما يذكر پيير فابينو وكيل الخارجية الفرنسية أن الوفد المفاوض التزم قبل فرنسا وحتى عصبة الأمم بحقوق الأقليات , كما قدم رئيس وزارة سوريا (جميل مردم) في مراسلاته مع دي تسيان ضمانات اضافية للاقليات و اخفاها عن الوزارة والبرلمان سنة كاملة.

بعد توقيع المعاهدة بين وزارة الخارجية الفرنسية و الكتلة الوطنية، والتي قيدت كثيرا من سيادة سوريا , بل انها كانت استقلالا منقوص السيادة ان لم نقل خال من اهم معاني السيادة ,فقد أبقت المعاهدة على الحقوق الفرنسية في تحريك جيشها في أي مكان على ارض سوريا و ضمت (شكليا) محافظتي اللاذقية و جبل الدروز (والتي تخلى عنها الفرنسيون اصلا بسبب تكاليف ادارتهما الباهظة) (10) , واعترض كثيرون على المعاهدة التي سببت فيما بعد شقاقا عظيما بين الكتلة و غيرها من الاحزاب على رأسها حزب عبد الرحمن الشهبندر والتي قال عنها الشهبندر "إن هذه المعاهدة قالت بانتهاء الاحتلال و لكن في المقابل ان تعترف لفرنسا في أن تحتل بلادنا برا و جوا في السلم و في الحرب) و قال محب الدين الخطيب "بهذه النصوص احتفظت فرنسا لنفسها بحق احتلال المسلح لأي بقعة شاءت في أي ساعة شاءت لمدة ربع قرن على الاقل "(11) واِستـُبدِل اسم (المفوض السامي) بإسم (سفير فرنسا) و كان السفير الفرنسي هو نفسه المفوض السابق هنري دو مارتيل. ومن المفارقات ان هذه المعاهدة كما يقول نقيب الصحفيين السوريين عنها "ان السماء ساعدت في تمهيد الطريق إلى عقدها (أي المعاهدة) في نجاح الجبهة الشعبية الفرنسية في الانتخابات وسيطرتها على الاوضاع" (12) فكان للاشتراكيين و الشيوعيين دور رئيسي ايضا في توقيع هذه المعاهدة التي تمت تحت حكم رئيس الوزراء الشيوعي وقتها ليون بلوم.


الوفد السوري

العضو الصفة
هاشم الأتاسي رئيس الوفد، عميد الكتلة الوطنية
فارس الخوري ممثل عن الكتلة الوطنية
جميل مردم ممثل عن الكتلة الوطنية
سعد الله الجابري ممثل عن الكتلة الوطنية
مصطفى الشهابي وزير المعارف، ممثل الحكومة السورية
إدمون الحمصي وزير المالية، ممثل الحكومة السورية
نعيم إنطاكي مستقل، أمين سر الوفد
إدمون رباط مستقل، أمين سر الوفد

انظر أيضاً

المراجع

  • سورية والانتداب الفرنسي، يوسف الحكيم، دار النهار، بيروت 1983.