ألكسندر پوپ

ألكسندر پوپ (1688 - 1744) Alexander Pope ، هو شاعر إنجليزي وهجاء ، ولد في إنجلترا وكان مشهورا بسخريته اللاذعة وهجاؤه الشديد على أعداؤه من شعراء عصره.

ألكسندر پوپ


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد ألكسندر بوب في لومبارد ستريت في عام 1688 ، ابنا لتاجر أقمشة كتان من الكاثوليك الرومان. وحوالي عام 1700 اعتزل والده العمل ، بعد أن حقق ثروة يسيرة انتقل بها الى بنفيلد ، في وندسور فورست ، وكان بوب في طفولته تلميذا مجدا ، وكان انكبابه على الاستذكار ، هو الذي ضاعف من اعاقة نموه الطبيعي. وكان مولد بوب في العام الذي أطاح فيه ويليام أوف أورانج بحكم ملوك أسرة ستيوارت ، وهكذا استهدف إلى جانب معوقاته الأخرى للعناء بسبب عقديته الدينية. في عصر كانت الغلبة فيه للمذهب البروتوستنانتي وكان ألكسندر وعائلته من الكاثوليك الرومان. فقد كان محظورا عليه ممارسة الأعمال الهامة ، وكان عرضة للضرائب المضاعفة. ومع ذلك فقد أتيح له في الوقت الذي بلغ فيه السابعة عشر من عمره أن يحظى بالتعارف الى كثير من الشخصيات الأدبية المميزة من أبناء المذهب الكاثوليكي المقيمين في دائرته مثل ترومبول ، و داتكاسل ، و انجلفيلد ، وعن طريقهم تم تقديمه الى دائرة أبناء الطبقات الاجتماعية العليا من مفكري لندن.


الحياة الأدبية

كان الأدب في أوائل القرن الثامن عشر ، من المناعم الاجتماعية المترفة ، وكان الشعر يكتب من أجل جماعات من أبرز شخصيات المجتمع ، المشتغلة بالنقد ، وفي نطاهم المحدود. ويتجلى الكثير من عظمة ألكسندر بوب في اقتداره الفني المتضلع الخالص ، ولاسيما في استخدامه بصورة منوعة منظومات شعرية ملحمية مؤلفة من بيتين ، التي نهج فيها وطرها على منهج الأسس التي وضعها من قبل دريدن. وقد نزع بوب إلى تأييد حزب التوري ، الذ كان ينهاض حزب الهويج البروتستنانت ، وأصبح عضوا في جماعة الكتاب التي اشتهرت باسم نادي سكريبلاروس. وكان شاغلهم الرئيسي هو شن الحرب على الكتاب الأرديات (وقد نعتوهم باسم الأغبياء) ، ممن كانوا يتصدون للكتابة لصالح حزب الهويج.

واشترك بوب في المرحلة المتأخرة من حياته ، في الحملة الأدبية التي شنت على روبرت والبول رئيس الوزراء المنتمي للهويج وهو في أوج سلطته.

وفي عام 1719 قد ابتاع منزلا كبيرا في تويكنهام. وقد تمكن بفضل ما ظفر به من نجاح مالي لكتاباته أن يقيم في هذا المكان في يسر ودعة. وكان بوب شديد التعلق بأمه التي كان يعيش معها ، وكان لا يمل من رعايتها والاهتمام بها ، حتى توفيت عام 1733.

منتصف العمر: هومر وشيكسپير

 
ما يشبه پوپ مشتق من پورتريه بريشة وليام هور.

يستهل جونسن، الذي كان يحتقر الترجمات التي تبدأ بنسب صاحبها وتنتهي بمأتمه، ترجمته الممتازة لبوب بأنبائنا أن "الكسندر بوب ولد بلندن في 22 مايو 1668، لأبوين لم يتحقق لأحد قط من مرتبتهما أو مركزهما(3)". أما أبوه فتاجر كتان جمع ثروة متواضعة ثم اعتزل في بنفيلد قرب غابة ونزر. وكان أبواه كلاهما يتبعان المذهب الكاثوليكي الروماني، والسنة التي ولد فيها بوب كانت أيضاً السنة التي حطم فيها خلع جيمس الثاني آمال الكاثوليكية في تخفيف القوانين المعادية للكاثوليك. وخصت الأم الصبي الذي كان وحيدها بكثير من الترفق، وقد ورث عنها استعداداً للصداع، وعن أبيه تقوساً شديداً في عموده الفقري، فلم يزد طوله على أربعة أقدام ونصف.

وقد عهد بتعليمه الأول إلى القساوسة الكاثوليك، فأعانوه على إجادة اللاتينية، واليونانية بقدر أقل، وعلمه معلمون خصوصيون آخرون الفرنسية والإيطالية، وإذ أقفلت في وجهه الجامعات والمهن الراقية بسبب مذهبه، فقد واصل دراساته في البيت، فلما عاقه جسمه المحدودب وصحته الهشة عن العمل النشيط، ترك أبواه العنان لولعه بكتابة الشعر. يقول:

"كنت وأنا بعد طفل، لم تغرر بي الشهرة بعد،

ألثغ ببحور الشعر، لأن بحوره وافتني طوعاً(4)".

وحين بلغ الثانية عشرة أتيحت له نظرة خاطفة إلى دريدن يحتل مكان الصدارة في مقهى ولز، وأثار المنظر فيه رغبة عارمة في المجد الأدبي. فلما بلغ السادسة عشرة كتب بعض "الرعويات" التي تناولها الناس مخطوطة وحظيت بثناء أدار رأسه، وقبلت للنشر في 1709. وفي 1711، وبكل الحكمة الناضجة التي احتوتها سنوه الثلاث والعشرون، أدهش أدباء لندن بقصيدته "مقال في النقد" نراه- حتى وهو يحذر المؤلفين من أن:

"العلم القليل شيء خطر؛

فأنهلوا من الأعماق، وألا فلا تذوقوا ينبوع الشعر(5)".

يضع بحسم القاضي قواعد الفن الأدبي. هنا هضم الشاعر "فن الشعر" لهوراس، و "الفن الشعري" لبوالو في 744 بيتاً جيدة المعاني هضماً عجيباً، نظمت نظماً رائعاً، بألفاظ لا يزيد كثير منها على مقطع واحد- "أفكار طالما خطرت بالبال، ولكن لم يعبر عنها بمثل هذه الروعة(6)".

