توبياس سمولـِت

(تم التحويل من توبياس سموليت)

توبياس سمولـِت إنگليزية: Tobias Smollett (عاش 19 مارس 172117 سبتمبر 1771 في ليڤورنو، إيطاليا) هو شاعر وكاتب اسكتلندي.

Tobias George Smollett
Tobias Smollett c 1770.jpg
وُلِد(1721-03-19)19 مارس 1721
رنتون، اسكتلندة
توفي17 سبتمبر 1771(1771-09-17) (aged 50)
ليڤورنو، إيطاليا
الوظيفةمؤلف، شاعر، جراح
العرقاسكتلندي
الفترة1748-1771
الصنف الأدبيPicaresque، هجاء

توبايَس جورج سمولِت Tobias George Smollett أديب ومؤرخ وصحفي ومترجم اسكتلندي، ولد في بلدة كاردرُس Cardross في منطقة دمبارتون‌شاير Dumbartonshire وتوفي بالقرب من مدينة ليڤورنو في إيطاليا. ينحدر سمولِت من عائلة برجوازية متوسطة كثر فيها المحامون والجنود، وتنتمي إلى الكنيسة المشيخية Presbyterian، وإلى الحركة الإصلاحية سياسياً. درس الطب في جامعة گلاسگو Glasgow من دون أي يحصل على الشهادة. ويذكر أول كاتب لسيرته أنه درس اللغة اليونانية، وأنه كان يجيد الفرنسية والإسبانية. انتقل في عام 1739 إلى لندن بحثاً عن مكان لعرض مسرحيته الأولى «قتل الملك» The Regicide، وفي العام التالي التحق بالبحرية الملكية جراحاً ثانياً، ورست سفينته في جامايكا Jamaica حيث تعرف إلى الوارثة الثرية آن لاسِلز Anne Lassells وتزوجها، لكنه عاد إلى لندن لوحده في عام 1742 في حين لم تلحق به زوجته حتى 1747. حصل على شهادة الدكتوراه في الطب، من كلية ماريشال Marischal College في مدينة أبردين عام 1750، ومارس المهنة من دون نجاح يذكر.

إثر هزيمة الثوار اليعاقبة في معركة كلودن Culloden في اسكتلندا من قبل الجيش الإنكليزي في عام 1746 نظم سمولِت قصيدته الأشهر «دموع اسكتلندة» The Tears of Scotland. وفي العام التالي نظم هجائياته الساخرة «نصيحة» Advice و«توبيخ» Reproof بأسلوب الشاعر الروماني يوڤنال Juvenal. وفي عام 1748 نشر أولى رواياته «مغامرات رودريك راندم» The Adventures of Roderick Random التي تنتمي إلى روايات الشطار picaresque novel وتقدم عرضاً تفصيلياً لحياة البحارة البريطانيين في ذلك العصر، كما نشر في عام 1750 ترجمته لرواية الكاتب الفرنسي ألان ـ رُنيه لوساج «حكاية جيلْ بْلا» Histoire de Gil Blas التي تنتمي إلى النوع نفسه. رحل بعد ذلك إلى باريس باحثاً عن مواد لروايته التي كان يكتبها «مغامرات پرگرين پيكل» The Adventures of Peregrine Pickle التي تستعرض شخصية ضابط بحار متقاعد، يتصرف على اليابسة حسب شروط وقوانين البحر، وكأنه على متن إحدى السفن الحربية البريطانية.

