إمبراطورية الثروة (كتاب)

إمبراطورية الثروة هو كتاب تاريخ اقتصادي من تأليف جون ستيل جوردون ، ترجمة محمد مجد الدين باكير، يتناول فيه التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة ، بدءا من نزول المستوطنين أرض "الفلاة الشاسعة"، مرورا بإعلان الاستقلال عن بريطانيا، ومن ثم إفادته من الوضع الجيوسياسي للولايات المتحدة الذي جنبها الحروب التي عرفتها أوروبا. [1] الكتاب صدر في جزئين الجزء الأول في 2008 ، . عن سلسلة عالم المعرفة، الكويت.

إمبراطورية الثروة
Eow.jpg
المؤلفجون ستيل جوردون
المترجممحمد مجد الدين باكير
اللغةمترجم من الإنجليزية للعربية
الموضوعتاريخ
الناشرسلسلة عالم المعرفة
الإصدار2008
عدد الصفحات455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فكرة الكتاب

يتناول الكتاب التاريخ الملحمى للقوة الاقتصادية الأمريكية التى لا يعد اقتصادها الأكبر في العالم فقط، بل يمتاز بأنه الأكثر ديناميكية وقدرة على الابتكار، وهى تعد مهد كل منتجات التقدم التكنولوجى في القرن العشرين. [2]

ويرى المؤلف أن أكبر نقاط قوة الولايات المتحدة لا تكمن في المجال العسكرى بل في ثروتها وتوزعها بين شرائح واسعة من سكانها.

ويخلص المؤلف في مقدمته إلى أن قصة إمبراطورية الثروة كمعظم قصص الإمبراطوريات تحمل طابعا ملحميا حافلا بالانتصارات والهزائم، بالجرأة والتردد، بالأفكار الجديدة والرواسب القديمة، بالعقلاء والحمقى.

والمؤلف لا يرى أفضل من قصة الاقتصاد الأمريكى لدحض فكرة وليم وردسورث التى عبر عنها في قوله "إننا نهدر مواردنا في عمليات الكسب والإنفاق".

والجزء الأول الذى صدر من الكتاب يتحدث عن صحراء شاسعة وغنية. ويقول القس توماس هوكر "فليمضوا إلى فلاة شاسعة غنية وليسيروا في مناكبها حيث ينالهم النصب وتقهرهم صعاب لا قبل لهم بها قبل أن تؤول إليهم تلك الأرض الطيبة التى يعمرها الرخاء وتسيل لبنا وعسلا".

والفصول التالية في الكتاب تتحدث عن الأمن والشعب والقانون والربح. ويخصص الكتاب فصلا عن الإمبراطورية الأطلسية. ويختتم الكتاب في جزئه الأول بالحديث عن الحيتان والخشب والجليد والذهب.


أقسام الكتاب

فلاة شاسعة وغنية

مع بداية التاريخ الأميركي لم يكن هناك إلا الأرض، وكانت هذه الأرض التي ستصبح فيما بعد الولايات المتحدة مكانا صالحا للسكن، وتميز الساحل الشرقي لأميركا الشمالية (المكان الأول للاستيطان الأوروبي) بتضاريسه المنبسطة، وقد ساعد السهل الساحلي الواسع على الاستيطان دون صعوبة بالغة، وقد وفرت الشواطئ المنعزلة التي تمتد إلى أعماق الجنوب مرفأ آمناً لطلائع السفن الوافدة.

لكن قبل ذلك ثمة قصة طويلة بتفاصيلها المريرة، إذ إن المستوطنين الأوائل الذين على قلتهم وصلوا إلى الأرض الجديدة، كان همهم البحث عن الذهب الذي بشروا به، لكن تبين أن ذلك الذهب لم يكن سوى معدن الميكا المحلي العديم القيمة، ولم يكونوا مستعدين للعمل في الأرض وكانت النتيجة حدوث مجاعة ماتت نتيجتها أعداد كبيرة من المستوطنين، لكن ذلك لم يمنع وصول سفن جديدة حاملة أعدادا كبيرة من الفلاحين المحرومين من ملكياتهم وعمال الملابس العاطلين عن العمل في أوروبا التي كانت تشهد تضخما وارتفاعا في الأسعار.