وكان للفتى ولع "بالإپيگرام"، وبضغط جوامع الحكمة في بيت واحد، ولقف كل فكرة بقافية. وقد أخذ مذهبه في النظم عن داريدن، ونظيته عن بوالو. وإذ كان لديه من الفراغ ما يتسع لصقل شعره، فإنه لم يتردد في قبول النصيحة الكلاسيكية، نصيحة تهذيب الشكل وصقله، وجعل الكأس أثمن نبيذها. ومع أنه ظل يجهر بكثلكته، فإنه اعتنق مبدأ بوالو القائل بأن الأدب ينبغي أن يكون العقل مفرغاً في ثوب لائق. أما الطبيعة فنعم، ولكنها الطبيعة التي روضها الإنسان؛ وأما الوجدان فنعم، ولكن الوجدان الذي هذبه وصفاه الذكاء. وأي مرشد أهدى إلى مثل هذا الفن المحكوم المنحوت من أعمال قدامى الشعراء والخطباء، وتصميمهم على أن يكونوا عقلانيين، وعلى أن يجعلوا كل جزء من عمل أدبي عنصراً منظماً مدمجاً في كل متناغم؟ هنا التقليد الكلاسيكي، المنحدر بطريق إيطاليا وفرنسا، بطريق بترارك وكورنيي، والذي يغزو الآن إنجلترا ويقهرها على يد الكسندر بوب، كما قهر شكسبير بمسرحية أديسون "كاتو" (في زعم فولتير)، وكما كست العمارة الكلاسيكية المنحدرة عن طريق بالاديو وسيرليو، وعن طريق بأرو ورن، الخيالات القوطية والشطحات الجامحة أو غلبتها بقواصر رزينة وصفوف أعمدة هادئة. وهكذا تكون مفهوم الشاعر الشاب عن العقل الكلاسيكي الذي يعمل في ناقد مثالي:


"ولكن أين هو الرجل الذي يستطيع أن يمحض النصح،

الذي مازال يغتبط بأن يعلم، ومع ذلك لا يطغيه علمه؟.

رجل لا يحرفه رضي ولا يميله حقد، لا هو متحيز في غباوة ولا مستقيم في عمى،

مهذب رغم علمه، مخلص مع تهذيبه،

جريء في تواضع، صارم في إنسانية،

يبصر الصديق بعيوبه في غير تحرج

ويطري العدو على فضائله وهو مبتهج،

رجل أوتي ذوقاً مدققاً دون تزمت،

ووهب العلم بالكتب والبشر جميعاً، محدث سمح، ونفس

تنزهت عن الكبرياء،

يحب أن يثني ثناء يؤيده فيه العقل(7)؟"

وقد وجد نفر من أمثال هذا الناقد، على استعداد للترحيب بمثل هذا الشعر وهذه الفضيلة المحسوبة من فتى في الثالثة والعشرين؛ وعلى ذلك خلع أديسون، الذي لا بد قد شعر أنه المقصود بهذه الأبيات، على الشاعر في العدد 253 من صحيفته "اسبكتيتور" ثناءً عظيماً لم يلبث أن ينسي في معارك الكلام. أما الشاعر جون دنيس، مؤلف مسرحية "أبيوس وفرجينيا" فقد خيل إليه أنه المذموم في أبيات بوب الطائشة:


"ولكن أبيوس يحمر لكل كلمة تقولها

ويحملق حملقة رهيبة بعين مهددة

وكأنه طاغية متوحش مرسوم على قطعة نسيج قديمة(8)"

فرد عليها بكتابة "تأملات نقدية وهجائية" (1711). وقد انتقى عيوباً حقيقية في فكر بوب وأسلوبه، وعرضها في إطار مقذع. فوصف بوب بالمنافق القبيح الذي خلق على شكل قوس كيوبيد أو ضفدع أحدب، وهنأه على أنه لم يولد في اليونان القديمة، وألا لألقت به عارياً بعد ولادته لقبحه(9). ولعق بوب جراحه وترقب فرصته.

ثم تابع نجاحه بنشر قصيدته "اغتصاب خصلة شعر" (1712) وكانت تقليداً سافراً لقصيدة بوالو Le Lutrin المقرأ (1674)، ولكن الناس أجمعوا على أنها فاقت أصلها. وخلاصة الموضوع أن اللورد روبرت بيتر أعرب عن تحمسه للمسز فيرمر بقصة خصلة من شعرها الجميل وهروبه بها، وتلا ذلك فتور بين الغاصب والمغتصبة. واقترح رجل يدعى كاريل على بويل أن أرابلاً قد يهدأ سخطها إذا قص الشاعر القصة في شعر مازح وقدم لها القصيدة. وهكذا فعل، وهكذا انتهى الأمر. فصفحت المسز فيرمر عن اللورد، ووافقت على نشر القصيدة. ولكن بوب وسع الخطة، مخالفاً نصيحة أديسون، وكدسها بعدة من الشعر الملحمي- الهزلي ضمت الكائنات الخرافية: السيلفات، والسمندلات، والحوريات، والأقزام المشاركة في الملحمة؛ وراقت هذه "المليشيا الخيفة للسماء السفلى" خيالات العصر وميوله، ولقيت قصيدة "الاغتصاب" المعدلة استحسان الجميع إلا الشاعر دنيس. وتوقف جورج باركلي في حملته على المادة ليهنئ المؤلف على لدونة ربة شعره. ولباقة بوب النظمية كلها، ومعين أخيلته وعباراته الذي لا ينضب، يجعلان القصيدة تتألق تألق الأحجار الكريمة التي رصعت بها الحسناء "بليندا" شعرها. وهو يصف بخبرة النساء مستحضرات التجميل التي يسلح بها أحد الجان البطلة لحروب الغرام، ويعدد في مرادفات تهكمية ما سيحفل به يومها من جلائل الأمور:

"ترى هل تحطم الحورية (بليندا- أرابيلا) قانون ديانا (قانون العفة)،

أم أن قارورة هشة من الصين سيصيبها شرخ،

أتراها تلوث شرفها، أم ثوبها الموشي الجديد؟

أتنسي أن تتلو صلواتها، أم يفوتها عرض بالأقنعة،

أتضيع قلبها، أم قلادتها، في حفل راقص...(1)"

وتشارك بليندا في ثرثرات جماعة الأشراف، وقمارهم في هامتن كورت، حيث:

"تموت سمعة عند كل كلمة(11)"؛

ويحشد الشاعر براعته الفنية ليصف لعبة ورق. فإذا انحنت بليندا لتشرب، قصّ البارون القوي خصلتها وهرب (وهذا السيل المتدفق) من البحر العمبقي "الأيامبي iambic" يأخذ بالألباب). فتطارده وقد أخذ الغضب منها كل مأخذ، وتعثر عليه، وتلقي قبضة من النشوق في وجهه؛

"وبغتة تفيض كل عين بالدموع المنهلة

وتردد قبة السماء صدى عطسه(12)"

وفي هذه الأثناء يغتصب الأقزام أو السيلفات أو السمندلات الخصلة ويجرونها وفي أثرها سحب الفخر إلى السماوات حيث تصبح نجماً مذنباً يفوق بريقه تلألؤ شعر بليندا.