كان سمولِت سخياً تجاه الآخرين، مما ورطه في أزمات مالية متتالية، أجبرته في بعض الأحايين على العمل كاتباً مأجوراً، لكي يعيش ويتمكن من استضافة شخصيات بارزة من مثل صاموِل جونسون وأوليفر گولدسميث والممثل الشهير ديفيد گاريك. وحينما نشر عام 1753 روايته الثالثة «مغامرات الكونت فرديناند فاذم» The Adventures of Ferdinand, Count Fathom ولم تلق أي نجاح يذكر، اضطر سمولِت للاستدانة من أصدقائه وعاد إلى اسكتلندا بعد غياب خمسة عشر عاماً، ولم يطل فيها البقاء بسبب التزامه بترجمة رواية ثربانتس «دون كيخوته» التي نشرت عام 1755، حين ظهرت لديه بوادر مرض السل الذي رافقه حتى وفاته المبكرة. وفي مطلع 1756 قبل العمل محرراً في صحيفة «ذا كريتيكال ريفيو» The Critical Review وبدأ العمل على كتابه الموسوعي «تاريخ إنكلترا الكامل» A Complete History of England الذي صدر في أربعة مجلدات ضخمة وحقق للمؤلف دخلاً معقولاً مكنه من التفرغ لكتابة مسرحيته الهزلية «الرد» Reprisal التي نجحت على الخشبة وعادت عليه بربح طيب عام 1757. وفي العام التالي صار سمولِت المشرف العام على تحرير وتصنيف حولية «تاريخ العالم» Universal History التي صدرت في ثمانية وخمسين عدداً. وفي المدة نفسها أدى به تشهيره في صحيفته بالأدميرال سير تشارلز نولز إلى السجن مدة ثلاثة شهور ودفع غرامة مقدارها مئة جنيه. وفي السجن وضع مخطط رواية الشطار الثالثة «مغامرات السير لانسلوت غريفز (1762) The Adventures of Sir Launcelot Greaves التي نُشرت مسلسلة في مجلة «ذا بريتيش مغزين» The British Magazine التي صار سمولِت مدير تحريرها منذ عام 1760.

ثم صار بعد سنتين مدير تحرير مجلة «ذا بريتون» The Briton الأسبوعية الموالية لرئيس الوزراء جون ستوارت John Stuart وبدأ بتأليف تأريخ في ثمانية مجلدات بعنوان «الحالة الراهنة لجميع الأمم» The Present State of All Nations، واشتغل بترجمة الأعمال الكاملة لفولتير على الرغم من تفاقم حالته المرضية.

كانت صدمته بوفاة وحيدته إليزابيث في عام 1763 بالغة الأثر، فقطع علاقاته بالوسط الصحافي والأدبي وانتقل مع زوجته ليستقر في فرنسا. وفي عام 1766 نشر كتابه المهم «رحلات عبر فرنسا وإيطاليا» Travels Through France and Italy بأسلوب السيرة الذاتية، وعاد بمناسبة أعياد الميلاد إلى إنكلترا واسكتلندا وبدأ العمل بأخر وأهم أعماله وهو الرواية الرسائلية «بعثة همفري كلينكر» The Expedition of Humphry Clinker التي أتمها في خريف عام 1770 في إيطاليا، ونشرت في إنكلترا عام 1771 قبل وفاته بثلاثة شهور.

إن لم يكن سمولِت قد بلغ قامة كبار الروائيين من معاصريه، من مثل صاموِل رتشاردسن وهنري فيلدنگ، فلا منازع لـه على صعيد الكوميديا الساخرة في تصوير شخصياته ومحيطها الاجتماعي والأجواء التي تتحرك فيها. ولا شك في أن لأعماله كبير الأثر في من تلاه من الأدباء، ولاسيما ديكنز، عن طريق تلك الصور الوصفية البانورامية للطبقات الاجتماعية في عصره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

لم يكن سمولت يحبه، لأنهما تنافسا على استحسان القراء في الميدان نفسه. وكان أصغر الرجلين اسكتلندياً وافق هيوم على التحسر لأن إنجلترا عاقت الطريق إلى فرنسا. ولكن جده كان قد شجع الاتحاد البرلماني مع إنجلترا عملياً (1707)، وكان عضواً في البرلمان المتحد. ومات الأب وطوبياس في الثانية من عمره، ولكن الأسرة أنفقت على تعليم الصبي في مدرسة دمبرتون الثانوية وفي جامعة جلاسجو حيث درس المقررات الممهدة لدراسة الطب. ولكنه بدلاً من أن يواصل الدرس حتى يحصل على درجته الطبية أدركته عدوى الكتابة، وهرع إلى لندن وجاريك، يحمل مأساة ضعيفة ألفها، ورفضها جاريك. وبعد أن جاع طوبياس فترة قصيرة التحق مساعداً لجراح في البارجة "كمبرلاند" وأبحر معها (1740) في الحرب التي نشبت مع أسبانيا بسبب "أذن جنكنز". واشترك في الهجوم الأخرق على قرطاجنة على ساحل كولومبيا. وفي جاميكا ترك الخدمة، وهناك التقى بنانسي لاسيل التي تزوج عقب عودته (1744) إلى إنجلترا. وسكن بيتاً في داوننج ستريت ومارس الجراحة، ولكن شهوة الكتابة غلبته، وكانت تجاربه في البحرية تطالبه على الأقل بقصة واحدة. لذلك نشر أشهر رواياته في سنة 1748.


