بداية ونهاية

هذا المقال عن رواية نجيب محفوظ. لمطالعة الفيلم المقتبس عن الرواية، اضغط هنا.

د. أيمن أبو الحسن
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
بداية وننهاية
غلاف رواية بداية ونهاية.jpg
المؤلفنجيب محفوظ
البلدFlag of Egypt.svg مصر
اللغةالعربية
الموضوعحياة اجتماعية مصري
الصنف الأدبيرواية اجتماعية
الناشر
الإصدار1949

بداية ونهاية، هي احدى روايات نجيب محفوظ نشرت في عام 1949. تدور الرواية في اطار اجتماعي، وتتناول حياة أسرة مصرية فقيرة، يحاول أولادها تحقيق طموحاتهم رغم ظروفهم الاجتماعية القاسية. وتعتبر من أنضج روايات تلك المرحلة التاريخية. فقد اهتم نجيب محفوظ فيها بتصوير تفاعل العلاقات الاجتماعية من جانب، وتصوير الواقع الحضاري للمجتمع من جانب آخر.. هذا إضافة إلى البحث في التكوين الذاتي لنفسية الفرد وعلاقته بهذا المجتمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحداث الرواية

"البداية" هي موت الأب، و"النهاية" هي تفسخ الأسرة وانهيارها، لتتخذ هذه المأساة ذلك الشكل التراجيدي القاتم، لكونها أصابت تلك الأسرة النموذج، والتي تنتمي للشريحة القابعة في قاع الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، والتي تعاني من التكوين الهش والكيان الاجتماعي الممزق، وتلك القيود والتقاليد التي تتصادم بشدة مع واقعها. فبعد موت العائل الوحيد للأسرة، لا يفصلها عن اللحاق به في قبره سوى قطع الأثاث التي أخذت تذوب في أمعائهم شيئاً فشيئاً. إلا أن تواطؤ المجتمع اللاإنساني الذي يترك أبناءه يعيشون في مثل ذلك الفقر والعوز بلا تأمين أو ضمان، إضافة إلى العوامل الذاتية لكل شخصية، قد أدى إلى سقوطها الحتمي. فالابن الأكبر "حسن" هو نموذج للبلطجي الجاهل، والذي ينتهي إلى عالم الإجرام مروجاً للمخدرات. والابنة "نفيسة" هي نموذج للعانس القليلة الحظ في كل شيء، المال والجمال والعلم، غير إن غريزتها متأججة لا تهدأ.. لذلك تنتهي إلى الاتجار بعرضها وتنتحر بتحريض من شقيقها الأصغر "حسنين". وهذا الـ"حسنين" هو أيضاً نموذج الأناني المتطلع طبقياً، والذي يصطدم في النهاية بالحواجز الطبقية لتحول بينه وبين ركوب الطبقة الأعلى، وذلك بفشله من الاقتران بإحدى بناتها، ليفيق على واقعه الأليم في ضياع الحاضر والمستقبل، فيلحق بشقيقته متطهراً في مياه النيل. هذا بينما الأم نموذج الحزم والصرامة، تقف كربان سفينة تحاول عبثاً، ومعها الابن الأوسط "حسين" نموذج المثقف الذي لا يتردد ـ عند الاختبار ـ عن التضحية بمصلحته من أجل منفعة الأسرة ومصلحتها. [1]

 
رواية بداية ونهاية. لتحميل الرواية، اضغط على الصورة.

البداية هى موت الأب، والنهاية هى موت الابنة والابن الاصغر.. وتدمير الأبن الأكبر تدميرا نهائيا.. الموت هو البطل الدرامى الذى يسيطر على كل أجواء الرواية، مع تخاذل كل ابطالها ماعدا الام والابن الاوسط " حسين" .. الام هنا تلعب دورا في مواجهة الموت والخراب المصاحب له، كما صرخت أختها لحظة دخولها البيت للعزاء في وفاة الأب" يا خراب بيتك يا ختى" وبدأ كاتبنا العالمى يصف هذا الخراب بعبقريته النادرة شديدة النقاء.

سيقول لنا في نهاية الرواية أن أى مجتمع يسمح بإنهيار أسرة لمجرد أن عائلها مات هو مجتمع متفسخ وخائر و منهار، سيقول لنا لابد من إيجاد صيغة إجتماعية راقية تنقل رعاية الاسرة بعد وفاة العائل إلى المجتمع ككل ليحفظ للأسرة كيانها.. مجتمع رواية نجيب محفوظ كان إبان معاهدة 36، وأشعل تصريح وزير خارجية بريطانيا السير صامويل هور في 9 نوفمبر 1935 بعدم أهلية مصر لعودة دستور 23، النار في كل مصر، وخرجت المظاهرات الغاضبة تهتف " يسقط هور بن التور" وسقط المئات من شهداء الطلبة والعمال.

مات الاب، وكان بمحفظته جنيهان وبضعة قروش، كان راتبه بعد 30 سنة خدمة بالحكومة 17 جنيها ومعاشه الذى تأخر صرفه عام كامل هو خمسة جنيهات. يتعامل كل فرد مع الاسرة مع موت الأب بما يترجم شخصيته بل ويرسم طريقه فيما بعد.

حسن: الإبن الاكبر المدلل الذى ترك التعليم وافسده تدليل الاب، والذى سيحترف تجارة المخدرات ويعاشر العاهرات ويعمل بلطجيا و قوادا و سيقول فلسفته في الحياة أنه يحيا: كأن لا يوجد بوليس ولا اخلاق ولا ألله... منذ اللحظة الاولى يقول " لماذا يعلن الله عن حكمته على حساب امثالنا من الضحايا؟؟!! ولا يستنكف أن يسرق من محفظة الأب في غفلة الحزن ما تيسر له أن يسرقه! لم يعرف الحزن على أبيه طريقا لقلبه.

يرى موت الأب " كنت قد هددتك يا ابى لو لم تشتر لى هذه البدلة سأمشى في الطريق باللباس والفانلة وأقتحم عليك مجلسك بقصر احمد بك يسرى شبه عار.. الآن لو مشيت عاريا فلن تجد من يسأل عليك إلا الشرطى.

وعندما يحترف تجارة المخدرات والبلطجة والقوادة، ويشتبك في عراك مع فتوة الحى، يقول لنفسه" إن حظى في الحياة، وربما حظ أسرتى المنهارة؛ يتوقفان على خوض المعركة. وبالفعل لا يتردد بما تبقى من إنسانية ضئيلة في نفسه من مساعدة أسرته بامال الحرام، يساعد حسين لكى يسافر لطنطا لإستلام وظيفته ويساعد حسنيين بمصاريف الكلية الحربية عندما باع ذهب العاهرة ليمنحه ذلك المال.

حسين الإبن الأوسط، أشبه الأبناء بالأم العظيمة، ويستمر في التضحية من أجل إنقاذ الأسرة حتى النهاية، ولكنه حين يتوظف بالبكلوريا و يتزوج إبنه جارة الموظف البسيط، يستمر أيضا في طريق الاب الراحل، في إنجاب ذرية فقيرة تنهار بعد وفاة الاب الثانى لتكتمل الدائرة المغلقة. ولا ينسى أديبنا الفذ حسه الكوميدى الراقى عندما يصف حقيبة ملابسه أنها تحتوى على " ملابس داخلية من نسختين" ليثبت لدينا فكرة الموظف التقليدى! و بالرغم من راتبه الضئيل جدا(سبعة جنيهات) وبعد خصم 150 قرش سكن، 200 قرش للأكل، ثم 200 قرش للام، لا يتبقى سوى 150 قرشا للكساء والنفقات النثرية، نجده يتسائل ألا يمكن أن يقتصد شيئا في صندوق التوفير؟؟ كان يرى أن أمه بين النساء مثل ألمانيا بين الدول ، كانت ترقع البنطلون حتى إذا بلغ اليأس قلبته، فإذا أدركه اليأس مرة أخرى قصت أطرافه وجعلت منه سروالا داخليا، ثم تصنع من بعضه طاقية و تستعمل بقيته ممسحة، ولا يلفظه البيت إلا فتيتا.


شخصيات الرواية

حسين

حسنين أصغر الأبناء، والأسم ليس مصادفة، فهو منذ الحظة الأولى له بشخصيتين، شخصية غارقة في الفقر المدقع، وشخصية أخرى خلقها بخياله الجامح، كأغنى فتى في مصر، ففى لحظة الوفاة، كل ما يهمه هو مشهد الجنازة وهل سيحضر كبراء القوم؟ ومشهد القبر العارى من أى صورة للبذخ والترف ويعتبره " فضيحة " ستلازمه طوال العمر. وفى المدرسة يرفض أن يأكل من الوجبة المدرسة لأنها مخصصة للفقراء! ويفضل الجوع على إظهار الشخصية الحقيقة لفقير حقيقى.

رغم ذلك يذهب إلى حسن يسأله ان يمده بالمصاريف اللازمة للمدرسة الحربية، وهو على يقين أنها أموال مخدرات و دعارة ، بل " لو عرف أنه ذاهب يسرقها من السويس ما وسعه إلا أن يدعو له"!

لم يجد " حسنين" بين الشخصيتين وقتا للحب الطاهر الطبيعى لجارته ذات العينان الزرقاوان و القوام الجميل والقلب العاشق له، ورغم أن نجيب محفوظ يصف مشهد لقاءهما بأنه " كانت الشمس قد توارت مخلفة وراءها هالة حمراء مترامية، أقصاها حمرة دامية ، تخف عند الوسط كانها زرقة عميقة صافية، تنمنمها هنا وهناك سحائب رقاق كتنهدات وانية، "" رغم هذا المشهد الرقيق البديع لا يهتم " حسنين ألا بمحاولة إغواء جارته وإستدراجها إلى علاقة محرمة.

وبعد ذلك يرى أن زواجه من إبنة البك " إذا ركبتها ركبت طبقة بأسرها... ثم حين يفشل يقول"ألست تنامين مثل أى فتاة، وتغيبين عن الوعى كاى إمرأة، وتحبلين كما تحبل الخادمة التى طردناها، وتعوين حين المخاض كأية كلبة" دائما يعود إلى إحدى الشخصيتين بالحيل النفسية المعروفة مثل التبرير والاسقاط والتعميم وغيرها من حيل الدفاع عن النفس.بل يقول لأخيه حسين "إن من يستسلم للأقدار يشجعها على التمادى في طغيانها!!"

بعد لحظات من إرتداء ملابسه كضابط في الجيش، يعود إلى الحارة متأففا، ويقلب لحظة الفرح إلى نكد ويطلب: يجب أن تنقطع نفيسة عن عملها "المزرى"، وهذه العطفة الحقيرة تعرفنا على " حقيقتنا" فلهذا لا اطيق البقاء فيها وهذا البيت العارى من الاثاث، وأخى حسن وسيرته في الحياة، وقبر والدنا المكشوف بين قبور الصدقة.. فترد الأم " طالما تمنيت أن تسعدنا وأن تسعد معنا، فإذا لم تروض نفسك على التسليم بالواقع وتأخذها بالصبر شقيت وشقينا".... و قد كان!

كان قد أدمن الشخصية المختلقة حتى كذب على البك الذى يعلم عنهم كل شئ فيقول للبك عندما تقدم لخطبة إبنته: " الحمد لله لقد إنقضت متاعبنا بعد أن كسبنا القضية!!!

نفيسة

الإبنة الوحيدة، محرومة من المال والجمال ثم فقدت الأب، تتوق إلى كلمة غزل- ولو كذبا- تشعرها أنها أنثى، وتستسلم بهذا الدافع لإبن البقال، ثم تسير في طريق البغاء بدافع الشهوة في البداية ثم تموت الشهوة بموت الكرامة، وتستمر بدافع المال فقط كعاهرة محترفة بل تسير على نفس منهج "حسن" قائلة "لماذا خلقنا أسرى الغذاء والكساء والمأوى"! أو تقول " إنى ميته مثل أبى، هو في باب النصر وأنا في شبرا!

الأم

من أروع صور الامهات في تاريخ الادب العالمى فهى الواعية بأبعاد المأساة وهى التى تتخذ القرارات المصيرية، تقرر أن تنتقل إلى شقة أصغر في البدروم، لتوفير خمسين قرشا، وهو هبوط طبقة بأكملها .. حيث اصبحت رأس من يقف بالنافذة تحت أقدام السائرين بالحارة. اصبحوا في الدرك الأسفل من الحارة الفقيرة اصلا. يصفها أديبنا الرائع" الأم وحدها كانت عصب حياة الأسرة، في سبيل الأسرة إنهد حيلها وهرمت في عامين كما لم تهرم خلال نصف قرن، فنحلت و هزلت حتى إستحالت جلدا وعظما، بيد أنها لم تستسلم للمحنة، ولم تعرف الشكوى، ولم تتخل عن سجاياها الجوهرية من الصبر والحزم والقوة" هى التى تقرر أن تعمل إبنتها بالخياطة و تقمع معارضة حسنين، هى التى تقبل خطبة إبنها حسنين على إبنه الجار الموظف فقط من باب الخوف من قطع العلاقات، وهى حريصة أشد الحرص على هذه العلاقات. هى التى تسافر إلى طنطا إلى " حسين" لتمنع زواجه من بنت الباشكاتب لأن هذا الزواج سيحرم الأسرة من الجنيهين الذى يدعم حسين بهما الأسرة " انت لا تدرى من أمر الناس شيئا، لعل جيرانك أناس طيبون و لكنهم لا يحفلون إلا بمصلحتهم، وإذا حافظت على جيرتهم كرهتنا وانت لا تدرى". ولم تغادر طنطا إلا بعد ان غادر حسين مسكن الباشكاتب.

ثم هى التى تعتذر لزوجها في مشهد غاية في الجمال وتقول له "يحز في نفسى ألا أجد فراغا للحزن عليك يا سيدى و فقيدى، و لكن ما الحيلة، حتى الحزن نفسه محرم على أمثالنا من الفقراء".

الأب

يعود مرة واحدة في الرواية ... بعد عام من وفاته ... يقول أديبنا الفذ" لو أتيح للأب أن يعود إلى الحياة مرة أخرى، لأزعجته الدهشة لما طرأ من تغير على أسرته، شمل الارواح والاجساد والصحة ونظرات العين، ولكن حتما كان سيعرفهم، سيعرف أن المرأة هى زوجه، وأن الابناء أبناءه، أما الذى ينكره، ولا يعرفه مهما أجهد ذاكرته فهو البيت، إختفى الأثاث أو كاد، فلم يبقى بحجرة الإستقبال إلا كنبة واحدة وبساط باهت كالح......" ولا ندرى لماذا أغفل هنا نجيب محفوظ أن البيت نفسه قد نزل إلى البدروم ولم يبق في الدور الاول ببلكونة على الحارة؟؟

البيت

رسم نجيب محفوظ تفاصيل البيت كلوحة تشكيلية رائعة بكل روعة توزيع الاضاءة الخافتة لتوفير النفقات و بعد بيع الأثاث، وزجاج النافذة الذى كسره حسين إثر شجار مع حسنين ... و يصل إلى قمة عالمية غير مسبوقة في مشهد بيع المرآه.." كان الرجل الذى يحمل مؤخرة المرآة قصيرا فحملت المرآه في وضع مائل، ورأت سطحه ينعكس عليه ركن سقف الصالة متأرجحا بحركة الرجلين كانما سرى بأوصال البيت زلزال" ...زلزال زلزل البيت بوفاة الاب.

النهاية

يشير نجيب محفوظ للنهاية بإنتحار " حسنين" و" نفيسة" منذ اللحظة الأولى .. طوال الرواية هما في طريق مسدود ينتهى بالموت المأسوى.. حسنين بالصراع بين الشخصيتين الذان تصارعا معا و كان هو الضحية ، و نفيسة بالتدهور الأخلاقى ، و التنازل عن كرامتها و إنحدارها في نفق الدعارة المظلم... وفى مشهد النهاية يطلق نجيب عليها " الرصاص" يقتلهما بالرصاص قبل أن يقفزا إلى النهر في المشهد الشهير يقول " كان يحسب أنه سيبدأ التنفيذ توا بعد خروجهما من النقطة، و كانت هى تتوقع هذا ، كان يشعر بوجودها وراءه في ضيق لا يحتمل و يسمع وقع قدميها كأنه "رصاص" في ظهره....."و يقينا لا ينسى أن يدمر إمبراطورية " حسن" و يتركه غائصا في دمائه ، هاربا من العدالة، مشردا منبوذا.

نقد أدبي

الرواية تعد تحفة فنية ورائعة من روائع الأدب العالمى و هى تنذر العقلاء بأن ثورة عاتية آتيه لا ريب لو لم تتحسن أوضاع المجتمع و ربما كانت إرهاصة بإنهيار النظام الملكى بمصر وقيام ثورة 23 يوليو لأنه كان من المستحيل أن يستمر مجتمعا بهذه الآفات الإجتماعية الخطيرة و السوس ينخر في عظامه بكل هذه الشراسة. الفيلم: أبدع صلاح ابو سيف المخرج العبقرى و كوكبة من أهم نجوم السينما في العالم في إخراج هذه الرواية الخالدة بفيلم آية في الابداع الفنى سيظل للأبد علامة مضيئة للسينما المصرية و العالمية و لا ينبغى أن ننسى ذلك المشهد الذى تعلم فيه الام أن " حسين " نجح في البكلوريا و أرادت أن تجلس لتستريح لتستطعم طعم أول فرحة تدخل بيتها ، في نفس اللحظة يسحب مشترى الأثاث المقعد من تحتها ... ليقول لنا صلاح أبو سيف ببساطته الشديدة التعقيد " جت الحزينة تفرح مالقتش لها مطرح"!!

انظر أيضا

المصادر

  1. ^ إسراء حسين. "بداية ونهاية". الموقع الشخصي لعمرو خالد. Retrieved 2012-11-20.