جنيفة هي قرية تتبع مركز الجناين بمحافظة السويس. وتقع فيها محطة جنيفة البحرية Geneffe. وتوجد بالقرية محطتا تنقية مياه ومدرسة ووحدة إطفاء. كما تشتهر القرية بزراعة عدة محاصيل من بينها المانجو والسمسم والقمح والذرة.

محطة جنيفة البحرية.

نفق متهالك تنشع فيه مياه الصرف يؤدى إلى القرية الواقعة بين جبل جنيفة من الغرب وترعة السويس من الشمال ومنطقة كبريت من الشرق وأراضٍ تابعة للقوات المسلحة من الجنوب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثغرة الدفرسوار

لكل بلد أو مدينة أو قرية على قناة السويس قصص وبطولات وهنا سأحكى قصة محطة جنيفة البحرية المطلة على قناة السويس والقريبة من مدينة السويس. ((«جنيفة».. شارون يتجول على الأرض والطيارون يستشهدون فى السماء. الأهالى ساعدوا الجيش المصرى على استنزاف إسرائيل.. و«إبراهيم»: هرّبنا الجنود العالقين لخارج السويس))[1]

بين خطوط النار المشتعلة فى حرب أكتوبر 1973، تسربت المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لقناة السويس، أرض جديدة كسبتها إسرائيل قد تحسن من شروط التفاوض بالنسبة لها فى زخم الرصاص المصبوب والنابالم المحبوس ودانات المدافع ودك الدّشُم وهدير الطائرات. خليط من الكلمات العربية والعبرية وجّه بها المجندون سكان قرية «جنيفة» بالسويس، لاستخراج «وثائق إقامة إسرائيلية» بدلاً من هوياتهم المصرية «إسرائيل كانت بتحلم تضم السويس وطلّعت لأهالى قريتى جنيفة وثائق إقامة يمشوا بيها زى البطاقة.. لكن الموضوع ما طوّلش لأنهم خرجوا بعد مفاوضات الكيلو 101 ووقفت الحرب واعترفوا بانتصار مصر» يقول «محمود» أحد سكان القرية.

يعاين محمود المعلم، وهو أحد سكان قرية جنيفة بالسويس، هذه الورقة المتآكلة «الورقة دى طلع زيها كتير تقريباً لكل سكان السويس في القرى اللى دخلتها إسرائيل فى آخر أكتوبر 1973». أما الورقة التى فى يديه تحديداً فـ «تخص مرات أبويا، وبينى وبينك مالهاش لزوم تصورها لا الناس تفتكر إن الموضوع كان كبير. هما كانوا كام يوم قعدتهم إسرائيل وكان آرييل شارون قائد القوات التي دخلت السويس عمل لنفسه قاعدة مؤقتة فوق جبل جنيفة كانت بتسمح له يشوف السويس كلها من فوق».

فى النصف الثانى من عام 1967 بدأ الجيش المصرى يرتب خطوطه خلف حدوده الجديدة عند غرب القناة. «وكان فيه قاعدتين دفاع جوى فى قرية جنيفة عندنا» يقول المعلم، الذى كان قد بلغ الثامنة عندما وقعت حرب أكتوبر متابعاً «جبل جنيفة ده كانت فوقه قاعدة تانية عبارة عن صواريخ مضادة للطائرات». تآكلت الكتلة السكانية فى قرية جنيفة لدى احتلال سيناء فى يونيو 1967، وطوال فترة «معارك الاستنزاف» حيث انتقلت عشرات الأسر فى حينها للعيش فى محافظات الصعيد والإسكندرية، بحسب ما يذكره أهالى القرية، تقلّصت الرقعة الزراعية «وكانت القرية على خط النار. كل شوية غارات جوية. وقتها سافرت أنا وأمى وإخواتى الأقصر وما اتبقّاش فى البيت إلا أبويا ومرات أبويا» يعود المعلم برأسه للخلف شارحاً «يعنى كان نصف الأهالى تقريباً موجودين فى القرية يرعوا الأرض ويباشروا أعمال الزراعة». كانت أعواد السمسم قد نضجت مع اندلاع حرب أكتوبر فى 1973، شقت الطائرات المصرية سماء جنيفة إلى سيناء حيث الحصون الإسرائيلية، «الدنيا اتقلبت. صواريخ من القاعدة الجوية وطيارات رايحة جاية وأصوات مدافع. ما كانش حد من الأهالى قادر يخرج بره بيته أو يشوف زرعته» يروى المعلم.