مغامرات رودريك راندم

صفحتا العنوان لرواية "مغامرات رودريك راندم"، تأليف توبياس سمولِت، طبعة 1748.

أما هذه الرواية، واسمها "مغامرات رودريك راندوم"، فهي رومانسية التشرد القديمة، الحافلة بالأحداث الدائرة حول إحدى الشخصيات. ولم يعترف سمولت بأي فضل لفيلدنج، ولكنه اعترف بالفضل الكبير لسرڤانتس ولساج. وقد شده البشر وأفعالهم أكثر مما شدته الكتب والألفاظ، فحشد قصته بالأحداث وأضفى عليها نتانة الأقذار ولون الدماء، وملأها ناساً تفوح منهم رائحة الشخصية والحديث الفحل. وهذه الرواية من أقدم وأفضل مئات الروايات الإنجليزية التي كتبت عن البحر. ولكن قبل أن يجند رودريك في البحرية يختبر-كما اختبر صانعه-عينات من الفنادق الإنجليزية والأخلاق اللندنية. وما أكثر ما افتقدناه لأننا لم نجرب السفر في مركبات القرن الثامن عشر تلك والنزول في تلك الفنادق!-مسرح حافل بالأنفس المصطرعة والجنود المحتضرين، والقوادين والمومسات، والباعة الجوالين يحملون حزمهم ويخفون نقودهم، والرجال يقلبون المباول بحثاً عن الفراش الخطأ، والنساء يصرخن مستغيثات من مغتصب ثم تسكتهن النقود، وكل صعلوك يتظاهر بالعظمة، وكل إنسان يسب ويشتم. فالآنسة جني تخاطب البائع الجوال قائلة "أنت أيها الفاسق العريق في الزنا مائة في المائة" وتسأل الكابتن "لعنك الله يا سيدي، من أنت؟ ومن جعلك كابتناً أيها المتملق، القواد، كناس الخنادق الحقير؟ تباً لك! وويل للجيش إذا كان أمثالك من ضباطه(102)".

وفي لندن يصبح رودريك (وهو هنا= سمولت) مساعداً لصيدلاني. ويفلت من الزواج حين يجد خطيبته في الفراش مع رجل آخر. "لقد أعطتني السماء من الصبر وحضور الذهن ما جعلني أنسحب فوراً، وشكرت حظي ألف مرة على هذا الكشف السعيد الذي عولت على الإفادة منه فأكف عن كل تفكير في الزواج مستقبلاً(103)" وهو يقنع بحياة الفسق، ويطلع على حياة البغايا وبلاويهن، ويعالج أمراضهن، ويندد بالدجاجلة الذين يبتزون مالهن، ويلاحظ أن المومس "مع كثرة شكوى الناس من أنها مصدر إزعاج تفلت من العقب بفضل مالها من نفوذ على القضاة، الذين تدفع لهم هي وجميع من يعملن في خدمتها تبرعات ربع سنوية لقاء حمايتهن(104)".

