رنل رود

(تم التحويل من رينل رود)

جيمس رنل رود، بارون رنل الأول James Rennell Rodd, 1st Baron Rennell، GCB, GCMG, GCVO, PC (9 نوفمبر 1858-26 يوليو 1941)، شهرته سير رونل رود قبل 1933، كان دبلوماسي، شاعر وسياسي بريطاني. خدم سفيراً لبريطانيا لدى إيطاليا أثناء الحرب العالمية الأولى. شارك في لجنة ملنر بمصر. كما كان مبعوثاً إلى إثيوپيا.


رنل رود
Rennel of rodd.jpg
السفير البريطاني إلى إيطاليا
في المنصب
1908–1919
العاهلإدوارد الثالث
جورج الخامس
سبقهإدوين هنري إگرتون
خلـَفهجورج بيوكانن
عضو برلمان عن سانت ماريل‌بون
في المنصب
1928–1932
سبقهدوگلاس مك‌گارل هوگ
خلـَفهألك كوننگهام-ريد
تفاصيل شخصية
وُلِد
جيمس رنل رود

9 نوفمبر 1858
توفي26 يوليو 1941
الأبميجور جيمس رنل رود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدبلوماسي

دخل الخدمة الدبلوماسية عام 1883 وخدم في مناصب صغرى بالسفارة البريطانية في برلين، روما، أثينا، وباريس. من 1894 حتى 1902 عمل رود تحت رئاسة القنصل العام في مصر اللورد كرومر. لعب رود دوراً هاماً في التفاوض حول المعاهدة الأنگلو-حبشية 1897 مع الامبراطور منليك الثاني من إثيوپبيا. في أواخر 1901 عُين سكرتير أول في السفارة البريطانية في روما،[1] وصل عام 1902 وبقي السنتين التاليتين. عام 1904 كان رود وزيراً مفوضاً إلى السويد (وحتى نوفمبر 1905، النرويج)، لكنه لم يحصل حتى 17 يناير 1905. لعب دوراً نشطاً ومحايداً في حل الاتحاد بين السويد والنرويج والذي حاز من أجله على الصليب الأكبر من وسام النجم القطبي من الملك أوسكار الثاني. بعدها استمر كوزير مفوض في السويد حتى 1908.

 
السيد جيمس رود، كاريكاتير بعنوان 'الدبلوماسية والشعر'
رسم سپاي لمجلة ڤانيتي فير، العدد 668. 7 يناير 1897.

السنة اللاحقة عُين سفيراً إلى إيطالي. ظل في منصبه حتى 1919، ولعب دوراً محوريأً في تأمين التصاق إيطاليا بالوفاق الثلاثي. ترك رود الخدمة الدبلوماسية عام 1919 لكن رغم ذلك خدم في البعثة الدبلومسية في مصر عام 1920 مع ألفرد ملنر وكان الممثل البريطاني إلى عصبة الأمم من 1921 حتى 1923. وكان أيضاً عضو برلمان وحدي عن سانت ماريلبون بين 1928 و1932.


بعثة رنل رود إلى إثيوپيا

عزل الجنرال باراتيري حاكم مستعمرة إرتريا الايطالية بعد هزيمته في عدوة، واستبدل به الجنرال بالداسيري، كما استقال رئيس الوزراء الايطالي كريسبي وخلفه دي روديني. وقد دخلت ايطاليا في مفاوضات مع منليك الثاني انتهت بعقد معاهدة صلح في 26 أكتوبر سنة 1896 أنهت حالة العداء بين الدولتين وألغت معاهدة أوتشيالي التي كانت سبب هذا الصراع، والتي كان لها تأثير كبير في العلاقات بين دول هذه المنطقة والدول الأوروپية إيطاليا وفرنسا وإنگلترة، ورسمت بصفة مؤقتة الحدود بين إرتريا وإثيوپيا وعلى خط أنهار المأرب – بيليسيا – مونا. وفي نفس الوقت ظلت إثيوپاا مسرحاً للنشاط الفرنسي الروسي، الأمر الذي أقلق الحكومة البريطانية وجعلها تخشى أن يسعى وكلاء الدولتين إلى تشويه أغراض الإنگليز في حوض النيل بصورة قد تستنفر منليك ضد المطامع البريطانية. ويعتقد أنها موجهة ضده.

