الخزف الصيني

لقد اخترعت الصين الفخار قبل عشرة آلاف سنة ، واستطاعت قبل ستة آلاف سنة أن تصنع أواني فخارية اتصفت بأنها عملية وذات مظهر جمالي ؛ أما أواني الخزف الصيني فقد ظهرت في عهد شانغ وتشو (ما بين أوائل القرن السابع عشر قبل الميلاد وعام 256 ق.م)، واجتازت المرحلة الانتقالية من الخزف الصيني البدائي إلى الخزف الصيني العادي التي عاصرت فترة هان الشرقية (25 ق.م – 220م) ؛ واستطاعت في عهد الممالك الثلاث وأسرتي جين الغربية والشرقية (220 – 420) أن تصنع أواني الخزف الصيني الأخضر أو الأسود البديعة في جيانغسو و تشجيانغ. وخلال الفترة التاريخية الطويلة الممتدة بين أسرتي تانج و مينج لم تكف صناعة الخزف الصيني عن التقدم ، حتى إنها انتزعت إعجاب مختلف الأمم وذاع صيتها في أرجاء الدنيا.

Chrysanthemum styled porcelain vase with three colors from the Ming Dynasty (1368-1644 AD) at the National Museum of China
فنجان لإحتساء الشاي مصنوع من الخزف الصيني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ

تعريف السيراميك

الخزف الصيني نوع من السيراميك له قيمة جمالية عالية، كما أنه قوي. ويُسمى في الغالب الصيني أو الأواني الصينية؛ لأنه صنع أولاً في الصين. ويتصف الخزف الصيني بالبياض، والمظهر الرقيق والشفافية. ولأنه أقوى منتج خزفي فإنه يستخدم في العوازل الكهربائية وأجهزة المختبر. ورغم هذا عُرف الخزف الصيني في المقام الأول، على أنه مادة المزهريات ذات الجودة العالية وآنية المائدة، بالإضافة إلى التماثيل الصغيرة وأشياء الزينة الأخرى. ويُصدِر نوع الخزف الصيني المستخدم في مثل هذه الأغراض صوتًا يُشبه الجرس عندما يرتطم. ويختلف الخزف الصيني عن الأنواع الأخرى للخزف في مكوناته، والعملية التي يُنتج بوساطتها. وهناك نوعان عامان للخزف، هما الخزف الطيني والخزف الحجري، وكلاهما مصنوع من طينة طبيعية واحدة تُحرق (تُحمص). وفي حالات كثيرة يكسى الجسم بمادة زجاجية تعرف باسم التزجيج (الطلاء الزجاجي). وينتج عند الاحتراق في درجة حرارة منخفضة آنية فخارية وهي مادة مسامية.

ويمكن أن يصنع الخزف الطيني بحيث لا ترشح الماء، وذلك بتزجيجها. وينتج الاحتراق في درجات حرارة مرتفعة آنية حجرية قاسية وثقيلة. ويكون الخزف الطيني غير مسامي بدون تزجيجه.

وبخلاف الخزف الطيني والخزف الحجري يُصنَع الخزف الصيني أساسًا من خليط من مقوّمين كاولين و بيتونتيس. والكاولين هو الطينة البيضاء النقية التي تتشكل عندما تحلل سليكات الألومنيوم (الفلسبار).

أما البيتونتيس فهو نوع من الفلسبار موجود في الصين فقط يُطحن إلى مسحوق ناعم ويُخلط مع الكاولين. ويُحرق هذا الخليط في درجة حرارة تتراوح بين 1250°م و1450°م، وعند درجة الحرارة القصوى يتزجج البيتونتيس أي أنه ينصهر معًا، ويكون زجاجًا طبيعيًا غير مسامي.

أما الكاولين وهو شديد المقاومة للحرارة، فلا ينصهر؛ ولهذا يسمح للجسم أن يحتفظ بشكله وتصبح العملية كاملة عندما ينصهر البيتونتيس في الكاولين.

أنواع الخزف الصيني

توجد ثلاثة أنواع رئيسية للخزف الصيني: 1- الخزف الصيني قوي العجينة 2- الخزف الصيني الناعم العجينـة 3- الخزف العَظْمِي.

وتعتمد الاختلافات بين هذه الأنواع على المادة التي تكوّن كلاً منها، وتُسمى هذه المادة البدن أو العجينة.


صينية سيفر صُنعت في عام 1767م. توضّح الألوان اللامعة والتذهيب النموذج السائد للخزف الفرنسي.تحمل الصينية في منتصفها لوحة لبعض الطيور في إطار منظر طبيعي. ومثل هذه اللوحة شائع في تصميمات السيفر. الخزف الصيني الصلب العجينة. في بعض الأحيان يسمى الخزف الصيني الحقيقي أو الطبيعي. ويُعد دائمًا نموذجيًا مثاليًا لصُنّاع الخزف الصيني. وهو نوع من الخزف طوره أولاً الصينيون من الكاولين والبيتونتيس. ويقاوم الخزف الصيني القوي العجينة الانصهار أفضل كثيرًا من أنواع الخزف الأخرى ولهذا يمكن أن يُحرق في درجات حرارة أعلى.

ودرجات الحرارة العالية هذه تجعل قطعة الفخار والتزجيج تصبحان قطعة واحدة. وعندما يُكسر الخزف الصيني الصلب العجينة يكون من المستحيل تمييز العجينة عن التزجيج.

ويمكن أن تختلف نسب الكاولين والبيتونتيس في الخزف الصيني الصلب العجينة. ويُسمى الخزف الصيني سيفر إذا كانت النسبة المئوية لمادة الكاولين عالية، ويُقال إنه معتدل إذا كانت النسبة المئوية للكاولين منخفضة. ويفضّل غالبية جامعي الخزف الصيني النوع المعتدل منه؛ بسبب مظهره الأملس والرقيق، وعند المقارنة يمكن أن يبدو الخزف القوي خشنًا وباردًا.


