جعفر كاشف الغطاء

الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1156 هـ - 1228 هـ) الملقب بالشيخ الأكبر, علم من أعلام الفقه في الطائفة الجعفرية


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبه ونشأته

محمد حسين بن علي بن محمد بن رضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء، أحد علماء الإسلام، ولد في النجف الأشرف سنة 1294هـ.[1]

يتحدر من أسرة عريقة في الجهاد والعلم، نشأ بين أحضانها، ولما بلغ العاشرة من عمره، شرع بدراسة علوم العربية والرياضيات وغيرها، وأتمّ دراسة السطوح والأصول وهو بعد شاب، حضر دروس البحث الخارج للشيخ محمد كاظم اليزدي، والشيخ آغا رضا الهمداني، ولازم حلقات هؤلاء العلماء سنين، حتى عدّ من المبرزين، فحظي باحترام أساتذته ونال إعجابهم لغزارة علمه وسعة تبحّره، وكان من خيرة تلامذة السيد محمد كاظم اليزدي، ومن خواصه ومناصريه في أيام حركة المشروطة في إيران ـ حركة الدستور ـ حتى جعله أحد وكلائه الأربعة.

درس الفلسفة وعلم الكلام على نوابغ العصر الثلاثة، الميرزا محمد باقر الاصطبهاني، والشيخ أحمد الشيرازي، والشيخ محمد النجف آبادي، فأظهر قدرة علمية عالية، وصار مرجعاً للتقليد بعد وفاة أخيه الشيخ أحمد، حيث قلّده جماعة من الناس في التبت، والهند، وأفغانستان، وإيران، ومسقط، والقطيف، والعراق.

كانت حلقاته في التدريس عامرة بالفضلاء والعلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد نهلوا من معينه في مختلف العلوم، وكتب كثير من طلابه تقريرات دروسه القيّمة في الفقه والأصول، حتى بلغت عشرات المجلدات.

قضى في ربوع سوريا ولبنان ومصر ثلاث سنوات، شارك خلالها في الحركة الوطنية، ونشر في أمهات الصحف والمجلات مقالات نفيسة وقصائد بديعة.

سافر الإمام عدة مرات يبغي تبليغ الرسالة وخدمة الدين والرد على المبشرين والملحدين، كانت أولى أسفاره من النجف إلى بغداد سنة 1328هـ، وفي السنة التاسعة والعشرين سافر إلى الحج غرة شوال، عرّج بعدها إلى دمشق وبيروت، وبقي فيها زهاء شهرين، ثم سافر إلى صيدا لطباعة بعض كتبه، لا سيما كتابه "الدين والإسلام" بعدما منع من طباعته في العراق، وتعرف هناك على الفيلسوف الريحاني وتناوبت بينهما المراجعات البديعة.


التصدي للمحاولات التبشيرية

تابع سيره بعد ذلك إلى القاهرة في مصر، وبقي فيها زهاء ثلاثة أشهر، وحضر على أكابر علمائها، كشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري، ومفتي الحقانية العلاّمة المحقق محمد بخيت المطيعي، وبحقه يقول سماحته: "لم أجد في مصر عالماً محققاً مثله يباحث أصول الفقه عصراً في جامع رأس سيدنا الحسين(ع)، والتفسير بين المغرب والعشاء في الأزهر، وله مؤلفات كثيرة طبع أكثرها.

بعد الفراغ من درس شيخ الأزهر، كان يلتقي جماعة من طلبة الأزهر يباحث في الفقه مرة وفي الفصاحة والبلاغة أخرى، وقد التفّ حوله الطلاب والناس عندما لمسوا منه علماً جديداً وأسلوباً طريفاً، ومنهم القاضي الشرعي في تلك الآونة الأستاذ أحمد محمود شاكر.

ساهم سماحته أثناء وجوده في مصر بالتصدي للمحاولات التبشيرية التي تتعرض للنبي(ص)، وتطعن به وبالقرآن، ففند كل ما رمي به الإسلام من افتراءات. وناقش النصارى في صلب معتقداتهم، وهذا ما أوقعه في بعض الحوادث التي كادت أن تودي بحياته أثناء حديثه في كنيسة في مصر.

عزم على مغادرة مصر آخر صفر سنة 1331هـ، فطلب إليه الشيخ محمد بخيت المفتي البقاء إلى نصف ربيع الأول لمشاهدة الحفلات التي تقام في عيد المولد النبوي، حيث حافظت على طابعها الأصيل، وكانت مقصداً للسواح من أوروبا وغيرها. وفي آخر ربيع الأول قفل عائداً إلى صيدا، وفي أواخر رجب رجع إلى العراق، وبدأت الحرب العامة وسافر خلالها إلى الكوت للجهاد مع السيد محمد ابن أستاذه اليزدي وجمع من العلماء، وبعد انتهاء الحرب، رجع إلى النجف الأشرف، لمزاولة أعماله في التأليف والتدريس.