وقد أبهج هذا كله نبلاء لندن ونبيلاتها، وأنديتها ومقاهيها. ووجد بوب نفسه رجلاً يشيد به الناس أبرع شاعر في إنجلترا، وغدا كل من عداه من الشعراء خصوماً له. ولم يضف جديداً لشهرته بالأبيات المملة التي وصف بها غابة ونزر (1713)، كذلك لم ينس له الأحرار بعد انتصارهم في 1714 أنه في تلك القصيدة كشف عن ميوله الكاثوليكية نحو الأسرة المالكة التي سقطت(13). ولكنه عاد فأسر جمهوره في 1717 بنظمه في مقطوعات من بيتين مقفيين couplets رسائل هلويز وأبيلار المختلفة. فنرى "الويزا" التي حبست نفسها في دير للراهبات تطلب إلى أبيلار المخصي أن يضرب بقوانين الكنيسة والدولة عرض الحائط ويأتي إلى حضنها:


"تعال إن جرؤت بكل ما فيك من فتنة!

تحد السماء، وطلبت بقلبي،

تعال، وبنظرة واحدة من تلك العيون المضلة

امح كل فكرة ذكية من أفكار السماء...

اخطفني، وأنت تهمّ بامتطاء جوادك، من مسكني المبارك، أعن الأصدقاء، وانتزعني من إلهي!"

وفي نزوة أخرى تقول له:

"لا أبعد عني بعد المشرقين،

لترتفع جبال الألب حاجزاً بيننا، ولتهدر محيطات بأسرها!

أواه، لا تأت، ولا تكتب، ولا تفكر في ولو مرة،

ولا تشاركني وخزة واحدة من وخزات الألم الذي ذقنه لأجلك(14)".

ومع ذلك تثق أنه آت إليها في ساعة احتضارها، لا عاشقاً بل كاهناً:

"ليتك تقف في ثياب مقدسة

والمشعل المقدس يرتعش في يدك

وتمد الصليب أمام عيني التي تهفو إليك،

وتعلمني وتعلم مني الموت(15)".

وكان بوب يحلم ككل شاعر في زمانه بأن ينظم ملحمة، وقد بدأ كتابة ملحمة وهو بعد في الثانية عشرة. فلما شب ودرس هومر خطر له أن يترجم الألياذة إلى ذلك المقطوعات ذات البيتين المقفيين التي كانت تكون منطقه الذي فطر عليه. واستشار أصدقاءه فأمنوا على الفكرة. وقدمه أحدهم وهو جوناثان سويفت إلى هارلي وبلونبروك وغيرهما من كبار رجال الحكومة آملاً في أن يحصل له على وظيفة شرفية يرتزق منها. فلما أخفق في هذا تكفل في أن يجمع له اكتتابات تعول "الكسندر" الجديد وهو يطفر بشعره فوق طروادة. وإذ كان سويفت في موقع استراتيجي بين طلاب الوظائف والكهنوت، فقد أعلن أنه "أفضل شعراء إنجلترا هو المستر بوب، بابوي بدأ ترجمة لهومر بالشعر الإنجليزي، لا بد له أن يكملها من أن يكتتبوا فيها جميعاً، لأن المؤلف لن يبدأ الطبع حتى أجمع له ألف جنيه!(16)". واقترح بوب أن يترجم الألياذة في ست مجلدات من قطع الربع، ثمن كل المجموعة منها ستة جنيهات (180 دولاراً؟). وقبلت الاكتتابات تترى رغم هذا الثمن الغالي، واشتدت الحماسة للمشروع حتى أن برنارد لنتو تاجر الكتب وافق على أن ينقد بوب مائتي جنيه لقاء كل مجلد، وأن يقدم له نسخاً مجانية لمكتتبيه. وبما أن المكتتبين (وعددهم 575) أخذوا 654 مجموعة، فإن بوب كسب 5320 جنيهاً (148.960 دولاراً؟) ثمناً للأياذة، وهو مبلغ لم يظفر بمثله مؤلف في إنجلترا إلى ذلك الحين. وظهر المجلد الأول المحتوي على أربعة أقسام في 1715. وقد لقى منافسه غير متوقعة بسبب نشر ترجمة في اليوم ذاته للقسم الأول بقلم توماس تيكل. وأثنى أديسون على ترجمة تيكل، التي اعتقد بوب أنها ليست في الحقيقة إلا بقلم أديسون، وأحس أن نشرها في آن واحد مع ترجمته عمل غير ودي، فأضاف أديسون إلى قائمة أعدائه.

ولو كان التفقه في العلم هو المحك الوحيد لما استحقت ترجمة بوب ثناء يذكر. فعلمه باليونانية متواضع، وقد اضطر إلى الاستعانة بالشراح المدرسين، وأنجز أكثر مهمته بالمضاهاة بين الترجمات السابقة وإعادة صياغتها بالأبيات الزوجية المقفاة من البحر الأيامبي (العمبقي) الخماسي التفاعيل iambic- pentameter couplets التي برع فيها. فأما بنتلي، أمير علماء الدراسات اليونانية الأحياء يومها، فقد أصاب في حكمه على هذا الأداء: "قصيدة لطيفة يا مستر بوب ولكن يجب ألا تسميها هومر(17)" فالأبيات الزوجية ونقر قوافيها الشبيه بنقر الطبل، والعبارات والفقرات والطباقات المتوازنة، هذه كلها عطلت أسلوب الشعر الإغريقي السداسي التفاعيل، الأسلوب السريع المتدفق. ومع ذلك كان هناك فخامة زاحفة، ومعين زاخر من اللغة، في تلك الأبيات التي ساقها الشاعر على نحو معجز، عبراً بها- رغم اعتراضات بنتلي- إلى القرنين الثامن والتاسع عشر، كأحب ترجمة للألياذة. قال فيها جونسن "إنها أسمى ترجمة للشعر شهدها العالم إلى اليوم(18)" وقال جراي إنه لن تضارعها أية ترجمة أخرى(19). كذلك كان رأي إنجلترا إلى أن أجال كيتس بصره في ترجمة تشامبن لهومر، واستمطر وردزورت اللعنة على الأسلوب المصطنع الطنان الذي أبهج الكثيرين جداً في عصر إنجلترا الأوغسطي.

ونشرت ألياذة بوب في 1715- 20، وأتى نجاحها بتجار الكتب المتنافسين إلى بابه. ورجاه أحدهم أن يعلق على طبعه حديثه لمسرحيات شكسبير، فوافق بغباوة، غافلاً عن الهوة التي تفصله عن شكسبير عقلاً وفناً. وراح يكد ويكدح بصبر ذاهب في تلك المهمة التي لا تلائمه، وظهرت الطبعة في 1725، وما لبث لويس ثيوبولد، أقدر المتخصصين في دراسة شكسبير يومها، أن أوسعها طعناً لقصورها، فصلبه في بوب في قصيدته "الدنسيادة" (أي ملحمة المغفلين).