ثم يفقد وظيفته لاتهامه باطلاً بالسرقة، ويتردى في مهاوي الفاقة حتى "لم أجد ملجأ ألوذ به غر الجيش والبحرية". ويعفيه من عذاب اتخاذ القرار عصابة لجمع المجندين بالقوة، تصرعه على الأرض فاقد الوعي وتجره إلى متن سفينة صاحب الجلالة "ثندر". ويستسلم لمصيره، ويصبح ضابطاً جراحاً. وبعد يوم واحد في البحر يدرك أن الكابتن أوكم ليس إلا وحشاً نصف مجنون، يلزم البحارة المرضي بالعمل ضناً منه بالمال حتى يموتوا. ويقاتل رودريك في قرطاجنة وتتحطم به السفينة، فيسبح إلى بر جميكا، ويصبح خادماً لشاعرة عجوز عليلة، ويقع "في حب" ابنة أخيها نارسيسا، "وداعبته الأحلام بأنه سيستمتع يوماً ما بهذه المخلوقة اللطيفة(105)". وهكذا تجري القصة في تدفق سمولت اللاهث، بفقرات تتصل الواحدة منها ثلاث صفحات، في لغة بسيطة قوية بذيئة. وفي لندن يصادق رودريك مجموعة جديدة من الأصدقاء الغريبي الأطوار، بما فيهم الآنسة ميلندا جوستراب والآنسة بدي جرايبويل. ثم يمضي إلى باث بمزيد من مناظر مركبات السفر؛ هناك يلتقي بنارسيسا الحلوة ويظفر بمحبتها له، ثم يفقدها، ويشتبك في مبارزة... ويعود إلى البحرية جراحاً، ويبحر إلى غينيا (حيث "يشتري" قبطان سفينة أربعمائة عبد ليبيعهم في بارجواي "بربح كبير")، ثم يعود إلى جميكا، حيث يجد أباه الذي فقده منذ أمد طويل وأصبح الآن ميسور الحال، ويعود إلى أوربا ثم إلى نارسيسا، فيتزوجان ويعود بها إلى إسكتلندة وضيعة أبيه؛ أما نرسيسا "فيبدأ خصرها يستدبر بشكل ملحوظ". وأما رودريك:

"فإذا كان على الأرض شيء يسمى السعادة الحقة فأني استمتع بها. لقد سكتت الآن اضطرابات عاطفتي العاصفة ولانت في حنان الحب وهدوئه، بعد أن رسخ جذورها ذلك الاتصال الحميم والتعاطف القلبي الذي لا يجود به غير رباط الزوجية الطاهر".

قاتل الملك

وراجت رواية رودريك راندوم. وأصر سمولت الآن على نشر مسرحيته "قاتل الملك" The Regicide; or, James the First, of Scotland مشفوعة بمقدمة محق فيها أولئك الذين رفضوها من قبل؛ وقد دأب على أن يطلق العنان لطبعه الحاد في خلق الأعداء. وذهب إلى أبردين في 1750 وتسلم درجة الطب، ولكن شخصيته كانت عقبة في طريق مارسته الطب، فانكفأ إلى الأدب.

مغامرات پرگرين پيكل

وفي 1751 أصدر "مغامرات پرگرين پيكل". وهنا، كما في راندوم، دعا العنوان القارئ لجولة من الأحداث المثيرة في حياة جوابه؛ ولكن سمولت وقع الآن على عرق من الفكاهة اللاذعة في أنجح شخوصه، ذلك هو الكومودور ترنيون، الذي يصفه بأنه "سيد من طراز غاية في الغرابة" كان "مقاتلاً مغواراً في زمانه، وفقد عيناً وعقباً في الخدمة العسكرية(106)" وهو يصر على أن يقص للمرة التاسعة كيف قصف بالمدافع بارجة فرنسية تجاه رأس فنستير. ويأمر خادمه توم بابير بأن يؤمن على كلامه، وهنا "فتح توم فمه كأنه سمكة "قد" لاهثة، وبإيقاع أشبع بعصف الريح الشرقية تصفي في شق" فاه بالتأييد المطلوب (وقد رأى فيه ستيرن هنا آثاراً طفيفة من العم توبي والجاويش تريم).

ويواصل سمولت مرحه خلال وصف صاخب لمسز جريزل وهي تخطب ود الكومودور الذي يتوسل إليه مساعده ذو الساق الواحدة، جاك هانشواي، ألا يسمح لها بأن "تجره تحت مؤخر سفينتها" لأنها "متى أحكمت وثاقك إلى مؤخرها، انطلقت والله حثيثاً، وجعلت كل عرق من عروق جسدك ينشق من الشد". ويطمئنه الكومدور قائلاً "لن يرى إنسان "هوسر ترنيون" طريحاً في مؤخر السفينة في ذيل أي-في العالم المسيحي(107)" على أن مختلف الخطط والمكائد تحطم عفته؛ فيوافق على أن "يثبت مركبه بمرساة" أي يتزوج، ولكنه يمضي إلى رباط الزوجية "كمجرم ماض إلى إعدامه... وكأنه يخشى في كل لحظة من تحلل عناصر الطبيعة". ويصر على أن يكون فراش زواجه أرجوحة شبكية، فتنهار تحت ثقل الجسدين، ولكن هذا لم يقع إلا بعد أن "ظنت السيدة أن هدفها العظيم قد تحقق، وسلطانها أصبح مكفولاً أمام جميع صدمات الحظ". على أن هذا التلاحم بين جسدين ينتهي بغير ثمر، فتنكفئ المسز ترنيون إلى البرندي و "فروض الدين التي راحت تؤديها بصرامة تفيض حقداً".

