إدوارد گيبون

(تم التحويل من إدوارد جيبون)

إدوارد گيبون Edward Gibbon (8 مايو 1737[1] – 16 يناير 1794)[2]، هو مؤرخ إنگليزي وعضو البرلمان. أهم كتبه تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية الذي يعد من أهم وأعظم المراجع في موضوعه. كتب كتابه في ستة أجزاء من عام 1776-1788 م. من خلال كتابه، الذي اشتهر برصانة تحليلاته ونبرة السخرية البادية فيه، وباستخدامه للمصادرة الأصلية، لاستنكاره الصريح للديانة المنظمة (المسيحية)، إلا أن مدى هذا الاستنكار هو موضع خلاف بين النقاد.[3].

إدوارد گيبون
Edward Emily Gibbon.jpg
پورتريه، زيت على كانفا، لإدوارد گيبون (1737–1794) بريشة السير جوشوا رينولدز (1723–1792)
وُلِدَ27 أبريل 1737
توفييناير 16, 1794(1794-01-16) (aged 56)

كتب هوراس ولبول لأحد كبار المؤرخين، وهو روبرتسن، يقول "أن المؤرخين المجيدين أندر الكتاب أجمعين، ولا غرابة في هذا! فالأسلوب الجيد ليس بالأمر الشائع جداً، وأندر منه الإحاطة الدقيقة الشاملة بالحقائق، ولم تتوفر في جبون الشرط الأخير تماماً، ولكن هذا يقال أيضاً عن تاكيتوس، وهو وحده الذي يمكن أن يقف معه على قدم المساواة بين أساطين المؤرخين.

كتب جبون، أو بدأ كتابه، ست سير ذاتية، أدمجها منفذ وصيته الأدبي، وهو ايرل شفيلد الأول، وفي "مذكرات. (1796) جيدة الحبك، منقاة دون موجب، وتعرف أحياناً باسم "السيرة الذاتية". كذلك كان جبون يدون يومية، بدأها في 1761 وواصل تدوينها تحت عناوين مختلفة حتى 18 يناير 1763. وقد حكم العارفون على هذه المصادر الأولى لنشأته بأنها صحيحة إلى حد معقول، إلا فيما يتصل بنسبه.[4]

وقد أنفق ثماني صفحات يفصل القول في كرم مجتده، وقد أخذه عنه النسابون القساة. فجده إدوارد جبون الأول كان أحد مديري شركة البحار الجنوبية الذين قبض عليهم بتهمة الانحراف بعد أن تفجرت تلك "الفقاعة" (1721). وصودرت كل ثروته التي قدرها بمبلغ 106.543 جنيه، فيما عدا 10.000 جنيه. ويروي لنا المؤرخ أن على هذه البقية الباقية "بنى صرح ثروة جديدة... لا تقل كثيراً عن الأولى"ولم يكن موافقاً على زواج ابنه إدوارد الثاني، ومن ثم أوصى بمعظم ثروته لبنتيه كاترين وهستر وتزوجت بنت كاترين بإدوارد الثالث، الذي اشترى فيما بعد كرسياً في البرلمان لإدوارد جبون الثالث، أما هستر فأصبحت تابعة غنية من أتباع وليم لو، وغاظت ابن أخيها ردحاً طويلاً بموتها البطيء. وقد تعلم إدوارد الثاني على يد لو، وأكمل تعليمه في مدرسة ونشستر وفي كمبردج، وتزوج جوديت بورتن، ورزق منها سبعة أطفال، ولم يجز سن الطفولة منهم غير إدوارد الثالث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحياة المبكرة: 1737–1752

ولد في بتن بإقليم صري في 8 مايو 1737. وماتت أمه في 1747 بسبب حملها السبع، فانتقل الأب إلى ضيعة في الريف ببيتوريتن في هامبشير، على ثمانية وخمسين ميلاً من لندن، تاركاً الصبي في رعاية خاله ببيت جده في بتني. وهناك أكثر دارس المستقبل الانتفاع بالمكتبة الحافلة بالكتب. وقد قطعت أمراضه المتكررة تقدمه في مدرسة ونشستر، ولكنه كان يشغل أيام نقاهته بالقراءة النهمة وأكثرها في التاريخ، خصوصاً تاريخ الشرق الأدنى "ولم يلبث محمد (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون أن استرعوا انتباهي.. وأسلمني كتاب إلى كتاب حتى طفت بكل تاريخ الشرق. وقبل أن أبلغ السادسة عشرة كنت قد أتيت على كل ما كتب بالإنجليزية عن العرب والفرس، والتتار والترك". ومن هنا هذه الفصول الرائعة عن محمد (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين، والاستيلاء على القسطنطينية.

يروي أنه حين أرسل إلى كلية مجدلين بأكسفورد وهو في الخامسة عشرة "وصلت إليها بذخيرة من المعرفة الواسعة قد تحير فقيهاً، وبدرجة من الجهل يندى لها جبين تلميذ" وكان فيه من الهزال ما يمنعه من الانخراط في الألعاب الرياضية، ومن الحياء ما يصده عن الاختلاط الطبيعي بغيره من الطلاب. وكان من الجائز أن يكون تلميذاً نابغة لو قيض له معلم كفء: ولكنه على ما كان به من شغف بالتعليم افتقد الأستاذ الشغوف بالتعليم. وكان أكثر المعلمين يسمحون لتلاميذهم بحضور المحاضرات أو التخلف عنها، بإنفاق نصف وقتهم في "إغراءات باطلة" ومن ثم أغضوا عن "انحرافاته السلوكية، والمعاشرات الرديئة، والسهر، والإنفاق الطائش"، وحتى الرحلات الترفيهية إلى باث أو لندن. على أنه "كان في من الحداثة والحياء ما يمنعني من الاستمتاع بحانات كوفنت جاردن ومواخيرها كما يستمتع بها الكثير من طلاب أكسفورد حين يلمون بلندن".

وكان أساتذة الكلية كلهم من رجال الدين، يعلمون ويسلمون بمواد الكنيسة الأنجليكانية التسع والثلاثين. وكان جبون ذا نزعة قتالية، كثير السؤال لمعلميه. ولاح له أن الكتاب المقدس والتاريخ يبرران الكنيسة الكاثوليكية في دعواها بالأصل الإلهي. وحصل له أحد معارفه على بعض الكتب المقلقة، وأهمها كتاب بوسويه "عرض للعقيدة الكاثوليكية وتاريخ المذاهب البروتستانتية"، هذه "حققت هدايتي، ولا شك أنني وقعت في يد نبيلة". وباندفاع الشباب اعترف على كاهن كاثوليكي، وقبل عضواً في كنيسة روما (8 يونيو 1753).


أكسفورد، لوزان، والرحلة الدينية: 1752–1758

وأحاط أباه علماً بالأمر، ولم يدهشه أنه دعا للعودة إلى وطنه، لأن أكسفورد لم تكن تقبل الكلاب الكاثوليك، وكان دخول بروتستانتي في المذهب الكاثوليكي الروماني- طبقاً لما يقول بلاكستون يعد "خيانة عظمى". وما أسرع ما نفى الأب المروع الفتى إلى لوزان، ورتب أن يقيم مع راع كلفني. هناك عاش إدوارد أولاً في حالة من العناد المتجهم. ولكن المسيو بافيار كان رجلاً عطوفاً وأن أعوزه التسامح الديني، فاستشعر الصبي المحبة له في بطئ. ثم أن الراعي كان دارساً كلاسيكياً قديراً. وتعلم جبون أن يقرأ الفرنسية ويكتبها بطلاقة الإنجليزية، واكتسب معرفة طيبة باللاتينية. ولم يلبث أن استقبلته الأسر المثقفة التي كانت طباعها وحديثها تعليماً يفضل ما لقنته أكسفورد من قبل.

فلما تحسنت فرنسيته أحس نسائم العقلانية الفرنسية تهب على لوزان. واختلف بابتهاج إلى التمثيليات التي قدمها فولتير في مونريون القريبة منه وهو بعد في العشرين (1757). "وكنت أحياناً أتعشى مع الممثلين". والتقى بفولتير، وبدأ يقرأ فولتير، وقرأ كتاب فولتير الحديث "مقال في التاريخ العام" (مقال في الأعراف). وأكب على كتاب مونسكيو "روح القوانين" (1748) وأصبح كتاب "تأملات في أسباب عظمة الرومان وتدهورهم" (1734) نقطة الانطلاق لكتاب جبون "اضمحلال الدولة الرومانية وسقوطها". أياً كان الأمر، فإن تأثير الفلاسفة الفرنسيين، فضلاً عن قراءته لهيوم والربوبيين الإنجليز، قوضا مسيحية جبون وكاثوليكيته على السواء، وأبطل قبول جبون للتنوير سراً الانتصار الذي أحرزه بافيار للإصلاح البروتستانتي.