وأقنعه لنتوت أثناء ذلك بأن يترجم الأوديسة، عارضاً عليه مائة جنيه ثمناً لكل مجلد من مجلداتها الخمسة، وأخذ المكتتبون 819 مجموعة، ولكن بوب، وقد افتقد الآن حافز الشباب والحاجة، سئم نحت مقطوعاته، وعهد بنصف العمل إلى دارسين كمبردج لم يطل بهما الوقت حتى تعلما محاكاة أسلوبه. وكان قد نبه المكتتبين سلفاً إلى أنه سيستخدم معاونين له، ولكنه حين نشر الأوديسة (1725- 26)- التي قصرت كثيراً عن ألياذته- نسب إلى مساعديه هذين الفضل في خمسة كتب من الكتب الأربعة والعشرين، في حين أنهما ترجما اثني عشر كتاباً في الواقع(20). ونقدهما 770 جنيهاً، أما هو فبلغ صافي ربحه 3.500 جنيه، إذ شعر بحق أن اسمه هو الذي باع الكتاب. وكفلت له الترجمتان الاستقلال المالي، فقال إن في وسعه الآن "بفضل هومر أن يعيش ويزكو غير مدين لإنسان أميراً كان أو نبيلاً(21)".

وفي 1718 اشترى فيللا في تويكنهام وحديقة مساحتها خمسة أفدنة تنحدر إلى نهر التيمز. وصمم الحديقة بالطراز الطبيعي، متحاشياً الرقابة الكلاسيكية التي مارسها في شعره. وقال "إن الشجرة شيء أنبل من الملك في ثيابه تتويجه(22)". وحفر له من بيته نفق تحت شارع معترض ليخرج منه إلى الحديقة؛ وزين هذه "المغارة" زينه حالمة فيها الأصداف، والبلورات، والمرجان، والمتحجرات، والمرايا، والمسلات الصغيرة. في هذه الخلوة اللطيفة الجو استضاف الكثير من الأصدقاء المشهورين- سويفت، وجراي، وكونجريف، وبولنبروك، وآربثنوت، والليدي ماري ورتلي مونتاجيو، والأميرة كارولين، وفولتير. وكانت الليدي ماري جارته في حي أطلقا عليه اسم "تويتنام"؛ وكان بولنبروك يسكن دولي على مقربة منه، ولندن لا تبعد أكثر من أحد عشر ميلاً في نزهة لطيفة بالقارب على التيمز، وأقرب منها القصور الملكية في رتشموند، وهامتن كورت، ووكيو.

وانضم الدكتور جون آربتنوت، الذي أضفى كتابه "تاريخ جون بول" (1712) على إنجلترا شخصية واسماً، إلى سويفت، وكونجريف وجراي، وبوب، في نادي سكربليروس الشهير (1713- 15)، الذي كرس للتهكم على كل ضروب الدجل والعجز. وأضيف كل ضحاياهم إلى القائمة المتعاظمة من خصوم بوب. وكان له مع الليدي ماري مغامرة اختلط فيها الواقع بالأدب وانتهت بعداوة مرة. وساكنه سويفت أحياناً، كما حدث أيام نشره "رحلات جلفر" (1726)، وتبادل الاثنان بغضهما للبشر، وبعض الرسائل التي كشفت عن رقة مخبؤه تحت دروعهما القاسية(23). أما معرفة بوب ببولنبروك فقد بدأت حوالي 1713، وتطورت إلى تأثير فلسفي. وقد أثنى الواحد منهما على صاحبه ثناء يبعث على الغثيان لغلوه، فقال بوب "أعتقد حقيقة أن في ذلك الرجل العظيم شيئاً يبدو أنه وضع هنا خطأ من عالم أعلى"، وقال بولنبروك وبوب يحتضر "لقد عرفته هذه السنين الثلاثين، ويزيد تقديرك لنفسي بسبب حبي لهذا الرجل"- وهنا خانه صوته كما تقول القصة(24).

ولا بد أنه كان هناك شيء يحب في هذا الشاعر الذي صورته الرواية المتواترة، بل صوره قلمه هو أحياناً، إنساناً مشاغباً خداعاً خسيساً مغروراً. وينبغي أن نذكر دائماً أنه كان ممروراً- وله العذر- بسبب ما استشعره كل يوم من مذلة عجزه البدني. لقد كان في صباه جميل الصورة، لطيف الطبع، وقد ظل وجهه دائماً جذاباً، ولو لمجرد توقد عينيه. ولكنه كلما شب أصبح تقوس عموده الفقري سافراً بصورة أكثر إيلاماً له. وقد وصف نفسه بأنه "مخلوق قصير، كله حيوية، طويل الساقين والذراعين، لا تخطئ إذا رمزت له بالعنكبوت، وقد حسبه البعض على بعد طاحونة هواء صغيرة(25)". (ويذكرنا هذا بسكارون المسكين). فإذا جلس إلى المائدة وجب أن يسند على مقعد عال كالطفل ليحاذي غيره. وكان يحتاج إلى من يخدمه طوال الوقت تقريباً. وما كان في استطاعته أن يمضي إلى فراشه أو ينهض منه دون أن يعان عليه، ولا أن يرتدي ثيابه أو يخلعها بنفسه، وكان يجد مشقة في الاحتفاظ بنظافة جسمه. فإذا نهض لم يستطع أن ينصب عوده حتى يشده خادمه إلى صدار من القنب المقوي، وبلغ من نحافة ساقيه أنه كان يلبس ثلاثة جوارب طويلة ليضخمهما ويدفئهما، وكان بسبب حساسيته الشديدة للبرد يرتدي "نوعاً من الصدرة الضيقة المصنوعة من الفراء"، تحت قميص من الكتان الثقيل الخشن. وقل أن عرف لذة العافية. وقد قال عنه اللورد باثورست أنه كان يشكو الصداع أربعة أيام في الأسبوع، ويمرض في الثلاثة الباقية. ومن المعجز أن استطاع جوناثان رتشردسن أن يرسم لبوب لوحة بمثل هذه الطلعة الحسنة(26)- كلها تيقظ وحساسية، ولكنا نستطيع في التمثال النصفي الذي صنعه له روبياك أن نتبين الجسم المعذب يعذب العقل.

ومن القسوة أن نتوقع من رجل كهذا أن يكون هادئ الطبع، أو لطيفاً، أو بشوشاً، أو رقيقاً. فلقد أصبح شأن كل عليل نزقاً، كثير المطالب، نكد المزاج. وندر أن نتجاوز في ضحكه الابتسامة، وإذ حرم كل فتنة الجسد، فقد عزى نفسه بكبرياء المقام وغرور الفكر. وكما يفعل حيوان ضعيف أو جريح، وكما يسلك فرد من أقلية مظلومة، تعلم المكر والمراوغة والدهاء، وما لبث أن تعلم الكذب، لا بل ممارسة الخيانة مع أصدقائه. وتملق النبلاء، ولكنه ترفع عن كتابات الإهداءات التي تستهدف الكسب. وكان فيه من الشجاعة ما حمله على رفض معاش عرضته عليه حكومة يحتقرها.

