الحمدانيون

(تم التحويل من بني حمدان)

الحمدانيون، بنو حمدان: سلالة عربية حكمت في بلاد الفرات والشام من 29/904-1003 م.

حدود الدولة الحمدانية

المقر: الموصل وحلب.

ينحدر الحمدانيون من قبيلة تغلب العربية. لمع نجمهم أثناء عهد مؤسس السلالة حمدان بن حمدون، والذي أصبح سنة 890 م واليا على منطقة ماردين من قبل العباسيين.

أصبح ابنه من بعده عبد الله (904-929 م) سنة 9060 م واليا على الموصل ثم تولى إدارة بغداد منذ 914 م. تولى أبناؤه الحسن وعلي الموصل وحلب. كما وكلهما الخليفة على كل منطقة الشام و العراق. تنامت قوة الحسن ناصر الدولة (929-968 م) صاحب الموصل وديار بكر وأصبح مستقلا عن البويهيين (أصحاب بغداد، كان الحمدانيون شيعيو المذهب وكذا كان البويهيون). دام هذا الفرع حتى سنة 991 م.

برز علي سيف الدولة (945 - 967 م) صاحب حلب أثناء حروبه مع البيزنطيين، كما جعل من عاصمته مركزا للآداب والفنون العربية. أسس بدوره فرعا للحمدانيين في حلب. اعتنق حكام هذا الفرع المذهب الشيعي سنة 969 م وأصبحوا تحت سيادة الفاطميين. رغم ذلك قام هؤلاء (الفاطميون) بتنحيتهم نهائيا سنة 1003 م.


ترجع الجذور الأولى للحمدانيين إلى تغلب بن وائل بن قاسط رأس قبيلة تَغْلِب الشهيرة، والذي ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار.

وكانت تغلب من أعظم قبائل ربيعة شأنا في بلاد العرب قبل الإسلام لعهدها القديم، فلما أشرق نور الإسلام على الجزيرة العربية، وسارعت قبائل العرب إلى الدخول في الإسلام، كانت قبيلة تغلب من القبائل التي ناصبت الإسلام والمسلمين العداء، بل إنها ناصرت سجاح حينما ادعت النبوة، وساندتها وأتباعها في حربهم المسلمين، وحتى عندما انتهى أمرها وتبددت دعوتها بعدما تصدى أبو بكر الصديق للمرتدين، وقضى على أدعياء النبوة، فإن تغلب لم تستطع أن تُخفي عداءها للمسلمين، فوقفت في صف الروم في حربها ضد المسلمين سنة 12هـ = 637م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بنو تغلب عبر التاريخ

ومع اتساع الدولة الإسلامية وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية وما حولها، لم يتغير موقف بني تغلب كثيرا؛ فلم يدخل منها في الإسلام إلا قليل، وبقي معظمهم على نصرانيتهم، ومع ذلك فإن الخليفة الثاني الفاروق "عمر بن الخطاب" لم يفرض عليهم الجزية التي كانت تؤخذ من أهل الكتاب، وإنما اكتفى بأن أخذ منهم الصدقة التي كانت تؤخذ من المسلمين، ولكنه ضاعفها عليهم.

وفي عصر الدولة الأموية حظي أبناء تغلب من الشعراء بمكانة عظيمة، فظهر الأخطل والقطافي -وهما شاعران نصرانيان-، وكان لهما حظ وفير من المجد والشهرة في بلاد الأمويين.

فلما جاءت الدولة العباسية، كان لبني تغلب مكانة مرموقة في كنف الأسرة العباسية، وتمكنوا من إنشاء دولتهم المستقلة التي كان لها دورها الكبير في حركة التاريخ، وساهمت بشكل فعال في إرساء نهضة حضارية وفكرية عظيمة.


ظهور وتغلغل

 
منظر قلعة حلب وجسر الدخول.

ولكن البداية الحقيقية لظهور الحمدانيين على مسرح الأحداث ترجع إلى مؤسس هذه الأسرة "حمدان بن حمدون التغلبي" صاحب قلعة "ماردين" القريبة من "الموصل"، وذلك عندما خاض حمدون على رأس جنوده عدة معارك قوية ضد الروم، إلا أن بداية علاقتهم الفعلية بالعباسيين لم تتحدد إلا بعد عام (272هـ=885م)، عندما تحالف مع "هارون الشاري" الخارجي، واستطاعا غزو الموصل والاستيلاء عليها، وقد أدى ذلك إلى ثورة الخليفة العباسي المعتضد وغضبه عليه، فقبض عليه وحبسه.

