جورج دانتون

(تم التحويل من دانتون)

جورج جاك دانتون Georges Jacques Danton (بالفرنسية: [ʒɔʁʒ dɑ̃tɔ̃]؛ عاش 26 اكتوبر 1759 - 5 أبريل 1794) كان شخصية بارزة في المراحل المبكرة من الثورة الفرنسية وأول رئيس للجنة السلامة العامة. ويثور جدل حول دور دانتون في بدء الثورة؛ فيصفه العديد من المؤرخين بأنه "القوة الرئيسية في الاطاحة بالملكية وتأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى".[2] ولتأثيره الداعي للاعتدال على اليعاقبة، فقد أُعدِم بالگيلوتين على يد دعاة الارهاب الثوري بعد اتهامه بالفساد والرأفة تجاه أعداء الثورة.

جورج دانتون
Georges Danton
Georges-Jacques Danton.jpg
حسب المرجع، "كان دانتون ضخم البنية، مما أهله ليصبح رياضياً، وكان مميز للغاية، غليظ الطباع، بادي الاستياء؛ ذو صوت جهوري". [1] متحف كرنڤاليه، پاريس.
أول رئيس للمؤتمر الوطني
في المنصب
25 يوليو 1792 – 8 أغسطس 1793
عضو لجنة السلامة العامة
في المنصب
6 أبريل 1793 – 10 يوليو 1793
وزير العدل
في المنصب
10 أغسطس 1792 – 9 أكتوبر 1792
نائب في المؤتمر الوطني عن السين
عضو the المؤتمر الوطني Parliament
عن السين
في المنصب
6 سبتمبر 1792 – 8 أغسطس 1793
تفاصيل شخصية
وُلِد جورج جاك دانتون
26 أكتوبر 1759
آرسي-سور-أوب، فرنسا
توفي 5 أبريل 1794
باريس، فرنسا
القومية فرنسي
الحزب الجبليون
اليعاقبة
الزوج أنطوانيت گابرييل شارپنتييه
لويز جيلي
المهنة محامي وسياسي
الدين مسيحي
التوقيع

خلال هذه الأسابيع المتشنجة امتنع غالب أعضاء الجمعية التشريعية (ممثلو الحقوق) عن الحضور إلى مقر الجمعية فبعد العاشر من أغسطس لم يعد يحضر إلا 582 عضوا من مجموع الأعضاء البالغ عددهم 547. وصوت هذا المجلس التشريعي المبتور (الناقص) على أن يجعل الأمور في يد مجلس تنفيذي به ممثلون للدوائر (المحافظات) المختلفة ليحل محل الملك ومستشاريه، واختارت الأغلبية جورج دانتون ليرأس هذا المجلس وزيراً للعدل، وأن يكون رولان وزيرا للداخلية وجوزيف سرڤان وزيرا للحرب. وكان اختيار دانتون في جانب منه محاولة لتهدئة أهل باريس إذ كان له شعبية بينهم بالإضافة إلى أنه كان في ذلك الوقت أقوى شخصيات الحركة الثورية وأكثرهم قدرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد دانتون في أرسي-سور-أوب في شامپين وحذا حذو أبيه في الاشتغال بالقانون، وازدهرت أحواله محامياً في باريس لكنه فضل أن يعيش في المبنى نفسه مع صديقه كاميل ديمولان في حي الطبقة العاملة المنتمية لتنظيم الكوردليير (نادي الرهبان الفرنسسكان أو نادى جمعية أصدقاء الإنسان والمواطن) وسرعان ما أصبح هو وصديقه أعضاء بارزين في هذا النادي الآنف ذكره (الكوردليير). وكانت شفتاه وأنفه مشوهة بسبب حادثة وقعت له في مرحلة الطفولة، وكان بجلده آثار الجدري لكن قليلين كانوا يدركون ذلك نظراً لطوله الفارع ورأسه الكبير ولشعورهم بقوة أفكارة الحاسمة الحادة المتبصرة خاصة عند سماعهم خطبه العاصفة وهو يهدر كالرعد في الاجتماعات الثورية لنادي اليعاقبة أو الحشود البرولتيارية، وغالبا ما كان يتعرض في خطبه تلك لما يمس المقدسات. [3]

ولم تكن شخصيته قاسية وحشية أو مستبدة كوجهه أو صوته. وكان قادراً على التجرد من مشاعره ليكون فظا غليظ القلب في أحكامه كما تدل على ذلك مذابح سبتمبر ومع هذا فقد كانت به بعض الرقة الكامنة ولم يكن حقودا كامن الحقد، فقد كان سريع العطاء سريع الصفح، وكان معاونوه يدهشون عندما يجدونه يتراجع عن أوامره الظالمة أو يحمي ضحايا تعليماته القاسية، وسرعان ما فقد حياته لأنه جسر على القول بأن الإرهاب قد أمعن وتطرف كثيرا وأنه قد حان وقت الرحمة. وكان على عكس روبيسبير الرزين، فقد كان يستطيب الفكاهات ويحب المباهج الدنيوية، كا كان مقامراً عاشقا للنسوة الحسان وقد كون ثروة وأقرض واشترى منزلا جميلا في أرسي كما اشترى جزءاً كبيرا من ممتلكات الكنيسة، وقد تعجب أناس كثيرون كيف حصل مبالغ تفوق حاجاته الضرورية وشكوا في أنه تقاضى مبالغ مالية كرشوة لحماية الملك. وكانت البراهين التي تؤكد ذلك هي السائدة ولم تكن في غير صالحه). ومع هذا فقد كان ثوريا من الطراز الأول وبدا كأنه لم يخن أبداً أيا من مصالح الثورة الحيوية، لقد أخذ أموال الملك ومع هذا فقد عمل لصالح البرولتياريا، ومع هذا فقد كان يعلم أن دكتاتورية البرولتياريا أمر ينطوي على التناقض ولا يمكن أن يكون إلا للحظة في التاريخ السياسي (غير مستمر).

 
المبنى التاريخي للمحكمة التجارية سان-أندريه في الحي السادس بپاريس، فرنسا. البيت رقم 1 عاش فيه جورج دانتون حين كان رئيس الحي.

وقد تلقى تعليما كثيرا جعلته يوتوبيا (يوطوبيا - أي من أنصار المدن أو الحكومات المثالية)، وكانت مكتبته (التي كان يأمل أن يعود إليها بسرعة بعد خلاصه من مهامه السياسية) تضم 175 مجلدا باللغة الفرنسية و 27 بالإنجليزية و 25 بالإيطالية إذ كان يستطيع قراءة الإنجليزية والإيطالية بلا عناء، وكان لديه من مؤلفات فولتير 19 مجلدا و 61 لروسو، كما كان لديه موسوعة ديدرو كاملة وكان ملحدا لكنه كان متعاطفا على نحو ما مع فكرة أن الدين إنما هو للفقراء. فلنقرأه وهو يقول في سنة 1790 ما قاله موسى بعد ذلك بجيل:

«من ناحيتي، أعترف أنني لا أعرف إلا إلهاً واحدا - إلهاً لكل الكون والعدالة... لكن الرجل في الحقول يضيف إلى هذا أوهاما... لأنه في شبابه ومرحلة رجولته ومرحلة كهولته مدين للكاهن (القسيس) بلحظات السعادة القليلة التي تمر به. لندعه لهذا الوهم.

علمه أيها القس إن شئت... لكن لا تجعل الفقير يخشى فقدان الشيء الوحيد الذي يربطه بالحياة.»

 
دانتون يخطب في المؤتمر الوطني
 
دير كوردليير - پاريس - المنظر الأمامي

وهو - دانتون - كزعيم ضحى بكل شىء حتى النهاية لحماية الثورة من الهجوم الأجنبي ومن الفوضى الداخلية. ولهذه الأغراض كان مستعداً للتعاون مع أي شخص - مع روبسپيير، ومارا والملك، والجيرونديين، لكن روبيسبير كان يحقد عليه، وكان مارا يتهمه، وكان الملك لا يثق به وكان الجيرونديون حذرين منه بسبب وجهه وصوته وكانوا يرتجفون من تعبيراته المنطوية على الازدراء. ومع هذا فلم يكن أي من هؤلاء بقادر على أن يتجاهل وجوده فقد نظم أمور الحرب وتفاوض من أجل السلم وكان يزأر كالأسد وهو يتحدث عن الرحمة وحارب من أجل الثورة وساعد بعض الملكيين على الهرب خارج فرنسا.

وكوزير للعدل عمل على توحيد كل الفصائل الثورية كلها لرد الغزاة، وتحمل مسئولية إثارة الجماهير في 1 أغسطس فالحرب في حاجة لدعم هذه الأرواح المثمرة فمنهم يمكن تجنيد جنود متوقدين حماسة، لكنه لم يشجع المحاولات غير الناضجة لدعم الثورات على الملوك الأجانب (الملوك خارج فرنسا) فهذا قد يؤدي إلى اتحاد الملكيات في عدائها ضد فرنسا. وقاوم اقتراح الجيرونديين بانسحاب الحكومة والجمعية إلى ما وراء اللوار The Loire فمثل هذا التراجع لا بد أن يحطم معنويات الشعب. لقد انقضى وقت المناقشات وحان وقت العمل لبناء قوات مسلحة جديدة وتحصين أفرادها بالروح العالية والثقة، وفي 2 سبتمبر سنة 1792 ألقى خطابا مشحونا بالعواطف والأنفعالات وردت فيه فقرة حركت المشاعر في فرنسا ودوت في هذا القرن العامر بالاضطرابات. ودخلت القوات البروسية النمساوية فرنسا وحققت نصرا تلو نصر، واضطربت باريس وترددت بين الاستجابة العازمة المصممة والخوف المربك. وتحدث دانتون للمجلس التنفيذي وذهب إلى الجمعية لبث الحماس في أعضائها وفي الأمة كلها كي يتشجعوا ويتحركوا:

"إنه لأمر مرض لوزير في دولة حرة أن يعلن لهم أن بلادهم قد نجت فالكل مستثار والكل متحمس، والكل تواق للنضال ... فجانب من شعبنا سيحرس حدودنا وجانب آخر سيقيم الحصون ويسلحها، وجانب سيدافع عن داخل مدننا بالرماح ... إنني أطالبكم بإعدام أي شخص يرفض تقديم ما يقدر عليه سواء خدماته الشخصية أم تزويد القوات المسلحة بما يحتاجه ...

