الربا (Usury، /ˈjuːʒəri/[1][2])، هو الممارسة الغير أخلاقية لتقديم القروض النقدية والتي تثري المقرض بطريقة غير عادلة. يمكن اعتبار القرض ربوي بسبب أسعار الفائدة المفرطة أو المتعسفة أو عوامل أخرى. ومع ذلك، وتبعاً لمختلف من القواميس، وضع فائدة أياً كانت على القرض يعتبر ربا.[3][4][5] الشخص الذي يمارس الربا يسما مرابي.

الربا، من Stultifera Navis (سفينة الحمقى) لبرانت، 1494؛ حفر على الخشب منسوب لألبرخت دورر

قد يستخدم المصطلح في الإدانة بالمعنى الأخلاقي لاستغلال مصائب الآخرين- أو بالمعنى القانوني عندما تكون الفوائد منظمة من قبل القانون. تاريخياً، بعض الثقافات (على سبيل المثال، المسيحي في معظم أوروپ العصور الوطسى، والإسلام في الكثير من مناطق العالم اليوم) تعتبر تحميل أي فوائد على القروض أمراً محرماً.

من أشهر الاستنكارات المبكرة المعروفة التي جاءت من أسفار الڤيدا الهندية.[6] هناك استنكارات مشابهة في النصوص الدينية مثل البوذية، اليهودية، المسيحية، والإسلام.[7] في بعض الأزمنة، الكثير من الأمم من الصين القديمة إلى اليونان القديمة إلى روما القديمة كانت القروض محظورة بأي فوائد. ومع ذلك، ففي النهاية سمحت الامبراطورية الرومانية بالقروض مع أسعار فائدة مقيدة بعناية، الكنيسة المسيحية في أوروپا العصور الوسطى حظرت فرض الفائدة بأي معدل (فضلاً عن فرض رسوم على إستخدام الأموال، مثل تلك التي يتم فرضها في صرافة العملات.).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الربا في أوروپا 1000-1300

كانت العقيدة الدينية المسيحية في الربا أكبر العقبات في نمو النظام المصرفي وتقدمه. وكان لهذه العقيدة عند المسيحيين ثلاثة مصادر: طعن أرسطو على الربا وقوله إنه عمل غير طبيعي إذ هو توليد المال للمال، وطعن المسيح على الربا، ومعارضة آباء الكنسية للأعمال التجارية وللربا في روما. أما القانون الروماني فقد شرع الربا وكان "رجال شرفاء" أمثال بروتس يتقاضون رباً فاحشاً على أوالهم. وكان أمبروز قد عارض النظرية القائلة إن من حق الإنسان أن يفعل بماله ما يشاء إذ قال:

أتقول "إنه ملكي"؟ ألا فقل لي ماذا تملك؟ أي ثروة جئت بها معك حين خرجت من بطن أمك؟ إن ما تأخذه فوق كفايتك إنما تأخذه بالعنف. فهل الله ظالم إذ لم يوزع وسائل العيش بيننا بالتساوي فتنال أنت منها حظاً موفوراً ويبقى غيرك محتاجاً فقيراً؟ أو هل الأصح من هذا أنه أراد أن يحبوك بدلائل حنوه عليك، في الوقت الذي وهب الذي وهب غيرك من الناس فضيلة الصبر؟ وإذن فهل تظن أنت يا من وهبك الله نعمته أنك لا ترتكب الظلم حين تحتفظ لنفسك أنت وحدك بما يمنك أن يكون مصدر الحياة لكثير من الناس؟ إن الذي تقبض عليه بيدك هو خبز الجياع، وإن ما تخزنه هو كساء العرايا، وإن المال الذي تكتنزه لهو الذي ينقذ الفقراء من بؤسهم.[8]

