خالد الجادر

خالد الجادر (و. 1924 - ت. 2 ديسمبر 1988)، هو فنان تشكيلي عراقي رائد، خط مساراً مهماً في الحركة الفنية العراقية المعاصرة.

خالد الجادر.

وما بين بداياته في الرسم العام 1937 ورحيله العام 1988 مسافة مقدارها 51 عاماً من الإبداع التشكيلي قضاها بالتنقل ما بين الدراسة في أوروبا والعمل في المشرق العربي ومغربه. وهي ليست قليلة في حياة صاحب الذكرى ، الذي أسس وتصدى لرسم القرية والمنظر الطبيعي الذي كان المصدر الأساس لعمل الفنان.. حتى أنه"شكل لوحده ، اتجاهاً فنياً متكامل الخصائص الأسلوبية المتفردة"وجاء تألقه فيما أنتج من لوحات نتيجة مثابرة وصبر في تعلم الفن الذي وهب حياته له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

 
من أعمال خالد الجادر.

ولد الفنان خالد الجادر في بغداد عام 1924، وفي عام 1938-1939 أنهى المرحلة المتوسطة في المدرسة الشرقية، وفي تلك المرحلة وتحديداً في عام 1937 أصدر الأديب اللغوي أحمد حسين المهداوي في المدرسة الشرقية مجلة خطية كان اسمها مجلة (النبع) وكان رسامها خالد الجادر، وكانت بداية رسومه بالحبر الصيني والقصبة. وخلال نفس المرحلة انخرط الجادر ضمن أعضاء جمعية الضاد القومية في المدرسة الشرقية المتوسطة. وفي 30 مارس 1939 شارك الجادر في مظاهرات الفتوة والجوالة من أجل سوريا وفلسطين. وفي عام 1940-1941 تخرج في الإعدادية المركزية ببغداد، والتحق بعد ذلك بمعهد الفنون الجميلة، وكذلك بكلية الحقوق تحقيقاً لرغبة والدته، وخلال فترة دراسته للفنون تأثر بأستاذه فائق حسن. وبعد أن أكمل دراسته في المعهد عام 1946 واصل دراسته وتخرج في كلية الحقوق ببغداد عام 1974.[1]

 
من أعمال خالد الجادر.

وكان طيلة تلك الفترة يلجأ إلى الحيلة كي يكمل طريق الرسم، فكان في الصباح يخرج حاملاً بيده حقيبة كالتي يحملها المحامون ليخدع بها والدته لتظن أنه ذاهب لإحدى المحاكم، في حين كان يذهب إلى الثانوية الأعظمية التي عين فيها عام 1947 لتدريس مادة الرسم. بعد تخرّجه في كلّية الحقوق، ومعهد الفنون الجميلة، تقرر في عام 1948 إيفاده لدراسة الفن في باريس، حيث دخل المدرسة العليا للفنون الجميلة (البوزار)، وأثناء دراسته تأثر ببعض أساتذته وببعض فناني المدرسة الانطباعية الحديثة..وكان هذا التأثر مختلطاً بإعجابه وإكباره لما أنتجه الرسامون العظام. وأثناء دراسته بالبوزار فاز الجادر بالعديد من الجوائز مثل: جائزة مسابقة العضوية عام 1951، وفوزه بمسابقة لوفران بدرجة امتياز عام 1952، والجائزة الأولى في مسابقة لوفران عام 1953، وكذلك فوزه بالامتياز الأول في مرسم البوزار عام 1953، وحصوله على الجائزة الأولى في قسم الرسم من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة عام 1953)، كما أنتخب عضواً في صالون باريس.