الرومانسية المحبطة

 
إدوارد گيبون، رسم هنري والتون (ت. 1813)

ولا بد أن روحه انتشت حين التقى في العام نفسه (1757) بكل من فولتير وسوزان كورشو؛ وكانت في العشرين، شقراء، حسناء، مرحة، تعيش مع أبويها البروتستانتيين في كراسي، على أربعة أميال من لوزان، وكانت الروح القائدة في "جماعة الربيع"- وهي لفيف من خمسة عشرة شابة أو عشرين يلتقين في بيوت بعضهن البعض، ويغنين، ويرقصن، ويمثلن الكوميديات، ويغازلن الشباب في حكمة وتعقل. ويؤكد لنا جبون أن "عفتهن لن تلوثها قط همسة فضيحة أو شبة". ولندعه يروي القصة: "في زيارتها القصيرة لبعض أقربائها في لوزان كان ظرف الآنسة كورسو، جمالها، وسعة علمها، محل إعجاب الجميع. وقد أثار فضولي نبأ هذه العجيبة. فرأيت، وأحببت. ووجدتها مثقفة دون تنطع، مرحة في حديثها، نقية في عاطفتها، وشيقة في طباعها. وكانت ثروتها متواضعة، ولكن أسرتها محترمة... وقد أذنت لي بأن أزورها مرتين أو ثلاثاً في بيت أبيها. وأنفقت أياماً سعيدة هناك... وقد شجع والدها هذه الصلة تشجيعاً كريماً فأشبعت حلمي بالسعادة العظمى".

ويبدو أن خطبتهما عقدت رسمياً في نوفمبر 1757، ولكن موافقة سوزان كانت مشروطة بوعد جبون بالعيش في سويسرا. وفي غضون هذا أمر أبوه- الواثق بأن ابنه غدا الآن بروتستانتياً صالحاً- بأن يعود إلى وطنه ويستمع إلى الخطط التي وضعت له. ولم يكن جبون حريصاً على العودة، لأن أباه كان قد اتخذ زوجة ثانية، ولكنه أطاع، ووصل لندن في 5 مايو 1758؟ "وسرعان ما تبينت أن أبي يرفض هذا الزواج الغريب، وأنني سأكون مملقاً عاجزاً إذا أبى الموافقة. وبعد كفاح أليم أذعنت لإرادة أبي: تنهدت كعاشق وأطعت كإبن". ثم نقل تنهده إلى سوزان برسالة كتبها في 24 أغسطس. ورتب له أبوه راتباً سنوياً قدره 300 جنيه. وكسبت زوج أمه عرفانه بصنيعها لأنها لم تنجب، ولم يلبث أن نمت في قلبه محبته. وأنفق شطراً كبيراً من دخله على الكتب، و"كونت بالتدريج مكتبة كبيرة منقاة، وهي ركيزة مؤلفاتي، وخير عزاء لي في الحياة".

المجد الأول والجولة الكبرى: 1758–1765

 
قلعة پورتشستر أصبحت تحت قيادة گيبون لفترة وجيزة وهو ضابط في مليشيا هامپشير

.[5]]]

وكان قد بدأ مقالاً في لوزان وأتمه في بوريتون (حيث كان ينفق الصيف) وعنوان المقال "في دراسة الأدب":، وقد نشر باندن في 1761 وبجنيف في 1762. وإذ كان مكتوباً بالفرنسية، ويتناول أول ما تناول الأدب والفلسفة الفرنسية، فإنه لم يثر ضجة في إنجلترا، ولكنه استقبل في القارة استقبال إنجاز ممتاز لفتى في الثانية والعشرين. وقد احتوى بعض الأفكار ذات الدلالة في كتابة التاريخ. " أن تاريخ الإمبراطوريات هو تاريخ شقاء الإنسان، وتاريخ المعرفة هو تاريخ عظمته وسعادته... والاعتبارات كثيرة تجعل هذا النوع الثاني من الدراسة غالياً في عيني الفيلسوف"(59). ومن ثم "إذا لم يكن الفلاسفة دائماً مؤرخين، فمن المرغوب فيه على الأقل أن يكون المؤرخون فلاسفة"(60). وقد أضاف جبون في "مذكراته" هذه العبارة "منذ شبابي الباكر تاقت نفسي إلى أن أكون مؤرخاً"(61). وراح يفتش عن موضوع يلائم الفلسفة والأدب كما يلائم التاريخ. أما التاريخ في القرن الثامن عشر فلم يدع أنه علم من العلوم، لا بل أنه تاق إلى أن يكون فناً. أما جبون فأحس بأنه يريد أن يكتب التاريخ بوصفه فيلسوفاً وفناناً: يعالج موضوعات واسعة في منظور واسع، ويسبغ على فوضى المواد دلالة فلسفية وشكلاً فنياً. غير أنه دعا فجأة من الدراسة إلى العمل. ذلك أن إنجلترا تعرضت غير مرة خلال حرب السنين السبع لخطر الغزو من فرنسا. واستعداداً لهذا الطارئ كون أعيان الإنجليز مليشيا تذود عن البلاد خطر الغزو أو التمرد. ولم يسمح إلا لذوي الأملاك بأن يكونوا ضباطاً. وعين جبون الأب ضابطاً كبيراً والابن ضابطاً صغيراً في يونيو 1759. والتحق إدوارد الثالث بفرقته في يونيو 1760، وبقي معها حتى ديسمبر 1762 فترات منقطعة، يتنقل من معسكر إلى معسكر. ولم يكن بالرجال الصالح للحياة العسكرية، وأصابه "الملل من رفاق لم يؤتوا معرفة الدارسين ولا طباع السادة المهذبين".

الإخفاق الأدبي

وفي حياته العسكرية وجد صفنه يتمدد بما فيه من سائل. "اضطررت اليوم (6 سبتمبر 1762) لاستشارة الجراح المستر أندروز في أمر علة أهملتها بعض الوقت، وهي ورم في خصيتي اليسرى يخشى أن تكون خطيرة". ففصد وأعطي مسهلاً، ولم يسفر هذا العلاج إلا عن تخفيف مؤقت. وقد قدر لهذه "العلة" أن تعذبه حتى كانت القاضية عليه.

وفي 25 يناير 1763 انطلق في رحلة إلى القارة. وتوقف برهة في باريس حيث التقى بدلامبير، وديدرو، ورينال، وغيرهم من نجوم حركة التنوير. "كان لي مكان خلال أربعة أيام في الأسبوع... على الموائد المضيافة للسيدتين جوفران وبوكاج، وهلفتوس الذائع الصيت، والبارون دولباخ... ومرقت أربعة عشر أسبوعاً دون أن أحس بها، ولكن لو كنت غنياً غير معتمد على أبي لأطلت المكث في باريس وربما جعلتها مستقري".

وفي مايو 1763 وصل إلى لوزان حيث أقام قرابة عام. ورأى الآنسة كورشو، ولكن حين وجدها موفقة في خطبتها، ولم يحاول أن يجدد صداقته بها. ويعترف في هذه الزورة الثانية لسويسره قائلاً "أن عادات المليشيا وتمثلي بمواطني أفضيا بي إلى شيء من الإفراط الصاخب في الشراب، وقبل أن أرحل كنت قد فقدت عن جدارة رأي الناس الطيب في، وهو الرأي الذي ظفرت به في أيام سلوكي الأفضل". وقد خسر مبالغ كبيرة في القمار، ولكنه واصل دراساته إعداداً لإيطاليا، ومكباً على القديم من الميداليات، والعملات، وأدلة السياح، والخرائط.

وفي أبريل 1764 عبر جبال الألب. وأنفق ثلاثة أشهر في فلورنسة، ثم مضى إلى روما. وأرشده مغترب اسكتلندي بين أطلال العصر الكلاسيكي القديم "في جهد يومي امتد ثمانية عشر أسبوعاً". يقول "في روما، وفي الخامس عشر من أكتوبر 1764، بينما أنا جالس مستغرقاً في تأملاتي وسط خرائب الكابتول، وبينما الرهبان الحفاة يرتلون صلوات العشاء في معبد جوبتر، خطرت لي لأول مرة فكرة الكتابة عن اضمحلال وسقوط المدينة لا الإمبراطورية". وانتهى به التفكير إلى أن يرى في ذلك التفسخ المدمر "أعظم بل ربما أرهب مشهد في تاريخ الإنسان". وبعد أن ألم بنابلي، وبادوا، والبندقية، وفتشنتسا، وفيرنا، عاد إلى لندل بطريق تورين وليون وباريس ("أسبوعان سعيدان آخران") (25 يوليو 1765).