واقترب غير أمبروز من آباء الكنسية من الشيوعية؛ فها هو ذا كلمنت الإسكندري يقول: "إن الانتفاع بكل ما في العالم يجب أن يكون حقاً مشاعاً للناس جميعاً. ولكن الناس يظلم بعضهم بعضاً إذ يقول واحد منهم إن هذه الشيء ملكه، ويقول الآخر إن ذاك له، وهكذا حدث الانقسام بين الناس". وكان جيروم يرى أن الكسب كله حرام، كما كان أوغسطين يرى أن جميع "الأعمال" المالية إثم لأنها تصرف الناس عن السعي للراحة الحقة، أعني الله"(61). وكان البابا ليو الأول قد رفض هذه العقائد المتطرفة، ولكن الكنسية ظلت لا تعطف على التجارة، وترتاب في جميع أنواع المضاربات والمكاسب، وتعارض جميع صنوف "الاحتكار" و"الجبء" و"الربا". وكان هذه اللفظ الأخير يطلق في العصور الوسطى على فائدة المال أياً كان قدرها، وفي ذلك يقول أمبروز: "الربا هو كل مال يضاف إلى رأس المال"(62)، وقد أدخل جراتيان هذا التعريف الجامد في القانون الكهنوتي الذي تسير عليه الكنيسة.

وكانت مجامع نيقية (325)، وأورليان (538)، وماسون Macon، وكليشي (626) وقد حرمت على رجال الدين أن يقرضوا المال ليكسبوا بإقراضه، وتوسعت قوانين شارلمان الصادرة في عام 789 ومجالس الكنيسة التي عقدت في القرن التاسع، في هذا التحريم حتى شمل غير رجال الدين؛ فلما أن عاد القانون الروماني إلى الوجود في القرن الثاني عشر شجعت عودته إرنريوس Irnerius و"الشراح" في بولونيا على الدفاع عن الربا. وكان في وسعهم أن يؤيدوا حججهم بما جاء في قانون جستنيان، ولكن مجلس لاتران الثالث (1179) جدد هذا التحريم وقرر "أن الذين يجهرون بالربا لا يقبلون في العشاء الرباني، وإذا ماتوا وهو على إثمهم لا يدفنون دفن المسيحيين، وليس لقسيس أن يقبل صدقاتهم". وما من شك في أن إنوسنت الثالث كان يرى رأياً أقل صرامة من هذا، لأنه أشار في عام 1206 بأن "يعهد ببائنة الزوجة في بعض الحالات إلى تاجر من التجار" لكي تحصل منها على دخل بطريق الكسب الشريف". غير أن جريجوري التاسع عاد إلى القول بأن الربا هو كل ما يناله الإنسان من كسب نظير قرض، وظل هذا الرأي قانون الكنيسة الرومانية حتى عام 1917.

وكانت ثروة الكنيسة في الأرض لا في التجارة، فقد كانت تزدري التجار كما يزدريهم سادة الإقطاع، أما الأرض والعمل (وتدخل فيه الإدارة) فكان يبدو لها أنهما وحدهما مصدر كل الثروة وكل القيم، وكانت تنظر بعين السخط إلى سلطان طبقة التجار وثرائها المتزايدين لأن هذه الطبقة لم تكن تميل إلى الملاك الإقطاعيين ولا إلى الكنيسة؛ وقد ظلت قروناً طوالاً تظن أن جميع المرابين يهود، وترى من حقها أن تبدي سخطها على الشروط الصارمة التي يفرضها المرابون على الهيئات والمعاهد الدينية التي تحتاج إلى المال. ويمكن القول بوجه عام إن ما بذلته الكنيسة من جهود للإشراف على طرق الكسب كان عملاً مقروناً بالشجاعة يهدف إلى تثبيت قواعد الأخلاق المسيحية، ويسمو على ما كان يدنس الحياة والشرائع اليونانية والرومانية من سجن المدين أو استرقاقه، ولسنا واثقين من أن الناس في هذه الأيام أسعد حالاً مما عساهم أن يكونوا لو عملوا برأي الكنيسة في الربا.

وظل تشريع الحكومات زمناً طويلاً يؤيد موقف الكنيسة في هذه الناحية، وكانت المحاكم المدنية نفسها تحرم الربا، ولكن تبين أن حاجات التجارة أقوى أثراً من خشية السجن أو الجحيم. ذلك أن اتساع نطاق التجارة والصناعة تطلب استخدام المال المتعطل في المشروعات النشيطة، ووجدت الدول في أثناء الحرب أو الأزمات الطارئة أن الاقتراض أيسر من فرض الضرائب؛ وكانت النقابات تقرض المال وتقرضه بالربا، وكان الملاك الذين يرغبون في توسيع أملاكهم، أو يسافرون للاشتراك في الحروب الصليبية يرحبون بالمرابي، بل إن الكنائس نفسها والأديرة كانت تتغلب على أزماتها، أو نفقاتها المتزايدة، أو حاجتها للمال بالالتجاء إلى "اللمبارد" أو الكهوريين أو اليهود.