ومع استفحال أمر "الشاري" ظلّ الخليفة يفكر في وسيلة للقضاء عليه، ووجدها "الحسين بن حمدان" فرصة لإظهار قدراته واكتساب ثقة الخليفة وإطلاق سراح أبيه من الحبس، واستطاع الحسين هزيمة الشاري بعد معركة قوية، وأسره وقدّمه إلى الخليفة يرسف في أغلاله؛ فسر الخليفة بذلك، وأطلق سراح أبيه، وبدأ مرحلة جديدة من التعاون مع بني حمدان؛ فاستعان بهم في محاربة القرامطة والتصدي لخطرهم، كما وجههم إلى العديد من الفتوحات في فارس ومصر والمغرب.

وهكذا استطاع الحمدانيون الوصول إلى أخطر المراكز، وتقلدوا أعلى المناصب، وشاركوا مشاركة فعلية في الحياة السياسية في بغداد لفترة غير قصيرة، واستطاعت الأسرة الحمدانية أن توثق صلاتها بالعباسيين، وأخذ نفوذهم يزداد، وتوغلوا في جميع مرافق الدولة، بالرغم من الدسائس والمؤامرات المستمرة التي ظلت تحاك ضدهم من بعض العناصر غير العربية في بلاط العباسيين، وبرز عدد كبير من أبناء هذه الأسرة كان في مقدمتهم الأمير "سيف الدولة الحمداني".

سيف الدولة.. الأمير الفارس

وُلد الأمير "سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدون التغلبي" في (303هـ = 915م) في مدينة "ميافارقين" -أشهر مدن ديار بكر- على إثر تولي أبيه إمارة الموصل.

وقد عُني أبوه بتعليمه وتنشئته على الفروسية منذ نعومة أظفاره، وأظهر سيف الدولة استعدادا كبيرا ومهارة فائقة في القنص والرمي وركوب الخيل منذ صغره.

ولم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى صار فارسا لا يُشَقّ له غبار، وخاض العديد من المعارك الطاحنة ضد أعداء الدولة والمتمردين عليها؛ سواء في الداخل أو في الخارج.

واستطاع الأمير الشاب أن يحقق انتصارا عظيما على البريدين الذين اقتحموا بغداد عام (330هـ = 942م) ودفعوا الخليفة العباسي "المتقي لله" إلى الخروج منها، واللجوء إلى الموصل للاستنجاد بالحمدانيين، فلما حقّق الأمير الشاب "علي بن أبي الهيجاء" النصر على البريدين بعد أن تعقبهم إلى المدائن، أنعم عليه الخليفة بلقب "سيف الدولة"، وأمر أن تُضرب باسمه الدنانير والدراهم.

الانتصار على البيزنطيين

وبدأ نجم سيف الدولة يعلو ويسطع منذ ذلك الحين؛ فحقق المزيد من الانتصارات على الروم والبيزنطيين، واستطاع أن يصدّ هجماتهم، كما تمكن من المحافظة على حدود الدولة الإسلامية ضد غاراتهم، واستطاع أن يتوغل داخل حدود الدولة البيزنطية.

وقد عُني سيف الدولة بتسليح جيشه في مواجهة استعدادات الجيش البيزنطي العسكرية القوية وتنظيمه الجيد، وتنوع تسليحه، فاتجه إلى توفير المال اللازم لتجهيز الجيش وتسليح الجنود، واهتم بتدريب رجاله وتربية جنوده تربية عسكرية صارمة.

واتخذ سيف الدولة مدينة "حلب" مركزا ليبدأ منها مرحلة جديدة من حياته؛ حيث أعلن إمارته على مناطق حلب والجزيرة الفراتية وإقليم الثغور والعواصم، وبدأ يدخل في مرحلة جديدة من الصراع مع الروم البيزنطيين والحروب الطاحنة معهم، واستطاع خلالها أن يحقق عدة انتصارات عليهم، ووجه إليهم العديد من الضربات المتلاحقة الموجعة، وألحق بهم سلسلة من الهزائم المتتالية.