وكان انتصار إثيوپيا في عدوة قد لفت أنظار دول أوروپا إليها فسعت إلى صداقتها. ولقد أوفدت فرنسا في ديسمبر سنة 1896 سفيرها ليون لاجارد في بعثة إلى أديس أبابا ودعمته بأموال طائلة وكميات كبيرة من الأسلحة لاستخدامها في تقوية النفوذ الفرنسي في إثيوپيا والحصول على موافقة منليك على تسهيل مرور حملتين فرنسيتين في بلاده الأولى برئاسة كلوشيت وكان وقتها في إثيوپيا. والثانية برئاسة بونفولو وكان منتظراً وصوله في أية لحظة، ومهمتها الوصول إلى النيل. واستطاع السفير الفرنسي هذا أن يعقد معاهدة تجارية وأخرى سياسية تتعلق بتخطيط الحدود بين الصومال الفرنسي وإثيوپيا، ثم جاءت إثيوپيا بعثة فرنسية أخرى ليست لها صفة رسمية يرأسها الأمير الفرنسي السابق هنري دورليان. وكان هناك اعتقاد بأن الغرض من مجيئه إلى إثيوپيا هو الوصول إلى أعالي النيل لمقابلة حملة مارشان القادمة من منطقة الأوبانجي العليا إلى النيل). وكانت روسيا قد أرسلت بعثاتها أيضا بهدف تدعيم صداقتها مع امبراطور إثيوپيا، التي ازدادت بعد انتصاره في عدوة.[2]

 
موكب السفير البريطاني رنل رود لزيارة الامبراطور منليك 1897.

كان هذا النشاط الفرنسي الروسي المتزايد في إثيوپيا بالاضافة إلى الوفاق بين منليك والمهديين، اذ أن منليك كان يعتقد أن الإنگليز هم الذين شجعوا الايطاليين على غزو بلاده، لذلك أرسل إلى التعايشي يلفت نظره الى الخطر الإنگليزي الذي دخل بلاده واستولى على دنقلة وأن عدوة هو عدو منليك وأنهما يدا واحدة في تجاه المهديين في الحرب المنتظرة مع الإنگليز بنفس الدور الذي قامت به كل من فرنسا وروسيا تجاه إثيوپيا في صدامها مع إيطاليا وذلك بمد المهديين بالسلاح والمستشارين عبر الأراضي الإثيوپية ولما كانت بريطانيا تسعى إلى منع أي تعاون بين إثيوپيا والمهديين كما ترغب في الحصول على معلومات عن الحالة الداخلية في إثيوپيا نفسها أرسلت بعثة رنل رود إلى منليك في أوائل سنة 1897 وبناء على اقتراح قدمه كرومر في ديسمبر سنة 1896 بإرسال هذه البعثة الى منليك ردا على بعثة فرنسا ولابعاد شكوكه عن العمليات الحربية التي تقوم بها مصر في السودان.

وقد أصدرت الحكومة البريطانية في أوائل فبراير سنة 1897 تعليماتها إلى رنل رود بالذهاب إلى أديس أبابا ليوضح لمنليك أن العمليات العسكرية التي تقوم بها حكومة مصر في السودان تستهدف استرداده، كما كان من قبل، وأنه ليس لهذه العمليات الحربية أية نوايا عدائية نحو إثيوپيا. وتؤكد بريطانيا بمقتضى هذه التعليمات أنها لا تعارض في الاعتراف بتخطيط الحدود الإثيوپية بين خطي عرض 15 شمالا مما لا يتجاوز منطقة النفوذ التي أعطيت لإيطاليا بمقتضى اتفاق 15 أبريل الذي يقع بين كركوج وفامكه، في حالة ما اذا كان الامتداد ضرورياً على ألا يلحق هذا الامتداد أذى بالمصالح المصرية في مقابل الحصول على محالفة منليك وتعاونه ضد المهديين.