لقد بذلت الكثير من المحاولات لإيجاد منتج يمكن تصديره والتعويل عليه لسداد النفقات، وقد تبين أن حل المشكلة يكمن في نبات محلي شائع الانتشار يدعى تبغ النيكوتين، حيث أخذت عادة التدخين تنتشر في أوروبا وقد شكلت تجارة التبغ الذي زرع بداية في فرجينيا أولى فترات الازدهار الاقتصادي الأميركي، غير أنه مع زيادة تصدير التبغ ستتبلور إحدى الخصائص المهمة التي ستلازم الاقتصاد الأميركي وهي نقص اليد العاملة، الأمر الذي سيترتب عليه استقدام الآلاف إن لم يكن الملايين من الخدم والسود، وهي القضية التي ستصبح إشكالية مزمنة في الواقع الاجتماعي الأميركي.

بعد ذلك بسنوات وتحديدا في بداية القرن السابع عشر ستتأسس ولاية مريلاند ثم كاليفورنيا ونيوإنغلاند، وستعتمد هذه الولايات على إنتاج السكر الذي كان استهلاك أوروبا منه في تزايد دائم وكذلك الأرز. وفي عام 1621 أسست شركة الهند الغربية الهولندية مستوطنة نيويورك للاستفادة من إمكانيات نهر هدسون في الحصول على الفرو الذي يرتفع الطلب عليه في أوروبا. ولا يختلف الأمر كثيرا عن نشأة الولايات والمدن الأخرى حيث ستنشأ بنسلفانيا بمبادرة فردية من الأدميرال ويليام بين وستصبح مع نيويورك وفرجينيا أكبر منتجين للقمح.

ومع أن الاقتصاد الأميركي أخذ يتطور في هذه المرحلة بشكل سريع، حيث باتت المستوطنات الأميركية تصدر إلى إنجلترا وأوروبا الكثير من السلع، ونما الاقتصاد الأميركي إلى مستويات أعلى من الإنتاجية والتعقيد بصورة مطردة خلال الحقبة الاستيطانية، فإنه لم يرق إلى مستوى الاقتصاد المتكامل، وظلت المستوطنات تعتمد على البلد الأم في سلع وخدمات معينة لم تتمكن من توفيرها بنفسها، فكانت الصيرفة إحدى هذه الخدمات.

لقد حظر القانون البريطاني تأسيس المصارف في المستعمرات، كما حظر أيضا تصدير النقد المعدني من بريطانيا من أجل الحفاظ على كتلته النقدية، وهذا ما دفع المستوطنات إلى إصدار النقد كل وفق إمكانياتها.

يصنع من نفسه ما يريد

ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، فيؤكد أنه لم يكن الاقتصاد الأميركي يتمتع بوضع مالي جيد، وباستثناء القروض من فرنسا وهولندا اللتين كانتا تسعيان إلى كسر شوكة بريطانيا، كان مصدر التمويل الوحيد ضرب النقود، وقد أصدر الكونغرس القاري في عام 1775 أذونات (صكوك ائتمان قابلة للتداول) أطلق عليها اسم كونتنيتال.

ومع نهاية عام 1779 وصلت القيمة الاسمية لتلك الأذونات المصدرة إلى 225 مليون دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى حجم الاقتصاد الأميركي في ذلك الحين، الأمر الذي أدى إلى زيادة هائلة في مستويات التضخم ومن ثم حلول الكساد.

وكان الدولار الإسباني الوحدة النقدية الأكثر تعاملا في الولايات المتحدة، وقد عزمت الحكومة على تطبيق نظام نقدي جديد وكان ذلك من إسهامات الرئيس توماس جيفرسون، وقد اقترح هذا الأخير إصدار أجزاء للدولار مثل نصف دولار والسنت وفئة قطعة ربع الدولار معدني، وسوف يعين جيفرسون إلكساندر هاملتون وزيرا للخزينة الذي سيؤسس في عام 1784 أول مصرف في مدينة نيويورك، ومن ثم سيقر الكونغرس تشريعا ضريبيا يوفر للحكومة الجديدة الأموال اللازمة للوفاء بنفقاتها.

وكان مصدر الدخل الأساسي هو التعريفات الجمركية، وسيكون الركن الأساسي الآخر في سياسة هاملتون الضريبية تأسيس مصرف مركزي برأسمال عشرة ملايين دولار. وقد حققت مبيعات أسهم المصرف نجاحا مدويا، ومع هذا النجاح شهدت أسواق الأوراق المالية الناشئة حديثا في نيويورك وفيلادلفيا أولى موجاتها الصعودية في أسهم المصارف.

