عبد الرحيم القنائي

عبد الرحيم القنائي أو عبد الرحيم القناوي (و. 521 هـ = 1127 - ت. 592 هـ = 1196)، هو عالم دين وتفسير إسلامي مغربي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد عبد الرحيم القنائى في مدينة ترغاى بإقليم سبتة في المغرب الأقصى سنة 521 هـ وقد نشأ هناك وترعرع. فقد أمضى طفولته في تحصيل العلم في جامع ترغاى الكبير على يد والده كما تتلمذ على كبار العلماء فلم يكد يصل الثامنة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن الكريم وجوده تلاوة وفهما، وتوفى والده في الثامنة عشرة من عمره. وكان يحب والده حبا عميقا ويرى فيه المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لذلك فقد تأثرت صحته وساءت حالته النفسية بسبب وفاته فمرض مرضا شديدا حتى أصبح شفاؤه ميئوسا منه ، مما جعل والدته العربية تفكر في إرساله إلى أخواله في دمشق.

وفعلا رحل عبد الرحيم إلى دمشق حيث التقى هناك بأخواله وأهل والدته الذين أكرموا وفادته وسهلوا له مهمة الاتصال بكبار العلماء والفقهاء هناك. وقد أمضى في دمشق سنتين نهل فيهما من علوم المشارقة كما تفقه في علوم المغاربة، ثم شده الحنين إلى العودة إلى مسقط رأسه فشد رحاله إلى ترغاى حيث أهله وعشيرته وكان قد بلغ في ذلك الوقت العشرين من عمره.

وقد كان لامتزاج الثقافتين الشرقية والغربية أثرهما في نفس عبد الرحيم فقد خلقت منه شخصية مصقولة متكاملة رغم حداثة سنه، فقد دعى ابن العشرين ليحضر حلقات الدرس في الجامع لا كتلميذ بل كمدرس، حل محل والده، فامتلأ المسجد حتى لم يعد فيه مكان لقادم، إذ لم يقتصر الأمر على أهل ترغاى بل وعلى أهالى منطقة سبتة كلها الذين أتوا ليروا ابن شيخهم الذى وفد إليهم من دمشق وليستمعوا إلى المعلم الذى جمع بين ثقافتى المغرب والمشرق وليروا أثر ذلك مع ابن العشرين.


الرحيل إلى المشرق

وقد أمضى عبد الرحيم خمس سنوات في ترغاى يقوم بمهمة الوعظ والإرشاد عن واجبات المسلم نحو ربه ومجتمعه بأسلوب ساحر أخّاذ أبكى المستمعين تأثرا وإعجابا. على أن أحداث المشرق في ذلك الوقت من تكتل قوى الاستعمار الأوروبى المقنع تحت اسم الصليب، للهجوم على بلاد المشرق واستعمارها كانت تشد تفكيره بقوة إلى المشرق حيث كان يرى وجوب تكتل كل قوى المفكرين من المسلمين لحماية الدول الإسلامية وتعبئ كل القوى المادية والمعنوية لحمايتها من التفكك والضعف والانحلال الذى أوشك أن يصيبها. وفى تلك الأثناء توفيت والدته، الأمر الذى جعله بالإضافة إلى الأسباب السابقة، أن يفكر في الرحيل إلى المشرق، فرحل من ترغاى ميمنا وجهه شطر الحجاز لتأدية فريضة الحج، وفى طريقه مر بمدينة الإسكندرية والقاهرة فتركا في نفسه أثرا لم تمحه رحلته المقدسة إلى البلاد الحجازية. وبقى في البلاد الحجازية تسع سنوات قضاها متنقلا بين مكة والمدينة ينهل من علم وفضل فقهائها وعلمائها تارة وعابدا معتكفا بالبيت الحرام أو بمسجد المدينة تارة أخرى أو متنقلا يسعى في مناكبها للاتجار في بعض المحاصيل سعيا وراء كسب الرزق حتى يستطيع التفرغ للعبادة والعلم دون أن يمد يده للاستجداء أو أن يكون عالة على أحد. [1]

اقامته في مصر

حتى إذا كان موسم الحج العاشر، التقى بمكة بأحد الشيوخ الأتقياء الورعين القادمين من مدينة قوص عاصمة صعيد مصر في ذلك الوقت وهو الشيخ مجد الدين القشيري، ودار بينهما حديث فتعارف فألفه وأصر بعدها القشيرى على أن يصحبه شيخنا عبد الرحيم إلى مصر وإلى قوص وقنا بالذات حيث أن مجتمعها متعطش إلى علم وفضل أمثاله من أولياء الله الصالحين.