وقد تقابل رود مع منليك يوم وصوله أديس أببا، 28 أبريل، حيث قدم نفسه إليه وأبلغه بأنه موفد من قبل ملكة بريطانيا حاملاً اليه رسالة ود وصداقة وتأكيد لنوايا بلاده السلمية والرغبة الصادقة في أن تسود العلاقات الطيبة بين البلدين، ثم سلم رود منليك رسالة الملكة ڤيكتوريا وأخرى من الخديوي عباس وثالثة من البطريرك. وقد حضر هذه المقابلة من جانب رجال الامبراطور منليك مستشاره الخاص ألفريد إيلج وأعضاء البعثات الأجنبية. وعلى رأسهم بونفولو وهنري دورليان الفرنسيين وليونتيف الروسي، وقد عرف رود أن البعثة الفرنسي برياسة كلوشيت قد وصلت إلى أديس أبباا قبل وصوله بأسابيع قليلة، وأن كلوشيت لا يزال يعيد تنظيم حملته في مكان بعيد عن أديس أباب استعداداً لاستنئاف الزحف صوب النيل حتى يقابل الحملة التي يقودها مارشان من الغرب. ولكنه لم يستطع أن يحصل على معلومات كافية عن وفد المهديين هذا الا أنه فهم أن الغرض هو اقامة العلاقات الودية مع منليك في الوقت الذي كان متوقعا فيه أن يستأنف المصريون زحفهم جنوبي دنقلة. وقد اعتقد رود أن منليك قد اتخذ موقف الحياد عندما أجاب رئيس البعثة المهدية (محمد عثمان ودحاج خالد) بأنه لا يرغب في تجديد الحرب والعداء ضد المهدية – ولكنه لا يريد في الوقت نفسه أن يعد بمساعدة الخليفة، واعتقد رود أيضا بأن البعثة المهدية حددت اقامتها أثناء وجودها في أديس أبابا فسمح لها بالنزول في منزل المطران متاؤس المصري ومنعت من الاتصال بأحد، وهذا ما اعتقده رود بخصوص البعثة المهدية.

والواقع أن بعثة التعايشي هذه كانت رداً على رسالة منليك التي حذره فيها من الزحف الإنگليزي المصري القادم الهي من الشمال. وقد استقبل منليك البعثة المهدية استقبالا طيبا حيث تسلم من رئيس البعثة محمد عثمان رسالة التعايشي الذي ذكر فيها قبوله مبدئياً العرض المقدم من منليك لعقد الصلح بينهما ولكنه أبدى تحفظات معينة، فهو يؤكد لمنليك بأن لا صلة له بالأوروپيين وليس بينه وبينهم الا الحرب. وطلب من منليك أن يكون كذلك وأن يمنع جميع الأوروبيين من الدخول إلى بلاده، واذا وافق عليه أن يرسل شخصا من طرفه لعقد الصحل. وقد تلقى منليك الرسالة بسرور ووافق على طلبات التعايشي وكان متحمسا لعقد الصلح ورأى أن الخلافات الدينية لا تهم كثيرا، بل اقترح انشاء مواصلات منتظمة بين البلدين. وقد صحبت البعثة المهدية بعثة سلام من منليك مكونة من عشرة أشخاص، وقد وصلت البعثتان إلى أم درمان، وسلمت التعايشي رسالة منليك الذي أوضح له أنه لا توجد بينه وبين الأوروبيين أي علاقة ما عدا التجارة وهي ضرورية لبلاده وللسودان معا، وأن وقفها يضر بالبلدين، وأعرب عن استعداده لقبول أي شروط أخرى وتقديم أي مساعدة من مال وعتاد، وفي حالة أي غزو أوروبي ضد السودان، وهكذا فقد كاد التحالف يتم فعلا بين منليك والتعايشي لكن ذلك لم يحدث، ربما لأن الغزو البريطنيا شغل التعايشي، ولعله كذلك قد صرف منليك عن الخليفة المهدي.

وتتابعت المقابلات بين رود ومنليك وأوضح الأول للثاني أن بريطانيا تريد تنظيم الحدود الشرقية للسودان وحماية مصالحها التجارية، كما أنها ترغب في الوصول إلى تفاهم مع منليك فيما يتعلق بمصالح مصر بشأن بعض الأراضي وأنه على إثيوپيا بمقتضى معاهدة عدوة سنة 1884، أن تحيل إلى الحكومة البريطانية كل المنازعات التي تحدث بينها وبين مصر، ولكن منليك اعترض وقال أن هذه المعاهدة ألغيت بعد أن أحضرت بريطانيا الإيطاليين الى مصوع في فبراير سنة 1885 وقد نفى رود مسئولية بريطانيا عن ذلك لأن ايطاليا دولة مستقلة ليس لها سلطان عليها ولعدم استطاعة مصر انهاء الاحتلال وقتها، كما أن ذلك لا يعني الغاء او اضعاف هذه المعاهدة، بدليل أن إثيوپيا لا تزال تحتل بوجوس بمقتضاها، أما بخصوص معاهدة أوتشيالي فان بريطانيا قبلتها بالصورة التي أبلغتها بها ايطاليا ولم تعلم انجلترا إلى مؤخرا أن إثيوپيا لا تعترف إلا بالنص الأمهري للاتفاقية. وتحدث رود مع منليك في مسائل شتى منها مكافحة تجارة الرقيق ومنع مرور الأسلحة الى السودان، وأوضح له أن المهديين أعداؤه مثلما هم أعداء الإنگليزي. وتناول رود موضوع بعثة كلوشيت ونفى منليك أنها تحمل سلاحا، وطلب السماح لإثيوپيا بنقل الأسلحة من زيلع فودعه رود بأن تبحث حكومته ذلك. وفيما يتعلق برسم الحدود بين مصر (السودان) وإثيوپيا، فقد اكتشف رود أن منليك قد أصدر منشوراً إلى كل الدول لم يعلم به اطلاقاً وهو الخاص بمد حدود إثيوپيا إلى الخرطوم وبحيرة نيانزا. وهذه المناطق اعتبرها منليك حدوده الغربية. وقد وجد رود أن ما يقدمه الى منليك والذي سمحت به حكومة بريطانيا نظير عقد محالفة صريحة معه، يقل كثيراً عن التوسع الذي يريده منليك في هذه المنطقة. وعلى ذلك فقد رأى رود من الحكمة تأجيل كل المسائل المتعلقة برسم الحدود في هذا الجانب الغربي إلى ما بعد استرجاع الخرطوم وتأسيس السيطرة المصرية في حوض النيل.

