اليد السوداء (مصر)

اليد السوداء هو تنظيم سري مصري، كان يحارب الإنگليز ويرسل خطابات تهديد للسياسيين المتعاونين مع الاحتلال في مصر. ضمت الجمعية عدداً من الطلبة، كان هدفها إثارة الرأى العام وإتلاف المنشآت بحيث تكلف الحكومة نفقات كبيرة، وتم جمع الأموال لأعمال الجمعية، كا مقر التنظيم السري شارع عبدالدايم بعابدين ومنه خرجت جميع المنشورات السرية ضد الاحتلال.[1] كانت أهم عمليات الجماعة، اغتيال رئيس الوزراء، محمد سعيد باشا، و اغتيال السردار لي ستاك أثناء انتقاله في سيارته في القاهرة في 19 نوفمبر 1924.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

اختلف المؤرخون في تحديد سنة تأسيس "اليد السوداء"، والتي نشطت في فترة ثورة 1919، لا يوجد وثائق تاريخية تثبت سنة تأسيس الجمعية، وذلك لأنها كانت تعمل في الخفاء.

كانت تلك الجمعية تحت رئاسة المحامي عبد الحليم البيلي وأبو شادي بك والشيخ مصطفي القاياتي والشيخ محمود أبو العيون وعدد من الطلبة، وكانت تلك الجمعية ترسل خطابات التهديد إلى السياسيين «الرجعيين» كيوسف وهبة باشا، رئيس وزراء مصر من 19 نوفمبر 1919 حتى 20 مايو 1920 الذي أرسلت إليه الجمعية خطاب تهديد مكتوب بالحبر الأحمر القاني وعليه علامة اليد السوداء ومدفع وكلمة الفدائيين.

 
رمز اليد السوداء

استوحى مؤسسو تلك الجمعية اسم "يد السوداء" لى ما يبدو، من تنظيم سري حمل نفس الاسم تأسس في عام 1911 في صربيا على يد الضباط السريين الذين قتلوا الملك ألكسندر الأول وزوجته في بلغراد سنة 1903، وهي الجمعية ذاتها التي كان ينتسب إليها الطالب الصربي گاڤريلو پرينسيپ الذي تسبّب اغتياله لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في 28 يونيو 1914 في اندلاع الحرب العالمية الأولى.[2]

بحسب دراسة "عباس العقاد ونشاطه السياسى فى مصر: 1919- 1930" التي أعدها مشتاق طالب حسين خفاجى وخيرالله حسين عبيس الحجامى،و نشرت فى مجلة العلوم الإنسانية، التابعة لكلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة بابل، فإن جماعة اليد السوداء، كانت من أبرز الجميعات السرى التابعة للجهاز السرى لحزب الوفد وتأسست عام 1919، وكان العقاد قد انضم إليها فى العام نفسه وأصبح يحرر ويصيغ منشوراتها المناهضة للاحتلال، ولم يكتف بذلك بل قام بتوزيع تلك المنشورات الثورية بنفسه والتى عملت على إثارة الرأى العام، وكانت لقاءاته السرية تتم مع أبرز رجال الجهاز السرى لحزب الوفد، وهم محمود فهمى النقراشى وأحمد ماهر، الذى تولى رئاسة الجهاز السرى فى عام 1920.


الهيكل التنظيمي

كان لجماعة اليد السوداء لجنتان "مستعجلة" وأخرى و"تنفيذية"، حيث تتولى الأولى كتابة منشورات سريعة بأمر من عبد الرحمن فهمي، من ابرز المنشورات التي وجهتها اللجنة المستعجلة منشور للسلطان أحمد فؤاد وحدد معسكر الثوار بالشعب والأمة، والمعسكر المضاد بالإنكليز والسراى ورجال المعية (الحاشية) الأفاقين".[3]

المقاومة

 
أعضاء جماعة اليد السوداء.