مغامراته الاوروبية

وقد صور السير والتر سكوت سمولت في أربعيناته بأنه "وسيم جداً، جذاب الملامح، وحديثه-بشهادة كل أصدقائه الباقين على قيد الحياة-منير ومسل إلى أبعد حد(108)". وأجمع الناس على أنه رجل حاد الطبع في حديثه. قال يصف السير تشارلز نولز أنه "أميرال بغير إرادة، ومهندس بغير معرفة، وضابط بغير عزيمة، ورجل بغير السجن ثلاثة أشهر، وغرامة قدرها مائة جنيه (1757). على أن حدة طبعه كانت ترافقها فضائل كثيرة، فقد كان كريماً رحيماً، أعان فقراء المؤلفين، وأصبح كما قال السر ولتر "أباً شديد التعلق بأبنائه، وزوجاً محباً لزوجته(110)". وكان منزله في لورنس لين بحي تشلسي ملتقى لصغار الكتاب الذين كانوا يصيبون من طعامه وإن لم يتبعوا نصائحه؛ وقد نظم بعضهم في فرقة من المساعدين الأدبيين. وكان رائداً بين الناشرين (ودرايدن بين الشعراء)؟) في إلزامه تجار الكتب بتأييده في شرط يليق بعبقريته. وكان أحياناً يكسب ستمائة جنيه في العام، ولكن كان عليه أن يكد ويكدح ليكسبها. وكتب ثلاث روايات أخرى، اثنتان منها لا تستحقان الذكر. وأقنع جاريك بأن يخرج تمثيليته "العقاب"، التي نجحت بفضل هجماتها على فرنسا؛ ثم كتب لعدة مجلات مقالات تتسم بروح التحرش والمشاكسة؛ ورأس تحرير صحيفة "البريطاني" لسان حال المحافظين. وترجم جيل بلاسي، وعدة مؤلفات لفولتير، ودون كيخوته (مستعيناً بترجمة سابقة)، وكتب-أو أشرف على كتابة-تاريخ لإنجلترا من تسعة مجلدات (1757-65). ومن المؤكد أنه استخدم "مصنعه الأدبي" المؤلف من الكتاب المأجورين في جراب ستريت ليصنف "تاريخاً للعالم" وكتاباً ذات ثمانية مجلدات اسمه "الحالة الراهنة للأمم".

وحين بلغ الثانية والأربعين عام 1763، كان قد دفع باعتلال صحته ثمن حياته المتطلعة، الحافلة بالمغامرة والجهد والشجار والكلام. ونصحه طبيبه بأن يستشير أخصائياً في مونبلييه يدعى الدكتور فيز. فمضي إليه، وأخبر الأخصائي أن ربوه، وسعاله، وبصاقه الصديدي، دليل على إصابته بالسل، واذكره العودة إلى رطوبة إنجلترا وخضرتها، فقد ظل عامين في القارة، يغطي نفقاته بكتابة "رحلات في فرنسا وإيطاليا" (1766)، وقد أبدى هنا، كما أبدى في رواياته، تلك النظرة الحادة اللماحة التي ترى سمات خلق الأفراد والأمم ومميزاته؛ ولكنه تبل أوصافه بالشتائم الصريحة. وأخبر سائقي مركبات السفر، وزملاءه المسافرين، وأصحاب الفنادق، والخدم، والأجانب المتحمسين لأوطانهم، رأيه فيهم دون مواربة؛ واعترض على كل فاتورة حساب، وحطم الفن الفرنسي والإيطالي، وسخر من الكاثوليكية، وحكم على الفرنسيين بأنهم لصوص جشعون لا يغفلون دائماً سرقاتهم بغلاف من الأدب والكياسة. استمع إليه يقول:

"لو أن فرنسيا أدخل إلى أسرتك.. لكان أول رد له على مجاملاتك أن يطارح زوجتك الغرام إذا كانت جميلة؛ وإلا فأختك، أو ابنتك، أو ابنة أخيك أو أختك... أو جدتك... فإذا كشف أمره... صرح في صفاقة بأن ما صنعه لم يكن سوى تودد لا غبار عليه، مما يعد في فرنسا من مقومات التربية الحسنة(111)".