وفي عام 1954 تخرج في البوزار وحصل على درجة الدكتوراه وكان موضوعها"المخطوطات العراقية المصورة من فترة القرون الوسطى والمحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس"، وملخص محتويات الرسالة يتضمن في التقدمة: عرضا تاريخيا للعصر العباسي: 750-1258، ثم الخطوط العريضة الخاصة بالواقع الاقتصادي والازدهار المتميز للواقع الثقافي ومنها دوافع الاهتمام بتصوير المخطوطات. وفي القسم الثاني من التقدمة بحث في مشكلة تحريم الأشكال المصورة في التشريع الإسلامي ومشكلة تحرج رسم الأشخاص كانت ذات تأثير كبير على تطور فن رسم الأشكال والأشخاص وأدى إلى أن ينمو باتجاه الفن الزخرفي واستمر أثر ذلك حتى التاريخ المعاصر. يقول الجادر في رسالته: .. لم يكن هنالك تحريماً للتصوير في التشريع الإسلامي. وأضيف هنا برهاناً جديداً إلى جانب البراهين العديدة التي جاء علماء ومتخصصين من الذين انكبوا على دراسة مشكلة تحرج التصوير في الإسلام. وبرهاني هذا يتوضح في اكتشاف محراب في بغداد من العصر العباسي وهو مشغول من الحجر وعلى جوانبه منحوتات بارزة تمثل محرابين يحمل كل منهم سيفاً.العودة إلى الوطن بعد عودته في العام 1954 إلى العراق ، تم تعيينه مدرساً في كلية الملكة عالية ، كما قام بتدريس الرسم وتاريخ الفن في جامعة بغداد.

 
من أعمال خالد الجادر.

وفي عام 1955 أقام خالد الجادر أول معرض شخصي له ضم 126 عملاً فنياً وعرض هذه المجموعة على قاعة معهد الفنون الجميلة ببغداد. وشملت هذه المجموعة على 46 تخطيطاً فضلاً عن 80 لوحة مرسومة بالزيت وقد تناول الجادر على مسطحات لوحاته تلك، مشاهد من فرنسا وجبال سويسرا وسواحل البحار ومواقع تاريخية وموضوعات تظهر عالم الريف والطبيعة والعمال وكذلك مواضيع اجتماعية.. يشير هذا المعرض بأن د. خالد الجادر "قد توصل إلى صياغة لغته الفنية الخاصة واكتسب مفرداته التعبيرية خلال دراسته في باريس وإصراره على إيجاد أسلوبه الخاص". ثمّ عيّن في عام 1959 عميداً لمعهد الفنون الجميلة، وأفاد خلال تلك المرحلة العديد من تلامذته عندما أشرف على مرسمي كلية الملكة عالية ودار المعلمين العالية بالإضافة إلى ذلك رعى معارض سنوية لطلبة تلك المؤسستين، وبهذا الصدد قالت عنه زاهدة إبراهيم:".. إن خالد الجادر الذي حمل بحق ووعي قداسة وطنه وآلام شعبه العراقي، كان واعياً بما يتركه المبدع من تأثير في صياغة عقول الآخرين".

في عام 1961 أصبح الجادر أول عميد لأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، وما بين عامي 1965 ـ 1966 عاش في برلين، رسم خلالها موضوعات متنوعة من الطبيعة وسواحل البحر والبشر. وخلال إقامته أنجز العديد من البحوث والمقالات. ما بين 1966 و1969 تعاقد بشكل شخصي مع جامعة الرياض لتدريس التاريخ. وكان الجادر في هذه المرحلة مهتما بالتراث الشعبي القديم والطراز المعماري التي تحمله البيوت القديمة والقلاع التي تشمخ في الفضاء. وبائعات التوابل والبدويات في بيوت الشعر. كانت هذه من موضوعات خالد الجادر في معرضه الذي أقيم في جامعة الرياض عام 1969.

 
من أعمال خالد الجادر.