تمثال ميسان صغير يعود إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، أبدعه يوهان كندلر، فنان ألماني اشتهر بتصميماته الجميلة المزخرفة برسوم للناس والحيوانات. الخزف الصيني الناعم العجينة. في بعض الأحيان يُسمى الخزف الصيني الصناعي. وكان قد تم تطويره في أوروبا في محاولة لتقليد الخزف الصيني القوي العجينة. وكان الخبراء قد استخدموا نوعية واسعة من المواد خلال مجهوداتهم لإنتاج مادة قاسية، وبيضاء وشفافة. وفي آخر الأمر قاموا بتطوير خزف صيني ناعم العجينة، باستخدام خليط مكون من طينات ناعمة ومتعددة، ومواد تشبه الزجاج. وكانت هذه المواد تنصهر عند درجات الحرارة العالية المستخدمة في صنع الخزف الصيني القوي العجينة. ولهذا السبب فإن الخزف الصيني الناعم العجينة يُحرق في درجات حرارة أقل ولا يتزجج بالكامل، أي أنه يظل مساميًا لحد ما. وعند كسر قطعة من الخزف الصيني الناعم العجينة، تكشف عن بدن مُحبَّب (ذو حبيبات) مُغطى بطبقة زجاجية من مادة التزجيج. وعلى الرغم من أن الخزف الصيني الناعم العجينة اخُترع لتقليد الخزف الصيني الحقيقي إلا أن له جدارة في ذاته. ومعظمه قشدي اللون. ويفضل بعض الناس هذا اللون على الأبيض النقي، بالإضافة إلى هذا فإن الألوان المستخدمة في زخرفته، تندمج مع طبقة الطلاء الزجاجي لإنتاج تأثير حريري ناعم يجتذب كثيرًا من جامعي الخزف.


الخزف العَظْمِي. يصنع بشكل أساسي من إضافة رماد العظم (عظام الحيوانات المحترقة) إلى الكاولين والبيتونتيس. وقد اكتشف صانعو الخزف الصيني الإنجليز هذا المركّب منذ نحو عام 1750م.

ومازالت إنجلترا تنتج تقريبًا كل الخزف العَظْمِي في العالم. ورغم أنه ليس قويًا مثل الخزف الصيني الحقيقي، إلا أنه أكثر متانة من الخزف الصيني الناعم العجينة، كما أن رماد العظم يزيد من شفافيته.


زخرفة الخزف الصيني

تُشكّل قطعة الخزف الصيني إما على عجلة صانع الفخار وإما في قالب. وبعد هذه المرحلة يمكن لصانع الخزف الصيني أن يزخرفه بواحدة من هذه الطرق:1- إجراء تغييرات في السطح. 2- الرسم (التصوير التشكيلي). 3- الطبع بالنقل.


إجراء تغييرات في السطح. تتم بوساطة الحز (الحفر) أو الثقب (فتحات مثقوبة)، أو نقش بارز باستعمال تصميمات بارزة.

وهناك طريقة معروفة لزخرفة الخزف الصيني بنقوش بارزة، تتمثل في إضافة خليط من الماء والطين يُسمى الطينة السائلة إلى المادة بوساطة فرشاة. وتُصنع عادة تصميمات النحت البارزة ذات التأثيرات ثلاثية الأبعاد في قوالب منفصلة. ثم تُلصق بالخزف.


آنية عشاء حديثة من الخزف الصيني تُزخرف غالبًا بنماذج رقيقة للنباتات والأزهار. الرسم (التصوير التشكيلي). يمكن أن يُرسَم سطح الخزف الصيني بطرق عديدة: أول طريقة تكون باستخدام مادة التزجيج الملون مثل السيلادون الصيني الشهير، وهذا التزجيج له لون رمادي مُخضَر ناعم.

أما الطريقة الأخرى للزخرفة فهي التزجيج التحتي وهي تصميمات مرسومة على القطعة قبل تزجيجها، ويُعد اللون الأزرق الداكن المصنوع من الكوبالت المعدني أكثر لون يُعتَمد عليه في طريقة التزجيج التحتي. وقد استخدم الكوبالت الأزرق على نطاق واسع في كل من الصين وأوروبا.

وتُسمى الرسوم المستخدمة فوق التزجيج بوجه عام مينا. وقد أنجزت نوعية كبيرة من ألوان المينا في فترة مبكرة وصُنعت معظم الألوان من عدة أكاسيد معدنية مثل الحديد، والنحاس، والمنجنيز وتتطلب ألوان المينا احتراقًا ثانيًا لجعلها مستديمة.

يختلف الرسم على الخزف الصيني في أوروبا بشكل كبير عن مثيله في الصين. فالمزخرفون الصينيون يفصلون كل لون عن اللون التالي بوساطة حدود داكنة، ولكن الفنانين الأوروبيين يمزجون الألوان معًا دون خط فاصل. وبالإضافة إلى هذا يستخدم الأوروبيون زخارف مجردة حسب القيمة الفنية، لكن الزخارف الصينية كانت رمزية. وعلى سبيل المثال فإن تصميم واحدة من ثمار الرُّمان ترمز لرغبة في عدد كبير من النسل لأن ثمرة الرُّمان بها بذور كثيرة.


الطبع بالنقل. أحدث الطبع بالنقل ثورة في صناعة الخزف الصيني عام 1756م، وذلك بتمكين العمال من زخرفة الآنية أسرع كثيرًا مما كانوا يستطيعونه باليد. وفي هذه العملية يُحفَر التصميم على لوح نحاسي يتم تحبيره بوساطة لون خزفي. ثم ينقل إلى ورق شبه شفاف. وعندما يظل اللون مبللاً يُضغط الورق شبه الشفاف على المادة المصنوعة من الخزف الصيني تاركًا التصميم على سطحها.

الخزف الصيني في بلاد العرب

أقدم ذكر للخزف الصيني (الپورسلين) من أجنبي، كان من رحالة عربي أثناء أسرة تانگ قائلاً:

"They have in China a very fine clay with which they make vases which are as transparent as glass; water is seen through them. The vases are made of clay" [1].

The Arabs were aware of the materials necessary to create glass ware, and he was certain it was not the usual glass material.

