قطب الدين مودود بن زنكي

قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر، ويقال له الأعرج، (توفي 6 سبتمبر 1170) الأمير الزنكي على الموصل. وهو أصغر أولاد عماد الدين زنكي، إذ ترك بعد أن اغتُيل عام 541هـ ثلاثة أولاد، هم إضافة إلى مودود: سيف الدين غازي، وهو أكبرهم، ثم نور الدين محمود وهو الملك العادل، ولم يصادف هؤلاء الإخوة صعوبة في الاحتفاظ بملك أبيهم بفضل مساعدة اثنين من رجال عماد الدين زنكي الأوفياء، وهما: جمال الدين محمد الأصفهاني رئيس الديوان، وصلاح الدين الياغسياني أمير حاجب.

استطاع نور الدين محمود بعد أن سيطر على حلب إخضاع جميع ما كان لأبيه في بلاد الشام، مثل الرها وحران وحمص وحماة، واستقر غازي الأول في الموصل، وكان أخوه الصغير مودود في رعايته، فانقسمت مملكة عماد الدين زنكي إلى قسمين: القسم الشرقي تحت حكم ابنه الأكبر غازي الأول ومقره الموصل، والقسم الغربي تحت حكم ابنه نور الدين محمود ومقره حلب.

وفي الموصل كان حكم سيف الدين غازي قصيراً، إذ توفي في عام 544هـ/1149م، بعد أن حكم قرابة ثلاث سنوات وشهرين، فخلفه في الحكم أخوه قطب الدين مودود، فتسلم ما كان لأخيه من البلاد التابعة لدولة الموصل، وسانده أميران هما: جمال الدين الأصفهاني، وزين الدين علي كوجك.

وكان لأمراء الموصل نصيب في إذكاء روح التباغض بين الأخوين، فقد رأى بعض هؤلاء وفي طليعتهم صاحب سنجار التابعة للموصل عبد الملك؛ أن نور الدين محمود أحق بولاية الموصل من أخيه قطب الدين مودود لأنه أكبر سناً منه، ولخشيته من تصاعد نفوذ كل من جمال الدين الأصفهاني وزين الدين علي كوجك دعا عبد الملك نور الدين محمود لتسلم الحكم في الموصل عقب وفاة سيف الدين غازي الأول، فراودت نور الدين فكرة ضم إمارة الموصل إلى إمارة حلب لإتمام الجبهة الإسلامية المتحدة في مواجهة الصليبيين، لذلك أسرع إلى سنجار، ومع أنه تأخر في الوصول إليها إلا أن عبد الملك سلّمه إياها، ومن هناك بدأ نور الدين يستعد لمواجهة أخيه قطب الدين مودود، فعدّ مودود كل ذلك بمنزلة اعتداء مباشر على أملاكه، لذلك تجّهز للخروج بعسكره نحو سنجار لوضع حد لتحديات أخيه، وأرسل أميراه الأصفهاني وكوجك كتاباً إلى نور الدين تضمن إنذاره بالحرب إن لم يرحل عن المدينة، ولكن موقف نور الدين كان قوياً لأنه كان أكبر من مودود، ولأنه لبى نداء أمراء الموصل الذين يكرهون استئثار الأميرين المذكورين بالنفوذ.

تجاه هذا الوضع السياسي المضطرب اضطر مودود إلى قبول الصلح بسبب الظروف الصعبة التي تحيط بالدولة الزنكية، فاستمرار الخلاف بين الأخوين من شأنه إتاحة الفرصة للصليبيين أن يتوسعوا على حسابهما، ويؤدي ذلك أيضاً إلى تحريك أطماع الخلافة العباسية و السلطنة السلجوقية.

كان مودود من أحسن الملوك سيرة، ومن أعدلهم في حكمه، عفّ عن أموال الرعية وأحسن إليهم، وابتعد عن العبث، فكثرت مناقبه ومحاسنه. ومثّلت فترة حكمه مرحلة مهمة من مراحل التعاون بين إمارتي الموصل وحلب، فقد كان قطب الدين مودود حسن الاتفاق مع أخيه نور الدين محمود كثير المساعدة له والإنجاد بنفسه وعسكره وأمواله، حتى إن معظم إنجازات مودود اقترنت بتعاونه مع أخيه نور الدين، وتجلى ذلك في التصدي للصليبيين وفتح حارم وبانياس وصافيتا ومهاجمة طرابلس.

وعندما ألف الصليبيون حلفاً سنة 559هـ ضم بوهيموند الثالث أمير أنطاكية، و ريموند الثالث أمير طرابلس، و قسطنطين كولومان حاكم كيليكية البيزنطي وغيرهم، كان لمعسكر الموصل دور كبير في صدّ هذا التحالف، وتحقيق النصر على القوات الصليبية، ثم تم فتح حارم في رمضان من السنة نفسها.

وفي عام 562هـ، اتفق الأخوان على الإغارة على كونتية طرابلس مستغلين تضعضع أوضاعها، فتجهز قطب الدين مودود وسار بجيشه إلى حمص حيث اجتمع بأخيه ووضعا معاً خطة الهجوم، فأغارا على عدة أماكن ثم اتجها بقواتهما إلى الشمال الشرقي من طرابلس، ثم حاصرا جبلة وخرباها، ثم فتحا صافيتا وعادا إلى حمص حيث قضيا شهر رمضان، ثم قصدا بعد ذلك بانياس ، وبعد انتهاء الأعمال العسكرية عاد قطب الدين مودود بجيش الموصل بعد أن أقطعه نور الدين محمود مدينة الرقة على الفرات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاته

في أواخر أيامه مرض قطب الدين مودود مرضاً حاداً، ولما اشتد به المرض أوصى بالملك بعده لولده عماد الدين زنكي، ولكن أمره هذا لم يتم.

وانتهت بوفاته حلقة مهمة من حلقات التعاون بين الزنكيين في مقاومة الصليبيين.[1]


الهامش

  1. ^ عمار النهار. "مودود بن زنكي". الموسوعة العربية.
ألقاب ملكية
سبقه
سيف الدين غازي الأول
أمير الموصل
1149–1169
تبعه
غازي الثاني سيف الدين