يهود مصر في حرب 1948

في 15 مايو 1948، غادر البريطانيون فلسطين، وغزتها مصر إلى جانب أربع جيوش عربية أخرى في محاولة لإحباط خطة تقسيم فلسطين التي وضعتها الأمم المتحدة. استغل رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا الفرصة لقمع المعارضة الداخلية بفرض الأحكام العرفية. أصبحت الصهيونية مشروعة، وغادر جميع المبعوثين الصهانية من مصر إلى فلسطين. المنظمات التي كانوا يتزعمونها، إما حُلت أو أصبحت سرية. تعرضت الجالية اليهودية في مصر للضغوط من قبل الحكومة والرأي العام لتنأى بنفسها عن الصهيونية. أدلى العديد من الأفراد بتصريحات علنية شجبت فيها الصهيونية، ويبدو من المعقول افتراض أنه على الأقل، في بعض الحالات، قد تعرضوا للإكراه المباشر أو غير المباشر.[1]

جعلت الحرب مع إسرائيل وضع اليهود المصريين مسألة عامة ملحّة. حلّ هذه المسألة الذي اقترحته النظرية السياسية العلمانية الليبرالية التي تهيمن عليها الاعتبارات الأمنية المتصورة وأُغلق النقاش المفتوح والمنطق المرتبط بالحرب بشكل شائع. كانت حكومة النقراشي تفتقد الشجاعة، الرؤية، والتأييد الشعبي، وكان كل هذا مطلوباً لتبني موقف جريء ومبدئي. افتقر مسؤولو الدولة إلى التوجيه الحازم، وكانوا يميلون بحماس لحماية أنفسهم من المسؤولية من خلال تبني النهج الأكثر تحفظاً والمنهج ذو الميول العلمانية.

كان يهود مصر مرتبكون أيضاً. الأحكام العرفية، والخوف، وفقدان الجالية لمعظم المؤسسات العامة جعل من الصعب تتبع تيارات الرأي اليهودية. لكن هناك أدلة كثيرة تتحدى الافتراض الشائع في التاريخ الصهيوني وبعض التأريخ القومي والإسلامي المصري بأن موضوع النقاش الرئيسي بين يهود مصر هو موضوع وموعد مغادرتهم إلى إسرائيل بعد اندلاع حرب 1948.

في غضون أيام بعد اندلاع الحرب، تم إلقاء القبض على حوالي 1300 من المعارضين السياسيين للحكومة من مختلف الأطياف السياسية وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال. وكان من بينهم 300 يهودي صهيوني وعدد متساو تقريباً من الشيوعيين اليهود. هناك العديد من التناقضات في التقارير الخاصة بالعدد الإجمالي لليهود المحتجزين، والحسابات لا تميز دائماً بين الصهاينة والشيوعيين. كان العدد الأقصى للمحتجزين اليهود حوالي 700-800. أفاد السفير البريطاني أن 554 يهودياً تم احتجازهم في نهاية يونيو 1948، عندما تم إطلاق سراح بعض السجناء الأصليين. توقفت الأعمال العدائية في يناير 1949، لكن في يوليو، ظل 250 صهيونياً و60 شيوعياً يهودياً معتقلين في الهايكستب (160)، وأبو قير (110)، والطور (40).

لإثبات الشعور بالتناسب دون تبرير إحتجاز الأشخاص دون محاكمة، اعتقلت الحكومة المصرية أثناء حربها مع إسرائيل نحو 1 في المائة من أفراد الجالية اليهودية في مصر، ما يمكن مقارنته بما فعلته الحكومة الأمريكية قبل بضعة سنوات، في عام 1942، حيث أمرت قيادة الدفاع الغربي باعتقال جميع الأمريكان اليابانيين المقيمين على الساحل الغربي، والبالغ عددهم 110.000 شخص، حتى عائلات أولئك الذين خدموا القوات المسلحة الأمريكية ظلوا معتقلين طوال فترة الحرب.