وكان يقضي معظم وقته الآن في بوريتون، لذلك سمح لنفسه بأن يتلهى بالبدء في كتابة تاريخ لسويسرا بالفرنسية. فلما رأى هيوم المخطوطة في لندن، كتب إلى جبون (24 أكتوبر 1767) يرجوه أن يستعمل الإنجليزية ويتنبأ بأن الإنجليزية ستبز عما قريب الفرنسية انتشاراً ونفوذاً، ثم نبه جبون إلى أن استعماله للفرنسية أسلمه "إلى أسلوب فيه من الشاعرية والمجاز والإسراف في التلوين أكثر مما تسمح به لغتنا في المؤلفات التاريخية". وقد اعترف جبون بعد ذلك قائلاً "أن عاداتي القديمة... شجعتني على أن أكتب بالفرنسية لقارة أوربا، ولكنني أنا نفسي كنت شاعراً بأن أسلوبي، الذي كان يعلو على النثر ويدنو عن الشعر، وقد انحدر إلى أسلوب خطابي طنان شديد الأطناب". وخلف له موت أبيه (10 نوفمبر 1770) ثروة وفيرة. وفي أكتوبر 1772 اتخذ مقامه الدائم في لندن. "وما أن أستقر بي المقام في بيتي ومكتبي حتى اضطلع بتأليف المجلد الأول من تاريخي".

وقد سمح لنفسه بألوان كثيرة من الترفيه- أمسيات في بيت هوايت، واختلاف إلى "نادي" جونسن، ورحلات إلى برايتن، وباث، وباريس. وفي 1774 أنتخب عضواً في البرلمان عن "دائرة جيب" يتحكم فيها قريب له. وقد لزم الصمت وسط المناقشات التي دارت في مجلس العموم. وكتب (25 فبراير 1775) يقول "ما زلت صامتاً. أن الأمر أرهب مما تصورت، فحول الخطابة يملأونني يأساً، وأضعفهم يملأنني رعباً". غير أن "الدورات الست التي قضيتها في البرلمان كانت لي مدرسة علمتني الحكمة المهذبة، وهي أولى فضائل المؤرخ وألزمها"وحين اكتنفه الجدل حول أمريكا، صوت بانتظام في جانب سياسة الحكومة، ووجه للأمة الفرنسية "مذكرات تبريرية" (1779) بسط فيها حجج إنجلترا ضد مستعمراتها الثائرة. وقد أجيز بمقعد في مجلس التجارة والمزارع، أتاه بسبعمائة وخمسين جنيهاً في السنة. واتهمه فوكس بالتكسب من ذلك الفساد السياسي الذي أوضح أنه من أسباب اضمحلال روما. وقال الظرفاء أن جورج الثالث اشترى حبون مخافة أن يسجل اضمحلال وسقوط الإمبراطورية البريطانية.

تاريخ تراجع وسقوط الامبراطورية الرومانية: 1776–1788

 
لوحة زرقاء تشير لمنزل گيبون في شارع بنتينك، لندن.

كان شغل جبون الشاغل بعد عام 1772 كتابه في التاريخ، وقد وجد من العسير عليه أن يفكر جدياً في أي شيء سواه. "لقد بذلت محاولات كثيرة قبل أن استقر على أسلوب وسط بين سجل الأخبار الممل والعرض الخطابي البليغ. وكتب الفصل الأول ثلاث مرات، والثاني والثالث مرتين، قبل أن أرضى رضاء معقولاً عن وقعها". لقد عقد عزم على أن يجعل كتابه التاريخي أثراً أدبياً.

وفي 1775 عرض جبون مخطوطة الفصول الستة عشر الأول على ناشر رفضها لأنها تكلفه ثمناً غالياً يحول دون النشر. واشترك كتيبان آخران هما توماس كولدويل ووليم ستراهان في مغامرة طبع المجلد الأول من "اضمحلال الإمبراطورية الروماني وسقوطها" (17 فبراير 1776). وبيعت النسخ الألف بحلول 26 مارس رغم أن الكتاب سعر بجنيه إنجليزي (26 دولاراً). ونفدت طبعة ثانية من ألف وخمسمائة نسخة صدرت في 3 يونيو بعد صدورها بثلاثة أيام. "كان كتابي على كل خوان، وعلى كل تسريحة تقريباً". وأجمعت دنيا الأدب على الثناء عليه وهي على ما عهد فيها من تحاسد وتنابذ يمزقها. وبعث وليم روبرتسن إلى المؤلف بعبارات التحية السخية، أما هيوم فقد كتب في هذا العام الذي مات فيه إلى المؤلف رسالة يقول جبون إنها "أجزلت له المكافأة على جهد سنين عشر. وصرح هوراس ولبول غداة نشر الكتاب لوليم ميسن: "ها قد صدر للتو والساعة أثر من عيون الأدب حقاً".

وقد استهل الكتاب استهلالاً منطقياً وجريئاً بثلاثة فصول عميقة فصلت الامتداد الجغرافي والتنظيم العسكري والبناء الاجتماعي والتكوين القانوني للإمبراطورية الرومانية عند موت مرقص أوريليوس (180م) وفي رأي جبون أن السنين الأربع والثمانين السابقة لهذا التاريخ قد شهدت الإمبراطورية في أوج كفاية موظفيها ورضى شعوبها. " لو أن إنساناً إليه أن يحدد فترة في تاريخ العالم كانت فيها حال النوع الإنساني غاية في السعادة والرخاء، لاختار دون تردد الفترة التي امتدت من وفاة دوميشيان إلى تولي كومودس (180). فقد كان ملك الإمبراطورية الرومانية الشاسع محكوماً بسلطة مطلقة، وبهدى من الفضيلة والحكمة. وكانت الجيوش تضبطها يد أربعة أباطرة متعاقبين، جمعت بين الحزم والرفق، وهم حكام فرضت شخصياتهم وسلطتهم الاحترام التلقائي. وصان أشكال الإدارة المدنية في عناية ودقة الأباطرة نيرفا، وتراجان، وهادريان، والانطونيان، هؤلاء الذين كانت صورة الحرية مبعث ابتهاج لهم، وسرهم أن يروا أنفسهم خدام القوانين والمسئولين... ولقيت جهود هؤلاء الملوك خير جزاء في فخر الفضيلة الحق، والبهجة العميقة، يستشعرونها حين يرون السعادة العميقة التي كانوا صناعها".

غير أن جبون أدرك "تزعزع السعادة التي تعتمد بالضرورة على خلق رجل واحد. ولعل اللحظة القاضية كانت وشيكة، حين يسيء فتى إباحي أو طاغية حسود.. استعمال السلطة المطلقة". لقد كان "الأباطرة الصالحون" تنتخبهم ملكية متبنية- فكل حاكم يورث سلطانه لعضو مختار ومدرب من حاشيته. وقد سمح مرقص أوريليزس بأن يرث السلطة الإمبراطورية ابنه الحقير كومودس، وأرخ جبون اضمحلال الإمبراطورية منذ توليه العرش. ثم ذهب جبون إلى أن ظهور المسيحية أعان على ذلك الاضمحلال. وهنا تخلى عن اتباع رأي مونتسكيو الذي لم يقل شيئاً كهذا في كتابه "عظمة الرومان وانحطاطهم"، إنما اتبع فولتير، وكان موقفه عقلانياً خالصاً، فقد تجرد من أي ميل للنشوة الصوفية أو الإيمان المملوء بالرجاء،

وأعرب عن رأيه في فقرة تشم فيها نكهة فولتيرية. قال: "أن شتى أساليب العبادة السائدة في العالم الروماني كانت كلها في نظر الشعب سواء في الصدق وفي نظر الفيلسوف سواء في الكذب، وفي نظر الحاكم سواء في النفع. وهكذا أثمر التسامح انسجاماً دينياً"(، وكان جبون يتجنب عادة أي تعبير مباشر بعدائه للمسيحية، فقد كانت لا تزال هناك قوانين في سجلات إنجلترا التشريعية تعد هذا التعبير جريمة خطيرة. مثال ذلك "إذا أنكر شخص نشئ على الديانة المسيحية، كتابة"،... صدق المسيحية، كان عقابه إذا عاد... السجن ثلاث سنوات دون قبول كفالة عنه". ودرءاً لهذا العناء اتخذ الإلماع الخفي والتهكم الشفاف عنصرين من عناصر أسلوبه، ونوه في حرص إلى أنه لن يناقش مصادر المسيحية الأولية وفوق الطبيعة، بل سيكتفي بمناقشة العوامل الثانوية والطبيعية في أصل المسيحية ونموها. وأدرج في هذه العوامل الثانوية "أخلاقيات المسيحيين الطاهرة الصارمة" في القرن المسيحي الأول، ولكنه أضاف عاملاً آخر "غيرة المسيحيين لا مرونة فيها (ولا تسامح إن جاز لنا أن نستعمل هذا التعبير)"ومع أنه امتدح "وحدة الجمهورية المسيحية وانضباطها"، فإنه لاحظ أنها "شيئاً فشيئاً كونت دولة مستقلة متعاظمة في قلب الإمبراطورية الرومانية". وقد رد بوجه عام تقدم المسيحية في أول عهدها إلى العملية الطبيعية لا إلى المعجزة، ونقل الظاهرة من اللاهوت إلى التاريخ.