وكانت ألسنة العرب تلهج بالثناء عليها، فقد ورد في ((أخبار الصين والهند)) قول بأن أقداح الخزف الصيني الناعم صافية نقية كالزجاج بحيث يستطيع المرء أن يرى من خارجها ما في داخلها من الماء ، لذلك وصفه ابن بطوطة بأنه "أبدع أنواع الفخار" ؛ وقال لي تشاو في ((تكملة تاريخ تانج)) أيضا إن "الخزف الصيني لازوردي كلون السماء ، ورقيق كأنه الورق ، و له رنين كرنين [الجرس]". وذلك كله يدل على أن العرب لم يكونوا مبالغين في إطرائهم للخزف الصيني. وكانوا لشدة إعجابهم به ، يدعونه "الصيني" نسبة إلى الصين ، ثم أصبحت هذه اللفظة فيما بعد تطلق على كل نوع من الأواني الخزفية. لقد كانت أواني الخزف المصنوعة في الصين تعتبر في نظر العرب من النفائس ؛ فوالي مصر اختار منها أربعين قطعة ، وأرسلها هدية إلى دمشق عام 1171 م ، وقيل في بعض الأماكن إن طبق الخزف الصيني الأخضر يكشف ما إذا كان الطعام يحتوي سما. عفت عليها الأيام ، كانت أواني الخزف الصيني في عهد أسرة تانج تنقل إلى بلاد العرب وتباع في أسواقها. وكان من بين الهدايا التي قدمها حاكم خراسان إلى هارون الرشيد أوان بديعة من الخزف الصيني. وبعد عهد تانج صارت أواني الخزف الصيني تصدر إلى بلاد العرب بكميات هائلة ، وقد اكتشفت بين حفريات الكثير من الأقطار العربية كسارات من أواني الخزف الصيني من عهود مختلفة.

ففي العراق اكتشفت في حفريات سامراء شمالي بغداد كسارات من الخزف الصيني الأبيض والخزف الصيني الأخضر ، منها ما يعود إلى خزف لونغتشيوان الأخضر من عهدي سونج الجنوبية و يوان المنغولية. وقد سبق لسامراء أن كانت عاصمة الدولة العباسية في الفترة الممتدة من عام 836 إلى عام 892. وفي إطلال طيشفون على بعد خمسة وثلاثين كيلومترا جنوبي بغداد عثر بين حفرياتها على كثير من كسارات خزف لونجتشيوان الأخضر الذي يعود زمنه إلى ما بين القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر. وفي عبرتا على بعد ستين كيلومترا جنوب شرقي بغداد وما يجاورها من منطقة ديالى اكتشفت بالحفر كسارات من الخزف الصيني البني اللون الذي تم إحراقه في أتون يويتشو الشهير ما بين القرن التاسع والعاشر ، وكسارات من الخزف الصيني الأبيض المصنوع في جنوبي الصين. وفي البصرة وأطلال الحيرة و الأبلة اكتشفت كسارات من خزف لونجتشيوان الأخضر.

وفي سوريا اكتشفت في حفريات حماة كسرات آنية من الخزف الصيني الأبيض وقصعة من الخزف الصيني الأخضر عليها نقوش نافرة من عود الصليب ، وهما مما صنع في عهد أسرة سونغ الجنوبية ، وكذلك كسرات أوان من الخزف الصيني مما صنع في عهد أسرة يوان بما فيه النوع الأبيض والنوع الأخضر والنوع الأزرق والأبيض .

 
آنية لوضع الزهور من الخزف الصيني

وفي لبنان اكتشفت بالحفر في بعلبك كسرات من خزف لونجتشيوان الأخضر المزخرف بتصاميم اللوتس والذي تم إحراقه في عهد أسرة سونج ، وكسرات طاسات من الخزف الصيني الأخضر والأبيض المزخرف بتصاميم الأزهار والأعشاب والذي تم إحراقه في عهد أسرة يوان.

وفي عمان اكتشفت في الموقع القديم لمدينة صحار كسرات من الخزف الصيني ، وخاصة الخزف الصيني الأزرق والأبيض من عهد أسرة مينج.

وفي البحرين اكتشفت قطع من خزف لونجتشيوان الأخضر من أوائل عهد أسرة مينج.

وفي اليمن اكتشفت في عدن وبعض الأماكن القريبة منها كسرات من الخزف الصيني.

وفي زحلان اكتشفت كسرات من خزف لونجتشيوان الأخضر من عهد أسرة سونج ، وكسرات من الخزف الصيني الأبيض والأزرق من عهد أسرة يوان.

وفي السودان اكتشفت في موقع عيذاب الأثري كسرات من الخزف الصيني الأخضر يعود تاريخه إلى ما قبل أواسط عهد أسرة مينج ، وفيها قطعة عليها نقوش باجسبوية.

وفي الصومال اكتشفت بين حفرياتها كسرات من خزف جينجدتشن في الصين.

وفي مصر بدأت أواني الخزف الصيني تدخلها منذ القرن التاسع عن طريق ميناء عيذاب السوداني ، حيث كانت تنقل إلى المناطق الداخلية في السودان ، وإلى الفسطاط المحطة الهامة لتجميع ونقل أواني الخزف الصيني في العصور الوسطى ، ومن ثم تنقل مرة أخرى إلى إيطاليا و صقلية و أسبانيا وبلاد المغرب. وبين الآلاف المؤلفة من كسرات الخزف الصيني التي عثر عليها في حفريات موقع الفسطاط الأثري ما يعود إلى عهد أسرة تانج من الخزف الصيني الأخضر والخزف الصيني الأبيض ؛ وما يعود إلى عهد أسرة سونج من الخزف الصيني اللازوردي ، وخزف لونجتشيوان الأخضر – وهو في الغالب سلطانيات مزخرفة بتصاميم اللوتس أو بتصاميم عروق السحب ، وأطباق مزخرفة بتصاميم العنقاء ، ومغاسل كل منها مزخرفة بتصميم سمكتين ؛ وما يعود إلى عهد أسرة يوان من سلطانيات مزخرفة بتصاميم اللوتس وأطباق أو صحون مزخرفة بتصاميم عود الصليب ، وأطباق مزخرفة بتصاميم التنينين المتنافسين على الدرة ، وأطباق مؤبلكة بتصاميم السمكتين ، بالاضافة إلى الأوعية والأفران والكؤوس..الخ. وأخيرا منها ما يعود إلى عهد أسرة مينغ من الخزف الصيني الأزرق والأبيض.