روى الكاتب، صبري أبو المجد، في كتاب لهُ حول أبطال الجهاز السري لثورة 1919، من بين هؤلاء الأبطال هُناك طالب يُدعى «سيد باشا»، درس بمدرسة المعلمين وانضم مع زملائه إلى جماعة ثورية عقب القبض على سعد زغلول، وكان سبيلُه في ذلك عقد الصداقات مع عدد من عمال السكة الحديد، ليستخدم ورش ومصانع السكة الحديد في تصنيع قنابل بدائية تمامًا، يمكنها العمل من خلال وضع مواد كيماوية تؤدى إلى الانفجار.

رغم صِغر سنه، أسس "سيد" جماعة سُميت بـاليد السوداء، حيث كانت تعمل على توريد القنابل والأسلحة لكثير من عمليات الجهاز السري للثورة، كان عبارة عن مسدس ثم تطور الأمر إلى 4 مسدسات و4 قنابل، ولكن ذلك لم يكُن كافيًا لمواجهة التطور الإنجليزي الهائل آنذاك.

لم تقتصر مهمة "سيد" على التوريد، بل استطاع صُنع أول سلاح في الثورة، لسدّ ثغرة المقاومة أمام الانجليز، حيث شكَّل لجنة برفقة أحمد عبد الحي كيرة، وفكروا في زيادة الأسلحة عن طريق تصنيع القنابل كيميائيًا، فأحضروا كتابًا باللغة الانگليزية، وعكفوا على دراسته وترجمته، ثم أحضروا المواد اللازمة لتصنيع أول قنبلة في ثورة 1919.

وبعد أيام، وضع "سيد" تصميما لشكل القنبلة، ثم عمل على صناعة جسم القنبلة، وقام بالتوجّه إلى إحدى المزارع في منطقة شبرا، وقام بالتجريب، فنجحت التجربة وأحدثت القنبلة انفجارًا هائلاً، ثم جاء دور التنظيم بعد ذلك في التخطيط لعمليات الاغتيالات، والتى كانت ستُنفذ بالطبع عن طريق القنابل.

الاغتيالات

كانت أولى عمليات الاغتيال هي اغتيال رئيس الوزراء، محمد سعيد باشا، وقع الاختيار على الطالب يوسف العبد، لتنفيذ العملية، رُصدت تنقلاته وتحركاته ومواعيد الشوارع التى يمر بها، وقبل التنفيذ بأربع وعشرين ساعة، تم تعديل الخطة، بتغيير منفذ الاغتيال، على أن يكون عبدالحميد، بدلاً من يوسف.

عشية التنفيذ، تعلّم عبدالحميد طريقة إلقاء القنبلة واستعد لإلقاء القنبلة في الوقت الذى تمُر فيه سيارة سعيد باشا أمام نادى محمد على مخترقة شارع سليمان، ومنه إلى ميدان التحرير ثم شارع قصر العيني ثم الشيخ ريحان، حيثُ مكتب سعيد باشا، ولكن مرّت الساعات ولم تظهر السيارة، فتأجلت الخطة إلى يوم آخر، وقُبض على مُنفذ الاغتيال.

لم يهدأ "سيد" آنذاك، واستمر في تصنيع قنابل دعمًا للثورة، استمرت ضربات الثوار للإنگليز، حتى جاء اليوم الذى انكشف فيه أمر الجماعة، ووجّه مدير الأمن العام نداءً إلى مخبريه، يطالبهم بالقبض على الطالب، سيد محمد باشا، بصفته «المُدبر الرئيسي» أو كما أطلقوا عليه "رأس الأفعى".

لم يُقبض حينها على "سيد"، واستطاع أعضاء التنظيم تهريبه إلى الخارج، حيث سافر إلى إيطاليا، ثم بعدها إلى باريس، ليلتقى الزعيم سعد زغلول ثم يعود لإيطاليا ليكتب عدة مقالات فى الصحف الإيطالية مطالباً بالاستقلال ويلتقى بموسولينى.