صدر مرسوم الأحكام العرفية في أواخر مايو 1948، والذي يخول للسلطات المصرية حق "إدارة" ممتلكات أي شخص معتقل أو تحت المراقبة الأمنية. بحلول يناير 1949، كانت ملكية حوالي سبعين من الأفراد والشركات اليهودية تحت إشراف الدولة. تضمن ذلك العديد من المتاجر الكبرى المملوكة لليهود في وسط القاهرة والإسكندرية (عدس، وشملا، وگاتينو) وغيرها من الشركات المعروفة التي تتمتع بمكانة عامة عالية (La Société d'Avances Commerciales، وJH Perez & Co، وPeltours SAE). كان العديد من رجال الأعمال الذين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم من الصهاينة النشطين ويمكن اعتبارهم خطراً أمنياً (أهارون كراسنوڤسكي وإميليو ليڤي ومارسيل مسيكا وروجر أوپن‌هايم). ومع ذلك، فقد فشلت أجهزة الدولة المصرية في جعل بعض الفروق حاسمة بالنسبة للمعايير العلمانية الليبرالية. على سبيل المثال، لم يكن أفراد عائلة پيريز صهاينة سياسيين، لكن أصول JH Perez & Co. وضعت رغم ذلك تحت الحراسة، ربما لأنهم كانوا مستثمرين رئيسيين في Palestine Hotels Ltd، والتي شملت مقتنياتها فندق الملك داوود في القدس . تم وضع عدد كبير من الممتلكات تحت الحراسة، رغم أن هذا كان بعيداً عن الاستيلاء الجماعي على الأصول اليهودية. لم تتأثر أكبر البنوك وشركات التأمين والسمسرة في البورصة وشركات تصدير القطن اليهودية لأن معظم العائلات التجارية اليهودية الأكثر ثراءً كانت بعيدة عن الصهيونية.

خلال صيف وخريف عام 1948، تعرض اليهود وممتلكاتهم لهجوم متكرر. في 20 يونيو 1948، انفجرت قنبلة في حارة اليهود بالقاهرة، مما أسفر عن مقتل اثنين وعشرين يهودياً وإصابة أربعين آخرين. تعرضت عدة مباني لأضرار بالغة. وألقت السلطات المصرية باللائمة في الانفجار على الألعاب النارية المخزنة في البيوت اليهودية والعداء بين اليهود القرابيين والربانيين. ذكرت جريدة الأهرام أن الشرطة ورجال الإطفاء تفاعلوا مع الحريق بسرعة وفعالية. لكن شهود العيان اليهود شهدوا أن استجابة السلطات كانت بطيئة وتظهر قدر كبير من الإهمال. وُضعت التقارير والتعليقات الخاصة بالواقعة تحت المراقبة المشددة. ترك المحررون مساحات فارغة في مقالات في العديد من القضايا التي أعقبت الانفجار احتجاجاً على تعامل الحكومة مع الحادث وعلى الرقابة.

في 15 يوليو، قصفت الطائرات الإسرائيلية الحي السكني بالقرب من قصر القبة في القاهرة، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين وتدمير الكثير من المنازل. وقع الهجوم أثناء إفطار رمضان، مما زاد من غضب الضحايا، الذين بدأوا مسيرة غاضبة في حارة اليهود. في 17 يوليو، أبلغت السلطات المصرية عن هجوم قصف إسرائيلي ثانٍ. ولكن لم يكن هناك أي هجوم فعلي. أطثق وابل من النيران المضادة للطائرات، وقد يكون ذلك تعويضاً عن فشل الجيش في صد الغارة السابقة. في الأجواء المتوترة التي أعقبت الضربة السابقة، وقعت الغارة الفعلية التالية على القاهرة، وتم تفجير متاجر شيكوريل و أوريكو المتواجدة في شارع فؤاد الأول (الذي أصبح الآن 26 يوليو) في 19 يوليو. وأعقب ذلك تفجيرات لمتاجر عدس وگاتينو في 28 يوليو و1 أغسطس. في 22 سبتمبر، أدى انفجار في حارة اليهود بالقاهرة إلى مقتل 19 شخصاً وإصابة 62 آخرين. تمثلت آخر الهجمات التي استهدفت يهود القاهرة تدمير مقر شركة Société Orientale de Publicité، وهي شركة كبيرة للنشر والإعلان واصلت العمل خلال الحرب، بقنبلة في 12 نوفمبر.

كان رد الحكومة على هذه الهجمات التفجيرية غير كفء ومخادع، ليس لأن السلطات شجعت في الواقع الاعتداءات على اليهود، ولكن لأنهم كانوا خائفين من القوة الواضحة لجمعية الإخوان المسلمين. في منتصف عام 1948، أصبحت الحكومة مقتنعة بأن الإخوان كانوا يستعدون للتمرد المسلح، وتم اعتقال العديد منهم بعد إعلان الأحكام العرفية في مايو. في الثامن من ديسمبر 1948، قام رئيس الوزراء النقراشي باشا بحل الجماعة رسمياً، وصادرت الدولة أصولها الكبيرة. في محاكمة 1950، اتُهم أعضاء الجماعة بتنفيذ جميع التفجيرات ضد يهود القاهرة في الفترة من يونيو إلى نوفمبر 1948. وجادل الادعاء بأن التفجيرات كانت جزءاً من استراتيجية لاستغلال قضية فلسطين لزعزعة الاستقرار وتقويض النظام.