ومن أواني الخزف الصيني القديم التي اكتشفت في حفريات الأقطار العربية ما هو محفوظ في المتاحف بالبلدان الغربية ، ومنها ما هو محفوظ في المتاحف بالأقطار العربية. ففي قصر العظم في دمشق أوان من الخزف الصيني القديم ، وفي متحف بغداد مزهريات صينية من الخزف الصيني الأخضر ، وفي المتحف المصري بعض أواني الخزف الصيني أيضا. وهذه المعروضات تحظي ببالغ الاهتمام لدى العرب باعتبارها دلائل أثرية على الاتصالات الودية التي قامت بين الصين وبلادهم في العصور القديمة.


نبذة تاريخية

الخزف الشرقي. من المحتمل أن يكون الصينيون قد صنعوا أول خزف حقيقي خلال عهد أسرة تانغ الحاكمة (618 -907م). وقد تطوّرت طرق تجميع المكونات الصحيحة، وحرق الخليط في درجة حرارة قصوى، تدريجيًا عن الآنية الحجرية. وخلال عهد أسرة سونج الحاكمة (960- 1279م) أنشأ الأباطرة الصينيون مصانع ملكية لإنتاج الخزف لقصورهم. ومنذ القرن الرابع عشر الميلادي صُنع معظم الخزف في جنديزهين.

وظل الصينيون لقرون عديدة يصنعون أجمل خزف في العالم. وينظر جامعوه لكثيٍر من الزبديات والمزهريات الخزفية المُنتَجة خلال عهد أسرة مينج (1368-1644م) وأسرة كينج (1644-1912م) على أنها كنوز فنية. وقد أنجز الخزافون الصينيون خزفًا مطليًا بالتزجيج التحتي الشهير، المكوّن من اللونين الأزرق والأبيض، خلال فترة أسرة مينج. وفي هذه الفترة أيضًا أصبح الرسم فوق التزجيج بألوان المينا طريقة شائعة للزخرفة. وخلال فترة كينج طوّر الصينيون نوعية كبيرة من الأشكال والألوان، وقاموا بتصدير المواد المصنوعة من الخزف إلى أوروبا بأعداد متزايدة.

انتشرت أسرار صُنع الخزف الصيني في كوريا بحلول القرن الثاني عشر الميلادي، وبدورها نشرتها في اليابان خلال القرن السادس عشر الميلادي. وفي هذين البلدين أبدع الصانعون مواد جميلة من الخزف. وقد أُنتج الخزف الياباني المسمى كاليمون لأول مرة خلال القرن السابع عشر الميلادي. وهو يحمل تصميمات بسيطة على خلفية بيضاء. وهناك خزف ياباني مشهور يُسمى آنية إيماري أو آريتا ويشتهر بالزخارف المكثفة في الأزرق الغامق والأحمر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسرتا سونج ويوان

 
A Song Dynasty porcelain bottle with iron pigment over transparent colorless glaze, 11th century.


أسرة تشينج

الخزف الأوروبي

وفي وقت مبكر من القرن الثاني عشر الميلادي،جلب التجار خزفًا صينيًا إلى أوروبا؛ حيث أصبح موضع إعجاب كبير، ولكنه كان نادرًا وغالي الثمن جدًا؛ لدرجة أن الأثرياء فقط هم الذين كان بإماكانهم شراؤه؛ ولأن التجارة مع الشرق ازدادت خلال القرن السابع عشر الميلادي، أصبح الخزف الصيني شائعًا بين جمهور العامة. ولما أصبحت عادة شرب الشاي والقهوة والكاكاو منتشرة على نطاق واسع؛ أوجدت طلبًا متزايدًا على أكواب وأطباق الصيني واستجاب صُنّاع الخزف الأوروبيون فحاولوا صنع خزف قوي العجينة بأنفسهم، ولمدة طويلة فشلوا في اكتشاف السر، ومع ذلك أسفرت بعض تجاربهم عن خزف جميل ناعم العجينة. وبالفعل أنُتج أول خزف أوروبي ناعم العجينة في فلورنسا، بإيطاليا نحو عام 1575م.

وفي القرن الثامن عشر الميلادي بدأ الخزف المُصنَّع في أجزاء عديدة من أوروبا في التنافس مع الخزف الصيني وقد أصبحت كل من فرنسا وألمانيا، وإيطاليا وإنجلترا مراكز رئيسية لإنتاج الخزف الأوروبي.


الخزف الفرنسي

اشتهرت فرنسا خلال القرن الثامن عشر الميلادي بوصفها منتجًا رئيسياً للخزف الناعم العجينة. وأنُشئت المصانع الأولى في روان، وسان كلود، وليل، وشانتلي. وقد أنتج أكثر أنواع الخزف الناعم العجينة شهرة أولاً في فانسان عام 1738م. وفي عام 1756م انتقل المصنع إلى بلدة سيفر ومن ثم أصبح الخزف الناعم العجينة المنتج فيها معروفًا باسم سيفر. وكانت للسيفر المبكر أشكال جميلة وألوان ناعمة كما كانت قطع السيفر المنتجة عام 1750م إلى عام 1770م مزخرفة بألوان لامعة ومذهبة تذهيبًا ثقيلاً، وكان للكثير من هذه القطع خلفيات ملونة بكثافة ولوحات مطوّقة بأُطرٍّ مرسومة تصور الطيور والزهور والمناظر الطبيعة أو الأشخاص. وقد اشتهر السيفر أيضًا بتماثيله الصغيرة الفخارية الجميلة.

وابتداءً من عام 1771م تطورّت صناعة الخزف القوي العجينة بالقرب من ليموج؛ حيث اكتشفت رواسب من الكاولين. وبحلول القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت ليموج واحدة من أكبر مراكز الخزف في أوروبا. ثم افتتح أمريكي يُدعى دافيد هافيلاند مصنعًا للخزف في ليموج عام 1842 م لصنع آنية المائدة للسوق الأمريكي. وكان خزف هافيلاند يتصف بالألوان الناعمة التي تنسجم مع أشكال الزهور والنباتات الصغيرة.