ولكن كيف أعانت المسيحية على اضمحلال روما؟ أولاً بإضعاف إيمان الشعب بالدين الرسمي، وبذلك قوضت أسا الدولة التي سندها ذلك الدين وقدسها. (وهذا بالطبع كان بالضبط حجة اللاهوتيين على جماعة الفلاسفة). وارتابت الحكومة الرومانية في المسيحيين بحجة أنهم يؤلفون جماعة سرية معادية للخدمة العسكرية، ويصرفون الناس عن الأعمال النافعة إلى التركيز على الخلاص السماوي. (فالرهبان في رأي جبون كانوا رجالاً متبطلين استسهلوا التسول والصلاة على العمل). أما الملل الأخرى فكان في الاستطاعة التسامح معها لأنها كانت متسامحة ولأنها لم تعرض وحدة الأمة للخطر، وكان المسيحيون هم الملة الجديدة الوحيدة التي نددت بسواها من الملل وحكمت عليها بأنها شريرة هالكة، وتنبأت صراحة بسقوط "بابل"- أي روما. وقد عزا جبون قدراً كبيراً من هذا التعصب لأصل المسيحية اليهودية، وذهب مذهب تاسيتوس في التنديد باليهود في نقاط شتى في روايته. وحاول أن يفسر اضطهاد نيرون للمسيحيين على أنه في حقيقته اضطهاد لليهود، وليس لهذه النظرية اليوم مؤيد. وكان أكثر توفيقاً في اتباع رأي فولتير في إنقاص عدد المسيحيين الذين استشهدوا على يد الحكومة الرومانية، فلم يزيدوا في تقديره على الألفين على الأكثر، ووافق فولتير على أن "المسيحيين، على مدى خلافاتهم الداخلية (منذ قسطنطين) أوقعوا بعضهم ببعض من أعمال القسوة ما هو أفدح بكثير مما لا قوة من تعصب الكفار"، وأن "كنيسة روما دافعت بعنف عن الإمبراطورية التي اكتسبتها بالحيلة".

وقد أثار هذان الفصلان الختاميان (15- 16) ردوداً كثيرة اتهمت جبون بعدم الدقة، أو التحيف، أو عدم الإخلاص. أما جبون ففي تجاهل مؤقت لنقاده سمح لنفسه بالاستمتاع بإجازة طويلة في باريس (مايو إلى نوفمبر 1777). ودعته سوزان كورشو التي أصبحت زوجة جاك نكير المصرفي ووزير المالية إلى بيتهم. وكانت الآن في وضع مريح جداً بحيث لم يسوءها ما سبق من أنه "تنهد تتنهد العاشق، وأطاع طاعة الابن". أما المسيو نكير، الذي لم تخالجه الغيرة قط، فكثيراً ما كان يترك العاشقين السابقين وحيدين ويمضي إلى عمله أو فراشه. وشكا جبون قائلاً "أيمكن أن يهيناني إهانة أقسى من هذه؟ يا لها من طمأنينة وقحة!" أما جرمين، ابنة سوزان، (وهي التي أصبحت فيما بعد مدام دستال (فقد طابت لها صحبته حتى لقد جربت ألاعيبها المنفتحة عليه (وهي بعد في الحادية عشرة) وعرضت أن تتزوجه حتى تحتفظ به في الأسرة. وفي بيت نكير التقى بالإمبراطور يوزف الثاني، وفي فرساي قدم إلى لويس السادس عشر، الذي قيل إنه شارك في ترجمة المجلد الأول إلى الفرنسية. واحتفى به القوم في الصالونات لا سيما صالون المركيزة دودفان، التي وجدته "لطيفاً مؤدباً... أرقى من جميع الأشخاص الذين عاشوا معهم تقريباً"، ولكنها حكمت على أسلوبه بأنه "منمق؛ خطابي"، وأنه "يجري على طريقة أدبائنا المعترف بهم. وقد رفض دعوة من بنيامين فرانكلن، ببطاقة ذكر فيها أنه مع احترامه للمبعوث الأمريكي رجلاً فيلسوفاً، إلا أنه لا يستطيع أن يراه أمراً ينسجم مع واجبه قبل مليكه أن يدخل في أي حديث مع رجل مع الرعايا الثائرين. ورد فرانكلن بأنه يكن من الاحترام الشديد للمؤرخ ما يجعله سعيداً- أن خطر لجبون يوماً أن يتخذ من اضمحلال الإمبراطورية البريطانية وسقوطها موضوعاً للتأليف- بأن يزوده ببعض المواد المتصلة بالموضوع".

فلما عاد جبون إلى لندن، أعد رداً على نقاده- " دفاع عن بعض فقرات وردت في الفصلين الخامس عشر والسادس عشر من تاريخ اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" (1779) وقد تناول خصومه اللاهوتيين في إيجاز ورفق، ولكنه قليلاً في رده على هنري ديفز، وهو فتى في الحادية والعشرين كان قد اتهم جبون في كتاب من 284 صفحة بأخطاء سببها عدم الدقة. وقد اعترف المؤرخ ببعض الأخطاء ولكنه أنكر "تعمد التحريف، والأخطاء الجسيمة، والانتحالات الذليلة". واستقبل هذا "الدفاع" عموماً على أنه رد موفق. وبعدها لم يرد جبون على النقد إلا عرضاً في "المذكرات"، ولكنه وجد مكاناً لبعض المديح الذي أسبغه على المسيحية على سبيل المصالحة في أجزاء الكتاب التالية.

وقد ازداد تأليفه سرعة بفقده كرسيه في البرلمان (أول سبتمبر 1780)، فصدر المجلدان الثاني والثالث من "التاريخ" في أول مارس 1781 وقد استقبلا استقبلاً هادئاً. ذلك أن غزوات القبائل الهمجية كانت قصة قديمة، أما المناقشات الطويلة المتخصصة للهرطقات التي أثارت الكنيسة المسيحية في القرنين الرابع والخامس فلم يكن فيها ما يشوق جيلاً من الشكاك الدنيويين. وكان جبون قد أرسل سلفاً نسخة من المجلد الثاني إلى هوراس ولبول، فزار الآن ولبول في ميدان باركلي، وأحزنه أن يقال له "إن في الكتاب إسهاباً كثيراً عن الأريوسيين والأونوميين وأشباه البلاحيين... بحيث أنني أخشى أن القليلين سيصبرون على قراءة القصة رغم أنك كتبتها كأفضل ما يمكن كتابتها". وكتب ولبول يقول "من تلك الساعة إلى الآن لم أره قط، مع أنه اعتاد أن يزورني مرة أو مرتين كل أسبوع". وقد وافق جبون فيما بعد على رأي ولبول.

واستعاد المجلد الثاني الحياة حين تصدره قسطنطين. وقد فسر جبون دخوله الشهير في المسيحية على أنه عمل من أعمال الحنكة في فن الحكم. ذلك أن الإمبراطور كان قد أدرك أن تنفيذ أحكم القوانين أمر قاصر وغير مأمون، وأنها قلما تلهم بالفضيلة، وليس في قدرتها دائماً أن تكبح جماح الرذيلة". وفي وسط فوضى الأخلاق والاقتصاد والحكم في الإمبراطورية الممزقة، "قد يلحظ حاكم حصيف في سرور تقدم دين يبث بين الناس نسقاً من المبادئ الخلقية خيراً شاملاً للجميع، مكيفاً لكل واجب وكل ظرف من واجبات الحياة وظروفها، مزكى باعتباره إرادة الإله الأعلى وفكره، منفذاً بتكريس من الثواب أو العقاب الأبديين". أي أن قسطنطين أدرك أن العون المستمد من دين فوق طبيعي هو عون عظيم القيمة للأخلاق والنظام الاجتماعي والحكومة. ثم جرى قلم جبون بمائة وخمسين صفحة بليغة محايدة عن يوليان المرتد.