«المعلم»: إسرائيل سرقت محصول السمسم.. و«إبراهيم»: حاولوا استجداء الأهالى بالطعام وقت الحصار «بعد ييجى أسبوع من الحرب كان شارون بيتجوّل فى قرية جنيفة.. كان بيدخل مع حرسه الجمعية الزراعية. ومحطة مياه الشرب وكل بيت. كان بيقف فوق جبل جنيفة يرصد السويس كلها من فوق الجبل. ده بعد ما قدرت قوات إسرائيلية إنها تعبر القناة من سيناء للسويس وتعمل اللى عملته».

أخبار غير سارة يحملها المعلم، الذى كان طفلاً حينئذ، فى طيات ذاكرته ومن الأخبار التى وردته من والده. انتشرت «أهرام السمسم المحصود» فى بيوت «جنيفة» منتصف أكتوبر، اعتدل الطقس شيئاً فشيئاً، وتقطّع العمل فى محطة تنقية المياه، إنجليزية الطراز، «كانت الأخبار فى الأول مفرحة ومبشرة. لكن الأهالى خافوا لما بدأت قوات الدفاع الجوى المصرية تخلى أماكنها وحل محلها العساكر الإسرائيليين». يردف المعلم «قوات الدفاع الجوى كانت أسلحتها للتعامل مع الطائرات. فجأة لقيوا دبابات جيالهم، فدارت اشتباكات وبعدها انسحبت القوات المصرية ودخل الإسرائيليون البلد». «الإسرائيليون يحبوّن السمسم» جملة خرجت مصحوبة بضحكة من المزارع السويسى حينما استرجع حادثة «مصادرة محصول السمسم فى القرية». لكن فى المقابل، «حاول الإسرائيليون فى القرية أن يكسبوا ود السكان بتوزيع أطعمة ومشروبات» كما يقول محمد إبراهيم، أحد سكان القرية ممن عايشوا تلك الفترة.

فور انتشار قوات الجيش الإسرائيلى فى محافظة السويس من جهة الشمال، شرع الإسرائيليون فى إصدار شهادات جديدة إسرائيلية. فعلى حد وصفه، بعض ساكنى قرية جنيفة فسروا الأمر بأنه «إعلان إسرائيلى بأن السويس أصبحت جزءاً تابعاً لأراضيها». وحصلت «الوطن» على إحدى هذه الشهادات المكتوبة باللغتين العربية والعبرية ومختومة بأختام جيش الدفاع الإسرائيلى. وصدرت الشهادة لسيدة كانت فى الأربعين من عمرها تدعى «روحية الناصح عثمان أحمد»، وتشمل بعض بياناتها الشخصية والجسمانية من اسم الزوج، والطول ولون العينين والعنوان وتحمل الشهادة رقم «2267».

ظلت «جنيفة» البلدة التى هاجر عنها أهلها فى قبضة قوات جيش الدفاع الإسرائيلى منذ معركة «ثغرة الدفرسوار» وحتى انتهاء كافة مباحثات الكيلو 101، وهى مباحثات دارت على مدار اجتماعين بين طرفى الحرب تحت إشراف الأمم المتحدة أثناء وقف إطلاق النار الذى بدأ فى الرابع والعشرين من أكتوبر بموجب قرار مجلس الأمن رقم 338.

«أتكلم عن البطولات.. بطولات أبناء جنيفة» تنتفخ أوداج محمود المعلم، ابن القرية، الذى يتابع «النقيب طيار سليمان أبوضيف ابن قرية جنيفة اللى خاض معركة 24 أكتوبر 1973، وطيارته اتصابت فى المعركة وكانت على وشك الانفجار لكنه أصر على استكمال المعركة لآخرها، وقال: (ودينى ما سايب الطيار الإسرائيلي)، وبمجرد ما فجر الطيارة الإسرائيلية كانت طيارته بتنفجر، لكنه لحق ينط من الطيارة بالبراشوت، بس الطيارات الإسرائيلية ضربته بالمدافع بترت ساقه وخرجت أحشاؤه واستشهد».

ومن بين البطولات التى يعدها سكان القرية ما يذكره محمد إبراهيم، الذى كان مجنداً فى تلك الآونة فى وحدة عسكرية بالإسكندرية وانقطعت عنه أخبار القرية حتى عودته «ولما رجعت لقيت أبويا الله يرحمه قاعد فى البيت بلبس عسكرى مصرى، مع إن أبويا ما كانش فى الجيش ولا حاجة. سألته: إيه يابا اللى انت لابسه ده؟ فقال لي: عسكرى مصرى كان واقع فى عرضنا هربته فى جلابيتى وأخدت هدومه».