إن ناقوس الإنذار الذي سنسمعه ليس إشارة إلى الخطر وإنما هو يأمر بالهجوم على أعداء فرنسا. لا بد أن نكون قادرين على التصدي للهجوم... لا بد أن نجسر على ذلك، لا بد دائما أن نجسر على ذلك - عندها يكون قد تم إنقاذ فرنسا".

لقد كان خطابا قويا وتاريخيا لكن في اليوم نفسه بدأت أكثر الأحداث مأسوية في فرنسا بشكل غير متوقع.


المذبحة: 2-6 سبتمبر 1792

يعود الهياج العاطفي الذي بلغ ذروته في 2 سبتمبر في بعض أصوله البعيدة التي أعطته حرارته إلى الصراع المتزايد بين الدين والدولة والجهود التي بذلت لإحلال عبادة الدولة بديلاً للدين أو بتعبير آخر إزاحة الدين لتكون عبادة الدولة عوضاً عنه.

وكانت الجمعية التشريعية قد قبلت الكاثوليكية ديناً رسمياً، وتعهدت بدفع رواتب للقسس كموظفي الدولة، لكن الراديكاليين الذين كانت لهم السيادة في كمون باريس لم يجدوا سببا لتمويل الحكومة أفكاراً يعتبرونها من خرافات الشرق (يقصدون المسيحية) طالما تحالفت مع الإقطاع والملكية. ووجدت وجهات نظر هؤلاء الراديكاليين قبولاً في النوادي كما وجدت قبولاً آخر الأمر في الجمعية التشريعية. وكان نتيجة ذلك سلسلة من الإجراءات جعلت العداوة بين الكنيسة والدولة تمثل تهديدا متكررا للثورة.

فبعد ساعات قليلة من عزل الملك عن عرشه أرسل كمون باريس إلى الأحياء المختلفة فيها قائمة بالقسس المشكوك في أهدافهم والمشكوك في أن لديهم مشاعر معادية للثورة، وكان عدد كبير منهم - كما يفهم - قد أرسلوا إلى السجون المختلفة لذا فقد كانوا ضحية أساسية في أثناء المذبحة.

 
لقاء تخيلي لكل من روبسپيير، دانتون ومارا (يشرح رواية ڤيكتور هوگو ثلاث وتسعون ) بريشة ألفرد لوديه

وفي 11 أغسطس أنهت الجمعية التشريعية أي إشراف للكنيسة على التعليم، وفي 21 أغسطس منع الكومون ارتداء الثياب الكنسية علناً، وفي 81 أغسطس جددت الجمعية التشريعية هذا الأمر بإصدار مرسوم لمنع ارتداء هذه الملابس الدينية على مستوى فرنسا كلها، وحلت التنظيمات الدينية الباقية كلها، وفي 82 أغسطس دعت لترحيل كل القسس الذين لم يقسموا يمين الولاء للدستور المدني للإكليروس على أن يمنحوا مهلة أسبوعين لمغادرة فرنسا، وبالفعل فقد هرب 000.52 قسيس إلى بلاد أخرى وراحوا يساندون هناك دعايات المهاجرين (الذين تركوا فرنسا بسبب وقائع الثورة)، ولأن الإكليروس كانوا حتى الآن يحتفظون بسجلات المواليد وحالات الزواج والوفيات في الدوائر المختلفة، فقد كان على الجمعية أن تنقل هذه المهمة إلى سلطات علمانية (غير إكليريكية). ولأن معظم السكان كان يؤمن بارتباط حالات الولادة والزواج والوفيات بطقوس دينية، فإن محاولة استبعاد هذه الطقوس القديمة قد وسعت الخرق (الثغرة) بين إيمان الناس من ناحية، وعلمانية الدولة من ناحية أخرى(82). وقد اتفق الكوميون واليعاقبة والجيرونديون والجبليون Montagnards) بالمعنى السياسي السابق الإشارة إليه) على أنهم يأملون أن يكون الإخلاص للجمهورية الشابة سيصبح هو دين الشعب، فستحل مبادىء : الحرية والمساواة والإخاء محل الآب والابن والروح القدس وأن تعزيز هذا الثالوث الجديد يمكن أن يكون هو الهدف المهيمن للنظام الاجتماعي والمعيار النهائي للأخلاق.

وأجل الافتتاح الرسمي للجمهورية الجديدة إلى 22 سبتمبر أول يوم من العام الجديد. وفي هذه الأثناء التمس بعض المستقبليين المتطلعين من الجمعية أن تمنح الجمعية لقب "مواطن فرنسي" لكل الفلاسفة غير الفرنسيين الذين أيدوا بشجاعة قضية الحرية فاستحقوا عن جدارة "رضا البشرية" وذلك كإيماءة إلى أحلامهم في تحقيق الديمقراطية العالمية. وفي 62 أغسطس استجابت الجمعية فأعطت المواطنة الفرنسية لكل من جوزيف پريستلي وجرمي بنتام، ووليام ولبرفورس وأناكارسيس كلوتس ويوهان پستالوزي وثاديوس كاوشيسكو وفريدريش شيلر وجورج واشنطن، وتوماس پين وجيمس ماديسون وألكسندر هاملتون. وقدم ألكسندر فون همبولت إلى فرنسا، وكان من بين ما قاله: "لقد أتيت إلى فرنسا لأتنسّم نسيم الحرية ولأعاون في طعن الحكم المطلق الاستبدادي" وبدا أن الدين الجديد ينشر فروعه بمجرد وضع جذوره.

وفي 2 سبتمبر ارتدت فرنسا أبهى حللها (وكأنها في يوم أحد (Sunday Clothes وعبرت عن ولائها (للدين الجديد) بطرق مختلفة، فقد تجمع الشباب ومن هم في منتصف العمر في نقاط التجنيد ليتطوعوا للخدمة في الجيش، وراحت النسوة يخطن لهم عباءات تدفئهم، ويعددن الضمادات لمن قد يصاب بجروح منهم في المعارك، وأقبل الرجال والنساء والأطفال إلى مراكز أحيائهم لتقديم الأسلحة والجواهر والنقود لإنفاقها لأغراض الحرب. وتبنت الأمهات الأطفال الذين يعولهم جنود أو ممرضات سيغادرون إلى جبهة القتال، وذهب بعض الرجال إلى السجون لقتل القسس وغيرهم من أعداء العقيدة الجديدة.

ومنذ إعلان الدوق برونسفيك (يوليو سنة 2971) كان القادة الثوريون يعملون كرجال يميلون إلى العمل عندما تكون حياتهم مهددة. ففي 11 أغسطس أرسل أعضاء اللجنة العامة في دار البلدية ملاحظة غريبة إلى أنطوني سانتير الذي كان وقتئذ هو القائد العسكري لقوات أحياء باريس : "لقد علمنا أن خطة توضع للمرور على سجون باريس لنقل السجناء كلهم لتنفيذ حكم العدالة فورا فيهم. إننا نرجوك أن يشمل إشرافك الحصون الصغيرة والبوابات وقوات الشرطة "- والمقصود مراكز الحجز الثلاثة الرئيسية في باريس(13). ولا ندري كيف فسر سانتير هذه الرسالة، ففي 41 أغسطس عينت الجمعية أعضاء "محكمة استثنائية " لمحاكمة أعداء الثورة كلهم لكن ما ورد في المرسوم كان أقل بكثير من أن يرضي مارا، ففي جريدته "صديق الشعب" في عددها الصادر في 91 أغسطس قال لقرائه: "إن أفضل طريق ننهجه وأحكمه هو أن نذهب مسلحين إلى الأباى (الكلمة تعني الدير، وقد استخدم كسجن فالمقصود إذن هو التوجه لهذا السجن) لنجرجر الخونة خاصة الضباط السويسريين [من أفراد الحرس الملكي] وشركاءهم ونعمل السيف في رقابهم فما أغبى أن نحاكمهم !" وانجرافا مع هذا الحماس جعل الكومون من مارا المحرر الرسمي لنشراته وجعل له مكانا في غرفة اجتماعاته وضمه إلى لجنة الرقابة التابعة له (للكومون).

وإذا أصاخت الجماهير السمع إلى مارا وأطاعته بكل طاقاتها فما ذلك إلا لأنها كانت بدورها مرتجفة مرعوبة ممتلئة كرها وخوفا. وفي 91 أغسطس عبر البروس الحدود بقيادة الملك فردريك وليام الثاني ودوق برونسفيك بصحبة قوات صغيرة من المهاجرين (الفرنسيين الذين تركوا فرنسا بسبب أحداث الثورة) الذين يطالبون بالانتقام من الثوار. وفي 32 أغسطس استولى الغزاة على حصن لونجواى، وكان هناك ادعاء أن ذلك ما كان ليحدث لولا ضلوع ضباط الحصن الأرستقراطيين في هذا الأمر. وفي 2 سبتمبر وصلوا إلى ڤردو ووصل إلى باريس خبر مبتسر (قبل الأوان) بسقوط هذا الحصن المنيع في الصباح لكنه في الحقيقة لم يسقط إلا بعد الظهر، والآن لقد أصبح الطريق إلى باريس مفتوحا للعدو فلم يكن هناك أي جيش فرنسي في هذا الطريق لإيقافه، وبدت العاصمة تحت رحمة الغزاة وتوقع الدوق برنسفيك أن يتناول عشاءه بعد قليل في باريس.