وقد ختم الفصل الثامن والثلاثين والمجلد الثالث بهامش امتدح ما تحلى به جورج الثالث من "حب خالص كريم للعلم وللبشر". وفي يونيو 1781، وبمساعدة اللور نورث، أعيد انتخاب جبون للبرلمان، حيث استأنف تأييده للوزارة. على أن سقوط اللور نورث (1782) أنهى حياة مجلس التجارة وأطاح بوظيفة جبون فيه؛ "لقد جردت من راتب مريح مقداره 750 جنيهاً في العام". فلما شغل نورث مكاناً في وزارة ائتلاف (1783)، تقدم جبون بطلب وظيفة شرفية أخرى. ولكنه لم ينلها "ما كنت لأستطيع بغير دخل إضافي أن أحتفظ طويلاً أو بحكمة وتدبر بأسلوب الإنفاق الذي ألفته". وقدر أن في استطاعته الاحتفاظ بذلك الأسلوب في لوزان، حيث كان لجنيهاته الإسترلينية ضعف قوتها الشرائية في لندن. وعليه فقد استقال من البرلمان، وباع كل ممتلكاته المنقولة غير الشخصية، فيما خلا مكتبته، وفي 15 سبتمبر 1783 رحل عن لندن "بدخانها وثرائها وضوضائها" قاصداً لوزان. وهناك قاسم صديقه القديم جورج ديفران قصراً مريحاً. وأنا أشرف على منظر مترام يجمع بين الوادي والجبل والماء، وبدلاً من الإطلال على حوش مبلط مساحته اثنا عشر قدماً مربعاً". ووصلته كتبه الألفان بعد أن تأخرت قليلاً، فشرع في تأليف المجلد الرابع.

وكان قد خطط أول الأمر أن ينهي "الاضمحلال والسقوط" بفتح روما عام 476. ولكنه بعد أن نشر المجلد الثالث "بدأت أتوق إلى الواجب اليومي، إلى البحث النشيط الذي يسبغ على كل كتاب قيمة، وعلى كل تحقيق هدفاً". ومن ثم استقر رأيه على أن يفسر عبارة "الإمبراطورية الرومانية: على أنها تنتظم الإمبراطورية الشرقية كما تنتظم الغربية، وأن يواصل قصته حتى يبلغ بها تدمير الحكم البيزنطي بفتح الأتراك للقسطنطينية عام 1453. وهكذا أضاف ألف سنة إلى مجال دراسته، واضطلع بمئات المواضيع الجديدة التي تتطلب البحث الشاق المضني.

وقد احتوى المجلد الرابع على فصول رائعة عن جستنيان وبلساريوس، وفصل عن القانون الروماني ظفر بمديح عظيم من فقهاء القانون، وفصل ممل عن مزيد من الحروب التي استعرت بين اللاهوتيين المسيحيين. وكتب ولبول يقول: "ليت المستر جبون لم يسمع قط بالمونوفيزيين (القائلين بطبيعة المسيح الواحدة) أو النساطرة أو أي من هؤلاء الحمقى!". وقد تحول جبون في المجلد الخامس في تخفيف واضح إلى ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) وفتح العرب للإمبراطورية الرومانية الشرقية، وأغدق على النبي والخلفاء الحربيين كل التفهم المحايد الذي خانه في حديثه عن المسيحية. وأعطته الحروب الصليبية موضوعاً مثيراً آخر في المجلد السادس، وكان استيلاء محمد الفاتح على القسطنطينية الذروة لمؤلفه والتاج الذي كلل عمله.

وقد لخص جهوده في الفصل الأخير في جملة مشهورة: "لقد وصفت انتصار الهمجية والدين". ولم ير في العصور الوسطى غير الفجاجة والخرافة وهو ما رآه فيها فولتير، أستاذه الذي لم يقر بفضله. وقد صور حالة الخراب التي آلت إليها روما في 1430 واستشهد برثاء بودجو لها إذ قال "ليت شعري أي خطب دهي بهاء الدنيا هذا! لشد ما انهار، وتغير، وشاه منظراً!"- رأى خراب الآثار والفن الكلاسيكيين أو تهدمهما، وساحة روما وقد حجبها نمو الحشائش واحتلتها الماشية والخنازير. واختتم جبون في حزن بهذه العبارة "وسط خرائب الكابتول خطر لي لأول مرة خاطر القيام بهذا العمل الذي أبهج ودرب عشرين سنة من حياتي تقريباً، عمل أسلمه في النهاية إلى فضول جمهور القراء وصراحتهم أياً كان قصوره عن أن يدرك مرامي". وقد استحضر في "مذكراته" تلك الساعة، ساعة الخلاص المفعمة بالمشاعر المتناقضة:

"وفي عشية السابع والعشرين من يونيو 1787، بين الحادية والثانية عشرة، كتبت آخر السطور في آخر صفحة، في مظلة صيفية في حديقتي، وبعد أن وضعت قلمي تجولت مرات... في ممشى مغطى من أشجار السنط، يشرف على مشهد يجمع بين الريف، والبحيرة، والجبال... ولست أريد إخفاء مشاعر الفرح التي غمرتني لاستعادتي حريتي، وربما لتوطيد شهرتي. ولكن سرعان ما أذلت كبريائي وأشاعت في عقلي اكتئاباً هادئاً، فكرة فراقي فراق الأبد لرفيق قديم أنيس، وأنه أياً كان مصير كتابي مستقبلاً، فإن حياة المؤرخ لا محالة قصيرة مزعزعة".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السنوات اللاحقة: 1789–1794

وصف المسيو بافيار جبون وهو في السادسة عشرة بأنه "جسد قصير نحيل يعلوه رأس كبير"(. وإذ كان يكره الرياضة ويحب الطعام، فإنه سرعان ما اكتسب استدارة في الجسم والوجه، وأصبح له كرش محترم يعتمد على ساقين نحيلتين، أضف إلى ذلك شعراً أحمر جعده من الجنب وعقصه من الخلف، وقسمات ملائكية لطيفة، وأنفاً دقيقاً، وخدين منتفختين، وذقناً ملغداً، وأهم من ذلك كله جبين عريض عال يعد بـ "إنجازات عظيمة القدر والخطر" والجلال واتساع المرمى. وكان تقريباً لجونسن في شهيته ولولبول في نقرسه. وقد تضخم صفنه بشكل مؤلم عاماً بعد عام حتى أبرزته سراويله الضيقة بروزاً مزعجاً. ولكنه رغم معايبه كان مغروراً بمظهره ولباسه، وصدر المجلد الثاني من كتابه بصورته التي رسمها له رينولدز. وكان يحمل علبة نشوق في خاصرته، وينقر عليها نقراً خفيفاً إذا احتد أو أراد أن يصغي إليه سامعيه. وكان أـنانياً شأن أي رجل له هدف يستغرقه. ولكنه كان صادقاً "لقد وهبت مزاجاً بشوشاً، وحساسية معتدلة (ولكن دون إسراف في العاطفة) وميلاً فطرياً للاسترخاء".

وفي 1775 أنتخب عضواً في "النادي". وكان كثير التردد عليه نادر الكلام فيه، يبغض فكرة جونسن عن الحديث. وكان جونسن يعلق على "دمامة" جبون على نحو مسموع أكثر مما ينبغي، أما جبون فكان يصف هذا "الدب الأكبر" بأنه "علام حكيم" وأنه "عدولاً يغفر"، و"عقل متعصب تعصباً أعمى وإن كان قوياً، يتلقف أي عذر ليبغض من يخالفون عقيدته ويضطهدهم". وأما بوزويل، الذي لم يكن يشعر بشفقة على غير المؤمنين، فقد وصف المؤرخ بأنه "إنسان دميم مغرور مقزز" ينغص على "منتدانا الأدبي". ومع ذلك فلا بد أن جبون كان له أصدقاء كثيرون، لأنه في لندن كان يتناول العشاء خارج بيته كل ليلة تقريباً.

وقد قدم من لوزان إلى لندن في أغسطس 1787 ليشرف على طبع المجلدات الرابع والخامس والسادس، والتي صدرت في عيد ميلاده الحادي والخمسين في 8 مايو 1788، وأتته بأربعة آلاف من الجنيهات، ويعد هذا من أعلى الأتعاب المدفوعة لمؤلف في القرن الثامن عشر. ويقول "أن خاتمة مؤلفي عمت قراءتها واختلف الحكم عليها... ومع ذلك يبدو على الجملة أن "تاريخ الاضمحلال والسقوط قد أصل جذوره سواء في أرض الوطن أو خارجه، ولعل ذمه سيستمر بعد مائة عام". وكان آدم سمث قد وضعه فعلاً "على رأس معشر الأدباء قاطبة، والموجودين الآن في أوربا". وفي 13 يونيو 1788، خلال محاكمة هيستنجز في وستمنستر هول، طاب لجبون أن يسمع من شرفة الزوار شريدان يشير في خطاب من أروع خطبه إلى "صفحات جبون الوضاءة" (Luminous). وفي رواية غير محتملة التصديق أن شريدان زعم فيما بعد أنه قال (Voluminous) أي غزيرة الإنتاج، ولكنها صفة لا يمكن أن تنعت بها الصفحات، والصفة الأولى هي ولا ريب اللفظ المطابق لمقتضى الحال.