الخزف الالماني

اكتشف كيميائي ألماني يدعى فريدريك بُوتجَر، سر صناعة الخزف القوي العجينة بين 1708م و 1709م، وقد أدّى هذا الاكتشاف إلى إنشاء مصنع للخزف في مايسن عام 1710م. وفي بعض الأحيان يُطلق على خزف مايسن اسم خزف درزدن؛ لأن بوتجر عمل أولاً بالقرب من هذه المدينة. فاق هذا الخزف في الجودة ـ ولمدة قرن تقريبًا ـ كل الخزف القوي العجينة المُصَّنع في أوروبا.

ويمكن أن يعزى النجاح الكبير لخزف مايسن جزئيًا إلى الفنانين الممتازين الذين قاموا بزخرفته؛ إذ أنهم رسموا الآنية بتنوع مذهل في الألوان و التصميمات. وكان يوهان هارولد الذي أصبح الفنان الأول في عام 1720م، قد أنتج تصميمات صينية ويابانية جميلة بالإضافة إلى تصميمات أوروبية. كذلك اشتهر يوهان كاندلر الذي عمل من نحو سنة 1730م إلى 1770م، برسومه المتأنقة للحيوانات والأشخاص. غير أن الاضطراب السياسي في ألمانيا والمنافسة مع خزف سيفر أديا إلى تدهور مصنع مايسن في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي. ورغم أنه استمر يعمل ولكنه لم يصنع آنية بنفس الجودة الفنية.


الخزف الإنجليزي

تشتهر إنجلترا بوصفها مركزًا لإنتاج الخزف العَظْمِي. وقبل اختراع الخزف العظمي كان الإنجليز يصنعون خزفًا ناعم العجينة في تشلسي وبو وديربي. وكانت غالبية الخزف الإنجليزي تتخذ أشكال التصميمات الأوروبية والشرقية.

ويُعد خزف ووستر، الذي أنتج لأول مرة عام 1751م، أقدم وأفضل خزف إنجليزي. وخلال سنواته المبكرة أنتج مصنع ووستر خزفًا ناعم العجينة. وكان أغلبه مزخرفًا بتصميمات صينية على طريقة الطلاء التحتي. منذ الستينيات من القرن الثامن عشر الميلادي قام تصنيع الخزف العَظْمِي في تشكيلة كبيرة من الألوان والأنواع. ثم قام جوسايا سبود بتطوير عجينة الخزف العَظْمِي الصينية التي أصبحت مقياسًا للعجينة الإنجليزية عام 1800م. ويحمل صيني السبود عددًا كبيرًا من التصميمات ولكنه اشتهر خاصة بطيوره الغريبة.

إن أغلب الخزف الأبيض الإنجليزي الشهير بخزف الوجوود ليس خزفًا أبيض على الإطلاق، ولكنه خزف مسامي أو حجري، ومع ذلك أصبحت رسوماته التقليدية ونقوشه البارزة شائعة بشكل كبير وأصبح له تأثير عظيم على تصميمات الخزف في أوروبا.


الخزف الحديث

مكَّنت التحسينات التقنية الحديثة صناعة الخزف من إنتاجه بكميات كبيرة، وتنفّذ حاليًا خطط لصنع الخزف بشكل واسع في أوروبا واليابان والولايات المتحدة. ولعل خزف روزنثال الألماني ونوريتاكه الياباني ولينوكس الأمريكي، أمثلة شهيرة للخزف المعاصر.

Chinese porcelain wares

 
Tang Dynasty sancai horse at the Shanghai Museum

Tang Sancai burial wares

Jian tea wares

 
Song Dynasty qingbai bowl

Qingbai wares

Blue and white wares

 
Kangxi period (1662 to 1722) blue and white porcelain tea caddy


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

Fakes and reproductions

 
Kangxi reign mark on a piece of late nineteenth century blue and white porcelain.
 
Italian pottery of the mid-15th century shows heavy influences from Chinese ceramics. A Sancai ("Three colors") plate (left), and a Ming-type blue-and-white vase (right), made in Northern Italy, mid-15th century. Musée du Louvre.

اذا اخذنا نتحدث عن الفن الذي تمتاز به الصين عن سائر الامم ، والذي لا يجادل احد في انها هي حاملة لوائه في العالم كله ، وجدنا في انفسنا نزعة قوية إلى اعتبار الخزف صناعة من الصناعات. ولما كانت كلمة "الصيني" اذا وردت على لساننا ارتبطت في عقولنا بالمطبخ وادواته. فاننا اذا ذكرنا الفاخورة تمثلنا من فورنا المكان الذي يصنع فيه "الصيني" ، وظننا هذا المكان مصنعاً ككل المصانع لا تثير منتجاته في النفس روابط عليا سامية. اما الصينيون فقد كانت صناعة الخزف عندهم فناً من الفنون الكبرى ، تبتهج له نفوسهم العملية المولعة مع ذلك بالجمال، يجمع بين النفع وبهاء المنظر. فلقد امدهم هذا الفن بآنية يستخدمونها في شرابهم القومي الشهير- شراب الشاي- جميلة في ملمسها ومنظرها ، وازدانت منازلهم باشكال بلغت كلها من الجمال حدا تستطيع معه افقر الاسر ان تعيش في صحبة نوع من انواع الكمال ، لقد كان فن الخزف هو فن النحت عند الصينيين. ولفظ الفخار يطلق اولاً على الصناعة التي تحيل الطين بعد حرقه إلى ادوات صالحة للاستعمال المنزلي ، ويطلق كذلك على الفن الذي يجمل هذه الادوات ، وعلى الادوات التي تنتجها هذه الصناعة ؛ والخزف هو الفخار المزجج اي انه هو الطين الممزوج بالمعادن والذي اذا عرض للنار ساح واستحال إلى مادة نصف شفافة شبيهة بالزجاج. وقد صنع الصينيون الخزف من مادتين الكولين- وهو طين ابيض نقي مكون من فتات الفلسبار والحجر الأعبل (الجرانيت) ، ومن البي- تن- دزي وهو كوارتز ابيض قابل للانصهار ، هو الذي يكسب الأواني الخزفية ما فيها من الشفافية. وتسحق هذه المواد كلها وتخلط بالماء فتتكون منها عجينة تشكل باليد او على عجلة ، ثم تعرض لدرجة حرارة مرتفعة تصهر العجينة وتحيلها إلى مادة زجاجية براقة صلبة. وكان يحدث في بعض الاحيان ألا يقنع الخزاف بهذا النوع الابيض البسيط، فكان يغطي "العجينة" اي الاناء قبل حرقه بطبقة من مسحوق الزجاج ، ثم يحرق في اتون. وكان في بعض الاحيان يضع هذه الطبقة الزجاجية على العجينة بعد حرقها قليلاً ثم يعيد حرق الاناء بعدئذ. وكانت الطبقة الزجاجية تلون في اغلب الاحيان ، ولكن العجينة كثيراً ما كانت تنقش وتلون قبل ان تضاف اليها المادة الزجاجية الشفافة او تلون الطبقة الزجاجية بعد حرقها ثم تثبت عليها بحرقها مرة ثانية. اما الميناء فقد كانت تصنع من الزجاج الملون يدق ويسحق ثم يحول إلى مادة سائلة يضعها الرسام على الآنية بفرشاته الرفيعة. وكان من الصينيين اخصائيون قضوا حياتهم في التدريب على عملهم ؛ تخصص بعضهم في رسم المناظر الطبيعية ، وغيرهم في رسم القديسين والحكماء المنقطعين للتأمل والتفكير بين الجبال ، او الذين يمتطون ظهور حيوانات غريبة فوق امواج البحار. وصناعة الفخار عند الصينيين قديمة العهد قدم العصر الحجري ، فقد عثر الاستاذ اندرسن على اواني من الفخار في هونان وكانسو "لايمكن ان تكون احدث عهداً من عام 3000 ق. م". وان ما تتصف به تلك المزهريات من جمال فائق في الشكل وفي الصقل ليدل دلالة قاطعة على ان هذه الصناعة قد اصبحت فناً من الفنون الجميلة قبل ذلك العهد بزمن طويل.