ونحن نرى في حياته الخاصة بعض الخلال الجديرة بالحب. قال سويفت عنه إنه "أعظم من عرفت أو سمعت عنه من الأبناء قياماً بواجبهم نحو آبائهم(28)". فلقد كان حبه لأمه أطهر عاطفة وأبقاها من عواطف روحه المضطربة. كتب في عامها الحادي والتسعين يقول إن صحبتها اليومية جعلته لا يحس أي افتقار إلى علاقات عائلية أخرى. وكانت أخلاقياته الجنسية أفضل تطبيقاً منها كلاماً؛ ولم يكن هيكله يصلح للزنا، ولكن لسانه وقلمه كان في وسعهما أن يكونا إباحيين إلى حد مقزز(29). وحتى في رسائله للمرأتين اللتين ظن أنه يعشقهما كان يكتب بتحرر مفرط لا تطيقه اليوم سوى بغي. ومع ذلك فإن إحداهما، وهي مرتا بلاونت، أحبت الشاعر العاجز حباً حسبه المتقولون علاقة آثمة. وفي 1730 وصفها بأنها "صديقة... كنت أتفق معها كل يوم ثلاث ساعات أو أربعة طوال هذه السنين الخمس عشرة(30)". وبات في شيخوخته المبكرة معتمداً على محبتها، وأوصى لها بكل تركته الكبيرة تقريباً.

وإذ كان دائم الوعي بعيوبه البدنية، فقد كانت تكويه كياً كل كلمة تنقد خلقه أو شعره. لقد كان العصر عصراً يغلب عليه حب الثأر في معاركه الأدبية، وكان بوب يرد على السباب بسباب لا يصح طبعه أحياناً. وفي 1728 حشد خصومه ونقاده في زريبة شعره، وأطلق عليهم كل سهام غضبه في أقوى أعمالهم الأدبية وأبلغها إيذاءً. ولم ينشر اسمه عليه، ولكن كل لندن القارئة استشفت توقيعه في أسلوب الكتاب. وسيراً على الطريق الوعر الذي سلكته من قبل قصيدة دريدن "ماك فلكنو" (1628)، أشادت قصيدة بوب "الدنسيادة" بكتبة جراب ستريت أقطاباً للمغفلين في بلاط الغباء الذي يتربع ثيوبولد على عرشه. وقد بكى على موت رن وجراي، وعلى إقصاء سويفت في منفاه الإيرلندي، حيث يموت "كفأر مسموم في جحر" يعني كتدرائية دبلن. أما عن الباقين فلم ير من حوله إلا عجزة فاسدين لا طعم لهم ولا مذاق. وتلقى ثيوبولد، ودنيس، وبلاكمور، وأوزبورن، وكرل، وكيبر، وأولدمكسون، وسميدلي، وآرنل- كل في دوره جزاءهم من الجلد والتهكم والقذر- ولا غرو فقد كان لشاعر ولع بالقذارة، ربما لأن هذه صفة تلازم العجز البدني(31).

وفي طبعة لاحقة ذكر بوب في ابتهاج، على لسان الشاعر سفدج، كيف أن حشداً من الكتاب حاصروا تاجر الكتب في تاريخ نشر القصيدة لأول مرة، وهددوه باستعمال العنف معه إذا نشرها، وكيف أن هذا جعل الجمهور أشد تهافتاً على النسخ، وكيف أن الطبعة تلو الطبعة كانت تطلب وتنفد، وكيف أن الضحايا ألفوا أندية ليكتلوا الثأر من بوب، وصنعوا دمية على صورته وأحرقوها. وجاء ابن دنيس بهراوة ليضرب بوب، ولكن اللورد باثورست صرفه عنه، وبعدها ظل بوب يأخذ معه في جولاته مسدسين وكلبه الدنمركي الضخم. ورد عليه عدد من ضحاياه بكتيبات، وبدأ بوب وأصحابه (1730) "مجلة جراب ستريت" ليواصلوا الحرب. وفي 1742 أصدر جزءاً رابعاً من "ملحمة المغفلين"، هاجم فيه المربين وأحرار الفكر تعطشاً لخصوم جدد- هؤلاء الذين يفخرون قائلين:

"إننا نتخذ في فخر ذلك الطريق الأعلى

ونجادل هابطين حتى نشك في الله،

ونجعل الطبيعة تعدو على قصده،

وندفعه إلى أبعد ما نستطيع.. ..

أو، بوثبة واحدة تقفز فوق كل قوانينه،

نجعل الله صورة للإنسان، والإنسان العلة النهائية،

ونجد الفضيلة شيئاً محدوداً، ونحتقر كل الصلات،

نرى الكل في أنفسنا، وأننا لم نولد إلا لأنفسنا،

لا نوقن بشيء يقيننا بعقولنا،

ولا نتشكك في شيء تشككنا في الروح والإرادة(32)".

وواضح أن بوب كان ينقب في الفلسفة، وليس مع بولنبروك وحده؛ فقد صدرت رسالة هيوم "في الطبيعة البشرية" في 1739، قبل هذا الجزء الرابع من "ملحمة المغفلين" بثلاث سنوات. وهناك بعض الأدلة على أن الفيكونت كان قد نقل إلى الشاعر ربوبية شافتسبري مشحوذة بحكمة الدنيا(33). وقال له بولنبروك، حسبك هجاء وسفاسف، ووجه ربة شعرك وجهة الفلسفة الدينية. يقول جوزف وارتن "لقد أكد لي اللورد باثورست غير مرة أنه قرأ كل خطة "مقال عن الإنسان" مكتوبة بخط بولنبروك، ومفصلة في سلسلة من القضايا كان على بوب أن ينظمها شعراً ويوضحها(34)". ويبدو أن بوب فعل هذا، إلى درجة استعماله عبارات بعينها من وضع المتشكك الكبير(35)، ولكنه أضاف بعض البقايا المنقذة التي تخلفت عن عقيدته المسيحية. وهكذا أصدر "مقالة عن الإنسان" فصدرت الرسالة الأولى في فبراير 1733، والثانية والثالثة في تاريخ لاحق من تلك السنة، والرسالة الرابعة في 1734. وسرعان ما ترجم المقال إلى الفرنسية، وأشاد به أكثر من عشرة فرنسيين باعتباره من ألمع ما ألف من جوامع الشعر والفلسفة معاً.

واليوم يذكر هذا المقال أولاً لما حوي من أبيات يعرفها كل إنسان، فلننصب بوب في رؤيتها في إطار فنه وفكره. وهو يستهلها بمناجاة لبولنبروك:

"استيقظ يا قديسي جون: واترك كل التوافه

للطمع الدنيء وكبرياء الملوك.

وما دامت الحياة لا تستطيع أن تهبنا

غير نظرة فيما حولنا يعقبها الموت،

فطوف ببصرك حراً فوق هذا المشهد كله، مشهد الإنسان،

يا له من متاهة هائلة، ولكنها ليست بغير خطة،..

فلنضرب معاً في هذا الحقل الفسيح،

ولنضحك حيث يجب الضحك، ونتصارح حيث نستطيع المصارحة، ولكن لنبرر طرق الله مع الإنسان(36)".