وفي يوليو 1788 قفل جبون إلى لوزان. وبعد عام مات ديفرادن مخلفاً بيته لجبون ما بقي من عمر المؤرخ. هنالك عاش جبون في رغد، يقوم على خدمته عدة خدم ويأتيه دخل قدره 1.200 جنيه في العام، وشرب النبيذ الكثير، وزاد نقرسه ومحيط خصره، "من 9 فبراير إلى أول يوليو 1790 عجزت عن التحرك من بيتي أو مقعدي". إلى هذه الحقبة التي تنتمي الأسطورة التي زعمت أنه جثا عند قدمي مدام كروزاز يبوح لها بحبه، وأنها طلبت إليه أن ينهض، وأنه لم يستطع لثقل جسمه. والمصدر الوحيد للقصة هو مدام جفليس التي وصفها سانت- بوف بأنها "امرأة خبيثة اللسان"؛ وقد رفضت ابنتها القصة وقالت أن سببها هو الخلط بين الأشخاص". ثم قطعت الثورة الفرنسية على جبون هدوءه. وترددت المشاعر الثورية في الأقاليم السويسرية، وجاءت الأنباء بهياج مماثل في إنجلترا. وكان لجبون كل العذر في خوفه من أن تسقط الملكية الفرنسية، لأنه كان يستثمر 1.300 جنيه في قرض للحكومة الفرنسية. وكان قد كتب عام 1788، في نبوءة لم يوفق فيها، أن الملكية الفرنسية "تقف، كما يبدو، على أساس من صخر الزمن، والقوة، والرأى، تساندها أرستقراطية ثلاثية من الكنيسة والنبلاء والبرلمانات"، وقد اغتبط حين أصدر بيرك كتابه "تأملات في الثورة في فرنسا" (1790)، وكتب إلى اللورد شفيلد محذراً من أي إصلاح في النظام السياسي البريطاني، "ولو سمحتم بأدنى تغيير وأكثره تمويهاً في نظامنا البرلماني لقضي عليكم". وراح الآن يتحسر على نجاح جماعة الفلاسفة في حربهم التي شنوها على الدين، "لقد خطر لي أحياناً أن أكتب حواراً بين الموتى، يتبادل فيه لوسيان وارزم وفولتير الاعتراف بخطر تعريض خرافة قديمة لاحتقار الجماهير العمياء المتعصبة". وحث بعض زعماء البرتغاليين على ألا يتخلوا عن محاكم التفتيش خلال هذه الأزمة التي هددت كل العروش.

ورحل جبون عن لوزان (9 مايو 1793) وأسرع بالعودة إلى إنجلترا، من جهة هرباً من جيش الثورة الفرنسية المقترب من لوزان، ومن جهة أخرى التماساً للجراحة الإنجليزية، ولسبب قريب هو تعزية اللورد شفيلد في وفاة زوجته، فوجد شفيلد في شغل بالسياسة عجل بسلواه. وكتب جبون يقول "شفي المريض قبل وصول الطبيب". وأذعن المؤرخ نفسه الآن لأوامر الأطباء، لأن فيلته كانت قد بلغت من التضخم "حجم طفل صغير تقريباً... إنني أزحف وحفاً بشيء من الجهد وكثير من عدم اللياقة" وقد صرفت إحدى الجراحات جالوناً من "السائل المائي الشفاف" من الخصية المريضة. ولكن السائل تجمع ثانية، وأخرج بزل ثان ثلاثة أرباع الجالون، واستشعر جبون الراحة مؤقتاً، واستأنف الخروج للعشاء. ولكن الفيلة تكونت من جديد، وباتت الآن عفنة. وفي 13 يناير بزلت للمرة الثالثة. وبدا أن جبون يتماثل للشفاء سريعاً، وسمح له الطبيب بأكل اللحم، وأكل جبون بعض الدجاج وشرب ثلاث أكواب من النبيذ. فأصابته آلام معوية شديدة حاول كما حاول فولتير تخفيفها بتعاطي الأفيون. ولكن في 16 يناير مات بالغاً السادسة والخمسين.

لم يكن جبون ملهماً في مرآه ولا في خلقه ولا في سيرته، فعظمته كلها انسكبت في كتابه، في فخامة فكرته وشجاعتها، وفي الصبر على تأليفه والتفنن فيه، وفي الجلال الوضاء الذي كلله كله. أجل، لقد صدق شريدان فيما قال، فأسلوب جبون وضاء بالقدر الذي يسمح به التهكم، وقد ألقى الضوء أينما اتجه، اللهم إلا حين يحجب الهوى رؤيته. وقد شكلت أسلوبه دراساته اللاتينية والفرنسية، فرأى الألفاظ الأنجلو- سكسونية البسيطة لا تناسب وقار مذهبه في الكتابة.، وكثيراً ما كتب كأنه خطيب يخطب، وما أشبهه في هذا بليفي يشحذه هجاء تاسيتوس، وببيرك تجلوه فكاهة بسكال الذكية. وكان يوازن بين جمله بمهارة المشعوذ وجذله، ولكنه أسرف في تكرار لعبته هذه حتى قاربت الرتابة المملة أحياناً. وإذا كان أسلوبه يبدو فخماً طناناً، فإنه الأسلوب اللائق بترامي موضوعه وبهائه- وهو تفتت أعظم إمبراطورية شهدها العالم على مدى ألف عام. ومآخذ أسلوبه العرضية تتوه وسط زحام الرواية وقوة الأحداث، والصور والأوصاف الكاشفة، والتلخيصات الباتة التي تجمل قرناً بأسره في فقره، وتزاوج بين الفلسفة والتاريخ.

ولقد شعر جبون بعد أن اضطلع بهذا المبحث المترامي أن له الحق في تضييق حدوده ويقول "إن الحروب، وإدارة الأمور العامة، هما موضوعا التاريخ الرئيسيان"، ومن ثم أغفل تاريخ الفن والعلم والأدب، فلم يكن لديه ما يقوله عن الكاتدرائيات القوطية أو المساجد الإسلامية، ولا عن العلم أو الفلسفة العربيين، وقد توج بترارك، ولكنه مر بدانتي مرور الكرام. ولم يكد يلقي بالاً إلى حال الطبقات الدنيا، أو قيام الصناعة في القسطنطينية أو فلورنسة في العصر الوسيط. وفقد اهتمامه بالتاريخ البيزنطي التالي لموت هرقل. وفي رأي بيوري "أن جبون أخفق في إبراز حقيقة خطيرة، هي أن الإمبراطورية الرومانية الشرقية كانت حتى القرن الثاني عشر حصن أوربا الحصين في وجه الشرق، كذلك لم يقدر أهميتها في الحفاظ على تراث المدينة الإغريقية"(122)، غير أن جبون في نطاق الحدود التي رسمها لنفسه بلغ العظمة بربطه النتاج بالأسباب الطبيعية، وبتحويله ضخامة مواده إلى ترتيب مفهوم ورؤيته هادية للصورة بأكملها.

لقد كان علمه واسعاً كثير التفاصيل. فحواشيه ذخيرة من المعرفة تلطفها الفكاهة الذكية، وقد درس أعوص جوانب العالم القديم، بما فيه من طرق وعملات وموازين ومقاييس وقوانين؛ ووقع في أخطاء صححها المتخصصون، ولكن بيوري هذا الذي بين مآخذه أضاف: "لو أخذنا في الاعتبار المدى الشاسع لمؤلفه لأدهشتنا دقته"ولم يستطع أن ينقب في المصادر الأصلية غير المنشورة (كما يفعل محترفو المؤرخين ممن يقتصرون على رقعة صغيرة من الموضوع والزمان والمكان)، ولكي يتم عمله اقتصر على المادة المطبوعة، واعتمد بصراحة على مراجع ثانوية مثل كتاب أوكلي "تاريخ المسلمين" أو كتابي تلمون "تاريخ الأباطرة" و"التاريخ الكنسي"؛ وبعض المراجع التي اعتمد عليها مرفوضة الآن لأنها غير موثوق بها. وقد أفصح عن مصادره في تفصيل أمين وشكر مؤلفيها؛ من ذلك أنه قال في هامش حين جلوز الفترة التي تناولها تلمون: "هنا عليّ أن أستأذن إلى الأبد من ذلك المرشد الذي لا يبارى".