كان من شأن الدفاع بقوة عن الجالية اليهودية بالقاهرة ضد هجمات الإخوان المسلمين أثناء الحرب مع إسرائيل أن يخاطر بزيادة شعبية حكومة كانت غير شرعية بالفعل، لأن انتخابات عام 1944 قد تم تزويرها لاستبعاد الوفد من السلطة. بالنسبة للنقراشي باشا، كان التضحية بأمن الجالية اليهودية قضية صغيرة مقارنةً بالحفاظ على السلطة. علاوة على ذلك، بسبب قوة الإخوان المسلمين، ربما لم تكن لدى الحكومة القدرة على ردع هذه الهجمات. رداً على حل الحكومة للجماعة، قام أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين باغتيال النقراشي في 28 ديسمبر. غير واثقة في قدرتها على الحصول على قانون سريع من شأنه أن يردع الإخوان من القيام بالمزيد من أعمال العنف، رتبت الحكومة لاغتيال حسن البنا. قامت الحكومة المصرية بشكل صحيح بتقييم خطورة التحدي الذي يمثله الإخوان المسلمون معا افتقادها إلى الثقة في قدرتها على مواجهته. وجدت الجالية اليهودية نفسها متمركزة بين قوتين متنازعتين، ولم تعد الضربة السابقة واحدة من الأحداث التالية التي اعتبرت مصالحها أو أمنها ذات أولوية.

زعمت الحكومة إن إجراءتها كانت موجهة فقط ضد الصهاينة، لكن أهمية تلك الإجراءات كانت معقدة حيث أن المنظمات الشيوعية المصرية قد أيدت تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية. في عدة مناسبات، ألقى النقراشي باشا أعلن للسفير البريطاني، السير رونالد كامبل، ومسؤولين بريطانيين آخرين اعتقاده بأن جميع "اليهود كانوا صهاينة محتملين، ولكن على أي حال كان جميع الصهاينة شيوعيين، وأنه كثيراً ما درس الأمر كما تراه وجهة النظر الشيوعية نحو الصهيونية"

ويبدو أن النقراشي قد صدق هذا الهراء. قد تكون معادته الشخصية للسامية وعجزه السياسي تفسيراً جيداً لتصريحات الحكومة الخادعة، والتدابير الأمنية غير المتسقة والمفرطة، وفشلها في حماية يهود مصر عام 1948. وتشمل العوامل الأخرى ضعف الذكاء السياسي للحكومة، الارتباك، وضعف القدرة التنفيذية. طمأن خليفة النقراشي، إبراهيم عبد الهادي، الجالية اليهودية في مصر، ولم تقع حوادث عنف موجهة ضد اليهود لعدة سنوات بعد توليه المنصب.

كانت عمليات الاحتجاز ومصادرة الممتلكات في عام 1948 غير منتظمة. لم يتم اعتقال بعض القادة الصهاينة البارزين، مثل ليون كاسترو. تم اعتقال آخرين بعد أشهر من بدء الحرب. تم مصادرة ممتلكات إسحاق فينا، وهو أحد مصدري الفاكهة والخضروات الأثرياء، على الرغم من أنه لم يكن صهيونياً. شجع عدم اتساق تصرفات الحكومة المصرية على تفسيرات متعددة لمصادرتها لممتلكات اليهود. كانت عمليات الاعتقال والاحتجاز تهديداً كبيراً لأمن الجالية اليهودية. لكن حجمها المتواضع نسبياً وحقيقة أن بعض الصهاينة هربوا ممتلكاتهم بالكامل، شجع بعض اليهود على الاعتقاد بأن مستقبلهم في مصر قد يشبه الحياة المريحة والمميزة التي عاشها الكثير منهم على مدى الأجيال الماضية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المراجع

  1. ^ Joel Beinin (1998). "3. Citizens, Dhimmis, and Subversives". The Dispersion of Egyptian Jewry. UNIVERSITY OF CALIFORNIA PRESS.