أغنية البجعة

(تم التحويل من Swan song)

"أغنية البجعة" Swan song، هي تعبير يرمز إلى آخر إيماءة أو جهد أو أداء يُؤدى قبل الوفاة أو الرحيل. يشير التعبير إلى اعتقاد قديم بأن البجع يغني أغنية جميلة في الدقيقة الأخيرة قبل وفاته، والذي عادة ما يكون صامتاً (أو لا يغني) في معظم حياته. هذا الاعتقاد، يستند في واقع الأمر على جدل طويل، كان مضرب للأمثال في اليونان القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي وقت لاحق، أعيد التأكيد عليه كثير من المرات في الشعر والفن الغربي.

"البجعة المغنية" (1655) بريشة راينير ڤان پرسين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة والوصف

 
بجعة تفرد جناحيها في موسم التزاوج.

في الأساطير اليونانية، كانت البجعة هي الطائر المكرس لأپولو، ومن ثم فكانت تعتبر رمز للتناغم والجمال وبقدراتها المحدودة على الغناء تسامت عن الطيور المغردة. كانت البجعة توصف كمغني في أشعار ڤرجيل ومارتيال وفي أعمال المؤلفين الآخرين في العصر القديم.

أقدم مرجع معروف لاعتقاد بأن البجع يغني أغنية جميلة قبل وفاته ظهر في مسرحية أگامنون لإسخيلوس في 458 ق.م. في المسرحية، يقارب كليتمنسترا وفاة كاسندرا بالبجعة التي "غنت مرثيتها الأخيرة". يسجل حوار فيدون لأفلاطون سقراط يقول أنه، بالرغم من أن البجع يغني في أوائل حياته، فغنائه ليس جميلاً كذلك الذي يغني قبل وفاته. لاحظ أرسطو أن البجع "موسيقي وخصوصاً قبل وفاته". في القرن الثالث قبل الميلاد أصبح هذا الاعتقاد قولاً مأثوراً.[1][2]

في قصة "البجعة المحسوبة أوزة" يروي أيسوپ عن أسطورة أغنية البجعة فيقول: "البجعة، عندما تم اصطيادها بالخطأ بدلاً من الأوزة، بدأت تغني كما لو كانت تمهد لنهايتها. وبصوتها تم التعرف عليها وأنقذت الأغنية حياتها."[3] ويشير اوڤيد إلى هذا في "قصة پيكوس وكانـِنز": "هناك، تدفقت منها الكلمات الحزينة، في نغمات خافتة، في إيقاع يملؤه الحزن، إذا ما غنت البجعة، فإنها تموت، إنها أغنية جنازتها."[4]

كانت هذه الأسطورة في عهد الروماني القديم پلني الأكبر وبعض الحكماء في وقت لاحق واعتبرت الفكرة بأكملها خاطئة، لكن من بين كتابات ليوناردو داڤينشي كان هناك ملاحظة تقول "أن البجعة البيضاء الشهباء حين تغني بطريقة جميلة قبل وفاتها، فهذه الأغنية تنهي حياتها." حتى في عام 1905، في أدّت آنا پاڤلوڤا باليه البجعة الميتة، على "لو كارناڤال دي أنيمو" ("مهرجان الحيوانات") للملحن الفرنسي كامي سان-سانس.

كتب شوسر "The Ialous swan, ayens his deth that singeth."[5]

ويقول أمير باث في حكاية شوسر، أغاني الندم:

أيها العالم الزائف المسمى بـدنياً‏
أنت خدّاع،
لأنك بهارج مصطنعة!‏
آهٍ، كم أتمنى لو‏
كانت بصيرتي متفتحة!‏
لو كان قلبي يقظاً‏
لما انجرفت وراء خداعك‏
أنت برق خلّبُ!‏
كم أودُّ لو عاد الزمان‏
كي أفعل خيراً‏
ألقى به وجه ربي!‏
كم أودُّ لو تحدث معجزة‏
فأعود شاباً أنفق‏
عمري في العمل الصالح!‏
كي أكفّر عن آثامي!‏