وعاد سمولت إلى إنجلترا وقد تحسنت صحته كثيراً، ولكن عله عاودته في 1768، فحاول الاستشفاء في باث. غير أنه وجد مياهها عديمة الجدوى له، وهواءها الرطب خطراً عليه؛ وفي 1769 عاد إلى إيطاليا. وفي فيللا قرب لجهورن كتب آخر كتبه وأفضلها وهو "رحلة همفري كلنكر" وفي رأي ثاكري أنه "أفكه قصة كتبت منذ ذلك الفن الجميل، فن كتابة الروايات(112)". وهو ولا شك أمتع وألطف كتب سملت إذا استطعنا أن نطيق شيئاً من القذر. وفي مطلع القصة تقريباً نلتقي بالدكتور-الذي يتحدث عن الروائح "الطيبة" أو "الخبيثة" باعتبارها ميولاً ذاتية خالصة" لأن كل شخص يزعم أنه يتقزز من رائحة إفرازات شخص آخر يستنشق رائحة إفرازاته هو برضا تام، وقد ناشد جميع الحاضرين من السيدات والسادة هناك أن يشهدوا على صدق قوله(113)"، ويلي ذلك صفحة أو اثنتان من شروح أشد لذعاً وحرافة حتى من هذه. وبعد أن تخفف سمولت من هذه اللقمة، عمد إلى اختراع سلسلة مرحة من الشخوص، يواصلون الحكاية بخطاباتهم في أسلوب غاية في العجب والإمتاع، وعلى رأسهم ماثيو برامبل وهو "سيد عجوز" وعزب عصي، ينطقه سمولت بآرائه. وهو يذهب إلى باث للاستشفاء، ولكنه يجد خبث رائحة مياهها أشد وقعاً في نفسه من قوتها الشافية. وهو يكره زحام الجماهير، ويغمى عليه مرة من رائحتهم المتجمعة، ولا يطيق هواء لندن الملوث، أو أطعمتها المغشوشة. يقول:

"إن الخبز الذي آكله في لندن عجين مؤذ اختلط بين الجير والشب ورماد العظام؛ غث المذاق مدمر للجسم. ولا يجهل القوم الطيبون هذا الغش ولكنهم يفضلونه على الخبز الصحي، لأنه أكثر بياضاً... وهكذا يضحون بمذاقهم وصحتهم... والطحان أو الخباز مضطر إلى تسميمهم... ومثل هذا الفساد الشديد يظهر في لحم العجول الذي يأكلونه، والذي يبيضون لونه باستنزاف دمه مراراً وتكراراً، وبغير هذا من الوسائل الخبيثة؛ وقياساً على هذا يصح للمرء أن يتناول غذاءه بمثل هذا الاطمئنان من قطعة محمرة من قفاز جلد الماعز.. .. ولن تصدقوا أن الجنون بلغ بهم أن يسلقوا خضرهم ومعها قطع نحاسية من نصف البنس لينضروا لونها(114)".

وعليه يهرع ماثيو عائداً إلى ضيعته الريفية، حيث يستطيع أن يتنفس ويأكل دون أن يعرض حياته للخطر. وفي طريقه إليها، بعد أن انتهى ربع القصة، يلتقط غلاماً ريفياً فقيراً في أسمال بالية يدعة همفري كلنكر "كانت نظراته تنبئ بالجوع، ولم تكد الخرق التي يلبسها تستر ما يقتضي اللياقة إخفاءه". ويعرض هذا الصعلوك أن يسوق العربة، ولكن حين يتربع على مقعد السائق العالي تنشق سراويله العتيقة، وتشكو المسز طابيثا برامبل (أخت ماثيو) من أن همفري "جرؤ على أن يؤذي بصرها بإبداء أردافه العارية". ويكسو ماثيو الصبي، ويلحقه بخدمته، ويحتمله بصبر حتى حين يصبح الفتى واعظاً مثودياً عقب سماعه جورج هوايتفيلد.