وفي هذه الأثناء اندلعت ثورة مضادة (ثورة على الثورة) في المناطق النائية في فرنسا مثل الفيندى ` والدوفينى، وكانت باريس نفسها تضم آلاف البشر المتعاطفين مع الملك المخلوع؛ ومنذ أول سبتمبر كانت توزع نشرة تحذر من مؤامرة لإطلاق سراح السجناء وقتلهم على يد الثوريين. ودعت الجمعية والكومون كل الرجال القادرين للالتحاق بالجيش لملاقاة قوات العدو المتقدمة، لكن كيف يستطيع هؤلاء الرجال أن يخرجوا للقتال تاركين نساءهم وأطفالهم تحت رحمة الملكيين والقسس ومعتادي الإجرام ممن هم في سجون باريس، فقد يتمكنون من الخروج بأعداد كبيرة؟ فصوتت بعض أحياء باريس على حل مؤداة ضرورة قتل كل القسس والأشخاص المشكوك في ولائهم للثورة قبل خروج المتطوعين لقتال العدو.

وفي الساعة الثانية بعد ظهر يوم الأحد الموافق 2 سبتمبر اقتربت ست عربات حاملة القسس الذين لم يؤدوا يمين الولاء للدستور الجديد من سجن أباى (الكلمة تعنى دير، ذلك أن هذا السجن كان في أصله ديرا)، فصاحت بهم الجموع مستهزئة وقفز رجل من الجموع إلى سلم العربة فضربه قس بعصا فسبت الجموع القس وتزاحمت وتضاعف عددها وراحت تهاجم السجناء عند توقف العربات عند البوابة بل وانضم حراس السجناء إلى المهاجمين، فتم قتل ثلاثين سجينا، واندفعت الحشود - منتشية بمنظر الدماء ونشوة القتل غير المنسوب إلى أحد بعينه - إلى مبنى دير الكرمل وقتلوا القسس المحتجزين هناك، وفي المساء، بعد قضاء فترة راحة، كانت الحشود قد تزايد عددها الآن فانضم إليها كثير من المجرمين وغلاظ الأكباد وجنود الأفواج الفدرالية القادمة من مارسيليا وأفينون وبريتاني وعادوا إلى أباى (الكلمة تعني ديرا لكن المقصود سجن يحمل هذا الاسم لأنه كان في الأصل ديرا) وأجبروا السجناء كلهم على الخروج والجلوس لسماع الحكم عليهم، وأسلموا الغالبية العظمى منهم، - أي سويسري أو قس أو ملكي أو أي شخص كان في خدمة الملك أو الملكة - إلى رجال متعطشين لقتلهم، فقتلوهم بالسيوف والسكاكين والرماح والهراوات.

وفي البداية كان القتلة مثاليين فكانوا يكتفون بالقتل ولا يسرقون المقتولين فقد كانوا يجردون الضحايا من مقتنياتهم القيمة لنقلها إلى السلطات الثورية في الكمون لكن في آخر الأمر راح هؤلاء القتلة الذين اعتراهم التعب يحتفظون من قتلاهم بتذكارات، وكان كل قاتل يتلقى ستة فرنكات في اليوم لقاء عمله بالإضافة إلى ثلاث وجبات وكل ما يريده من النبيذ، وأظهر بعضهم شيئا مـن الرحمة فهنأوا أولئك الذين تمت تبرئتهم واستضافوا المميزين منهم في بيوتهم، وكان بعضهم متوحشا قاسيا فأطالوا من معاناة المتهمين بتعريضهم للسخرية أمام المشاهدين، وقام واحد من المتحمسين بعد أن نزع السيف من صدر الجنرال لالو بدس يده في الجرح وانتزع القلب ووضعه في فمه كما لو كان يريد أن يأكله - وهي عادة كانت شائعة وفي وقت من الأوقات في أيام الهجمية-.

وكان كل قاتل، عندما يعتريه التعب يأخذ قسطا من الراحة ويتجرع خمرا ثم يواصل عمله حتى تم القضاء في أمر سجناء الأباى كلهم إما إلى الموت وإما إلى الأمان.

وفي 3 سبتمبر انتقل الجلادون (منفذو القتل) والقضاة إلى سجون أخرى - سجن ثكنات الشرطة وسجن البوابة. حيث استمرت المذبحة في ضحايا جدد وبجلادين جدد.

وهنا كانت توجد سيدة مشهورة، إنها الأميرة دى لامبال التي كانت ذات يوم ثرية ورائعة الجمال وكانت محبوبة لمارى أنطوانيت وأثيرة لديها، وكانت قد اشتركت في مؤامرة لإنقاذ الأسرة الملكية. إنها الآن في الثالثة والأربعين من عمرها عندما قطعت رأسها وبترت أطرافها ونزع قلبها من جسدها وأكله الجمهوريون المتحمسون، ورفعوا رأسها على رمح ولوحوا به عارضين إياه من نافذة زنزانة الملكة في سجن تمبل (المعبد The Temple). وفي 4 سبتمبر تحرك القتلة إلى سجون تور سانت بيرنار، وسانت فيرمي والحصن الصغير سجن مخزن ملح البارود وهناك كانت النسوة الشابات يخيرن بين إتيانهن أو قتلهن، فكن يؤتين. وكان من بين نزلاء سجن بيستر ملجأ للمجانين والمختلين علقيا تتراوح أعمارهم بين سبعة عشر عاما وتسعة عشر عاما، وعددهم ثلاثة وأربعون شابا أنزلهم - في غالبهم - آباؤهم في هذا المكان لتلقى العلاج، وقد قتلهم الثوار جميعاً.

واستمرت المذبحة يومين آخرين في باريس حتى وصل عدد الضحايا بين 1247. و1368، وانقسم الناس في الحكم على الأحداث : فالكاثوليك والملكيون اعتراهم رعب شديد لكن الثوريين حاجّوا بأنه كان لا بد من هذه الاستجابة العنيفة بسبب تهديدات برونسفيك ولضرورات الحرب، واستقبل بيتيو رئيس بلدية باريس الجديد الجلادين كوطنيين بذلوا جهدا كبيرا وأنعشهم بتقديم النبيذ لهم. وأرسلت الجمعية التشريعية بعض الأعضاء إلى سجن الإباى (سجن الدير) ليوصوا بالتزام القانون وعادوا ليقرروا أن المذبحة لا يمكن إيقافها، وأخيرا وافق زعماء الجمعية - من الجيرونديين والجبليين ـ أن هذا الاتجاه الأكثر أمنا واحتياطا (المذبحة) أصبح محل موافقة. وأرسل كميون باريس ممثلين عنه للمشاركة في منح الحصانة للقضاة، وكان بيلو - فارين - المحامي المندوب عن الكوميون ممن شهدوا ما حدث في سجن أباى وقد هنأ القتلة: "إنكم مواطنون زملاء، إنكم تدمرون أعداءكم، إنكم تؤدون واجبكم" وبارك مارا بفخر العملية برمتها. وعند محاكمة شارلوت كورداى بعد ذلك بعام، سئلت: "لماذا قتلت مارا؟" فأجابت "لأنه كان هو السبب في مذبحة سبتمبر" ولما طالبوها بالدليل أجابت: "ليس لدي دليل، انه رأي فرنسا كلها".

وعندما طلب من دانتون أن يوقف المذبحة هز كتفية: "سيكون هذا مستحيلاً ثم أردف معللا" ثم لماذا نوقفها؟ هل أزعج نفسي بسبب هؤلاء الملكيين والقسس الذين كانوا لا ينتظرون سوى اقتراب الأجانب الغزاة لذبحنا؟... لا بد أن نرعب أعداءنا." ومع هذا فقد سحب دانتون سراً أكثر من واحد من أصدقائه وأخرجهم من السجون، بل إنه أخرج حتى بعض أعدائه الشخصيين. وعندما اعترض عضو من زملاء دانتون في المجلس التنفيذي على عمليات القتل، قال له دانتون: "إجلس، فهذا أمر ضروري". وعندما سأله شاب: "كيف تستطيع أن تساعد ما يسمى إرهابا؟" أجابه: "إنك أصغر من أن تفهم هذه الأمور ... انه لا بد أن يفيض نهر الدم بين أهل باريس والمهاجرين (الذين تركوا فرنسا بسبب أحداث الثورة)".

فقد كان يعتبر أن أهل باريس قد أصبحوا الآن عاهدوا الثورة، وأن المتطوعين للحرب الذين كانوا يغادرون لملاقاة الغزاة يعرفون الآن أنهم لن يرحمهم العدو إن هم استسلموا، إنهم سيحاربون دفاعا عن حياتهم بكل ما في الكلمة من معنى.

وكان يوم 2 سبتمبر أيضا هو اليوم الذي صوتت الجمعية التشريعية للدعوة إلى انتخاب عام لمؤتمر وطني لتضع دستورا جديدا يتلاءم مع ظروف فرنسا الجديدة ومع متطلبات الحرب، ذلك لأن الجمعية أحست أن مسيرة الأحداث قد أحدثت دمارا في الدستور الحالي الذي جرى اختيار أعضائها لتنفيذه، ولأنه منذ دعي الفلاحون والبرولتياريا والبورجوازية - على سواء - للدفاع عن وطنهم فقد بدا من غير المقبول أن أيا مهما كان سواء أَكان دافع ضرائب أم لا يحق منعه من حق الانتخاب (إبعاده عن صناديق الاقتراع).