العملاق القادم

في الجزء الثالث من الكتاب يتناول المؤلف فترة الحرب الأهلية الأميركية، ويبين مدى أثرها التاريخي على الاقتصاد الأميركي الذي سيواجه أزمة مديونية تصل في عام 1862 إلى 517 مليون دولار، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ الأميركي، وسوف يتم تجاوز هذه الأزمة عبر الضرائب المكثفة التي ستفرضها الحكومة على كل شيء.

وبعد الحرب يرصد المؤلف تطورين مهمين سيكون لهما الأثر الأكبر في القوة الاقتصادية الأميركية وفي الواقع العمراني والاجتماعي، وهما صناعة الفولاذ والنفط، حيث ستصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للفولاذ في العالم، كما سيغير الفولاذ وجه الحياة الحضارية عبر استخدامها في بناء الأبراج السكنية ذات الارتفاع الهائل (ناطحات السحاب). أما النفط الذي سيبدأ استغلاله منذ العام 1859 سيصل إنتاجه في عام 1900 إلى 60 مليون برميل. ورغم أن النفط قد تأثر بتقلب الأسعار فإن ذلك لم يمنع من تأسيس شركات للتنقيب عنه وبناء المصافي.

ومع النمو الذي حققته الصناعة الأميركية طرأ تغير جذري على التجارة الأميركية، فبالإضافة إلى كون الولايات المتحدة مصدرا رئيسيا للمنتجات الزراعية والمعدنية، باتت منتجا رئيسيا للبترول والفولاذ والحديد والنحاس. وقد تبين للمراقبين الأوروبيين أن عملاقا أميركيا قد ظهر فجأة ليخطف هذه التجارة الرابحة من أوروبا، مهدداً بإعادتها إلى مراتب متأخرة في عالم الاقتصاد، وقد ظهرت في ذلك الوقت عناوين لكتب سوداوية من قبيل "الغزاة الأميركيون" و"أمركة العالم" و"الغزو التجاري الأميركي لأوروبا".

بداية القرن الأميركي ستشكل الحرب العالمية الأولى حدثا بارزا في التاريخ الأميركي، فعندما ستضع هذه الحرب أوزارها ستكون الولايات المتحدة الرابح الوحيد من الناحية الجيوسياسية، وستصبح أقوى أمم الأرض على الإطلاق ومركز العالم الغربي الجديد، حيث سترتفع الصادرات الأميركية من المنتجات الزراعية سريعا بسبب الحاجة الأوروبية للغذاء في فترة الحرب، كما سيزيد حجم التصنيع في الولايات المتحدة الأميركية بسبب تدفق سيل طلبات الشراء على الشركات الأميركية.

وعلى العموم سيرتفع الناتج القومي الإجمالي بنسبة 41% في سنوات الحرب الأربع، في حين ارتفع التصنيع بنسبة 25%.

بعد الحرب ستنهض في الولايات المتحدة الأميركية صناعة جديدة سيكون لها أثر كبير في الاقتصاد، وهي صناعة السيارات بفضل شركة فورد التي ستنتج في عام 1920 نصف عدد السيارات المصنعة في العالم. وفي عشرينيات القرن العشرين أصبحت صناعة السيارات كبرى صناعات الاقتصاد الأميركي، وقد أفرز الطلب الكبير على السيارات عقدا من الازدهار الصناعي العظيم، إذ ارتفع الناتج القومي الإجمالي بنسبة 59% بين عامي 1921 و1929 فوصل إلى 103 مليارات دولار، وخاصة بعد ظهور شركة جنرال موتورز كبرى شركات صناعة السيارات حتى اليوم.

في هذه الأثناء وفي ظل الانتعاش المالي الذي شهدته المصارف الأميركية، قدمت المصارف الاستثمارية الأميركية بإفراط قروضا إلى أوروبا واشترت منها سندات عليها بأرباح كبيرة، وعاد رأس المال الأميركي المصدر سريعا إلى الولايات المتحدة، ووفر قاعدة لتقديم مزيد من القروض لأوروبا. ولما كانت الدورة المالية مستمرة كان كل شيء على ما يرام، لكنها لم تستمر بالطبع، وكانت النتيجة كارثة اقتصادية عصفت بالعالم كله.