الصراع مع الإخشيديين

وقد أثارت انتصارات سيف الدولة على الروم البيزنطيين حفيظة والإخشيديين الذين وجدوا عليه تلك البطولات والأمجاد، وخشوا من تعاظم نفوذه وقوة شوكته؛ فتحركوا لقتاله، ولكنهم ما لبثوا أن آثروا الصلح معه بعد أن لمسوا قوته وبأسه.

وبدأ الروم البيزنطيون يعيدون ترتيب صفوفهم وتنظيم قوتهم، وراحوا يهاجمون الثغور العربية في سنة (336هـ = 947م)، ولكن الأمير سيف الدولة الحمداني تصدّى لهم وتعقبهم، وجدد البيزنطيون هجماتهم مرة أخرى بعد عام، فتعقبهم سيف الدولة، وقتل منهم عددا كبيرا.

ولكن هجمات الروم البيزنطيين لم تتوقف؛ مما دفع سيف الدولة إلى تجهيز حملة كبيرة قوامها ثلاثون ألف فارس، وانضم إليهم جيش طرطوس في أربعة آلاف مقاتل، واستطاع اقتحام حدود الدولة البيزنطية، والتوغل داخل أراضيها، وفتح عددا من حصونها، وألحق بالبيزنطيين هزيمة منكرة، وأسر عددا من قادتهم؛ مما دفع البيزنطيين إلى طلب الهدنة منه، بعد أن ضاقوا ذرعا بالحروب الطاحنة التي كبدتهم العديد من الخسائر وأصابتهم بالوهن.

نهضة شاملة

وبالرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص، فإن ذلك لم يصرف الأمير "سيف الدولة" عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية.

فقد شيّد سيف الدولة قصره الشهير بـ"قصر الحلبة" على سفح جبل الجوشن، وتميز بروعة بنائه وفخامته وجمال نقوشه وزخارفه، وكان آية من آيات الفن المعماري البديع، كما شيّد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.

وشهدت الحياة الاقتصادية ازدهارا ملحوظا في العديد من المجالات؛ فمن ناحية الزراعة كثرت المزروعات، وتنوعت المحاصيل من الحبوب والفاكهة والثمار والأزهار، فظهر البُرّ والشعير والذرة والأرز والبسلة وغيرها. كما ظهرت أنواع عديدة من الفاكهة كالتين والعنب والرمان والبرقوق والمشمش والخوخ والتوت والتفاح والجوز والبندق والحمضيات. ومن الرياحين والأزهار والورد والآس والنرجس والبنفسج والياسمين. كما جادت زراعة الأقطان والزيتون والنخيل. وظهرت صناعات عديدة على تلك المزروعات، مثل: الزيتون، والزبيب، كما ظهرت صناعات أخرى كالحديد والرخام والصابون والكبريت والزجاج والسيوف والميناء.

ونشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمة في حلب والموصل والرقة وحران وغيرها.

وشهدت الحياة الفكرية والثقافية نهضة كبيرة ونشاطا ملحوظا في ظل الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء.

وكان سيف الدولة يهتم كثيرا بالجوانب العلمية والحضارية في دولته، وظهر في عصره عدد من الأطباء المشهورين، مثل "عيسى الرَّقي" المعروف بالتفليسي، و"أبو الحسين بن كشكرايا"، كما ظهر "أبو بكر محمد بن زكريا الرازي" الذي كان أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجا.

ومن أبرز الفلكيين والرياضيين الذين ظهروا في عصر الحمدانيين في بلاد الشام "أبو القاسم الرَّقي"، و"المجتبى الإنطاكي" و"ديونيسيوس" و"قيس الماروني"، كما عُني الحمدانيون بالعلوم العقلية كالفلسفة والمنطق، فلَمع نجمع عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين في بلاط الحمدانيين، مثل: "الفارابي"، و"ابن سينا".

أما في مجال العلوم العربية؛ فقد ظهر عدد من علماء اللغة المعروفين، مثل "ابن خالويه"، و"أبو الفتح بن جني"، و"أبو على الحسين بن أحمد الفارسي"، و"عبد الواحد بن علي الحلبي" المعروف بأبي الطيب اللغوي.

كما لمع عدد من الشعراء المعروفين، مثل "المتنبي"، و"أبو فراس الحمداني"، و"الخالديان: أبو بكر، وأبو عثمان"، و"السرى الرفاء" و"الصنوبري"، و"الوأواء الدمشقي"، و"السلامي" و"النامي".