ترى ما النتائج التي خلص إليها جبون من دراسته للتاريخ؟ إنا نراه أحياناً يتبع جماعة الفلاسفة الفرنسيين في قبول حقيقة التقدم: "يجوز لنا أن نرتضي النتيجة السارة التي تذهب إلى أن كل عصر في العالم زاد وما زال يزيد من ثروة النوع الإنساني الحقيقية، وسعادته، ومعارفه، وربما فضائله"، ولكنه في لحظات أقل إشراقاً- وربما لأنه قد اتخذ الحرب والسياسة (واللاهوت) مادة للتاريخ- حكم على التاريخ بأنه "في الحق لا يعدو كثيراً أن يكون سجلاً لجرائم الإنسان وحماقاته ونكباته" ولم ير في التاريخ قصداً مرسوماً؛ فالأحداث ثمرة أسباب لا موجه لها، فهي متوازي أضلاع من قوى ذات أصل مختلف ونتيجة مركبة. وفي كل هذه المشاكل من الأحداث يبدو أن الطبيعة البشرية تظل دون تغيير. ولقد ابتلى النوع الإنساني دائماً وسيظل دائماً مبتلى، بالقسوة والمعاناة والظلم، لأنها هذه كلها مركبة في طبيعة البشر"، إن الإنسان خليق بأن يخشى من ثورات إخوانه من البشر أكثر كثيراً مما يخشى اضطرابات الطبيعة العنيفة.

لقد تاقت نفس جبون وهو ربيب التنوير إلى أن يكون فيلسوفاً، أو على الأقل أن يفلسف التاريخ. "أن العصر المستنير يطالب المؤرخ بمسحة من الفلسفة والنقد". وكان يحب أن يقطع روايته بتعليقات فلسفية. ولكنه لم يزعم أنه يرد التاريخ إلى قوانين أو يصيغ "فلسفة التاريخ". على أنه اتخذ له موقفاً في بعض المسائل الأساسية: فقد قصر تأثير المناخ على العصور الأولى من المدنية، ورفض أن يكون العرق عاملاً حاسماً؛ وأقر، في حدود بتأثير الأفذاذ من الرجال. "أن أهم المشاهد في الحياة البشرية تتوقف على أخلاق ممثل فرد. فقد يحتد عرق في رجل واحد فيغير مصير أمم". وحين كان في استطاعة قريش أن تغتال محمداً (صلى الله عليه وسلم) "كان من الجائز أن يغير رمح عربي تاريخ العالم". ولو لم يهزم شارل مارتل المغاربة في تور (732) لاكتسح المسلمون أوربا بأسرها، "ولكان تفسير القرآن يدرس الآن في مدارس أكسفورد، ولكان تلاميذه يفسرون لشعب من المختونين قدسية الوحي الذي نزل على النبي وصدقه". على أنه لا بد للفرد الفذ من أن يرتكز على سند واسع إن أراد أن يحرز أقصى نفوذ على عصره. "أن النتائج التي يحققها الإقدام الشخصي ضئيلة جداً، إلا في الشعر أو الرومانس، بحيث يجب أن... يعتمد النصر على درجة المهارة التي ستعان بها لتجميع عواطف الجماهير المشبوبة وتوجيهها لخدمة رجل فرد".

صفوة القول أن "اضمحلال الدولة الرومانية وسقوطها" يمكن على الجملة أن يعد الكتاب الأعظم للقرن الثامن عشر، وكتاب مونتسكيو "روح القوانين" أقرب منافس له. صحيح أنه لم يكن أكثر الكتب تأثيراً، ولم يكن في تأثيره على التأريخ تقريعاً لكتاب روسو "العقد الاجتماعي" أو لكتاب آدم سمث "ثروة الأمم"، أو لكتاب كانت "نقد العقل الخالص". ولكنا إذا نظرنا إليه بوصفه أثراً أدبياً وجدناه لا يبارى في جيله أو نوعه. فإذا سألنا كيف أتيح لجبون أن ينتج هذه الرائعة أدركنا أن السر كان في الارتباط الذي تصادف أن ربط بين الطموح والمال والفراغ والكفاية؛ ولا ندري متى يمكن أن نتوقع تكرار هذا الارتباط ثانية. ولقد قال مؤرخ آخر لروما هو باتولد نيبور "أن كتاب جبون لن يبزه كتاب أبداً".

ذكراه

انعكست شهرة وعظمة جيبون من خلال مقولته في التاريخ في العصور الوسطى :«أنا أوصف انتصار البربرية والدين.»

كانت نظريته هذه جديدة ومبتكرة في عصره، وذلك أدى إلى مواجهته برفض كبير ومقاطعته، حيث منع نشر كتابه في كثير من الدول. كان جيبون لا يكثر من استخدام المصادر العادية مع أنها كثيرة بل كان يذهب إلى المصدر الرئيسي ويقوم بالتحليل والاستنتاج. ومن خلال هذا الإصرار والجهد الذي بذله كان يطمح ليكون أفضل مؤرخ حديث.[6] كانت دراسته للإمبراطورية الرومانية ممتازة ولا يوجد عليها تعليق غير أن كتابته عن البيزنطية أثارت انتقادات وتأثيرات ضارة وخاصة على دراسة العصور الوسطى، وكانت تنقصها المصادر. أيضاً كانت هنالك انتقادات كثيرة على نفوره عن المسيحية، ونفوره هذا شمل الديانة اليهودية حيث انتقدها مما حدا بالبعض باتهامه بمعاداة السامية ومن كتاباته الشهيرة عن اليهود قوله: «البشر مخدوعون بالرواية الفظيعة بأن اليهود ملتزمون».

الهامش

The majority of this article, including quotations unless otherwise noted, has been adapted from Stephen, DNB (see References).

  1. ^ O.S. 27 April
  2. ^ Gibbon's birthday is 27 April 1737 of the old style (O.S.) Julian calendar; England adopted the new style (N.S.) Gregorian calendar in 1752, and thereafter Gibbon's birthday was celebrated on 8 May 1737 N.S.
  3. ^ The most recent and also the first critical edition, in three volumes, is that of David Womersley. See References. For commentary on Gibbon's irony and insistence on primary sources whenever available, see Womersley, Intro. While the larger part of Gibbon's caustic view of Christianity is declared within the text of chapters XV and XVI, Gibbon rarely neglects to note its baleful influence throughout The History's remaining volumes.
  4. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  5. ^ Goodall 2008, p. 38
  6. ^ إدوارد جيبون، دار الحياة

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

مونوجرافات جيبون

  • Essai sur l’Étude de la Littérature (London: Becket & De Hondt, 1761).
  • Critical Observations on the Sixth Book of [Vergil's] 'The Aeneid' (London: Elmsley, 1770).
  • The History of the Decline and Fall of the Roman Empire (vol. I, 1776; vols. II, III, 1781; vols. IV, V,VI, 1788–1789). all London: Strahan & Cadell.
  • A Vindication of some passages in the fifteenth and sixteenth chapters of the History of the Decline and Fall of the Roman Empire (London: J. Dodsley, 1779).
  • Mémoire Justificatif pour servir de Réponse à l’Exposé, etc. de la Cour de France (London: Harrison & Brooke, 1779).

كتابات جيبون الأخرى

  • "Lettre sur le gouvernement de Berne" [Letter No. IX. Mr. Gibbon to *** on the Government of Berne], in Miscellaneous Works, First (1796) edition, vol. 1 (below). Scholars differ on the date of its composition (Norman, D.M. Low: 1758–59; Pocock: 1763–64).
  • Mémoires Littéraires de la Grande-Bretagne. co-author: Georges Deyverdun (2 vols.: vol. 1, London: Becket & De Hondt, 1767; vol. 2, London: Heydinger, 1768).
  • Miscellaneous Works of Edward Gibbon, Esq., ed. John Lord Sheffield (2 vols., London: Cadell & Davies, 1796; 5 vols., London: J. Murray, 1814; 3 vols., London: J. Murray, 1815). includes Memoirs of the Life and Writings of Edward Gibbon, Esq.;
  • Autobiographies of Edward Gibbon, ed. John Murray (London: J. Murray, 1896). EG's complete memoirs (six drafts) from the original manuscripts.
  • The Private Letters of Edward Gibbon, 2 vols., ed. Rowland E. Prothero (London: J. Murray, 1896).
  • Gibbon's Journal to January 28, 1763, ed. D.M. Low (London: Chatto and Windus, 1929).
  • Le Journal de Gibbon à Lausanne, ed. Georges A. Bonnard (Lausanne: Librairie de l'Université, 1945).
  • Miscellanea Gibboniana, eds. G.R. de Beer, L. Junod, G.A. Bonnard (Lausanne: Librairie de l'Université, 1952).
  • The Letters of Edward Gibbon, 3 vols., ed. J.E. Norton (London: Cassell & Co., 1956). vol.1: 1750–1773; vol.2: 1774–1784; vol.3: 1784–1794. cited as 'Norton, Letters'.
  • Gibbon's Journey from Geneva to Rome, ed. G.A. Bonnard (London: Thomas Nelson and Sons, 1961). journal.
  • Edward Gibbon: Memoirs of My Life, ed. G.A. Bonnard (New York: Funk & Wagnalls, 1969;1966). portions of EG's memoirs arranged chronologically, omitting repetition.
  • The English Essays of Edward Gibbon, ed. Patricia Craddock (Oxford: Clarendon Press, 1972); [hb: ISBN 0198124961].