وبعض القطع التي عثر عليها شبيهة بفخار أنو ، وتوحى بأن الحضارة الصينية مأخوذة عن حضارة البلاد الواقعة في غربها. وهناك قطع من الاواني الفخارية الجنازية كشفت في هونان وتعزى إلى عهد اضمحلال اسرة شانج ولكنها احد كثيراً من بقايا العصر الحجري الحديث السالفة الذكر. ولم يعثر المنقبون بعد عذر هذه الاسرة على بقايا من الفخار ذات فنية قبل ايام اسرة هان ، ففي عهد هذه الاسرة عثروا على فخار وعثروا فوق ذلك على اول اناء من الزجاج عرف في الشرق الاقصى ، وكان انتشار عادة شرب الشاي في عهد اباطرة تانج باعثاً قوياً على تقدم فن الخزف.

وقد كشفت العبقرية ، او المصادفة المحضة ، حوالي القرن التاسع ان من المستطاع صنع اناء مزجج لا منسطحه الخارجي فحسب (كالآنية المصنوعة في عهد اسرة هان وفي حضارات غير حضارة الصين قبل ذلك العهد) ، بل زجاجي كله من اوله إلى آخره- اي من خزف حقيقي. وقد كتب احد الرحالة المسلمين المدعو سليمان إلى بني وطنه يقول: "ان في الصين طيناً رقيقاً جميلاً يصنعون منه اواني شفافة كالزجاج يُرى من جدرانها ما في داخلها من الماء". وقد كشفت اعمال التنقيب الحديثة في موضع احدى المدن القديمة عند سر من رأى على نهر دجلة قطعاً من الخزف من صنع الصين. وظهر الخزف بعدئذ في السجلات خارج بلاد الصين حوالي عام 1171 م حين اهدى صلاح الدين الأيوبي إلى سلطان دمشق احدى واربعين قطعة من الخزف.

وليس ثمة شاهد على ان صناعة الخزف قد بدأت في اوربا عام 1470 م ، فقد ذكر في ذلك العام على انه فن جميل اخذه البنادقة عن العرب في اثناء الحروب الصليبية. وكان عهد اسرة سونج هو العهد الذي بلغ فيه فن الخزف الصيني ذروة مجده. وخبراء هذا الفن يعزون إلى هذا العهد اقدم ما لدينا من الآنية الصينية واحسنها ، بل ان صناع الخزن في عهد اسرة منج ، وهم الذين جاءوا بعد هذا العصر ونبغ فيه بعضهم نبوغ فنانيه ، حتى هؤلاء كانوا اذا ذكروا خزف اسرة سونج ذكروه بالاجلال والاكبار ، وكان جامعوا العاديات الصينية يحتفظون بما يعثرون عليه من خزف هذه الاسرة ويعدونه من الكنوز التي لاتقوم بمال. وأنشئت في القرن السادس الميلادي مصانع عظيمة في جنج ده- جن حيث توجد الرواسب الغنية من المعادن التي تستخدم في صنع الفخار وتلوينه واعترف البلاد الامبراطوري بهذه المصانع رسمياً ، وبدأت تغمر الصين بفيض من الصحاف الخزفية والاقداح والجفان والمزهريات والطاسات والاباريق والقنينات والجرار والصناديق ورقع الشطرنج والماثلات والخرائط.