اهتماماته بالقضية الفلسطينية

أولى الشيخ كاشف الغطاء قضية فلسطين اهتماماً كبيراً، وجعلها القضية الأولى في حياته، فقد ناضل وجاهد وأفتى وحث الجماهير والأمة الإسلامية والعربية على الجهاد، ولكن نداءاته ذهبت هباءً منثوراً، حيث كانت الأمة العربية والإسلامية وحكوماتها تغط في سبات عميق.

سافر عام 1350هـ/1931م إلى فلسطين ليشارك في المؤتمر الإسلامي الذي عقد فيها في ليلة المبعث، تلبية لدعوة تلقاها من المجلس الأعلى في فلسطين، وحضره أكابر علماء المذاهب الإسلامية من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وبعد أن أقيمت صلاة الجماعة في المسجد الأقصى، ارتأى القيّمون على المؤتمر أن يرتقي المنبر أحد أعضاء الوفد ويخطب في ذلك الجمع، فوقع الاختيار عليه، فقام بإلقاء محاضرة تاريخية على مسامع أكثر من مئة وخمسين ممثلاً من الأقطار الإسلامية، وحضور أكثر من عشرين ألف مشارك، تناول فيها قضايا تهم الإسلام والمسلمين، وعلى رأسها وحدة المسلمين واستقلالهم، ووجوب التصدي للمستعمرين والصهاينة المحتلين.

سُحر الحاضرون ببليغ كلامه، ورقة ألفاظه وعمق معانيه، ولذلك تم اختياره ليكون الإمام في جميع الفرائض اليومية طيلة فترة تواجدهم في القدس، واعتبر ذلك بمثابة حدث تاريخي لم يسبق له نظير، حيث لم يجر من قبل أن اتفق علماء الإسلام جميعاً، وعلى اختلاف عناصرهم ومذاهبهم على الاقتداء بإمام من الإمامية مع تباعدهم عنها منذ عهود الإسلام الأولى، وقد كان لهذه الإمامة في القدس دوّي في الشرق والغرب، وعقد عليها الناس آمالاً عريضة، ونشرتها الصحف والمجلات، وتناولتها أقلام الباحثين والمؤلفين من محبي الوئام واتفاق الكلمة، وذاع صيته في البلاد الإسلامية وغيرها، وأخذ البريد يحمل إليه كتباً من الأقطار البعيدة والقريبة، تشتمل على مسائل غامضة ومطالب عويصة في الفلسفة وأسرار التشريع، كل ذلك بالإضافة إلى الاستفتاءات الفقهية من الفروع والأصول وما إلى ذلك.

مناهضة الاستعمار والتغريب

كان يناهض كافة أشكال الممارسات الاستعمارية، ويدعو إلى التحرر والاستقلال. تزعّم الحركة القبلية في منطقة الفرات التي أطاحت بحكومة علي جودة الأيوبي.

زار إيران سنة 1352 هـ، فمكث نحو ثمانية أشهر متجولاً في مدنها المهمة، داعياً الإيرانيين إلى التمسك بالمبادئ الإسلامية، حيث كان اتجاههم يومذاك شديداً نحو التمدن الأوروبي، فلاقى حفاوة كبيرة، وكان موضع تقدير وإكبار بالغين، وخطب باللغة الفارسية في كرمنشاه، وهمدان، وطهران، وشاهرود، وخراسان، وشيراز، و خرمشهر، وعبادان، واجتمع بملك إيران رضا شاه الفهلوي وعاد من طريق البصرة، فكانت له مواقف وخطب أيضاً، وتعددت أسفاره إلى إيران وسوريا ولبنان. وفي سنة 1371-1952، دعي لحضور المؤتمر الإسلامي في كراجي، فلقي حفاوة عظيمة من الأهالي والحكومة، وخطب خطبة طويلة أذيعت بالراديو ونشرت مستقلة.

ومن مواقفه السياسية التي تعبر عن مدى إيمانه وشجاعته في طرح المشاكل التي تخص عامة المسلمين، ما كان من لقائه بالسفير البريطاني بتاريخ 20 جمادى الأولى 1374هـ بالنجف الأشرف، وله حوارفانتقد السياسة الاستعمارية البريطانية التي تتعامل بها مع العالم الإسلامي، وعلى رأسها قضية فلسطين، وحمّل فيها بريطانيا مسؤولية الإعداد لاحتلال فلسطين من قبل الصهاينة، ولجوء شعبها إلى الدول المجاورة.

وانسحب هذا الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سجل اعتراضه على السياسة الأمريكية، وهذا ما كان عندما التقى بالسفير الأمريكي، ملقياً على دولته باللائمة والمساهمة في اغتصاب فلسطين وغيرها من الممارسات التي لا يمكن السكوت عليها كما أجرى محاورة مع السفيرين البريطاني والامريكي.