"فهل يستطيع الجزء أن يحتوي الكل؟" فلنكن شاكرين لأن عقلنا حدود ومستقبلنا مجهول:

"فذلك الحمل الذي قضي استهتارك بذبحه اليوم،

لو أوتي عقلك، أكان يطفر ويلهو؟

إنه في ابتهاجه إلى النهاية يقضم طعامه اليانع

ويلعق التي رفعت لتريق دمه(38)".

هاهنا تشاؤم خفي، فالرجاء لا يمكن أن يبقى حياً إلا بالجهل:

"فارج في تواضع إذن، وحلق بجناحين مرتعشين،

وانتظر الموت، ذلك المعلم العظيم، وأعبد الله.

إنه لا يهبك العلم بالنعيم الآتي،

ولكنه يسمح بأن يكون ذلك الرجاء بركتك الآن.

فالرجاء ينبعث أبداً في صدر الإنسان،

وهو لا ينعم بالسعادة بل لا يفتأ يرجوها أبداً(39)".

ولا قدرة لنا على رؤية المبرر لما يبدو في الحياة من مظالم؛ وعلينا أن ندرك أن الطبيعة لم تخلق الإنسان، وأن الله لا بد يرتب كل الأشياء لكل الأشياء، لا للإنسان وحده. ويصف بوب "سلسلة الوجود الشاسعة" ابتداء من أدنأ المخلوقات ومروراُ بالإنسان والملاك إلى الله، ويحتفظ بإيمانه في نظام إلهي وإن خفي عن علمنا:

"إن الطبيعة كلها ليست إلا فناً لا علم لك به؛

وكل المصادفات توجيه لا تستطيع رؤيته؛

وكل تنافر تناغم غير مفهوم؛

وكل شر جزئي خير كلي؛

ورغم ما حقد في العقل الضال من كبرياء،

فإن هناك حقيقة واحدة واضحة، وهي أن كل الوجود صواب(40)".

أما الدرس الأول فهو التواضع العقلي. ثم هذه الأبيات المذكرة تذكيراً رائعاً ببسكال:

"فاعرف نفسك إذن، ولا تجسر على فحص الله،

فالدراسة الصحيحة للبشر هي الإنسان.

هذا الذي وضع هذا البرزخ في حالة وسط،

كائن حكيم في غموض، عظيم في فجاجة...

حكم أوحد في أمر الحقيقة، مدفوع إلى أخطاء لا تنتهي،

مفخرة الدنيا، وأضحوكتها، ولغزها المحير!(41)".

فلنوافق في إطار هذه الحدود البشرية على أن "محبة الذات، منبع الحركة، تحفز الروح"، ولكن لا بد للعقل أيضاً أن يدخل ليبث النظام والتوازن في عواطفنا وينقذنا من الرذيلة. لأن"

"الرذيلة مخلوقة متوحشة رهيبة السحنة،

نكرها حالماً نراها،

ولكنا لكثرة ما نراها نألف وجهها،

ونحتملها أولاً، ثم نرثي لها، ثم نعانقها(42)".

هذه العواطف وإن كانت كلها ألواناً من محبة الذات إلا أنها جوانب من المخطط الإلهي، وقد تفضي إلى نهاية طيبة حتى لبصرنا الأعمى. فشهوة الجسد تبقى على النوع، وتبادل المصلحة ولد المجتمع. والنظام الاجتماعي والإيمان الديني نعمتان واضحتان، رغم أن الملوك وأصحاب المذاهب لطخوا التاريخ بدماء البشر:

"ليختلف الحمقى حول أشكال الحكم

فأصلحها هو أفضلها إدارة وتصريفاً

وليقتتل المتعصبون الثقلاء حول ضروب الإيمان،

فلن يخطئ من عاش حياة فاضلة(43)".

أما الرسالة الرابعة من مقال الإنسان فتنظر في السعادة، وتحاول جاهدة أن تسوي بينها وبين الفضيلة. فإذا رأيت الرجل الصالح يبتلي بالكوارث، والأشرار يفلحون أحياناً، فإنما السبب أن:

"العلة الكونية

لا تعمل وفق قوانين جزئية بل كلية(44)؛"

والله ينظم بالكل، ولكنه يترك الأجزاء لقوانين الطبيعة ولإرادة الإنسان الحرة. وقد يأسي البعض لفوارق الملكية باعتبارها مصدراً للشقاء، ولكن الفوارق الطبقية ضرورية للحكم:

"فالنظام أول قوانين السماء، وإذا سلمنا بهذا

كان البعض، ولا بد أن يكونوا، أعظم من الباقين(45)".

وليس هذا واضحاً وضح النهار، ولكن أي كلام آخر يمكن أن يقال للفيكونت بولنبروك، (أو يقوله بولنبروك)؟ والسعادة موزعة بالقسط رغم عدم المساواة في العطايا الطبيعية والمكتسبة؛ فالفقير سعيد سعادة الأمير. وليس سعيداً ذلك الوغد الغني؛ فهو يحتضن أمواله ولكنه يشعر باحتقار العالم له، أما البار فتنعم روحه بالسلام حتى في الظلم.

أما ما يسترعي نظرنا لأول وهلة في مقال الإنسان، فهو هذا الأسلوب المحكم الذي لا يضارع في إيجازه. يقول بوب "لقد اخترت الشعر لأنني رأيتني قادراً على التعبير عن هذه الأفكار بالشعر بأوجز مما بالنثر(46)". ولم يبلغ شاعر، حتى شكسبير نفسه، ما بلغه بوب من مقدرة على حشد ذخائر لا حصر لها- وحشد المعنى الكبير على الأقل- في حيز ضيق. فهنا في 652 بيتاً زوجياً، هي أدعى لأن تعيها الذاكرة من نظيرها في أي ميدان أدنى معادل غير العهد الجديد. وكان بوب عليماً بحدود قدراته، فقد أنكر صراحة أصالة أفكاره، وأراد أن يصوغ من جديد فلسفة ربوبية متفائلة بفن موجز، ووفق فيما أراد. وفي هذه القصيدة نحى عقيدته الكاثوليكية ولو إلى الحين. ورأى في الله علة أولى فقط، لا يعني "عناية إلهية خاصة" ليقي الرجل الفاضل من خبث الأشرار. وليس في هذا النسق معجزات، ولا أسفار مقدسة موحاة من الله، ولا آدم ساقط أو مسيح مكفر، إنما هو رجاء مبهم في الجنة، ولكن لا ذكر للنار إطلاقاً.