وفي 14 مايو سنة 1897 استطاع رنل رود أن يوقع معاهدة مع منليك عرفت باسم معاهدة أديس أبابا، وبعدها غادر إثيوپيا إلى لندتن. وتكونت هذه المعاهدة من ست واد نص فيها على حرية التجارة والانتقال لرعايا الدولتين واستيراد الأسلحة والذخيرة عن طريق المستعمرات البريطانية، على أن تكون هذه الأسلحة خاصة بالامبراطور. كما تعهد منليك لملكة بريطانيا بأن يمنع بكل ما لدية من قوة مرور الأسلحة من أرضه وكل أملاكه إلى المهديين، ويعلن أنهم أعداء امبراطوريته. وعلى ذلك تكون بعثة رنل رود قد أحرزت بعض النجاح في مهمتها التي أرسلت من أجلها، فقد استطاعت أن تزيل الى حد ما سوء التفاهم بين بريطانيا ومنليك بسبب موقف الأولى من معاهدة أوتشيالي ومؤازرتها للايطاليين في مشروعاتهم التوسعية في إريتريا، وذلك باتصالها به مباشرة وليس عن طريق ايطاليا كما كانت من قبل. كذلك استطاعت هذه البعثة أن تنتزع تعهدا من منليك بعدم مساعدة المهديين واعتبارهم أعداء لبلاده. واتفق على تسوية مشاكل الحدود التي قد تنشأ بين السودان وإثيوپيا عندها يستأنف الزحف إلى الجنوب لاسترداده. وبذلك أصبح الطريق ممهداً للجيش المصري لاستمرار الزحف.

على أن هذه البعثة فشلت في أن تحدد الحدود بين السودان وإثيوپيا وتركتها للمستقبل، وذلك لأن منليك تمسك بمنشوره الدوري الصادر في 10 أبريل سنة 1891، وكان تمسك منليك بهذا المنشور منتظراً ما تسفر عنه الأيام مستقبلاً. وربما كان وراء ذلك، أن مبعوث فرنسا لاجارد عندما زار أديس أبابا قدم له مزايا عديدة أكثر من مبعوثي الدول الأخرى وأكثر مما قدمه رنل رود، فقد اعترفت فرنسا بسلطة منليك على طول النقطة التي تبعد 100 ميل جنوبي الخرطوم، كما تعهدت بمساعدته في اقامة سلطته على الضفة الشرقية من هذه النقطة وحتى لادر جنوبا. والتي اعتبرتها فرنسا منطقة إثيوپية، وذلك في مقابل وعد من منليك أن يؤيد البعثات الفرنسية القادمة من الغرب كما يحمي ويسمح للبعثات الفرنسي من المرور عبر بلاده لكي تصل إلى أعالي النيل. وبالطبع فان شروط هذه المعاهدة الفرنسية التي تتفق مع رغبات منليك وتحقق الى حد ما منشوره التوسعي، تجعله يؤجل التفاوض مع بريطانيا فيما يتعلق بتحديد الحدود بين السودان وإثيوپيا.