وهنا يقول السيوطي: وما زال الشيخ يحاوره ويدلل على حججه وعلى أن عبد الرحيم ليس له ما يربطه بمكة والمدينة أحد أو شئ، وأن واجبه الإسلامي يدعوه إلى الإقامة في قوص أو قنا ليرفع راية الإسلام وليعلم المسلمين أصول دينهم وليجعل منهم دعاة للحق وجنودا لدين الله. وأخيرا وافق عبد الرحيم على الرحيل إلى مصر فجاء بصحبة الشيخ مجد الدين القشيرى الذى كان يعمل حينئذ إماما بالمسجد العمرى بقوص وكانت له مكانته المرموقة بين تلاميذه ومريديه وكان ذلك في عهد الخليفة العاضد بالله آخر خلفاء الدولة الفاطمية، ولكن عبد الرحيم لم يرغب البقاء في قوص وفضل الانتقال لمدينة قنا تنفيذا لرؤى عديدة أخذت تلح عليه في الذهاب إلى قنا والإقامة بها ولأن قوص ليست في حاجة شديدة إليه فقد كانت وقتها غاصة بالعلماء والفقهاء وكبار المفكرين من أهل الدنيا والدين.

وبعد أن أمضى عبد الرحيم ثلاثة أيام بقوص رحل إلى قنا حيث التقى بالشيخ القرشى أحد أوليائها الصالحين فانعقدت أواصر الألفة بينهما وتحابا وتزاملا في الله. وقد ساعد جو قنا الهادئ الشيخ عبد الرحيم على حياة التأمل فأمضى عامين كاملين يتعبد ويدرس ويختلى بنفسه ليتعرف على خباياها ولا يقطع عليه هذا الاختلاء وذاك التعبد إلا خروجه للتجارة التى يعتمد عليها في معاشه، فقد كان رحمه الله قد اتخذ لنفسه منهاجا لا يحيد عنه طوال حياته، وهو العمل بيده حتى يكسب قوته. وقد درت عليه التجارة في قنا ربحا وفيرا ساعدته على الإنفاق على فقراء الطلاب والراغبين في العلم وغير القادرين من أبناء المسلمين. وقد كانت لسيدى عبد الرحيم مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها من غير الخروج على طرقها، إذ كان يقول: إن الدين الإسلامى، دين علم وإخلاص، فمن ترك واحدة فقد ضل الطريق. وقد أفاض في شرح نظريته هذه في كتاباته إذ كان يهتم- رضى الله عنه - دائما بالحديث عن العلم، إيمانا منه بأن العلم دعوة سماوية ومتممة للعمل. وقد ترك الشيخ عبد الرحيم الكثير من المؤلفات منها تفسير القرآن الكريم ورسالة في الزواج وكتاب الأصفياء وغيرها كثير. ولما تولى الأيوبيون مقاليد الأمور في مصر، عملت جاهدة على القضاء على المذهب الشيعى السائد في عهد الدولة الفاطمية ونشرت المذهب السنى وكانت وسيلتها في ذلك تولية شئون البلاد وحكمها لأصحاب المذهب السنى وخاصة المذهب الشافعى، مذهب الأيوبيين الخاص فقد أصدر الملك العزيز بالله ابن صلاح الدين الأيوبى قرارا بتعيين الشيخ عبد الرحيم شيخا لمدينة قنا ومنذ ذلك التاريخ أصبح شيخنا يعرف بالقنائى. وقد تزوج الشيخ عبد الرحيم بابنة الشيخ القشيرى وبعد وفاتها تزوج ثلاثة أخريات أنجب منهن تسعة عشر ولدا وبنتا. واستقر الشيخ عبد الرحيم القنائى بقنا يلى شياختها وكان مركزه زاوية بجانب ضريحه الحالى يجتمع فيها بالوافدين عليه من كل مكان، واستمر كذلك حتى توفى سنة 592 هجرية بعد أن عاش 72 عاما.

البقاء في قنا

أما مدينة قنا التى عاش فيها شيخنا الفاضل رضوان الله عليه، فهى مدينة مصرية قديمة اسمها المصرى القديم (شابت) وفى العصر البطلمى عرفت باسم (كنابوليس) وفى العصر القبطى باسم (كونا) ومنها الاسم العربى (قونة) الذى حرف إلى (قنى أو قنا). وجاء في معجم البلدان، قنا مدينة لطيفة بصعيد مصر بينها وبين قوص يوم واحد وتنسب إليها كورة قنا. ويقول ابن دقماق، قنا بلدة في ضفة النيل الشرقية مرتفعة البنيان بها مارستان - مستشفى- وحمامان وربط، وهى الدور التى يتعبد فيها الصوفية وخرج من هذه المدينة جماعة من العلماء الرؤساء وأرباب المقامات والمكاشفات، ولعله يقصد من بينهم الشيخ عبد الرحيم القنائى. وقد أعطانا الرحالة ابن جبير وصفا شاملا عن مدينة قنا فيقول: إنها من مدن الصعيد المشهورة كانت بيضاء أنيقة ذات مبان مشيدة، وكانت مبانيها بالآجر واللبن وأكثرها مكون من طابقين ولما أصبحت المدينة عاصمة للمحافظة في القرن التاسع عشر بنيت بها القصور لذوى الجاه والثروة والأشراف وكثرت أسواقها وازدحمت الحوانيت بأنواع البضائع الثمينة وكان بها كثير من أرباب الحرف ولكل طائفة شيخ، وكان بها نحو اثنتى عشرة وكالة لاستقبال التجار الأجانب والوافدين عليها. ويقول على مبارك في خططه: وبمدينة قنا قطعة أرض تقرب مساحتها من الفدان تؤخذ منها طينة طفلية تصنع منها الأوانى الفخارية التى تشتهر بها المدينة، وعلى الرغم من الأخذ من هذا الفدان فإن مساحته لا تنقص، وتعليل ذلك سهل ميسور، ذلك أن مياه الفيضان ترسب فيه كمية من الطمى تعادل تقريبا ما يؤخذ منه، كما أنه قريب من مصرف قنا الذى تتجمع فيه مياه السيول من جبال البحر الأحمر، وتقوم هذه السيول كذلك بترسيب كمية من طينة طفلية في الفدان المذكور قبل تجمعها في المصرف. وكان يوجد بقنا طريق يوصل إلى القصير يمر أولا بين الجبل والساحل متجها إلى الجنوب حتى يصل إلى بئر عنبر شرقى قفط ثم يستقيم إلى جهة الشرق حتى يصل إلى القصير.