وهكذا حقق روبيسبير أول انتصار كبير له، فالمؤتمر الوطني الذي سيلعب فيه دورا كبيرا جرى انتخابه من الراشدين الرجال كلهم أي أنه كان انتخابا عاماً.

وفي 20 سبتمبر أنهت الجمعية التشريعية دورتها الأخيرة ولم يكن أعضاؤها يعلمون أنه في اليوم نفسه التقى الجيش الفرنسي بقيادة دومورييه وفرنسوا-كريستوف كلرمان بالجيوش المحترفة البروسية والنمساوية بقيادة دوق برونسفيك ، عند قرية يقال لها ڤالمي بين فردو وباريس، وأن الجيش الفرنسي أرغم أعداءه على الانسحاب - لقد كان نصرا مؤثرا حتى إن ملك پروسيا أمر قواته المهاجمة بعد المعركة بالتراجع وتخلى عن فردو ولونجواي وترك الحدود الفرنسية. أما فريدريك وليام الثاني فلم يكن يتحمل الإزعاج الذي تسببه له فرنسا البعيدة الآن فقد كان يتنافس مع جارتيه ؛ روسيا والنمسا للاستيلاء على أكبر جزء عند تقسيم بولندا، وأكثر من هذا فقد كان جنوده يعانون من الإسهال الذي أصابهم نتيجة تناولهم أعناب شامپين.

وكان حاضرا في هذه المعركة گوته Goethe ضمن العاملين مع دوق زاكسه-ڤايمار فقال (كما أخبرت) ملاحظة شهيرة: "منذ الآن ومن هذا المكان تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ العالم".

اعدامه - الثورة تأكل أبناءها

 
كاميل ديمولان (1760-1794)، "رجل 14 يوليو"، صديق دانتون وروبسپيير. في نهاية 1793، سوف ينهي، مع دانتون ومن دعمهم، عهد الإرهاب ويتفاوضون لإحلال السلام. وقد كتب في يومياته ( Vieux Cordelier , No. 4): "افتحوا السجون، 200,000 مواطن تسمونهم مشتبه فيهم، لأنه في وثيقة الحقوق، لا توجد بيوت مشتبه فيها ... هل تريدون إبادة كل أعداءكم بالمقصلة! لا يوجد جنون يفوق ذلك! صدقوني ... الحرية ستتجمع وتفتح أوروپا لو كان لديكم "لجنة الرأفة"! '

كانت قوة هوبير تعتمد على شريحة العوام من السانز-كولوت التي يمكن تنظيمها وحشدها عن طريق إدارات الأحياء في باريس وعن طريق الصحافة الراديكالية لاجتياح المؤتمر الوطني واستعادة حكم باريس على سائر الجمهورية الفرنسية أما قوة روبيسبير التي كانت تعتمد سابقا على جماهير باريس فقد اصبحت الآن تعتمد على لجنة الأمن العام التي سيطرت على المؤتمر الوطني من خلال تسهيلات كبرى في المعلومات والقرارات والإنجاز .

 
جاك-رينيه إيبير (1757-1794)، ناشر Père Duchesne، صحيفة سانز-كولوت، أراد أن يخلف مارا. أراد الهيبيريون أن يدعموا الاقتصاد بالراديكالية والارهاب. فأداروا حركة السانز-كولوت وتحكموا في نادي الكوردليير، وزارة الحربية، التي كان وزيرها الجنرال ڤنسان، والجيش الثوري الباريسي، برئاسة رونسان. كما ضم المؤيدون كل من : الكوميونة، ممثلة في عمدتها پاش، والمدعي شوميت وقائد الحرس الوطني هانريو.

وفي نوفمبر 1793 كانت لجنة الأمن العام في ذروة شهرتها ومجدها، وكان هذا يعود في جانب منه إلى نجاحها في حشد الجماهير وتجنيدهم، لكن السبب الأساسي لهذه الشهرة والمجد كان يرجع على نحو خاص للانتصارات العسكرية على مختلف الجبهات، فالجنرالات الجدد - جوردان وكلرمان وكليبر (أو كليبه) وهوش وبيشرجو - كانوا أبناء للثورة غير مقيدين بالنظم والتكتيكات القديمة، ولم تكن ولاءاتهم قد تناقصت بمرور الوقت، وكانوا يقودون مائة مقاتل كانوا - رغم كونهم ناقصي السلاح والتدريب - مفعمين حماسا وشجاعة فماذا يمكن أن يحدث لهم ولأسرهم إن اخترق العدو خطوط القتال الفرنسية؟ حقيقة لقد جرى صدهم عند كايزرسلاوترن لكنهم استعادوا تقدمهم واستولوا على لاندو وسبير . وقد أجبروا الإسبان على التراجع عبر جبال البرانس وأعادوا الاستيلاء على طولون بمساعدة الشاب نابليون .

 
تمثال دانتون في تارب

ومنذ 26 أغسطس استولت على طولون ذلك الميناء المهم ذو الموقع الاستراتيجي على ساحل البحر المتوسط قوات متعددة إنجليزية وإسبانية ونابلي (قادمة من نابلي في إيطاليا) يحميها أسطول إنجليزي إسباني مشترك ويؤازرها المحافظون المحليون (غير المؤازرين للثورة)، وظل جيش الثوار يحاصرها ثلاثة أشهر بلا جدوى، وكان هناك رأس هو كشريط محدد للطرفين (رأس أوجوليت Cap L`Aiguillette) والكلمة في القواميس الفرنسية تعنى الرأس أو الشريط أو القنة الداخلة في البحر) يقسم الميناء ويشرف (من عل) على الترسانة، والقوات التي تستولي على هذا الموقع تتحكم في الميناء لكن البريطانيين كانوا قد أغلقوا الطريق إلى هذا الرأس من ناحية البر بحصن جيد التسليح ومتين جدا حتى إنهم أطلقوا عليه جبل طارق الصغير . وكان من رأي بونابرت وكان عمره 42 سنة أنه إذا أمكن إجبار الأسطول المعادي على مغادرة الميناء، فإن الحامية التي تحتل المدينة ستفقد المؤن والمدد اللذين يأتيانها من البحر، مما يجبرها على التخلي عن المدينة . ووجد نابليون - بعد عملية استطلاع تنطوي على المخاطرة والتصميم - داخل دغل موقعا يمكنه منه - بشيء من الأمن - أن يطلق مدافعه على الحصن الذي يتحصن به الأعداء، وعندما دمرت قذائق المدافع جدرانه شنت القوات الفرنسية هجوما عاصفا على الحصن، فقتلت المدافعين عنه واستولت على ما به من بنادق وحولت القوات الفرنسية المهاجمة جهودها لضرب أسطول العدو، فأمر اللورد هود الحامية بمغادرة المدينة وأمر سفنه بمغادرة الميناء . وفي 91 ديسمبر سنة 3971 استرد الجيش الفرنسي مدينة طولون . وكتب أوغسطين روبيسبير المبعوث المفوض المحلي من لجنة الأمن العام إلى أخيه مادحاً جهود نابليون مبينا "الجدارة التي تفوق الحد" لقائد المدفعية الشاب . وبدأت ملحمة جديدة.

هذه الانتصارات الآنف ذكرها وانتصارات كليبر في الفندي أطلقت يد لجنة الأمن العام في التعامل مع المشاكل الداخلية . لقد كان هناك زعم بوجود "مؤامرة أجنبية" لاغتيال قادة الثورة وإن لم يوجد دليل على ذلك . وانتشر الفساد (خراب الذمم) في مجال إنتاج المؤن للجيش وتسليمها له "ففي جيش الجنوب فقد 000.03 زوج من السراويل (البناطيل) - فكانت أكثر الفضائح خزيا" وساعدت المضاربات على عمليات التلاعب في السوق مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشدة. ولم تعد الأسعار التي حددتها الحكومة (حددت لها سقفا) تسري إلا على المنتجات المهمة، ولكن المنتجين اشتكوا من أنهم لا يستطيعون الاحتفاظ بهذا السقف (الحد الأقصى للأسعار كما حددته الحكومة) إذا لم يتم ضبط أجور العمال أيضا .

وجرت مواجهة التضخم لفترة، ولكن الفلاحين والصناع والتجار خفضوا الإنتاج وزادت البطالة بينما الأسعار ترتفع وراحت المؤن تقل وراحت ربات البيوت يقفن في الصفوف للحصول على الخبز والحليب واللحم والزبد والزيت والصابون والشموع وخشب التدفئة . وراحت الصفوف تبدأ منذ منتصف الليل ليكون لمن فيها السبق في الحصول على المواد المطلوبة، فراح الرجال والنساء ينطرحون عند مداخل المحلات على الممرات انتظارا لفتح المحلات لأبوابها، وتحرك الصفوف للحصول على المؤن . وهنا وهناك راحت المومسات الجائعات يعرضن بضاعتهن على الواقفين في الطابور. وفي حالات كثيرة كانت جماعات قوية مسلحة تقتحم المخازن لتحمل معها ما تريد من بضائع وتدنت الخدمات البلدية وانتشرت الجرائم وكان عدد أفراد البوليس قليلا، وامتلأت الشوارع بالقمامة، وأفسدت جو المدن، واعترت ظروف مشابهة روان وليون ومارسيليا وبوردو.