في تاجر البندقية لشيكسپير، تصيح پورتيا "فلتـُعزف الموسيقى وهو يدرك أنه يصنع اختياره؛ ثم، لو أخطأ، ستكون نهايته كالبجعة، يتلاشى في الموسيقى."[6]

"أغنية البجعة" هو كُنية كونشرتو من عصر الباروك، كتبه گيورگ فيليپ تلمان: الكونشرتو على دي الصغير تعزف على الأوبوا.[7] تبدأ كونشرتو تلمان بالجزء الحزين (أداگيو) ثم الجزء السعيد (ألرگو)، غناء البجعة نفسه، في جزء حزين آخر (الوفاة)، وأخيراً نهاية الأمل.

في القصيدة السمفونية بجعة تونلا للملحن الفنلندي يان سيبليوس في سولو شهير، استخدم كور أنگلياس، لعزف أغنية الموت لبجعة تونلا الأسطورية.

أشهر البجعات الأوروبية، البجعة الصامتة، بالرغم من أنها في حقيقة الأمر ليست صامتة، فهي لا تشتهر بغنائها في حياتها لكن تشتهر بغنائها عند موتها. أثار هذا بعض النقد حول اعتقاد أغنية البجعة منذ العصر القديم، من أوائل من انتقده كان[8] پليني الكبير: عام 77 في كتابه التاريخ الطبيعي (الكتاب العاشر الفصل الثاني والثلاثين: olorum morte narratur flebilis cantus, falso, ut arbitror, aliquot experimentis)، والذي يقول فيه: "تشير المشاهدات أن قصة غناء البجع عند موته زائفة." ولاحظت پترسون أن Cygnus olor هي "ليس صامتة، لكن ليس لديها نداء نفير، مجرد صياح، نخير، أو همهمة في بعض الأحيان."[9] إلا أن البجعة الناعقة (Cygnus cygnus)، التي تزور في الشتاء أجزاء من شرق المتوسط، تتميز بنداء 'نفيري'، ولوحظت لإصدارها سلسلة طويلة من النغمات بإفراغها رئتيها من الهواء، وكلا الظاهرتين يأتي نتيجة حلقة اضافية في قصبتها الهوائية في نحرها. وقد اقترح ذلك عالم الطبيعيات پيتر پالاس كأساس للأسطورة. ويظهر البجع بصنفيه الصامت والناعق في الفن اليوناني والمصري القديمين.[10][11]

وأقرب أقارب البجعة الناعقة، البجع النفيري وبجع التندرا، حيث يتشاركان نفس القصبة الهوائية الموسيقية. صرح عالم الحيوان د.گ. إليوت عام 1898 أن بجع التندرا بأن بجع التندر الذي اصطاده وجرحه أثناء طيران بدأ في الهبوط وهو يصدر سلسلة من الأصوات "الحزينة الموسيقية" التي "يفصل بينها ما يشبه المسافة الموسيقية".[12]

في الأغنية المادريجالية الشهيرة "البجعة الفضية لاورلاندو گيبونز، يذكر الأسطورة فيقول:

البجعة الفضية، التي لم تكن حياتها تذكر،
عندما تموت، تبدأ في الخروج عن صمتها.
تتجه بصدرها نحو الشاطئ الملئ بالقصب،
وتغني أغنيتها الأولى والأخيرة ولا تغني بعدها:
"وداعاً، لكل الأفراح! الموت يقترب أمام عيني!
"البجعات يعيشون الآن أكثر من الأوز، وهم أكثر سفهاً من الحكيم."

التعبير الإنگليزي "أغنية البجع" يرجع إلى القرن التاسع عشر، ودخل اللغة عن الألمانية schwanen(ge)sang وschwanenlied.[13]

استخدم صاموِل تيلر كولردج الأسطورة استخدام فكاهي عندما سخر قائلاً:

البجع يغني قبل موت— 'لم يكن هذا الأداء سيئاً، يجب أن يموت بعض الأشخاص قبل أن يغني.