وقد هاجم نقاد كثيرون القصيدة باعتبارها فلسفة "إنسانية أو بشرية" منظومة. فالقول بأن "دراسة البشر الصحيحة هي الإنسان" عرف وجهاً من وجوه هذه الفلسفة، وبدأ أنه يغرق اللاهوت كله. فلما ترجم المقال إلى الفرنسية انقض عليه قسيس سويسري يدعى جان كروزاز، فزعم أن بوب قد ترك الله في طريق جانبي في قصيدة مفروض فيها أنها تبرر طرق الله للإنسان. ولم يخف للدفاع عن بوب أمام هذا الهجوم من الخارج رجل غير وليم وربرتون الفحل، فقد شهد أسقف المستقبل أن القصيدة عملاً من أعمال التقوى المسيحية التي لا شائبة فيها. ورغبة في تهدئة رجال الدين نشر بوب في 1738 ترنيمة حلوة سماها "الصلاة العالمية". ولم يقتنع السنيون تماماً، ولكن العاصفة هدأت. أما في القارة فقد استقبلت القصيدة بعواطف مسرفة. فقال فولتير في حكمه عليها "إنها في رأيي أبدع وأنفع وأسمى قصيدة وعظية نظمت في أي لغة(47)".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هجائيات

 
ألكسندر پوپ، بريشة جان-باتيست ڤان لو، ح. 1742 (مكتبة لويس والپول)

وما لبث بوب أن تحول اهتمامه من نظم الشعر الوصفي والملاحم البطولية الساخرة، إلى نظم الشعر الهجائي وقد اضطلع بتوجيه سلسلة من الهجمات، على أولئك الكتاب الذين كان يزدريهم. وكانت أعظم قصائده الهجائية، هو ديوانه المسمى منظمة الأغبياء وقد نشر لأول مرة عام 1728 في ثلاثة أجزاء، وفيها أنقض بالسخرية على كثيرين من أعدائه الأدباء، من أمثال ثيوبالد، وسيبر، ودنيس. وفي الطبعة الجديدة التي صدرت عام 1742، حل سيبر محل ثيوبالد في استحقاقه للتربع على عرش الأغبياء.

وفي 1735 كتب بوب مقدمة لمجلد من الهجائيات سماها "رسالة إلى الدكتور آربتنوت" دافع فيها عن حياته وأعماله، وقتل خصوماً جدداً. هنا وردت صورته الشهيرة لأديسون الذي سماه "أتيكوس"، وفضيحته القتالة للورد هرفي المخنث الذي كان قد زل فوصف بوب بأنه "قاس كقلبك"، مجهول كأصلك(48)". وطعنه بوب طعنات نجلاء تحت اسم "سبوراس" في أبيات يتجلى فيها الشاعر في أروع صورة وأسوئها. قال:

"ماذا؟ ذلك الشيء المصنوع من الحرير،

سبوراس، ذلك الخثارة البيضاء من لبن الحمير،

وا أسفاه! لا يجدي معه هجاء ولا كلام معقول! أيستطيع سبوراس أن يحس،

وهو الذي يحطم فراشة على دولاب التعذيب،

ولكن دعوني أصفع هذه البقة المذهبة الأجنحة،

ابن القذر هذا المزوق، الذي ينتن ويلدغ...

وسواء تكلم وهو عاجز عجزاً فاضحاً

وزيق كالدمية حين ينفخ فيها الملقن؛

أو جلس إلى إذن حواء، كأنه الضفدع الأليف،

ينفث حديثاً نصفه زبد ونصفه سم،

في توريات أو أحاديث سياسية، أو حكايات، أو أكاذيب،

أو غل أو سناج أو قوافي أو كفريات.

ذكاؤه متأرجح كله هنا وهناك،

صاعد حيناً، هابط حيناً، سيد مرة وفتاة مرة،

وهو ذاته تناقض حقير.

شيء ذو وجهين، يلعب كلا الدورين،

الرأس التافه، أو القلب الفاسد؛

غندور في زينته، متملق في مجلسه،

يخطر آناً كالنساء، ويتبختر آناً كالسادة(49)".

وكان بوب فخوراً ببراعته في هذه الهجمات القتالة-

"أجل إني فخور، ويجب أن أفخر برؤية

الرجال الذين لا يخشون الله يخشونني(50)".

وقد اعتذر عن مرارته بأن العصر يتهدده انتصار الغباوة، وأنه في حاجة إلى عقرب يلدغه ليفيق ويعقل، ولكنه انتهى في 1743 إلى أنه خسر المعركة. ففي آخر تنقيح لملحمة المغفلين رسم صورة قوية- هي نذر الشاعر "دون" بالويل والثبور صاغها بلهجة ملتن ونبراته للدين، والأخلاق، والنظام، والفن، وقد لفها كلها ظلام واضمحلال شاملان. فإلاهة الغباء المتوجة تتثاءب فوق عالم محتضر:

"إنها قادمة، إنها قادمة، تأمل العرش الأسود،

عرش الظلمة الأزلية والفوضى القديمة!

أمامها تتبدد كل سحب الخيال الذهبية،

وتلاشى كل أقواسه القزحية.. ..

بينما تأفل النجوم الذابلة نجماً بعد نجم

من الأفق الأثيري، عند سماع لحن ميديا الرهيبة

وهكذا عند الإحساس بدنوها، وخشية جبروتها الخفي،

ينطفئ الفن تلو الفن، وتمسي الدنيا ظلاماً في ظلام.

فانظر إلى الحقيقة وقد هربت متسللة إلى كهفها القديم،

وفوق رأسها أهيلت جبال من الفتاوي!

والفلسفة التي كانت من قبل تستند إلى السماء،

تنكمش إلى علتها الثانية ثم تموت.

والطبيعة (العلوم) تسأل ما بعد الطبيعة الدفاع (ضد هيوم؟)

وما بعد الطبيعة يستنجد بالحس الطبيعي (لوك؟)!

وترى الأسرار الخفية تلجأ إلى الرياضيات (نيوتن؟)!

ولكن عبثاً تحاول! فهي تحملق، وتترنح، وتهذي، ثم تموت.

ويستر الدين نيرانه المقدسة وقد احمر وجهه خجلاً،

وتذوي الفضيلة دون أن تدري...

فهناك دولتك الرهيبة وقد عادت أيتها الفوضى،

والنور ينطفئ أمام كلمتك القاتلة،

ويدك أيتها الفوضى الجبارة تنزل الستار

فإذا الظلام الدامس يلف كل شيء(51)".

وفاته

 
وفاة ألكسندر پوپ، من Museus, a threnody بريشة وليام ميسون. ديانا تمسك بساعد پوپ المحتضر، وجون ملتون، إدموند سپنسر، وجفري شوسر يستعدان لاستقباله في الجنة.

ولعله حسب انحلاله هو انهياراً للكون كله. فقد كان وهو بعد في الخامسة والخمسين يموت من الهرم. وأصبح المشي عسيراً عليه لإصابته بالاستسقاء، والتنفس مؤلماً لإصابته بالربو. وفي 6 مايو 1744 أصابه هذيان كان يفيق منه فترات، وأعرب في إحداها عن إيمانه بحياة بعد الموت. وسأله صديق كاثوليكي أيستدعي له كاهناً فأجاب بوب "لست أراه ضرورياً ولكنه سيكون عين الصواب، وشكراً لأنك ذكرتني بهذا"(52). ومات في 30 مايو، "هادئاً رابط الجأش" (إذا صدقنا جونسن)، "حتى أن خدمه لم يتبينوا بالضبط وقت وفاته". ولم يكن من حقه أن يدفن في دير وستمنستر لأنه كاثوليكي، فووري التراب إلى جوار أبيه وأمه في تويكنهام.