وربما ساهم في هذا التأجيل كذلك أن الفوضى المنتشرة في السودان وانشغال المهديين بزحف المصريين قد تعطيه الفرصة للتوسع في السودان، وبالتالي يؤكد منشوره التوسعي، الذي لم يستطع أن يحققه حتى لا يصطدم بالثور المهدية، وقد يترتب على اصطدامه هذا هزيمة أخرى مثل هزيمة يوحنا الرابع. لذلك فقد تمسك بمنشوره هذا أمام رنل رود حتى يوهمه بتوسعاته في السودا، التي قد يحققها سواء بمعاونة الفرنسيين أو يقوم هو بها منتهزا الفوضى الناشبة في دولة السودان المهدية، ووقتها يستطيع أن يضع بريطانيا ومصر أمام الأمر الواقع وذلك عندما يتم لهما القضاء على المهديين. ومما يؤكد ذلك أن منليك انتهزر فرصة طلب التعايشي منه أن يعاونه في اخضاع ولد تور الغوري حاكم بني شنقول المتمرد عليه، فزحف منليك بحدوده غرباً نحو النيل الأزرق، كما أرسل حملة أخرى نحو النيل الأبيض بغرض وقف الزحف الأوروپي على النيل، وكتب إلى التعايشي موضحاً تلك الخطوة بقوله: "أخبرك أن الأوروبيين الموجودين حول النيل الابيض مع الإنگليز قد خرجوا من الشرق والغرب وقصدوا أن يدخلوا بلادي وبلادك والآن أمرت جيوشي بأن تصل إلى النيل الابيض، ولربما تسمع خبرا من التجار أو غيرهم وتعتقد في شئ آخر، لذلك كتبت إليك لكي تعرف القصد وأنت من جهتك تحفظ ولا تدع الإفرنج يدخلون بيننا وتشدد لأنه إذا دخل الأفرنج في وسطنا يصير تعب عظيم لنا واذا كان يحضر عندك أحد من الأفرنج عابر طريق اعمل كل اجتهادك حتى تصرفه بالمحبة". وعندما أخذت جيوش كتشنر تقترب من أم درمان، بعث منليك برسالتين إلى التعايشي يطلب منه أن يفتح عينيه حذرا من الأوروبيين كما أرسل له علماً فرنسياً لكي يرفعه على حدوده اذا هاجمه الإنگليز، ولكن التعايشي رفض رفع العلم وأعاده ثانية الى منليك.

ويتضح مما سبق مدى دهاء منليك ، فقد أراد أن يصرف نظر التعايشي عن تحركاتها الحدودية، كما أراد أن يخدع الإنگليز عندما يرون علما فرنسيا مرفوعا على أم درمان بكل ما قد ينتج من اشكالات دولية توقف زحف الجيش المصري عندها، وفي هذه الأثناء يتم وصول البعثات الفرنسية إلى أعالي النيل وتتم أيضا سيطرة منليك على الضفة الشرقية للنيل ويضع مصر وبريطانيا أمام الأمر الواقع. كذلك يتضح أن منليك بالرغم من قصده من تعهده بعدم التحالف مع المهديين فقد ظل على اتصال بهم، بل حاول أن يستغلهم لصالحه ضد الإنگليز والمصريين في تقدمهم لاسترداد السودان. وواضح جدا أن منليك قد أرسل أربع حملات بعد رحيل بعثة رنل رود، إلى النيل الابيض والأزرق وبحيرة رودلف لمد نفوذه إلى هذه المناطق، وأنه بالتالي لا يثق في بريطاينا، ولذلك نستطيع أن نقول أن رود لم يحصل على ضمان قوي يمنع من تحالف منليك مع المهديين ، سوى تعهده في المعاهدة المعقوة بينهما والتي كان يمكن أن ينقضها امبراطور إثيوپيا اذا ما ساعدته الظروف على ذلك.

ولقد شعر رود بأطماع منليك هذه المدعمة بتأييد فرنسا له. ولما كان المبعوث الإنگليزي أوسولسبوري لا يستيطع أن يقدم عرضا أفضل من عرض فرنسا هذا، كما أن الحملة الزاحفة على السودان هي لاسترداده لتحكمه وليس معناها استبدال حكم التعايشي بحكم منليك ومعه حلفاؤه الفرنسيون، كما واضحا لرود ومن معه أن هذه المشكلة لن تحل الا بمعركة كبيرة، وأنه عندما يشق كتشنر قائد حملة الاسترداد طريقه إلى الخرطوم وتسيطر بريطانيا على النيل حتى فاشودة جنوباً فإن منليك يكون أكثر ادراكاً لعدالة الهدف البريطاني. ولذلك فقد كتب رود إلى سولسبوري يوم توقيع المعاهدة 14 مايو سنة 1897 "أنه اذا حصل أن تقرر اعادة الاستيلاء على أم درمان، وقام أسطول قوي من البواخر بأعمال الرقابة على امتداد النيل الطويل الذي يجري دون عقبات من الخرطوم إلى فاشودة فسوف يكون لدينا تلك القوة الأدبية التي تسندنا عند بيان مطالبنا ومطالب مصر في عبارات واضحة صريحة وهو الشئ الذي نفتقده الآن تماماً".