واستطاع الناس أن يجدوا بذكائهم منافذ لهم في هذا القانون، من ذلك أن المقترض كان يبيع الأرض رخيصة للمقرض، ويترك له حق الانتفاع بريعها نظير فائدة ماله، ثم يعود بعدئذ فيشتري الأرض منه (البيع الوفائي). أو كان المالك يبيع للدائن جزءاً من ريع أرضه أو دخلها، أو ريعها أو دخلها كلهما. مثال ذلك أنه إذا باع أ إلى ب ريع جزء من أرضه يغل عشر جنيهات بمبلغ مائة جنيه، فإن ب في واقع الأمر يقرض أ مائة جنيه بفائدة قدرها عشرة في المائة. وكانت أديرة كثيرة تستثمر أموالها بهذه الطريقة- وبخاصة في ألمانيا حيث اشتق اللفظ المقابل للفائدة Zins من اللفظ اللاتيني الذي كان يطلق في العصور الوسطى على الريع Census. كذلك كانت المدن تقرض المال بأن تبيع المقرض جزءاً من دخلها. وكان الأفراد والهيئات ومنها الأديرة تقرض المال نظير عطايا تنالها سراً أو بيوع صورية، حتى لقد شكا البابا ألكسندر الثالث في عام 1163 من أن "كثيرين من رجال الدين (وبخاصة في الأديرة)" يقرضون المال لمن هم في حاجة إليه، ويرتهنون أملاكهم ضماناً له، ثم يحصلون على ثمار هذه الأملاك المرتهنة مضافة إلى رأس المال المقرض، وإن كانوا يحجمون عن الربا المألوف لأنه محرم تحريماً صريحاً". وكان بعض المدينين يتعهدون بدفع "تعويضات" تزيد زيادة مطردة عن كل يوم أو شهر يتأخرون فيه عن أداء الدين، وكان يوم السداد يحدد عمداً في أجل قريب حتى تصبح هذه الفائدة الخفية محققة لا مفر من أدائها. وكان الكهوريون يقرضون بعض الأديرة المال على هذا الأساس بشروط ترفع سعر الفائدة إلى ستين في المائة في السنة . وكانت بعض الشركات المصرفية تقرض المال جهرة بالربا وتدعى الحصانة من القانون، لأنه في رأيها لا ينطبق إلا على الأفراد، ولم تكن مدن إيطاليا ترى أية غضاضة في دفع فوائد عن سنداتها الحكومية، وبلغ انتشار الربا حداً جعل إنوسنت الثالث يجهر في عام 1208 بأنه لو طرد جميع المرابين من الكنيسة كما يتطلب ذلك القانون الكنسي، لوجب إغلاق الكنائس جميعها.

واضطرت الكنيسة على كره منها أن تكيف نفسها وفق الظروف الواقعية، فتقدم القديس تومس أكويناس حوالي عام 1250 بجرأة عظيمة بمبدأ كهنوتي جديد عن الربا قال فيه إن من يستثمر ماله في مشروع تجاري يحق له شرعاً أن ينال نصيباً من ربحه إذا شارك فعلاً في التعرض للخسارة، وفسرت الخسارة بأنها تشمل التأخر في أداء الدين عن تاريخ معين مشروط. وارتضى القديس بوناڤنتورا St. Bonaventura والبابا إنوسنت الرابع هذا المبدأ وتوسعاً فيه حتى قالا بشرعية أداء عوض للدائن نظير ما يصيبه من الخسارة لعدم انتفاعه براس مال. وأقر البابا مارتن Martin الخامس في عام 1425 شرعية بيع الريع، ثم ألغت معظم الدول الأوربية بعد عام 1400 ما وضعته من القوانين لتحريم الربا، ولم يكن تحريم الكنيسة إلا كاملاً مهملاً يتفق جميعاً على إغفاله. وحاولت الكنيسة أن تجد حلاً للمسألة بتشجيعها القديس برنردينو الفلتري St. Bernardino وغيره من رجال الدين على أن ينشئوا ابتداء من عام 1251 ما يسمى "تلال الحب" -montes pietattis- حيث كان في وسع المحتاجين الموثوق بأمانتهم أن يحصلوا على قروض من غير فائدة إذا أودعوا شيئاً لهذا القرض. ولكن هذه "التلال" التي كانت متقدمة لمحال الرهون الحاضرة لم تعالج إلا جانباً صغيراً من المشكلة، وبقيت حاجات التجارة والصناعة كما كانت من قبل، ووجدت رؤوس الأموال للوفاء بهذه الحاجات.