وفي عام 1970 قفل الفنان عائداً إلى وطنه، وبعد عام أقام الجادر معرضه الشخصي الثالث، وهو المعرض الأول الذي يقيمه بعد غياب طويل في الغربة، وتضمن المعرض مشاهد كان قد رسمها خالد الجادر في باريس وبرلين والرياض على جانب مشاهد من جنوب العراق وشماله. بعد تلك المسيرة التي قطعها خالد الجادر ، طالباً وأستاذاً وعميداً ومؤسساً لأكاديمية الفنون ، تم انتخابه في عام 1971 نقيباً للفنانين العراقيين، وقد حظيت جهود الجادر باهتمام وتقدير مختلف الأوساط الفنية ، كما كانت جهوده بارزة في المعرض العربي الأول للفنون التشكيلية وكذلك في المؤتمر التشكيلي العربي الأول في بغداد الذي انعقد عام 1973 والذي انبثق عنه اتحاد الفنانين التشكيلين العرب، وكان الجادر أمين سر هذا الاتحاد الذي ضم اثنتي عشر دولة عربية وكان من ضمن فعالياته تنظيم أول بينالي عربي عام 1973 في عام 1972 أعلن العراق تأميم ثروته النفطية التي اغتصبت طوال أكثر من نصف قرن. وهنا كان خالد الجادر في طليعة الفنانين الذين وقفوا إلى جانب قضية شعبهم، فأبدع "لوحة التأميم"حيث ضمنها رموزاً استلهمها من حضارات وادي الرافدين السومرية والآشورية والعباسية وحضارة الحضر، وتمثل اللوحة، الفيلسوف السومري دودو واقفاً تحية لقرار التأميم. أما ظهور الأسد في العمل فهو رمزاً للقوة والتحدي، فيما أشار الجادر لازدهار الحضارة العباسية وحضارة الحضر برمز الملوية والصولجان والنسر. وبهذا الصدد يقول خالد الجادر:"الفن الخالد هو المستمد من شعور الشعب، من شعور الملايين. فليس من السهولة أن يضمحل وينهار، انه يحتاج إلى زمن بعيد، وحتى في هذه الحالة فهو يبقى كمرحلة مهمة في تاريخ الأمة".غربة أخرى في العام 1980 غادر الجادر بغداد إلى الرباط للعمل في مجال التدريس، حيث أوكل له مهمة تدريس مادة الحضارة العربية الإسلامية في المعهد العالي للصحافة في الرباط، ومن الرباط انطلق الجادر باتجاه مدن المغرب، فزار فاس ومكناس والدار البيضاء وتطوان وغيرها من المدن المغربية، وقد شهدت تلك المدن جانبا من نشاطاته في التعريف بالفن العراقي وفن الواسطي وأثره على الكثير من المدارس الفنية العراقية والعربية. واهتم الجادر أثناء وجوده بالمغرب بدراسة حياة الشعب المغربي على الطبيعة للإلمام بعاداته وتقاليده. وكان كثيراً ما يتجول في الأسواق والمناطق الشعبية ليرسم الناس والأحياء وخاصة في المناطق القديمة من المدن المغربية.

 
من أعمال خالد الجادر.

وكان أكثر ما ياستهويه رسم حركة الناس في الأسواق والقيصريات والأبنية والأزقة الضيقة القديمة التي تشير إلى ماض عريق ما يزال يحمل ملامح الحضارة الأندلسية. وقد تمكن الجادر في نهاية عام 1983 من رسم ما يقارب 500 لوحة تمثل مختلف جوانب الحياة المغربية. وتعتبر مجموعة أعماله الفنية التي أنجزها في المغرب وعرضها في الرباط ومراكش ، من أهم أعماله من حيث تميزها والتركيز فيها على القيمة التشكيلية من منطلق وظيفتها التعبيرية.


وفاته

توفي خالد الجادر في المستشفى العسكري في مدينة الرياض بعد إجراء عملية جراحية له في القلب في يوم الجمعة 2 ديسمبر 1988، ونقل جثمانه إلى العراق يوم الثلاثاء6 ديسمبر 2008، ودفن في مقبرة العائلة بمرقد الإمام الغزالي في بغداد، بعد أن قدم للحركة التشكيلية العراقية والعربية الكثير خلال حياته التي ستظل آثارها حية في النفس والذاكرة.

معرض الصور

المصادر

  1. ^ ghaziinaim@yahoo.com (2008-12-02). "20 عاماً على رحيله : الفنان العراقي خـالد الجادر .. الحاضر في المشهد التشكيلي". جريدة الدستور الأردنية. Retrieved 2009-06-09.

المراجع

  • خالد الجادر: راحل لم يرحل، إعداد: ولبد الجادر، وزارة الثقافة والإعلام، دائرة الشؤون الثقافية العامة، ط 1، بغداد، 1990.