كذلك لم توفق البعثة في مسعاها لوقف نشاط البعثات الفرنسية أو وقف زحفها غربا أو الحصول من منليك على وعد بألا يقدم اليها اية مساعدات قد تساعد على تحقيق أهدافها في الوصول إلى أعالي النيل من إثيوپيا أو من جهة الغرب.

وبالرغم من فشل رود في ذلك، فان البعثات الفرنسية التي اتخذت من إثيوپيا ميدانا لها قد صادفها سوء الحظ مما أدى إلى فشلها. وساعد على ذلك غرور لاجارد المبعوث الفرنسي وحبه للسيطرة عليها. وكان عدم تعضيد لاجارد بونفولو سببا في فشله في الاتفاق مع منليك، مما دفعه إلى العودة إلى فرنسا، تاركا قيادة البعثة إلى نائبه بوتشامب وفي النهاية استطاع الأخير أن يحصل على المرشدين وخطاب توصية إلى الدجزماتش حاكم جوري في أعالي نهر السوباط، وعندما وصل بوتشماب اليها كان لكوشيت يصارع الموت فيها. ويبدو أن منليك لم يؤيد هذه البعثة فأمدها بمرشدين نجحوا في تضليلها، كما أن تساما عرقل نشاطها وتحركاتها وقد أدى ذلك إلى عودة بوتشامب إلى أديس أبابا ليطلب تدخل منليك الشخصي حتى تنجح البعثة في انشاء مراكز خاصة به على النيل.

وفي ذلك الوقت كان لاجارد قد عاد إلى أديس أبابا في بعثة أخرى من فرنسا، وقام بعد عودته بضم بعثة بوتشامب مع ما تبقى من بعثة كلوشيت في بعثة واحدة وذلك لاتمام مهمتها. وكان على بوتشامب أن يسير إلى جانب الضفة اليسرى لنهر السوباط حتى النيل ويقيم قلعة اثيوبية على الضفة اليمنى وأخرى فرنسية على الضفة اليسرى . كما زود منليك بمذكرة يخوله فيها رفع علم إثيوپيا والاتفاق مع الأهالي، كما أمده بأكثر من رسالة ايجابية إلى تساما. وبالفعل فقد تغيرت سياسة تساما تجاه البعثة الفرنسية وتمكن بوتشامب من أن يبدأ رحلته واتخذ الطريق الذي رسمه لاجارد، وقام بعقد محالفات مع الزعماء الوطنيين على طول الطريق باسم منليك وليس باسم فرنسا. وكان الطريق شاقا كما واجهتها صعوبات قاسية أجبرتها على العودة بعد أن وصلت إلى ملتقى السوباط والاجوبا في أواخر ديسمبر سنة 1897، وكانت تبعد عن فاشودة مائة ميل.

وفي أثناء عودتها قابلت حملة كبيرة بقيادة تساما ومعه أحد المغامرين الروس ويسمى آرتامنوف المفوضية الروسية في أديس أبابا. وقد اهتم بعض أعضاء بعثة بوتشامب الى هذه الحملة الأثيوبية التي كان هدفهخا انقاذ بوتشامب وتثبيت النفوذ الأثيوبي في وادي نهر السوباط حتى النيل. وقد استمرت هذه الحملة في سيرها في مارس سنة 1898، واستطاعت أن تصل الى النقطة التي يلتقي فيها السوباط بالنيل في 22 يونية سنة 1898 قبل وصول مارشان بستة عشر يوما، وانتظرت مارشان ولكنه لم يكن قد وصل بعد. وكان سوء الأحوال المناخية والطبيعية الأثيوبيين سببا في عودتها إلى مواقعها واخلائها هذه المنطقة، وان كانت تقد تركت ما ينم عن وصولها إلى هذا المكان. وكانت حملة تساما هذه جزءاً من عملية واسعة النطاق، فهي احدى الحملات الأربعة التي أرسلها منليك ليدعم مطالبه الخاصة بالحدود المبينة في منشوره سنة 1891، فبالاضافة إلى هذه، الحملة كانت الحملة التي وجهت الى شمال بحيرة رودلف، ثم أعقبتها حملة أخرى الى هذه المناطق لتأكيد تبعيتها إلى منليك وأخيرا وأهمها حملة الرأس ماكونين والتي تقدمت في منطقة النيل الأزرق في ربيع سنة 1898.