خلال الأسابيع التى احتلت فيها القوات الإسرائيلية السويس تكرر مشهد تهريب أو إخفاء الجنود المصريين العالقين فى المنطقة والمتخلفين عن كتائبهم، على ما يذكره إبراهيم، «كان أهالى القرية رافضين التعامل أو التعاون مع الإسرائيليين، وكنت تلاقى عسكرى مصرى لابس لبس بدوى وقاعد فى أى مكان بيرعى غنم، وما تتخيلش إنه عسكرى، وبالليل تلاقى العساكر دول يعملوا عمليات فدائية ضد الإسرائيليين. علشان كده إسرائيل كانت محددة ساعات للخروج من البيوت وساعات ممنوع فيها الوجود فى الشوارع، بعد ما اتكررت ضدها العمليات الفدائية، وكان الأهالى بيرفضوا يسلموا إسرائيل أى معلومات عن العساكر والفدائيين اللى فى القرية». ومع الوصول إلى اتفاق بين الجانبين المصرى والإسرائيلى بشأن وقف إطلاق النار، وتقليل المجندين والمدرعات المصرية فى سيناء مقابل انسحاب إسرائيل من السويس كانت جنيفة على موعد مع الرجوع إلى السلطة المصرية. وقتها تم فكّ الحصار عن القرية التى عاشت لفترة على معونات «الصليب الأحمر» التى دخلت القرية فى هيئة «كراتين فيها جبنة وبلوبيف وفول وطبيخ وجراكن ميّه و5 أرغفة يومياً لكل واحد» كما يقول المعلم. «شايف المبانى المتهدمة دى؟ دى دُشم كانت تابعة لقوات الدفاع الجوى» حديث يبدأه محمد إبراهيم، المزارع السويسي المقيم بجنيفة، عن قاعدة مهجورة تابعة للقوات المسلحة لا تزال أطلالها قائمة على أرضه فى زمام القرية «القاعدة فضلت موجودة لحد ما خلصت الحرب، ورجع الجيش المصرى للمنطقة، لكن الجيش سابها بعد الحرب ولما أكلتها الشمس وقعت لوحدها واتهدمت زى ما أنت شايف.. وبقى الناس ياخدوا منها أسياخ حديد يبيعوها» يختم إبراهيم الرواية بقهقهة على النهاية السعيدة، بالنسبة له، التى انتهت بتلك الأراضى إلى عرضها للبيع وظفره بشرائها. عادت جنيفة بعد أسابيع، وعاد إليها أهلها، الذين تشتتوا فى «محافظات المهجر» طيلة سنوات الاحتلال الست. فيذكر محمود المعلم أن «الأهالى رجعوا لبيوتهم وأراضيهم فى 1974، ودفعت الحكومة المصرية فى ذلك الوقت تعويضات للمواطنين بتلك القرية عما لحق بممتلكاتهم من ضرر، وبعد سنتين كان كل السكان رجعوا القرية»، ويضيف محمد إبراهيم «وبعدها كمان بقى ناس جديدة ما كانوش من سكان جنيفة قبل الحرب بيروحوها».


...

كان القائد صلاح مصباح في منطقة جنيفة قال لجنود كتيبته أنهم محاصرين من جميع الجهات, وأن من يستطيع الخروج فليخرج بطريقته, ولبس جلابية وتنكر علي انه بدوي مع البدو وخرج كأنه راعي غنم مع بعض المعيز ... بعد الحرب تم ترقيته وعومل كأنه بطل وحتي بعد أن قضي الخدمة ظل يتنقل كمحافظ من محافظة إلي محافظة , رغم إنه ترك كتيبته تباد, وبعض المصريين يريدون تغطية تلك الفضائح وطمس الحقائق لأنها تمس الجيش الذي لابد أن يكون بلا فضائح في مخيالتهم ... رغم أن فضائح الجيش كثيرة لكن من يريدون تغيير الحقائق أكثر, ويبدو إنها عادة مصرية قديمة كتغيير إسم الفرعون علي المعابد وكشط الإسم القديم ونقش الإسم الجديد .. ...


المصادر

  1. ^ دانيال البرزي. "ديان وشارون يتجولان فى قرى السويس جنيفة على قناة السويس". فيسبوك.