وحتى مشاجب القبعات كانت تصنع من الخزف المطلى بالميناء والمرصع بالذهب ؛ وظهرت في ذلك الوقت لأول مرة القطع ذات اللون الاخضر اليشبي المعروفة بالسلادون والتي اصبحت محاكاتها اهم مايصبو اليه الفخراني في الوقت الحاضر ، كما اصبح اقتناؤها أهم ما يصبو إليه جامع التحف. وقد أرسل سلطان مصر في 1487 نماذج منها إلى لورنزو ده مديشي ، وكان الفرس والاتراك يقدرونها لا لنعومة ملمسها وشدة بريقها فحسب ، بل لأنها فوق هذا تكشف عن وجود السم ، فقد كانوا يعتقدون ان تلك الآنية يتغير لونها اذا وضعت فيها مواد مسمومة. وترى اسر الخبيرين المولعين بهذا الفن يتوارثون هذه القطع جيلا بعد جيل ؛ ويحتفظون بها احتفاظ الناس باثمن الكنوز. ولقد ظل الصناع في عهد اسرة منج نحو ثلثمائة عام يبذلون اقصى ما يستطيعون من جهود ليحتفظوا بفن الخزف في المستوى الرفيع الذي بلغه في عهد اسرة سونج ، وليس في مقدورنا ان نقول انهم عجزوا عن بلوغ هذه الغاية. وكان في جنج ده جن خمسمائة اتون لحرق الخزف ، وكان البلاط الامبراطوري وحده يستخدم 96000 قطعة خزفية لتزيين حدائق القصور وموائدها وحجراتها. وظهرت في ايام هذه الاسرة اول قطع جيدة من الميناء التي حرقت الوانها بعد تزجيجها. واتقن صنع اللون الاصفر الواحد ؛ والخزف الازرق والابيض الذي يشبه في رقته قشر البيض ، إلى اقصى حدود الاتقان ولايزال القدح الازرق والابيض المطعم بالفضة والمسمى باسم الامبراطور واندلي (اوشن دزونج) يعد من آيات فن الخزف في العالم كله إلى هذه الايام. وكان هاوشي جي من ابرع صناع الخزف واعظمهم خبرة في ايام واندلي. وكان في مقدوره ان يصنع اقداحاً للنبيذ لايزيد وزن الواحد منها على جزء من ثمانية واربعين جزءاً من الاوقية ، ويروى احد المؤرخين الصينيين ان هاوشي جي زار في يوم من الايام بيت موظف كبير ، واستأذنه في ان يفحص عن وعاء من الخزف ذي ثلاث ارجل يمتلكه هذا الكبير ويعد من أثمن ما صنع في عهد أسرة سونج.

واخذ هاو يلمس الاناء بيديه برقة ولطف ، وهو ينقل ما عليه من الرسوم سرا على قطعة من الورق مخبأة في كمه. ثم عاد لزيارة هذا الموظف بعد ستة اشهر من زيارته الاولى ، وقال له: "انك يا صاحب السعادة تمتلك مبخرة ذات ثلاث ارجل من الدنج- ياو الابيض ، وها هي ذي مبخرة مثلها امتلكها انا". واخذ نانج الموظف الكبير يوازن بين هذه المبخرة ومبخرته ، ولكنه لم يستطيع ان يتبين فرقاً ما بينهما. وبلغ من تشابههما ان قاعدة مبخرة الفنان وغطاءها قد واءما مبخرته كل المواءمة. واقرها وهو يبتسم ان مبخرته تقليد لمبخرة العظيم ، ثم باعها نانج بستين قطعة من الفضة ، وباعها هذا بعدئذ بألف وخمسمائة. وقد بلغت صناعة الخطوط الفاصلة بين الميناء اقصى حد من الاتقان في عهد اسرة منج. ولم يكن منشأ هذا الفن في بلاد الصين بل جاء اليها من بلاد الشرق الادنى في ايام الدولة البيزنطية ، وكان الصينيون يسمون مصنوعات هذا الفن في بعض الاحيان جوى جودياو ، اي آنية بلاد الشياطين. وهذا الفن يتكون من قطع شرائح من النحاس او الفضة او الذهب ، وتثبيتها على حدها فوق خطوط شكل رسم من قبل على جسم معدني ، ثم ملء ما بين هذه الفوارق من فراغ بميناء من اللون المطلوب الملائم لها ، ثم تعريض الاناء بعدئذ للنار عدة مرات ودلك السطح الصلب بقطعة من حجر الخفاف وصقله بقطعة من فحم الخشب ، ثم تزليق اطراف الحواجز المعدنية الظاهرة. واقدم ما عرف من منتجات هذا الفن في الصين مرايا استوردتها نارا في اليابان في منتصف القرن الثامن عشر. واقدم الاواني المحددة التاريخ ترجع إلى اواخر العهد المغولي او إلى ايام اسرة يوان ، واحسنها كلها ما صنع في ايام الامبراطور جنج دي من اباطرة المنشو العظماء في القرن الثامن عشر الميلادي.

ودمرت المصانع التي كانت قائمة في عهد اسرة جنج ده جين في اثناء الحروب التي قضت على اسرة منج ، ولم تعد إلى سابق عهدها إلا بعد ان جلس على العرش امبراطور من اعظم اباطرة الصين استنارة وهو الامبراطور كانج شي ، وكان ملكا اصيلاً جمع كل صفات الملوك كما جمعها معاصره لويس الرابع عشر. وقد امر هذا الملك باعادة بناء مصانع جنج ده جين ، وسرعان ما اوقدت النار في ثلاثة آلاف اخذت تعمل عملها المتواصل ، فاخرجت خزفاً جميلاً ظريفاً بلغ من الكثرة درجة لم تر الصين ولاغيرها من البلاد مثيلاً لها من قبل. وكان صناع كانج شي يظنون ان آنيتهم اقل جودة مما صنع في عهد اسرة منج ، ولكن الخبيرين باصول الفن في هذه الايام لايوافقونهم على رأيهم ، بل يرون ان الاشكال القديمة قد قلدت تقليداً بلغ اقصى درجات الكمال ، وان اشكالاً جديدة كثيرة العدد مختلفة الانواع قد ابتكرت وارتقت رقيا عظيماً. وكان في مقدور الفنانين في عهد اباطرة المنشو ان يغطوا عجينة الخزف بطبقة زجاجية تختلف عنها في سرعة انصهارها ، فاخرجوا بذلك اواني ذات سطح مسنن ؛ ثم كان في مقدورهم ان ينفخوا فقاعات من اللون على السطح الزجاجي فاخرجوا بذلك الصحاف الرفيعة المغطاة بدوائر صغيرة من الالوان. واتقنوا كذلك فن التلوين بلون واحد واخرجوا ظلالاً من اللون الاحمر الخوخي ، والمرجاني ، والياقوتي ، والقرمزي ، ودم الثور والوردي ؛ واخرجوا من اللون الاخضر الخياري ، والتفاحي ، والطاووسي ، والنباتي ، والسلادون ؛ ومن اللون الازرق "المزران" ، والسماوي ، و البنفسجي الفاتح والفيروزجي ؛ ومن اللونين الاصفر والابيض ضروباً ملساء مخملية كل ما يستطيع الانسان ان يصفها به انها النعومة ذاتها تُرى رأى العين.