ففي العام 1928 بدأ صيارفة الاستثمار الأميركيون التحول إلى سوق أكثر ربحا من سوق القروض الأوروبية وهي سوق "القروض تحت الطلب" في وول ستريت، حيث كان المضارب يشتري أسهما بدفع جزء يسير من مبلغ الشراء نقدا لقاء نسبة مئوية معينة من قيمتها والباقي يقترضه من السمسار الذي يبع الأسهم، وكانت هذه العملية رابحة جدا في أواخر عشرينيات القرن الماضي، في وقت استهلت وول ستريت واحدة من فترات رواجها الدورية وحققت نموا أسرع كثيرا من النمو الذي كان يشهده الاقتصاد الأميركي، ما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخل لكبح حركة الطفرة الناشئة في وول ستريت التي بدأت تتكشف علامات انفلاتها من عقالها.

وبينما بدأت حركة سوق الأوراق المالية تضطرب صعودا وهبوطا، بدأ الاقتصاد الأميركي يسير في طريق الكساد وأخذ العديد من المصارف يعلن إفلاسه، وسيأخذ الأمر منحا انحداريا مع إغلاق مصرف الولايات المتحدة الأميركية أبوابه في نهاية عام 1930. وقد أحدث انهياره موجة من الهلع عمت الكيان السياسي الأميركي، ولم تنته أزمة الكساد ويتعافى الاقتصاد إلا بانتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت بفضل قوة شخصيته وإجراءاته الحاسمة.

ثورة اقتصادية جديدة

سيكون للحرب العالمية الثانية مفعول ثوري على الاقتصاد الأميركي، ففي حين غرقت الدول الأوروبية واليابان في حال من الدمار الواسع فإن الولايات المتحدة استطاعت أن تجنب أراضيها الشاسعة وقاعدتها الصناعية هذا الدمار، وقد تزايدت طاقتها الإنتاجية بمعدلات كبيرة وأصاب سكانها الغنى والثراء وبات اقتصادها ينتج 50% من الناتج الإجمالي العالمي.

وكان لدى الولايات المتحدة 80% من النقد الذهبي، وبموجب اتفاقية بريتون وودز التي أبرمت في عام 1944 سيغدو الدولار العملة العالمية الاحتياطية الأولى في العالم وعمود التجارة، وكان قابلا للتحويل إلى ذهب لدى المصارف المركزية.

وسيشهد الاقتصاد الأميركي بعد مرحلة الانتعاش تقهقراً بسبب الحرب الفيتنامية حيث سيقع في حالة من الكساد التضخمي وسيعاني الميزان التجاري تدهورا كبيرا في عام 1971. ولأن الدولار كان عملة التجارة العالمية وكان بموجب بريتون وودز قابلاً للتحويل إلى ذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارا للأوقية، فقد تراكم في خزائن المصارف المركزية للدول الأجنبية ومؤسساتها المالية، وكان الدولار يخرج من الولايات المتحدة ولا يعود إليها إطلاقا.

ومع ارتفاع مستوى التضخم بدت أرصدة "اليورو دولار" متذبذبة وبدأ الذهب بالتدفق إلى الخارج بكميات كبيرة، وفي أغسطس/آب 1971 حسم الرئيس نيكسون المسألة إذ عمل على إبطال اتفاقية بريتون وودز وقطع الارتباط بين الدولار والذهب، ومنذ ذلك الحين ستتحدد قيمة الدولار بالعرض والطلب وانقضى بذلك عهد معيار الذهب.

ويختم المؤلف بالحديث عن التطورات الاقتصادية التي حصلت في مجال الاتصال والمواصلات وظهور الأقمار الصناعية والحواسيب والإنترنت، ويعرج أخيرا على حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 متوقعا أن تنتهي الحرب الناشبة في الولايات المتحدة والأعداء الجدد بانتصار الأولى، على اعتبار "أن عصب الحرب مال لا ينفذ"، مؤكدا أن الاقتصاد الأميركي مع بزوغ فجر القرن الحادي والعشرين قد بات أكثر قدرة على امتلاك "عصب الحرب" لا يضاهيه في ذلك أي اقتصاد عرفه العالم.

ثمة خيط رفيع يمكن تتبعه في صفحات هذا الكتاب يوضح أن أزمات الاقتصاد الأميركي أزمات بنيوية، فهذا الاقتصاد حمل في داخله على الدوام بذرة الفوضى التي تأسست على النزعة المغالية في تحقيق المصالح الذاتية.

انظر أيضا

روابط خارجية

المصادر