وظهر كذلك عدد كبير من الأدباء المشهورين، وفي طليعتهم "أبو الفرج الأصفهاني" صاحب كتاب "الأغاني" الذي أهداه إلى سيف الدولة؛ فكافأه بألف دينار، و"ابن نباتة"، وظهر أيضا بعض الجغرافيين، مثل: "ابن حوقل الموصلي" صاحب كتاب "المسالك والممالك"…

ولم يلبث سيف الدولة أن عاجله المرض، ثم تُوفي في (25 صفر 356هـ = 10 فبراير 966م)، وقيل في رمضان، وهو في الثالثة والخمسين من عمره.

وقد ظلت آثار تلك النهضة الثقافية والحضارية ذات أثر كبير في الفكر العربي والثقافة الإسلامية على مدى قرون عديدة وأجيال متعاقبة.

الأفول

وفى (356هـ) توفى سيف الدولة وخلفه ابنه سعد الدولة الذى أعاد بناء ما خربه الروم أثناء اشتباكاتهم مع الحمدانيين، وتوفى سعد الدولة عام (381هـ) وخلفه ابنه سعد أبو الفضائل الملقب بسعيد الدولة. وكان "لؤلؤ" غلام سعد الدولة يشرف على الحكم، وجمع في يده سلطات واسعة، من دون سعيد الدولة وعمل على التخلص من سعيد ومن ابنيه وهما أبو الحسن على وأبو المعالى شريف. وفى عام (394هـ) بعد وفاة سعيد الدولة قبض لؤلؤ على ولديه أبى الحسن وأبى المعالى وأرسلهما مع بقية أفراد البيت الحمدانى إلى القاهرة، وبقى هو الحاكم الوحيد في حلب باسم الدولة العبيدية الفاطمية الإسماعيلية، وكانت هذه نهاية دولة الحمدانيين.

قائمة الأمراء (فرع الموصل)

   الحاكم  الحياة  الحكم
1 ناصر الدولة الحسن بن عبد الله  ....-969   969-969 
2 عضد الدولة أبو تغلب بن الحسن  ....-....   969-979 
3 أبو طاهر إبراهيم  ....-....   981-991 
4 أبو عبد الله الحسين  ....-....   981-991 


قائمة الأمراء (فرع حلب)

   الحاكم  الحياة  الحكم
1 سيف الدولة علي بن عبد الله  915-967   945-967 
2 سعد الدولة أبو المعالي شريف بن علي  ....-991   967-991 
3 سعيد الدولة أبو الفضائل بن أبي المعالي  ....-1002   991-1002 
4 أبو الحسن علي  ....-....   1002-1004 
5 أبو المعالي شريف  ....-....   1004-1004 


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصادر ومراجع

  • Islam: Kunst und Architektur
  • حمدانيو حلب
  • حمدانيو الموصل
  • البداية والنهاية: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي - دار هجر – القاهرة – (1419هـ = 1998م).
  • تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي – دار الكتب العلمية – بيروت - (د.ت).
  • زبدة الحلب من تاريخ حلب: ابن العديم كمال الدين عمر بن أحمد هبة الله - تحقيق د. سامي الدهان - المعهد الفرنسي بدمشق - دمشق - (1370هـ = 1951م).
  • شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي – دار إحياء التراث العربي – بيروت - (د.ت).
  • صُبح الأعشى في صناعة الإنشا: أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي - تحقيق: محمد حسين شمس الدين - دار الكتب العلمية - بيروت - (1407هـ = 1987م).
  • فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين: د. مصطفى الشكعة – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – (1378هـ = 1958م).
  • القائد سيف الدولة الحمداني: د. حمدان عبد المجيد الكبيسي – دار الشئون الثقافية العامة – بغداد – (1409هـ = 1989م.

إسلام أون لاين: سيف الدولة.. لمحات تاريخية وثقافية       تصريح


النهضه الفكريه في عهدسيف الدوله : بنى سيف الدوله قصرا سماه (الحلبه) و اشتهر في عهده من الشعراء ابو الطيب المتنبي و ابو الفرس الحمداني و من الكتاب أبو الفرج الأصفهاني والفيلسوف الفارابي