كان له موقف من الوحدة الإسلامية والسبل الكفيلة بوحدة المسلمين، معتبراً أنهما تتحققان بالارتكاز إلى دعامتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، من خلال التنسيق بين المسلمين وعقد العهود والمواثيق بين العرب والمسلمين، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، وهذا ما يفضي إلى إيجاد قوة عظيمة مقابل الدول الأخرى. ولكن هذه الدعوات، كما يبدو، ذهبت أدراج الرياح ولم يتحقق منها شيء، وإنما بقيت عند المطالبين بها مجرد أفكار نظرية لم تنزل إلى أرض الواقع.

مما قيل فيه

قال العلاّمة المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني: "هو من كبار رجال الإسلام المعاصرين، ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة...، والحقيقة، إنه من مجتهدي الشيعة الذين غاصوا في بحار علوم أهل البيت(ع)، فاستخرجوا من تلك المكامن والمعادن جواهر المعاني ودراري الكلم، فنشروها بين الجمهور".

قال الشيخ محمد حرز الدين: "كان عالماً، أصولياً فقيهاً، وكاتباً بارعاً، لا يدانيه أحد في عصرنا بقلمه وخطابته ومجالسه، صرع الكتّاب بقلمه، وأفحم المتكلمين بمنطقه، وأرجف ممثلي الدول والساسة بحديثه وشخصيته".

قال الزركلي: "مجتهد إمامي، أديب، من زعماء الثورات الوطنية في العراق". كان يتمتع بمحامد الخصال، واقتدى في سيرته بالنبي(ص) والأئمة(ع)، فكان مقداماً شجاعاً، سجل العديد من المواقف ضد السياستين الأمريكية والبريطانية، ومما اشتهر به، تسامحه وعدم الاستبداد برأيه، وتقبله للنقد برحابة صدر، وامتاز بالتواضع والإخلاص لله تعالى جاعلاً نفسه في خدمة الدين ومدافعاً عن القيم الإسلامية.

نوقشت رسالة تحمل عنوان (الفكر السياسي للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء) في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد.

شاعريته

كان شاعراً كبيراً، عرف بجزالة ألفاظه ورقة معانيه، ونعرض له من قصيدة يرثي بها الإمام الحسين(ع) حيث يقول:

نفس أذابتها أسى حسراتها فجرت بها محمرة عبراتها

وتذكرت عهد المحصب من منى فتوقدت بضلوعها هجراتها

ويقول:

خذوا الماء من عيني والنار من قلبي ولا تحملوا للبرق مناً ولا السحب

ولا تحسبوا نيران وجدي تنطفي بطوفان ذاك المدمع السافح الغرب

إلى أن يقول:

رزاياكم يا آل بيت محمد أغض لذكراهن بالمنهل العذب

من أبرز مؤلفاته

مؤلفاته في الفقه والأصول والفلسفة والكلام والأدب والتفسير وغيرها تتجاوز الثمانين نذكر منها:

ـ الآيات البيّنات، الدين والإسلام، زاد المقلدين، الميثاق العربي الوطني،أصل الشيعة وأصولها، الفردوس الأعلى، الأرض والتربة الحسينية، العبقات العنبرية، الاتحاد والاقتصاد، التوضيح في بيان ما هو الإنجيل، ومن هو المسيح، جنة المأوى، حاشية على التبصرة، حاشية على سفينة النجاة، حاشية على العروة الوثقى، سفينة النجاة، السياسة الحسينية ،نبذة من السياسة الحسينية، عين الميزان، المراجعات الريحانية، مقتل الحسين(ع)، ديوان الشعر، الخطب الأربعة... وغيرها.


وفاته

مرض الشيخ الغطاء في أواخر حياته، فأدخل على أثر ذلك إلى مستشفى الكرخ في بغداد، ولكن صحته لم تتحسن، فقرروا نقله إلى مدينة "كرند" في غرب محافظة كرمانشاه الإيرانية، لغرض النقاهة، أملاً في شفائه، وبعد وصوله بثلاثة أيام توفي، وذلك بتاريخ 18 ذي القعدة 1373هـ.

وقد نقل جثمانه الطاهر إلى العاصمة بغداد، ثم إلى مدينة النجف الأشرف، وبعد تشييعه دفن في مقبرة وادي السلام إلى جوار مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) في النجف الأشرف، وأقيمت على روحه الطاهرة مجالس الفاتحة في العراق، وإيران، وألقى الكثير من الشعراء قصائد في رثائه بهذه المناسبة الأليمة.

وقد وردت إلى النجف برقيات التعازي من سائر الأقطار والدول الإسلامية، وكلها تشيد بمزايا الشيخ الراحل.


المصادر