ويبدو جانب آخر من الموقف الديني في المستر-الذي يقابله برامبل في سكاربرو، والذي يفاخر بأنه تحدث إلى فولتير في جنيف "عن تسديد اللطمة القاضية لخرافة المسيحية(115)" ويدخل خارجي آخر اسمه الكابتن لزماها جو القصة في درم-"رجل طويل هزيل، يتفق مظهره هو وحصانه مع وصف دون كخوته ممتطياً جواده روزنانتي". وقد عاش بين هنود أمريكا الشمالية، وهو يقص في لذة كيف أن هؤلاء الهنود قد شووا على النار مرسلين فرنسيين لقولهما أن الله سمح لابنه "أن يدخل أحشاء امرأة، ويعدم كما يعدم المجرمون"، ولأنهما زعما أنهما يستطيعان "تكثير الله إلى ما لا نهاية بالاستعانة بقليل من الدقيق والماء" وكان لزماهاجو "يكثر استعمال ألفاظ مثل العقل، والفلسفة، وتناقض الحدود؛ وقد أنكر خلود نار الجحيم. بل قذف بعض مفرقعاته عقيدة خلود الروح قذفاً شيط شوارب إيمان السيدة طابيثا قليلاً(116)".

ولم يكتب لسمولت أن يرى "همفري كلنكر" مطبوعة. ففي 17 سبتمبر 1771 مات في فيللته الإيطالية غير متجاوز الخمسين، بعد أن خلق من الأعداء والشخصيات الحية أكثر مما خلقه أي كاتب آخر في زمانه. ونحن نفتقد فيه ما نجده في فيلدنج من ابتهاج وتقبل صحي للحياة وبناء للحبكة فيه جهد وعناية، غير أن في سمولت حيوية عارمة، وفيه رنين ورائحة مدن بريطانيا ومراكبها وطبقتها الوسطى، وحكايته ذات الأحداث المترابطة البسيطة تتدفق بحرية وحيوية أكثر دون أن يعوقها عائق من المواعظ.. ورسم الشخوص أقل لفتاً للنظر في فيلدنج، ولكنه أكثر تعقيداً. وكثيراً ما يقنع سمولت بتكديس السمات المميزة للأفراد بدلاً من ارتياده للتناقضات والشكوك والتجارب التي تصنع الشخصية. وهذا الأسلوب في تمييز الأفراد-بالمبالغة في خصيصة ما باعتبارها "لازمة" في كل شخص-انتقل إلى دكنز، الذي واصل بمذكرات بكوك الرحلة التي بدأها ماثيو برامبل.

هؤلاء الكتاب- ريتشاردسون وفيلدنج وسمولت-إذا أخذناهم معاً، وجدناهم يصفون إنجلترا منتصف القرن الثامن عشر وصفاً أكمل وأدق من أي وصف أتى به مؤرخ أو جميع المؤرخين-الذين يضلون طريقهم وسط الشذوذات. فكل شيء موجود هنا، اللهم إلا تلك الطبقة العليا التي أخذت عن فرنسا عاداتها ومستعمراتها. هؤلاء الروائيون أدخلوا الطبقات الوسطى دخول الظافرين إلى ميدان الأدب، كما أدخلهم ليللو إلى الدراما، وجاي إلى الأوبرا، وهوجارث إلى التصوير. لقد خلقوا الرواية الحديثة وتركوها تراثاً لا يباري.

انظر أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • Lewis, Jeremy (Cape, 2003) Tobias Smollett
  • George Rousseau (1982). Tobias Smollett: Essays of Two Decades (Edinburgh: T&T Clark).
  • George Rousseau (2004). Nervous Acts: Essays on Literature, Culture and Sensibility. Basingstoke: Palgrave Macmillan. ISBN 1-4039-3454-1 (Paperback) ISBN 1-4039-3453-3 (Hardcover)

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بتوبياس سمولـِت، في معرفة الاقتباس.
اقرأ نصاً ذا علاقة في

Author:Tobias Smollett


قالب:Tobias Smollett