ونقل عوام باريس (السانز-كولوت) ولاءهم من روبيسبير إلى هيبر وشومت لأنهم اعتبروا أن لجنة الأمن العام قد أساءت إدارة الاقتصاد وأن المستغلين والمتربحين قد حاصروا "سفينة" الدولة وراح عوام باريس يصغون بشغف ورغبة إلى اقتراحات بتأميم الثروات والممتلكات كلها أو - على الأقل - الأراضي . واقترح أحد زعماء الأحياء (أقسام باريس) معالجة المحنة الاقتصادية بقتل الأثرياء كلهم. وبحلول عام 4971 كانت هناك شكوى عامة بين العمال من أن البورجوازية قد سرقت الثورة (جعلتها لصالحها).

وفي نهاية 1793 ظهرت تحديات جديدة للجنة الأمن العام سببها زعيم ثوري قوي وصحفي لامع . فرغم الشراسة الظاهرة التي يبديها دانتون فقد كان به لمسة محببة لدرجة أنه جفل عند إعدام الملكة وبسبب العنف الشديد في فترة الإرهاب، فعند عودته من أرسيز Arcis حكم بأن طرد الغزاة من فرنسا وإعدام معظم أعداء الثورة النشيطين لم يعد يترك مسوغا معقولاً للحرب أو الإرهاب وعندما عرضت بريطانيا السلام أوصى بقبوله، أما روبيسبير فقد رفض وكثف من الإرهاب على أساس أن الحكومة ما تزال تواجه العقبات التي يضعها غير الموالين والمتآمرين والمفسدين . أما كامبل ديمولان الذي كان في وقت من الأوقات سكرتيرا لدانتون وصديقه المعجب به وقد كان مثله ينعم بزواج سعيد، فقد أسس جريدة هي "الكوردليري العجوز Le Vieux Cordelier" (الكلمة كوردليير تعنى الراهب الفرنسسكاني لكن هذا ليس هو المعنى المقصود فقد تم إنشاء ناد ثوري كما ذكرنا في سياقات سابقة في مقر دير للرهبان الفرنسسكان بعد طرد الرهبان منه، فعرف بنادي الكوردليير) جعلها المتحدث الناطق باسم المتسامحين أو دعاة السلام، ودعا من خلالها إلى إنهاء حكم الإرهاب:

"الحرية ليست إحدى عذراوات الأساطير اللائى يشاهدن في الأوبرا، وليست غطاء رأس (كاب) أحمر وليست قميصا قذرا أو أسمالا . إنما الحرية هي السعادة والعقل والمساواة والعدالة، وإعلان حقوق الإنسان الذي هو دستوركم الأعلى الذي لا يزال يدعو إلى التحرر .

أتريدونني أن أعترف بهذه الحرية (بمعناها الثاني الذي أقره) وأخر عند قدميها وأسفك دمي من أجلها؟ إذن أفتح السجون وأخرج منها من بلغ عددهم 000.002 ممن تسمونهم المشتبه فيهم ... لا تظنوا أن في هذا الإجراء نهاية للجمهورية . إن العكس هو الصحيح. إنه إجراء أكثر ثورية مما تظنون . أتريدون إبادة أعدائكم كلهم بقطع رقابهم بالمقصلة؟ أهناك جنون أكثر من هذا؟ أيمكنكم أن تنهوا حياة شخص من غير أن توجدوا لأنفسكم عدوين من بين أسرته وأصدقائه؟

إنني مختلف تماما مع أولئك القائلين بضرورة الإبقاء على الإرهاب كنظام لهذه الفترة، إنني على ثقة من أن الحرية ستتأكد وأن فرنسا ستفتح أوربا حالما تصبح لجنتكم لجنة للرحمة والاعتدال.

وانزعج روبيسبير - الذي كان حتى الآن صديقا لديمولان - من دعوته لفتح السجون، فهؤلاء الارستقراطيون والقسس والمضاربون والبورجوازيون المنتفخون، ألن يواصلوا - إذا ما أطلق سراحهم - بغير تردد مشروعاتهم لاستغلال الجمهورية وتدميرها؟ لقد كان روبيسبير مقتنعا أن خوفهم من القبض عليهم وإدانتهم إدانة سريعة، وشبح الموت المتراقص أمامهم، هي وحدها القوة التي تبعدهم (أعداء الجمهورية) عن حبك المؤامرات ضدها والعمل على إسقاطها .

لقد شك روبيسبير في أن تحول دانتون المفاجىء إلى سياسة الرحمة إنما هو خدعة لينقذ من نصل المقصلة بعض الذين قبض عليهم مؤخرا لقيامهم بأعمال محظورة ممن لهم علاقه به، ولحماية نفسه (دانتون) إذا افتضحت علاقته (أي دانتون) بهم. وكان بعضهم - فابر دجلانتين وفرنسوا شابو - قد حوكما في 71 يناير سنة 4971 واتضح أنهما مذنبان. وانتهى روبيسبير إلى أن دانتون وديمولان يميلان إلى التخلى عن مقعديهما وإنهاء أعمال لجنة الأمن العام. وخلص روبيسبير إلى أنه لن يكون آمناً أبدا طالما ظل صديقاه القديمان هذان على قيد الحياة .

وعمل (روبيسبير) على ألا يتحد أعداؤه وعمل على تحويل معارضتهما له إلى معارضة كل واحد منهم للآخر فقد شجع هجوم دانتون وديمولان على هيبر (إيبير) ورحب بمساعدتهما في شجب الحرب على الدين، وعول هيبير على شغب أهل المدن بسبب غلاء أسعار الطعام وندرته . ووجه النقد لكل من الحكومة وجناح المتساهلين المطالبين بالتسامح وإنهاء الإرهاب، وفي 4 مارس 4971 أدان روبيسبير وذكره بالاسم، وفي 11 مارس هدد أتباعه في نادى الكوردليير (لأن هذا النادي أصبح أعضاؤه يجتمعون في مقر دير سابق للرهبان الفرنسيسكان - الكوردليير) صراحة بعصيان مسلح . واتفقت غالبية لجنة الأمن العام مع روبيسبير على أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء، فتم القبض على هيبر وكلوت وعدد آخر غيرهما وحوكموا بتهمة ارتكاب أعمال محظورة عند توزيع المؤن على الناس، وكانت تهمة ماكرة لأنها جعلت العوام من السانس كولوت يتشككون في قادتهم الجدد، وقبل أن يستطيع هؤلاء المتهمون إثارة الناس، جرى اتهامهم واقتيادهم بسرعة إلى المقصلة (في 42 مارس)، وانهار هيبير وبكى، أما كلوت، فبقى باردا هادئا - بطريقة تيوتونية منتظرا دوره ليموت، وخاطب الجماهير قائلا: "يا أصدقائي لا تخلطوا بيني وبين هؤلاء الأنذال".

ولا بد أن دانتون قد تحقق أنه كان قد استخدم كأداة ضد هيبير وأنه أصبح الآن قليل القيمة بالنسبة للجنة لجنة الأمن العام، ومع هذا فقد استمر في محاولاته في تحويل اتجاه اللجنة إلى الرحمة والسلام . وهي سياسة تتطلب من الأعضاء نبذ الإرهاب الذي حافظوا من خلاله على مقاعدهم، ونبذ الحرب التي بررت دكتاتوريتهم.

 
الأمر بالقبض على دانتون وأصدقائه، من لجنة السلامة العامة ولجنة الأمن العام في 30 مارس 1794. الأرشيف الوطني، باريس. كارنو قال أثناء توقيعه على الأمر[4] : « فكروا جيداً، فرأس كرأس دانتون ستؤدي إلى رؤوس أخرى عديدة. » من لجنة السلامة العامة، الوحيد الذي رفض التوقيع على الأمر كان لنديه.

وحث دانتون على إنهاء عمليات القتل فقال: "دعونا نترك شيئا لذبح الآراء (بدلا من البشر)" وظل يخطط لمشروعات تعليمية وإصلاحات قضائية . وظل جريئاً متحديا إذ قال له أحدهم إن روبيسبير يخطط للقبض عليه، فأجابه "إذا ظننت أن مجرد فكرة كهذه في رأسه فسأجعل قلبه يذوب حسرات"(001) فحكم الإرهاب قد حول فرنسا في غالبها إلى دولة من دول الطبيعة فغدا معظم الناس يشعرون أنه يجب عليهم أن "يأكلوا قبل أن يؤكلوا". وحثه أصدقاؤه أن يأخذ المبادرة ويهاجم لجنة الأمن العام أمام المؤتمر الوطني، لكنه كان مرهقا جدا معتل الإرادة فلم يشأ أن يعقب اجتماعاته التاريخية بحماقة . لقد استنفدت مقاومة أمواج الثورة طوال أربع سنوات طاقته وقد ترك الآن الأمواج التحتية (غير الظاهرة) تحمله بعيدا دون مقاومة . لقد قال "لأن تقطع المقصلة رقبتي أفضل عندي من أن أقطع رقاب الآخرين" (لم يكن أمره كذلك دائما) "بالإضافة إلى أنني سئمت البشر".

وكان من الواضح أن بيلو - فارين - هو الذي أخذ المبادرة بالتوصية بالقضاء على حياة دانتون، واتفق معه كثيرون من أعضاء لجنة الأمن العام لأن معنى السماح باستمرار سياسة المتسامحين هو تسليم الثورة لأعدائها في الداخل والخارج .

وكان روبيسبير لفترة يعارض فكرة "اختصار" حياة دانتون، لكنه شارك أعضاء اللجنة الآخرين الاعتقاد بأنه - أي دانتون - سمح لجزء من أموال الدولة بالتسرب بين أصابعه، لكنه أدى خدمات للثورة، وكان روبيسبير يخشى أن يؤدي الحكم بالإعدام على واحد من أكبر زعماء الثورة إلى عصيان مسلح في أحياء باريس وفي الحرس الوطني.