وكان المرابون المحترفون يتقاضون فوائد باهضة، ولم يكن هذا لأنهم شياطين لا ضمير لهم، بل كان سببه أنهم يتعرضون لخسارة مالهم وفقد حياتهم؛ ذلك أنهم لم يكن في مقدورهم على الدوام أن يلزموا مدينيهم بأن يوفوا بالتزاماتهم بالتجائهم إلى القانون، وكانت مكاسبهم عرضة لأن يستولي عليها الملوك أو الأباطرة، وكانوا معرضين في أي وقت من الأوقات لخطر النفي من البلاد، وكانوا في كل حين مكروهين ملعونين. وما أكثر القروض التي لم ترد لأصحابها؛ وما أكثر المدينين الذين ماتوا مفلسين، أو انضموا إلى جيوش الصليبيين، وأعفوا من أداء الفوائد، ثم لم يعودوا منها أبداً. وإذا عجز المدينون عن الوفاء، لم يكن في وسع الدائنين إلا أن يرفعوا سعر الفائدة على الديون الأخرى؛ إذ ينبغي أن تتحمل الديون الرابحة خسائر الديون الخاسرة كما تتحمل أثمان السلع التي تستريها نفقات السلع التي تتلف قبل بيعها. وكان السعر في فرنسا وإنجلترا في القرن الثاني عشر يتراوح بين 33% و43%، وكان يبلغ في بعض الأحيان 86%؛ وقد انخفض في إيطاليا في عهد الرخاء إلى 12.5% والى 20%. وحاول فردريك الثاني حوالي عام 1240 أن يخفض هذا السعر إلى 10%، ولكنه سرعان ما أدى سعراً أعلى من هذا لدائنيه المسيحيين. وكانت حكومة نابلي تجيز أن يكون أعلى سعر قانوني للفائدة 40%. وكان السعر ينخفض كلما زاد ضمان القروض، وزادت المنافسة بين المقرضين؛ وبعد أن تخبط الناس في ألف من التجارب والأخطار عرفوا كيف يستخدمون الأدوات المالية الجديدة، أدوات الاقتصاد التقدمي، وبدأ بذلك عصر المال في أثناء عصر الإيمان.


انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ "Usury". Oxford English Dictionary. Oxford University Press. 2012. Retrieved 26 October 2012.
  2. ^ The word is derived from Medieval Latin usuria, "interest", or from Latin usura, "interest"
  3. ^ "Oxford Dictionaries". Oxford Dictionaries. 2014-02-12. Retrieved 2014-02-24.
  4. ^ Longman Exams Dictionary
  5. ^ "Meriam-Webster". Merriam-webster.com. 2012-08-31. Retrieved 2014-02-24.
  6. ^ Jain, L. C. (1929). Indigenous Banking In India. London: Macmillan and Co.
  7. ^ Karim, Shafiel A. (2010). The Islamic Moral Economy: A Study of Islamic Money and Financial Instruments. Boca Raton, FL: Brown Walker Press. ISBN 978-1-59942-539-9.
  8. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

للاستزادة

  • 'In Restraint of Usury: the Lending of Money at Interest', Sir Harry Page, The Chartered Institute of Public Finance and Accounts, London, 1985,
  • The Bibliography therein - particularly:
  • 'The Idea of Usury: from Tribal Brotherhood to Universal Otherhood', Benjamin Nelson, 2nd Edition, University of Chicago Press, Chicago and London, 1949, enlarged 2nd edition, 1969.
  • 'Interest and Inflation Free Money: Creating an Exchange Medium That Works for Everybody and Protects the Earth', Margrit Kennedy, with Declan Kennedy: Illustrations by Helmut Creutz; New and Expanded Edition, New Society Publishers, Philadelphia, PA, USA and Gabriola Island, BC, Canada, 1995.

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بربا، في معرفة الاقتباس.
ابحث عن usury في
قاموس المعرفة.