وعلى أي حال فقد وصلت بعثة مارشان فاشودة في 10 يوليو سنة 1898 ورفعت العلم الفرنسي فوق أطلال القلعة المصرية القديمة. ومع أنه لم يجد أحداً في انتظاره من الفرنسيين أو الأثيوبيين، فقد ظل مارشان في موقعه حتى جاءه كتشنر قائد الحملة المصرية الإنجليزية المكلفة باسترداد السودان. وزاء هذا النشاط الفرنسي وفشل رود في ايقافه اشتد قلق سولسبوري، وحثه رود عندما وصل لندن على أن يسرع بارسال حملة من اوغندا تسير بحذاء النيل الى فاشودة أملا في الوصول قبل مارشان. على أن حملة ماكدونالد التي أرسلت من اوغندا لهذا الغرض فشلت في الوصول إلى فاشودة بسبب ثورة جنود الحملة السوادنيين الناتجة من ارهاقهم وعدم دفع مرتباتهم. وعندما قام برحلته أخيرا في صيف 1898 لم يصل إلا إلى مسافة مائة ميل من لادو، وعرفت وزارة الخارجية البريطانية في نوفمبر سنة 1897 أن ماكدونالد لن يستطيع أن يصل إلى فاشودة في الوقت المناسب.

وازداد الموقف خطورة في السودان مع بداية عهام 1898، فقد فشلت محاولة الوصول الى فاشودة من الجنوب، كما أن منليك والفرنسيين يواصلون محاولاتهم للوصول الى أعالي النيل وتدعيم سلطة الامبراطور الأثيوبي في هذه المناطق واستيلائه على بني شنقول والروصيرص. لذلك قررت بريطانيا استنئاف الزحف في السودان حتى الخرطوم. وبالفعل زحف كتشنر حتى وصل أم درمان، حيث هزم المهديين في معركة أم درمان الفاصلة في 2 سبتمبر سنة 1898 وفر بعدها التعايشي وزالت دولة المهديين في السودان بهذه الهزيمة.

وقد اقترح كرومر بعد انتصار كتشنر في معركة أم درمان أن يرسل حملتان احداهما بقيادة السردار كتشنر في النيل الأبيض لوقف الفرنسيين، والأخرى في النيل الأزرق لوقف الأثيوبيين الذين وصلوا إلى بني شنقول، وأن يقتصر عمل رجال العملتين على اتخاذ موقف الدفاع فقط اذا تقابلتا مع فرنسيين أو أثيوبيين وألا يعملوا على استفزاز هؤلاء لمهاجمتهم. وفي حالة رفع الفرنسيين علمهم على بقعة من النيل يحتج قائد الحملة على ذلك ويطالب باسترداد هذه الأرض باسم الخديوي. وقد قررت حكومة بريطانيا الأخذ باقتراح كرومر هذا. كما تقرر رفع العلمين المصري والإنجليزي على الخرطوم بعد الاسترداد، وأصدرت أوامرها الى كتشنر بأن يقود حملة النيل الابيض وألا يبدو منه عند تعامله مع السلطات الأثيوبية أو الفرنسية ما يفهم منه بالقول أو بالعمل الاعتراف باي حق في النيل لفرنسا أو إثيوپيا. كما أوصى كتشنر بألا يصطدم بأية قوة أثيوبية وأن عليه أن يحيل أي نزاع إلى الحكومتين الإنجليزية والأثيوبية. ويوضح لقائد القوة الفرنسية التي يجدها بأن بقاءه في وادي النيل اعتداء صارخ على حقوق مصر وبريطانيا. وكانت الأخيرة قد أوضحت لحكومة فرنسا أنها لا تعترف بحق أي دولة أوروبية غير بريطانيا في امتلاك أي جزء من وادي النيل وهكذا فقد أشركت بريطانيا نفسها مع مصر في حق السيادة على وادي النيل منذ أن اعترف ايطاليا ضمنيا بذلك في اتفاق 15 أبريل سنة 1891. وقد تدعم هذا الاشتراك بالمساهمة في عملية استرجاع السودان مع مصر صاحبة الحقوق الشرعية عليه.