وخلال فترة تردد روبسبير هذه كان دانتون يزوره لمرتين أو ثلاثة لا ليدافع عن ذمته المالية فحسب، وإنما ليحول هذا الوطني العنيد (روبيسبير) إلى سياسة السلام وإنهاء حكم الإرهاب، لكن روبيسبير ظل غير مقتنع بذلك بل وزادت شراسته، فساعد سان - جوست (الذي كان دانتون كثيرا ما يسخر منه) في إعداد التهمة ضد منافسه الكبير (دانتون). وفي 03 مارس جمع لجنة الأمن العام ولجنة الضمان العام لاتخاذ قرار مشترك (واحد) ليضمن إصدار المحكمة الثورية حكما بالإعدام على دانتون وديمولان واثني عشر شخصا أدينوا مؤخراً بالاختلاس . ونقل واحد من أصدقاء هذا الجبار الأخبار إليه وحثه على مغادرة باريس والاختباء في إحدى المحافظات، لكن "الجبار" (المقصود دانتون) رفض العرض. وفي صباح اليوم التالي قبض عليه البوليس الذي قبض أيضا على ديمولان الذي يعيش في طابق فوق الطابق الذي يسكن فيه دانتون في البناية نفسها .

وسجن دانتون ومن معه في الكونسير جيري (غرفة البواب في قصر التوليري) فأبدى ملاحظة:

  "ذات يوم مثل يومنا هذا نظمتُ المحكمة الثورية .... إنني أسأل الله والبشرية أن يسامحاني على هذا ... في الثورات يظل قابضا على السلطة من هو أكثر نذالة"(201).  

وفي أول أبريل اقترح لويس ليجندر على النواب أن يسمح لدانتون بالدفاع عن نفسه أمام المؤتمر الوطني فقد أرسل يطلب ذلك من سجنه وأنه - لويس ليجندر الذي كان معيناً حديثا مبعوثاً مفوّضاً للجنة الأمن العام - قد وافق، لكن روبيسبير أوقفه عن مواصلة حديثه بحملقة مشئومة منذرة بسوء وصاح قائلا: "دانتون غير مميز ... سوف نرى هذا اليوم ما إذا كان كان المؤتمر الوطني قادراً على تدمير وثن (إله زائف) ..."(301) عندئذ قرأ سان-جوست قائمة الاتهامات التي كان قد أعدها سلفا فأمر النواب - وكان كل واحد منهم متنبهاً لسلامته الشخصية - بتحويل دانتون وديمولان للمحاكمة فورا .

وفي 2 أبريل قيد دانتون وديمولان ليمثلا أمام المحكمة . وربما لخلط الأمور، كانا ضمن دفعة من المتهمين بمن فيهم فابر ديجلانتين ومتآمرون أو مختلسون آخرين، وهيرول دى سيشل (وقد أدى هذا إلى دهشة عامة ودهشة دانتون) وكان هيرول هذا عضوا مهذبا دمثا في لجنة الأمن العام لكنه متهم الآن بالتعاون مع أتباع هيبير وبالتورط في مؤامرة خارجية ودافع دانتون عن نفسه بقوة وأمعن في السب وتوجيه التهم مما أثر في اللجنة والحاضرين لمشاهدة المحاكمة وسماعها. لدرجة أن فوكييه تينفيل أرسل يطلب من لجنة الأمن العام قرارا بإسكات الدفاع واضطرت اللجنة لأن ترسل للمؤتمر الوطني تتهم أتباع دانتون ديمولان - وفقا على ما وصلها من معلومات - بأنهم يتآمرون لإطلاق سراحهما بالقوة، وعلى هذا الأساس أعلن المؤتمر الوطني أن كلا الرجلين لم يعودا تحت حماية القانون وهذا يعني أنه يمكن إعدامهما دون إجراءات قانونية . وعندما تلقى أعضاء المحكمة هذا القرار أعلنوا أنه قد اصبح لديهم أدلة كافية وأنهم مستعدون لإصدار الحكم . وأعيد المسجونان إلى سجنهما وتم صرف من حضروا لمتابعة المحاكمة . وفي 5 أبريل صدر حكم بإجماع أعضاء المحكمة بإعدام المتهمين كلهم، وعندما سمع دانتون بالحكم تنبأ قائلا: "قبل أن تنقضي هذه الشهور سيمزق الشعب أعدائي إربا ". وقال: "حقير أنت يا روبيسبير ! إن المقصلة تناديك أنت أيضا. إنك ستتبعني". وكتب ديمولان من سجنه إلى زوجته:

  "حبيبتي لوسيل! . لقد ولدت لأقرض القصائد وأدافع عن سيئي الحظ... يا عزيزتي اهتمي بصغيرك . عيشي لحبيبي هوراس ، وحدثيه عني... يداي المقيدتان تعانقانك".  

وبعد ظهر الخامس من أبريل حمل المتهمان في عربة إلى ميدان الثورة، وفي أثناء الطريق تنبأ دانتون مرة أخرى قائلا: "إنني أترك الأمور مشو شة متخبطة . ليس من رجل فيهم لديه فكرة عن الحكم، إن روبيسبير سيتبعني إلى المقصلة. لقد جروه إلى المقصلة وجعلوني أسبقه". وعلى سقالة المقصلة كان ديمولان هو الثالث في طابور من ينفذ فيهم حكم الإعدام وكانت أعصابه تكاد تتحطم، وكان دانتون في آخر الطابور وفكر دانتون أيضا في زوجته الشابة وراح يتمتم ببعض الكلمات ذكرها فيها ثم أمسك وقال لنفسه: "أقبل دانتون، لا تضعف" وبينما كان يقترب من نصل المقصلة، قال لجلاده (منفذ الحكم) "اعرض رأسي على الشعب. إنه جدير به". لقد كان وقت إعدامه في الرابعة والثلاثين من عمره و كذلك ديمولان، لكنهما عاشا أعماراً كثيرة منذ ذلك اليوم في شهر يوليو الذي دعا فيه كاميل أهل باريس للاستيلاء على الباستيل. وبعد موتهما بثمانية أيام تم إعدام لوسيل ديمولان مع أرملة هيبير وشومت.

لقد بدت الساحة ممهدة فكل الجماعات التي كانت قد تحدت لجنة الأمن العام قد تم التخلص منها أو قمعها، فالجيرونديون إما ماتوا أو تفرقوا، والعامة من السانس كولوت إما قسموا أو أرغموا على الصمت، وتم إغلاق النوادي ما عدا نادي اليعاقبة وأخضعت الصحافة والمسارح لرقابة صارمة، وتخلى المؤتمر الوطني خوفا منه وجبنا عن القرارات الكبرى كلها للجنة الأمن العام . وأقر المؤتمر الوطني - بتوصية من لجانه الأخرى - قوانين ضد المضاربين والمحتكرين (خازني البضائع Hoarders) وقوانين لمجانية التعليم الابتدائي وإتاحته للجميع، وإنهاء القنانة (عبودية الأرض) في المستعمرات الفرنسية وتأسيس دولة الرفاهية مع الأمن الاجتماعي (الضمان الاجتماعي) وقوانين تنص على تقديم إعانة لغير العاملين (إعانة بطالة) ومساعدات طبية للفقراء ومساعدات لكبار السن . وقد أدت الحرب والفوضى الداخلية إلى حد كبير بالإسراع في هذه القرارات لكنها بقيت كأفكار تلهم الأجيال ا لمتتالية .

أما روبيسبير الذي كانت يداه مخضبتين بالدم لكنهما طليقتان - فإنه الآن يعمل على إرجاع "الله" إلى فرنسا، فمحاولة إحلال "المذهب العقلي" محل المسيحية أثارت الفرنسيين ضد الثورة، ففي باريس كان الكاثوليك ثائرون لإغلاق الكنائس وإزعاج القسس بالغارات المستمرة عليهم، وشيئا فشيئا بدأت تزداد أعداد أفراد طبقة العوام والطبقة الوسطى التي تذهب لحضور قداس الأحد . وقدم روبيسبير البراهين في إحدى خطبه البليغة (7 مايو 4971) على أن الوقت قد حان لعقد وفاق بين الثورة وجدها الأعلى روسو الذي نقلت رفاته إلى البانثيون - (مدفن العظماء) في 4 أبريل فـــلا بد للدولة أن تدعم الدين النقي البسيط - خاصة ذلك الذي اعتنقه Savoyard Vicar في كتاب إميل - القائم على الإيمان بالله واليوم الآخر، والدعوة إلى الفضائل المدنية والاجتماعية كأساس لقيام الجمهورية . ووافق المؤتمر الوطني على ذلك على أمل إرضاء الأتقياء والتخفيف من حدة الإرهاب، وفي 4 يونيو انتخب روبيسبير رئيساً له .

وترأس روبيسبير في 8 يونيو 4971 في سياق هذا التوجه الرسمي مهرجاناً للاحتفاء بـ"الموجود الأسمى Feast of the superme Being " حضره مائة ألف رجل وامرأة وطفل في ساحة دي مار وعلى رأس موكب كبير (يضم النواب المتشككين) امتد مسافة طويلة كان هذا المستقيم غير القابل للفساد أو الرشوة (المقصود روبيسبير) وقد حمل في يده الورود وسنابل القمح . وكانت هناك عربة محملة بحزم القمح يجرها ثور أبيض بلون الحليب، وخلفها سار الرعاة من رجال ونساء يمثلون الطبيعة (في فطرتها الأولى) باعتبارها - أي الطبيعة - هي تركيبة واحدة وهي صوت الله ، وفي حوض يزين ساحة دي مار، أقام ديفيد David الفنان الفرنسي الرائد في هذا العصر تمثالاً من خشب يمثل الإلحاد وقد قام على الرذيلة وتوج بالجنون، وإلى الأعلى في مواجهة هذا التمثال جعل الحكمة المنتصرة ترفع إصبعها في مواجهة الإلحاد والرذيلة والجنون . ووضع روبيسبير - الذي هو تجسيد للفضيلة - المشعل ناحية الإلحاد (ليحرقه) لكن ريحا تعسه حولت اللهب إلى "الحكمة". ووضع نقش يشير إلى المبادىء الجديدة ويتسم معناه بالسماحة: "إن الشعب الفرنسي يؤمن بالموجود الأسمى وخلود الروح" وجرى إقامة احتفالات مشابهة في مختلف أنحاء فرنسا .

