الفتح بن محمد بن خاقان

الفتح بن محمد بن خاقان (480-529هـ/1087-1134م) هو أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان بن عبد الله القيسي الإشبيلي. أديب وكاتب وشاعر. ولد في إشبيلية وفيها نشأ وترعرع. أخذ العلم عن طائفة من أدباء عصره، ومنهم ابن اللبانة (ت 507هـ) وأبو محمد بن عبدون (ت 529هـ) وغيرهما، ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال أصبح من أشهر كتّاب الأندلس، وكان كثير الأسفار والرحلات، تنقل بين ربوع الأندلس والمغرب ومدنهما، وكانت براعته في النثر أكثر من الشعر، واتفق كتّاب عصره ومؤرخوه، على أن نثره كان «كالسحر الحلال والماء الزلال».

ويـبدو أن أحد أسباب أسفاره ورحلاته الكثيرة، هو هجاؤه للأعيان والشعراء والوزراء، فقد كان ثابت الجنان شجاعاً في نقدهم وهجائهم ووصفهم بما يسيء إليهم، سواء أكان ذلك الوصف صادقاً أم غير صادق، وقيل إن أحكامه ووصفه وترجماته كانت بحسب رضاه أو سخطه على الموصوف أو المترجم له.

ويروون عنه أنه لما عزم على تصنيف كتابه «قلائد العقيان» جعل يرسل إلى كل واحد من ملوك أهل الأندلس ووزرائها وأعيانها من أهل الأدب والشعر والبلاغة، يعرفه عزمه، ويسأله إنفاذ شيء من شعره ونثره ليذكر في كتابه.

وكانوا يعرفون شرّه، فكانوا يخافونه وينفذون إليه ذلك مع صرر الدنانير، فكل من أرضته صِلته، أحسن في كتابه وصفه وصفته، وكل من تغافل عن برِّه هجاه. وكان ممن أرسل إليهم - أبو بكر بن باجه المعروف بابن الصائغ - وكان وزير ابن فلويت صاحب المرية، وكان ابن الصائغ هذا أحد الأعيان، وأركان العلم والبيان، شديد العناية بعلم الأوائل، وكانوا يشبّهونه في المغرب بابن سينا في المشرق، وله كتب في المنطق وغيره.

فلما وصلته رسالة ابن خاقان، لم يلتفت إليها ولم يعرها اهتمامه، ولم يرسل إليه ما طلب، ويبدو أن هذا أغضب ابن خاقان، فجعله في خاتمة كتابه، ووصفه وصفاً سيئاً بل ذمّه ذمّاً قبيحاً، ويبدو أنه لم يستطع إنكار فضله كل الإنكار فقال في ختام ترجمته: «وله نظم أجاد فيه بعض الإجادة، وشارف الإحسان أو كاده».

ولما بلغ ذلك ابن الصائغ، رأى أن يسترضيه، فأرسل إليه مالاً، وطلب منه أن يكف عن هجائه وأن يصالحه.

وقد أرضى هذا ابن خاقان فيما يبدو، فلما كتب كتابه «مطمح الأنفس ومسرح التأنس» افتتحه بذكر ابن الصائغ، وأثنى عليه ثناء جميلاً ومدحه قائلاً: «الوزير أبو بكر بن الصائغ هو بَدْرُ فهمٍ ساطعٌ، وبرهان علم لكل حجّةٍ قاطعٌ، تفوّحت بعطره الأعصار، وتطيّبت بذكره الأمصار... مع نزاهة النفس وصونها، وبعد الفساد من كونها».

كما كتب ابن خاقان رسائل كثيرة، جمعت في كتابه «مجموع رسائل»، ومنها رسالته البليغة التي أرسلها إلى أبي بكر بن علي بن تاشفين حين ولِّي إشبيلية، وقد جاء فيها:

«أطال الله بقاء الأمير الأجل أبي بكر، للأرض يتملكها، ويستدير بسعده فلكها، استبشر الملك وحقّ له الاستبشار، وأومأ إليه السعد في ذلك وأشار، بما اتفق من توليتك، وخفق عليه من ألويتك، فلقد حُبِيَ منك بملكٍ أمضى من السهم المسدد، طويل نجاد السيف رحب المقلد (سعة الصدر)، يقدم حيث يتأخر الذابل (الرمح أو حامله) ويكرم إذا بخل الوابل، ويحمي الحمى كربيعة بن مُكَدَّم، ويسقي الظبا نجيعاً كلون العندم (زهر أحمر) فهنيئاً للأندلس لقد استردت عهد خلفائها، واستمدت تلك الإمامة بعد إغفائها والله تعالى أسأله انتصار أيامك، وبه أرجو انتشار أعلامك… والسلام».

وللفتح بن خاقان شعر كثير، ومن أحسن ما نظم قوله يذكر مسقط رأسه إشبيلية ويحنّ إليها:

ويحكِ يا سَلْمَ لا تراعي      لا بـدّ للبين من مساع
لا تحسبيني صَبَرْتُ إلا كصبر مَيْتٍ على النـزاع
ما خلق الله من عذاب أشـدّ من وقفة الوداع
إن يفترق شملنا وشيكاً من بعد ما كان في اجتماع


قُتل ابن خاقان ذبحاً، في نحو الخمسين من عمره، وهو بعيد عن وطنه، ويقال إن الذي أشار بقتله أمير المسلمين أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتبه

خلّف ابن خاقان خمسة كتب طبع منها ثلاثة وهي:

  • «قلائد العقيان» في أخبار شعراء المغرب،
  • «مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس»،
  • رسالة في «ترجمة ابن السّيد البَطَلْيَوْسي».

والكتابان الآخران مفقودان ولا يُعرف سوى اسميهما وهما:

  • «راية المحاسن وغاية المحاسن»،
  • «مجموع رسائل».


ببليوجرافيا

سيرة ابن خاقان مذكورة في الوافي في الوفيات للصدفي.

المصادر

  • عبدو محمد. "ابن خاقان (الفتح بن محمد -)". الموسوعة العربية.

للاستزادة

الكلمات الدالة: