ناصر الدولة الحمداني

هو أبو محمد الحسن الملقب ناصر الدولة ابن أبى الهيجاء بن حمدان بن حمدون (ت. 358هـ/969م) مؤسس الدولة الحمدانية في الموصل. وشقيق سيف الدولة الحمداني مؤسس الإمارة الحمدانية في حلب.

كان صاحب الموصل وما والاها اثنتين وثلاثين سنة. وتنقلت به الأحوال إلى أن ملك الموصل بعد أن كان نائبًا بها عن أبيه ثم لقب الخليفة المتقى لله ناصر الدولة، ولقب أخاه سيف الدولة سنة (330هـ)، وعظم شأنهما. وكان ناصر الدولة أكبر سنًا من أخيه سيف الدولة، وأقدم منزلة عند الخلفاء. وكان كثير التأدب مع أخيه سيف الدولة؛ وجرت بينهما يومًا وحشة، فكتب إليه سيف الدولة:

لست أجفوا وإن جفيت ولا أتـرك حقــًا علي في كل حال
إنما أنت والد والأب الجافي يجازى بالصبر والاحتمال

وكان ناصر الدولة شديد المحبة لأخيه سيف الدولة، فلما توفى سيف الدولة تغيرت أحوال ناصر الدولة، وساءت أخلاقه وضعف عقله، حتى أنه لم يبق له حرمة عند أولاده وجماعته، وقبض عليه ولده أبو تغلب الملقب عدة الدولة باتفاق من إخوته، وسيره إلى قلعة أردمشت في حصن السلامة سنة 356هـ. ولم يزل محبوسًا بها إلى أن توفى سنة (358هـ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

تدرّب الحسن بن عبد الله ناصر الدولة على الإدارة والسياسة وفنون الحرب منذ صباه لانهماك والده أبي الهيجاء في الدسائس السياسية ببغداد وفي المعارك الحربية في مختلف الجبهات حتى صار ناصر الدولة الحاكم الفعلي لتلك الأقاليم التي كان والده والياً عليها، ففي سنة 314هـ/927م أحدث العرب والأكراد اضطرابات في منطقة الموصل وطريق خراسان، فكتب أبو الهيجاء وهو في بغداد إلى ابنه في الموصل يأمره بجمع الرجال والانحدار إلى تكريت، فسار إليها واجتمع بأبيه وأحضر العرب وطالبهم بما أحدثوا في عمله بعد أن قتل منهم ونكّل ببعضهم، فردّوا على الناس كثيراً مما كانوا قد أخذوه منهم، وفي السنة نفسها ضمن أبو الهيجاء أعمال الخراج والضياع بالموصل وقَرْدَى وبازبدى (قريتان قريبتان من جبل الجودي بالجزيرة) وأقاليمها، وأوكل إلى الحسن المسؤولية المباشرة عن هذه الأعمال، غير أن تقدم الحسن في هذه المرحلة المبكرة من حياته العامة كان مرتبطاً كل الارتباط بمركز والده في بغداد، فلما تورط أبو الهيجاء سنة 317هـ/929م في خلع المقتدر، وقُتِلَ، انعكس ذلك على الحسن، فعُزِل عن الموصل سنة 318هـ، ووليها عمّاه سعيد ونصر، ولكنه تولى ديار ربيعة (نصيبين وسنجار وخابور ورأس العين وميافارقين) وأرزن من ديار بكر مقابل مالٍ يدفعه للخلافة على سبيل الضمان.

في سنة 320هـ/932م قُتِل الخليفة المقتدر، وتولى الخلافة القاهر (320ـ 322هـ) وأخذ الحسن يسعى سعياً حثيثاً لتكوين مجده الشخصي وإرساء دعائم إمارة واسعة في الجزيرة تكون الموصل حاضرتها، ويكون هو أميرها غير منازع، وسلك في سبيل الوصول إليها طرقاً ملتوية، ومن هذه المواقف جَرُّه عَمَّه داود إلى معركة ضد مؤنس الخادم في أثناء صراعه مع الخليفة المقتدر، خسر فيها حياته، ثم انحيازه إلى مؤنس، أما الحادثة الأخرى فهي اغتيال عمه أبي العلاء سعيد سنة 323هـ؛ لأنه ضمن أعمال ابن أخيه الحسن سراً بمال حمله إلى ديوان الخليفة الراضي (322ـ329هـ).

أنكر الخليفة اغتيال أبي العلاء سعيد، وعدّه تحدياً له، وعبّر الراضي عن غضبه بإرسال جيش بقيادة الوزير ابن مقلة لقتال الحسن الذي رحل عن الموصل، فلما تبعه الوزير ولم يظفر به عاد إلى الموصل يجبي أموالها، وأطال البقاء فيها، فلجأ بعض أصحاب الحسن في بغداد إلى الحيلة، ورشوا ابن الوزير الذي كتب إلى أبيه يطلب منه العودة إلى العاصمة لأن شؤونها قد اختلّت.

عاد ابن مقلة إلى بغداد بعد أن ولّى على الموصل رجلين يثق بهما، ولكن الحسن انتصر عليهما، واستولى على الموصل وديار ربيعة، وراسل الراضي يطلب الصفح منه وأن يضمن البلاد، فأجيب إلى طلبه، وولاه الخليفة سنة 324هـ ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر إضافة إلى الموصل، فازداد نفوذ الحسن الذي حاول أن يثبت مركزه باسترضاء العامّة في بغداد وسامرّاء بإرسال الدقيق والأقوات إلى هاتين المدينتين كلما حصلت مجاعة، وهو أمر قام به عدة مرّات.

في سنة 327هـ ساءَت علاقة الخلافة بالحمدانيين لتأخر الحسن بإرسال المال المفروض عليه مقابل ضمان ديار ربيعة، فخرج الخليفة نحو سامرّاء ومعه «بجكم» أمير الأمراء متجهين إلى الموصل لحرب الحمدانيين على الرغم من احتجاج العامة الذين كانوا يكنون للحسن الود والمحبة لإمداده بغداد وسامرّاء بالدقيق والميرة في أوقات الغلاء والمجاعة ولبرِّه بالأشراف وما يتصدق به على الضعفاء ولكفاية أخيه علي (سيف الدولة) أمر الثغور وعنايته بغزو الصائفة وغيرها، وعبّر الصولي أبو بكر محمد بن يحيى (ت 335هـ) الذي كان بصحبة الراضي بوضوح عما يدور في أذهان العامة من عطف على الحمدانيين العرب المسلمين ونقمتهم على جيش المرتزقة الذي يسير به الخليفة إلى الموصل.

لم يُصغِ الراضي إلى نصيحة الصولي بعدم محاربة الحمدانيين، لأنه كان يطمع بالموصل ذات النواحي الزراعية العامرة، وأكثرها ضياع بني حمدان، ولأنه كان يريد أن يمنحها لبجكم وأصحابه حتى يستطيع هو (أي الخليفة) أن ينعم بمال ضياعه، فيوسّع على الناس، ويعطي من حُرم، ويجعل في بيت المال شيئاً يرجع الناس إليه، أي إن دوافع الراضي كانت مالية بحتة بسبب إفلاس الخزينة وحاجته للصرف على شؤون الخلافة.

ولكن الأمور جَرَت على غير ما يريد الراضي، فقد تم الاتفاق سراً بين الحسن وبين بجكم أمير الأمراء أن يعجل له 500 ألف درهم، فلما أنهى بجكم الأمر إلى الراضي أجاب إليه واستقر الصلح بينهم.

توفِّي الراضي سنة 329هـ، وتولى الخلافة من بعده إبراهيم بن المقتدر ولقب بالمتقي بالله (329ـ333هـ) وقُتِلَ بجكم في السنة نفسها، فاستدعى الخليفة ابن رائق، وقلده إمرة الأمراء، وفي سنة 330هـ/941م استولى أبو الحسن البريدي والي البصرة على بغداد. فخرج الخليفة من بغداد هارباً مع ابن رائق متوجهاً إلى الموصل، فاصطحب الحسن الخليفة بعد أن قتل ابن رائق بحجة أن ابن رائق كان قد عزم على قتله، وسار على رأس جيش كبير عقد لواءَه لأخيه الأصغر علي (سيف الدولة)، فانهزم البريديون وعاد الخليفة إلى بغداد، وتولى الحسن منصب إمرة الأمراء، وزوج الخليفة المتقي بالله ولده أبا منصور ابنة ناصر الدولة وطوق الأخوين طوقين طوقين وأربعة أَسْوِرَة ذهباً ولقب الحسن بناصر الدولة، ولقب أخاه علياً بسيف الدولة.

استقر ناصر الدولة في العاصمة بغداد، وأخذ يمارس سلطاته الواسعة أميراً للأمراء، فوجه اهتمامه قبل كل شيء إلى إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، فالأسعار كانت مرتفعة نتيجة لاختلال الأمن وانعدام الاستقرار وانخفاض القيمة الشرائية للنقود لتلاعب الصيارفة وغشهم في عيار الدنانير، فضرب دنانير سماها الإبريزية كان عيارها ثلاثة عشر درهماً، ثم انصرف إلى تنظيم الأحوال الداخلية وتوطيد الأمن، فضرب بشدة وقسوة على أيدي الدُّعار لعبثهم وإفسادهم، ولكن الوضع العام كان أكبر وأعقد من أن يعالج بمثل هذه الإجراءات، فاعتزل ناصر الدولة منصبه وتوجه إلى الموصل مقر ولايته بعد أن أقام ببغداد ثلاثة عشر شهراً.

كان من سوء حظ ناصر الدولة أن بغداد سقطت سنة 334هـ/945م في يد معز الدولة البويهي الذي طمع بولاية الموصل الغنية، ولكنه أخفق في الاستيلاء عليها، وعقد صلحاً مع ناصر الدولة سنة 335 هـ وآخر سنة 337هـ/948م جعله فيه وفقاً لهذا الصلح مسؤولاً عن الموصل والجزيرة والشام على أن يؤدي كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم، أي ما يقارب 800 ألف دينار، وأن يخطب له في بلاده ولأخويه عماد الدولة وركن الدولة.

بقي الاصطدام قائماً بين ناصر الدولة ومعز الدولة البويهي، ولكنه كان ينتهي دائماً بالتراضي بدفع الأموال أو بتدخل من سيف الدولة كما حدث سنة 347هـ/958م.

توفي معز الدولة البويهي سنة 356هـ، فعزم أبو تغلب بن ناصر الدولة مع بعض إخوته على قصد العراق وأخذه من عز الدولة بختيار بن معز الدولة، ولكن ناصر الدولة صاحب التجربة نهاهم ونصحهم بالتريث والتدبر حتى تنفد أموال بختيار، وتخلو يده نتيجة انشغاله باللعب واللهو، ويبدو أن أبا تغلب ضاق ذرعاً بتدخل أبيه ووقوفه في وجه مطامعه السياسية فاعتقله وسجنه في إحدى القلاع، ووكل به من يخدمه ويقوم بحاجاته وما يحتاج إليه، فلما فعل ذلك خالفه بعض إخوته، وانتشر أمرهم الذي كان يجمعهم وصار قصاراهم حفظ ما في أيديهم، واضطر أبو تغلب إلى مداراة عزِّ الدولة بختيار حتى يجدد له عقد الضمان، فضمّنه البلاد بألف ألف ومئتي ألف درهم في السنة (مليون ومئتي ألف درهم).

توفي ناصر الدولة ودفن بالموصل في جبل التوبة شرقي المدينة.


المصادر

  • نجدة خماش. "ناصر الدولة". الموسوعة العربية.


إسلام أون لاين: ناصر الدولة الحمداني       تصريح