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • Beer, G. R. de. "The Malady of Edward Gibbon, F.R.S.," Notes and Records of the Royal Society of London 7,1 (December 1949), 71–80. cited as 'Beer, "Malady"'.
  • Craddock, Patricia B. Edward Gibbon, Luminous Historian 1772–1794 (Baltimore: Johns Hopkins Univ. Press, 1989); [hb: ISBN 0801837200]. biography; cited as 'Craddock, Luminous Historian'.
  • Dickinson, H.T., "The Politics of Edward Gibbon," Literature and History 8,4(1978), 175–196. cited as 'Dickinson, "Politics"'.
  • Norton, J.E. A Bibliography of the Works of Edward Gibbon (New York: Burt Franklin Co., 1970;1940). cited as 'Norton, Biblio'.
    • Norton, The Letters of Edward Gibbon, 3 vols. (London: Cassell & Co. Ltd., 1956). cited as 'Norton, Letters'.
  • Pocock, J.G.A. Barbarism and Religion, vol. 1, The Enlightenments of Edward Gibbon, 1737–1764 (Cambridge: 1999); [hb: ISBN 0521633451]. cited as 'Pocock, EEG'.
    • Pocock, "Classical and Civil History: The Transformation of Humanism," Cromohs 1(1996);
      online. cited as 'Pocock, "Classical History"'.
    • Pocock, "The Ironist," London Review of Books 24,22(November 14, 2002). cited as 'Pocock, "Ironist"'.
  • Project Gutenberg: Gibbon, Memoirs of My Life and Writings, online: cited as 'Gibbon, Memoirs'.
  • Stephen, Sir Leslie, "Gibbon, Edward (1737–1794)," Dictionary of National Biography, vol. 7, eds. Sir Leslie Stephen, Sir Sidney Lee (Oxford: 1963;1921), 1129–1135. cited as 'Stephen, DNB'.
  • Womersley, David, Edward Gibbon – The History of the Decline and Fall of the Roman Empire, 3 vols. (Allen Lane, London; Penguin Press, New York: 1994). cited as 'Womersley, Decline and Fall'.
    • Womersley, "Introduction," in Womersley, Decline and Fall above, vol. 1, xi–cvi, cited as 'Womersley, Intro'.
    • Womersley, "Gibbon, Edward (1737–1794)," Oxford Dictionary of National Biography, vol. 22, H.C.G. Matthew; Brian Harrison, eds. (Oxford: 2004), 8–18. cited as 'Womersley, ODNB'.

للاستزادة

قبل 1985

  • Beer, Gavin de. Gibbon and His World (London: Thames and Hudson, 1968); [hb: ISBN 0670289817].
  • Bowersock, G.W. et al. eds. Edward Gibbon and the Decline and Fall of the Roman Empire (Cambridge: Harvard Univ. Press, 1977).
  • Craddock, Patricia B. Young Edward Gibbon: Gentleman of Letters (Baltimore: Johns Hopkins Univ. Press, 1982); [hb: ISBN 0801827140]. biography.
  • Jordan, David. Gibbon and his Roman Empire (Urbana, Ill.: Univ. of Illinois Press, 1971).
  • Keynes, Geoffrey, ed. The Library of Edward Gibbon, 2nd ed. (Godalming, England: St. Paul's Bibliographies, 1980;1940).
  • Lewis, Bernard, "Gibbon on Muhammad," Daedalus 105,3(Summer 1976), 89–101.
  • Low, D.M. Edward Gibbon 1737–1794 (London: Chatto and Windus, 1937). biography.
  • Momigliano, Arnaldo. "Gibbon's Contributions to Historical Method," in Momigliano, Studies in Historiography (New York: Garland Pubs., 1985;1966), 40–55; [pb: ISBN 0824063724].
  • Porter, Roger J. "Gibbon's Autobiography: Filling Up the Silent Vacancy," Eighteenth-Century Studies 8,1 (Autumn 1974), 1–26.
  • Swain, J.W. Edward Gibbon the Historian (New York: St. Martin's Press, 1966).
  • Turnbull, Paul, "The Supposed Infidelity of Edward Gibbon," Historical Journal 5(1982), 23–41.
  • White, Jr. Lynn. The Transformation of the Roman World: Gibbon's Problem after Two Centuries (Berkeley: Univ. of California Press, 1966); [hb: ISBN 0520013344].

منذ 1985

  • Bowersock, Glen. Gibbon's Historical Imagination (Stanford: 1988).
  • Burrow, J.W. Gibbon (Past Masters) (Oxford: 1985); [hb: ISBN 0192875531; pb: ISBN 0192875523].
  • Carnochan, W. Bliss. Gibbon's Solitude: The Inward World of the Historian (Stanford: 1987); [hb: ISBN 0804713634].
  • Craddock, Patricia B. Edward Gibbon: a Reference Guide (Boston: G.K. Hall, 1987); [pb: ISBN 0816182175]. a comprehensive listing of secondary literature through 1985. see also her supplement through 1997.
  • Ghosh, Peter R. "Gibbon Observed," Journal of Roman Studies 81(1991), 132–156.
    • Ghosh, "Gibbon's First Thoughts: Rome, Christianity and the Essai sur l'Étude de la Litterature 1758–61," Journal of Roman Studies 85(1995), 148–164.
    • Ghosh, "The Conception of Gibbon's History," in McKitterick and Quinault, eds. (below), 271–316.
    • Ghosh, "Gibbon's Timeless Verity: Nature and Neo-Classicism in the Late Enlightenment," in Womersley, Burrow, Pocock, eds. (below).
    • Ghosh, "Gibbon, Edward 1737–1794 British historian of Rome and universal historian," in Kelly Boyd, ed. Encyclopedia of Historians and Historical Writing (Chicago: Fitzroy Dearborn, 1999), 461–463.
  • Levine, Joseph M., "Edward Gibbon and the Quarrel between the Ancients and the Moderns," in Levine, Humanism and History: origins of modern English historiography (Ithaca: Cornell Univ. Press, 1987).
    • Levine, "Truth and Method in Gibbon's Historiography," in Levine, The Autonomy of History: truth and method from Erasmus to Gibbon (Chicago: 1999).
  • McKitterick, R.; Quinault, R., eds. Edward Gibbon and Empire (Cambridge: 1997).
  • Norman, Brian. "The Influence of Switzerland on the Life and Writings of Edward Gibbon," in Studies on Voltaire and the Eighteenth Century [SVEC] v.2002:03, (Oxford: Voltaire Foundation, 2002).
  • Pocock, J.G.A. Barbarism and Religion, 4 vols.: vol. 1, The Enlightenments of Edward Gibbon, 1737–1764, 1999 [hb: ISBN 0521633451]; vol. 2, Narratives of Civil Government, 1999 [hb: ISBN 0521640024]; vol. 3, The First Decline and Fall, 2003 [pb: ISBN 0521824451]; vol. 4, Barbarians, Savages and Empires, 2005 [pb: ISBN 0521721011]. all Cambridge Univ. Press.
  • Porter, Roy. Gibbon: Making History (New York: St. Martin's Press, 1989); [hb: ISBN 0312027281].
  • Turnbull, Paul, "'Une marionnette infidele': the Fashioning of Edward Gibbon's Reputation as the English Voltaire," in Womersley, Burrow, Pocock, eds. (below).
  • Womersley, David P. The Transformation of The Decline and Fall of the Roman Empire (Cambridge: 1988); [hb: ISBN 0521350360].
    • Womersley, John Burrow; J.G.A. Pocock, eds. Edward Gibbon: bicentenary essays (Oxford: Voltaire Foundation, 1997); [hb: ISBN 0729405524].
    • Womersley, Gibbon and the ‘Watchmen of the Holy City’: The Historian and His Reputation, 1776–1815 (Oxford: 2002); [pb: ISBN 0-19-818733-5].

انظر أيضاً

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بإدوارد گيبون، في معرفة الاقتباس.