وبالفعل فعندما تأكد وجود الفرنسيين في فاشودة، زحف كتشنر على راس حملة صاعدا النيل الأبيض حتى وصل فاشودة في 21 سبتمبر سنة 1898 فوجد حملة مارشان التي وصلت هذا المدينة في 10 يوليو سنة 1891 أي قبل سقوط أم درمان. وفي 21 سبتمبر تقابل مارشان وكتشنر في فاشودة وأصلا كلاهما على موقفه فقد كان مارشان قد أوضح له في رسالته التي رد بها على رسالة كتشنر اليه بأنه انما جاء الى هذا المكان بناء على أوامر من حكومته وانه قد احتل منطقة بحر الغزال حتى مشرع الرق والى ملتقى بحر الجبل بالاضافة الى بلاد الشلك الواقعة على الضفة اليسرى للنهر حتى فاشودة، وانه عقد اتفاقية مع ملك لاشلك قبل بموجبها وضع بلاده تحت الحماية الفرنسية، وكان مارشان قد أرسل يطلب مددا من فرنسا عن طريق إثيوپيا وبحر الغزال. وأوضح لكتشنر بأنه نتيجة لحضوره ان تغير الموقف وانه لا يستطيع أن يبرح المكان دون تعليمات أخرى من حكومته.

وكان هذا هو موقف مارشان الذي أصر عليه، أما موقف كتشنر فقد كانت الأوامر الصادرة اليه هو استرجاع هذه المنطقة الى السلطة المصرية، ثم أخيرا اتفقا على أن يذهب مارشان الى القاهرة ليستطلع رأي حكومته في هذا الموقف. على أن كتشنر كان قد رفع الراية المصرية بموافقة مارشان وترك السردار قوة عسكرية في فاشودة في مواجهة القوة الفرنسية ثم غادرها إلى أم درمان وترك الموقف كله في أيدي الحكومتين الفرنسية والإنجليزية. وأخيرا حلت هذا لمشكلة وديا وانسحب مارشان بحملته من المنطقة عائدا الى بلاده. وقد ساعد على حل مشكلة فاشودة أن منليك انشغل بثورة منجاشا حاكم تيجري، التي تم اخضاعها في نفس الوقت الذي وصل فيه مارشان إلى أديس أبابا عائدا من فرنسا. وبانسحاب الفرنسيين من فاشودة تم القضاء على كل المحاولات الفرنسية والتي تهدف الى الوصول إلى أعالي النييل وأصبح النفوذ الانجليزي هو النفوذ السائد القوي في هذه المنطقة وضعف النفوذين الفرنسي والايطالي. واستردت مصر مدينة كسلا من الايطاليين في آخر سنة 1897.

وإزاء تحركات الأثيوبيين، أرسل كتشنر عند وصوله إلى فاشودة قوة صعدت نهر السوباط واحتلت الناصر ولما عاد الى أم درمان أرسل قوة أخرى في النيل الأزرق بقيادة هنتر للوقوف في وجه الأثيوبين، واحتل سنار والروصيرص والقضارف والقلابات والجزيرة وفازوغلي وتأسست نقطة في فامكة. أما بني سنقول فقد بقيت في يد الأثيوبيين، وبذلك سيطرت مصر وبريطانيا على السودان. وعادت مرة أخرى الحدود المشتركة بين مصر وإثيوپيا. ولما كانت بريطانيا تحتل مصر فقد نصبت نفسها حامية لمصالحها في السودان وأعالي النيل كما أنها اشتركت في حكم السودان مع مصر بموجب الاتفاق الثنائي الموقع في سنة 1899، وكانت هناك محاولة لتحديد الحدود بين السودان وإثيوپيا ولكنها أرجئت بسبب تمسك منليك بمنشوره الصادر في سنة 1891 مما جعل رنل رود يطلب تأجيلها مستقبلا في ظروف تسمح بذلك، وعليه فقد كانت الخطوة التالية بعد استرداد السودان هي تحديد الحدود بينه وبين اثيوبيا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهوامش

  1. ^ "No. 27367". The London Gazette. 22 October 1901. London Gazette uses unsupported parameters (help)
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المراجع

المصادر

  • Legg, L. G. Wickham, Williams, E. T (editors). The Dictionary of National Biography, 1941-1950. Oxford University Press, 1959.

وصلات خارجية

مناصب دبلوماسية
سبقه
سير وليام بارنگتون
مبعوث فوق العادة ووزير مفوض
إلى ملك النرويج

1904–1905
تبعه
سير آرثر هربرت
المبعوث البريطاني مبعوق فوق العادة ووزير مفوض
إلى ملك السويد

1904–1908
تبعه
؟
سبقه
إدوين إگرتون
السفير البريطاني إلى إيطاليا
1908–1919
تبعه
جورج بيوكانن
پرلمان المملكة المتحدة
سبقه
دوگلاس هوگ
عضو برلمان عن سانت ماريلبون
1928 - 1932
تبعه
ألك كونينگهام-ريد
Peerage of the United Kingdom
منصب مستحدث بارون رنل
1933 - 1941
تبعه
فرانسيس رود