في قصيدة "البجعة الميتة" لتنيسون[14] وهي استحضار شعري للجمال المفترض في الأغنية، ومليئة بالتفاصيل كما لو أنه قد سمعها بالفعل:

The wild swan's death-hymn took the soul
Of that waste place with joy
Hidden in sorrow: at first to the ear
The warble was low, and full and clear; ...
But anon her awful jubilant voice,
With a music strange and manifold,
Flow’d forth on a carol free and bold;
As when a mighty people rejoice
With shawms, and with cymbals, and harps of gold...

يصوّر الشاعر اليوناني الرعوي ثيوقريطيس كلمات أغنية البجعة فيقول[15]:

أيتها الدنيا الفانية!‏
لقد قضيت عمري أسعى إليك.‏
والآن أغادركِ‏
ولكن يؤرقني همّي‏
وتحزنني وخزات الضمير.‏
لأنني لم أساعد الطيور الصغار.‏
لكن ربي غفور سيرحمني!‏


المصطلح

بمرور الوقت، أصبح "أغنية البجع" مصطلح يشير إلى الظهور المسريح أو الدرامي الأخير، أو أي عمل أو إنجاز أخير.[16] بصفة عامة يحمل هذا المصطلح دلالة على أن المؤدي يعي أن هذا هو آخر عرض له في حياته، وأنه يبذل كل ما في وسعه في محاولة أخيرة المبدعة.

المصادر

  1. ^ http://www.jstor.org/pss/642700
  2. ^ Brazil, Mark (2003). The Whooper Swan. T & A D Poyser. ISBN 978-0-7136-6570-3. pp. 64-65. (Online version)
  3. ^ Aesop (1998). The Complete Fables. Penguin Classics. ISBN 0-14-044649-4. p. 127. Annotation by Robert and Olivia Temple: "The premise of this fable is the odd tradition of 'the swan song.'" (Online version)
  4. ^ Ovid. "Metamorphoses (Kline) 14, the Ovid Collection, Univ. of Virginia E-Text Center; Bk XIV:320–396: The transformation of Picus". University of Virginia.
  5. ^ Skeat, Walter W. (1896). Chaucer: the Minor Poems. Clarendon Press., p. 86 (Online version)
  6. ^ The Merchant of Venice," Act 3 Scene 2
  7. ^ http://www.allmusic.com/album/georg-philipp-telemann-funeral-music-for-garlieb-sillem-mw0001799230
  8. ^ Arnott, W. Geoffrey (2007). Birds in the Ancient World from A to Z. Routledge. ISBN 0-203-94662-6. pp. 182-184. (Online version)
  9. ^ Peterson, Roger Tory, Guy Mountfort, P. A. D. Hollum, P. A. D. Hollom (2001). A Field Guide to the Birds of Britain and Europe. Houghton Mifflin Field Guides. ISBN 0-618-16675-0.{{cite book}}: CS1 maint: multiple names: authors list (link), p. 49
  10. ^ Brazil, Mark (2003). The Whooper Swan. T & A D Poyser. ISBN 978-0-7136-6570-3. pp. 64-65. (Online version)
  11. ^ Arnott, W. Geoffrey (2007). Birds in the Ancient World from A to Z. Routledge. ISBN 0-203-94662-6. pp. 182-184. (Online version)
  12. ^ Johnsgard, Paul A. (January 2013). "The Swans of Nebraska". Prairie Fire. USA. Retrieved 21 January 2013.
  13. ^ "swan, n." Oxford English Dictionary. 2011. Retrieved June 17, 2011. {{cite journal}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help); Unknown parameter |month= ignored (help)
  14. ^ Tennyson, "The Dying Swan," The Early poems of Alfred Lord Tennyson (Project Gutenberg text), search on "shawm." This and other sources assert not merely that the swan sings, but that the song is beautiful.
  15. ^ "أغنية الوداع". جريدة الفداء السورية. 2012-02-08. Retrieved 2013-06-20.
  16. ^ Oxford Dictionaries Online