وكان روبيسبير سعيداً لكن بيلو فارين قال له: "لقد بدأت تضجرني مع موجودك الأسمى".

وبعد ذلك بيومين حث روبيسبير المؤتمر الوطني على إصدار مرسوم يدعم - بشكل مثير للدهشة - حكم الإرهاب، لقد بدا روبيسبير وكأنه يجيب دانتون ويتحداه (رغم أن دانتون كان قد أعدم بالمقصلة) عندما أقام مهرجانا لتكريم "الموجود الأسمى" كما بدا وكأنه يوبخ هيبير ، فالقانون الصادر في 10 يونيو 4971 (22 بريريال بالتقويم الجمهوري) نص بهدف شجب الملكية والدفاع عن الجمهورية والرقي بها - على إعدام كل من يسيء للأخلاق أو يروج أخبارا كاذبة أو يسرق المال العام أو يتربح ويستغل أو يختلس أو يعوق نقل الطعام أو يعوق باي شكل مسار الحرب، وأكثر من هذا فإن هذا القانون خول المحاكم أن تقرر ما إذا كان المتهم في حاجة إلى محام أو مستشار أو شهود، إذا ظهر برهان إدانته. وقال واحد من المحلفين: "بالنسبة لي شخصيا، فإنني مقتنع بذلك دائما ففي ظل الثورة، يعد كل من يمثل أمام هذه المحكمة مدانا".

وكان ثمة تبريرات لهذا الإرهاب المكثف . ففي 22 مايو جرت محاولة للاعتداء على حياة كولو دربوا، وفي 32 مايو جرى وقف شاب حاول - بشكل واضح - اغتيال روبيسبير . وأدى الاعتقاد في وجود مؤامرة أجنبية إلى أن أصدر المؤتمر الوطني مرسوما بالتعامل بغير رحمة مع أسرى الحرب البريطانيين والهانوفريين . وكان في سجون باريس نحو ثمانية آلاف من المشكوك في ولائهم، وكان لا بد من إرهابهم حتى لا يفكروا في إثارة الاضطرابات أو الهروب.

لهذا ظهر على نحو خاص ما يسمى "الإرهاب الأعظم Great Terror " واستمر من 01 يونيو إلى 72 يوليو سنة 4971، ففي أقل من سبعة أسابيع قطعت المقصلة رقاب 683.1 رجل وامرأة، هذا بالإضافة إلى 551 كان قد جرى إعدامهم خلال الواحد والستين أسبوعا، بين مارس 3971 و 01 يونيو 4971. ولاحظ فوكييه تينفيل - أن الرؤوس تتدلى من السقف كألواح الاردواز"(411). ولم يعد الناس يذهبون لمشاهدة تنفيذ أحكام الإعدام فقد أصبح المشهد معادا مكررا، وإنما راحوا يعكفون في منازلهم يتحسسون أي كلمة ينطقون بها. وتوقفت الحياة الاجتماعية تقريبا، وكادت المواخير وبيوت الدعارة والحانات تكون خاوية على عروشها. بل وتقلص عدد الحضور في المؤتمر الوطني نفسه، فمن بين 057 عضوا لم يعد يحضر - الآن - سوى 711، وحتى هؤلاء امتنع كثيرون منهم عن التصويت حتى لا يورطوا أنفسهم، وحتى أعضاء اللجنة عاشوا في رعب من أن يقعوا تحت نصل هؤلاء الثلاثة (المتحكمين الجدد) روبيسبير، وكوثون وسان-جوست.

وربما كانت الحرب هي التي أدت إلى أن يتبوأ الصدارة أفراد أقوياء عمدوا إلى تركيز السلطة في أيديهم بشكل مثير. وفي أبريل سنة 4971 كان الأمير ساكس كوبرج قد قاد جيشا آخر داخل فرنسا، وكانت أي هزيمة تلحق بالدفاعات الفرنسية كفيلة بإثارة الفوضى والخوف في باريس، وحاول البريطانيون من خلال فرض الحصار البحري منع الإمدادات الأمريكية عن فرنسا ولولا نجاح الدفاعات الفرنسية في إلحاق الهزيمة بالأسطول البريطاني في أول يونيو ما وصلت الحمولات الغالية الثمن إلى برست واستطاع الجيش الفرنسي أن يصد الغزاة بالقرب من شارلروي (52 يونيو) وبعد ذلك بيوم قاد سان جوست قوة فرنسية لإحراز نصر حاسم في فلورس. وانسحب كوبرج من فرنسا، وفي 72 يوليو عبر جوردا وبيشجرو الحدود لإقامة الحكم الفرنسي في أنتورب وليج وقد يكون الانتصار الذي تحقق بصد الغزوة الكبيرة، مما ساهم في تدمير روبيسبير، فأعداؤه الكثيرون كانوا يشعرون أن الدولة والجيش قد يعملان على تفجير صراع مكشوف في قلب الحكومة، صراع لا هوادة فيه.

فلجنة الأمن العام كانت على خلاف مع لجنة الضمان العام بسبب التنازع على السلطة السياسية. وفي هذه اللجنة الأخيرة كان بيو فارين وكولو دربوا وكارنو في حالة ثورة متزايده ضد روبيسبير وسان-جوست. فلما شعر روبيسبير بعداوتهم الشديدة له تحاشى حضور اجتماعات اللجنة في الفترة من أول يوليو إلى 32 من الشهر نفسه لعل هذا يؤدي إلى تخفيف حساسيتهم من زعامته، لكن غيابه هذا أعطاهم الفرصة ليخططوا لإسقاطه. وأكثر من هذا فإن استراتيجيته راحت تضطرب وتترنح: ففي 32 يوليو أحال المؤيدين له إلى أعداء بتسليمه لنواب السهل (المعتدلين) من رجال الأعمال بتوقيعه مرسوما بتحديد سقف الأجور (الحد الأقصى للأجور)، ومـن الناحية الفعلية، وبسبب انخفاض قيمة العملة، خفض المرسوم بعض الأجور إلـى النصف.

وكان هناك الإرهابيون الذين عادوا من الدوائر أو المحافظات - فوشي وفريرو وتاييه وكاريه - الذين وجدوا أن حياتهم متوقفة على إقصاء روبيسبير، فقد كان هو الذي استدعاهم إلى باريس طالباً منهم تقارير عن مهامهم لقد قال متسائلاً: "تعال يا فوشي وأخبرنا من الذي فوضك لتقول للناس إن الله غير موجود؟" وفي نادي اليعاقبة اقترح روبيسبير التحقيق مع فوشي فيما يتعلق بعملياته في طولون وليون أو سحب العضوية منه، ورفض فوشى أن يجيب عن مثل هذا الاستجواب، وانتقم لنفسه بإشاعة قائمةً بأسماء أشخاص زعم أن روبيسبير اعتزم إعدامهم بالمقصلة . أما بالنسبة لتاييه فلم يكن في حاجة إلى من يحرضه ضد روبيسبير فقد كان هذا الأخير قد أمر بالقبض على خليلته الجذابة في 22 مايو. وتقول الإشاعات أنها أرسلت إلى تاييه خنجرا، فأقسم أن يحررها (يخرجها من المعتقل) مهما كلفه ذلك.

وفي 62 يوليو ألقى روبيسبير آخر خطاب له أمام المؤتمر الوطني الذي كان نوابه معادين له لأن كثيرين منهم كانوا معارضين للتسرع في إعدام دانتون ولام كثيرون منهم روبيسبير لتقليله من شأن المؤتمر الوطني. وحاول روبيسبير أن يدفع هذه التهم عن نفسه:

«أيها المواطنون... أريد أن أفتح قلبي، وأنتم في حاجة إلى سماع الحقيقة... لقد أتيت إلى هنا لأصحح أخطاء فظيعة. لقد أتيت لأبطل الأيمان المغلظة التي أقسمها بعض الرجال بقصد العصيان والتي راحوا يملأون بها معبد الحرية هذا ... أي أساس لما هو موجود من نظام إرهابي بغيض؟ وأي أساس لهذا القذف والتشهير بالسمعة؟ ألكم أنتم نبدي أنفسنا مرعبين؟ إنهم الطغاة والأنذال هم الذين يخشون بأسنا لا الوطنيون وذوو النوايا الطيبة . ألم نضرب الإرهاب في المؤتمر الوطني؟ لكن من نكون نحن بغير المؤتمر الوطني؟ إننا نحن الذين دافعنا عن المؤتمر الوطني مخاطرين بحياتنا . نحن الذين وقفنا أنفسنا للحفاظ عليه، بينما يعمل فرقاء بغيضون على التآمر لتدميره كما ترون جميعا؟ ... إلى من توجه سهام التآمر في المقام الأول؟ إننا نحن المقصودون. إننا نحن الذين يطلقون علينا سوط فرنسا أو سبب نكبها .. منذ فترة أعلنوا الحرب على بعض أعضاء لجنة الضمان العام (تسميها بعض المراجع العربية أيضا لجنة السلامة العامة.