وابتدعوا انماطاً مزخرفة يطلق عليها جامعو التحف الفرنسيون الاسر الوردية ؛ والخضراء ، والسوداء ، والصفراء. وقد اتقنوا ذلك الفن الشاق فن تعدد الالوان بتعريض الاناء في التنور إلى تيارات متعاقبة من الهواء الصافي والمحمل بالسناج- الاول يُدخل فيه الأكسجين ، والثاني يمتصه منه- بحيث يتحول الطلاء الزجاجي الاخضر إلى لهب متعدد الالوان. وكانوا يرسمون على بعض آنيتهم صور كبار الموظفين في اثواب فضفاضة ذات ذيول طويلة ، فابتدعوا بذلك طراز الآنية المعروفة "بالمندرين" (طراز كبار الموظفين). وكانوا يرسمون ازهار البرقوق باللون الابيض فوق ارضية زرقاء )او سوداء في قليل من الاحيان(، وهم الذين ابتدعوا ما للمزهريات التي في صورة العوسج من رقة ورشاقة. وكان آخر ما مر به الخزف الصيني من عهود المجد في عهد تشين لونج الرخى الطويل. ولم يقل الانتاج في ذلك العهد عما كان عليه في العهود التي تقدمته ، كما ان مهارة الصناع الممتازين لم تفقد شيئاً من عظمتها وتفوقها وان لم تحظ بعض الاشكال الجديدة بما كانت تحظى به مبتكرات عهد كانج شي من نجاح. وقد بلغت الاسرة الوردية في هذا العهد اعلى درجات الكمال. فقد انتشرت فيه نصف ازهار الطبيعة وفاكتها فوق ابهى الطبقات الزجاجية، كما كان ذوو الثراء المترفون يستخدمون الخزف الثمين الذي لايزيد سمكه على سمك قشرة البيض غطاء لاضواء المصابيح. ثم شبت نار فتنة تاي- بنج ودامت خمسة عشر عاماً جرت فيها الدماء انهاراً ، ودمرت فيها خمس عشرة ولاية من الولايات الصينية ، وهدمت ستمائة مدينة ، واهلكت عشرين مليوناً من الرجال والنساء واقفرت اسرة المنشو اقفاراً اضطرها إلى ان تحبس معونتها عن مصانع الخزف ، فاغلقت هذه المصانع ابوابها ؛ وتشتت صناعها في انحاء العالم المضطرب. ولم يفق فن الخزف الصيني حتى الان ما صابه من الدمار في اثناء هذه الفتنة الحرب المخربة ومن امتناع الرعاية الامبراطورية ؛ منها ان نمو تجارة الصادرات قد اغرى الفنانين بان يخرجوا قطعاً خزفية توائم ذوق المشترين الاوربيين.

واذ كان ذلك الذوق لايبلغ من السمو ما بلغه ذوق اهل الصين فان القطع المنحطة قد طردت القط الثمينة من التداول ، كما تطرد العملة الرديئة العملة الطيبة حسب قانون جريشام. وما ان حل عام 1840 حتى شرع مصنع انجليزي اقيم في مدينة كانتون يخرج انواعاً منحطة من الخزف ويصدرها إلى اوربا ويسميها "الاواني الصينية". ثم قامت مصانع في سيفر بفرنسا ، و مايسن في المانيا و بورسلم في انجلترا تحاكي خزف الصينيين ، وقللت من نفقات الانتاج باستخدام الآلات ، واخذت تستحوذ عاماً بعد عام على تجارة الخزف الصينية الخارجية. وكل ما بقى حتى الان هو ذكرى ذلك الفن الذي خسره العالم خسارة كاملة لاتكاد تقل عن خسارته لزجاج العصور الوسطى الملون. ولقد عجز الخزافون الاوربيون رغم ما بذلوه من محاولات وجهود جبارة عن ان يبلغوا ما بلغه الخزافون الصينيون من الدقة والمهارة. وحسب الفنانين الصينيين فخراً ان الخبراء العالميين يضاعفون في كل عقد من السنين اثمان ما بقى من روائع فن الخزف الصيني ، فتراهم يطلبون خمسمائة ريال ثمناً لقدح الشاي ، ويبيعون المزهرية التي يفي صورة شجرة العوسج بثلاثة وعشرين ألف ريال ، وفي عام 1767 م وصل ثمن إناءين من الخزف بلون العقيق يعرفان "بكلبي فو" في احد المزادات إلى خمسة اضعاف ما وصل اليه ثمن صورة "الطفل يسوع" لجيدورتي ، والى ثلاثة امثال ما وصل اليه ثمن صورة "الاسرة المقدسة" لرفائيل. على أن كل من أحس بعينيه وأصابعه ، وبكل عصب من اعصاب جسمه ، جمال الخزف الصيني يغضب بلا ريب من هذا التقدير الضئيل ويعده إهانة للفن الصيني وازدراء به وتدنيساً لقدسيته. ذلك ان دنيا الجمال ودنيا المال لا تلتقيان ابداً حتى في الوقت الذي تباع فيه الاشياء الجميلة. وحسبنا تقديراً للخزف الصيني ان نقول ان هذا الخزف هو ذروة الحضارة الصينية ورمزها ، وانه من انبل ما صنعه الجنس البشري ليبرز به وجوده على ظهر الارض.

انظر أيضاً

معرض صور

آنية مبكرة

Tang (618 to 906 AD)

Song (960 to 1279 AD)

يوان (1279 حتى 1368 م)

Ming (1368 to 1644 AD)

Qing (1644 to 1912 AD)

جمهورية الصين الشعبية (1912, حتى الآن)

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/203a1n12/2003n11/11b3.htm
  1. ^ Bushell, S. W. (1906). Chinese Art. Victoria and Albert Museum Art Handbook, His Majesty's Stationery Office, London.

كتب

  • Kerr, Rose and Wood, Nigel (2004). Science and Civilisation in China, Volume 5, Part XII: Ceramic Technology. Cambridge University Press. ISBN 0-521-83833-9.
  • Kotz, Suzanne (ed.) (1989) Imperial Taste. Chinese Ceramics from the Percival David Foundation. Chronicle Books, San Francisco. ISBN 0-87701-612-7.