أثره

أكان جنتلماناً؟ لا، فإن أحقاده الفياضة بالقدح والذم شاركت في تسميم هواء إنجلترا الأدبي في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد أخرجت آلامه الجسدية أحماضاً لاذعة وحرمته العافية التي تفيض بالحب والود على من حولها. أكان عبقرياً؟ بالطبع، لا في الفكر الذي استعاره، بل في الشكل الذي بلغ به مرتبة الكمال في النوع الأدبي الذي اختاره. وقد وصفه ثاكري بأنه "أعظم فنان أدبي شهده العالم(53)". ففي لباقة الكلام، وإيجاز التعبير، وخصب العبارة، كان أمام عصره غير منازع. وحتى الفرنسيون قبلوا أعظم شاعر في جيله، وتطلع إليه فولتير مثلاً له وقلده، كما نرى في "أحاديثه عن الإنسان". ولقد ظل ثلاثين عاماً- أطول من أس شاعر آخر- أمير الشعر الإنجليزي، وثلاثين عاماً آخر نموذجاً يحتذيه الشعراء الإنجليز، إلى أن جاء وردزورت بشيراً بعصر جديد.

ونحن الذين نهرول في حياتنا اليوم رغم فراغنا كله، نرى في مقطوعات بوب، في تشطيرها الآلي، أو في صعودها وهبوطها "كالأرجوحة"(54) على القدرة والتنويم، فلا توقظنا إلا بين الحين والحين بالإجرامات، وحتى مقاله البارع عن الإنسان، ليس شعراً إلا في أوزانه وقوافيه. والصنعة فيه ظاهرة فوق ما ينبغي، فلقد نسي الفنان نصيحة هوراس له بستر فنه. كذلك غفل عما نبه إليه هوراس من أن الشاعر لا بد أن يملك الشعور قبل أن يستطيع نقله؛ وقد شعر بوب، ولكن غالباً ليحتقر ويسب؛ وقد افتقد الإحساس بالجمال نحو الأفعال النبيلة أو اللطف الأنثوي. واستنفد خياله في العثور على ألفاظ رقيقة، بتارة، مركزة، لأفكار قديمة؛ فلم يتطاول ليمسك بالأشكال المثالية التي تلهم عظماء الشعراء والفلاسفة. ولم تعطه الأجنحة سوى أحقاده.

وهو لم يزل إلى اليوم الرمز الشعري الأكبر لعصر إنجلترا الأوغسطي- الذي يجوز أن نرسم حدوده بعمره، 1688- 1744. فمعرفة الذهن الإنجليزي المتزايدة بعيون الأدب اليوناني والروماني، وبمسرحية "القرن العظيم" الفرنسية؛ وتأثير الأرستقراطية- تأثير الطبقة المسيطرة على الكثرة- في الحديث، والعادات، والألفاظ المهذبة، ويسر السلوك ولطفه؛ وانتقاض العقل والواقعية على الشطط الاليزابيثي وعلى التدين البيورتاني المتزمت، وانتقال المعايير الفرنسية إلى إنجلترا مع عودة الملكية، والمكانة الجديدة للعلم والفلسفة- كل أولئك تضافر لإخضاع أشكال الشعر الإنجليزي السائدة لقواعد هوراس وبوالو الكلاسيكية. وجاء عصر من النقد بعد عصر الخيال، فبينما غزا الشعب في إنجلترا الإليزابيثية النثر ولونه، نرى النثر في إنجلترا الأوغسطية يحط من قدر الشعر ويغير لونه. وكان أثر هذا الأدب "الكلاسيكي الجديد" على اللغة الإنجليزية حسناً وسيئاً: فقد أعطاها دقة ووضوحاً ورشاقة جديدة، ولكنها خسرت حيوية الكلام الإليزابيثي وقوته ودفئه. وخضعت فورة الشخصية والتعبير وفردانيتهما القديمة لنظام مفروض من فوق، ألزم بالتطابق في الحياة، وبالشكل في الأدب. وهكذا استحال الشباب كهولة.

على أن الأسلوب الكلاسيكي الجديد لم يعبر إلا عن شطر من الحياة الإنجليزية، فلم يكن فيه متسع للتمرد ولا للعاطفة ولا للحب.

وقام شعراء بريطانيون، حتى أيام سلطان بوب، نددوا بالصنعة والمنطق، وتحولوا من العقد إلى الطبيعة، ووجدوا صوتاً يعبر عن الوجدان، والدهشة، والخيال، والاكتئاب المتفكر، والأمل المحزون. فبدأت ذلك الحركة الرومانسية في ذروة عصر إنجلترا الكلاسيكي.

وكان بوب أول شاعر استطاع أن يجعل من الكتابة شيئا يجدي على صاحبه. وكانت طباعه مزيجا من المتناقضات ، تتعاقب فيها القسوة اللاهبة ، والرقة المدهشة. وانه ليكون من الغرابة اذا كان قصوره البدني لم ينحرف به من نظرته إلى الحياة. ومع ذلك فان تصويره بصورة الوحش الجشع التي صوره بها كثيرون من نقاد العصر القيكتوري والبروتستانت هي صورة مجافية للصحة فان خصوماته كانت وليدة الخطأ من جانب أعدائه مثلما كانت من جانبه أيضا. وكان يعالج اللغة الانجليزية ببراعة وحذق ، لم يبده فيها أحد في تاريخ الأدب الانجليزي.

أعمال ألكسندر بوب

- القصائد الرعوية نشرت في عام 1709 وتصور حياة الرعاة واهل الريف.

- ديوان رسالة في النقد.

- منظومة استلاب خصلة شعر ، وكانت قصدية ساخرة ، نظمها على نمط الملاحم الشعرية البطولية ، مستهدفا بها عقد صلح بين أسرتين من الكاثوليك دب الخصام بينهما ، بسبب خصلة شعر مسروقة والواقع ان حدة ذهنه أكسبته كثرين من المعجبين ، ولكن الى جانبها كذلك بعض أعداء كالناقد جون دنيس الذي تطاول عليه بوب في منظومته رسالة في النقد. وقد رد عليه دنيس ساخرا من دمامة بوب ، وضآلة جسمه ، وكان حتما أن تتكر أمثال هذه الخصومات المريرة طوال حياة بوب.

- كتاب الأعمال المجمعة ونشر في عام 1717 ، التي اشتملت على قصديته المسامة مرثاة لسيدة تاعسة.

- ترجمة لأعمال هومر في عام 1725 ، وطبعة جديدة من أعمال شكسبير.

- منظمة الأغبياء وقد نشر لأول مرة عام 1728 في ثلاثة أجزاء وأعيد طبعه في عام 1742.

الهامش

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • Maynard Mack, Alexander Pope: A Life (Yale, 1985, the definitive biography)

انظر أيضاً

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بألكسندر پوپ، في معرفة الاقتباس.
Wikisource has original works written by or about:


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • مجموعة المعرفة ، العدد 182 يوليو 1974.