وبعدها، حصل الطالب المصرى، "سيد" على الدكتوراه مع مرتبة الشرف، وعاد بعدها إلى مصر ليتنقل بين عدو وظائف بوزارة التعليم، ثم أصدر مجلة بعنوان "المشهور"، وشهد بعدها ثورة 23 يوليو، حرب يونيو وحرب أكتوبر ، إلى أن رحل في بداية الثمانينيات دون أن يعلم أحد به.[4]

كانت أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها الجمعية اغتيال السردار لي ستاك، فكانت أكبر عملية اغتيال في مصر بعد قتل سليمان الحلبي لكليبر في زمن الاحتلال الفرنسي، ورد في مجلة « اللطائف المصورة » إن الأزمة بين سعد زغلول الذى رفض فصل مصر عن السودان من جانب وبين الملك والاحتلال من الجانب الآخر، دفعت سعد إلى تقديم استقالته للملك فى 29 يونيو 1924، لكن الملك رفضها ، وتم اعتقال على عبداللطيف بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم وأودع المعتقل ، وتقول المجلة إن الحدث الأكبر الذى هز مصر وبريطانيا معا هو نجاح محاولة اغتيال السير "لى ستاك" سردار « قائد » الجيش المصرى وحاكم السودان فى 23 نوفمبر 1924 وقد وقع الحادث الجلل فى الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الأربعاء 19 نوفمبر بعدما خرج سردار الجيش المصرى وحاكم السودان من مكتبه بوزارة الحربية قاصدا بيته فى الزمالك بعد انتهاء عمله تربص له خمسة أشخاص فى شارع « الطرقة الغربية » - تغير اسم الشارع فيما بعد إلى شارع إسماعيل باشا أباظة - وألقوا قنبلة بالقرب من سيارته وأطلقوا 7 رصاصات أصابت السردار بجرح خطير فى بطنه ‏، وإصابة الياور والسائق بإصابات خطيرة ، وتوفى السردار منتصف الليلة التالية للحادث .. وكان الجناة قد فروا وتم القبض على سائق السيارة التى كانت تنتظرهم. [5]

مصير الجمعية

 
إعدام سبعة من أعضاء اليد السوداء، يوم الأحد 30 أغسطس 1925. وذلك لاغتيالهم لي ستاك، سردار الجيش المصري، بريطاني الجنسية في 19 نوفمبر 1924. الصورة هي للصفحة الأولى من مجلة اللطائف المصورة الصادرة يوم 31 أغسطس 1925.

تعرض العديد من أعضاء الجمعية إلى السجن أو القتل أو كليهما وهرب البعض خارج البلاد هربًا، مثل سيد باشا الذي استطاع الهرب إلى إيطاليا ثم باريس ولكنه عاد في النهاية إلى البلاد وعاش حياة طبيعية دون أن يعرف أحد دوره في المقاومة، ولم يحالف البعض الحظ مثل أحمد عبد الحي كيرة الذي استطاع الهرب إلى ليبيا ثم تركيا لكنه اغتيل بعد سنوات على يد عملاء إنگليز استطاعوا إستدراج كيرة إلى أحد ضواحى اسطنبول واغتالوا البطل ثم مثلوا بجثته وفروا عائدين إلى مصر. عاد ثلاثتهم مزهوين بأنهم قتلوه، ويقولون «لقد ثأرنا لأرواح جنودنا التي أزهقت في مصر.. لقد أدينا الواجب»..أما جثمان البطل فقد ظل في العراء نهبا للبوم والغربان حتى كشفت عنه الشرطة التركية.

اليد السوداء في الثقافة الشعبية المصرية

انظر أيضًا

المصادر

  1. ^ "الجمعيات السرية.. من «المدارس العليا» إلى «بلاك بلوك»". المصري اليوم. 2013-03-09. Retrieved 2022-07-16.
  2. ^ "ساسة ومقاتلون: حركات العنف في مصر قبل ثورة 23 يوليو". إضاءات. 2018-03-07. Retrieved 2022-07-15.
  3. ^ "عباس العقاد مناضلا.. حكاية جماعة "اليد السوداء" السرية فى ثورة 1919". اليوم السابع. 2019-06-28. Retrieved 2022-07-15.
  4. ^ "اعرف اجدادك : الدكتور"سيد باشا" مؤسس جماعة اليد السوداء و صانع اول مسدس وقتبلة مصرية". البشاير. 2017-09-17. Retrieved 2022-07-15.
  5. ^ "عملية اغتيال السردار « لى ستاك » .. رصاصة فى صدر سعد باشا زغلول !". اخبار اليوم. 2021-07-14. Retrieved 2022-07-16.