الفتح بن أحمد بن خاقان

الفتح بن أحمد بن خاقان (ت. 247هـ/861م) أبو محمد الفتح بن أحمد بن غرطوج، الوزير، الأديب، الشاعر، يعود بأرومته لإحدى الأسر الفارسية العريقة التي تدَّعي أنها من أبناء الملوك، حظيت تلك الأسرة بمآثر جمة لدى عددِ من الخلفاء العباسيين، فتولَى الوزارة من آل خاقان أربعة وزراء في سبعين عاماً، وكان والده خاقان أثيراً وله مكانة خاصة عند الخليفة المعتصم، في حين استأثر الفتح بحظوةِ أبعد غوراً وأمتن عند الخليفة المتوكل، فاتخذه أخاً وخلاً، ونديماً، ووزيراً، بل وأكثر من ذلك، فقد كان المقدَم على سائر أهله وولده، له القول الفصل، وكانت له اليد الطولى في تدبير شؤون الخلافة وتيسير أمورها، وحلَ مشكلاتها، يسأل ويستشار، ويعمل برأيه، ولعلَ وفاءه وصدقه وسداد رأيه كانت من الأمور التي يسرَت له سبل الحصول على تلك المكانة التي نالها، عين في عام 233هـ/847-848م على الخراج، وفي عام 242هـ/856-857م أميراً ونائباً عن المتوكل لشؤون مصر وإفريقية، وسمح له في الوقت نفسه، بأن يعين نائباً عنه لإدارة الأمور فيهما، فأوكل تلك المهمة ليزيد بن عبد الله بن دينار، ومن فرط محبة المتوكل له طلب من الشاعر البحتري أن يقول فيهما شعراً، رغبةً منه في أن يحيا معه وألا يفقده حتى في ميدان المديح.

بدت عليه ومنذ نعومة أظفاره، معالم النجابة ومخايل الذكاء، الأمر الذي لفت أنظار الخليفة المعتصم، فبعد أن التقى الفتح إبان زيارة كان يقوم بها لوالده في منزله، سأله مداعباً: أيهما أحسن دارنا أو داركم؟ فقال الفتح على البديهة: دارنا أحسن إذا كان أمير المؤمنين فيها، فسرَ المعتصم من بداهته وفطنته وقال: والله لا أبرح حتى أنثر عليه مئة ألف درهم، وهكذا كان، وكانت تلك البداية. كان الفتح شاعراً مفوهاً، نظم الشعر الفصيح، الجيد، ومن شعره:

لست مني ولست منك فدعني      وامض عني مصاحباً بسلام
وإذا ما شكوت ما بي قالت قد رأينا خلاف ذا في المنام
لم تجدّ علَة تجنَى بها الذنـ ب فصارت تعتلَ بالأحلام


أتيحت للفتح بن خاقان فرصة اللقاء بالكثير من كبار الأدباء والفصحاء في عصره، من العاصمة، ومن الأعراب وعلماء البصرة والكوفة، الذين كانوا يتوافدون على قصره، الذي كان موئلاً ومقصداً للكثيرين من أولئك الأعلام، فاستفاد منهم الشيء الكثير، ونمت ملكاته الأدبية، وأصبح على درجة عالية من المعرفة والثقافة، وكيف لا؟ وقد كان الفتح أحد ثلاثةِ عمَ صيتهم، وذاعت شهرتهم، بأنهم الأكثر محبةً وولعاً في اقتناء ومطالعة الكتب في عصره، وهم: الجاحظ (ت255هـ)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، ومع أنه كان واحداً من كبار رجالات الدولة، إلا أن ذلك لم يحل من دون مواصلة المطالعة والقراءة حتى في ديوان الخليفة، فيروى عنه أنه كان لا يحضر مجلس الخليفة إلا مصطحباً معه كتاباً في كمه أو أي مكان آخر، فما أن يغادر الخليفة المجلس إلا ويغتنمها فرصة فيخرج ما في جعبته من الكتب ويأخذ في القراءة حتى عودة الخليفة، الأمر الذي يشير إلى مدى شغفه بالمطالعة ومحاولته كسب أي فرصةِ سانحة لتحقيق تلك.وكذلك تمكن من إنشاء مكتبة كبيرة، زخرت بشتى أنواع الكتب التي تتناول فنون المعرفة وأبواب العلوم المختلفة، وقد عمل على جمعها له الشاعر علي بن يحيى المنجم، فأصبحت واحدةً من كبريات المكتبات الخاصة في حينه كثرةً وحسناً.

كان الفتح محسناً، موصوفاً بالكرم والسخاء، والشجاعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوزير الأديب

وكان يكتب لعمال الولايات الرسائل المسجوعة، والتي تدل على علو كعبه في ميدان الأدب والسياسة معاً. أهداه الجاحظ كتاباً مشهوراً وهو "التاج في أخلاق الملوك"، وكتب له أبو جعفر محمد بن حبيب، "كتاب الأيام" في أربعين جزءاً.

وشارك الفتح إلى جانب العمل السياسي، في دنيا التأليف والأدب، ووضع عدداً من المؤلفات منها:

  • «كتاب البستان»،
  • «الصيد والجوارح»،
  • «اختلاف الملوك»،
  • «الروض والزهر»،

وقد ذكر المسعودي أن محمداً بن الحارث التغلبي هو الذي كتب له كتاب أخلاق الملوك.

مدحه البحتري فقال فيه:

لوت بالسلام بناناً خضيباً      ولحظاً يشوق الفؤاد الطروبا
فكالسيف إن جئته صارماً وكالبحر إن جئته مستغيثا
فتىً كرَم الله أخلاقه وألبسه الحمد غضاً قشيبا


بنى الفتح في سر من رأى واحداً من أجمل القصور وأكبرها، وهو المعروف بالجوسق الخاقاني، كانت نهايته والخليفة حزينة ومأساوية في آن معاً، فقد عقد المتوكل ولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد، إلا أنه أراد أن يقدَم ابنه المعتز على المنتصر، إرضاءً لأمه قبيحة، والتي كان يحبها كثيراً، وبإيحاء من وزيره الفتح، إلا أن المنتصر لما علم بذلك، فقد اتفق مع عدد من قادة الجند الذين اتفقت مصالحهم معه، على قتل والده ووزيره معاً، ولأن المتوكل كان قد أمر بالقبض على ما في يد القائد وصيف من ضياع في أصبهان والجبل ومنحها لوزيره الفتح بن خاقان، فحنق عليه القائد وصيف، وتعاون مع القادة الآخرين وابن الخليفة، فقتلوهما في ليل الخميس الرابع من شوال عام سبعة وأربعين ومئتين للهجرة، داخل ردهات القصر الجعفري.

والفتح هذا، هو خلاف الفتح بن محمد بن خاقان المؤرخ والأديب الأندلسي المعروف وصاحب «قلائد العقيان».


انظر أيضاً

المصادر

  • عبد الله محمود حسين. "ابن خاقان (الفتح بن أحمد -)". {{cite web}}: Unknown parameter |publiher= ignored (|publisher= suggested) (help)

للاستزادة