وأخيرا بدوا يعملون على تحطيم رجل واحد ... إنهم يسمونني طاغية، إنهم يودون على نحو خاص أن يثبتوا أن محكمة الثورة إنما هي محكمة دم أنشأتها أنا وحدي وأسيطر عليها وحدي سيطرة مطلقة لقتل ذوي النوايا الطيبة كلهم ...

إنني لا أجسر على تسمية هؤلاء المتهمين هنا والآن . إنني لا أستطيع وحدي أن أزيح بشكل كامل الحجاب الذي يغطى الألغاز العميقة لهذه الجرائم . لكنني أؤكد بشكل جازم أن من بين حابكي هذه المؤامرات ممثلين لجهاز فاسد مرتشٍ يدفعه الأجانب لتدمير الجمهورية ... إن الخونة موجودون هنا مختبئون تحت مظهرهم الكاذب الزائف. إنهم سيتهمون من يوجه لهم الاتهامات وسيضاعفون خداعهم .. ليضربوا وجه الحقيقة . إن هذا جزء من مؤامرة . وأريد أن أنهي حديثي هنا بأن الطغيان يحكم بيننا، لكن ليس لهذا يجب أن أصمت. كيف يمكن لأي شخص أن يلوم رجلاً الحق بجانبه، ويعرف كيف يموت في سبيل وطنه.»

وثمة بعض الاضطراب في هذا الخطاب التاريخي فقد كان روبيسبير حتى لحظة إلقاء خطابة يشق طريقة بحذر بين أشراك السياسة، والسلطة تفقد العقل أكثر مما تسبب الفساد، والاحتفاظ بالسلطة يتطلب العمل السريع (اتخاذ إجراءات سريعة أكثر مما يتطلب تأملا). إن لهجة الخطاب التي لا تكتفي بالدلالة على البراءة وسلامة الطوية فقط، وإنما تشير إلى أنه "رجل يقف الحق بجانبه".... مثل هذا الكلام لا يصلح إلا أن يكون على لسان سقراط بعد أن قطع نصف الطريق فعلا إلى الموت.

إنه لمن الصعب أن ندخل في باب الحكمة ما قام به من حث لأعدائه على معاداته، وإثارة غيظهم وحنقهم بتهديدهم بفضح أخطائهم وكشفها - وهذا يعني الحكم عليهم بالإعدام. لقد كان من غير الحكمة أن يؤكد أن المؤتمر الوطني متحرر من الخوف والإرهاب، عندما يكون معروفاً أن هذا غير صحيح . والأسوأ من كل هذا رفضه أن يسمي الأشخاص الذين سيتهمهم (يقدمهم للمحاكمة) مما ضاعف من أعداء الأعضاء الذين قد يعتبرون أنفسهم ضحايا في المستقبل لغضبه . لقد تلقى المؤتمر الوطني اتهامه ببرود وأحبط حركة نادت بطبع خطابه وكرر روبيسبير خطابه هذا المساء في نادي اليعاقبة فقوبل بتصفيق حاد، وفي النادي أضاف لخطابه الآنف ذكره هجوما واضحا على بيلو - فارين وكولو دربوا اللذين كانا حاضرين فخرجا من النادي إلى حجرات لجنة الأمن العام حيث وجدا سان - جوست يكتب ما ذكره لهما بجسارة وهو قرار توجيه الاتهام لهما.

وفي صباح اليوم التالي 72 يوليو (التاسع من شهر ثيرميدور حسب التقويم الجمهوري) هب سان - جوست ليقدم هذا الاتهام المكتوب إلى المؤتمر الوطني الذي أعمت العدوانية بصائر أعضائه وأرعبهم الخوف . وكان روبيسبير يجلس أمام منصة الخطابة مباشرة. وكان دبلي وضيفه المخلص قد حذره من توقع اضطرابات، لكن روبيسبير أعاد من جديد تأكيده لمن تنبأ بذلك (دبلي) بأن "المؤتمر الوطني سائر على خط الأمانة والإخلاص، والجماهير مخلصة كلها". ولسوء الحظ كان الضابط الرئيسي (رئيس الضباط) في هذا اليوم من أعدائه (أي أعداء روبيسبير) الذين أقسموا أن يتخلصوا منه - إنه كولو دربوا. وعندما بدأ سان جوست يقرأ قائمة الاتهامات، توقع تاييه أن يكون من بينهم، فاندفع إلى المنصة وأزاح الخطيب الشاب جانبا، وصاح قائلا: "إنني أطالب بإزاحة الستارة" يقصد كشف حقيقة الأمور. وحاول جوزيف ليباس الموالي لسان-جوست أن يأتي لنجدته لكن كلماته ضاعت إذ أسكتته مئات الأصوات، وطلب روبيسبير الفرصة ليسمعوه، فرفع تاييه السلاح الذي أرسل إليه عاليا وأعلن: لقد سلحت نفسي بخنجر سيتغلغل في جسده إذا لم يكن لدى المؤتمر الوطني الشجاعة الكافية لإصدار قرار باتهامه".

وسلم كولو المقعد لثريو الذي كان من أنصار دانتون، واقترب روبيسبير من المنصة صائحا، لكن جرس ثريو بعثر معظم كلمات روبيسبير، واعتلى أحدهم موجة الفتنة وقال: "لآخر مرة يا زعيم الحشاشين سيكون كلامي بالإذن منك" وارتفعت أصوات أعضاء المجلس الوطني معبرة عن عدم رضائها عن هذه الطريقة في الخطاب، ونطق أحد الأعضاء بكلمات كأنها قدر نزل: "إنني أطالب بالقبض على روبيسبير" فقام أوغسطين روبيسبير يتحدث كرجل روماني "إذا كان أخي مذنبا فإنني مذنب معه، إنني أشترك معه في فضائله، فليكن اسمي مدرجا في قراركم بالقبض عليه" وطلب ليباس الطلب نفسه، وبالفعل فقد ناله. وجرى التصويت على القرار فقبض البوليس على الروبيسبيرين (روبيسبير وأخيه) وسان-جوست، وليباس وكوثون وأسرع بهم إلى سجن لكسمبورگ.

وأمر محافظ باريس (رئيس بلديتها) فلوريو - ليكو بنقل السجناء إلى دار البلدية فتلقاهم كضيوف مكرمين وبسط عليهم حمايته، وأمر رؤوس الكومون (أولو الأمر فيه) هانريو رئيس الحرس الوطني في العاصمة - أن يأخذ جنودا وأسلحة من التوليري وأن يحاصر أعضاء المؤتمر الوطني حتى يسحبوا قرارهم بالقبض على روبيسبير والآخرين الذين قبض عليهم معه لكن هانريو كان ثملا لإفراطه في الشراب فلم ينفذ هذه المهمة. وعين نواب المؤتمر الوطني بول بارا ليكون على رأس قوة من قوات الدرك (الجندرمة) والتوجه إلى دار البلدية ليعيد القبض على السجناء، ودعا رئيس المجلس البلدي هانريو مرة ثانية فوجده قد جمع بشكل ارتجالي مجموعة من عوام السانس كولوت، بدلا من رجال الحرس الوطني (الأهلي) الذين لم يستطع جمعهم، وكان أفراد الطبقة الدنيا قد أصبحوا الآن لا يحبون كثيرا الرجل (روبيسبير) الذي خفض أجورهم وقتل هيبير وشومت ودانتون وديمولان، وثمة سبب آخر وهو أن الأمطار كانت قد بدأت تسقط فانصرفوا إلى منازلهم وأعمالهم، واستطاع بارا - وجنود الدرك الذين معه - أن يحاصر دار البلدية بسهولة .

وحاول روبيسبير الانتحار عندما رآهم، لكن الطلقة التي أطلقها بيده غير الثابتة اخترقت وجنته ولم تحطم غير فكه(. أما ليباس فقد كانت يده أكثر ثباتا فقد أطلق النار على رأسه فشقها وخرج مخه، أما أوغسطين روبيسبير فقفز من النافذة في محاولة لم تنجح للهروب فكسرت ساقه أما كوثون المشلول (الذي لا يحس بساقيه) فقد دفع تحت السلالم وظل هناك لا أحد يقدم له مساعدة حتى حمله الجنود إلى السجن فأودعوه إياه مع روبيسبير وأخيه وسان-جوست.

وبعد ظهيرة اليوم التالي (28 يوليو 1794) نقلت أربع عربات هؤلاء السجناء الأربعة بصحبة فلوريو وهانريو Hanriot (وكان لا يزال ثملا) وستة عشر آخرين إلى المقصلة التي نصبت فيما يعرف الآن - ويا للعجب - بميدان الوئام Place de La Concorde، وفي الطريق سمعوا من المتفرجين صيحات مختلفة، من بينها "فليسقط بالعقوبة العظمى!" ووجدوا جمهوراً أنيقاً ينتظرهم: فالنوافذ المطلة على الميدان تم تأجيرها بأسعار عالية؛ وجاءت السيدات في زينتهن كما لو كان يوم عيد. وحين رُفِعت رأس روبسپير للجمهور، ارتفعت هتاف الرضا. فموت إضافي قد يعني القليل، ولكن هذا الموت، كما شعرت پاريس، عني أن عهد الإرهاب قد بلغ نهايته.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طالع أيضاً

المصادر

  1. ^ The Monthly Review. Printed for R. Griffiths. 1814. Retrieved 2009-02-25.
  2. ^ "Georges Danton (French revolutionary leader)—Britannica Online Encyclopedia". Britannica.com. Retrieved 2009-02-20.
  3. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  4. ^ Hippolyte Carnot, Mémoires sur Carnot par son fils, édition de 1893, T.1, p.375

وصلات خارجية

مناصب سياسية
سبقه
إتيان دجولي
وزير العدل
1792
تبعه
دومنيك جوزيف گارا

قالب:Ministers of the French National Convention