كان الشيخ قد تزوج من ابنة الشيخ مجدالدين القشيري، ثم تزوج ثلاثة غيرها بعد وفاتها. وأنجب أولاداً كثيرين[2]:

  • محمد: أكبر أولاده تزوج بقنا ثم رحل بأولاده وزوجته إلى دنوشر من أعمال الغربية / مصر وأعقب ومات ودفن بها وله زاوية ومقام هناك
  • كمال الدين: سار إلى إسنا وبقى فيها توفى بعد والده بخمسين عاما وله ذرية ببلدة السباعية
  • جمال الدين: هاجر إلى بني سويف هو وأولاده وأعقب بها وسكنها ثم مات ودفن بأهناسيا / مصر
  • علم الدين: تزوج بقنا وأنجب أولادا وتزوج بزوجتين احداهن ابنة الشيخ عبدالله القرشى
  • شهاب الدين: كان المساعد لوالده في أعمال التجارة تزوج وأنجب ولدين وثلاث بنات وذريته بطنطا
  • محمد الأمين: مات صغيرا
  • أحمد الحافي: كانت له أموالا كثيرة وكان يكره أن ينتعل ولم يتزوج ومات شابا
  • محمود أبوالنور: كان كبير الشبه بوالده فأطلق عليه أبا النور لهذا السبب وكان محبوبا من المريدين تقيا صالحا مات ودفن في بلدة سلوى محافظة اسوان /مصر وله مقام معروف بها
  • عبد الخير: كان صالحا مباركا مات قبل أن يبلغ الحلم
  • شمس الدين: تزوج بنساء كثيرات وكان والده يحبه أكثر من غيره ويقربه إليه مات في حياة والده في احدى قرى السباعية ودفن بها وقد حزن عليه والده حزنا شدبدا
  • الحسن: بلغ مرتبة الولاية وتزوج بقنا ومات بها ودفن بجوار والده وعمره ثمانون عاما
  • صفاء الدين: كان ساكتا لا يتكلم كثير العزلة وكانت له ابنه تدعى سكينة يحملها على كتفه ويبكى إذا بكت توفى سنة 602هـ ودفن بالمدينة.

وفاته

توفى الشيخ عبدالرحيم القناوي يوم الثلاثاء 19 صفر سنة 592هـ الموافق 23 يناير 1196 بعد صلاة الفجر وعمره 71 عاما قضى منها 41 عاما في الصعيد


مسجد عبد الرحيم القنائي

أما مسجد عبد الرحيم القنائي الملحق به ضريحه الموجود حاليا فيرجع إلى النصف الأول عن القرن العشرين، إلا أنه حل محل الزاوية التى بناها الشيخ في حياته والتى كان يتعبد بها ويستقبل فيها زواره ومريديه. ويتكون المسجد الحالى من صحن مربع مغطى بسقف به (شخشيخة) تعلو قبة صغيرة ضحلة. ويحيط بالصحن أربعة إيوانات عميقة متعامدة، أكبرها إيوان القبلة ويقع في الجهة الشرقية من المسجد ويتقدم كل إيوان عمودان كل منهما مكون من عمودين ملتصقين، ويعلو العمودين ثلاثة عقود تكون واجهة الإيوان. والمدخل الرئيسى للمسجد يقع في الجهة الجنوبية وهو مرتفع إذ يصعد إليه بست درجات وتتقدمه مظلة ذات أعمدة، وفى الركن الجنوبى الشرقى للمدخل توجد مئذنة الجامع وخلف الإيوان الشمالى يوجد الضريح، وهو عبارة عن غرفة كبيرة مربعة تعلوها قبة ترتكز على رقبة تقوم على دلايات قصيرة في أركان المربع. وخلف الإيوان الغربى توجد دورة المياه.

المصادر