أخبار:رحيل محمد بكري (72) الفنان الفلسطيني

في ديسمبر 2025، توفي الفنان الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاماً.

كان بكري رمزاً للحرية والمقاومة والوعد في السينما الفلسطينية. قلة من الممثلين شكّلت الذاكرة البصرية لشعب كما فعل بكري، وقلّة قليلة فعلت ذلك بمثل هذه الحرفية والالتزام. هو الحزن في "جنين جنين" (2002)، والرعب في وضوح اللغة والحقائق، فالمجزرة ليست قضية معقدة. وكان جنين جنين محطة مفصلية هزّت المؤسسة الإسرائيلية وأثارت جدلاً واسعاً بلغ أروقة الكنيست وساحات المحاكم.[1] راقب بكري بكاميرته المخيم، تكلّم مع الناجين، وأخذ غضبهم على محمل الجد، بينما يبتعدون، مُديرين ظهرهم لنا. كشف بكري في فيلمه الوثائقي عن إحباطه كمخرج، فحتى أقرب مسافة من الكاميرا، لا تكفي لإقناع العالم بقيمة الحياة الفلسطينية.[2]

سيرته

وُلد محمد بكري في بلدة البعنة بالجليل عام 1953. درس التمثيل والأدب العربي في جامعة تل أبيب. أصبح مسرح حيفا ومسرح القصبة في رام الله مختبره الأول، ثم استسلم للسينما، منجذباً إلى حميميتها وقدرتها على رصد أدق إيماءة. منذ ظهوره الأول في فيلم حنا ك (Hanna K، 1983) للمخرج كوستا-گاڤراس، إلى أحدث ظهور له في فيلم "اللّي باقي منّك" لشيرين دعيبس، أصبح وجه محمد بكري إحد أبرز السمات البصرية للسينما الفلسطينية، حتى إن شخصيته حملت اسم حيفا في "فيلم حيفا" (1996)، لرشيد مشهراوي.

على أكثر من خمسين عاماً، حملت ملامحه المعبّرة والجادة الثقل العاطفي والسياسي لقصص رُويت من فلسطين وعنها. لقد شكّل وجهه أرشيفاً سينمائياً بحدّ ذاته، خريطةً للصمود والشك والحنان والتحدي، تنتقل بسلاسة عبر عقود من الأدوار والشخصيات. كان هو الأب، ليس لأنّ الأدوار فرضته، بل لأن حضوره حمل ملامح الأبوة بكل تناقضاتها. كان بكري يجسّد الأب الفلسطيني، رجلاً مثقلاً بالتاريخ، ممزقاً بين الواجب والرغبة، بين الأرض والأبناء. كان أبو عيدا في "حكاية الجواهر الثلاث" (1995) لميشيل خليفي، وأبو ليلى في فيلم "ليلى" (2008) لرشيد مشهراوي، وأبو شادي في "واجب" (2017) لآن ماري جاسر، وأبو عدنان في "الغريب" لأمير فخر الدين، وأبو سليم في "اللّي باقي منّك" (2025) لشيرين دعيبس، وأبو باسل وأمية وحمزة وطارق وخالد في "ما بعد..." (2024) لمها الحاج.

بفضوله الفطري وميله الفلسفي، كان يتعامل مع كلّ دور كسؤال، برع في تجسيد الشخصيات الفاترة، تلك التي تغلي من الداخل بدلاً من أن تنفجر. تجنّب أداءه الحركات المتكررة والخطابات الطويلة، اعتمد على الدقة والثقة بالنفس، أدرك أن أكثر الشخصيات جاذبية ليست تلك التي تُعلن عن نفسها، بل تلك التي تكشف عن نفسها ببطء. بعينين ثاقبتين لا تخطئهما العين، وحضور سينمائي كلاسيكي، استطاع أن يجسّد العزيمة الهادئة لمناضل فلسطيني بنفس القناعة التي أضفاها على دفء الأب، فأصبح بشكل حتمي، نجم السينما الفلسطينية. كان يفهم كيف تقرأ الكاميرا النوايا، وكيف يمكن لشدّة طفيفة في الفك أو غمضة عين متأخرة أن تغيّر من حدة المشهد العاطفية. عندما جسّد شخصيات المناضلين، اعتمد على الاقتصاد الجسدي، وحركات خالية من المبالغة وعمود فقري ثابت، ونظرة تحمل ثقل التاريخ. وفي الأدوار الأكثر حميميةً، كان يرخي كتفيه، يخفض صوته، ويسمح للدفء أن يتغلغل في عينيه من دون أن يستسلم للعاطفة المفرطة. كان حضوره بحد ذاته شكلاً من أشكال التعبير، كان قادراً على السيطرة على الشاشة بتغيير طفيف في وضعية الجسم أو بطريقه صمته قبل الكلام. كان الأكثر حضوراً من أي إطار حاول احتواءه. اليوم نفقد وجه السينما الفلسطينية. وجه حمل ذاكرة شعب في رقته وتحدّيه. لكنه لا يختفي، سنظل نراه في ملامح صالح وزياد وآدم، سيعود حضوره مشهداً تلو آخر، جيلاً بعد جيل، كوعد حرّية ترفض السينما التخلي عنه.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "وفاة الفنان والمخرج الفلسطينى محمد بكري عن 72 عامًا". جريدة المصري اليوم. 2025-12-24. Retrieved 2025-12-24.
  2. ^ "رحل محمد بكري... وجه السينما الفلسطينية". جريدة الأخبار اللبنانية. 2025-12-24. Retrieved 2025-12-24.